|
|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
سيجارة تحرق التعليم!
سيجارة تحرق التعليم! فواز بن ناصر بن حضرم المحمدي لعلَّ الأيامَ تدورُ بنا وتدول، فلا تُبقينا على حال؛ فهي تقلبُنا من حالٍ إلى حالٍ، مؤتَمِرةً بأمرِ ربِّها، ونحن بذلك راضونَ صابرونَ، نسأل الله أن يعينَنا على ما نحن فيه. لستُ بصددِ تذكيرِكم بتقلُّبِ الأزمنةِ؛ فالكلُّ قد مسَّه منها نصيبُه الذي كُتِب له. ولست بصددِ تذكيرِكم بالحالِ الصعبةِ التي يَمُرُّ بها أبناؤنا السعوديون في مملكتِنا الغالية، ولكن ما جَرَى معي يستحقُّ ذكرُه والتنبيه عليه؛ لأنه خطرٌ على هذا الوطنِ ومَن يعيشُ فيه! من وسائلِ الرزقِ التي يتَّخذها بعضُ مَن ضاقتْ عليه سبلُ الحياةِ، ولا سيما العاطلين عن العملِ، وبالأخصِّ في المدينةِ المنورة هي: "المكدة - التتكيس"، ولمن لا يعرفُ المكدة، هي: أن تجولَ بسيارتِك الخاصَّة - أيًّا كان نوعُها - باحثًا عمَّن يريدُ أن توصلَه إلى مكانٍ يقصدُه بمقابلٍ مادِّي - أجر - ضعيفٍ جدًّا. وهذه الوسيلة تعتبرُ أحد الحلولِ للشبابِ العاطل، حينما تقفلُ أمامه جميعُ أبوابِ المسؤولين، والتي اتَّخذتُها أنا وعَمِلت بها بعدما دبَّ اليأسُ فِيَّ. لا عليكم؛ فالشكوى ليست لكم؛ بل لله - عز وجل - فهو الرازق المحاسب! ولكن كان من الواجب عليَّ تقديمُ هذه المقدِّمة؛ حتى تتضحَ لكم مُجْرَيَات هذه القصة، طبعًا كلُّ العاملين في هذه المهنةِ يحتكُّون بأصنافٍ وأشكالٍ بشريةٍ يوميًّا لا حصر لها؛ فمِن العربي إلى الأعجمي، ومن المسلمِ إلى الكافرِ، ومن المتعلِّم إلى الجاهل، ومن المعافَى إلى المريض، ومن الأبيض إلى الأسود، ومن الرجل إلى المرأة، ومن الشابِّ إلى الفتاة، ومن الصغير إلى الكبير ، ومن البشوشِ إلى العبوسِ... إلخ. ومن واجبات هذه المهنةِ تحمُّل هذه الأصناف البشريةِ؛ بمعنى: يجب أن تكونَ شخصيتُك شخصيةً مطاطيةً تحوي جميعَ هذه الأشكالِ والأصنافِ، ولن يدومَ في هذه المهنةِ الرجلُ الضيِّق فاقدُ الصبرِ. أثناء إحدى رحلاتِي شبهِ اليومية، والبحث في شوارع المدينة المنورة عمَّن يطلبون التوصيلَ، وجَدت أحدَهم يقفُ تحت لهيبِ الشمسِ الحارق، ينتظرُ مَن سوف يوصلُه، فكان نصيبه أنا بقدرةِ قادرٍ - حتى أكتب لكم هذه القصة - فوقفتُ له، واتَّفقنا على سعرِ التوصيلِ، فركِب معي، فاستغربتُ من حاله المتناقضةِ التي كان عليها، كان يَحمِل السيجارةَ بيدِه اليسرى، ويَحمِل مذكرةَ الأحاديثِ الصحيحةِ التي رواها الإمام البخاري عن رسولِنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - بيدِه اليمنى. فمهَّدت النقاشَ ببعضِ الكلماتِ اللطيفة؛ حتى أريحَه نفسيًّا، ثم سألتُه وقلت له: أنتِ متناقضٌ! كيف تحمِل السيجارةَ بيدٍ، وتحمل أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيدِك الأخرى؟ فلم يُجِب! وحاوَل التهرُّب من السؤال، ببعض الابتساماتِ وبعضِ الكلماتِ المتشتِّتة؛ حتى يضيعَ صلب الموضوع، وهو التعليم. فبادرتُ بتعريفِ التعليمِ في دولتِنا بعبارةٍ قصيرة جدًّا، وهي: أن تعليمَنا عبارةٌ عن زحامٍ فكريٍّ، يضيعُ فيه الطالبُ من المرحلةِ الابتدائيةِ إلى المرحلةِ الثانويةِ، بدون أن يُهدَى إلى الطريق الصحيح. فأذهلتْه كلمةُ "الزحام الفكري"؛ لأنه قابلها بقولِه: زحام فكري؟! وكانت علاماتُ التعجبِ والرفضِ تَرتَسِم على وجهِه، أخذتُ أنصحُه ولم أَستَسلِم، وقلت له: يَجِب ألاَّ تنحصرَ على فكرِ الدكتورِ الذي يعلِّمك، والمذكِّرات أو الملخَّصات التي تُعطَى لك، بل طوِّر من نفسك بالقراءةِ الواسعة؛ حتى تستطيعَ أن تلمَّ بالكثير، فقال لي باللهجة العامية: "يا رَجَّال"! وهذه كلمة دائمًا ما تخرج من الفاشلين الساقطين الذين لا تهمُّهم إلا الأموال التي سوف يجنونَها من وزارةِ التعليمِ بعد التخرُّج والتعيين. السيجارةُ التي كان يحملُها سوف يُشعِل بها النارَ؛ ليقتلَ بها تعليمَنا وأبناءنا الطلابَ؛ بفكرِه المحترِق، وطموحِه العَفِن، وأنا أَنعى مدرِّسينا في الأزمنةِ القادمة إن كانوا على هذه الصفاتِ، فأحسن الله عزاءكم بتعليمِنا ومعلِّمينا وطلابِنا إن كانوا كهذا. بل يقابلُني كثيرًا من هذه الأصناف التي لا همَّ لها إلا المال، وأنا أحذر؛ فالأمرُ في ازديادٍ، ويعودُ ذلك لضعفِ تعليمِنا من نواحٍ كثيرة، لا يَسعُنا ذكرُها في هذا المكان. فيجبُ ألاَّ يكونَ طموحُنا ومبلغُنا هو المالَ فقط - وإن كان حقًّا ووسيلةً للعيش - لكن مع ذلك اجعله وسيلةً للتطورِ العلميِّ من كافَّة نواحيه، وأنت بذلك أيضًا تؤدِّي الأمانةَ التي في عنقِك. أبعث هذه الرسالةَ لكلِّ طالبٍ: بأن يغيرَ من نفسِه إلى الأرقى والأسمى، وأن يحصنَ نفسَه من شبحِ المال؛ لكي لا يسيطرَ عليه، وأبعث هذه الرسالةَ إلى وزارةِ التعليم العالي، بأن تهتمَّ بالمقرَّراتِ الدراسةِ التي ما زالت تفتقرُ إلى الكثيرِ. أيها الطالبُ أينما كنتَ، أنتَ المستقبلُ؛ فحافظْ على نفسِك بثلاثٍ: بدينِك، وأخلاقِك، وعِلمك. حقيقة النقاشات التي تدورُ في عالَمِ هذه المهنةِ شائقة جدًّا؛ فهي تكشفُ لك عقولَ شرائحَ كثيرةٍ من المجتمع التي لا تظهر لك عبرَ وسائلِ الإعلامِ المزيَّفة، والتجرِبةُ خير برهانٍ، لمن أراد أن يكتشفَ كنوزَ هذه العقولِ!
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |