08-01-2021, 11:44 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة :
|
|
أماه..
أماه..
طارق البرغوثي
لم تُخطئ العربية بنسج الحروف التي تليق بمقامك
فأنت الأصل، والأصل أنت
وكل ما دونك فروع
فأنت الشجرة الباسقة
والدوحة الرغيدة التي تظللنا ونفيء إليها!
أماه، بك تزدان الحياة
أنت كالروض تَهبيننا من زهرك كما نشاء
يفوح من أردانك كل طيب
لولاك كانت الحياة علقمًا
فأنت بلسمُ كل جرح
"ومرهم" كل ألم
بك غدَتِ الصحراء القاحلة روضةً غنَّاء
فكما الليل يبدده النهار، وكما اليأس يهزمه الأمل
وكما القمر زينة بين الكواكب..
أماه، أنت كنت وما زلت الأمل
وكنت وما زلت القمر!
قبل أعوام كثيرة كنت طفلًا بلا أمل
فقد كانت طاقة اليأس لا تتسع للنور، إنسان بلا غاية!
كان الفقر والهم دثارنا المسائي
والمشاكل هي دثارنا الصباحي
كنا ندفِنُ رؤوسَنا في حضنك لنستشرف المستقبل المشرق
كنت تتسللين من طاقة اليأس، تطلين وأنت تغالبين دمعة مقهورة كانت تحتبس بين محاجر عينيك، لتنسجي لنا أملاً من أهدابِ عينيك، ومن دماء قلبك!
رغم الوهن والألم اللذين كانا يعتصران قلبك، كنت دائمًا تقولين لنا: إن المستحيل فقط في قاموس العاجزين!
لم تتعلَّمي يا أمي في مدرسة، ولكن مدرسة الحياة التي تخرَّجت منها منحتك شهادة الدكتوراه الفخرية في التربية.
ثم مِن جامعة أخرى منحت جائزة تكريمية في التحفيز وإدارة الأزمات.
من تلك المشكاة أخرجت لنا كل ينابيع الحكمة، فتفجرت على يديك.. ألا بُورِكت تلك الأيادي الطاهرة..
كنتُ أكتب دائمًا، وأتخيل وأنت تقرئين ما أكتب.
وأسمع دقات سيمفونية قلبك تتراقص على وقع الحروف.
وبرغم أنك كنت لا تقرئين ما أكتب، فقد كنت أسمع لك من بعيد.
حيث المسافات تقطع بيننا
محاولًا أن أطربك
وكنت أنت في غربتي سِراجًا؛ لأن روحك سكنت فيَّ
فكنت أكتب وأكتب؛ لعلمي أن كل حرف له وقعٌ لطيف على قلبك الطاهر
أماه..
لا تغادرني صورتك وأنت في محرابك تلهجين لي بالدعاء
أن أكون أحسَنَ الناس وأفضل الناس
وتلحّين على الله ويداك ضارعتان لا تنزلينهما وكأنك تنتظرين الإجابة!
أماه، كم تحممنا بعطرك، وتنشفنا بنور ابتسامتك!
أماه، كم تقلبنا بحِضنك، وتدثَّرْنا بنور رحمتك!
أماه..
إذا لم تسفح العبَرات لمقامك السامي، فلمن تسفح؟!
أما إذا الحرف لم ينسج في مقامك السامي كل القصائد، فلمن ينسج؟!
أماه، أنت جنتي في الأرض، وجنتي في السماء.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|