خيوط النور.... رواية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 84 )           »          نذر الخواص.. ونذر العوام!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          من هو عمران؟ البيت الرسالي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الطريق طويل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أجلُّ النِّعَم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          هل سيشفع لك الصيام والقرآن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          غزة رمز للعزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 493 )           »          حقوق العباد لا تسقط بالتقادم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4376 - عددالزوار : 826536 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-03-2011, 05:37 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
047 خيوط النور.... رواية

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين


إخوتي أخواتي في الله



يسرني أن أقدم لكم رواية " خيوط النور"


وأتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم في خروجها للنور من قريب أو بعيد بنقد بناء أو رأي أو توجيه


أسأل الله جل في علاه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يتقبله إنه سميع مجيب.


خيوط النور:



الحلقة الأولى

بعنوان


صفقة رابحة



في قطر من أقطار الأمة الإسلامية في الألفية الثالثة، تعيش أسرة أحمد في شقة متوسطة في حي جميل وبسيط حيث يدير محلا يضم معملا صغيرا لخياطة زي المرأة المسلمة.
وقد أغنى الله أحمد من فضله، فكان يقسم نفقاته بين والديه وأسرته، ويدخر لتطوير مشروعه ثم يخرج زكاة ماله التي يعتبرها صمام الأمان التجاري لقطره.
وفي يوم من أيام الربيع الجميلة، وقد بدأت الشمس في جمع أشعتها استعدادا للرحيل، والبدر يستعد لينير أرجاء المكان، والسكون بدأ يدب رويدا رويدا في أوصال المدينة.

وصل أحمد بيته مسرورا بالصفقة الجديدة مع شركة "إحسان للقماش"، فقابلته زوجته نور بوجه بشوش كالعادة.
- أهلا بك يا عزيزي.
أحمد: أهلا بك يا رفيقة العمر.
نور: أرى الفرحة تطل من عينيك يا أحمد، هل لديك أخبار سارة عن الصفقة ؟
أحمد: اليوم بفضل الله أتممت الصفقة مع شركة القماش التي حدثتك عنها، استخرت الله واتصلت بالمدير، شرحت له طبيعة عملنا وكيف أن قماش شركتهم مناسب جدا للزي الذي نقوم بخياطته، فوافق بفضل الله ووقعنا العقود بعد صلاة العصر.
نور: الحمد لله على فضله، جعلها الله فاتحة خير ونفعنا بها.
أحمد: يا رب آمين – هكذا يا نور حياتي لا تنسينا من الدعاء دائما...أين الأولاد؟
نور: عمر ويوسف وعثمان يلعبون كرة القدم مع بعض شباب الحي وفاطمة ومريم وعائشة في غرفتهن.
أحمد: إذن أنادي الشباب لنتناول طعام العشاء.
نور: ونحن سنجهز الطعام في انتظار عودتكم بإذن الله.
دخل الأب غرفة البنات بعد الاستئذان فخاطبهن باسما كالمعتاد:
- السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
البنات: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أحمد: كيف حالكن يا قرة عيني ؟
فاطمة: بخير والحمد لله يا أبي العزيز.
وجرت عائشة لتتعلق برقبة أبيها كالعادة وهي تلاعبه ببراءة طفولية تضفي على جو الأسرة طابعا خاصا. فاهتم بها أحمد كالعادة وفاجأها بلعبة جديدة جلبها لها، ففرحت كثيرا وانطلقت مسرعة لتريها لأمها.
ثم قال ضاحكا: سأذهب لمناداة إخوتكم لنتناول العشاء معا ونستمتع مع مريم بقصة اليوم.
ثم ألقى التحية وخرج.
وذهب إلى ملعب الحي باحثا عن أبنائه الثلاثة فوجد يوسف ابنه الأوسط الطالب في " الثانوية العامة "، في نقاش حاد مع أحد أصدقائه.
فاقترب الأب وقد حزن لما رأى، وقال لابنه: استعذ بالله من الشيطان ولا تغضب.
أقبل يوسف باتجاه أبيه وانحنى على يده فقبلها وقال: تامر هو الذي أغضبني يا أبي، سجلت هدفا ولكنه يقول أني لمست الكرة بيدي..
أردف الشاب: نعم والجميع يشهد.
ابتسم الأب وقال: يا ابني يا يوسف ويا ابني يا تامرلا داعي لكل هذا فهي لعبة بالنهاية،
فلا تتركا الشيطان يتسلل إلى علاقتكما فيفسدها...
يوسف مقاطعا: ولكن يا أبي..
فبادره أبوه مبتسما: هونا عليكما وتصافحا لعل الله يغفر ما صدر منكما في هذه اللحظات..
فتصافح الشابان وتبادلا الاعتذار ...
ثم دعا أحمد الشاب للعشاء فاعتذر بلطف، وانصرف الجميع إلى حال سبيله.


التأم الشمل حول مائدة الطعام فافتتح الأب بالبسملة ثم شرع الجميع في الأكل، وهميتجاذبون أطراف الحديث والأب يسأل الجميع عن أحواله الإيمانية والشخصية والدراسية... الحمد لله الذي أطعمنا هذا ورزقنا إياه من غير حول منا ولا قوة.


قالها أحمد بعد أن أنهى طعامه.
ما أروع أن يشكر الإنسان ربه على النعم ليحفظها له من الزوال ويغدق عليه من أفضاله.
فكما قال تعالى :{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7)} سورة إبراهيم.
التفت الأسرة حول مريم وكلها آذان صاغية حتى تسمع قصة اليوم فبسملت وحمدت الله تعالى كماعلمها والداها ثم بدأت تحكي القصة ...
يتبع بإذن الله...




__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-03-2011, 12:28 AM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
047 رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة الثانية بعنوان:
مفاجأة
افتتح عمر جلسة العائلة بترتيل آيات بينات من أواخر سورة لقمان:


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم


يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ


استرسل عمر بصوته الشجي، فنزلت السكينة على الحاضرين، وحرك وجدانهم لتدبر آيات الذكر الحكيم.






بعدها شرعت مريم تروي قصتها والكل يسمعها باهتمام،


وكانت القصة عن عمر بن عبدالعزيز، وكيف أن جده لأمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحسن اختيار زوجة ابنه عاصم، الذي بنى أسرة مسلمة على مراد الله وأنجبا أم عمر بن عبد العزيز.


ركزت مريم على أن عمر بن الخطاب كان حكيما في الاختيار، مدركا أن اختيار الزوجة والزوج هما أساس بناء أسرة تبني أساسا متينا لأجيال قادمة.


استرسلت مريم في سردها للقصة، وقد أخذت بمسامع الجميع لما لها من أسلوب جذاب في الحكي.


ثم ختمت حديثها قائلة:


- هكذا يا أفراد أسرتي الحبيبة كانت نظرة الفاروق رضي الله عنه ثاقبة بفضل الله فكان سببا في إخراج إمام عادل ملأ الأرض عدلا وسلاما بعدما دب الفساد في أوصال الأمة في القرن الثاني للهجرة .
رضي الله عن سيدنا عمر بن الخطاب وعن حفيده عمر بن عبد العزيز وأرضاهما.
أردف أحمد بعد أن أنهت مريم القصة قائلا: اختيار موفق يا ابنتي وكأنك وضعت يدك على الجرح ووصفت الدواء.


فكل ما تعيشه أمتنا اليوم من هوان وظلم يحاكي مرحلة ما قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بعدة أشكال.


وجزء من الحل في نظري يكمن والله أعلم في زرع بذور أسر مسلمة على مراد الله تسير على منهج واضح المعالم،


أسر تكون سببا في تعاقب أجيال التغيير وعودة الأمة إلى حضارتها وعزها،
وتكون كما يحب الله ورسوله على المحجة البيضاء لا تتبع إلا الحق ولا تلتفت إلى سواه.


استمرت مناقشة القصة واستخلاص العبر منها بين أفراد الأسرة حتى أذان العشاء فتفرق الجمع لأداء الصلاة وتلبية نداء الرحمن.
فجأة أصيبت نور بغثيان ودوار، فهرولت تجاه الحمام وتبعتها فاطمة ابنتها الكبرى بينما جلست البنات بين انتظار وخوف على أمهن.


عادت نور برفقة فاطمة فطمأنت الجميع.


جلست وحولها بناتها وفي أعينهن خوف واستفسار.


فقالت لهن مطأطئة رأسها:


- أنا حامل.


ضحكت عائشة ذات التسع سنوات وقالت:


- ما أروعك يا أمي ستلدين لي من يلعب معي ويسليني؟


قالت مريم: خير يا أمي لعله خير.


بينما سكتت فاطمة ولم تنبس ببنت شفة.


- من الآن يا أمي لن تقومي بأشغال البيت


قالتها مريم وهي تنظر لأمها محاولة تلطيف الجو.


ثم استطردت: قومي يا أمي لترتاحي في غرفتك.


قامت نور إلى غرفتها وذهبت البنات إلى غرفتهن.


- ماذا سأقول لصديقاتي؟ بماذا سأواجه بنات العمارة والحي بعد اليوم؟


قالتها فاطمة بعصبية.


فأجابتها مريم: لماذا تقولين هكذا يا فاطمة ؟ هل أجرمت أمنا؟


فاطمة: لا حاشا لله ولكن أخ أو أخت صغيرة في هذه السن؟ بعدما دخلنا أنا وعمر للجامعة وأنت صرت في الثانوي؟ ماذا ستكون ردة فعل يوسف وعمر؟ وأبي أيضا؟


مريم: هل تعترضين على مشيئة الله يا فاطمة ؟ حملها ليس بيدها فهو سبحانه القائل في كتابه العزيز:


لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) سورة الشورى.


فاطمة: اللهم لا اعتراض على قضائك، لكن ضعي نفسك مكاني يا مريم.


مريم: حبيبتي ألم تسمعي الحديث الصحيح الذي رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم:"تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".



والحمد لله أبوانا صالحان بفضل الله وربيانا تربية على منهج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم


ربما شاءت حكمة الله أن يخرج من صلبهما صلاح الدين جديد


فاطمة: وهل صلاح الدين بهذه البساطة؟


مريم: وما أدراك؟


استغفري ربك يا فاطمة وارضي بقضائه فإن الله يريد ونحن نريد ولا يكون إلا ما يريد فإن رضينا بما يريد نلنا أجر من شيمته الصبر والرضا وهما خصلتان عظيمتان لا يتصف بهما إلا مؤمن.


فاطمة: أستغفر الله العظيم – أستغفر الله العظيم


دخل أحمد غرفته حين عودته من المسجد مبتسما فوجد نور شاحبة الوجه شاردة الذهن فسألها بحيرة:


- ماذا بك يا حبيبتي؟ أأنت مريضة؟


نظرت إليه نور وبداخلها خوف من ردة فعل سلبية تجاه الخبر ثم قالت بصوت خافت:


- أنا حامل يا أحمد.


رد أحمد مبتسما محاولا إخفاء أثر المفاجأة تخفيفا على شريكة حياته:


- الحمد لله على فضله ومنه أن رزقنا زينة الحياة الدنيا وأساله تعالى أن يتم علينا نعمته فيجمعنا تحت عرشه رفقة حبيبه صلى الله عليه وسلم في الآخرة.


نور: ألست مستاء من الأمر يا زوجي العزيز؟


أحمد: ولم أستاء؟ وهذا رزق من رب العالمين.


أعلم أن تربية الأبناء صعبة وتحتاج منا جهدا ومتابعة لنؤدي الأمانة ونربيهم كما يحب الله وبرضى، لكن وما يدريك؟ لعل هذا الجنين يعولنا في كبرنا ويؤنس وحدتنا؟


ثم أكمل مازحا: حين نصبح بلا أسنان وظهورنا منحنية وتقولين لي:


ذهب الجمال يا أحمد وبقيت ملامحه.


تنفست نور الصعداء وابتسمت ضاحكة لأن أحمد يشاطرها فكرها وكأن بينهما اتصالا ذهنيا.


سبحان الله الذي خلق الأزواج وجعلها سكنا وألف بين قلوبها بالمودة والرحمة.


أحمد: ارتاحي يا حبيبتي ولا تفكري كثيرا فمدبر الكون كفانا التدبير.


نور: أفرحتني بردة فعلك جزاك الله الجنة وأفرحك بالنظر إلى وجهه الكريم


طرقت عائشة باب الغرفة:


- عثمان عثمان


ماذا تريدين يا عائشة ؟


عندي لك خبر رائع.


عثمان: خير؟


عائشة: أمنا حامل وستأتي لي بطفل ألعب معه.



عثمان: حسنا سأقولها للآخرين.


دخل عثمان غرفته وإخوته وقال لهما مازحا:


- سأزف لكما خبرا جديدا – كم ستدفعون لي؟


عمر بمزح ممزوج بفضول: أفصح يا صاح - ميزانية هذا الأسبوع كلها لك


عثمان: أمنا حامل يا شباب.


انعقد لسان يوسف وعمر من الذهول ونطقا بصوت واحد :


- حامل؟


عثمان: نعم هذا ما قالته لي عائشة قبل قليل، ما رأيكما في الخبر؟


يوسف: بصراحة هذا خبر لم يكن في الحسبان، بعد ميلاد عائشة بتسع سنين ونحن قد كبرنا الآن، ومنا من هو في الجامعة ومن هو في الثانوية...سيكون مصدر حرج لنا بين أصدقائنا ومعارفنا.


عثمان متعجبا: حرج؟ أهو عيب أن تلد أمنا ؟


عمر: عثمان محق يا يوسف – أعلم أن المسألة صعبة لكن هذا رزق من الله ويجب أن نرضى به فهو أعلم بالأصلح لنا – ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟


والحمد لله حالتنا المادية جيدة لاستقبال طفل جديد وأبوانا لازالا في شبابهما لا تنس أنهما تزوجا في أوائل العشرينات.


يوسف: نعم يا عمر لكن المسألة لن تمر هكذا في محيطنا ولا تنس أيضا أن وجود طفل في هذه السن سيقلق راحتنا.


عثمان: لا يحق لأحد أن يتدخل ما دامت المسألة لا تنافي شرع الله.



استأذن الأبناء للاطمئنان على صحة والدتهم ثم انصرفوا إلى غرفتهم للنوم.


وفي غمرة الصمت السائد، انطلق صوت صراخ:


- أنقذوني أنقذوني سيقتلني سيقتلني

__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25-03-2011, 03:07 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة الثالثة:

بعنوان: نجدة


قفز أحمد من مكانه ظانا أنه يحلم.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...
- اهدأ يا أحمد، هذا صوت جارتنا سوسن ، أظن أن زوجها ضربها كالعادة.
التفت أحمد بانفعال ممزوج بالصدمة: ماذا؟ وهل هي بهيمة لكي يضربها؟
لا حول ولا قوة إلا بالله.
نور: هذه عادته حين يسكر، كل يوم تقريبا أسمع صراخهم في النهار ولكن اليوم أول مرة أسمع صراخ سوسن في الليل وبقوة، هداه الله وأعانه على نفسه.
أحمد في غضب: وكيف تعلمين بما تعانيه جارتنا ولم تخبريني يوما؟
نور بارتباك: والله يا عزيزي ما كنت أظن أنك ستغضب خصوصا وأنك أخبرتني مرة أنك تحاول التقرب إليه لتعينه على ترك الخمر.
أحمد : وهذا أحرى أن تخبريني لعل الله يرشدني إلى مفتاح الأمر فنكون سببا في إصلاح حال الأسرة.
نور: أنا آسفة، أرجوك لا تغضب علي فإني لا أطيق ذلك.
أحمد بحزم وجدية: دعيك من هذا الآن وسنتناقش لاحقا بإذن الله وهيا بنا الآن لنرى ماذا يجري لعلنا نصلح بينهما.
رن أحمد جرس الباب فإذا بابنتهما ذات الست سنوات تفتح الباب، وهي تبكي بشدة وترتعش من الخوف.
أحمد بذهول: يا إلهي،ماذا بك يا ابنتي؟
وفاء: ماما- ماما
حضنت نور الطفلة بسرعة محاولة تهدئة روعها وطرق أحمد الباب وهو ينادي الأب فلا يصح الدخول للبيت دون استئذان.
خرجت الأم بعد دقائق وهي ترتعش وتلهج بكلمات غير مفهومة ثم سقطت مغميا عليها أمام الباب.
- سوسن سوسن ... يا للمصيبة، ماذا بك يا أختي ؟ أجيبيني رجاءً.
نادت نور سوسن المحطمة وهي تبكي لهول ما رأت.
أحمد: لطفك يا الله ...هذا وحش وليس بإنسان ...
حزن أحمد على الجارة المظلومة، فلقد باتت بلا ملامح، حتى أن وجهها غاب وسط حمرة الكدمات، والعينان شبه مقفلتين، والجسد خائر القوى منهك من الضرب شبه اليومي، ولكن هذه الأخيرة كانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير.
ثم ذهب بسرعة إلى بيته ليتصل بالإسعاف وأخذ وفاء معه، وترك نور مع الجارة المنهارة معنويا وجسديا، تحاول إيقاظها.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك وهدى الله زوجك وأصلحه.
تمتمت نور بهذه الكلمات وهي تمسح جبين جارتها وتواسيها بحنان ورفق رغم أنها غائبة عن الوعي.
تأخرت سيارة الإسعاف للأسف، فأخذها الزوجان إلى المستشفى بعد أن أوصت نور بناتها أن يعتنين بالطفلة.
وصلوا إلى قسم المستعجلات، فانبهروا بالحشد الذي ينتظر دوره، فهذا بطنه ممزقة من أثر شجار وهذا حاول الانتحار وهذه تتوجع من ألم حادثة سير وهذا وهذا...
وما لبثت أن زكمت أنوفهم رائحة كريهة تنبعث من المكان بسبب قلة التنظيف وسوء التدبير.
حالات كثيرة في دقائق معدودة استقبلتها عينا أحمد فأدمت قلبه وجعلته ينقبض حسرة على ما وعى.
ودخل أحمد ليسأل عن الطبيب فنهره الممرض قائلا:
- اخرج يا هذا وقف مع "البشر" حتى يأتي الطبيب.
نظر إليه أحمد وقال:
- اسمي أحمد وليس هذا وقد رزقني الله باسم وهؤلاء بشر نعم ولكنهم أناس خلقهم الله كما خلقك
نظر إليه الممرض بازدراء فاستمر أحمد في تعليقه:
- من تكون في ملك الله لكي تتعامل معنا بازدراء؟ ما أنت إلا إنسان مثلنا ولو كنت ملكا جعلك الله على خزائن الأرض...
ابتسم الممرض محاولا استغلال الوضع لصالحه وقال:
- نعم أناس أناس وأنت أحمد نعم أحمد، هل تبحث عن الطبيب؟
أحمد: نعم
الممرض: الطبيب يرتاح في الاستراحة، وإن كنت تحتاجه على وجه السرعة أنا في الخدمة.
فهم أحمد أنه يريد رشوة فتجاهل الأمر لأنها لعنة من الله لا يطيق عواقبها ثم قال مستنكرا:
- يا الله الطبيب يرتاح؟ ولماذا هو هنا ويدفع له أجر ؟ ليرتاح من الراحة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله...
استطرد أحمد مستنكرا:
- أأنتم فعلا تراعون صحة الناس؟ كذبتم ورب الكعبة. لماذا لا يراعي أغلب الأطباء الله في مهنتهم التي استأمنهم الله من خلالها على صحة خلقه ؟
- يا سيد الطب ليس لقبا ولا منصبا وإنما هو رسالة وأمانة...
تركه الممرض بتبلد غريب في الأحاسيس ولامبالاة وكأنه أقفل على قلبه في ظلمة المادية والطمع ورمى مفتاحه في بحر لجي ودخل إلى غرفة الكشف.
استاء أحمد من هذا الوضع الذي لا تراعى فيه الإنسانية ولا يعطى المواطن أبسط حقوقه وهو العلاج.
فكر مليا ثم ذهب إلى السيارة وركبها منفعلا من آثار المشاهد اللا إنسانية والانتهازية المطبقة على المكان فمن دفع الرشوة عومل باهتمام ومن لم يدفع عومل كالكلب بل حتى الكلاب لها حقوق اليوم.
ثم قال لنور بلهجة حازمة: لابد من إنقاذ جارتنا، إذا انتظرنا أكثر سيتفاقم الوضع ونسأل أمام الله على التقصير.
نظرت إليه زوجته بنظرة ملؤها الفخر والاعتزاز بزوجها التقي الذي يخاف الله، وحمدت الله في نفسها على هذه النعمة التي هي حسنة الدنيا والمعين بإذن الله على الطريق نحو حسنة الآخرة.
ثم قالت: تقصد أن نذهب بها إلى مستشفى خاص ؟
أحمد: نعم يا عزيزتي فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ويقينا سيعوضنا خيرا
نور: إذن توكل على الله.
- وفاء وفاء ...
نادت سوسن بصوت خافت وهي تفيق رويدا رويدا فشدت نور على يدها بحنان وقالت:
اطمئني يا سوسن وفاء مع بناتي في البيت وهي بخير.
سوسن بصوت منهك: الحمد لله .. رأسي يؤلمني كثيرا.
ثم تصفحت بعينيها السيارة وقالت: أين أنا؟
نور: سنأخذك بإذن الله للمستشفى.
سوسن بصوت متعب: ماذا جرى يا نور؟
نور: أغمي عليك ... لا تفكري كثيرا الآن، لا تجهدي نفسك بالكلام، سنصل بعد قليل بإذن الله.
أحمد: حمدا لله على سلامتك أختي سوسن، شفاك الله وعافاك.
سوسن بمشقة: آمين.
وصل الثلاثة إلى المستشفى، فاستقبلتهما ممرضتان وأخذتا سوسن على وجه السرعة إلى غرفة الكشف وجلس الزوجان ينتظران ثم خرجت الطبيبة وسألتهما:
أنتما من أسرة المريضة؟
نور: نعم نحن جيرانها
الطبيبة: لقد أصيبت المريضة بانهيار عصبي ومعظم جسدها عليه آثار ضرب بأداة صلبة .
أحمد: لا حول ولا قوة إلا بالله
الطبيبة: من المجرم الذي فعل هذا؟ ماذا جرى بالضبط؟
فكر أحمد برهة وأجابها: زوجها حسب علمنا يا دكتورة ولكن لا علم لنا بما جرى بالضبط.
الطبيبة : عموما سأكتب تقريرا بالحالة وأبلغ الشرطة لتتخذ الإجراءات.
نور: وكم ستحتاج من الوقت لتعود لحالتها الطبيعية؟
الطبيبة : لا أستطيع التحديد إلا بعد إكمال الأشعة.
نور: بارك الله فيك يا دكتورة.
الطبيبة : لا حاجة لانتظاركما فقد تم نقلها للعناية المركزة بعد فقدانها الوعي والزيارة ممنوعة مؤقتا.
ذهب الزوجان إلى الاستقبال لدفع مبلغ مسبق ريثما يحددون التكلفة النهائية ثم عادا إلى بيتهما متأثرين بالحادث وفي السيارة تجاذبا أطراف الحديث بخصوصه.
أحمد: بصراحة يا عزيزتي فوجئت اليوم بالوضع المؤلم الذي تعيشه جارتنا.
نور: أحيانا كنت أسمع صوت شجارهما وكنت أظنه عاديا لكنني اليوم صدمت بحالة سوسن، المسكينة محطمة والصغيرة مصدومة مما رأت.
اغرورقت عينا نور بدموع الحزن على جارتها وقد تذكرت شقيقتها التي تعيش نفس المأساة مع زوجها اللا مسؤول ثم دعت الله بخشوع لهما في سرها.
اللهم فرج عنهما همهما واكشف عنهما الضر إنك على كل شيء قدير.
التفت إليها أحمد وقد لاحظ ارتباكها وتفاعلها مع مشكل جارتهما: اهدئي حبيبتي وإن شاء الله تقوم بالسلامة، لعل هذا الحدث كله خير لها.
تنهدت نور وقالت: صدقت لعله خير ... رب ضارة نافعة.
أحمد: كنت أتمنى يا نور لو كنت قريبة من جارتنا لعلك تخففين عنها ما تمر به.
نور: حاولت مرارا، كنت أرى الحزن في عينيها وكلما حاولت الاقتراب كانت تصدني بطرق غير مباشرة، فآثرت أن أتعامل معها كما تحب ولا أتدخل في شؤونها.
أحمد: الله المستعان، هكذا بعض الرجال جهلة بما لهم وما عليهم وكذا بعض النساء وللأسف هذا حال الكثير من الأسر إما تجد الزوجة تعاني في صمت أو الزوج صابرا لأجل الأسرة.
نور:على فكرة لماذا أخبرت الطبيبة أن زوج سوسن من ضربها؟ هذا يمكن أن يعرضه للسجن.
أحمد: وهل ترضين أن أكذب؟ أو أن أكتم شهادة حق؟ هو أخطأ ولابد أن يأخذ جزاءه وإلا سيستمر في ظلمه لزوجته ولن يرتدع.
قال الله جل في علاه:
وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) سورة البقرة.
نور: صدقت يا عزيزي، بعض الرجال لا يعون حجم الميثاق الغليظ الذي عاهدوا الله عليه حين تزوجوا بنسائهم، فمنهم من يعاملها كالخادمة ومنهم من يهينها ويضربها كالبهيمة وغيرهم من الجهلة بدين الله الذين يفسرونه حسب أهوائهم.
اللهم إنا نعوذ بك أن نظلم أو أن نظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة ونحن بشر ضعيف لا يقوى على نار جهنم.
أحمد: فعلا معك حق.
وصل الزوجان إلى البيت فوجدا مفاجأة بانتظارهما...
يتبع بإذن الله.
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-03-2011, 12:26 AM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة الثالثة:

بعنوان: نجدة

قفز أحمد من مكانه ظانا أنه يحلم.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...
- اهدأ يا أحمد، هذا صوت جارتنا سوسن ، أظن أن زوجها ضربها كالعادة.
التفت أحمد بانفعال ممزوج بالصدمة: ماذا؟ وهل هي بهيمة لكي يضربها؟
لا حول ولا قوة إلا بالله.
نور: هذه عادته حين يسكر، كل يوم تقريبا أسمع صراخهم في النهار ولكن اليوم أول مرة أسمع صراخ سوسن في الليل وبقوة، هداه الله وأعانه على نفسه.
أحمد في غضب: وكيف تعلمين بما تعانيه جارتنا ولم تخبريني يوما؟
نور بارتباك: والله يا عزيزي ما كنت أظن أنك ستغضب خصوصا وأنك أخبرتني مرة أنك تحاول التقرب إليه لتعينه على ترك الخمر.
أحمد : وهذا أحرى أن تخبريني لعل الله يرشدني إلى مفتاح الأمر فنكون سببا في إصلاح حال الأسرة.
نور: أنا آسفة، أرجوك لا تغضب علي فإني لا أطيق ذلك.
أحمد بحزم وجدية: دعيك من هذا الآن وسنتناقش لاحقا بإذن الله وهيا بنا الآن لنرى ماذا يجري لعلنا نصلح بينهما.
رن أحمد جرس الباب فإذا بابنتهما ذات الست سنوات تفتح الباب، وهي تبكي بشدة وترتعش من الخوف.
أحمد بذهول: يا إلهي،ماذا بك يا ابنتي؟
وفاء: ماما- ماما
حضنت نور الطفلة بسرعة محاولة تهدئة روعها وطرق أحمد الباب وهو ينادي الأب فلا يصح الدخول للبيت دون استئذان.
خرجت الأم بعد دقائق وهي ترتعش وتلهج بكلمات غير مفهومة ثم سقطت مغميا عليها أمام الباب.
- سوسن سوسن ... يا للمصيبة، ماذا بك يا أختي ؟ أجيبيني رجاءً.
نادت نور سوسن المحطمة وهي تبكي لهول ما رأت.
أحمد: لطفك يا الله ...هذا وحش وليس بإنسان ...
حزن أحمد على الجارة المظلومة، فلقد باتت بلا ملامح، حتى أن وجهها غاب وسط حمرة الكدمات، والعينان شبه مقفلتين، والجسد خائر القوى منهك من الضرب شبه اليومي، ولكن هذه الأخيرة كانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير.
ثم ذهب بسرعة إلى بيته ليتصل بالإسعاف وأخذ وفاء معه، وترك نور مع الجارة المنهارة معنويا وجسديا، تحاول إيقاظها.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك وهدى الله زوجك وأصلحه.
تمتمت نور بهذه الكلمات وهي تمسح جبين جارتها وتواسيها بحنان ورفق رغم أنها غائبة عن الوعي.
تأخرت سيارة الإسعاف للأسف، فأخذها الزوجان إلى المستشفى بعد أن أوصت نور بناتها أن يعتنين بالطفلة.
وصلوا إلى قسم المستعجلات، فانبهروا بالحشد الذي ينتظر دوره، فهذا بطنه ممزقة من أثر شجار وهذا حاول الانتحار وهذه تتوجع من ألم حادثة سير وهذا وهذا...
وما لبثت أن زكمت أنوفهم رائحة كريهة تنبعث من المكان بسبب قلة التنظيف وسوء التدبير.
حالات كثيرة في دقائق معدودة استقبلتها عينا أحمد فأدمت قلبه وجعلته ينقبض حسرة على ما وعى.
ودخل أحمد ليسأل عن الطبيب فنهره الممرض قائلا:
- اخرج يا هذا وقف مع "البشر" حتى يأتي الطبيب.
نظر إليه أحمد وقال:
- اسمي أحمد وليس هذا وقد رزقني الله باسم وهؤلاء بشر نعم ولكنهم أناس خلقهم الله كما خلقك
نظر إليه الممرض بازدراء فاستمر أحمد في تعليقه:
- من تكون في ملك الله لكي تتعامل معنا بازدراء؟ ما أنت إلا إنسان مثلنا ولو كنت ملكا جعلك الله على خزائن الأرض...
ابتسم الممرض محاولا استغلال الوضع لصالحه وقال:
- نعم أناس أناس وأنت أحمد نعم أحمد، هل تبحث عن الطبيب؟
أحمد: نعم
الممرض: الطبيب يرتاح في الاستراحة، وإن كنت تحتاجه على وجه السرعة أنا في الخدمة.
فهم أحمد أنه يريد رشوة فتجاهل الأمر لأنها لعنة من الله لا يطيق عواقبها ثم قال مستنكرا:
- يا الله الطبيب يرتاح؟ ولماذا هو هنا ويدفع له أجر ؟ ليرتاح من الراحة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله...
استطرد أحمد مستنكرا:
- أأنتم فعلا تراعون صحة الناس؟ كذبتم ورب الكعبة. لماذا لا يراعي أغلب الأطباء الله في مهنتهم التي استأمنهم الله من خلالها على صحة خلقه ؟
- يا سيد الطب ليس لقبا ولا منصبا وإنما هو رسالة وأمانة...
تركه الممرض بتبلد غريب في الأحاسيس ولامبالاة وكأنه أقفل على قلبه في ظلمة المادية والطمع ورمى مفتاحه في بحر لجي ودخل إلى غرفة الكشف.
استاء أحمد من هذا الوضع الذي لا تراعى فيه الإنسانية ولا يعطى المواطن أبسط حقوقه وهو العلاج.
فكر مليا ثم ذهب إلى السيارة وركبها منفعلا من آثار المشاهد اللا إنسانية والانتهازية المطبقة على المكان فمن دفع الرشوة عومل باهتمام ومن لم يدفع عومل كالكلب بل حتى الكلاب لها حقوق اليوم.
ثم قال لنور بلهجة حازمة: لابد من إنقاذ جارتنا، إذا انتظرنا أكثر سيتفاقم الوضع ونسأل أمام الله على التقصير.
نظرت إليه زوجته بنظرة ملؤها الفخر والاعتزاز بزوجها التقي الذي يخاف الله، وحمدت الله في نفسها على هذه النعمة التي هي حسنة الدنيا والمعين بإذن الله على الطريق نحو حسنة الآخرة.
ثم قالت: تقصد أن نذهب بها إلى مستشفى خاص ؟
أحمد: نعم يا عزيزتي فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ويقينا سيعوضنا خيرا
نور: إذن توكل على الله.
- وفاء وفاء ...
نادت سوسن بصوت خافت وهي تفيق رويدا رويدا فشدت نور على يدها بحنان وقالت:
اطمئني يا سوسن وفاء مع بناتي في البيت وهي بخير.
سوسن بصوت منهك: الحمد لله .. رأسي يؤلمني كثيرا.
ثم تصفحت بعينيها السيارة وقالت: أين أنا؟
نور: سنأخذك بإذن الله للمستشفى.
سوسن بصوت متعب: ماذا جرى يا نور؟
نور: أغمي عليك ... لا تفكري كثيرا الآن، لا تجهدي نفسك بالكلام، سنصل بعد قليل بإذن الله.
أحمد: حمدا لله على سلامتك أختي سوسن، شفاك الله وعافاك.
سوسن بمشقة: آمين.
وصل الثلاثة إلى المستشفى، فاستقبلتهما ممرضتان وأخذتا سوسن على وجه السرعة إلى غرفة الكشف وجلس الزوجان ينتظران ثم خرجت الطبيبة وسألتهما:
أنتما من أسرة المريضة؟
نور: نعم نحن جيرانها
الطبيبة: لقد أصيبت المريضة بانهيار عصبي ومعظم جسدها عليه آثار ضرب بأداة صلبة .
أحمد: لا حول ولا قوة إلا بالله
الطبيبة: من المجرم الذي فعل هذا؟ ماذا جرى بالضبط؟
فكر أحمد برهة وأجابها: زوجها حسب علمنا يا دكتورة ولكن لا علم لنا بما جرى بالضبط.
الطبيبة : عموما سأكتب تقريرا بالحالة وأبلغ الشرطة لتتخذ الإجراءات.
نور: وكم ستحتاج من الوقت لتعود لحالتها الطبيعية؟
الطبيبة : لا أستطيع التحديد إلا بعد إكمال الأشعة.
نور: بارك الله فيك يا دكتورة.
الطبيبة : لا حاجة لانتظاركما فقد تم نقلها للعناية المركزة بعد فقدانها الوعي والزيارة ممنوعة مؤقتا.
ذهب الزوجان إلى الاستقبال لدفع مبلغ مسبق ريثما يحددون التكلفة النهائية ثم عادا إلى بيتهما متأثرين بالحادث وفي السيارة تجاذبا أطراف الحديث بخصوصه.
أحمد: بصراحة يا عزيزتي فوجئت اليوم بالوضع المؤلم الذي تعيشه جارتنا.
نور: أحيانا كنت أسمع صوت شجارهما وكنت أظنه عاديا لكنني اليوم صدمت بحالة سوسن، المسكينة محطمة والصغيرة مصدومة مما رأت.
اغرورقت عينا نور بدموع الحزن على جارتها وقد تذكرت شقيقتها التي تعيش نفس المأساة مع زوجها اللا مسؤول ثم دعت الله بخشوع لهما في سرها.
اللهم فرج عنهما همهما واكشف عنهما الضر إنك على كل شيء قدير.
التفت إليها أحمد وقد لاحظ ارتباكها وتفاعلها مع مشكل جارتهما: اهدئي حبيبتي وإن شاء الله تقوم بالسلامة، لعل هذا الحدث كله خير لها.
تنهدت نور وقالت: صدقت لعله خير ... رب ضارة نافعة.
أحمد: كنت أتمنى يا نور لو كنت قريبة من جارتنا لعلك تخففين عنها ما تمر به.
نور: حاولت مرارا، كنت أرى الحزن في عينيها وكلما حاولت الاقتراب كانت تصدني بطرق غير مباشرة، فآثرت أن أتعامل معها كما تحب ولا أتدخل في شؤونها.
أحمد: الله المستعان، هكذا بعض الرجال جهلة بما لهم وما عليهم وكذا بعض النساء وللأسف هذا حال الكثير من الأسر إما تجد الزوجة تعاني في صمت أو الزوج صابرا لأجل الأسرة.
نور:على فكرة لماذا أخبرت الطبيبة أن زوج سوسن من ضربها؟ هذا يمكن أن يعرضه للسجن.
أحمد: وهل ترضين أن أكذب؟ أو أن أكتم شهادة حق؟ هو أخطأ ولابد أن يأخذ جزاءه وإلا سيستمر في ظلمه لزوجته ولن يرتدع.
قال الله جل في علاه:
وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) سورة البقرة.
نور: صدقت يا عزيزي، بعض الرجال لا يعون حجم الميثاق الغليظ الذي عاهدوا الله عليه حين تزوجوا بنسائهم، فمنهم من يعاملها كالخادمة ومنهم من يهينها ويضربها كالبهيمة وغيرهم من الجهلة بدين الله الذين يفسرونه حسب أهوائهم.
اللهم إنا نعوذ بك أن نظلم أو أن نظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة ونحن بشر ضعيف لا يقوى على نار جهنم.
أحمد: فعلا معك حق.
وصل الزوجان إلى البيت فوجدا مفاجأة بانتظارهما...
يتبع بإذن الله.
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28-03-2011, 06:21 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية



الحلقة الرابعة:

بعنوان: التيه






- افتحوا الباب افتحوا الباب ....





قالها سعيد صارخا بأعلى صوته ففزع الجيران وخرجوا يستطلعون ما يجري من الشرف والأبواب، لكن لم يجرؤ أحد منهم على الاقتراب أو إثناء سعيد عما يقوم به ..





بدأ يطرق باب شقة أحمد بقوة ويركله برجله وهو يتلفظ بأسوإ الألفاظ وأقذع الشتائم.





وصل أحمد وزوجته بعد لحظات، فغضب لما رأى بينما اختبأت نور وراءه خوفا من سعيد.


تمالك أعصابه بصعوبة لكي لا يزيد الموقف سوءا مذكرا نفسه بأجر كظم الغيظ والحلم عند الله


ثم قال لسعيد:





- ماذا هناك يا سعيد؟ لماذا تصرخ وتضرب الباب؟





- جئت يا جاري العزيز ...أهلا أهلا ....





قالها سعيد بسخرية وهو يتمايل ولا تكاد رجلاه تحملانه ثم أردف بعد أن أمسك بقميص أحمد:





- أين زوجتي وابنتي أيها المجرم؟ تتآمرون علي لتفرقوا بيني وبين أسرتي أنتم وكل الجيران ...


تحرضون سوسن على التمرد والعصيان.





حاول أحمد تهدئته متحملا الرائحة الكريهة التي تنبعث من فمه والألفاظ البذيئة التي يصفهم بها.





- أعوذ بالله من الوسواس الخناس لا أدري كيف تتحمل زوجتك وابنتك هذه الرائحة، كان الله في عونهما وهداك إلى طريق الرشاد.





تمتم أحمد محدثا نفسه ثم اصطحبه إلى شقته بعد أن أخبره بأن زوجته في المستشفى وأن ابنته نائمة، وأقنعه بصعوبة الذهاب للنوم حتى الصباح.





عاد أحمد إلى شقته بعد أن نام سعيد وهو يهذي بكلام غير مفهوم يدل على نفسية متناقضة غير سوية.


فوجد نور قد دخلت الشقة والأولاد مجتمعين. اطمأن على أسرته فردا فردا وعلى الصغيرة وتأكد أنهم جميعا بخير، ثم نظر إلى وفاء بحنان وحضنها لعله يعوضها قليلا عن غياب أبويها ..





قالت فاطمة: المسكينة عانت اليوم كثيرا، لا أعلم كيف تعيش خالتي سوسن وطفلتها مع هذا الزوج الذي انعدم عنده الإحساس بالمسؤولية.





فاستطرد عمر: بالصبر يا أختاه، ولولا أن الله يعين عباده لما تحملوا مصائب هذه الدنيا الغرور.





أحمد: الله المستعان يا أبنائي، الدنيا دار ابتلاء ولا بد للمرء أن يتشبت بشرع الله ليمر منها بسلام نحو الحياة الأبدية بعدما يؤدي أمانة استخلافه في الأرض فيفوز بخير جزاء وينعم بلقاء رب السماء.





يوسف بتأثر: اللهم اجمعنا تحت ظلك يوم لا ظل إلا ظلك واغفر لنا زلاتنا ولا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك إنك أنت السميع المجيب.





أمن الجميع على دعاء يوسف الخاشع ثم قال أحمد:





- هيا يا أبنائي اذهبوا إلى غرفكم لترتاحوا فلم يبق إلا ساعتان لأذان الفجر...





دخلت البنات غرفتهن وقلوبهن لازالت ترتجف من أثر ما شهدن قبل وصول أبيهن...





بين الخوف من اقتحام سعيد للشقة والاستياء من الكلمات البذيئة الخادشة للحياء، وبين الحزن على وفاء وأمها وما تعانيانه في هذه البيئة القاتمة المعالم.





وماذا يُنتظر من شخص لا يعمل ويعيش عالة على زوجته وينام حتى العصر ثم يقوم فيشتري السجائر ثم يخرج بعد المغرب للعربدة مع رفاق السوء لينتهي به المطاف بإحدى الحانات أو المراقص الليلية ليخرج منها ثملا خاوي الجيوب مغيب العقل !!!





ضمت مريم الصغيرة إليها برفق وبدأت تصف لها الجنة بأنهارها ونعيمها بأسلوب بسيط، فاستسلمت وفاء للنوم وقد ارتاحت نفسيتها وذهب الخوف من قلبها الصغير بذكر النعيم، خصوصا وأن خيالها جد خصب لكن تواجدها في هذا الجو المكهرب يعيق اكتشاف مواهبها ويثبط كل إبداع...





بعد لحظات طرق عمر باب الغرفة ليطمئن على أخواته ووفاء فطمأنته مريم أنهن قد نمن، فخلد إلى النوم هو بدوره كإخوته. أما الوالدان فلم يغمض لهما جفن ..





قام أحمد فتوضأ وغير ملابسه ليصلي قيام الليل وزوجته كالعادة، ثم يوقظ أولاده قبل صلاة الفجر.





وعمت السكينة بيت أحمد ونور بعد هذه الليلة الشاقة على النفوس وتآلفت القلوب لترفرف في رحاب الإيمان وتسلم أمرها لخالقها فانمحى كل توتر واضمحل كل هم وانشرحت الصدور استعدادا ليوم جديد.





سلم أحمد بعد التشهد فتبعته نور في تناغم وانسياب، ثم التفت إليها باسما وقال:





- أرجو منك يا رفيقة عمري أن تسامحيني عما صدر مني اليوم ...أسأل الله أن يغفر لي ولك وأن يجمعنا في الجنة كما جمعنا في الدنيا.





ردت نور برفق ومودة:





- اللهم آمين يا رب لم يحدث ما يستوجب الاعتذار يا أحمد، لكن معك حق، فعلا علي أن أستغفر الله على تقصيري في حق الدعوة إلى الله والتي عاهدنا بعضنا على التعاون عليها منذ أول يوم اجتمعنا فيه تحت سقف واحد ... شغلتني الأسرة والأولاد فلم أستطع الموازنة بين الدورين.





أحمد: لا بأس يا حبيبتي سنتعاون على الدورين بإذن الله خصوصا مع حملك للجيل القادم الآن...





نور مازحة: الجيل القادم كله؟ وأنا أستغرب لماذا خجل الأولاد من حملي، يبدو أنهم خائفون من جيل وليس من طفل ...





بعد هنيهة طرق عمر باب الغرفة بلطف فأجابه الأب:





- ادخل يا بني.





عمر: اقتربت صلاة الفجر يا أبي، هل سنذهب إلى المسجد الآن؟





أحمد: نعم يا بني، وهل أنتم جاهزون؟





عمر: نعم يا أبي.





التفت أحمد إلى نور وقال لها: لا بد أن تنالي قسطا من الراحة يا حبيبتي فقد تعبت كثيرا اليوم ...





نور: حاضر يا أحمد سأفعل إن شاء الله.





أحمد: السلام عليكم ورحمة الله





نور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته





ثم انصرف مع أبنائه للصلاة في المسجد





الله أكبر الله أكبر





أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله


...




ارتفع أذان الفجر مذكرا بأن الصلاة خير من النوم ومؤذنا ببداية يوم جديد وعلى عمل ابن آدم شهيد .. فسبحان فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والنهار معاشا لمن كرمه فاستخلفه في الأرض.





صلى الجمع صلاة الفجر أملا في رضا الله وكرمه وجزيل ثوابه ونعمه.





وما لبث أن أشرق نور الصباح فدبت الحركة في الأرجاء، وعاد أحمد وأولاده إلى البيت لتناول وجبة الفطور ثم انطلقوا إلى أشغالهم، بعدها خلدت نور للراحة في غرفتها، بينما اهتمت فاطمة بالبيت وبالصغيرة، فليس لديها محاضرات في الفترة الصباحية...





رن جرس الهاتف: ترن ترن





يتبع بإذن الله.
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29-03-2011, 08:25 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

هل أكمل وضع الحلقات؟ أم أن الرواية لا تروقكم
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14-04-2011, 10:48 AM
الصورة الرمزية بن سام
بن سام بن سام غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
مكان الإقامة: بنى سويف
الجنس :
المشاركات: 2,014
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14-04-2011, 02:14 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

وأنت من أهل الجزاء أخي الكريم
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14-04-2011, 02:15 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة الخامسة بعون الله
بعنوان: ميلاد جديد

رن جرس الهاتف، ففزعت نور فزع الطير من الصياد، وأسرعت مهرولة إليه، ولكن فاطمة كانت قد سبقتها.

فاطمة: السلام عليكم


السيدة: وعليكم السلام ورحمة الله يا ابنتي.


فاطمة: عفوا من معي؟


السيدة: أنا أم سوسن جارتكم.


فاطمة: أهلا وسهلا بك خالتي أم سوسن.


أم سوسن بصوت مرتبك يشوبه الخوف والتوجس:آسفة على الاتصال باكرا، هل تعلمين با ابنتي أين ذهبت سوسن؟ فأنا أحاول أن أكلمها منذ أمس على الجوال ولكنها لا تجيب.


وصلت نور في هذه اللحظة فسألت ابنتها: من على الهاتف يا فاطمة؟


فاطمة: خالتي أم سوسن تسأل عن ابنتها.


التقطت نور السماعة وقد لفت وجهها غمامة حيرة وتردد ثم أردفت بصوت مرتبك:


- مرحبا خالتي أم سوسن، كيف حالك وكيف حال صحتك؟


أم سوسن: الحمد لله يا ابنتي على كل حال، وأنت كيف حالك وحال زوجك وأولادك؟


نور: بخير والحمد لله


أم سوسن: عذرا يا ابنتي على الإزعاج، فقط كنت أسأل عن سوسن، فقد تعذر علي التواصل معها هل هي بخير؟


أطرقت نور هنيهة وقد ازدادت حيرة وارتبك لسانها وتسارعت دقات قلبها، فقلبت الأفكار في رأسها علها تجد كلمات مناسبة لإخبار الأم الحائرة لكنها كانت مرهقة جدا،فأيقنت ألا مفر من إخبارها مباشرة وقالت:


- لا أعلم ماذا أقول لك يا خالتي، فسوسن في المستشفى ووفاء عندنا بالبيت.


أم سوسن: خيرا؟ ماذا بها؟


نور: لقد أغمي عليها البارحة بعد شجار مع زوجها، ولكن اطمئني ستكون بخير إن شاء الله.


صرخت الأمة مولولة من أثر الصدمة صرخة احترق لها كبدها وسالت لها دموعها كالسيل وانطلق لسانها كالحصى يقذف بالدعاء على سعيد وعيناها إلى السماء، لعل العدل ينصف ابنتها فتتخلص من المعاناة والبؤس اللذين يغرقانها، كل هذا ونور لا تنبس ببنت شفة وقلبها يعتصر ألما على الأم وابنتها. وبعد لحظات استأنفت الأم كلامها واستفسرت عن عنوان المستشفى ورقم الغرفة ثم شكرتها واعتذرت لها وألقت التحية فأجابتها نور بكل أدب وردت التحية. وعادت إلى غرفتها وهي تتنفس الصعداء وقد سكنت جوارحها رويدا رويدا بعد هذا الموقف المحرج، فاستلقت بتراخ على سريرها لتستسلم لهاتف النوم الملح الذي بدأ يثقل جفنيها كي تخلد إلى الراحة.


وبينما كان الهدوء مسدلا خيوطه الناعمة على جنبات بيت نور، أسرعت أم سوسن في توتر حتى أنها أوشكت أن تسقط على وجهها في الدرج، وهي المريضة الكسيرة بعد أن رحل سندها إلى حياة البرزخ وتركها تقاسي الوحدة والوحشة في بيتها الصغير، ثم وصلت بعد ساعة إلى المستشفى، وبحثت عن وحيدتها بلهفة وقلبها يتحرق كمدا عليها، فأبصرتها وهي قابعة على فراش الذل والمهانة، تدفع ثمن عنادها الشديد وحبها القديم للرجل اللئيم، فارتد إليها بصرها حسيرا آسفا على شباب انحنى لنوائب الزمن فركبه الوهن، فاستسلمت الدموع الساخنة وانهمرت ناعية أطلاله.

سارعت الأم إلى فلذة كبدها، فضمتها إلى صدرها كأن لم ترها منذ دهر ولى.




وقالت لها بحنان: ماذا بك يا مهجة فؤادي؟ فأجابتها سوسن بصوت متهدل يعبر عن الحزن والألم اللذين سكنا كيانها فألفا المكان وأبيا الرحيل:


- كدت أفقد حياتي أماه لولا أن أدركتني رحمة ربي.


ضربت الأم بيدها على صدرها وقالت بجزع: خيرا يا ابنتي ما الذي جرى؟


فردت عليها سوسن:


- ضربني السيد سعيد كالعادة، ولكن البارحة كانت القاضية، فقد أتى بعصا وبدأ يضربني بهستيريا على رأسي وكل أطرافي، ثم وكزني فأوقعني أرضا وبدأ يقفز على ظهري بقوة وقد طفح لسانه بمكنون قلبه، فأمطرني بالسب والشتم وذكرني بهفوات الماضي والحاضر، وأنا أصرخ للعالمين أن أنقذوني فخشي أن يعلم الناس بأمري فخرج مسرعا إلى حيث لا أدري.


سألتها الأم: ومن أتى بك إلى المستشفى؟


سوسن: جارتي نور وزوجها جزاهما الله خيرا، ولقد أخبرتني الممرضة أن الجار تكلف بكل مصاريف العلاج، فأجابتها أمها بسيل من الدعوات الصالحة لهذا الرجل التقي وزوجته الصالحة،


ثم نظرت إليها بحسرة وقالت: أنت السبب في كل هذا، أرداك عنادك في حفرة الذلة.


فرفعت سوسن عينيها مستفسرة، فاسترسلت الوالدة قائلة:


- أليس هذا اختيارك؟ أليس هذا هو سعيد الذي تشبثت به وأصررت على الزواج منه إصرارا؟


فأجابتها سوسن وقد انفجرت باكية والندم قد تلبس وجهها :


- ليتك منعتني، ليتك حبستني في البيت قهرا، وأنقذتني من هذه الهاوية التي سقطت فيها.


أردفت الأم بحزم وقد تذكرت تفاصيل الحدث:


- حاولت جاهدة لكنك أقفلت كل الطرق وأوصدت كل أبواب الحوار، أعماك الحب الوهم، فلم تري العيوب الصارخة، بل تجاهلتها وها أنت تتجرعين كأس عنادك.


فقالت الابنة مطرقة:


- صدقت أماه، لكن شبح العنوسة أفزعني حين تراءى لي، فحاولت دفن همي في العمل واقتناء شقة وسيارة وإيداع المال في البنك، لعل متعة المال تنسيني الرغبة في بناء أسرة مثل معارفي. لكن...


قبلت الأم رأس ابنتها وقالت معتذرة:


- ليت لساني اجتث من جذوره، ولم أنطق كلمة عانس لك...


