تحويل القبلة: تأملات وعبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 3877 )           »          مشكلات الشباب المسلم في البرازيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 51 - عددالزوار : 3051 )           »          لماذا تُهــوَّد المباني في القدس؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الاختراق الإيراني الناعم لإفريقيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          نماذج من حياة الصحابة في تربية الأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          تنبيهات حول الامتحانات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          البصيرة في دين الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 83 - عددالزوار : 18870 )           »          زيــارة القبـــور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-05-2023, 03:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,952
الدولة : Egypt
افتراضي تحويل القبلة: تأملات وعبر

تحويل القبلة: تأملات وعبر
د. عبدالمحمود يوسف عبدالله

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أمَّا بعد:
قصة القبلة:
فمن الأحداث المُهِمَّة التي وقعت في شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام.

وقد أمر الله المسلمين في بداية أمرهم أن يستقبلوا بيت المقدس، فامتثلوا أمر الله تعالى حتى هاجروا من مكة، ولما هاجروا إلى المدينة مكثوا على ذلك ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، حتى نزل نَسْخُ القِبْلة.

حب المصطفى للكعبة:
من شدة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستقبال الكعبة أنه كان في الفترة المكيَّة يجعل المسجد الحرام بينه وبين بيت المقدس، فيكون عند صلاته قد استقبلهما معًا، فلما هاجروا إلى المدينة تعذَّر عليه ذلك، فكان صلى الله عليه وسلم يُقلِّب بصره في السماء، يتمنَّى من الله أن يُحوِّل قبلتهم إلى الكعبة؛ وذلك لتعلُّق قلبه بأبيه إبراهيم عليه السلام باني هذا البيت، ولحُبِّه الشديد لهذه البقعة؛ ولأن الكعبة هي أول بيت وضع للناس في الأرض؛ ولأنها مكان اجتماع الناس في حَجِّهم، فحقَّق الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم ما تمنَّى، وحوَّل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى المسجد الحرام.

الحديث: عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ- أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الأَنْصَارِ- وَأَنَّهُ «صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاةٍ صَلَّاهَا صَلاةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ»، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وَكَانَتِ اليَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ؛ رواه البخاري ومسلم.

تاريخ تحويل القبلة:
في العام الثاني من الهجرة وفي شهر شعبان عند أكثر العلماء [1]، نزل قول الله تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]، فنزل ذلك بَرْدًا وسَلامًا على المؤمنين، وشرِقت من ذلك قلوب اليهود والمنافقين.

الحكمة من تحويل القبلة:
كان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، اختبارًا للمؤمنين واليهود والمشركين والمنافقين، قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143].

أمَّا المؤمنون فقد نجحوا في الامتحان، وامتثلوا أمر الله حين وجَّههم إلى بيت المقدس، وحين وجَّهَهم إلى البيت الحرام، في كل ذلك كان منهجهم: سمعنا وأطَعْنا.

ورسب اليهود والمشركون والمنافقون في الاختبار؛ فاليهود لما استقبل قبلتهم لم يتابعوه ويؤمنوا به، ولما استقبل المسجد الحرام، قالوا: ترك قِبْلة الأنبياء، وقد كانوا في كتبهم يعلمون أن الكعبة هي قبلة المسلمين؛ لكنهم جحدوا ذلك؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144]، وقال: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].

والمشركون كذلك لما رجع واستقبل المسجد الحرام قالوا: يوشك أن يرجع إلى ديننا، وكذلك أرجف المنافقون.

فردَّ الله على الجميع، ووصفهم بالسفه، فقال سبحانه: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142]، بيَّنَ سبحانه أن جميع الجهات مِلْكٌ له سبحانه، لا فضل لجهة على جهة إلا بتفضيل الله، فالجهات ملك لله، ونحن عبيد الله، وحيث وجَّهَنا توجَّهْنا، إنْ وجَّهَنا إلى بيت المقدس توجَّهْنا، وإنْ وجَّهَنا إلى الكعبة تَوَجَّهْنا.

دروس وعِبَر من قصة تحويل القبلة:
اشتملت هذه الحادثة على كثيرٍ من الدروس والعِبَر، منها:
1- أن من صفات المؤمنين الصادقين: الامتثال لأمر الله ورسوله دون تردُّد، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أروع الأمثلة عند تحويل القِبْلة؛ حيث إنهم استداروا وهم في صلاتهم حين جاءهم الخبر، فلم يقطعوها ولم يتمُّوها على هيئتهم؛ بل استداروا في الحال من جهة الشمال إلى الجنوب.

الحديث: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ»؛ رواه البخاري ومسلم.

2- الترابط الوثيق بين القِبْلتين وبين المسجدين؛ فالمسجد الأقصى هو القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين.

3- حب رسول الله للبيت الحرام، كما هو واضح من قصة تحويل القِبْلة؛ ولذلك لما أُخرج من مكة يوم الهجرة نظر إليها وقال: "وَاللَّهِ، إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلى الله، ولولا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"؛ أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حِبَّان، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقد جعل الله محبَّة هذا البيت في القلوب منذ أن دعا الخليل عليه السلام بقوله: ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم: 37]، وقد قال تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125].

