شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 18 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28440 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60061 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 842 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #171  
قديم 09-12-2019, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب المساجد
(136)


- (باب الصلاة على الخمرة) إلى (باب الصلاة على الحمار)

تنوعت صلوات النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان فقد كان يصلي على الخمرة وكان يصلي على المنبر تعليماً لغيره أمور الصلاة، وكذلك الصلاة على الدابة في السفر، وكل ذلك يدل على رفق الإسلام ورفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته.
الصلاة على الخمرة

شرح حديث: (إن رسول الله كان يصلي على الخمرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على الخُمرة.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن شعبة عن سليمان يعني الشيباني عن عبد الله بن شداد عن ميمونة رضي الله عنها أنها قالت: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الخمرة ) ]. يقول النسائي رحمه الله: الصلاة على الخمرة، والخمرة هي: أخص من الحصير الذي ورد ذكره في الباب الذي قبل هذا؛ وذلك أن الحصير يطلق على ما يصلي عليه الإنسان، ويكون كافياً لمواضع أو أعضائه التي يسجد عليها من رجليه إلى وجهه، وأما الخمرة فقيل: إنها تتخذ على مقدار اليدين والوجه، يعني: ما يسجد عليه على مقدار يديه ووجهه، ثم أيضاً هي بالإضافة إلى كونها مأخوذة من الخوص، هي حصير في داخله خيوط، قيل: إنها سميت خمرة؛ لأن خيوطها مستورة بالسعف أو الخوص الذي نسجت معه، أي: مع تلك الخيوط، فقيل لها: خمرة؛ لأن الخيوط فيها مستورة مغطاة، وأصل مادة (الخاء والميم والراء) تفيد التغطية، ولهذا سميت الخمر خمراً؛ لأنها تغطي العقل وتحجبه، وكذلك سمي الخمار الذي تلبسه المرأة، وتغطي به رأسها ووجهها؛ فسمي خماراً لأنه يغطي الوجه والصدر، وكذلك أيضاً جاء في الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته دابته وهو محرم، قال: ( ولا تخمروا وجهه ) يعني: لا تغطوه، وكذلك تخمير الإناء، يعني: أنه يوضع عليه شيء يغطى به، فالمادة هي بمعنى التغطية والستر، والخمرة هنا اسم لهذا المقدار الذي يسجد عليه، ويكون كافياً لمقدار اليدين والوجه.والنسائي أورد في هذا حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة ) وهذا يدل كما دل عليه الذي قبله على الصلاة على ساتر، أو على حاجز يكون بين المصلي وبين الأرض، وأن ذلك سائغ وجائز، وقد فعله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه الذي هو الأسوة والقدوة لأمته عليه الصلاة والسلام.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان يصلي على الخمرة)
قوله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].وهو البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، ويكنى بـأبي مسعود، يعني: كنيته توافق اسم أبيه، وقد ذكرت فيما مضى أن من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، فهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهذا من أمثلته، وكذلك الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو هو أبو عمرو، وكذلك هناد بن السري، هو أبو السري، فالكنية توافق اسم الأب، ومعرفة هذا النوع لها فائدة، وهذه الفائدة هي لدفع توهم التصحيف، فإن من يعرف، أو من لا يعرف أن إسماعيل بن مسعود هذا كنيته أبو مسعود، فلو رآه في بعض الأسانيد أو في بعض الطرق: أخبرنا إسماعيل أبو مسعود، يظن أن (أبو)، مصحفة عن (ابن)، وليس ذلك تصحيفاً، بل هذه كنية، والكنية توافق اسم الأب.[ عن خالد ].هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، وقد خرج له أصحاب الكتب الستة.[ عن شعبة ].شعبة هو ابن الحجاج، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا وصف من أعلى صيغ التعديل، ومن أرفع صيغ التعديل، ولم يظفر بهذا اللقب إلا قليل جداً من المحدثين، منهم: شعبة، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، والدارقطني، وعدد قليل، فكل منهم أطلق عليه هذا الوصف، وقد جمع أحد المعاصرين وهو محمد الحبيب الشنقيطي في منظومة أسماء الذين وصفوا بأنهم أمراء المؤمنين في الحديث، فنظم قصيدة جمعهم فيها، وشعبة هذا من أشهرهم وأبرزهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.ومن الأمور التي يُنبه عليها عندما يذكر شعبة : أنه إذا روى عن المدلسين، فإن تدليسهم مأمون فيما إذا روى عنهم شعبة ؛ لأن شعبة معروف من عادته أنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أمن تدليسهم فيه، فلا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما كان مسموعاً لهم -أي: مسموعاً لشيوخه- ولم يكن مدلساً، فهذه من الفوائد التي يُنبه عليها عندما يذكر شعبة، وأنه إذا كان راوياً عن مدلس، فإن رواية شيخه بالعنعنة لا تؤثر. [ عن سليمان ].سليمان يعني: الشيباني، وسليمان هو: ابن أبي سليمان أبو إسحاق الكوفي الشيباني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقوله: [يعني: الشيباني] هذه القائل لها هو من دون شعبة ؛ لأن شعبة تلميذه، فعندما يذكر شيخه لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، بل ينسبه كما شاء وكما أراد، ويطيل في نسبه ويقصر في نسبه، والكلام كلامه، وقد ذكرت فيما مضى أن النسائي رحمه الله أحياناً يذكر نسب بعض شيوخه، ويذكر خمسة أسماء أو ستة أسماء، وأحياناً يذكر نسب شيخ من شيوخه فيوصله إلى جده الصحابي، أو إلى جد من أجداد الصحابي، مع أن النسائي توفي في سنة (303هـ)، مع ذلك ينسب أحد شيوخه حتى يبلغ إلى جد من أجداده من أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.الحاصل: أن التلميذ لا يحتاج إلى أن يأتي بكلمة (هو) أو (يعني)، وإنما ينسبه كما شاء، ولكن من دون التلميذ إذا أراد أن يوضح هذا الذي ذكر في الإسناد ويحتاج الأمر فيه إلى توضيح، فإنه يأتي بالتوضيح ولكنه مسبوقاً بما يدل على أنه ليس من التلميذ، وهو كلمة (يعني) كما هنا، أو كلمة (هو ابن فلان) كما يأتي كثيراً في الأسانيد في كتب الحديث، وفي أسانيد الأحاديث يقال: هو ابن فلان، أو: يعني ابن فلان، أو: يعني الفلاني كما هنا؛ لأنه قال هنا: يعني، فكلمة (يعني) لها قائل ولها فاعل، وقائل (يعني) هو من دون شعبة، وفاعل (يعني) شعبة، يعني: فيها ضمير مستتر، يعني: شعبة بقوله: سليمان، يعني: الشيباني، فكلمة (يعني) قائلها من دون شعبة، وفاعلها الضمير المستتر فيها يرجع إلى شعبة، يعني: فمن دون شعبة قال عن شعبة : إنه يعني الشيباني ؛ لأنه قال: يعني شعبة الشيباني في قوله: سليمان .وهذا موجود بكثرة في الصحيحين وفي غيرهما، وهذا من الأمانة، ومن الدقة في التعبير التي سلكها المحدثون، فقالوا: لو أنه قال: عن سليمان الشيباني بدون كلمة يعني، لفهم أن هذا كلام شعبة، وشعبة ما قال: الشيباني عندما أتى بهذا الإسناد، قال: سليمان فقط؛ لأنه لو جاءت بدون (يعني) لفهم أن هذا كلام شعبة، هو الذي قال: سليمان وقال: الشيباني، لكن لما جاءت كلمة (يعني)، علم أن شعبة ما قال إلا سليمان، وأن من دونه أراد أن يوضح هذا الشخص الذي هو سليمان، فأتى بكلمة تدل على أن الكلام كلام من دون شعبة، وأنه ليس كلام شعبة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن عبد الله بن شداد ].وهو عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي المدني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن ميمونة ].هي ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: فهذا الإسناد الذي معنا، وهو: إسماعيل بن مسعود، وخالد بن الحارث، وشعبة، وسليمان الشيباني، وعبد الله بن شداد، وميمونة .. كل هؤلاء حديثهم عند أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي : إسماعيل بن مسعود، فإنه لم يخرج له إلا النسائي وحده.
الصلاة على المنبر

شرح حديث سهل بن سعد في الصلاة على المنبر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على المنبر.أخبرنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن حدثني أبو حازم بن دينار أنه قال: ( إن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه وقد امتروا في المنبر مم عوده؟ فسألوه عن ذلك، فقال: والله إني لأعرف مم هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة - امرأة قد سماها سهل - أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأُرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فوضعت هاهنا، ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي فصلى عليها، وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس! إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ) ].أورد النسائي رحمه الله الصلاة على المنبر، يعني: أن ذلك سائغ وجائز عند الحاجة، وصلاة الإمام على مكان مرتفع كالمنبر لا بأس بذلك، وقد أورد فيه النسائي حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه الذي اشتمل في آخره على ما ترجم له المصنف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم عندما صعد على المنبر وصلى عليه، قال: ( إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي )، فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وكانت صلاته عليه أنه وقف على المنبر وكبر فدخل في الصلاة، ثم ركع، ثم قام من ركوعه وهو على المنبر، ثم لما أراد السجود نزل القهقرى، يعني: من الخلف ينزل درجة درجة، حتى صار في أصل المنبر فسجد، ولما فرغ من السجود رجع عليه الصلاة والسلام ورقي المنبر حتى صار على أعلاه، وعمل في الركعة في الثانية كما عمل في الركعة الأولى، ولم يفعل السجود فوق المنبر، مع أن ذلك مثل الركوع ومثل القيام؛ لأنه في الغالب لا يتسع لمكان السجود، يعني: كونه يسجد عليه ويأخذ مكان سجوده، لم يحصل منه ذلك، فحصل منه الصعود والنزول في صلاته عليه الصلاة والسلام لهذا.فالحديث دال على ما ترجم له النسائي رحمه الله، وقد ذكر أبو حازم سلمة بن دينار : أن رجالاً جاءوا إلى سهل بن سعد وقد امتروا في منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مم هو؟ يعني: مم صنع؟ ما هي مادته التي صنع منها؟ ما هو نوع خشبه؟ فقال لهم سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه والله إني لأعرف مم هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس )، فهي هذا الكلام الذي قاله تأكيد علمه، ومعرفته بهذا الشيء؛ لأنه أقسم على هذا وقال: إنه يعرف مم هو، وأنه من طرفاء الغابة، ويعرف أيضاً الذي صنعه، والمرأة التي كلفت، وكذلك النجار الذي هو غلامها، ويعرف اليوم الذي وضع فيه في ذلك المكان الذي هو مكان المنبر، واليوم الذي صعد عليه رسول الله أول مرة، فهذا كله يدل على ضبطه وإتقانه ومعرفته بهذا الشيء الذي استفسروا عنه وامتروا فيه، وجاءوا إليه يسألونه أو ليبحثوا عن علم عنده في ذلك.وهذا من الألفاظ المؤكدة التي تدل على ضبط الراوي ما رواه، وعلى علمه التام بما يريد أن يخبر به، فمما يدل على الضبط والإتقان قوله: والله إني لأعلم مم هو، وأعلم اليوم الذي وضع فيه هاهنا، واليوم الذي جلس عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: معناه أنه متقن وعارف بهذا الشيء الذي يريد أن يخبر به، ثم إنه بين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لامرأة: ( مري غلامك النجار فليصنع لي أعواداً أجلس عليها عندما أكلم الناس)، يعني: عندما يخطب الناس، فصنع له أعواداً، يعني: معناه أن هذه الأعواد جمع بينها وألف بينها، وعمل ما يربط بعضها ببعض بحيث تكون درجات، بحيث يصعد من درجة إلى درجة، ويقف على مكان مرتفع بحيث يراه الناس، وفي هذا اتخاذ المنبر، والدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذه، وأنه صنع له، وكان يخطب الناس على ذلك المنبر الذي صنع له صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.ثم إنه رقى عليه عندما أراد أن يصلي بالناس صلاة الفريضة، فقام على المنبر، وكبر وهو على المنبر، ودخل في صلاته، وركع وهو على المنبر، وقام من ركوعه وهو على المنبر، ولما جاء في السجود نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ولما فرغ من سجوده رجع ورقى حتى صار في المكان الذي نزل منه، وفي هذا دليل على جواز صلاة الإمام على مكان مرتفع، وأيضاً كذلك فيه دليل على أن مثل هذا العمل لا يؤثر في الصلاة، هذا العمل الذي هو الصعود والنزول في هذه الدرجات، فذلك لا يؤثر في الصلاة ولا يبطلها، وقد فعله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وهو القدوة والأسوة، فمثل هذا العمل اليسير لا يؤثر في الصلاة.ثم أيضاً فيه كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم وبيانه لأمته أمور دينها؛ فإنه صعد على المنبر حتى يراه الناس، وحتى يشاهده من حوله ومن هم وراء الذين هم وراءه، وهذا مثلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طاف على بعير حتى يراه الناس ويقتدي به الناس ويتعلمون منه أحكام الطواف وما كان يفعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فهو رقى على المنبر والناس يرونه ويشاهدونه، وفي هذا دليل أيضاً على أن المأموم له أن ينظر إلى إمامه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان على المنبر، كان الناس ينظرون إليه، والرسول قال: ( لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ).ومما يدل على نظرهم إلى إمامهم أيضاً: ما جاء أنهم كانوا يعرفون قراءته في الصلاة الجهرية بحركة لحيته، يعني: عارضيه من اليمين والشمال يرونها تتحرك، فيستدلون بها على القراءة، وأنه كان يقرأ في صلاته، وذلك بتحرك لحيته عليه الصلاة والسلام عند القراءة، فهذا فيه أنهم كانوا ينظرون إلى إمامهم، والمأموم مأمور بأن ينظر إلى مكان سجوده، وأن يكون بصره إلى موضع سجوده، لكنه إذا نظر إلى إمامه في بعض الأحيان، لا سيما إذا كان هناك أمر يقتضي ذلك فإنه لا بأس به، وقد فعله الصحابة الكرام مع رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.عن أبي حازم بن دينار : (إن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه وقد امتروا في المنبر مم عوده؟ فسألوه عن ذلك، فقال: والله إني لأعرف مم هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة).يعني: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة، هنا بدأ تفصيل هذا الذي أجمله، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة، يعني: امرأة سماها سهل، يعني: هذا كلام يقوله سلمة بن دينار أبو حازم.( أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة -امرأة قد سماها سهل - أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها ).وهذا هو بيان من أي شيء كانت، وأنها من طرفاء الغابة، وطرفاء: نوع من الشجر له سوق يتخذ منها الخشب، وتتخذ منها الألواح والأعواد، والغابة هي موضع في شمال المدينة، وقد جاء في بعض الشروح: أنه في عوالي المدينة، وهذا ليس بواضح؛ لأن عوالي المدينة من جهة الجنوب، وأما شمال المدينة فهو أسافلها، والمياه تأتي من الجنوب وتنزل إلى الشمال، فهي ليست من العوالي، وإنما هي من الأسافل.قال: ( فأُرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها، فوضعت هاهنا ).يعني: (هاهنا)، يشير إلى مكان المنبر، وأنه وضع في هذا المكان الذي فيه المنبر.( ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي فصلى عليها، وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس! إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي ).

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #172  
قديم 09-12-2019, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد في الصلاة على المنبر
قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ].يعقوب بن عبد الرحمن، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو القاري وليس القارئ؛ لأنه ليس إلى القراءة، وإنما هي نسبة إلى قبيلة، ولهذا يقال له: القاري وليس القارئ نسبة إلى القراءة.[ حدثني أبو حازم بن دينار ].أبو حازم هذه كنية اشتهر بها سلمة بن دينار الأعرج، وهو ثقة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن سهل ].هو سهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت فيما مضى أن الذين يكنون بأبي العباس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما اثنان؛ ذكر بعض العلماء أن الذين يكنون بهذه الكنية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان، هما: سهل بن سعد هذا، وعبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه أيضاً كنيته أبو العباس .
الصلاة على الحمار

شرح حديثي ابن عمر وأنس في صلاة النبي على الحمار
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على الحمارأخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن عمرو بن يحيى عن سعيد بن يسار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر ).أخبرنا محمد بن منصور حدثنا إسماعيل بن عمر حدثنا داود بن قيس عن محمد بن عجلان عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو راكب إلى خيبر، والقبلة خلفه ). قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحداً تابع عمرو بن يحيى على قوله: (يصلي على حمار). وحديث يحيى بن سعيد عن أنس الصواب موقوف. والله سبحانه وتعالى أعلم ].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب الصلاة على الحمار، وأورد فيه حديثين: أحدهما: حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، والثاني: حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وحديث عبد الله بن عمر فيه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر، يعني: من المدينة وهو متوجه إلى خيبر، والشاهد من الحديث مطابق لما ترجم له، وهي: الصلاة على الحمار، وكذلك حديث أنس بن مالك دال على ما دل عليه حديث عبد الله بن عمر من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وهو متوجه إلى خيبر يصلي على حمار والقبلة وراءه، فالمقصود من ذلك صلاة النافلة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي النوافل وهو على الدابة أينما توجهت، إلا أنه جاء في بعض الأحاديث أنه يبدأ بالصلاة، ويدخل بها وهو متوجه إلى القبلة، ثم يتجه إلى وجهته التي هو متجه إليها، فيصلي ويومئ بركوعه وسجوده، ويكون الإيماء بالسجود أخفض من الإيماء بالركوع.وقد ذكر النسائي رحمه الله بعد هذا أن ذكر الحمار فيه خطأ، وأن الصواب أنه على الدابة والراحلة، وفي حديث عبد الله بن عمر قال: إن عمرو بن يحيى لم يُتابع على قوله: (على حمار)، وإنما الذين رووا أحاديث صلاته صلى الله عليه وسلم على المركوب إنما ذكروا الدابة والبعير وما ذكروا الحمار، والذي تفرد بذكر الحمار هو عمرو بن يحيى المازني، وأنه كان يصلي على حمار، وغيره يقول: إنه كان يصلي على الدابة، أو يصلي على البعير، وعمرو بن يحيى هو الذي تفرد بذكر الحمار.وقال النسائي : إن حديث يحيى بن سعيد، يعني: الأنصاري عن أنس الصواب أنه موقوف، يعني: أنه من فعل أنس، وليس من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه هو الذي كان راكباً على حمار، يعني: أنس بن مالك هو الذي كان راكباً على حمار، فالصواب أنه موقوف، أي: أنه من فعل أنس بن مالك، وليس من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن العلماء من قال: إن ذكر الحمار في هذين الطريقين غير محفوظ، وأن المحفوظ إنما هو البعير أو الدابة، يعني: في الحديث الأول، وأما الثاني فقال النسائي : إن الصواب أنه موقوف، وأنه من فعل أنس بن مالك وليس من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن العلماء من قال: إن عمرو بن يحيى خالف غيره الذين ما ذكروا الحمار، ولكنهم ذكروا الدابة أو البعير، فيكون قولهم هو المحفوظ، ويكون عمرو بن يحيى هو الشاذ، والشاذ: هو الذي خالف فيه الثقة من هو أوثق منه، ومن العلماء وهو النووي من قال: إنه لا محذور ولا إشكال، بل يمكن أن يجمع بينهما، بأن يكون كان على دابة وعلى حمار، وأنه حكي هذا وحكي هذا، يعني: كونه على دابة، أي: البعير، أو على راحلة أو بعير، أو أنه على حمار، فيكون مرة كذا ومرة كذا، فيحتمل هذين الأمرين.ومن المعلوم أن الحمار إذا كان الإنسان راكباً عليه فإنه له أن يصلي عليه كما يصلي على البعير، وكما يصلي على الفرس، وإنما هذا يكون في السفر، ولا يكون في البلد وفي داخل البلد، وإنما يكون في السفر، يعني: حيث يكون الإنسان مسافراً فإنه يفعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه التنفل على الراحلة إلا في حال السفر، وما جاء عنه في حال الحضر؛ لأن حال الحضر -كما هو معلوم- السير على الدابة يكون قصير، وينزل ويصلي كما يشاء على الأرض ركوعاً وسجوداً دون أن يكون هناك حاجة إلى الإشارة، لكن السفر الذي فيه السير وعدم النزول، ولو نزل يصلي لضاع عليه الوقت دون أن يقطع المسافة، فيجمع بين الأمرين بحيث يسير ويصلي، فلم يأتِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة على الراحلة أو على الدابة إلا في حال السفر، وبعضها جاء مطلقاً، فيكون محمولاً على المقيد، وكما ذكرت الفرق بين حال الإقامة وحال السفر؛ فالسفر يقتضي أن الإنسان يشتغل بالصلاة وهو راكب، وأما الحضر فإنه لا يحتاج الأمر فيه إلى ذلك؛ لأن السير فيه قصير، ويصلي الإنسان على الأرض كما شاء.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة النبي على الحمار
قوله: [ أخبرنا قتيبة بن سعيد ].قتيبة بن سعيد، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.وقوله (أنا) قتيبة بن سعيد، فإذا كان الرمز كما ذكر بلفظ (أنا)؛ فإنه ليس من عادة النسائي أنه يرمز أو أنه يأتي بالحروف المختصرة، وإنما يأتي بلفظ (أخبرنا) كما هو ديدنه وطريقته، وعادة المحدثين أنهم يرمزون أو يختصرون (أخبرنا) و(حدثنا)، وأما (أنبأنا) فإنهم لا يختصرونها؛ فـ(أنبأنا) لا تختصر ولا يرمز لها بالحروف، وإنما الرمز يكون لأخبرنا، فتأتي بلفظ أنا، وبلفظ أرنا، فإذا جاءت الهمزة مع (نا)، فالمراد أنها اختصار أخبرنا، وليست اختصار أنبأنا؛ لأن أنبأنا لا تختصر، فليس من عادتهم أن يختصروها، وأن يرمزوا لها بالحروف، وإنما التي عادتهم فيها أن يختصروها هي أخبرنا وليست أنبأنا، وحدثنا كذلك يختصرونها فيقولون: (نا)، ويقولون: (ثنا) و(دثنا)، وغالباً ما يقولون: (نا) أو (ثنا)، وأما (أنا) فهي اختصار أخبرنا.[ عن مالك ].وهو: ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، العلم، من أعلام الحديث والفقه، ومذهبه أحد المذاهب الأربعة التي هي من مذاهب أهل السنة.
معرفة قدر العلماء وكيفية التعامل معهم
وقد ذكرت في بعض الأحيان أن المذاهب الأربعة هي من مذاهب أهل السنة، وأن طالب العلم عليه أن يستفيد من كتب المذاهب ومن كتب أهل العلم، سواء كانت كتب أصحاب المذاهب الأربعة، أو كتب غيرهم من المجتهدين ومن الفقهاء، فطالب العلم لا يستغني عن الرجوع إلى كتبهم وعلمهم وفقههم؛ لأنه يستعين بهم، ولكن يجب أن يكون شأن الإنسان في هذا هو التوسط بين الإفراط والتفريط، بين الجفاء والغلو، فلا يغلو في الشخص فيقال: إنه لا تفوته السنة، وأنه لا تخفى عليه السنة، ولو كان في المسألة دليل ما خفي على فلان من الأئمة.. هذا غلو وهذا إطراء، وكذلك أيضاً لا يقابل هذا الجفاء بأن يقال: يعني يحصل ذمهم، أو يحصل تنقصهم، أو يحصل الاستهانة بشأنهم أو بشأن كتبهم أو بشأن علمهم، فهذا جفاء، فلا جفاء ولا غلو، لا إفراط ولا تفريط؛ بل الواجب هو التوسط، فالإنسان يحترمهم ويعظمهم ويثني عليهم، ويعتقد فيهم أنهم مجتهدون فيما اجتهدوا فيه من المسائل، وأنهم دائرون بين الأجر والأجرين، وأن الواحد منهم إما أن يحصل أجرين إذا أصاب في اجتهاده؛ أجر على اجتهاده وأجر على إصابته، وإن أخطأ فإنه يحصل أجراً واحداً على اجتهاده وخطؤه مغفور. ويستفيد الإنسان منهم ويرجع إلى كتبهم، ولا يستغني عنها طالب العلم، والإنسان الذي يهملها أو يغفل عنها فاته خير كثير، وفاته علم عظيم، لكن الأمر كما قلت: عندما يشتغل الإنسان، وعندما يتجه إلى كتبهم، يستعين بعلمهم وبكلامهم في الوصول إلى الحق، والوصول إلى الدليل، والوصول إلى الغاية المقصودة، لكن لا يغلو فيهم ولا يجفو، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، يقول الخطابي :ولا تغل في شيء من الأمر واقتصدكلا طرفي قصد الأمور ذميمويقول الطحاوي في عقيدته؛ عقيدة أهل السنة والجماعة: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، فمن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، ويقصد بقوله: أهل الخبر والأثر: المحدثين، وأهل الفقه والنظر: الفقهاء، فالإنسان يذكرهم بخير، ويثني عليهم، ويستفيد من علمهم، ويكون شأنه معهم كما قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح، يقول: إن الإنسان يرجع إلى علمهم ويستعين بعلمهم إلى معرفة الحق، ويعظمهم ويثني عليهم، ويأخذ بنصائحهم ووصاياهم التي أوصوا بها، وهي: أنه إذا وجد القول لواحد منهم يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يترك قوله ويصار إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.وابن القيم مثل لهذا بمثل حسن، مثل جميل واضح، قال: إن الإنسان عندما يرجع إلى علمهم، ويستعين بعلمهم إلى معرفة الحق، المقصود من استعانته بعلمهم أن يصل إلى الحق، وأن يصل إلى الدليل، فإذا وصل إلى الدليل انتهى، فما يحتاج إلى أن يبحث عن شيء آخر، قال: مثل هذا مثل الذي يستدل بالنجم على القبلة؛ فالإنسان إذا كان في فلاة يبحث عن جهة القبلة عن طريق النجوم، وعن طريق اتجاه النجوم، قال: فإذا كان الإنسان اهتدى بالنجم إلى القبلة، فإذا وصل إلى القبلة ما يحتاج إلى أن ينظر في السماء والقبلة أمامه؛ لأن المقصود وصل إليه، هو يستدل بالنجم حتى يعرف القبلة، لكن إذا وصل إلى القبلة وصار تحت الكعبة فلا ينظر في النجوم، وإنما يبحث عن القبلة، يبحث عن الكعبة، فالكعبة أمامه، فكذلك هنا، يعني: أنه يستعين بعلمهم حيث الدليل ما هو موجود، لكن إذا توصل إلى الدليل وعرف عن طريقهم الدليل، فإنه لا يحتاج إلى قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.هذا إجماع العلماء على أن الغاية هي الوصول إلى الدليل، وهذا شأن العلماء المجتهدين، يعني: يجتهدون ويبحثون عن الدليل، فإذا وصولوا إليه انتهى، ما في شيء، لا كلام لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.إذاً: الواجب هو التأدب مع أهل العلم، والتأدب مع العلماء واحترامهم، وتوقيرهم والثناء عليهم، ومعرفة أنهم لا يعدمون الأجر أو الأجرين، فلا يكن الإنسان غالياً، ولا يكون جافياً، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، هذا هو الذي يجب على طالب العلم أن يكون متنبهاً له، ما يقول: والله كتب المذاهب هذه لا أحتاج إليها، وما أحوج طلبة العلم إلى الرجوع إليها، لكن الإنسان إذا رجع ما يرجع على أساس أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، فيكون غالياً ويقول: إن فلاناً ما يخفى عليه شيء، وأنه لو كان هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلغه ولم يخف عليه، فهذا كلام لا يقال في حق أحد، حتى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم؛ وهم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، وكاد يكون الدليل مع واحد منهم، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدث بالأحاديث في أوقات مختلفة، وهناك من يحضر في هذا المجلس وهناك من لا يحضر هذا المجلس، ويكون عند هذا في مجلس حضره ما ليس عند الآخر حيث لم يحضر ذلك المجلس، وأمثلة هذا كثيرة. من ذلك:قصة الدخول في أرض الوباء، يعني: الإنسان إذا كان قادماً على أرض فيها وباء، هل يدخل أو ما يدخل؟ هذه مسألة ما كان عند كثير من الصحابة فيها علم، المهاجرون والأنصار ومسلمة الفتح، فـعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام وأقبل عليها لقيه أمراء الأجناد وفيهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وإذا الطاعون قد وقع في الشام، فالصحابة الذين كانوا مع عمر رضي الله عنهم انقسموا، أحد يقول: ادخل، وواحد يقول: لا.. ارجع، فقال: ادعوا لي المهاجرين، فدعوا له المهاجرين، فما كان عندهم علم، ففي المسألة اجتهاد، وبعضهم قال: أنت جئت لأمر فلا ترجع دون أن تصل إليه، والبعض الآخر قال: معك أصحاب رسول الله، لا تقدم بهم على الوباء يموتون بسبب الوباء، لا تدخل في الأرض الموبوءة، ثم قال: ادعوا لي الأنصار، فانقسموا كالمهاجرين، أحد يقول: تقدم، وآخر يقول: لا.. ارجع، ثم قال: ادعوا لي مسلمة الفتح، فأشاروا بما أشاروا به، ثم إنه عزم على أن يرجع، وقال: إنني مصبح على ظهر، فإذا جاء في الصباح سأرجع إلى المدينة، فكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه غائباً، ولم يكن حاضراً هذه المحاورة، وهذه المداولة، فجاء إليه وقال: عندي فيها علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول قال: ( إذا كان الوباء في أرض وأنتم قادمون عليها.. لا تدخلوها فلا تدخلوها، وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منها )، فأخبر بذلك عمر، فكان هذا اجتهاد عمر الذي توصل إليه ورجحه على الجانبين المتعارضين، فطابق ما ثبت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من توفيق الله لـعمر، وهذا من التسديد الذي حصل لـعمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وموافقات عمر مشهورة ومعروفة؛ فكان يشير بالرأي ويأتي بالقول، فينزل الوحي وفقاً لما أشار به عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.الحاصل أن هذا مثال من الأمثلة التي يكون فيها الأمر خافياً على الكثير من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون عند الواحد منها علم، فلا يجوز أن يقال في واحد من الأئمة: إنه لو كان فيها دليل لما خفي على فلان، لو كان في المسألة دليل ما خفي على فلان الإمام، فهذا من الغلو في الإمام، وإنما الحق الاعتدال والتوسط في الأمور، وكما قلت: طالب العلم يجب أن يكون على أدب جم مع أهل العلم؛ يعظمهم ويثني عليهم، فلا يغلو فيهم ولا يهضمهم حقوقهم، ولا يجفو فيهم فيذكرهم بما لا يليق بهم، وكلمة الطحاوي رحمه الله كلمة جميلة: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. فالإمام مالك رحمة الله عليه كما قلت: هو أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وأصحاب المذاهب الأربعة ثلاثة منهم كل واحد تلميذ للآخر، الذين وهم: مالك، والشافعي، وأحمد؛ فـأحمد تلميذ للشافعي، والشافعي تلميذ للإمام مالك، وقد جاء في بعض الأسانيد هذه السلسة التي فيها: أحمد يروي عن الشافعي، والشافعي يروي عن مالك، ومن ذلك الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة )، فإن هذا الحديث جاء في مسند الإمام أحمد يرويه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي، والإمام الشافعي يرويه عن الإمام مالك، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، في آخر سورة آل عمران، ثم قال: وهذا إسناد عزيز اجتمع فيه ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة يروي بعضهم عن بعض.
تابع تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة النبي على الحمار
قوله: [ عن عمرو بن يحيى ].هو عمرو بن يحيى المازني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن سعيد بن يسار ].هو سعيد بن يسار المدني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[ عن ابن عمر ].ابن عمر هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وليس ابن مسعود منهم؛ ولأنه متقدم، ولأنه من كبار الصحابة، وهؤلاء من صغار الصحابة، وقد عاشوا وكانوا في زمن متقارب، واستفاد الناس من علمهم، حيث أدركهم من لم يدرك ابن مسعود، يعني: ابن مسعود توفي سنة: (32هـ)، وأما هم عاشوا بعد ذلك لمدة طويلة، وكانوا في وقت متقارب، وهم العبادلة الأربعة، وليس ابن مسعود منهم، وأيضاً هو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم سبعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم اشتهروا وعرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ[ محمد بن منصور ].أخبرنا محمد بن منصور، سبق أن عرفنا أن للنسائي شيخين كل منهما يقال له: محمد بن منصور، ويعرف تمييز أحدهما عن الآخر بالشيوخ الذين يروي عنهم، وهما: محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور الجواز المكي .
تراجم رجال إسناد حديث أنس في صلاة النبي على الحمار
وقد ذكرنا فيما مضى: أن محمد بن منصور الطوسي ومحمد بن منصور المكي كل منهما يروي عن ابن عيينة، وأنه إذا جاء غير منسوب غير مبين، فإنه يحمل على المكي الجواز ؛ لأنه هو الذي من بلد ابن عيينة، فيكون الأقرب إلى أن يكون الجواز وليس الطوسي، أما هنا فإن الذي يروي عن إسماعيل بن عمر الواسطي هو محمد بن منصور الطوسي .فإذاً: محمد بن منصور هو الطوسي، وهو ثقة، وخرج حديثه أبو داود والنسائي، وأما ذاك الذي هو الجواز، فقد عرفنا أنه خرج حديثه النسائي وحده، وهو ثقة.[ إسماعيل بن عمر ].هو إسماعيل بن عمر الواسطي، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأبو داود والنسائي.[ حدثنا داود بن قيس ].داود بن قيس ثقة، وخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن محمد بن عجلان ].هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، وخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[ عن يحيى بن سعيد ].وهو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن أنس بن مالك ].أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن أنس وعن الصحابة أجمعين.
الأسئلة

فائدة اتخاذ المحراب في المساجد
السؤال: هل كان للمسجد النبوي محراب؟ وهل هو سنة أو بدعة؟الجواب: ما نعلم أن له محراباً على هذه الطريقة، لكن المسلمين اتخذوها، وفائدتها الاستدلال إلى جهة القبلة.
مسألة التلفظ بالنية في الأذكار الواردة
السؤال: هل يلزم التلفظ بالنية في الأذكار الواردة في دخول البيت والحمام ونحوه؟الجواب: يعني يقول: نويت أن أذكر الله، باسم الله، لا، فالنية محلها القلب، والشيء الذي ينوى لا يذكر باللسان إلا في الحج، فإنه يذكر النسك، يعني: هل هو عمرة؟ تقول: لبيك عمرة، لبيك حجة، لبيك عمرة وحجة، يعني: هذا هو الذي ينطق به بالإضافة إلى نيته في القلب؛ وذلك للتمييز؛ لأنه يحتاج إلى تمييز النسك، أما غير ذلك دون الحج، فما نعلم شيئاً يكون فيه التلفظ بالنية، والنية محلها القلب، ولكل امرئ ما نوى.
حكم تقبيل المصحف بقصد حبه
السؤال: ما حكم تقبيل المصحف بقصد الحب لما بين دفتيه؟الجواب: المحبة للمصحف تكون باتباع ما فيه وبالعمل بما فيه، وليس بتقبيله، ولا نعلم لتقبيله أساساً يستند عليه ويعتمد عليه، وإنما المحبة هي ليست في التقبيل، فقد يقبل المصحف من هو عاصٍ لما في المصحف، ومن هو مخالف لما في المصحف، ومن هو مرتكب للأمور المحرمة التي جاء التحذير منها في المصحف، فالعبرة بالدليل، ولا نعلم شيئاً يدل على هذا، فالذي ينبغي هو عدم فعل ذلك، ومحبته لا تكون بالتقبيل، وإنما تكون بالاتباع وامتثال ما جاء فيه، والسير على منهاجه؛ امتثالاً للأوامر، واجتناباً للنواهي، وتصديقاً للأخبار.
الفرق بين الحديث النبوي والحديث القدسي
السؤال: ما الفرق بين الحديث النبوي والحديث القدسي؟الجواب: الحديث القدسي: هو الذي تكون فيه الضمائر مضافة إلى الله عز وجل: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي).. (الصوم لي).. الضمير يرجع فيه إلى الله عز وجل، أو الضمائر ترجع فيه إلى الله عز وجل، ولا يصلح أن ترجع إلى غيره، فالحديث القدسي هو ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيفاً إياه إلى ربه، بأن يقول: قال الله تعالى، أو يقول الصحابي: قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: .. والضمائر كما قلت: تعود إلى الله عز وجل، وترجع إلى الله عز وجل، ومرجعها إليه سبحانه وتعالى.وأما الحديث النبوي فهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، أو وصف خلقي أو خُلُقي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #173  
قديم 09-12-2019, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب القبلة
(137)


- باب استقبال القبلة - باب الحال التي يجوز عليها استقبال غير القبلة

للصلاة أركان لا تصح إلا بها، منها استقبال القبلة، وهذا عام في الفريضة والنافلة، إلا أن هذا الركن يسقط في حال السفر عند الركوب على الراحلة أو السيارة أو ما أشبه ذلك، وهذا خاص بصلاة النافلة دون الفريضة.
استقبال القبلة

شرح حديث البراء بن عازب في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب القبلة. باب استقبال القبلة.أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم وجه إلى الكعبة، فمر رجل قد كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من الأنصار، فقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجه إلى الكعبة، فانحرفوا إلى الكعبة ) ]. يقول النسائي رحمه الله: (كتاب القبلة)، القبلة: هي الكعبة المشرفة التي جعلها الله قبلة للمسلمين، وقد كان النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه أول ما فرضت عليه الصلوات كان يستقبل بيت المقدس، ثم إنه بعدما هاجر إلى المدينة، ومكث ستة عشر شهراً بعد قدومه إلى المدينة، وكان يستقبل تلك القبلة المنسوخة، ثم إنه وجه إلى الكعبة، فجعلت الكعبة المشرفة هي القبلة التي يؤمها المسلمون، والتي يستقبلها المسلمون من كل مكان، يتجهون إليها في صلواتهم وفي دعائهم، ويكونون حلقاً حولها، وكلما كانوا بعيدين منها، فإنهم بمثابة الحلق نحوها، وهم كالدوائر حول الكعبة المشرفة، دوائر صغيرة ودوائر كبيرة، وأصغر دائرة هي التي تحيط بالكعبة، وأكبر دائرة التي تكون في أطراف الدنيا، فإن المسلمين من كل مكان يتجهون إليها ويستقبلونها في صلاتهم.وقد أورد النسائي باب استقبال القبلة، وهي الكعبة المشرفة، وقد أورد فيه حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، قال: إن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة مكث نحواً من ستة عشر شهراً يستقبل بيت المقدس، ثم إنه وجه إلى الكعبة، يعني: نزل عليه القرآن بالأمر بالتوجه إلى الكعبة المشرفة، فتوجه إليها، وصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فذهبوا إلى بعض المساجد التي في المدينة، وجاء رجل إلى جماعة من الأنصار وهم يصلون، فأخبرهم وهم في صلاتهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم وجه إلى الكعبة، وقال: استقبلوها، فاستقبلوها وانحرفوا إلى جهة الكعبة، فكانت أول صلاتهم إلى بيت المقدس، وآخر صلاتهم إلى الكعبة المشرفة، وصار الرجال استداروا وهم في أماكنهم، وأما الإمام فإنه استدار وتقدم بين الصف حتى صار أمامهم؛ لأنه لا يتأتى إلا بأن ينتقل الإمام من مكانه الذي هو جهة الشام إلى أن يكون جهة الكعبة المشرفة، وهذا لا يتأتى إلا باستدارتهم، وهم في مكانهم، وهو يدخل من بينهم ويتقدم حتى يكون أمامهم إلى جهة الكعبة المشرفة.والحديث فيه دليل على اعتبار خبر الواحد والتعويل عليه؛ لأن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، اعتمدوا على كلام هذا الشخص الذي أخبرهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم وجه إلى الكعبة، وعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرهم على ما فعلوه وعلى ما عملوه، وفي هذا -أيضاً- دلالة على قيام أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى امتثال التكاليف التي يشرعها الله عز وجل على عباده، فإنهم كانوا يبادرون إلى التنفيذ، ويبادرون إلى الامتثال، وهذا شأن المسلم؛ لأن من شأن المسلم أن يكون ممتثلاً منقاداً لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، والمسلم سمي مسلماً؛ لأنه يستسلم لأمر الله وأمر رسوله، يستسلم وينقاد لأمر الله وأمر رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.ثم أيضاً فيه دليل على أن من هو خارج الصلاة، يمكن أن يعلم من هو في داخل الصلاة، ويمكن أن يفتح على من هو داخل الصلاة فيما لو غلط في القراءة، ولو لم يكن في الصلاة؛ لأن هذا الرجل تكلم مع هؤلاء الذين يصلون، وأخبرهم بالشيء الذي حصل، فاستداروا من جهة الشام إلى جهة الكعبة.ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتحرى، وكان يؤمل أن يوجه إلى الكعبة، وكذلك أصحابه كانوا يعلمون، فلعلهم كانوا يتوقعون وينتظرون حصول شيء، أو نزول شيء، فلما أخبرهم هذا المخبر الذي حدثهم وهم في صلاتهم، استداروا في صلاتهم من جهة الشام إلى جهة الكعبة المشرفة، وهذا أيضاً فيه كما سيأتي في الباب الذي يأتي بعد الذي يليه، وهو أن من عمل باجتهاد في جهة القبلة، كأن يكون في برية فيحصل منه الاجتهاد، فيصلي إلى جهة يعتقد أنها جهة القبلة، ثم يتبين له وهو في أثناء صلاته، كأن يأتي من ينبهه أو يخبره، وهو خبير في جهة القبلة، فإنه يفعل كما فعل هؤلاء، بأن يستدير من الجهة التي هو عليها، ويكمل صلاته إلى جهة القبلة.
تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
قوله: [ أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ].وهوابن مقسم الأسدي المشهور أبوه بـابن علية، وهذا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ليس هو البخاري، فالبخاري هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وإنما الذي يروي عنه النسائي ممن هو بهذا الاسم (محمد بن إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية، ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، وله أخ اسمه إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم، وهذا منحرف عن منهج أهل السنة، وهو من المبتدعة ذكره الذهبي في الميزان، وقال: جهمي هالك، وهو الذي يأتي في مسائل الفقه فينسب إلى ابن علية مسائل شاذة أو أقوال شاذة، يقال: قال فيها: ابن علية، المقصود به إبراهيم وليس الأب؛ لأن الأب الذي هو إسماعيل إمام من أئمة أهل السنة، وأما هذا فهو من المبتدعة، وكان يأتي ذكر مسائل له فيها شذوذ، ومن هذه المسائل التي يذكر شذوذه فيها، قد ذكرها ابن رشد في بداية المجتهد وذكرها غيره؛ عندما جاء عند الإجارة وحكم الإجارة، قال: إن الإجارة لا تجوز، لا يجوز للإنسان أن يستأجر أحداً، وهذا شذوذ في غاية الوضوح، كيف لا يحصل الاستئجار؟! ومن يستغني عن الاستئجار؟! من يستغني عن أن يستأجر أحداً؟! لأن الإنسان إذا لم يستأجر إما أن يكون محيطاً بالمهن كلها، بحيث لا يحتاج إلى غيره، أو الناس يتصدقون عليه بالمجان، أو الناس يفعلون له بالمجان، فإذا كان بأجرة فإن ذلك لا يجوز، هذا شذوذ، وأي شذوذ مثل هذا الشذوذ.قال ابن رشد : وخالف فيها ابن علية والأصم، ابن علية هو إبراهيم هذا ، والأصم أيضاً معتزلي، الذي هو أبو بكر بن كيسان الأصم، وهو غير أبي العباس الأصم الذي هو من شيوخ الحاكم ؛ لأن ذاك إمام من أئمة أهل السنة، ومحدث كبير من شيوخ الحاكم أبو العباس الأصم، وأما هذا أبو بكر الأصم، فهو معتزلي، وهو يأتي ذكره في مسائل شاذة، ومنها مسألة الشفعة، قالوا: وخالف فيها الأصم، وكان عن فهمها أصم، فالحاصل: أنه يأتي ذكر ابن علية وذكر الأصم، والمراد بـابن علية هو هذا الذي ذكرت: إبراهيم، الذي قال عنه الذهبي في الميزان: إنه جهمي هالك.[ حدثنا إسحاق بن يوسف ].هو: إسحاق بن يوسف الأزرق، قد سبق أن مر ذكر الحديث فيما مضى، وجاء على الصواب الذي هو يوسف، إسحاق بن يوسف الأزرق، وكذلك هو في التقريب: إسحاق بن يوسف الأزرق، وفي بعض النسخ: ابن يوسف مكتوب ابن يونس، وفي بعض النسخ ابن يوسف .يعني: هو خطأ ذكر يونس، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن زكريا بن أبي زائدة ].زكريا بن أبي زائدة، وهو: ثقة، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي إسحاق ].وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، مشهور بكنيته ونسبته السبيعي، ويأتي ذكره كثيراً بدون نسبته، بل بالاكتفاء بكنيته، وهو أبو إسحاق، والهمداني نسبة عامة، والسبيعي نسبة خاصة؛ لأن سبيع هم من همدان، فالغالب عليه النسبة الخاصة التي هي السبيعي بفتح السين وكسر الباء، وهو ثقة، مكثر من الرواية، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن البراء بن عازب ].هو البراء بن عازب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد صغار الصحابة، ويقال: إنه هو وابن عمر لدة، يعني: ميلادهم واحد، فكانوا في سن واحد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكل رجال هذا الإسناد حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، إلا شيخ النسائي ، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، فإنه لم يخرج له إلا النسائي وحده.
باب الحال التي يجوز عليها استقبال غير القبلة

شرح حديث: (كان رسول الله يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الحال التي يجوز عليها استقبال غير القبلة.أخبرنا قتيبة عن مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت )، قال مالك : قال عبد الله بن دينار : وكان ابن عمر يفعل ذلك ].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الحال التي يجوز عليها استقبال غير القبلة. وهي صلاة النافلة في السفر على الدابة، يجوز أن تكون إلى غير جهة القبلة، لكن عند ابتداء الصلاة يستقبل القبلة، ويكبر وهو مستقبل القبلة، ثم يتجه إلى الجهة التي يريد؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه يكون الابتداء، أو الدخول في الصلاة إلى جهة القبلة، يكبر وهو إلى جهتها، ثم يحرف الدابة لتسير إلى الوجهة التي يريد، فالحال التي يجوز استقبال غير القبلة فيها، إنما هي في صلاة النافلة على الدابة في حال السفر، فتكون في النافلة لا في الفريضة، وفي السفر لا في حال الحضر ولا في حال الإقامة، وإنما هي في حال السفر؛ لأن السفر هو الذي يحتاج إلى أن يمكث على دابته حتى يقطع الطريق، ولو نزل يصلي على الأرض لضاع عليه الوقت دون أن يصل إلى بغيته، ولكنه يجمع بين المصلحتين فيصلي على دابته، ودابته تسير إلى الجهة التي يريد، وقد ثبتت السنة بذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه عن جماعة من الصحابة: أنه كان يصلي على راحلته أو على دابته إلى أي جهة توجهت، وهذا إنما هو في النافلة، كما جاء في بعض الأحاديث أنه كان لا يصلي عليها المكتوبة، وإنما إذا جاءت المكتوبة ينزل، ويصليها على الأرض، ثم يركب دابته ويتجه إلى الجهة التي يريد.وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته أينما توجهت )، قال عبد الله بن دينار : وكان ابن عمر يفعل ذلك، يعني: راوي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا الفعل، الذي هو التنفل على الراحلة إلى غير جهة القبلة.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت)
قوله: [ أخبرنا قتيبة ].قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، هو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك بن أنس ].مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورين، الذين حصل لأقوالهم ولمذاهبهم أصحاب لهم، عنوا بجمع أقوالهم وكلامهم في المسائل، وترتيب ذلك وتنظيمه، فحفظ، واشتهرت هذه المذاهب هذه الشهرة، وإلا فإن في الفقهاء ممن قبلهم وفي زمنهم وبعدهم ممن هو مثلهم في الاجتهاد، وسعة العلم، وسعة الاطلاع، والإحاطة بالمسائل الكبيرة، ولكن لم يحصل لهم مثلما حصل لهؤلاء. ومن هؤلاء الأئمة الكبار الذين هم من أهل الاجتهاد، وكلامهم كثير في المسائل: الليث بن سعد، الفقيه المحدث في مصر، وعبد الرحمن الأوزاعي، الفقيه المحدث في الشام، وغيرهم من الفقهاء الذين هم من أهل العلم، ومن أهل الاجتهاد، ولكن ما حصل لهم مثلما حصل لهؤلاء الأربعة، من جمع أقوالهم، والعناية بمذاهبهم، حتى صار لها الحفظ، وحتى صار لها البقاء، وحتى اشتهرت بين الناس، وحديث الإمام مالك بن أنس أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن عبد الله بن دينار ].وهو المدني، وهو: مولى لـعبد الله بن عمر، ولهذا يقال له: العدوي ولاء، يعني: نسبة إلى نسبة عبد الله بن عمر العدوي ولاء، وهو: ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عمر].هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، الذين هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، فهؤلاء الأربعة هم في طبقة واحدة، وفي زمن متقارب، وهم من صغار الصحابة، وقد عاشوا وانتفع الناس بعلمهم، وأدركهم الكثير من التابعين الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقال لهم: العبادلة الأربعة. وعندما يأتي في مسألة من المسائل الفقهية يقال: قال بها العبادلة الأربعة. وليس عبد الله بن مسعود منهم، أي: من الأربعة؛ لأن ابن مسعود أكبر منهم، وهو متقدم الوفاة؛ لأنه من كبار الصحابة، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وأما هؤلاء فكانوا بعد الستين، وعاشوا وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وكذلك أيضاً ابن عمر هو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ
شرح حديث: (كان رسول الله يصلي على الراحلة قبل أي وجه توجه به...) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عيسى بن حماد حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الراحلة قبل أي وجه توجه به، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ) ].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر من طريق أخرى، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته إلى أي وجهة توجهت به، ويصلي عليها الوتر، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، وهذا يدل على ما دل عليه الذي قبله، من جهة أن صلاة النافلة يجوز أن تكون على الراحلة في حال السفر إلى أي جهة كانت؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك، وحتى الوتر كان يوتر على الراحلة، إلا المكتوبة فإنه لا يفعلها وهو على الراحلة، وإنما ينزل ويصليها على الأرض، فدل هذا على أن الصلاة التي تؤدى على الراحلة هي ما عدا الفريضة، فالفرائض لا تصلى على الرواحل، وإنما تصلى على الأرض، يستقبل الإنسان فيها القبلة، وأما النوافل فيجوز أداؤها للراكب، وهو متجه إلى أي جهة كانت، لكن كما ذكرت أنه جاء في بعض الأحاديث: أنه يكون بدء الصلاة والدخول فيها إنما هو إلى جهة القبلة، ثم يتجه إلى الجهة التي يريد. وفي الحديث دليل على أن الوتر ليس بواجب، وليس بفرض؛ لأنه قال: (غير أنه كان لا يصلي عليها المكتوبة)، وقوله: كان يصلي عليها الوتر، فإذاً هو من النوافل، لكنه آكد النوافل، فهو وركعتا الفجر آكد النوافل، فقد كان عليه الصلاة والسلام يحافظ على ركعتي الفجر وعلى الوتر في الحضر والسفر، وما كان يتركهما، وإنما كان يحافظ عليها ويداوم عليهما في الحضر والسفر.ومن المعلوم أن من حافظ على النوافل فإنه يكون محافظاً على الفرائض من باب أولى، ومن تساهل في النوافل فقد يتساهل في الفرائض، ولهذا يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ).. إلخ الحديث.
الأسئلة

الاكتفاء بمحاذاة الميقات عند الإحرام دون النزول فيه

السؤال: هل يصح إحرام من مر بالميقات بالسيارة دون أن يتوقف فيه؟الجواب: ولو كانت السيارة تسير، ولو لم تقف السيارة، مادام أنه يحاذي الميقات ينوي ويلبي، ولا يلزمه أن ينزل، وإن أراد أن ينزل ويصلي الركعتين في المسجد الذي هو مسجد العقيق، لا بأس بذلك، لكن ليس على اللزوم، بل يكفيه أنه إذا حاذى ينوي ويلبي.
حكم لعن المعين الذي يتجسس على المسلمين
السؤال: شخص قال لأخيه: لعنة الله عليه والملائكة والناس أجمعين، فالذي أُطلق عليه هذا اللعن كان يتجسس على المسلمين، فهل يجوز له ذلك؟الجواب: لعن المعين لا يجوز، اللعن للتعيين لا يجوز مطلقاً، وإنما الحي يدعى له بالهداية، لكن من مات على الكفر فإنه هو الذي يستحق اللعنة، فلعن المعين غير سائغ، ولهذا كان بعض العلماء يتحرز من لعن المعين ولو كان كافراً. ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية لما جاء بواحد من النصارى نظم قصيدة طويلة يسب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسب دين الإسلام، والعياذ بالله، وقد رد عليه ابن حزم في قصيدة أطول منها، وقد ذكر ابن كثير القصيدتين، قصيدة النصراني وقصيدة ابن حزم ، لكن ابن كثير لما ذكر هذه القصيدة التي هي قصيدة النصراني، قال: عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ... إن كان مات كافراً. ثم لما ترجم لـأبي نصر الفارابي ، هذا المشهور، قال في ترجمته: أنه كان يقال عنه: أنه يقول: بمنع إعادة الأجساد الجثماني، يعني: عدم إعادة الأجساد، وإنما الأرواح هي التي تعاد، فلما ذكر عنه هذا، قال: فعليه إن كان مات على ذلك لعنة رب العالمين، فقد كان ينكر البعث أي: إنكار معاد الأجساد، يقول: إن كان مات على ذلك فعليه لعنة رب العالمين، فلعن المعين لا يجوز، ولكن اللعن بالوصف مثل: لعنة الله على الظالمين، لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، لعن الله المتنمصات، لعن الله كذا، يعني: بالوصف لا بالاسم، فهذا كما جاءت به السنة يلعن، كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما لعن فلان بعينه فهذا لا يجوز.

الكذب من أجل إرضاء الوالدة

السؤال: هل يجوز الكذب من أجل إرضاء الوالدة؟الجواب: ما ينبغي أن يكذب، ولكن ينبغي له أن يوري، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب )، يعني: كون الإنسان يأتي بكلام يحتمل، يفهم منه المتكلم شيئاً، والسامع يفهم شيئاً آخر؛ لأنه صادق فيما قال، هذه تسمى تورية، وتسمى معاريض، فهذا سائغ، يمكن أنه يأتي بكلام من هذا القبيل، يعني: فيه إرضاء، فلا بأس، وهذا من جنس الذي عملته أم سليم لما جاء أبو طلحة وكان ابنها مريض، وقد مات، فأرادت ألا تزعجه، فقال: كيف الغلام؟ قالت: إنه استراح، وقد هدأت نفسه، طبعاً هي تريد أنه استراح، خلاص ما فيه حركة، وهدأت نفسه، يعني: هو يفهم أنه ما هو ثائر النفس، وهي تريد أنه انقطع نفسه، يعني: ما فيه نفس، فهذه تورية، فهو فهم شيئاً، وهي صادقة فيما قالت، كذلك جاء كثير من هذا القبيل، كان يقال في زمن الفتنة التي هي فتنة خلق القرآن -يحكى ما أدري عن صحته- أن بعض الذين أجبروا وطلب منهم أن يقولوا بخلق القرآن عمل تورية، فلما قيل له: تقول بخلق القرآن، وألزموه، وإلا يضربونه أو كذا، قال: أشهد أن التوراة والإنجيل والقرآن والزبور هؤلاء مخلوقات، يشير إلى أصابعه، فهذه تورية.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #174  
قديم 09-12-2019, 03:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب القبلة
(138)


- باب ذكر ما يقطع الصلاة


الصلاة أمرها عظيم وهي صلة بين العبد وربه، فقطعها ليس بالأمر الهين؛ ولهذا بيّن الشرع الحكيم ما يقطع الصلاة وما لا يقطع؛ وشرع للمصلي وضع سترة تحول بينه وبين المارة.
ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة

شرح حديث: (إذا كان أحدكم قائماً يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يزيد حدثنا يونس عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان أحدكم قائماً يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإن لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، قلت: ما بال الأسود من الأصفر من الأحمر؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان ) ].لما ذكر المصنف سترة المصلي واتخاذها، وكيف تتخذ، وأنها مثل مؤخرة الرحل، أورد بعد ذلك هذه الترجمة، وهي: ما يقطع الصلاة، أي: الأشياء التي تقطع الصلاة إذا حصل مرورها بين يدي المصلي.وقد أورد النسائي فيه عدة أحاديث، أولها: حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا كان أحدكم قائماً يصلي، فإنه يستره مثل مؤخرة الرحل )، أي: فإنه يتخذ سترة تكون مثل مؤخرة الرحل، أي: أنها بارزة، ومؤخرة الرحل كما عرفنا في الحديث السابق: هي العود أو الخشبة التي تكون في مؤخر الرحل يستند عليها الراكب على البعير، فمثل به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بسترة المصلي، وسترة المصلي تكون بمثل مؤخرة الرحل، وتكون بالعصا التي تغرز، وتكون بمثل العمود الذي هو من أعمدة المسجد، أو جدار أو ما إلى ذلك من الأشياء الشاخصة التي يصلي الإنسان إليها، ويكون قريباً منها.ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا لم يكن بين يديه سترة فإنه يقطع صلاته: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، قيل: يا رسول الله! ما بال الكلب الأسود؟ قال: الكلب الأسود شيطان ). فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ما يقطع الصلاة، وهي: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، وقد جاء في بعض الأحاديث إطلاق الكلب، واختلف العلماء في المراد بالقطع، فذهب بعض العلماء إلى أن المراد به الإبطال، وأنه يستأنف الصلاة عندما يحصل مرور هذه الثلاثة، وذهب جمهور العلماء: إلى أن المراد بذلك ما يحصل للصلاة من نقصان بسبب انشغال القلب بهذه الثلاثة التي تمر بين يديه، وينشغل قلبه بها، فينشغل عن صلاته، فيذهب عنه الخشوع، ويشتغل بها، ويتعلق قلبه بها، فيكون ذلك سبباً في نقص صلاته.وقد سئل عليه الصلاة والسلام لما ذكروا الكلب الأسود ما باله، وما الفرق بينه وبين غيره؟ فقال: (الكلب الأسود شيطان)، وقد ذكر بعض العلماء: أنه محمول على ظاهره، وأن المراد بذلك أن الشيطان يتمثل غالباً بالكلب الأسود، ومن المعلوم أن الشياطين تتصور بصور الإنسان وغير الإنسان، فشياطين الجن يتصورون بصور الحيوانات، كما أنهم يتصورون بصور الإنسان، ويأتون على صورة الإنسان، وكذلك يأتون على صورة الحيوان؛ فيأتون على صورة الحيوانات المختلفة، مثل: الكلاب، والحيات وغير ذلك؛ كما جاءت به السنة، وكما ثبت ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم قائماً يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل...)
قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].عمرو بن علي هو: الفلاس ، هو: محدث، ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، وهو: ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً في كتب الرجال في الجرح والتعديل، يقال: قال الفلاس كذا.[ حدثنا يزيد ].يزيد هو ابن زريع البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[ حدثنا يونس ].يونس هو ابن عبيد البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن حميد بن هلال ].حميد بن هلال البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن عبد الله بن الصامت ].عبد الله بن الصامت البصري ، وهو: ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن أبي ذر الغفاري ].واسمه جندب بن جنادة على أصح الأقوال فيه، وهو صحابي مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً فهذا الإسناد الذي معنا رجاله أكثرهم بصريون، وهم: عمرو بن علي، ويزيد بن زريع، ويونس بن عبيد، وحميد بن هلال، وعبد الله بن الصامت .. هؤلاء بصريون، وأيضاً هؤلاء الرجال كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا عبد الله بن الصامت فإنه لم يخرج له البخاري في صحيحه، وإنما خرج له تعليقاً، والباقون خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث ابن عباس في قطع المرأة الحائض والكلب للصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثني شعبة وهشام عن قتادة ، قال: ( قلت لـجابر بن زيد : ما يقطع الصلاة؟ قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: المرأة الحائض والكلب )، قال يحيى : رفعه شعبة ].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، من طريقين: من طريق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وشعبة بن الحجاج ، يرويان عن قتادة ، وقد رفعه أحدهما، ووقفه أحدهما على ابن عباس ، وقفه أحدهما، أي: هشام؛ على ابن عباس ، ورفعه شعبة ، يعني: أن ابن عباس رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد شعبة بن الحجاج ، والحديث فيه ذكر اثنين من الثلاثة المتقدمة، وأنها تقطع الصلاة، وهي: المرأة الحائض، والكلب، وفيه تقييد المرأة بأنها الحائض، والمراد بالحائض: هي التي بلغت المحيض، وليس المراد بها التي عليها الحيض، والتي هي متلبسة بالحيض، وإنما المراد بها التي بلغت سن المحيض، وهي المرأة البالغة، ومثل هذا الحديث الذي ورد: ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، المقصود بالحائض هي البالغة؛ لأن الحائض لا تصلي، ولكن المقصود بالحائض يعبر بها عن البالغة، يعني: التي بلغت سن المحيض، وهنا المرأة الحائض المراد بها البالغة؛ المقصود التي بلغت سن المحيض، وهي التي توصف بأنها امرأة، وهذا هو المقصود بها، وكما ذكرت: الحديث اشتمل على ذكر اثنين من الثلاثة اللذين تقدم ذكرهما في الحديث الذي قبل هذا، وفيه ذكر إطلاق الكلب، وعدم تقييده بالأسود.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في قطع المرأة الحائض والكلب للصلاة

قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].وهو الفلاس المتقدم في الإسناد الذي قبل هذا.[ عن يحيى ]. وهو ابن سعيد القطان ، المحدث الناقد من أئمة الجرح والتعديل، وهو بصري ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثني شعبة وهشام ].شعبة، وهشام ، وهو شعبة بن الحجاج أحد الأئمة الثقات، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ يرويان عن قتادة ].قتادة هو ابن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ قلت لـجابر بن زيد ].جابر بن زيد هو أبو الشعثاء ، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي بالكنية، وقد ذكرت فيما مضى: أن من الأمور المهمة في علم مصطلح الحديث: معرفة كنى المحدثين، وفائدة ذلك: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بكنيته، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي كثيراً بـأبي الشعثاء التي هي الكنية، وهنا قال: قلت لـجابر بن زيد ، وهو أبو الشعثاء ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن ابن عباس ].ابن عباس هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، وهو أيضاً أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.ثم في الإسناد كما ذكر النسائي في آخره قال: رفعه شعبة ، يعني: أن الإسناد جاء عن شخصين، أي: أن يحيى بن سعيد القطان يرويه عن شخصين، وهما: شعبة، وهشام ، وذكره على لفظ هشام ؛ لأنه ذكره موقوفاً، ثم قال بعد ذلك: قال يحيى : رفعه شعبة ، قال يحيى -أي: ابن سعيد القطان -: رفعه شعبة ، يعني: أنه جاء موقوفاً على ابن عباس من طريق هشام ، وجاء مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: رفعه ابن عباس من طريق شعبة بن الحجاج ، ولا تنافي بين الرفع والوقف؛ لأن الوقف أيضاً له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي، وإنما يستند فيه إلى النصوص، فلا تنافي بين ما جاء من الرفع والوقف لحديث ابن عباس هذا.
شرح حديث ابن عباس في أثر مرور الحمار بين يدي الصف في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا الزهري أخبرني عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جئت أنا، والفضل على أتان لنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بعرفة، ثم ذكر كلمة معناها، فمررنا على بعض الصف، فنزلنا وتركناها ترتع، فلم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ) ].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، الذي استدل به على أن مرور الحمار لا يقطع، ولا دلالة في ذلك، ولا تنافي بينه وبين حديث ابن عباس المتقدم.فإن حديث ابن عباس هذا أنه قال: ( مررنا بين يدي الصف )، ومن المعلوم أن المرور أمام الصف على الحمار ليس مروراً بين المصلي وبين السترة، ولا أمام الإمام؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين، فلا يؤثر المرور بين الصف، لا بالنسبة للحمار ولا لغيره، وإنما المرور الذي يؤثر والذي جاء فيه ذكر القطع هو أن يكون بين يدي الإمام.أما أن يمر حمار أو امرأة أو كلب بين يدي الصف أو بين الصفوف وهم يصلون وراء إمامهم فإن ذلك لا يؤثر، ولا يعارض ما جاء في الحديث المتقدم من ذكر القطع لهذه الأمور الثلاثة؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين؛ ولهذا يجوز المرور بين الصفوف إذا كان هناك حاجة، كأن يصل صفاً، أو يصل إلى فرجة يسدها، وليس لأحد أن يمنع من يمر بين الصف، أي: المأموم؛ لأن المأموم سترته الإمام، لكن إذا لم يكن هناك حاجة لا ينبغي المرور؛ لأن المرور لا يخلو من تشويش على المصلي فيما إذا مر بين يديه أحد، ولو كان مأموماً، لكن من حيث السترة، فإن سترة الإمام سترة للمأمومين، فلا يؤثر المرور بين الصفوف.إذاً: فحديث ابن عباس هذا ليس معارضاً لما تقدم من ذكر القطع بالمرور؛ لأن ذلك إنما يكون للإمام، أي: القطع، وأما المرور بين الصف، أي: مرور الحمار بين الصف أو أمام الصف، فإن ذلك لا يؤثر، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم، ولم يقل شيئاً في صنيعهما، وقد جاء على حمار أتان، والأتان: هو أنثى الحمار، يقال لها: أتان، ونزلا وتركا الحمار ترتع، يعني: ترعى، ودخلا في الصف بعد أن مشيا أمام بعض الصف.وعلى هذا فلا تنافي بين ما جاء في هذا الحديث، وما جاء في الحديث المتقدم؛ لأن ذاك إنما هو أمام الإمام، وأما ما هنا فإنما هو أمام الصف، أو أمام بعض الصف، وليس أمام الإمام.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في أثر مرور الحمار بين يدي الصف على الصلاة
قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور ]. النسائي له شيخان كل منهما يقال له: محمد بن منصور، أحدهما: محمد بن منصور الجواز المكي، والثاني: محمد بن منصور الطوسي ، وكل منهما يروي عن سفيان بن عيينة ، لكن تعيين أي الاثنين يكون بأنه المكي؛ لأن ابن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، وإذا كان احتملا الرواية عن اثنين، فإنه يحمل عندما يأتي محمد بن منصور مهملاً، على أنه المكي؛ لملازمته لـابن عيينة ؛ لكونه من بلده، بخلاف الطوسي ، فإنه من بلد آخر، واتصاله بـسفيان بن عيينة لا يكون إلا عن طريق سفر، أو عن طريق الإتيان إلى مكة لحج أو عمرة، أو لقاء في وقت من الأوقات، أما إذا كان الإنسان من البلد، وهو مقيم معه في بلده، فاتصاله به كثير، فيكون الغالب الحمل عليه، وقد جاء في بعض الأسانيد التي سبق أن مرت بنا مثل هذا الإسناد، وينص فيه النسائي على ذكر محمد بن منصور المكي ، فيكون تعيين أحد الاثنين لتميز أحدهما -أي: التلميذين- بملازمته، أو بكونه من أهل بلد شيخه الذي هو: سفيان بن عيينة ، فيكون الأقرب أنه الجواز ، وهو: ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.[عن سفيان ].وسفيان هنا هو ابن عيينة؛ لأنه يروي عن الزهري ، مثلما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن الزهري معروف بالرواية عن ابن عيينة ، بخلاف الثوري ، وقال في موضع آخر من الفتح: إن الثوري يروي عن الزهري بواسطة.فإذاً: سفيان هنا المراد به ابن عيينة ؛ لأن شيخه هو الزهري ، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة ، وابن عيينة ثقة، إمام، حجة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[ عن الزهري ].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ، وهو ثقة، حجة، إمام، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ أخبرني عبيد الله ].وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين في هذه المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصر التابعين، وهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب ، هؤلاء ستة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب . وعبيد الله بن عتبة هذا حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن ابن عباس ].وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #175  
قديم 09-12-2019, 03:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح حديث الفضل بن العباس في صلاة النبي العصر وبين يديه حمارة وكليبة ترعيان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبد الرحمن بن خالد حدثنا حجاج قال ابن جريج : أخبرني محمد بن عمر بن علي عن عباس بن عبيد الله بن عباس عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما أنه قال: ( زار رسول الله صلى الله عليه وسلم عباساً في بادية لنا، ولنا كليبة، وحمارة ترعى، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر وهما بين يديه، فلم يزجرا ولم يؤخرا ) ].أورد النسائي هذا الحديث حديث الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما، وهو يتعلق بعدم قطع الصلاة لمرور الكلب والحمار، لكن ذلك ليس بظاهر؛ لأنه ليس فيه دليل أنه بينه، وبين السترة، فيمكن أن يكون وراء السترة، ومن المعلوم أن ما كان وراء السترة فإنه لا علاقة للمصلي به، ولا يؤثر على صلاته، ما دام أنه وراء السترة، وكلمة بين يديه تشمل ما كان دون السترة وما كان وراءها، وهو محتمل لهذا ولهذا، لكنه ليس بظاهر، أو ليس بواضح أن المرور إنما هو بين المصلي وبين السترة، فمحتمل أن يكون بين المصلي والسترة، ويمكن أن يكون وراءها، وإذا كان وراءها فإنه لا يؤثر، فإذا كان وراء السترة فإن ذلك لا تأثير له إذا كان من وراء السترة.
تراجم رجال إسناد حديث الفضل بن العباس في صلاة النبي العصر وبين يديه حمارة وكليبة ترعيان
قوله: [ أخبرنا عبد الرحمن بن خالد ].وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي. [ حدثنا حجاج ].هو حجاج بن محمد المصيصي ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن جريج ].هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن عمر بن علي ].هو محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب .وهو صدوق، أخرج له الأربعة.[ عن العباس بن عبيد الله ].هو العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي ، وهو مقبول، خرج له أبو داود، والنسائي.[ عن الفضل بن العباس ].الفضل بن العباس هو أكبر أولاد العباس بن عبد المطلب ؛ ولهذا كنية العباس أبو الفضل وكذلك أم أولاد ابن عباس، لبابة بنت الحارث الهلالية يقال لها: أم الفضل تكنى بابنها هذا الذي هو الفضل بن العباس ، فهو أكبر أولاد العباس ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، حديث الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما عند أصحاب الكتب الستة. والحديث في إسناده العباس بن عبيد الله بن العباس ، وهو مقبول، والمقبول في اصطلاح ابن حجر في التقريب: أنه إذا لم يحصل له ما يعضده فإنه يكون ضعيفاً، يعني: لا يحتج بحديثه إذا لم يأت ما يعضده، والحديث كما قلت لكم أنه محتمل لأن يكون هذا المرور من وراء المصلي، وعلى هذا لا إشكال، ولا تعارض بينه وبين الأحاديث السابقة.وعلى الاحتمال الثاني: أنه يكون بينه، وبين المصلي، فيكون فيه معارضة، وعلى هذا فيكون فيه مخالفة ضعيف لثقة، فيكون منكراً، فيكون من قبيل المنكر؛ لأن الضعيف إذا خالف الثقة فحديثه منكر، لكن لا يعتبر فيه مخالفة إلا إذا كان المرور بين المصلي وبين السترة، أما لو كان من وراء السترة، فإنه لا إشكال فيه، ولا يعتبر فيه معارضة.
شرح حديث ابن عباس في مرور حمار بين يدي رسول الله وهو يصلي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو الأشعث حدثنا خالد حدثنا شعبة أن الحكم أخبره سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن صهيب سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يحدث: ( أنه مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وغلام من بني هاشم على حمار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فنزلوا، ودخلوا معه، فصلوا ولم ينصرف، فجاءت جاريتان تسعيان من بني عبد المطلب، فأخذتا بركبتيه ففرع بينهما، ولم ينصرف ) ].أورد النسائي هذا الحديث عن ابن عباس ، وهو مروره ومعه غلام من بني هاشم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنزلوا ودخلوا معه.وأنهم مروا بين يدي الصف من أمام الصف كما جاء مبيناً في الحديث الآخر أو الرواية الأخرى؛ أن مرورهم إنما كان بين يدي الصف، وكونه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون معناه أنهم جاءوا من وراء سترته، ثم جاءوا أمام الصف، وعلى هذا فلا إشكال، ولا معارضة؛ لأنه يحمل، أو أن هذا الحديث يبينه ذاك الحديث؛ لأن حديث ابن عباس قصته واحدة، فيحمل على ذاك الذي هو مرور بين بعض الصف، وما جاء بين يدي الرسول، فإن كان محفوظاً، فإنه يحمل على أنه من وراء سترته، والمعلوم أن بين يديه يطلق على ما كان أمامه، ولو كان بينه وبينه مسافة، لكن الخطأ كما هو معلوم إنما يكون إذا كان قريباً منه.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في مرور حمار بين يدي رسول الله وهو يصلي
قوله: [ أخبرنا أبو الأشعث ].وهو أحمد بن مقدام العجلي ، وهو: صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، لم يخرج له مسلم ولا أبو داود ، وإنما خرج له الباقون.[ حدثنا خالد ].وهو ابن الحارث ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا شعبة ].هو ابن الحجاج ، وقد مر ذكره قريباً.[يروي عن الحكم ].وهو ابن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى بن الجزار ].وهو صدوق، أخرج له مسلم، والأربعة.[ عن صهيب ].هو أبو الصهباء البكري ويقال له: المدني، مولى ابن عباس مقبول، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.[ عن ابن عباس ].وقد مر قريباً في الإسناد الذي قبل.
شرح حديث عائشة : (كنت بين يدي رسول الله وهو يصلي فإذا أردت أن أقوم ... انسللت انسلالاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فإذا أردت أن أقوم كرهت أن أقوم فأمر بين يديه، انسللت انسلالاً ) ].أورد النسائي حديث عائشة أنها كانت تكون بين يديه وهو يصلي، وتكره أن تقوم فتمر بين يديه، فإذا أرادت أن تقوم انسلت انسلالاً، أي: دون أن تقوم قياماً، وإيراد الحديث هنا لا يعارض ما تقدم من ذكر القطع بمرور المرأة؛ لأن هذا ليس فيه مرور، وإنما هو اعتراض، فكانت تكون في قبلته وهو يصلي يعني في بيته، وكان كما جاء في بعض الأحاديث: أنه ليس فيه مصابيح، فإذا سجد غمزها، وإذا رفع مدت رجلها أو مدت رجليها، فكانت تكون في قبلته، فإذا أرادت أن تقوم لا تقوم، ولكنها تنسل انسلالاً، يعني: تسحب نفسها برفق ولين، وسهولة؛ حتى لا تشوش في ذلك على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومثل هذا لا يعتبر مروراً، ولا يعارض ما جاء في أحاديث القطع بمرور المرأة؛ لأن هنا كونها معترضة وليست مارة، وهنا جاء ما يدل على الجواز، وهناك جاء ما يدل على المنع، ولا تعارض بينها، لا تعارض بين هذا الحديث وبين ما تقدم من حديث أبي ذر في كون المرأة تقطع صلاة المصلي، وكذلك الحمار، والكلب الأسود.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت بين يدي رسول الله وهو يصلي فإذا أردت أن أقوم ... انسللت انسلالاً)
قوله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].هو أبو مسعود ، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[ حدثنا خالد ].هو خالد بن الحارث ، وهو ثقة، تقدم.[ حدثنا شعبة ].وقد تقدم.[ عن منصور ].وهو ابن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن إبراهيم ].وهو ابن يزيد بن قيس النخعي ، المحدث، الفقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن الأسود ].هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة، مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عائشة ].هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، أكثر الصحابيات حديثاً عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنها وعن الصحابة أجمعين.
الأسئلة

حكم رواية الحديث بالمعنى
السؤال: هل نستطيع أن نأخذ من قوله في حديث ابن عباس : (ثم ذكر كلمة معناها...) جواز رواية الحديث بالمعنى؟الجواب: رواية الحديث بالمعنى هي جائزة بلا شك فيما إذا لم يحفظ اللفظ، إذا لم يحفظ اللفظ فلا بد من الرواية بالمعنى، وإلا تضيع السنة وتترك السنة، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الإتيان باللفظ فإنه لا يعدل بالمعنى، ولا يقتصر إلى الرواية بالمعنى، لا يؤتى بالمعنى، هذا هو الأولى، لكن إذا لم يمكن بأن يكون الإنسان ما ضبط اللفظة، ولكنه متقن للمعنى، فله أن يعبر عنه بما يؤدي معناه، وهذا أمر لا بد منه، والرواية بالمعنى سائغة، وجائزة، حتى مع ضبط اللفظ، لكن الأولى أنه لا يكون هناك رواية بالمعنى إلا إذا لم يمكن ضبط اللفظ؛ لأن هذا هو الممكن، والله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
الأحاديث الضعيفة في سنن النسائي
السؤال: هل ذكرتم أن سنن النسائي ليس فيها إلا حديث واحد ضعيف؟الجواب: الذي ذكر هذا فهم خطأً، وأرجو أن يعتنى بالكلام، وأن يتحقق من الكلام؛ لأن الإنسان قد ينسب إليه الشيء وهو ما قاله، أنا هذا الكلام إذا نسب إلي، نسب إلي شيء آخر ما قلته، فكوني أقول: إن النسائي ليس فيه إلا حديث ضعيف، أو أن الألباني قال هذا الكلام، أبداً.وإنما الإنسان كما هو معلوم يتنبه، وإذا كان عنده إشكال يبادر إليه في حينه.الحاصل: أنه لا بد من التنبه ولا بد من الاحتياط في النقل، يعني: لأن الإنسان قد يضيف لإنسان شيئاً ما قاله أبداً، ولا يجوز أن يقوله، ولا يتصور أن يقوله، كتاب النسائي ما يتصور ألا يكون فيه إلا حديث واحد ضعيف، ولكن أنا ذكرت تمثيلاً لقلة الأحاديث؛ لأنه قال لي بعض الطلاب: إنك ما تذكر الحديث صحيح أو.. قلت: كتاب النسائي بكله الأحاديث التي فيها صحيحة إلا حديث واحد، ذكره الألباني في كتاب الضعيفة، والباقي كلها صحيحة، وأنا أقول: أن كتاب النسائي هو أقل الكتب الأربعة التي هي السنن ضعيفاً؛ لأن الإنسان إذا رأى المجلدات التي فيها الضعيفة لـأبي داود ، والضعيفة للترمذي ، والضعيفة لـابن ماجه ، والضعيفة للنسائي ، يجد النسائي حجمه صغير، يعني: كتاب النسائي الذي عمله الألباني ضعيف النسائي ، يعني: صغير جداً، حجمه صغير بالنسبة للكتب الأخرى؛ ولهذا فهو أقل الكتب ضعيفاً، وسبق أن ذكرت: أن من العلماء من يرجح النسائي على أبي داود ، وسبب ذلك يقول: قلة الأحاديث الضعيفة التي فيه.
هل غسل اليدين واجب بعد كل نوم
السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، فهل غسل اليدين واجب بعد كل نوم؟ الجواب: الحديث سبق أن مر بنا، وهو أول حديث في سنن النسائي ، الحديث: ( إذا استيقظ أحدكم فلا يغمس يده، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، لكن قوله: (باتت يده)، يدل على أن هذا من نوم الليل؛ لأنه هو النوم الطويل المستغرق، الذي قد يكون فيه أن اليد تعبث، وتذهب إلى مكان فيه نجاسة وتعلق بها، بخلاف أي نوم في النهار أو كذا، لكن كما هو معلوم من حيث الاستحباب، يستحب للإنسان دائماً وأبداً إذا أراد أن يتوضأ من إناء، أن لا يغمس في الإناء إلا بعد أن يغسلها خارج الإناء، هذا على سبيل الاستحباب، وأما ذاك فإنه خاص بقيام نوم الليل؛ لأن فيه: ( فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ).
وقت سجود السهو
السؤال: شخص في صلاة العصر جلس بعد الركعة الثالثة ولم يسلم، فعرف أنه يبقى عليه ركعة، فأتى بها ثم سجد سجود السهو قبل السلام وبعده. فهل عليه إعادة الصلاة؟الجواب: السجود ما يكون قبل السلام، وإنما يكون بعد السلام..مداخلة: هل عليه الإعادة؟الشيخ: لا، ليس عليه إعادة، لكن سجوده يكون مرة واحدة ما يكون مرتين، ما يسجد قبل السلام وبعده، السجود إما قبله وإما بعده، لا يكون قبله وبعده، والسجود في الزيادة يكون بعد السلام.
معنى قول المحدثين: أخرجه البخاري تعليقاً
السؤال: ما معنى أخرجه البخاري تعليقاً؟الجواب: أخرجه البخاري تعليقاً، يعني: أنه ما رواه مسنداً بالطريقة عن الشيوخ: حدثنا فلان قال حدثنا فلان، يقول: قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، أو قال: فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا يقال: أخرجه تعليقاً، رواه تعليقاً، هذا هو التعليق، التعليق هو حذف بعض الرواة، أو كل الرواة من أول الإسناد، الحذف من أول الإسناد قد يكون حذف واحد اثنين ثلاثة أربعة، وقد لا يكون فيه حتى نهايته، بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا حذف من الإسناد كله، قيل له: تعليق؛ لأن الإسناد إذا حذف أسفله الذي هو أدناه يكون كالمعلق، يكون معناه كالمعلق، يعني: الإسناد موجود، ولكن أسفله خالي؛ ولهذا لما جاء ابن حجر وألف كتابه سماه تغليق التعليق، يعني: أن النقص الذي فيه يأتي به، الحذف الذي في أول الإسناد يأتي به حتى يتصل الإسناد، فيكون من أوله إلى آخره متصل، بدل ما كان أوله محذوف وأعلاه موجود، يعني: جاء ما يغلقه ويسد الفراغ الذي وجد.
نصيحة لمن يقومون بعمل المولد النبوي
السؤال: هذا يطلب منكم نصيحة لمن يقيمون هذه الأيام عيد المولد؟الجواب: لا شك أن الواجب على كل مسلم أن يكون محباً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم محبة تفوق محبة أي مخلوق؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين)، الوالدان اللذان كانا سبب وجود الإنسان هم من أولى الناس بمحبته، وبره، وإحسانه؛ لأنهم سبب وجوده، ولهذا الله تعالى يقرن حقهما بحقه فيقول: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23].أما الرسول صلى الله عليه وسلم فمحبته تفوق محبة الوالدين، لماذا؟ لأن النعمة التي ساقها الله لنا على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من النعمة التي حصلت لنا على يدي الوالدين؛ لأن الوالدين يوجد منهما الولادة، لكن بعد ذلك هناك شيء أهم، وهو الهداية للإسلام؛ لأن الوالدين يلدون، ثم يكون كافراً أومسلماً بعد هذه الولادة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ساق الله لنا على يديه أعظم نعمة، وأجل نعمة، وهي نعمة الإسلام التي لا يماثلها نعمة، ولا يساويها نعمة؛ ولهذا كانت محبته يجب أن تكون في قلوبنا أعظم من محبتنا لآبائنا، وأمهاتنا، وأجدادنا، وزوجاتنا، وأبنائنا، وبناتنا، وأقاربنا، والناس أجمعين، بل جاء في حديث عمر : (حتى أكون أحب إليك من نفسك)، الرسول صلى الله عليه وسلم يكون أحب إلى الإنسان من نفسه عليه الصلاة والسلام، وهذه المحبة لا بد أن نفهم معناها، ولا بد أن نفهم ما تطلبه هذه المحبة، هذه المحبة تتطلب أن يكون في قلوبنا في هذه المنزلة التي ذكرت، وأن يكون ذكره بألسنتنا بما يناسبه ويليق به، بأن نعظمه، ونثني عليه من غير غلو، ومن غير إطراء، وكذلك بالنسبة لأعمالنا، أن تكون تابعة لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، وهذا هو معنى: أشهد أن محمداً رسول الله؛ لأن أشهد أن محمداً رسول الله، معناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ودين الإسلام انبنى على قاعدتين: إحداهما: تجريد الإخلاص لله وحده، والثاني: تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ويقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، ويقول سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].إذاً: من محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أن نمتثل أوامره، وننتهي عن نواهيه، وأن نصدق أخباره، وأن نعبد الله طبقاً لشريعته، وأن تكون محبته في قلوبنا أعظم من محبة أي مخلوق، هذه هي المحبة الصحيحة، وفي القرآن آية يسميها بعض العلماء آية الامتحان، وهي: أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه أن يقيم البينة، والبينة هي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية هي قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31]، من يحب الرسول يحبه بمتابعته، وبامتثال أوامره، ما يحبه بأن يعمل أموراً محدثة ما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من هديه، وإنما هي من محدثات الأمور.تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بما شرع وليس بما ابتدع، ومن المعلوم أن بدعة الموالد هذه المحدثة ما كانت موجودة في ثلاثمائة سنة كاملة من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مضى ثلاثمائة سنة كاملة ما يوجد للموالد أي ذكر، وليس لها أي وجود أبداً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )، فالقرون المفضلة ما وجدت فيها هذه البدعة، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عمل شيئاً من ذلك، وما أرشد إليه، وأصحابه الكرام وهم الحريصون على كل خير، والسابقون إلى كل خير ما فعلوا شيئاً من ذلك، وأتباعهم وأتباع أتباعهم، وثلاثمائة سنة كاملة ما وجد فيها شيء من هذا، متى وجدت هذه البدعة؟ وجدت في المائة الرابعة، ومن أوجدها؟ أوجدها الرافضة الذين حكموا مصر الذين يقال لهم: العبيديون، كما ذكر ذلك المقريزي في كتابه تاريخ مصر، المسمى بالخطط والآثار، فإنه قال: إنهم أحدثوا ستة موالد، مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومولد علي رضي الله عنه، ومولد فاطمة رضي الله عنها، ومولد الحسن رضي الله عنه، ومولد الحسين رضي الله عنه، ومولد الحاكم الموجود من حكامهم في زمانهم، فأحدثوا هذه البدعة بعد القرن الرابع، وهم إنما حصل تسلطهم على مصر في: (317هـ) وما بعدها، وطالت مدتهم بعد ذلك، لكن هم الذين أحدثوا هذه البدعة.إذاً: فالخير كل الخير في اتباع من سلف، والشر كل الشر في ابتداع من خلف.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #176  
قديم 09-12-2019, 03:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب القبلة
(139)


- (باب التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته) إلى (باب الرخصة في الصلاة خلف النائم)

الصلاة عبادة روحانية حيث توصل العبد بمولاه، فيعيش مع ربه بكل جوارحه؛ ولذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم في قطعها على صاحبها بالمرور بين يديه؛ لأن المرور بين يدي المصلي يقطع عليه اتصاله بربه، إلا أنه في بعض الأماكن رخص للضرورة كالصلاة خلف المقام، كما رخص في الصلاة خلف النائم.
التشديد بالمرور بين يدي المصلي وبين سترته

شرح حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ التشديد بالمرور بين يدي المصلي وبين سترته.أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي النضر عن بسر بن سعيد : ( أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم رضي الله عنه يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المار بين يدي المصلي؟ فقال أبو جهيم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) ].يقول النسائي رحمه الله: التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته.المقصود من هذه الترجمة: بيان أن المرور بين يدي المصلي، سواء كان له سترة، بأن يمر بينه وبين سترته، أو ليس له سترة، بأن يمر بينه وبين موضع سجوده، أو قريب من موضع سجوده، فإن ذلك من الأمور الخطيرة، ومن الأمور التي ورد فيها تشديد، وورد فيها تحذير وترهيب، وقد أورد النسائي حديث أبي جهيم رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له من التشديد في المرور؛ وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه)، يعني: من الإثم، و(من الإثم) هذه جاءت في بعض نسخ البخاري ، ولكن باقي النسخ الأخرى ليس فيها: (من الإثم)، وهو المقصود، المقصود أنه ماذا عليه، يعني: من الإثم، لكنها لم تأت ثابتة في الطرق المختلفة التي جاءت في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي معلومة وإن لم ينص عليها؛ لأن المقصود من ذلك بيان خطورة الموقف، والحال التي يكون عليها المار، وأنه يكون على خطر عظيم.يقول عليه الصلاة والسلام: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه )، يعني: لأن الإنسان عندما يريد أن يمر، أو يريد أن يتجاوز ويذهب إلى حاجته، لكن لو يعلم المار بين يديه، لكان وقوفه وامتناعه من المرور حتى ينتهي الإنسان من الصلاة، وحتى تنتهي تلك الصلاة التي يصليها ذلك الإنسان، لكان خيراً له من أن يمر، يعني: هذا الوقوف ولو طال مدة طويلة، يعني: ليس بمقدار الصلاة، بل لو وقف أربعين، وهذه الأربعين التمييز لم يذكر، ويحتمل أن يكون أربعين يوماً، ويحتمل أن يكون أربعين شهراً، ويحتمل أن يكون أربعين سنة، وهو لو كان أربعين دقيقة لكان شديداً، وعظيماً، فهذه المدة، يعني: هذا أمر خطير غير سهل، يعني: لو يعلم المار بين يديه ماذا عليه من الإثم، لكان وقوفه، وطول بقائه، وعدم مروره خيراً له من هذا المرور الذي يترتب عليه هذا الإثم، وهذا الأسلوب -أو هذا التعبير- يبين خطورة ذلك الأمر الذي لم يقع، ولكنه لو وقع لأدرك شدته، أي: هذا الوقوع.ويشبه هذا قوله صلى الله عليه وسلم في بيان عظم حضور الصلاة، وعظم شأن صلاة الجماعة، وأن الذي يتخلف عن الصلاة لو يعلم ما فيها من الأجر لأتاها ولو حبواً، كما جاء في الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: ( ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً )، (لو يعلمون)، أي: المنافقين الذين يتخلفون عن صلاة العشاء، وصلاة الفجر (لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، وهذا لو يعلم ما عليه من الإثم لوقف ولم يتجاوز، وأدرك أن وقوفه خيراً له من ذلك المرور الذي يترتب عليه ذلك الإثم العظيم. (لو يعلم المار بين يدي المصلي)، يعني: سواء كان بينه وبين سترته إذا كان له سترة، أو بين يديه قريباً منه إذا لم يكن له سترة، (لكان أن يقف أربعين)، يعني: وقوفه أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة، أو أقل أو أكثر، خيراً له من أن يمر بين يديه، يعني: (خيراً) هذا هو خبر كان، لكان وقوفه وعدم مروره خيراً له من أن يمر بين يدي المصلي؛ لأنه يترتب عليه هذا الإثم العظيم، ولهذا النسائي ترجم بهذه الترجمة وهي التشديد، يعني: فيه تشديد. ثم أيضاً: هذا يدل على أنه من الكبائر؛ لأن كونه يتوعد عليه بهذا الوعيد الشديد وأن الوقوف لمدة طويلة أسهل منه، وخير لمن يريد المرور من المرور، يعني: هذا يدل على خطورته وعلى شدة العذاب فيه، وأنه بهذه الصورة التي بينها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ...)
قوله: [ أخبرنا قتيبة ].قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن مالك ].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة التي حصل لها الشهرة، وحصل لها الانتشار؛ بسبب الأصحاب الذين عنوا بجمعها، وحفظها، وترتيبها، حصل لها -أي: لهذه المذاهب الأربعة- ما لم يحصل لغيرها من مذاهب العلماء الآخرين الذين هم في زمانهم، وقبل زمانهم، وبعد زمانهم من أهل الفقه، والاجتهاد، وأهل الجهود العظيمة في بيان المسائل الفقهية وأحكامها -وحديثه، أي: الإمام مالك رحمة الله عليه- أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي النضر ].هو سالم بن أبي أمية المدني ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ بسر بن سعيد ].هو بسر بن سعيد المدني ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: أن زيداً أرسله إلى أبي جهيم رضي الله عنه يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المار بين يدي المصلي؟ فقال أبو جهيم ... إلخ، يعني: الإسناد هو من رواية بسر عن أبي جهيم ، وزيد بن خالد ليس من الرواة هنا في الإسناد، ولكنه هو الذي أرسله ليسأل، فأجابه أبو جهيم بهذا الجواب الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: فالإسناد هو عن بسر بن سعيد عن أبي جهيم ، وزيد بن خالد ليس من رجال الإسناد، وإنما كان هو السبب في كون بسر بن سعيد يأخذ ويتلقى من أبي جهيم هذا الحديث؛ لأنه أرسله يسأله، فأجابه أبو جهيم بهذا الجواب.ومن المعلوم أنه رجع وأجابه؛ لأنه أرسله يسأل، يعني: ليخبره، لكن الإسناد الذي معنا هو من رواية بسر بن سعيد عن أبي جهيم ، وزيد بن خالد هو الجهني الصحابي المشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكما قلت: هو ليس من رجال الإسناد هنا، وأما أبو جهيم ، هو: ابن الحارث بن الصمة ، وهو صحابي، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.إذاً: فالإسناد رجاله كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة: قتيبة بن سعيد، ومالك بن أنس، وأبو النضر سالم بن أبي أمية المدني، وبسر بن سعيد المدني، وأبو جهيم الصحابي الذي روى الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
حرص الصحابة على تعلم الخير
وفعل زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه مع أبي جهيم وإرساله بسر بن سعيد ليسأله، هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من التتبع لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحرص على معرفته، سواء تلقوه عنه عليه الصلاة والسلام مباشرة، أو تلقوه بواسطة من تلقاه، بحيث يروي بعضهم عن بعض، ويسأل بعضهم بعضاً، وهذا لأن الحديث يكون عند بعض الصحابة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث بالحديث في مجلس، فيحضر المجلس من لا يحضره.. يحضر المجلس بعض أصحابه ولا يحضره الكثير، فيكون هذا البعض الذي حضر أخذ هذا الحديث، والذي ما حضر ليس له علم إلا عن طريق هذا الذي حضر، وبواسطة هذا الذي حضر، ولهذا فإن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة، حتى يعرفوها أو حتى يعلموها من بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين هم دونهم في المنزلة؛ لأنهم حضروا مجلساً حدث الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وأولئك غابوا عن هذا المجلس الذي حدث فيه هذا الحديث، ولهذا فإنه لا غرابة في أن يكون الحديث عند بعض الصحابة الذين هم ليسوا أكثر ملازمة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يكونوا عند الملازمين له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث بالحديث في وقت من الأوقات، يكون من حضر علم، ومن لم يحضر لا علم له، إلا إذا وصل إليه عن طريق ذلك الذي علم، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لما جاءته امرأة جدة تسأل ميراثها من ابن ابنها، فـأبو بكر ما كان عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم، فقال: إنني ما علمت لك في كتاب الله شيء، وما علمت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم شيء، ولكن دعيني أسأل، فسأل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءه من بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين عندهم علم، وقال: إنه أعطاها السدس، فـأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو أفضل الأمة على الإطلاق ما كان يعلم هذه السنة؛ لأن السنة -كما هو معلوم- تحصل في مجلس من المجالس يعلمه من حضر، ولا يعلمه من لم يحضر، إلا إذا ظفر به عن طريق من حضر، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتناوبون على مجلسه، يعني: يوفقون بين مصالحهم الدنيوية وأخذهم الحديث والعلم عنه عليه الصلاة والسلام، كما جاء في الصحيح عن عمر: أنه كان له جار يتناوب هو وإياه النزول، هذا ينزل يوماً وهذا ينزل يوماً، هذا ينزل يوم ويجلس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا رجع أخبره بالذي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اليوم الثاني يبقى هذا الرجل وينزل عمر ، وإذا خرج أخبره بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجلسون لأعمالهم، ولطلب أرزقاهم في بعض الأوقات، ويتناوبون، ومن حضر أخبر من لم يحضر، وأبلغ من لم يحضر، وهذا الحديث في الصحيح، في قصة كون النبي صلى الله عليه وسلم غضب على نسائه، وآلى أن لا يدخل عليهن شهراً، والحديث المشهور الذي في الصحيحين عن عمر ، وجاء إليه، فلما جاء رفيقه قال: إنه حصل أمر خطير، ففزع عمر ، ثم جاء وسأل، وخشي أن يكون طلق نساءه، وجاء وتكلم على حفصة واشتد عليها، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ( أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: لا، فقال: الله أكبر )، يعني: فرح؛ لأنه ما حصل طلاق.الحاصل: أن الحديث فيه إثبات التناوب، زيد بن خالد الجهني -الذي معنا في الإسناد- أيضاً جاء في صحيح مسلم أنه قال: كنا نتناوب رعاية الإبل، يعني: هذا عنده خمس، وهذا عنده عشر، وهذا عنده ثمان، وهذا عنده تسع، فبدلاً من كون كل واحد يرعى إبله، ويغيبون جميعاً، يجمعونها مع بعض، ثم يتناوبون على رعايتها.قال زيد بن خالد : لما كانت نوبتي، يعني: اليوم الذي يسرح فيها، رجع مبكراً، يعني: لم يبلغ النهاية في آخر النهار، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يحدث الناس، يعني: في المسجد، فجلس، وسمع آخر الحديث، فسمع شيئاً أعجبه، يعني: فيه أجر وثواب، فقال: ما أحسن هذه، أو ما أجود هذه! يعني: يقوله زيد بن خالد، ما أجود هذه الفائدة التي فيها هذا الثواب، فسمعه عمر فقال: التي قبلها أجود، ثم أخبره بالحديث الذي كان غاب عنه، أي في المدة التي كان قبل أن يأتي، وهذا يتعلق بالأذان وما يقوله الإنسان كونه يتوضأ، ويذكر الله عز وجل، فالحديث في صحيح مسلم.فالحاصل والمقصود من هذا أنهم كانوا يتناوبون، فـزيد بن خالد رضي الله عنه هنا أرسل بسر بن سعيد إلى أبي جهيم ليسأله عما عنده، أو ما يعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرور بين يدي المصلي، فقال أبو جهيم: سمعته وهذا الكلام يقوله لـبسر بن سعيد الذي جاء يسأل، ومن المعلوم أن بسر بن سعيد رجع وأخبر زيد بن خالد، لكن كما قلت: هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من حفظ السنة، والعناية بها، وتلقيها عمن أخذها من أصحابه، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام رغب في تلقي الحديث عنه وبين عظم ذلك، حيث قال: ( نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )، فهذا فيه الترغيب في أخذ السنة، والترغيب في حفظها، والترغيب في بذلها؛ وأن بذلها ونشرها يترتب عليه المصالح الكبيرة، وهي: أنه قد يأخذه من يكون أعظم حفظاً، ويأخذه أيضاً من يكون أعظم فقهاً، فيفهم منها من الأحكام، ويفهم منها من أجوبة المسائل ما لا يفهمه الأول الذي أخذها: (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
شرح حديث: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله )].أورد النسائي في هذا الباب حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله )، قوله: (فلا يدع أحداً يمر بين يديه)، هذا عام يشمل ما إذا كان عنده سترة، وما إذا كان ليس عنده سترة، لكنه يمر في حدود ما هو قريب منه يمنع، لا أن يتقدم خطوات، ويمنع المار إذا لم يكن له سترة، وإنما يمنع وهو في مكانه، أما أن يتقدم خطوات ليمنع، فليس من حقه أن يأخذ المسافة التي أمامه، المار إذا لم يكن هناك سترة يمر من بعد مقدار ثلاثة أذرع من موقف أو من قدم المصلي من بعد ثلاثة أذرع يمر، ولا يحجز المسافة التي أمامه إذا لم يكن له سترة، وإنما يترك مقدار ثلاثة أذرع، ثم يمر وراءها، ولا يضر، والمصلي لا يتقدم أي: لا يمشي خطوات من أجل أن يرد الناس، وإنما يبقى في مكانه، ومن كان قريباً منه مد يده ليرده. (وإن أبى فليقاتله)، معناه: أنه يدفعه، وليس المقصود أنه يترك صلاته ثم يتصارع معه، وإنما يدفعه ولو كان بقوة، يعني: بمعنى أنه إذا كان عزم يدفعه بقوة، لا أن يلحق به ضرراً، وينشغل عن صلاته بمغالبته، ومضاربته أو مقاتلته، وإنما المقصود من ذلك مدافعته بقوة دون أن يلحق ضرراً.( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه فإن أبى )، يعني: إذا رده أو نبهه فلم ينتبه، ثم أراد أن يذهب بقوة، لكن إن تجاوز يتركه يمشي، وإن لم يتجاوز فإنه يدفعه، فإن تجاوز فإنه يدعه، ولا شك أنه أدى ما عليه، وذاك ظفر بالإثم الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه ).
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه...)
قوله: [ أخبرنا قتيبة عن مالك ].قتيبة عن مالك ، وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.[ عن زيد بن أسلم ].هو: المدني ، وهو: ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ].هو: عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وهو: ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن أبي سعيد الخدري ].وهو: سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته أبو سعيد ، ومشهور بكنيته ونسبته الخدري ، سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخدري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي مشهور، ومكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في قوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفـالخدري المقصود به أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
الرخصة في المرور بين يدي المصلي

شرح حديث المطلب بن أبي وداعة: (رأيت رسول الله طاف بالبيت... وليس بينه وبين الطواف أحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الرخصة في ذلك: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن كثير بن كثير عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد ) ].أورد النسائي هذه الترجمة: الرخصة في ذلك، يعني: في المرور، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، والمرور بين يدي المصلي كما هو معلوم لا يجوز؛ لأنه ورد فيه وعيد، لكن الإنسان يمكنه بدل أن يمر، وبدل أن يقف إذا كان لا يريد أن يقف، يمكنه أن ينتقل من صف إلى صف، يعني: إذا كان إنسان يصلي في الصف، والآخر يمشي بين الصفوف، فبدلاً من أن يمشي بين الصفوف التي تكون أمام هذا المصلي، يعني: ينظر إلى الصف الذي وراءه فإذا كان خالياً -يوسع بين اثنين- فإنه ينتقل إلى الصف الثاني، ثم يمشي وهكذا، لكن إذا كان هناك ضرورة ملجئة للإنسان، ولا يجد سبيلاً، لا سيما إذا كان الإنسان مضطراً إلى قضاء الحاجة، وعدم مروره يؤدي به إلى أمر يصعب عليه، فإنه لا بأس؛ لأن هذه ضرورة.كذلك في المسجد الحرام عندما يكون الناس في المطاف، ويكثر الطائفون، ويمتلئ المسجد، ويصلي عند المقام، ثم يكون الطائفون بين يديه، فإنه لا يمنع الطائفين، وفي هذه الحالة للضرورة لا بأس بذلك، وقد أورد النسائي في هذا حديث المطلب بن أبي وداعة السهمي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت، وجاء وصلى بحذاء المقام في حاشيته، وليس بينه وبين الطواف أحد )، يعني: الناس يطوفون وليس بينه وبينهم أحد، يعني: معناه أنهم يطوفون بين يديه، هذا هو الحديث، والحديث تكلم فيه بعض أهل العلم، وضعفه الشيخ ناصر الألباني ، فرجاله ثقات إلا كثير بن المطلب فإنه قال عنه: مقبول.
تراجم رجال إسناد حديث المطلب بن أبي وداعة: (رأيت رسول الله طاف بالبيت... وليس بينه وبين الطواف أحد)
قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه ، المحدث، الفقيه، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[ أخبرنا عيسى بن يونس ].وهو ابن أبي إسحاق السبيعي، حفيد أبي إسحاق السبيعي، عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو: ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ].هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو: ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ].وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة هذا ثقة، خرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، خرجوا لـكثير بن كثير الذي هو الحفيد؛ حفيد المطلب .[ عن أبيه ].كثير اسمه يوافق اسم أبيه كثير بن كثير ، وأما كثير بن المطلب فهذا قيل عنه: مقبول، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ؛ فالذين خرجوا له هم الذين خرجوا لابنه بدون البخاري .[ عن جده ].المطلب بن أبي وداعة ، وهو صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
الرخصة في الصلاة خلف النائم

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي من الليل وأنا راقدة معترضة بينه وبين القبلة ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في الصلاة خلف النائم. أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: أخبرني يحيى عن هشام قال: حدثنا أبي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا راقدة، معترضة بينه وبين القبلة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت ) ].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرخصة في الصلاة خلف النائم، المقصود من ذلك: أن الصلاة خلف النائم صحيحة، وأنه لا بأس بها، وأورد في ذلك حديث عائشة الدال على هذه الترجمة، وهي أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل)، يعني: تطوعاً، (وأنا راقدة) بين يديه (معترضة)، يعني: ممتدة، رجلاها أمامه، (فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت)، فالنائم أو كونها نائمة مأخوذ من قوله: راقدة، ومن قولها: (أيقظني)، وأنا راقدة (فإذا أراد أن يوتر أيقظني) فهذا يفيد ما عقد له الترجمة، وهو الصلاة خلف النائم، أو وراء النائم.والحديث واضح الدلالة؛ لأن عائشة رضي الله عنها، كانت في حجرتها، والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي وهي في قبلته معترضة نائمة، فإذا أراد أن يوتر أيقظها فأوترت، والحديث يدل على أن الصلاة خلف النائم لا بأس بها؛ لدلالة هذا الحديث عليها، وفي ذلك أيضاً تأكيد الوتر وتأكد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يوتر أيقظها لتوتر؛ لأن الوتر متأكد، بخلاف صلاة الليل، والوتر هو آكد النوافل، هو وركعتا الفجر، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يتركهما لا في حضرٍ ولا في سفر، الوتر وركعتا الفجر.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي من الليل وأنا راقدة معترضة بينه وبين القبلة ...)

قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ]، وهو: السرخسي اليشكري ، وهو: ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.[ عن يحيى ].هو ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المعروف كلامه الكثير في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن هشام ].هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، وهو: ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا أبي ]. عروة بن الزبير بن العوام ، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المعروفين في عصر التابعين الذين يأتي ذكرهم كثيراً في هذه الأسانيد.[ عن عائشة ]. يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.والله أعلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #177  
قديم 09-12-2019, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب القبلة
(140)


- باب المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة - باب الصلاة في الثوب الواحد

أحب الأعمال إلى الله الدائمة وإن كانت قليلة، فعلى الإنسان أن لا يكلف نفسه فوق طاقتها، بل يحرص على الاستمرار في العمل وإن قل؛ فالشارع لم يقصد المشقة في الأعمال، بل يسر على المكلفين، ومن ذلك أنه أجاز الصلاة في الثوب الواحد بشرط أن يكون ساتراً للعورة.
باب المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة شرح حديث: (... فصلوا بصلاته وبينه وبينهم الحصيرة ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة.أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت: ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرة يبسطها بالنهار ويحتجرها بالليل فيصلي فيها، ففطن له الناس فصلوا بصلاته وبينه وبينهم الحصيرة، فقال: اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل أدومه وإن قل، ثم ترك مصلاه ذلك، فما عاد له حتى قبضه الله عز وجل، وكان إذا عمل عملاً أثبته )].يقول النسائي رحمه الله: باب المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة. والمقصود من هذه الترجمة بيان جواز أن يكون بين الإمام والمأمومين ما يفعل كنصب حصيرة وما شابهها، وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرة يبسطها بالنهار ويحتجرها بالليل فيصلي فيها، ففطن الناس فصلوا بصلاته وبينه وبينهم الحصيرة )، يعني: أنهم صلوا مؤتمين بالنبي وبينهم وبينه حصيرة، فلم ينههم عن الاقتداء به بهذه الصورة، ولكنه نهاهم عن التكلف في فعل ما لا يطاق فقال: ( اكلفوا من العمل ما تطيقون )، يعني: افعلوا ما تطيقون، وأتوا من العمل ما تطيقون، وكون الإنسان يعمل الشيء الذي يطيقه ويداوم عليه أولى له من أن يقدم على شيء ويكثر منه في وقت من الأوقات ثم يهمله في بقية الأوقات، فإنه كما يقولون: قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا ).وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يمل حتى تملوا)، ليس المقصود منه أن الله تعالى يمل إذا مل الناس، فإن الله تعالى لا يوصف بالملل، ولكنه لا يمل وإن حصل منهم الملل، وهنا نفى صفة الملل عنه عز وجل: (إن الله لا يمل)، فأرشدهم إلى أن يفعلوا ما يطيقون، وأن إكثارهم من العمل مطلوب ولا بأس به، ولكن إذا كان هذا العمل يؤدي إلى انقطاع ويؤدي إلى حصول مشقة -يعني: يجعل الإنسان يكسل ولا يستمر- فإن غيره خير منه، والذي هو خير منه العمل الذي يداوم عليه ولو كان قليلاً، ولهذا أرشد عليه الصلاة والسلام بعد ذلك إلى قوله: ( وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل )، فما يداوم عليه الإنسان وإن كان قليلاً فهو يجعله على صلة بالله عز وجل دائماً، بخلاف الإنسان الذي ينشط في بعض الأوقات، ثم يهمل في كثير من الأوقات، فالإنسان الذي ينشط في بعض الأوقات ويهمل قد يأتيه الموت في حال إهماله، والإنسان الذي يداوم على شيء فأي وقت يأتيه الموت فإنه يأتيه وهو على حالة حسنة، ويأتيه وهو مستمر على شيء.ثم إن القليل الدائم يكون كثيراً، بخلاف الكثير الذي يكون في وقت من الأوقات ثم يحصل الملل فيترك الإنسان القليل والكثير، ويضيع الإنسان القليل والكثير، بل الإنسان يحرص على أن يكون له عمل دائم وإن كان قليلاً، ولا يكون همه أن يكثر من العمل في وقت من الأوقات ثم يهمل ويغفل في أوقات كثيرة، وقد ذكر عن بعض السلف أنه قيل له: إن أناساً يجتهدون في رمضان، وإذا خرج رمضان تركوا، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان! نعم رمضان موسم من مواسم الآخرة، ويشتغل فيه بالعبادة، ويزاد في صلاة التراويح، وفيه تهجد في العشر الأواخر، وانتظار ليلة القدر، ولكن لا يعني هذا أن الإنسان يكون من بعد رمضان ليس له علاقة بالعبادة، ولا يشتغل بالنوافل، بل على الإنسان أن يكون له نوافل يداوم عليها ويستمر عليها ولو كانت قليلة، فإن القليل مع الدوام يكون كثيراً، والكثير مع الإهمال والتضييع يتلاشى ويضمحل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ).ثم أيضاً هذا يدل على إثبات صفة المحبة لله عز وجل، وأن الله تعالى يحب ما شاء من الأعمال، ومن شاء من الأشخاص، فهو من صفاته المحبة، وهي صفة كغيرها من الصفات تثبت لله عز وجل على ما يليق به، دون أن تؤول ودون أن تصرف عما تدل عليه إلى معان أخرى لا تدل عليها، فالصفات كلها من باب واحد، كل ما ثبت في الكتاب والسنة يثبت على ما يليق بالله عز وجل، من غير تشبيه ولا تكييف، ومن غير تحريف ولا تأويل، وإنما إثبات لا تعطيل معه ولا تأويل، ومع الإثبات لا تشبيه ولا تكييف، بل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى، فهذا هو شأن الصفات جميعاً، وكلها من باب واحد، فيقال في الصفات ما يقال في الذات، فكما تثبت لله عز وجل الذات ولا يعلم كنهها، فتثبت كل الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة ولا يعلم كنهها، فالصفات كلها من باب واحد، يقال في بعضها ما يقال في البعض الآخر، ويقال فيها ما يقال في الذات.ولا يتكلف الاشتغال بتأويلها وتفسيرها بأمور لا تدل عليها، بحجة أن الإثبات يقتضي التشبيه، أبداً، لا تلازم بين الإثبات والتشبيه، فهناك إثبات مع تنزيه، وهناك إثبات مع تشبيه، والإثبات مع التشبيه هو الباطل الذي لا شك فيه، والإثبات مع التنزيه هو الحق الذي لا ريب فيه، والله تعالى جمع بين الإثبات والتنزيه في قوله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فهو سميع بصير ليس كمثله شيء، ولا يلزم من إثبات الصفة المشابهة للمخلوق، أبداً؛ لأن بعض الناس يتصور أنه لو أثبت للزمت المماثلة والمشابهة؛ لأنه ما تصور الإثبات إلا على ما هو مشاهد من المخلوقين، وما تصور الصفة إلا على ما هو مشاهد، وهذا من أكبر الغلط، وهذا من أبطل الباطل، فتصور التشبيه أدى إلى التعطيل، ولكن الإنسان إذا أثبت ما أثبته الله لنفسه على ما يليق بكماله وجلاله، دون تشبيه له بخلقه، ودون تعطيل لصفاته، ودون تأويل لها إذا أثبت هذا فهو إثبات مع التنزيه، والإثبات مع التنزيه ذكره الله عز وجل بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر، ونفى المشابهة، فهو سميع بصير ليس كمثله شيء، له سمع لا كسمعنا، وبصر لا كأبصارنا، ووجه لا كوجوهنا، ويدان لا كأيدينا، فكل ما ثبت في الكتاب والسنة نثبته، ولكن مع نفي المشابهة، ونفي التكييف، ونفي التعطيل، ونفي التأويل. هذا هو الواجب، وهذا هو الذي سار عليه سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم، وهم خير القرون، وهم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قال: ( ثم ترك مصلاه ذلك فما عاد له ).يعني: ذلك المكان الذي يحتجر فيه، ووضع فيه الحصير الذي يعتبر حاجزاً ما عاد إليه حتى لا يتابعه الناس في ذلك، فينالهم بذلك مشقة. قال: ( وكان إذا عمل عملاً أثبته )، كان عليه الصلاة والسلام إذا عمل عملاً يداوم عليه ولا يتركه، وإذا فاته قضاه، كما حصل في الاعتكاف؛ فإنه اعتكف في العشر الأواخر من رمضان، ثم ترك الاعتكاف مرة، ولكنه قضى ذلك في شوال، ولما فاتته ركعتان بعد الظهر لكونه شغل في يوم من الأيام حتى جاء وقت العصر قام وقضاها بعد الصلاة، ثم داوم على ذلك؛ لأنه كان إذا عمل شيئاً أثبته عليه الصلاة والسلام.
تراجم رجال إسناد حديث: (... فصلوا بصلاته وبينه وبينهم الحصيرة ...)
قوله: [ (أخبرنا قتيبة ) ].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الليث].هو الليث بن سعد المصري ، المحدث الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، والمكثر من الحديث، وكذلك مشهور بالفقه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن ابن عجلان ].وهو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن سعيد المقبري ].وهو سعيد بن أبي سعيد ، واسم أبيه كيسان ، وهو مشهور بـأبي سعيد ، ولهذا يقال له: سعيد بن أبي سعيد ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي سلمة ].وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، من التابعين المحدثين الفقهاء، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع، يعني: كما ذكرت مراراً: ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن عائشة ]، أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.
باب الصلاة في الثوب الواحد

شرح حديث: (إن سائلاً سأل رسول الله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: أولكلكم ثوبان)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة في الثوب الواحد.أخبرنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( إن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد؟ فقال: أولكلكم ثوبان؟ ).عقد النسائي رحمه الله كتاب القبلة، وأورد فيه أحاديث فيها الاستقبال، وفيها الشيء يكون في قبلة الإنسان وأمام الإنسان، ثم إنه لما فرغ منها أتى بعدها بأحاديث لا تتعلق بالقبلة، ولكنها تتعلق بستر العورة، وتتعلق باللباس في الصلاة، وهي ليست داخلة في القبلة، ولا دخل لها في القبلة، ولكنها تتعلق بشرط من شروط الصلاة الذي هو ستر العورة، كما أن القبلة واستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة، فكذلك ستر العورة، وكون الإنسان يصلي وهو مستور العورة، ويكون لابساً ما يستر عورته، فأورد أحاديث تتعلق باللباس، سواء كان ذلك اللباس يتعلق بالجسد كله، أو يتعلق ببعض الجسد، كالخفين والنعلين؛ لأن هذا كله يعتبر من اللباس.وأورد فيه الترجمة، وهي الصلاة في الثوب الواحد، يعني: أن ذلك سائغ، فالإنسان يصلي في ثوب، ولكن ذلك الثوب يجب أن يكون ساتراً ولا يكون شفافاً، ولا يكون غير ساتر، بل يكون ساتراً للعورة وكافياً لها، فـالنسائي أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يصلي الرجل في الثوب الواحد؟ قال: أولكلكم ثوبان؟ )، فيه إنكار على هذا السؤال، يعني: أنه لا إشكال ولا ريب في أن الإنسان يصلي في ثوب واحد، وما كل أحد يستطيع أن يصلي في ثوبين، وأن يكون على جسده ثوبان وهو يصلي، ولهذا فإن مثل هذا السؤال لا وجه له؛ لأن هذا هو الواقع، وهذا هو الذي يحصل للناس، ولكن كون الإنسان يصلي وعليه ثوبان لا شك أنه أولى من ناحية كمال الستر، وكمال التحرز من انكشاف العورة، ومن بدو العورة، ولكن لا ينبغي أن يكون هناك تردد في الثوب الواحد، فلا يتردد فيه، ولا مانع منه، ولهذا قال: (أولكلكم ثوبان؟)، ليس كل أحد يستطيع أن يصلي في ثوبين، بل يكفي الصلاة في ثوب واحد، ولهذا أجاب بهذا السؤال الذي فيه إنكار، ودلالة على أن ليس كل أحد يستطيع أن يملك ثوبين، وأن تكون صلاته في ثوبين، بل الصلاة في ثوب واحد هو الغالب عليهم في ذلك الزمان، إذاً: الصلاة في الثوب الواحد سائغة ولا بأس بها، ولكن لا يكون شفافاً، ولا يكون مبدياً للعورة.والمراد بالثوب ليس القميص المخيط الذي له أكمام وله جيب، وإنما القطعة من القماش يقال لها: ثوب، والذي في حديث عائشة الذي مر أولاً، يعني: قطعة من القماش.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن سائلاً سأل رسول الله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: أولكلكم ثوبان)
قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.[عن مالك].وهو ابن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو الزهري : محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ، أحد المحدثين المكثرين، وأحد الفقهاء المشهورين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن سعيد بن المسيب].وهو أحد الثقات في عصر التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين مر ذكرهم قريباً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة رضي الله عنه].صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الملازم له، والمكثر من رواية حديثه، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أكثر السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث.
شرح حديث عمر بن أبي سلمة: (أنه رأى رسول الله يصلي في ثوب واحد...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة : ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة ، واضعاً طرفيه على عاتقيه ) ].هنا أورد النسائي حديث عمر بن أبي سلمة الذي هو ربيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وابن زوجته أم سلمة رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، والذي فيه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة -يعني: في بيت أمه- يصلي في ثوب واحد، واضعاً طرفيه على عاتقيه)، يعني: ملتفاً به، وواضعاً أطرافه على عاتقيه، وهو -كما قلت- عبارة عن قطعة قماش لفه على نفسه ووضع أطرافه على عاتقيه، فهو دال على ما ترجم له المصنف من الصلاة في الثوب الواحد، فهذا من فعله، وذاك من قوله لما سأله الرجل: (هل يصلي الرجل في الثوب الواحد؟ قال: أولكلكم ثوبان؟)، يعني: ما كل يستطيع أن يملك ثوبين، فالحديثان دالان على الصلاة في الثوب الواحد، الأول من قوله صلى الله عليه وسلم، والثاني من فعله.
تراجم رجال إسناد حديث عمر بن أبي سلمة: (أنه رأى رسول الله يصلي في ثوب واحد...)
قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك].وهو مثل الإسناد الذي قبل هذا.[عن هشام].وهو ابن عروة بن الزبير ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين تكرر ذكرهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، يروي كثيراً عن خالته عائشة .[عن عمر].هو عمر بن أبي سلمة ربيب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ابن زوجته أم سلمة رضي الله تعالى عنها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الأسئلة

الرد على من يصفون الإمام ابن حجر بأنه مبتدع
السؤال: بعض طلبة العلم هداهم الله يحكمون على ابن حجر بأنه مبتدع، ويقولون بترك الترحم عليه للزجر؟الجواب: هؤلاء الذين يتكلمون في ابن حجر ، ويقولون: لا يترحم عليه، وكذلك أيضاً قد ينصحون بعدم استعمال كتبه، هؤلاء ضارون لأنفسهم، وحارمون لأنفسهم، وهم قطاع الطريق إلى العلم النافع، وإلى الخير الكثير، فهم يضرون أنفسهم، ويسعون إلى الإضرار بغيرهم، فهؤلاء الواجب عليهم أن يتنبهوا لما وقعوا فيه من البلاء، وكل مسلم يترحم عليه، وأهل لأن يدعى له بالرحمة والمغفرة، ولكن هذا من الجفاء في حق العلماء الذين لهم جهود عظيمة، ولهم علم عظيم، وخلفوا كتباً عظيمة لا يستغني عنها طالب العلم.ومن المعلوم أن ابن حجر رحمه الله منذ زمنه وإلى يومنا هذا العلماء يعولون على كتبه، ويستفيدون من كتبه، وكتابه بلوغ المرام يحفظه طلاب العلم الكبار، الذين ليسوا مثل هؤلاء الذين نبتوا وصاروا يهرفون بما لا يعرفون، ويتكلمون بما لا ينبغي أن يتكلموا به، وكتابه بلوغ المرام يحفظه طلاب العلم فيما مضى وحتى الآن، وهو كتاب لا يستغني عنه أحد، وكذلك كتابه فتح الباري كتاب واسع، وكتاب عظيم، فيه العلم العظيم، ففيه العلم الواسع، ففيه الفقه، وفيه الحديث، وفيه المصطلح، وفيه الكلام في الرجال، وفيه خدمة صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب وخير كتاب بعد كتاب الله عز وجل، ولم يخدم هذا الكتاب أحد مثلما خدمه ابن حجر العسقلاني رحمه الله، فالواجب على أولئك أن يتنبهوا لما وقعوا فيه من البلاء، وإذا كان حصل منه خطأ في بعض المسائل في العقيدة فلا يسوغ أن يحكم عليه بالابتداع، فما زال العلماء منذ زمانه إلى هذا الزمان يستفيدون من كتبه، وقل أن ترى كتاباً ألف بعده إلا وهو يعزو إليه، أحياناً يقول: الحافظ ، وأحياناً يقول: الحافظ ابن حجر ، حتى صار الحافظ علماً عليه ولقباً عليه، فعندما يقولون: قال الحافظ ، يقصدون بذلك ابن حجر . فهذا الرجل عمل أعمالاً عظيمة، ولا يزال الناس من قديم الزمان يستفيدون من علمه ويترحمون عليه، وأما هؤلاء فإنهم يسعون إلى الإضرار بأنفسهم، وأيضاً يعملون إلى الإضرار بالآخرين، وإلى أن يوقعوا الآخرين فيما وقعوا فيه من البلاء، ومن الإقدام على أمر منكر، فلو كان كل إنسان يخطئ لا يستفاد من علمه لقضي على كثير من الكتب، وتخلص منها، ولكن هذا الفعل هو شأن النوابت الذين لا علم لهم، ولا معرفة لهم، وعلماء الأمة منذ زمن ابن حجر وحتى الآن يعنون بكتب ابن حجر ، ويستفيدون من كتب ابن حجر ، ولا يستغنون عن كتب ابن حجر ، ولهذا ينبغي لمن سمع كلام مثل هؤلاء أن ينصحهم، وأن يحذرهم من مغبة ما هم فيه، وهؤلاء الذين يتكلمون في ابن حجر لابد وأن ينتقلوا بعد ذلك إلى غير ابن حجر ، يعني: المسألة خطوة خطوة، فيكون هذا بداية الشر وبداية البلاء لهؤلاء المساكين.فالواجب عليهم أن يحذروا، وأن يعرفوا أنهم ابتلوا بلاء عظيماً، وعليهم أن يسألوا الله عز وجل أن يخلصهم منه.والشخص إذا أخطأ في مسائل في العقيدة أو في غيرها لا يحال بين الناس وبين كتبه النافعة التي خدمت السنة، وخدمت أهل السنة، وإن كان عنده خطأ فهذا الخطأ مغمور في صوابه الكثير وعلمه العظيم، والإنسان يتنبه ولا يتابعه على خطئه، والخير الكثير الذي فيه يأخذه منه ويتابعه عليه، ويستفيد منه.
حكم وصف الله عز وجل بأنه شخص
السؤال: هل يجوز إثبات صفة الشخص لله سبحانه؟الجواب: الواجب أنه لا يثبت لله عز وجل إلا ما أثبته لنفسه، وكلمة شخص ما نعلم ثبوتها، جاءت في الحديث: ( لا شخص أغير من الله )، يعني: لا أحد أغير من الله، هذا هو المقصود بها، فإطلاق الشخص عليه وأن من صفاته الشخص ما هناك ما يدل عليه، والحديث الصحيح الذي ورد: ( لا شخص أغير من الله )، يعني: لا أحد أغير من الله؛ لأن هذا نفي، وتثبت صفة الغيرة من هذا الحديث لله عز وجل، ولكن كلمة (شخص) التي في الحديث إنما المقصود بها لا أحد أغير من الله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #178  
قديم 20-12-2019, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب القبلة
(141)


- (باب الصلاة في قميص واحد) إلى (باب الصلاة في الحرير)

من تيسير الشريعة أنها أباحت الصلاة في القميص الواحد، كما أباحت الصلاة في الإزار؛ لكن يجب أن يضع على عاتقه شيء لورود النهي عن الصلاة بالثوب ليس على عاتقه منه شيء. كما لا يجوز للمسلم أن يصلي بحرير، بل لا يجوز أن يلبسه مطلقاً.
الصلاة في قميص واحد

شرح حديث سلمة بن الأكوع في الصلاة في قميص واحد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في قميص واحد.أخبرنا قتيبة حدثنا العطاف عن موسى بن إبراهيم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: قلت: ( يا رسول الله! إني لأكون في الصيد وليس علي إلا القميص، أفأصلي فيه؟ قال: وزره عليك ولو بشوكة ) ].يقول النسائي رحمه الله: الصلاة في القميص الواحد، المقصود من الترجمة بيان جواز الصلاة في القميص الواحد، وأنها مثل الثوب الذي هو يلفه على نفسه ويصلي فيه، فكذلك القميص الذي يكون مخيطاً على مقدار الجسد، يكون له أكمام، وله جيب، فإنه يصلى فيه، ولو لم يكن معه لباساً آخر، وقد أورد النسائي فيه حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه: ( أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه يكون في الصيد وليس عليه إلا قميص واحد أفأصلي فيه؟ فقال له: وزره ولو بشوكة )، يعني: وصل فيه، يعني: المقصود أنه يزر جيبه حتى لا تنكشف عورته، وحتى لا تبدو عورته من جيبه إذا كان مفتوحاً؛ لأنه ليس عليه إزار ولا سراويل، فإذا لم يكن مزروراً؛ أي: جيبه، فإنه تبدو عورته، وتنكشف عورته، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يصلي فيه، ولكنه يزره ولو لم يجد ما يزره به إلا شوكة، يزره بها؛ يربط بين أطراف جيبه حتى لا تبدو عورته، وحتى لا تظهر عورته.والقميص كما ذكرت: هو ما يخاط على مقدار الجسد دون الرأس، وله أكمام وجيب، وقد جاء في حديث الإحرام لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم؟ فقال: ( لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس )، فبين عليه الصلاة والسلام أن المحرم لا يلبس القمص، وهو ما يخاط على مقدار الجسد، هذا هو القميص، لكن إذا كان ليس عليه إلا هو، وليس عليه إزار ولا سراويل، فإنه يزره بأي شيء، ولو كان ذلك بشوكة؛ حتى لا تبدو عورته من جيبه.
تراجم رجال إسناد حديث سلمة بن الأكوع في الصلاة في قميص واحد
[ أخبرنا قتيبة ].قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر من الرواية عنهم، وأول حديث في سنن النسائي شيخه فيه قتيبة بن سعيد.[ حدثنا العطاف ].هو العطاف بن خالد ، وهو صدوق يهم، وقد خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي .[ عن موسى بن إبراهيم ].موسى مقبول، أخرج له أبو داود، والنسائي.[ عن سلمة بن الأكوع ].هو سلمة بن الأكوع الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الصلاة في الإزار

شرح حديث سهل بن سعد الساعدي في الصلاة في الإزار
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في الإزار.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: (كان رجال يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقدين أزرهم كهيئة الصبيان، فقيل للنساء: لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً) ].هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي الصلاة في الإزار، وقد أورد فيه حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه: ( أن رجالاً كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقدين أزرهم كهيئة الصبيان، فقيل للنساء: لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً )؛ وذلك أنهم كانوا عليهم أزر ضيقة عاقدينها، ولضيقها قد تنكشف عند سجودهم، أو يبدو شيء من عورتهم، فأمرت النساء اللاتي يصلين وراءهم ألا يرفعن رءوسهن إلا بعدما يستقر الرجال جلوساً؛ يعني: أنهن يتأخرن في القيام من السجود عن الرجال بحيث لا يحصل رؤيتهن لعورات أحد من الرجال الذين أمامهن، وهذا اللباس الذي عليهم، وهو الأزر بهذا الوصف، إنما كان لقلة ذات اليد، وعدم القدرة على لبس ما هو كافٍ، وما فيه الستر التام، فكانوا قليلي ذات اليد، ولهذا يكون هذا لباسهم في بعض الأحيان؛ لأن هذا هو الذي يقدرون عليه، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وهو دال على الصلاة في الإزار، وهذا إذا لم يجد الإنسان شيء آخر سواه، ولكنه إذا وجد شيئاً معه فإنه يضيفه إليه، كالقميص أو الرداء الذي يغطي أعلى الجسد، أما إذا لم يستطيع إلا الإزار، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، يكفيه ذلك، لكن إذا كان قادراً على ما هو أكثر من هذا، فإن عليه أن يضيفه إليه، وقد جاءت السنة -كما في الحديث الذي سيأتي- أنه لا يصلي الإنسان في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، يعني: معناه أنه يكون على العاتق منه شيء، ولكنه إذا كان لا يستطيع أو لا يكفي، فيستر العورة؛ وهي من السرة إلى الركبة، وما عدا ذلك فإنه معفو عنه، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أما إذا كان الإنسان قادراً، فإنه لا يكتفي بالإزار، وإنما يضيف إليه ما يستر أعلى الجسد، كأن يكون عليه ثوب آخر، أو رداء يلتحف به فوق الإزار، أو يكون عليه قميص.

تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد الساعدي في الصلاة في قميص واحد

قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي ، وهو ثقة، مأمون، سني، وصف بأنه سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.[ حدثنا يحيى ].يحيى هو: ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المكثر من الرواية، والمعروف بكثرة الكلام في الرجال في الجرح والتعديل، وهو الذي قال عنه الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل عندما ذكره، قال: إنه إذا اتفق هو وعبد الرحمن بن مهدي على جرح شخص فإنه لا يكاد يندمل جرحه، يعني: بذلك أنهما مصيبان، وأنهما أصابا الهدف، وأن كلامهما حجة، وأن كلامهما عمدة يعول عليه؛ لأنهما لا يكادان يخطئان فيما يقولانه في الشخص، في جرحه إذا اجتمعا على ذلك، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن سفيان ].سفيان يحتمل أن يكون ابن عيينة ، ويحتمل أن يكون الثوري ؛ لأن يحيى القطان روى عن السفيانين، والسفيانان رويا عن أبي حازم بن دينار ، فكل منهما محتمل، والترجيح أو تمييز أحدهما لا يظهر لي أيهما المراد؛ لأن يحيى بن سعيد القطان بصري، وسفيان الثوري من الكوفة، وسفيان بن عيينة من مكة، وأبو حازم مدني، وسفيان بن عيينة مكي، وسفيان الثوري كوفي، فكل واحد منهما بالنسبة للتلميذ أو الشيخ كان قريباً من بلده؛ لأن البصرة قريبة من الكوفة، والمدينة قريبة من مكة، فلا ندري أي الاثنين، لكن الإهمال إذا كان دائراً بين شخصين وهما ثقتان، فسواء ميز أحدهما وعرف أو لم يعرف فلا يضر؛ لأن الإسناد دائر على ثقة، فهو إن كان هذا أو هذا، فالإسناد صحيح ولا إشكال فيه، ولو لم يعرف أيهما، وإنما المحذور فيما إذا كان الأمر محتملاً لاثنين أن يكون أحدهما ثقة، والثاني ضعيفاً؛ لأن هذا هو الذي يؤثر فيه اللبس، وكما ذكرت في ترجمة يحيى أنه روى عن السفيانين وفي ترجمة أبي حازم بن دينار روى عنه السفيانان، فتعيين أحدهما لا أدري أيهما، لكن الجهل بذلك لا يؤثر؛ لأن أي واحد منهما ثقة، فيكفي أن يكون عن واحد منهما، ولو لم يعلم شخصه بعينه.[ حدثني أبو حازم ].هو سلمة بن دينار الأعرج المدني ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن سهل بن سعد ].هو سهل بن سعد الساعدي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو العباس ، وقد ذكرت فيما مضى: أنه ذكر بعض العلماء أنه لا يعرف في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا هذين وهما: سهل بن سعد الساعدي ، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فإنهما هما اللذان يكنيان بهذه الكنية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث عمرو بن سلمة في صلاته بقومه وعليه بردة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا شعيب بن يوسف حدثنا يزيد بن هارون حدثنا عاصم عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أنه قال: ( لما رجع قومي من عند النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: إنه قال: ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن، قال: فدعوني، فعلموني الركوع والسجود، فكنت أصلي بهم، وكانت علي بردة مفتوقة، فكانوا يقولون لأبي: ألا تغطي عنا است ابنك؟ ) ].هنا أورد النسائي حديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله تعالى عنه: أن قومه لما جاءوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ( إنه قال: يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله )، يؤم القوم أكثرهم قراءة، فوجدوه أكثرهم قراءة، فنادوه وعلموه الركوع والسجود، وجعلوه وقدموه ليصلي بهم، وكان عليه برده مفتوقة، فقالوا لأبيه: ألا تغطي عنا است ابنك؟أي: شيء يواري هذا الفسخ، أو هذا الذي يبدو أحياناً من هذه البردة، ومن المعلوم أن هذا لقلة ذات اليد، والمقصود من ذلك: أن الإمام يطلب فيه أكثر مما يطلب في غيره، من التستر؛ لأنه إمام، ولأنه قدوة، وإن كان ذلك مطلوب من الجميع، ولكن مع عدم القدرة لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.وقد عرفنا في الحديث الفائت أن الجماعة الذين كانوا يصلون معه، كانوا عاقدي أزرهم، وأنهم إذا سجدوا لضيق الأزر قد تبدو العورة، فأُمرت النساء بألا ترفع رءوسهن إلا بعدما يستقر الرجال جلوساً حتى لا يرين عورات الرجال من ورائهم، فـعمرو بن سلمة الجرمي هذا كانت البردة التي عليه فيها فتق، وكان يبدو منها شيء من العورة، أو جزء من العورة، فقالوا لأبيه هذه المقالة، والمقصود من ذلك: أنه يعمل على أن يوجد له شيئاً يواريه، ويستر هذا الذي يبدو منه، لا سيما وهو إمامهم الذي يصلي بهم. وقوله: ( علموه الركوع والسجود )، يحتمل أن يكون المقصود أنه لصغره، وأنه في سن التمييز، وأنهم علموه الصلاة، ويحتمل أن يكون علموه الركوع والسجود مع وجود هذا اللباس الذي عليه، أي: الركوع والسجود؛ ومعناه: أنه يحتاط فيه، وحتى لا يبدو ذلك الذي يكون من عورته عند ركوعه وسجوده؛ أي: ذلك الفسخ الذي في تلك البردة، ويحتمل أن يكون لكونه صغيراً، فكان يحفظ أكثر مما يحفظ غيره، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله )، فقدموه عليهم وجعلوه يؤمهم؛ لأنه هو الأقرأ، والأكثر حفظاً لكتاب الله عز وجل.
تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن سلمة في صلاته بقومه وعليه بردة
قوله: [ أخبرنا شعيب بن يوسف ].شعيب بن يوسف، وهو النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.[ حدثنا يزيد بن هارون ].هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، متقن، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا عاصم ].هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن عمرو بن سلمة ].هو: عمرو بن سلمة الجرمي . وهو صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

صلاة الرجل في ثوب بعضه على امرأته


شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط بعضه على رسول الله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ صلاة الرجل في ثوب بعضه على امرأته.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا وكيع حدثنا طلحة بن يحيى عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعلي مرط بعضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ].هنا أورد النسائي صلاة الرجل في ثوب بعضه على امرأته، وقد أورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل وهي إلى جنبه، وهي حائض، يعني: معناه أنها نائمة، أو أنها جالسة، ( وعلي مرط بعضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم )، والمرط هو: الكساء، فكان ذلك الثوب بعضه على عائشة وهي جالسة أو نائمة، وبعضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وهو يدل على جواز مثل ذلك، بأن يكون طرفه على المصلي، وطرفه مع شخص آخر جالس أو نائم، والمقصود بالثوب هو: القطعة من القماش كما ذكرت فيما مضى؛ لأن الثوب يطلق على هذا، يعني: قطعة من القماش يستعمل أحد طرفها، ويكون طرفها الآخر في الأرض، أو يكون على شخص آخر. وفي الحديث أن عائشة رضي الله عنها، كانت حائض، وأن هذا المرط كان عليها، وأن طرفه على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ وذلك يدل على جواز مثل هذا العمل؛ لأنه فعله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط بعضه على رسول الله)

قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنضلي، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[ حدثنا وكيع ].هو ابن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا طلحة بن يحيى ].هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، وهو صدوق، يخطئ، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، يعني: جده صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله تعالى عنه.[ عن عبيد الله بن عبد الله ].هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو من المحدثين الفقهاء في عصر التابعين في هذه المدينة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين الذين وصفوا بهذا الوصف، والذين إذا اتفق رأيهم في مسألة من مسائل الفقه قالوا فيها: وقال فيها الفقهاء السبعة، فـعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا هو أحدهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن عائشة ].هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، وهي المرأة التي لا يعادلها امرأة أو لا يساويها امرأة، ولا يماثلها في كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسبعة المكثرون ستة منهم من الرجال وواحدة من النساء؛ وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء

شرح حديث: (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ) ].أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء.وأورد النسائي في هذا الباب حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء )، ومعناه: لا بد أن يكون على عاتقه منه شيء إذا كان ثوباً واحداً، يعني: يلتحف به، بمعنى: أنه يجعل أطرافه على عاتقيه؛ وذلك لأنه يكون أمكن في ستر العورة، وقد مر فيما مضى حديث عائشة رضي الله عنها في باب الصلاة في الثوب الواحد، ( وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في ثوب واحد ملتحفاً به، جعل أطرافه على عاتقيه )، فذاك فعله، حيث كان يصلي في الثوب الواحد ويجعل أطرافه على عاتقيه، وهنا يقول: ( لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء )، بل يكون عليه شيء، وهذا فيما إذا كان ممكناً، أما إذا كان الثوب الواحد صغيراً وضيقاً، ولا يتأتى، وأنه لو رفع إلى العاتقين يبدو شيئاً من العورة، فإن العورة هي التي تستر، ولو انكشف غيرها مما يراد ستره مع الإمكان والقدرة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #179  
قديم 20-12-2019, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)
قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور ].محمد بن منصور يحتمل اثنين؛ وهما: محمد بن منصور الجواز المكي، ومحمد بن منصور الطوسي، وقد سبق أن عرفنا أن كلاً منهما يروي عن سفيان بن عيينة، ولكن الترجيح بأن يكون الجواز أقرب من أن يكون الطوسي ؛ لأن سفيان بن عيينة مكي، والجواز مكي، ومحمد بن منصور الثاني طوسي، ومن كان من أهل البلد فإنه يكون أكثر ملازمة، فعند الإهمال يحمل على من يكون أكثر ملازمة، فيكون المراد بـمحمد بن منصور هذا، هو: محمد بن منصور المكي ؛ لأنه يروي عن سفيان، وسفيان بن عيينة مكي، فكونه، أي: محمد بن منصور المكي أقرب، ومحمد بن منصور الجواز، أخرج حديثه النسائي وحده، وهو ثقةٌ، وسفيان بن عيينة هو المحدث، الفقيه، الحجة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا أبو الزناد ].هو عبد الله بن ذكوان المعروف بـأبي الزناد، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو مدني، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن الأعرج ].هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد عرفنا في ما مضى أن ألقاب المحدثين من الأمور المطلوب معرفتها في علوم الحديث، وفائدة معرفتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف هذا يظن أن الشخص الواحد أنه شخصان، مع أنه شخص واحد يذكر باسمه في بعض الأحيان، ويذكر بلقبه في بعض الأحيان، وهو شخص واحد وليس باثنين، ومن لا يعرف الحقيقة قد يظن أن الواحد يكون اثنين فيما إذا ذكر باسمه مرة، وذكر بلقبه مرة أخرى، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وأبو هريرة هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، والمكثرون من أصحابه سبعة، أكثرهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الصلاة في الحرير

شرح حديث عقبة بن عامر في النهي عن الصلاة في الحرير

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في الحرير.أخبرنا قتيبة وعيسى بن حماد زغبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: ( أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير، فلبسه ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له، ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين ) ].هنا أورد النسائي الصلاة في الحرير، أي: أن ذلك لا يجوز، بل لا يجوز لبس الحرير مطلقاً للرجال، والنسائي أورد فيه حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي إليه فروج حرير، فلبسه وصلى فيه، ثم انصرف ونزعه نزعاً شديداً كالكاره له، وقال: لا ينبغي هذا للمتقين )، والمقصود من ذلك: أنه لا يجوز لبس الحرير، ولا تجوز الصلاة فيه؛ لبسه مطلقاً لا يجوز، والصلاة فيه لا تجوز، ومعنى ذلك: أن من فعل ذلك فإنه يأثم؛ لأنه لبس الحرير، ولكن الصلاة تكون صحيحة لا تكون باطلة؛ أي: تكون صحيحة مع إثم صاحبها؛ لكونه ارتكب أمراً محرماً؛ وهو لبسه الحرير والصلاة فيه، والرجل يأثم بلبسه للحرير ولو لم يصل فيه؛ لأن الرجال ممنوعون من أن يلبسوا الحرير، وقد حرم عليهم ذلك، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، حيث أخذ حريراً وذهباً، وقال.. وأشار إليهما، وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).ويقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: ( أهدي للرسول صلى الله عليه وسلم فروج حرير )، وهو كساء، قيل: إنه مشقوق من ورائه، ولبسه وصلى فيه، وذلك لعله قبل أن يحرم الحرير، ثم إنه نزعه نزعاً شديداً كالكاره له، وقال: ( لا ينبغي هذا للمتقين )، ويكون قوله: (لا ينبغي هذا للمتقين)، هو بدء تحريمه، ومنع الرجال من لبسه، وفي قوله: (لا ينبغي هذا للمتقين) إشارة إلى أن الذي يتقي هو الذي يمتنع عن الأمور الممنوعة والمحرمة، والتقوى كما هو معلوم أصلها من الوقاية؛ وهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء الذي يخاف وقاية تقيه منه، هذا هو المعنى اللغوي في التقوى، فإن أصله من الوقاية، وهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين الذي يخافه وقاية تقيه منه، مثلما يجعل الإنسان على رجليه النعال، والخفاف حتى يتقي بها الحرارة، والبرودة، والأشواك، والزجاج، والحصى، وما إلى ذلك مما يضر القدمين، وكذلك أيضاً يتخذ البيوت، ويتخذ الخيام، ويتخذ المظلات، وما إلى ذلك لتقيه حرارة الشمس، وكذلك يتخذ الألبسة الثقيلة في الشتاء لتقيه البرودة، فالتقوى في اللغة: أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء المخوف وقاية تقيه منه.أما في الشرع فهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه؛ وذلك باتباع ما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والانتهاء عما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، هذه التقوى في اللغة وفي الشرع. وقوله: (لا ينبغي هذا للمتقين): أي: الذين يتقون الله ويخافونه، ويرجون ثوابه، ويخافون عقابه؛ لأن من شأن المتقين أن يمتثلوا الأوامر، وينتهوا عن النواهي، ويفعلوا الأمور المشروعة، وينتهوا عن الأمور الممنوعة.
تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في النهي عن الصلاة في الحرير
قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره قريباً.[ وعيسى بن حماد زغبة ].هو عيسى بن حماد التجيبي المصري الملقب زغبة، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[ عن الليث ].هو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، المشهور، فقيه مصر، ومحدثها، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن يزيد بن أبي حبيب ].يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الخير ].هو مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عقبة بن عامر الجهني ].هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ولاه معاوية بن أبي سفيان على مصر، فهو ينسب إلى مصر، والإسناد مسلسل بالمصريين، أي: من عيسى بن حماد إلى نهايته، والشيخ الثاني الذي هو قتيبة هذا هو الذي ليس مصري، وإنما المصري هو عيسى بن حماد، والإسناد من عيسى بن حماد إلى عقبة بن عامر كلهم مصريون، فهو مسلسل بالمصريين: عيسى بن حماد التجيبي المصري والليث بن سعد المصري، ويزيد بن أبي حبيب المصري، وأبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه الذي سكن مصر وتولى إمارتها في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين.
الأسئلة

كيفية التمييز بين عمرو بن سلمة وعمر بن أبي سلمة
السؤال: عمر بن أبي سلمة أليس قد أخرج له مسلم في الإضافة لما ذكرته حفظك الله، البخاري، وأبو داود، والنسائي، خاصة وأن الحديث الوارد في الدرس السابق قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم )؟الجواب: لا، ذاك عمر بن أبي سلمة، أما هذا عمرو بن سلمة، ذاك عمر بن أبي سلمة ربيب الرسول صلى الله عليه وسلم ابن زوجته أم سلمة، وأما هذا عمرو، وذاك ابن أبي سلمة وهذا ابن سلمة؛ عمرو بن سلمة الجرمي، وأما ذاك عمر بن أبي سلمة المخزومي، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا شخص وذاك شخص، كل منهما من صغار الصحابة، هذا ربيب الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أم سلمة، وهذا عمرو بن سلمة الجرمي .
مدى صحة الصلاة إلى القبر إذا لم يقصد ذلك
السؤال: ما صحة صلاة من صلى في الجهة التي يكون فيها خلف القبر في المسجد النبوي، مع عدم القصد؟الجواب: لا يؤثر إذا كان ما قصد، والأمر في ذلك واضح أنه ليس عليه شيء؛ لأن كما عرفنا سابقاً أن أنساً لما كان يصلي إلى قبر، وكان ما تنبه له، فصاح به عمر : القبر القبر، فتحول وأكمل صلاته، فلو كانت الصلاة ما تصح لأعادها من أولها، لكنه بنى على الماضي الذي كان القبر أمامه، بنى عليه، فبناؤه عليه يدل على أن صلاته صحيحة؛ لأنه لو لم تكن صحيحة لاستأنفها من جديد، ودخل فيها من أولها، لكنه بنى على ما كان موجوداً من قبل.