فقاطعتها سوسن بانفعال وهي تجهش بالبكاء وقالت: لو أنك أعرتني اهتماما حقيقيا وأحسست بي منذ نعومة أظافري لاختلف الوضع لكني كنت أقاسي قحط المشاعر الأبوية وسطوة النفس والشيطان ولا أحد يلتفت لاحتياجاتي، حتى أضحى قلبي صحراء جرداء قاحلة أرضها ميتة، تتعطش للمودة والحنان، فألغى الظمأ عقلها وأعمى بصيرتها، فرضيت بقطرات من دم آسن، لم تدرك نكهته حتى تشربته وبدأ النبت ينمو وقد أجاب السقاء، احمدي الله أني لم أنحرف نتيجة جفاف المنابع الطبيعية للحنان، فأخرج للبحث عنها في أي مكان وبأية وسيلة.


انهمرت دموع الأم وابنتها ندما وحسرة، فامتزجت بحنان الأم المكتوم بتنشئتها الخاطئة، وألم ابنتها المدفون بين أضلعها منذ سنين، واستمرت جلسة التصافي والعتاب، عسى أن ترتاح النفوس ويتجدد الأمل في غد أفضل.


أما أحمد فقد وصل إلى عمله، فألقى التحية على فريق العمل، وسألهم عن أحوالهم وأحوال أسرهم، ثم دلف إلى مكتبه وعيناه تصارعان النوم، وأهدابه تدفعه دفعا، فقام وغسل وجهه بالماء البارد، وتنفس بعمق لعل الأوكسجين ينعش دماغه ويعيد إليه نشاطه.


وماهي إلا دقائق حتى جاءته القهوة وقد أرسلت رائحتها الأخاذة، لتكمل ما بدأه الماء والهواء، فشربها وهو يقرأ الجريدة، ليشرف بعدها على استلام شحنة الثوب الجديدة.


استمر العمل إلى أذان الظهر، فأقفلوا المحل من الداخل، وصلوا جماعة خلف السيد محمود، وهو رجل فاضل حافظ لكتاب الله دارس لعلوم الشريعة، انضم لفريق العمل منذ سنوات كمشرف على قسم التصميم، لعلمه بأهمية الزي الشرعي في عفة المجتمع وأمانه.


فجاد بالأفكار المبدعة وشارك في تصميم النماذج المتميزة، ليخرج الزي في أفضل حلة، ويجمع بين الجمال وتناسق الألوان والمواصفات الشرعية.


فرغ الفريق من الصلاة ثم ذهبوا إلى بيوتهم للغذاء، وبقي أحمد والحارس لإقفال المحل ثم الانصراف. ولما هم الحارس بإقفال أول الأبواب، وصلت سيدة في العشرينات من عمرها تود شراء بعض العباءات، فدخل معها الرجلان إلى المحل لتختار ما تريد.


كانت سيدة جميلة الطلعة، رشيقة الحركة، طليقة الوجه.


بدأت المرأة تقلب العباءات، وتختلس النظر إلى أحمد، ففطن لها بعد برهة، وأدار بصره إلى صاحبه يحدثه، حياء ومروءة، فأدركت أنه قد رآها.


طأطأت رأسها خجلا متظاهرة بالانشغال بالملابس. ثم اختارت ما يناسبها وأتمت عملية الشراء وذهبت لحال سبيلها، وأقفل الحارس الأبواب ثم انصرف مع أحمد.


وفي طريقها إلى بيتها، بدأت فاتن تحدث نفسها:


- ما الذي فعلته يا فاتن؟ هل جننت؟ أكيد أن ذلك الرجل الوسيم قد رآك.


لا لا أظن...


لا يقينا رآني وإلا ما أدار بصره.


لا أعلم ماذا انتابني حين رؤيته، شعورغريب بالارتياح ...


لا لا ماذا تقولين يا فاتن، هيثم لم تمر سنة على موته رحمه الله وقد بدأ قلبك يخفق لرجل آخر؟؟


هيثم؟ وهل سأعيش على ذكراه طول العمر؟ نعم كلنا ميتون، لكني مازلت في العشرينات من عمري، وليس لدي أطفال.


بصراحة وجهه مشرق كالبدر حين يكتمل، يغشاه وقار فريد يظهر في حركاته وسكناته وملامحه تنطق بالشهامة والرجولة.


وماذا تريد امرأة أرملة مثلي إلا زوجا تقيا شهما يحيطها بحنانه ورعايته ويخاف الله فيها؟


آه لو يرزقني الله زوجا مثله، سأكون أسعد امرأة....


ثم استمرت تمني نفسها وطارت في سماء الأحلام بزوج مميز في هذا الزمان.


ولم تفق إلا وقد وصلت بيت أبيها، الذي عادت إليه بعد أن توفي زوجها بحادثة سير مفجعة.


دخلت فاتن بيتها وقلبها قد داخله شيء جديد.


ترى هل ستستجيب لما حاك في نفسها؟ أم ستتخلص من الدخيل الجديد وتنسى الأمر برمته؟


يتبع بإذن الله.

__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16-04-2011, 02:40 AM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة السادسة



بعنوان: مواهب



حلت العطلة الأسبوعية مع حلول يوم الجمعة


تنفس الصبح عبيرا عطرا فأرسل أشعته الرقراقة، تتسلل بنعومة إلى غرف البيت الهادئة لتغمرها بالضياء.


عاد الرجال من المسجد وخرجت نور وبناتها لغرفة الجلوس ليتدارس الجميع سورة الكهف، ومناقشة محور منهجية إدارة الفتن وكيف يتعلمون من سورة الكهف كيفية إدارتها، وكان موضوع المحور: فتنة الشيطان.


مر الصباح جميلا هادئا، بين رياضة وعبادة وممارسة للهوايات، فهاهو أحمد يتفقد حاسوب الأسرة ويرتب خزانته الصوتية والمكتوبة، ويطهره من رجز الفيروسات.


وهاهي نور تشدو كالبلبل في المطبخ بنشيد تحبه عن الأقصى المسلوب، فتهتز مع كلماته الرنانة حماسة وإرادة.


أما عمر فقد أحب الخيل منذ صغره


وها هو اليوم كعادته يمتطي صهوة جواد اختاره بعناية ليمارس هوايته المفضلة في نادي الفروسية، منطلقا به في حزم وثقة، مطلقا العنان للتفكر في ملكوت الله والتأمل في جمال صنعه.


أما يوسف فكان يلعب كرة القدم مع أصدقائه في ملعب الحي، مستمتعا بهوايته التي تحافظ على نشاطه وقوة جسمه.


بينما كان عثمان يراجع قصار السور ويرتل القرآن الكريم بصوت شجي، يتنقل بين الآيات متدبرا معانيها، فحين يصل للبشرى بالجنة يرفع صوته بهمة ويدعو الله أن يبلغه إياها، وحين يذكر الوعيد، يخفض صوته بخشوع وتأثر بالغين ويدعو الله أن ينجيه من العذاب.


وهذه فاطمة بعد قيامها بالتعاون مع مريم بتنسيق البيت، جلست تقرأ ديوانا شعريا، وتتذوق بلاغته، لتستزيد من علم البيان والبلاغة، فيجود قلمها بالشعر الجميل، الذي يجمع بين سحر الكلمة وصدقها.


أما مريم فكانت تقرأ رائعة أدبية، فتسبح بخيالها الخصب بين صفحات الكتاب وكأن مدادها تجسد حقيقة، لتكتسب بذلك رصيدا لغويا ومعرفيا، تستعين به في كتابة قصصها الشيقة.


في حين دخلت عائشة إلى عالمها الخاص، منشغلة بكل جوارحها في رسم منظر طبيعي جميل. وتخط بأناملها الصغيرة ورؤيتها الطفولية الصافية رسومات رائعة تدل على موهبة فريدة وحس فني مرهف.


أقفل أحمد جهاز الحاسوب، وقد مسحت وجهه سحابة هم مثقلة بالتساؤلات، ثم قام يبحث عن زوجته، فوجدها تعد طعام الغذاء، ومنسجمة انسجاما تاما مع قراءة رائعة للقارئ محمد البراك، حين أوقفته الدموع عن القراءة، وهو يتلو قول الله عز وجل في سورة ق:


مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)


فانسابت دمعات حارة من مقلتيها، فربت رفيقها على كتفها، وكفكف دمعها، وابتسم رغم الهم الذي يخالج فؤاده، ودعا ربه:


رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ


فنظرت إليه، وقالت بحرقة: اللهم آمين يا رب العالمين. ثم أمعنت النظر في وجه زوجها لتطمئن عليه، وقالت وهي تمسح دموعها:


- ماذا بك يا زوجي الحبيب؟ تركتك قبل ساعة أمام الحاسوب، ووجهك طلق وابتسامتك الجميلة تزينه، لكنك الآن مهموم والحزن بادٍ على محياك.


فطأطأ أحمد رأسه وقال:


- حين كنت أتصفح الانترنت، دخلت موقعا لأحمل كتابا، وفي صفحة التحميل فوجئت بصورة إباحية، اكفهر لها وجهي، وغضبت جوارحي، فأقفلت الموقع بسرعة. وأدركت حجم الخطر الذي يحيط بأبنائنا وأبناء أمتنا، فحزنت حزنا شديدا، وأقفلت جهاز الحاسوب، وجئت لأستشيرك في الأمر لعل أفكارك النيرة ترشدني إلى حل ناجع ومفيد.