4- أنَّ القبلة للناس جميعًا صارت واحدةً، وكل البشرية تحوَّلت قبلتهم إلى الكعبة المشرفة، فاستقبالنا لبيت المقدس أولًا فيه دلالة على الترابط بين الأنبياء، واستقبالنا بعد ذلك للكعبة فيه دلالة على أنها هي قبلة الناس الأخيرة، ولن تُقبَل أي صلاة من يهودي أو نصراني إلا إذا استقبل الكعبة، ولن تُقبَل أي عبادة من أيِّ أحدٍ إلا إذا تابع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5- فضل الأُمَّة المحمدية؛ فقد جعلها الله خير الأمم، واختار لها أشرف قبلة، وجعلها أُمَّةً وَسَطًا بين الأُمَم وشاهدة عليها يوم القيامة، قال الله تعالى في ثنايا حديثه عن القبلة: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

6- أن العبد إذا عمل العمل بصورة شرعية في حينه بَرِئَتْ ذِمَّتُه وإنْ تغيَّر الحال بعد ذلك؛ ولذلك لما تم تحويل القبلة تساءل بعض الصحابة عن صلاة إخوانهم الذين ماتوا قبل تحويل القبلة فطَمْأَنهم الله بقبولها، جاء في حديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الذي رواه الشيخان: "أَنَّهُ مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143]" يَعْنِي: صَلاتَكُمْ.

ومثل ذلك من بحث عن الماء ولم يجده فصلَّى بالتيمُّم ثم وجد الماء بعد ذلك فلا إعادة عليه، فقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخُدْري - رضي الله عنه - قال: «خرج رجلان في سَفَر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمَّما صعيدًا طيبًا فصلَّيَا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يُعِدِ الآخر، ثم أتَيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يُعِدْ: "أصَبتَ السُّنَّةَ، وأجزأتك صلاتك"، وقال للذي توضَّأ وأعاد: "لك الأجر مرتين"؛ رواه أبو داود والنسائي[2].

ومثل ذلك من اشتبهت عليه القبلة فاجتهد وصلَّى ثم تبيَّن له بعد ذلك أنه أخطأ جهة القبلة، فلا إعادة عليه؛ لأنه فعل حينها ما كلَّفَه الله به، وقد قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، ولأن أهل قباء لم يَصِلْهم خبرُ تحويل القبلة إلا في اليوم الثاني، فلم يؤمروا بإعادتها، كما في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي نحو بيت المقدس، فنزلت: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 144]، فمَرَّ رجلٌ من بني سَلِمةَ وهم ركوعٌ في صلاة الفجرِ قد صَلَّوا ركعة، فنادى: ألا إنَّ القِبْلةَ قد حُوِّلَت، فمالوا كما هُم نحو القبلةِ؛ أخرجه مسلم، وأخرجه أبو داود: باب من صلَّى لغير القبلة ثم علم.

7- أن اليهود والنصارى والمشركين لن يرضوا عنا ولو وافقناهم في بعض أمورهم، ولو سعينا لإرضائهم، ولو تنازلنا عن بعض مبادئ ديننا، فمهما فعلنا لكي يرضوا عنا لن يحصل ذلك، وقد قطع الله الأمل في ذلك؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120].

وقد تجلَّى ذلك عمليًّا في قصة تحويل القبلة، قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ﴾ [البقرة: 145]، ثم حذرنا فقال: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 145].

ولذلك فإن من الأفكار الباطلة: فكرة الدين الإبراهيمي التي تُروِّج لها بعض الجهات والدول، ماذا يريدون بهذه الفكرة؟

يريدون دينًا خليطًا من الإسلام واليهودية والنصرنية! يريدون بناء مجمع في مكان واحد فيه مسجد ومعبد وكنيسة! يريدون طباعة كتاب واحد فيه القرآن والتوراة والإنجيل! يريدون الجمع بين الكُفْر والإيمان، وبين الحق والباطل، وبين الشرع المُنزَّل والشرع المُبدَّل، يريدون تذويب الإسلام وتذويب هوية المسلم وشخصيته، يريدون إماتة عقيدة الولاء وإماتة الحميَّة للدين والغيرة عليه، شعروا بأن أديانهم -اليهودية والنصرانية- في أفُول فأرادوا أن يلتَفُّوا على الإسلام من خلال هذه الحيلة الباطلة.

وبطلان هذه الفكرة عند المسلم أوضح من ضوء الشمس؛ فقد أبطل الله نسبة اليهودية والنصرانية للخليل عليه السلام، قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 67].

وبيَّن الله بطلان أي دين سوى الإسلام؛ ومِنْ ثَمَّ بطلان هذه الفكرة من أساسها، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

وقطع النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أيَّ أمل لليهود والنصارى في النجاة إن لم يتابعوه.

الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»؛ أخرجه مسلم.

فمحاولة التصوير للناس أن اليهودي والنصراني من الناجين: هي فكرة باطلة، والهدف منها أن ينسلخ الناس عن دينهم؛ لكن دين الله تعالى باقٍ وكتابه محفوظ، وهذه المحاولات ستذهب أدراج الرياح، كما قال تعالى: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].

والأموال التي ينفقونها لترويج هذه الفكرة ستنقلب حسرةً عليهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36].

نسأل الله أن يَعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأن يوفِّقْنا دائمًا لما يحبُّه ويرضاه، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصَحْبِه وسَلِّم.

[1] قال الحافظ ابن كثير: "تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فِي سَنَةِ ثنتين من الهجرة قبل وقعة بَدْر، وقال بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ، مِنْ سَنَةِ ثِنْتَيْنِ، وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَقِيلَ: فِي شَعْبَانَ مِنْهَا، وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ...قال الجمهور الأعظم: إنما صُرِفَتْ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ"؛ انظر: البداية والنهاية، لابن كثير (3 /309).

[2] والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود(2 /165).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.88 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]