حكم الصلاة في الصفوف المقطعة إذا لم يقصد تقطيعها

السؤال: ما حكم الصلاة بعد المأمومين في المسجد النبوي والذين يصلون قريباً من الأبواب جهة التوسعة، ومن المعلوم أن الصفوف غير متصلة؟الجواب: الصفوف إذا كانت متقطعة، فإنها تصح الصلاة، ولكن يأثم الإنسان الذي يتمكن من وصل الصفوف ثم لا يصل، وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ).
مدى خصوصية اعتكاف عشر من شوال للنبي صلى الله عليه وسلم
السؤال: ذكرتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى اعتكافه في عشر رمضان الأخيرة في شهر شوال، فهل هذا خاص به صلى الله عليه وسلم؟الجواب: نعم خاص به عليه الصلاة والسلام؛ لأنه هو الذي كان يعتكف، ثم ترك حتى لا يكون الدافع لهن على ذلك المنافسة، والقرب منه عليه الصلاة والسلام، ثم إنه فعل ذلك، وما جاء أن غيره فعل مثل فعله صلى الله عليه وسلم.
حكم صلاة اللابس للبنطلون أو السروال
السؤال: ما حكم الصلاة بالبنطلون؛ السروال؟الجواب: لا بأس بالصلاة فيه، لكن الأولى أن الإنسان يصلي في غيره مما لا يكون واصفاً لأجزاء العورة، هو ساتر ولكنه يصف الأجزاء لضيقه، فالصلاة فيه تصح، والأولى للإنسان في الصلاة أن يستعمل ما يكون لا لبس فيه، ولا شبهة فيه.
مدى اعتبار التعريف بالأشخاص بالوصف من الغيبة
السؤال: إذا وصفت أحد الأشخاص لأحد زملائي فلم يعرفه، فقلت له: فلان الأعمى أو الأعرج أو الفقير.. هل هذه تعتبر من الغيبة؟الجواب: ما تعتبر من الغيبة إذا كان المقصود هو التعريف، ولكن إذا كان يعرف أنه يكرهها، أو يكره أن يوصف بذلك، فينبغي ألا يفعل، وإن كان بعض العلماء من المتقدمين يكرهون بعض الألقاب، مثل ابن علية، وكان يكره أن يقال له: ابن علية، فكان بعض المحدثين يقول: إسماعيل الذي يقال له: ابن علية، فذكره بما يوضحه لا بأس به، لكن إذا كان يكره هذا فالأولى ألا يفعل، إلا إذا لم يجد سبيلاً إلا تمييزه بغيره، ومن المعلوم أنه لا يقصد بذلك لمزه، فنرجو ألا يكون في ذلك بأس إن شاء الله.
مطابقة الحديث: (لا يصلين أحدكم ..) للترجمة التي ذكرها النسائي
السؤال: ما وجه المطابقة بين هذه الترجمة وبين الحديث، وهي صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، وبين الحديث: ( لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه شيء )؟الجواب: هذا هو مطابق؛ لأن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، والحديث يدل على النهي عن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، يعني: معناه أن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء منهي عنها، هذا هو الحديث، والحديث واضح في النهي.
حكم التسمية بأهل الحديث أو السلفية
السؤال: يا شيخ! نشهد الله أننا نحبك في الله، ونحن شباب أتينا المدينة زائرين، ولنا عدة أسئلة. يقول: هل التسمية بأهل الحديث أو السلفية مشروع أو غير مشروع؟الجواب: أولاً: المحبة في الله عز وجل، أقول: أسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً من المتحابين فيه، وأن يوفقنا جميعاً لما يرضيه، وأما فيما يتعلق بالتسمية بأهل الحديث أو السلف، فهذه تسمية قديمة، وكتب العلم طافحة بها مملوءة بها، ذكر سلف الأمة؛ لأنهم السلف، وذكر وصف المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم الملتزمين بسنته، الذين يعملون بما يجيء عنه؛ وصفهم بأنهم أهل الحديث، هذا مشهور، وكتب أهل العلم طافحة فيه، كتب الحديث وكتب المصطلح، وكلام العلماء المتقدمين والمتأخرين، كل ذلك موجود، وإذا قيل: إن فلان سلفي، يعني: أن عقيدته عقيدة السلف، فهذا حق، ولا شيء فيه، وهذا شرف لمن يكون كذلك، وهذا شيء موجود ومشهور من قديم الزمان؛ أنه ينص على أنه سليم العقيدة، أنه سلفي العقيدة، أنه سني، وأنه كذا، فهذا اصطلاح قديم، وليس بمحدث، وليس بجديد، والخير في كل قديم على النهج المستقيم، يعني: ما كان عليه سلف الأمة هو الخير، فالسير على منهاجهم والاقتداء بهم لا شك أن هذا هو طريق السلامة وطريق النجاة.
بدعية الاحتفال بالمولد النبوي
السؤال: نرجو من فضيلتكم تبيين حكم الاحتفال بالمولد النبوي؛ لكثرة الزوار هذه الأيام؟الجواب: الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، لو كان جاء شيء يدل عليه عنه وعن صحابته الكرام، لكان ينبغي أن يبادر إليه، وأن يحرص عليه، لو جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الإنسان يجب عليه أن يكون متبعاً، وأن يكفيه ما كفى الأولين، وأن يسير على منهج سلف هذه الأمة، وهذا من أمثلة من يكون على طريقة السلف؛ أنه يتبع سلف هذه الأمة، ويسير على منوالهم، ويترك البدع ومحدثات الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن المعلوم أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون في قلب كل مسلم، فوق محبة أي مخلوق؛ لأن النعمة التي ساقها الله للمسلمين على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، هي أعظم النعم، وأجل النعم، وهي نعمة الإسلام، ومحبته في القلوب يجب أن تكون أعظم من محبة أي مخلوق، حتى الوالدين والأولاد والناس أجمعين، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )، فالوالدان لهما فضل على الإنسان، وهما سبب وجوده، والرسول صلى الله عليه وسلم جعله الله تعالى السبب في خروج المسلم من الظلمات إلى النور، أخرج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور، فهذه النعمة التي ساقها الله تعالى للمسلمين على يديه، أعظم النعم وأجل النعم، ولهذا فمحبته في القلوب يجب أن تكون أعظم من محبة أي مخلوق، لهذا الفضل، ولهذا الإحسان، ولهذه النعمة التي ساقها الله تعالى على يديه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.ومن مقتضى الشهادة له بأنه رسول الله: أن يصدق في أخباره، وأن تمتثل أوامره، وأن تجتنب نواهيه، وأن يعبد الله طبقاً لشريعته، وألا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته عليه الصلاة والسلام، هذا هو المقياس، وهذا هو المعيار الذي يعول عليه ويرجع إليه، والله عز وجل ذكر في كتابه العزيز آية يسميها بعض العلماء آية الامتحان والاختبار، وهي: أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه أن يقيم البينة على دعواه حتى يكون صادقاً، وهي قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فمحبة الله عز وجل ومحبة الرسول ما هي علامتها؟ علامتها الاتباع، علامتها الاستسلام، والانقياد، علامتها أن تصدق أخباره، وأن تمتثل أوامره، وأن تجتنب نواهيه، وأن يعبد الله طبقاً لشريعته، لا يعبد وفقاً للأهواء، والمبتدعات، والمحدثات، فإن الدين ما شرعه الله، والحق ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم السابقون إلى كل خير، وهم الحريصون على كل خير، ولم يحصل هذا العمل الذي هو الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، لا منه في حياته، ولا من أصحابه في حياته وبعد وفاته، بل ولا من التابعين، ولا من أتباع التابعين، وثلاثمائة سنة كاملة وزيادة لا يوجد ذكر للاحتفال بالمولد، وكل الكتب المؤلفة قبل ثلاثمائة سنة، لا ذكر للمولد فيها، ولا ذكر للموالد فيها؛ لأن تلك محدثة بعد القرون الثلاثة، وبعد ثلاثمائة سنة ولدت ووجدت، ولم يكن لها وجود قبل ذلك، ولو كان ذلك حقاً وهدى لسبق إليه السابقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.وإحداث هذه البدعة كان في القرن الرابع، والذي أحدثها الرافضة العبيدون الذين حكموا مصر، هم أول من أحدثها، وتبعهم غيرهم فيها، وأصل إحداثها مبني على تقليد النصارى، قالوا: النصارى يحتفلون بميلاد عيسى، فكيف لا نحتفل بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، فجاءت هذه البدعة تقليداً للنصارى، واتباعاً للنصارى، وتحقق بذلك على أيدي هؤلاء المبتدعين ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ذم لمن فعله: ( لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ )، يعني: ما القوم إلا إياهم، يعني: حتى لو دخلوا جحر ضب لدخله الناس تقليداً لهم، فبعض المسلمين قلدوا النصارى في هذه البدعة، ومن المعلوم أن الحق وأن الهدى إنما يتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه الكرام، وقد قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وإذا كان الأولون صلحوا باتباع السنن، وباتباع الآثار، وباتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فسبيل صلاح الآخرين أن يسلكوا مسالك الأولين السابقين الذين هم الأسوة، والقدوة، والذين هم أحرص الناس على كل خير، وأسبق الناس إلى كل خير، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ويقول أيضاً مالك بن أنس رحمه الله: ما لم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد )، وقال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه بلغه أن أناساً يجتمعون في المسجد ويتحلقون، ومعهم حصى، وفيهم من يقول: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة، فيكبرون ويعدون بالحصى، فوقف على رءوسهم، وقال: يا هؤلاء! ما هذا؟ إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: سبحان الله! يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه. ثم كون الإنسان يكون قصده حسناً، ويقول: أنا قصدي حسن فيما أفعل، هذا لا يسوغ ولا يبرر هذا العمل، وقد جاء ما يدل على أن العمل لا ينفع إلا إذا كان موافقاً للسنة، ولو كان قصد صاحبه حسناً؛ لأنه جاء في الصحيحين عن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذبح أضحيته قبل الصلاة يوم عيد الأضحى، وكان يريد من وراء فعله هذا، أنه إذا فرغ الناس من الصلاة، وإذا اللحم قد طبخ، وهم بحاجة إليه، فأراد أن تكون أضحية أول ما يؤكل، والناس بحاجة إلى اللحم، ومشتاقون إليه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( شاتك شاة لحم )، يعني: أنها ليست أضحية؛ لأنها لم تقع مطابقة للسنة، ولم تقع على وفق السنة، والسنة في الأضاحي ما تذبح إلا بعد الصلاة يوم العيد، لا تذبحوا قبل صلاة العيد، قال له: ( شاتك شاة لحم )، يعني: أنها ليست قربة، وليست أضحية، هي مثل الشاة التي تذبحها في أي يوم من أيام السنة لتأكل اللحم؛ في محرم، أو في صفر، أو في ربيع، هذه مثل هذه، قال له: ( شاتك شاة لحم ). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض العلماء، قال: وفي هذا دليل على أن العمل إذا وقع غير مطابق للسنة أنه لا يعتبر، ولا يكفي حسن قصد فاعله؛ لأن هذا الصحابي قصده حسن، ومع ذلك قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( شاتك شاة لحم )، فهؤلاء الذين يعملون هذا العمل ويقولون: هو وإن كان ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن قصدنا طيب.. القصد الطيب لا بد أن يكون متابعاً للسنة، وأن يكون على وفق السنة، وإلا كان بدعة، وكان صاحبه آثاماً وداخلاً تحت قوله عليه الصلاة والسلام: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، ( من عمل عملاً ليس عليه أمراً فهو رد )، وقال: ( وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، قال ذلك في حديث العرباض بن سارية، حيث قال قبل ذلك: ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، ثم قال: فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ).إذاً الحاصل: أن هذا الاحتفال لم يوجد في ثلاثمائة سنة كاملة، الثلاثمائة السنة الأولى ما وجد فيها ذكر الاحتفال حتى مجرد الذكر، ما فيه ذكر؛ لأنه ما وجد هذا العمل أصلاً، خلت منه العصور الثلاثة الأول، القرون الثلاثة الأول بأكملها، وأحدث في القرن الرابع ، وأحدثه الرافضة الذين حكموا مصر تقليداً للنصارى، وقد ذكر المقريزي في كتابه الخطط والآثار في تاريخ مصر، أنهم أحدثوا الموالد، فأحدثوا ستة موالد: مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومولد علي، ومولد فاطمة، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الحاكم من حكامهم في زمانهم، ستة موالد أحدثوها في ذلك الوقت، واشتهر أن ملك إربل -وكان في القرن السادس أو قريباً منه- هو الذي فعل ذلك، وأنه فعل ذلك وأحدث ذلك، ولكنه ليس هو المحدث له، وإنما أحدث قبل ذلك في القرن الرابع، وأحدثه الرافضة الذين حكموا مصر، وكما قلت: أصل إيجاده المستند فيه تقليد النصارى، ليس فيه سنة عن رسول الله، ولا أثر عن أصحاب رسول الله، بل ولا التابعين، بل ولا أتباع التابعين، والواجب على المسلم أن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة تفوق محبة كل مخلوق، وأن تكون محبته باتباعه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره، وألَّا يبعد الله إلا طبقاً لشريعته، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأن يحذر الإنسان من البدع ومن المحدثات التي ليست من عمل السابقين، وليست من عمل سلف هذه الأمة، فالخير كل الخير في اتباع من سلف، والشر كل الشر في ابتداع من خلف.
حكم حضور الاحتفالات لقصد الأكل والشرب
السؤال: هل يجوز حضور هذه الاحتفالات لقصد الأكل والشرب؟الجواب: لا، لا يجوز للإنسان أن يحضر هذه الاحتفالات، لا ليشارك فيها، ولا لمجرد الأكل والشرب، وإنما إذا أراد أن يحضر يحضر وينصح ويحذر ويبين الحكم الشرعي، فإذا أراد أن يحضر فليفعل هذا، أما مجرد حضور للمشاركة أو للأكل فلا.
الجمع بين قراءة القرآن وحفظه
السؤال: ما هو الأولى الانشغال بحفظ ما نسي من القرآن أم ختمه شهرياً إن لم يستطع أن يجمع بينهما؟الجواب: الذي ينبغي هو أن يجمع بينهما، ويمكن الجمع بينهما، فيخصص له وقت لقراءة القرآن، بحيث يمر عليه، ويخصص وقت لاستذكاره وحفظه، وتعهده، ويكون في ذلك جمع بين الحسنيين.
كيفية معرفة سفيان إذا أطلق
السؤال: إذا أطلق سفيان أليس المراد هو الثوري ؟الجواب: لا، ليس الثوري، وإنما يطلق ويراد به أحدهما، والأمر في ذلك يرجع كما ذكرت إلى الشيوخ والتلاميذ؛ يحصل التمييز بالشيوخ والتلاميذ؛ أي: في بعض المواضع يكون الثوري، إذا جاء وكيع عن سفيان، فهو الثوري، ولكن إذا جاء سفيان عن الزهري المراد به ابن عيينة .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #180  
قديم 20-12-2019, 03:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب القبلة
(142)


- (باب الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام) إلى (باب أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس؟)

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى وهو لابس ثياباً حمراً وكذا ثياباً فيها خطوط، وربما صلى منتعلاً، وكان إذا خلعهما يضعهما عن يساره.
الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام

شرح حديث: (إن رسول الله صلى في خميصة لها أعلام ثم قال: شغلتني أعلام هذه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام.إسحاق بن إبراهيم، وقتيبة بن سعيد واللفظ له عن سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، ثم قال: شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانيه ) ].يقول النسائي رحمه الله: [ الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام ]. المراد من هذه الترجمة أن الكساء الذي له أعلام -وهي خطوط تكون فيه- فإنه لا بأس بالصلاة فيه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى فيه، ولكنه اختار ما هو الأولى منه، وهو الأنبجانية التي ليس فيها شيء، وهي كساء من الصوف ليس فيه أعلام، والنسائي عقد الترجمة بناء على ما جاء في أول الحديث من حصول الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الخميصة التي لها أعلام، وقد أورد النسائي فيه حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، ثم قال: شغلتني هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيه )، وفي بعض الروايات: ( إنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني -أي: تلك الخميصة- عن صلاتي )، فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت قد أهديت إليه تلك الخميصة من أبي جهم، فأراد أن يردها إليه، ولكن خشية أن يقع في نفسه شيء فطلب الأنبجانية التي كانت عنده بدلاً من هذه، فتكون الهدية على بابها، ولكنها صارت من نوع آخر غير النوع الذي أعطاه إياه. ومن المعلوم أن الخميصة لا شك أنها أفضل، وأنها أولى، بخلاف الأنبجانية فإنها من الصوف، وفيها خشونة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم آثرها على تلك لما فيها من أعلام، ثم أيضاً لم يرد الخميصة عليه، ولا يأخذ مكانها شيئاً؛ لأن ذلك يؤثر في نفسه؛ حيث تكون هديته قد ردت إليه، لكن إذا ردت واعتيض عنها من عنده شيء آخر فإن ذلك يهون الأمر. وفي الحديث أيضاً دليل على أن الإنسان عندما يهدى له الشيء ويكون نفيساً، أو يكون حسناً، ويريد أن يأخذ ما هو أقل منه فإنه يمكن أن يعتذر عنه ويأخذ ما هو دونه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رد الهدية لم يردها مطلقاً، ولكن أخذ ما هو دونها تطييباً لخاطر ذلك الذي أهداها، وهو أبو جهم رضي الله تعالى عنه.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله صلى في خميصة لها أعلام ثم قال: شغلتني أعلام هذه ...)
قوله: [ إسحاق بن إبراهيم وقتيبة واللفظ له ].أي: لـقتيبة.و إسحاق بن إبراهيم هو ابن مخلد الحنظلي المشهور بـابن راهويه، المحدث، الفقيه، وصف بوصف رفيع من أعلى صيغ التعديل، ومن أعلى صفات التعديل، وهي قول بعض المحدثين عن الرجل: أمير المؤمنين في الحديث، فإنه قد وصف -أي: إسحاق بن راهويه- بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا يدل على علو منزلته، وعلى قوة ضبطه وإتقانه، وأنه في القمة حيث، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. وسبق أن ذكرت أن كلمة (راهويه) المشهور عند المحدثين أنهم يأتون بها على هذا اللفظ: (راهويه)، فتكون الواو ساكنة وما قبلها مضموم، والياء التي بعدها مفتوحة والهاء ساكنة، وأما اللغويون فإنهم يقولون راهويه، فيختمون بـ(ويه)، يعني: راهويه، فتكون الواو مفتوحة وما قبلها مفتوح، والياء ساكنة وليست مفتوحة كما هو عند المحدثين، يعني: يكون مختوماً بـ(ويه)، وأما عند المحدثين فمختوم بواو ساكنة، وبعدها ياء مفتوحة ثم هاء ساكنة.وقتيبة بن سعيد هو ابن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر من الرواية عنهم، ولهذا قل أن ينظر الإنسان في صفحات كتاب النسائي إلا ويجد فيه الرواية عن شيخه قتيبة بن سعيد، وأول شيخ أخرج له النسائي في سننه قتيبة بن سعيد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وقتيبة هذا من الأسماء المفردة التي ليس له مشارك فيها، التي قلت التسمية بها، أو ندرت التسمية بها، فإنه لا يوجد من يسمى قتيبة في الكتب الستة إلا هو. وقوله: واللفظ له، أي: أن اللفظ المسوق واللفظ المذكور هو من لفظ قتيبة الذي هو الشيخ الثاني، وليس من لفظ إسحاق بن راهويه الذي هو الشيخ الأول؛ لأنه لما ذكر الاثنين وسياقهما يختلف ذكر سياقه على لفظ شيخه الثاني، ونص على ذلك، حيث قال: واللفظ له، أي: لـقتيبة بن سعيد، أي: ومعنى هذا أن سياق إسحاق بن راهويه ليس هذا المذكور، وإنما هو غيره، والمذكور إنما هو سياق شيخه الثاني قتيبة بن سعيد .[ عن سفيان ].وسفيان هو ابن عيينة، وهو هنا مهمل، وقتيبة معروف يروي عن سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة هو الذي يروي عن الزهري، وهو المعروف بالرواية عن الزهري، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري دون الثوري، قال في موضع آخر في فتح الباري: إن الثوري يروي عن الزهري بواسطة. وسفيان بن عيينة ثقة حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.[ عن الزهري ].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب الذي هو جد جد جده، وحديث الزهري أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو الذي قال فيه السيوطي في ألفيته:أول جامع الحديث والأثرابن شهابٍ آمرٌ له عمرأي: كلفه بذلك، وأمره بذلك عمر بن عبد العزيز الخليفة، ومن المعلوم أن الكتابة للسنة حصلت من كثيرين، ولكنها بجهود فردية، وأما التكليف من الوالي فإنما كان للزهري في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.[ عن عروة ].هو عروة بن الزبير بن العوام، المحدث، الفقيه، أحد الفقهاء المشهورين في المدينة في عصر التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين اشتهروا في المدينة، والذين يأتي ذكرهم بهذا الوصف في بعض المسائل إذا اتفق رأيهم فيها، فيقولون: هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة، أي: فقهاء المدينة السبعة، ومنهم عروة بن الزبير هذا، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، فهؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة في المدينة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .والحاصل: أن عروة بن الزبير الذي معنا في الإسناد هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين رحمة الله عليهم، وحديث عروة بن الزبير أخرجه أصحاب الكتب الستة.وهو يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي تعتبر من أوعية السنة والتي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما الأحاديث المتعلقة بالأمور البيتية، المتعلقة بالبيوت التي لا يعلمها إلا النساء، فإنها حفظت السنة، وحفظت للأمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله تعالى عنهم، فهؤلاء السبعة مكثرون من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس أحد من الصحابة روى مثلما روى هؤلاء رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
الصلاة في الثياب الحمر

شرح حديث: (إن رسول الله خرج في حلة حمراء فركز عنزة فصلى إليها...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في الثياب الحمر.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في حلة حمراء، فركز عنزة، فصلى إليها، يمر من ورائها الكلب والمرأة والحمار) ].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الصلاة في الثوب الأحمر. والمقصود من ذلك أنها سائغة وجائزة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى وهو كذلك، أي: في حلة حمراء، وقد أورد النسائي حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله تعالى عنه قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء، ومعه عنزة )، وهي: العصا التي في طرفها حربة، أي: حديدة تثبت في الأرض، وتغوص في الأرض، فركزها وصلى إليها.( يمر من ورائها المرأة والحمار والكلب )، أي: أن ما مر من وراء السترة فإنه لا يؤثر على المصلي ما دام أنه وضع السترة، ومن يمر إنما يمر من ورائها، فإن ذلك لا تأثير له على المصلي في صلاته، وإنما التأثير عندما يكون المرور بينه وبين سترته، فإنه يمنع من يمر بينه وبين سترته، وأما من يكون من وراء السترة فإنه لا علاقة له به.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله خرج في حلة حمراء فركز عنزة فصلى إليها...)
قوله: [ أخبرنا محمد بن بشار ].محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو يعتبر من صغار شيوخ البخاري الذين قربت سنة وفاتهم من سنة وفاة البخاري ؛ وذلك أن البخاري توفي سنة: (256هـ)، ومحمد بن بشار توفي قبله بأربع سنوات، أي: سنة: (252هـ)، فهو يعتبر من صغار شيوخه الذين أدركهم من روى عن البخاري، أو من يكون بعد البخاري، ولهذا النسائي وغيره من الأئمة أصحاب الكتب الستة كلهم رووا عن محمد بن بشار مباشرة وبدون واسطة، وأما كبار شيوخ البخاري الذين لقيهم البخاري في صغره، وهم في أواخر حياتهم فهؤلاء ما أدركهم أصحاب الكتب الستة، وإنما أدركهم البخاري، وأما صغار شيوخ البخاري الذين قربت وفاتهم من وفاته فهؤلاء أدركهم من بعده، ولهذا فـمحمد بن بشار يعتبر من شيوخ أصحاب الكتب الستة؛ فهو شيخ للبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه ، فكلهم رووا عنه مباشرة، لقوه ورووا عنه وتحملوا عنه الحديث، ويماثل محمد بن بشار في هذا محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن، فإنه مثله -أي: محمد بن المثنى- مثل محمد بن بشار في كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة، وأيضاً وفاته هي سنة وفاة بندار الذي هو محمد بن بشار، وأيضاً ولادته مثل ولادته، وهو أيضاً معه من أهل البصرة، فهما بصريان ومتفقان في الشيوخ والتلاميذ، ولهذا قال عنهما الحافظ ابن حجر : وكانا كفرسي رهان، يعني: اللذين يتسابقان ولا يغلب بعضهم بعضاً؛ لأنهم اتفقوا في سنة الولادة، وسنة الوفاة، وكونهم من أهل البصرة، وكون شيوخهم متفقين، وتلاميذهم متفقين، فكانا كفرسي رهان، ووفاتهم في سنة: (252هـ)، ولأصحاب الكتب الستة أيضاً شيخ ثالث أيضاً توفي في هذه السنة؛ وهي سنة: (252هـ)، وهو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهو أيضاً ممن توفي في هذه السنة التي هي سنة: (252هـ)، وهؤلاء الثلاثة يعتبرون من صغار شيوخ البخاري، وقد روى عنهم أصحاب الكتب الستة جميعاً.[ حدثنا عبد الرحمن ].عبد الرحمن، هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، حافظ، عالم بالرجال والعلل، وهو من المتكلمين في الرجال في الجرح والتعديل، وهو الذي سبق أن ذكرت أن الذهبي رحمه الله ذكر في كتابه (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل): إذا اجتمع يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي على جرح شخص فإنه لا يكاد يندمل جرحه. يعني: معناه أنهما يصيبان الهدف، ولا يخطئان فيما يتفقان عليه، فكلامهما عمدة، وكلامهما حجة، ولهذا قال: إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه، أي: معناه أنه لا يبرأ ولا يسلم من مغبة أو معرة هذا الجرح، بل يكون فيه، ويكون من أهله.و عبد الرحمن بن مهدي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ].سفيان، هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الحجة، الحافظ، المحدث، الفقيه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا اللقب من الألقاب الرفيعة التي لا يظفر بها، أو لم يظفر بها إلا القليل النادر من المحدثين، مثل سفيان هذا، وشعبة بن الحجاج، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، والدارقطني وغير هؤلاء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عون بن أبي جحيفة ].عون بن أبي جحيفة، وأبوه أبو جحيفة واسمه وهب بن عبد الله السوائي، وهو مشهور بكنيته أبو جحيفة. وعون بن أبي جحيفة ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن أبيه أبي جحيفة، وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.إذاً: فهذا الإسناد كل رجاله أخرج لهم أصحاب الكتب الستة، محمد بن بشار، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان الثوري، وعون بن أبي جحيفة وأبوه أبو جحيفة، فهؤلاء كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
الصلاة في الشعار

شرح حديث عائشة: (كنت أنا ورسول الله في الشعار الواحد... فإن أصابه مني شيء غسل ما أصابه وصلى فيه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في الشعار.أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جابر بن صبح سمعت خلاس بن عمرو يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: ( كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبو القاسم في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل ما أصابه لم يعده إلى غيره، وصلى فيه، ثم يعود معي، فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك لم يعده إلى غيره ) ].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الصلاة في الشعار. يعني: الثوب الذي يلتحف فيه، ويواري الجسد أو يكون على الجسد مباشرة، فتقول عائشة رضي الله عنها: إنها كانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في شعار واحد، وكانت حائضاً، فإذا أصابه شيء -أي: ذلك الشعار- من حيضها فإنه يغسله ويصلي فيه، ولا يعدوه إلى غيره، يعني: لا يبدله ويستعمل شيئاً آخر، وإنما يغسله ويصلي فيه، ثم يعود، فإذا أصابه شيء فعل مثلما في الأول، يعني: غسله وصلى فيه ولا يعدوه إلى غيره، يعني: في صلاة الليل، يعني: كونه يكون معها ثم يقوم يصلي، ويكون عليهما الثوب، ثم يقوم ويصلي فيه، فإن أصابه شيء منها، أي: من دمها، فإنه يغسله ولا يعدوه إلى غيره، يعني: لا يتجاوزه، أو يستعمل شيئاً آخر، وإنما يغسله ويصلي فيه.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أنا ورسول الله في الشعار الواحد... فإن أصابه مني شيء غسل ما أصابه وصلى فيه)
قوله: [ أخبرنا عمرو بن منصور ].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[ حدثنا هشام بن عبد الملك ].وهو أبو الوليد الطيالسي، مشهور بكنيته ونسبته، وأيضاً مشهور باسمه، ولهذا هنا ذكره باسمه، ويأتي في بعض المواضع بكنيته ونسبته: أبي الوليد الطيالسي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا يحيى بن سعيد ].وهو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا جابر بن صبح ].وهو جابر بن صبح، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي. يعني: لم يخرج له الشيخان، ولا خرج له ابن ماجه .[ سمعت خلاس بن عمرو ].هو خلاس بن عمرو الهجري البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.وكان خلاس هذا من أصحاب علي رضي الله عنه، وهو صاحب شرطته.[ سمعت عائشة ].يحدث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد تقدم ذكرها قريباً.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 354.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 347.93 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]