أطرقت نور للحظات وهي تفكر، وقد طفت الجدية على ملامحها ثم قالت:


- لابد أولا أن نحمي حاسوبنا وهذا دور عمر. فلديه دراية في هذا المجال. كلمه رجاء بهذا الخصوص حتى نطمئن، فعثمان وعائشة لازالا صغيرين، ولا نضمن ما قد يصادفهما في شبكة العنكبوت.


هذا كخطوة أولى، وبعد وجبة الغداء إن شاء الله أقترح أن نناقش مع أبنائنا سموم وسائل الإعلام بصفة عامة، لعلنا نجد حلولا ناجعة خلال المناقشة. ما رأيك يا أبا عمر؟


رد أحمد متحمسا: نعم الرأي يا مبدعة، وأسأل الله أن يحمي أبناءنا وأبناء المسلمين، ويقيهم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.


بعد صلاة الجمعة التفت الأسرة حول مائدة الغداء، وافتتح رب الأسرة الجلسة الشيقة بالدعاء.


وماذا يتمنى أحمد سوى أسرة مؤمنة ينفق عليها من مال حلال طيب، راجيا من الله أن يجمعهم تحت عرشه مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما جمعهم في الدنيا.


بدأ أحمد يمهد لموضوع النقاش، فسأل أبناءه مبتسما:


- أتمنى من كل واحد منكم أحبائي أن يخبرنا عن أحلامه، وماذا يتمنى أن يكون مستقبلا، متفقين؟


فأومأ الأبناء برؤوسهم إيجابا وقد برقت عيونهم حماسا


فقال أحمد: بسم الله نبدأ باليمين، ومع نور البيت، حدثينا عن أحلامك المستقبلية يا نور. - وقد كان أحمد يعرفها بالتفصيل الدقيق، ولكنه فضل أن تقولها أمام أبنائها، فتصحح مسار طموحاتهم، إن كانت لا ترقى لما يحلم به الوالدان، فشرعت نور في وصف حلمها، بعودة الأمة لعزها، وبرؤية الحبيب صلى الله عليه وسلم عند الحوض، وهو راض عنها وعن أسرتها، قرير العين بهم، مسرورا لخدمتهم أمته، وتفانيهم في الدعوة إلى سبيل ربهم، بالحكمة والموعظة الحسنة.....


ظل الجميع يتابع حديث نور بنظرة ملؤها الإعجاب والفخر بأم عميقة الفكر رفيعة الخلق، بكاءة بين يدي ربها مطيعة لزوجها، متفانية في أداء واجبها، مبتغية مرضاة ربها في كل عباداتها وأحوالها.


ثم جاء دور فاطمة ثاني فرحة للأسرة فقالت:


- طالما حلمت مذ كنت طفلة، أن أكون طبيبة لأداوي المرضى وأخفف آلامهم. فكان حلم طفولة لم ينضج بعد. لكن حينما تفوقت في الثانوية العامة بفضل الله، وبعد إدراكي لطريقي في الحياة، بمساعدة أمنا الحبيبة حفظها الله. قررت أن أطور حلمي وأن أتخصص في مجال أؤدي فيه دورا ورسالة. فوقع اختياري على مجال الطب كما تعلمون، والجديد أني قررت أن أتخصص بإذن الله في طب النساء والولادة. هذا بالموازاة مع تطوير موهبتي الشعرية، ثم أردفت مازحة: لعلي أصبح من عمالقة الشعر الإسلامي.


فنظر إليها أحمد وقال: وما يدريك؟ الشعر فن راق، إن كان كما أراد الله ورسوله. وقد كان حسان بن ثابت رضي الله عنه ينشد الشعر، فما نحن إلا أسباب بين يدي الله، يجريها كيفما شاء ووقتما شاء، وفقك الله يا ابنتي ويسر أمرك.


وانتقل إلى عمر الابن البكر، فتنحنح كأنه سيلقي خطبة وقال:


- أما أنا فقد اخترت مجال الاقتصاد حتى أدرس نظام الاقتصاد الإسلامي الذي شرعه لنا رب السماوات والأرض ومن فيهن الذي يعلم الأصلح لعباده، فأساهم بإذن الله في الحد من التعامل بالربا الحرام الذي جاء فيه وعيد شديد في سورة البقرة:


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)


كما أود ان أطور مهاراتي في عالم الحاسوب، وخصوصا مجال البرمجة الذي أنا مولع به.


فعلقت نور على حلمه قائلة: ما شاء الله يا عمر، أسأل الله أن يعينك على تحقيق حلمك. والتفتت إلى يوسف- وهو الابن الثالث في الأسرة- ، وماذا عنك يا يوسف؟


فقال: سأختار بإذن الله طريق أبي. وحين أجتاز هذا العام امتحان الثانوية العامة، سأدرس إن شاء الله في كلية التجارة - قسم اللغة الإنجليزية-. لأجمع بين تطور العلم وأصالة المهنة، وأستعين باللغة على تصدير الزي للخارج بإذن الله.


فنظر إليه عثمان وهو يقلب عينيه في سقف الغرفة:


- حلمك جميل لكنه صعب، فأردف يوسف في ثقة: يا عزيزي الزي الشرعي فرض رباني له حكمة عميقة، والغرب في حاجة للأمان النفسي الذي يوفره، فإن كان كما يريد ربنا جل في علاه، وكان في قلبي خير، وسعيت للأمر بجد، واستعنت بالله أولا وأخيرا، سأصل إن شاء الله لأبعد من هذا...


والتفت إلى والدته فنظرت إليه بعين ملؤها الرضا والتشجيع.


ثم تحولت إلى عائشة، صغيرة الأسرة وأرقها وجدانا فقالت:


- أريد أن أصير مدرسة أدرس الرسم، كما علمتني يا أبي.


فابتسم أحمد ضاحكا، وقال: نعم يا بنيتي، فالرسم فن يهذب الوجدان ويرقى بالمشاعر الإنسانية، ولكن على منهج الله كي يكون وسيلة لعبادته بالتفكر وإعمال العقل ورسم ما أبدعه سبحانه.


ثم نظر إلى عثمان الفتى الوسيم ذي الصوت الندي فقال له: وأنت يا عثمان؟


فرد بهمة: - أفكر يا أبي أن أستمر في طريق القرآن فأتخصص فيه، أي أنني أدرس الشريعة بإذن الله وأتخصص في علوم القرآن. فلقد أخبرني عمر عن وجود هذا التخصص في الجامعة، فقلت في نفسي: لم لا أدرس وأعمل في مجال أحبه وأستمتع بهوايتي وأطور موهبتي التي حباني الله بها في آن واحد؟


فأردفت نور: رائع يا شيخ عثمان، لعلك تلبسنا تاج الوقار يوم القيامة.


فابتسم في حياء وقال: إن شاء الله يا أمي.


واستطرد عمر: وأنت يا أديبتنا المبدعة، فيمَ تفكرين؟


فطأطأت مريم رأسها حياء ثم قالت: أرى والله أعلم أن أتخصص في لغة الضاد، فهي لغة القرآن، وأطور من خلالها كتاباتي. فأصير بإذن الله كاتبة وناقدة أدبية.


فعلقت فاطمة مازحة: إذن أنت زميلة في المجال، فلتنافسيني إذن وسنرى من يبدع أكثر الهواة أمثالي أم المتخصصون مثلك. فضحك الجميع والتفتوا إلى طعامهم، يأكلون ويمزحون، والوالدان يرقبان المشهد، ويحمدان الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.


بعد لحظات معدودة، تنبه عمر إلى أن والده لم يعبر عن حلمه. فقال للجميع: توقفوا للحظة يا أسرتي العزيزة. ألم تلاحظوا أن أبانا الحبيب لم يفصح عن حلمه؟


فاحمر وجه أحمد خجلا، وتمتم: نعم فعلا.


فقال الجميع بصوت واحد: وما هو حلمك يا أبي؟


فقال بصوت يتهدج حنانا وحبا لأسرته الصغيرة، كالينبوع إذا تفجر ماء ليسقي الأرض فيمدها بسبب الحياة: حلمي أن تصلوا لأحلامكم واغرورقت عيناه بالدموع.


رقت قلوب الجميع لقول أحمد وانفعاله وكانت جلسة مفعمة بالسرور والحنان والمحبة.


ثم كفكف دموعه مستدركا: ما رأيكم أحبائي، أن نناقش موضوعا هاما في حياتنا بعد الغداء؟


فقال عثمان: وما هو يا أبي؟


فرد أحمد موضحا: الإعلام يا بني ما له وما عليه.

يتبع بإذن الله

__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 216.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 210.65 كيلو بايت... تم توفير 6.04 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]