التربية الإسلامية ودورها في الحد من تعاطي المخدرات - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-10-2020, 12:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي التربية الإسلامية ودورها في الحد من تعاطي المخدرات

التربية الإسلامية ودورها في الحد من تعاطي المخدرات
أ. د. فؤاد عبدالمنعم أحمد




التربية الإسلامية والتوعية الدينية ودورهما في الحد من تعاطي المخدرات (2)


إن التوعية الدينية الصحيحة بإدراك الإسلام حقَّ الفهم لا قيمةَ لها إلا بالتربية الإسلامية وهي تطبيق الإسلام.

مفهوم التربية لغة:
إن لكلمة التربية أصولاً لغوية ثلاثة:
الأصل الأول: ربا يربو بمعنى زاد ونما، وفي هذا المعنى نزول قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39].

الأصل الثاني: ربِي يربَى على، وزن خفِي يخفَى، ومعناها: نشأ وترعرع.

الأصل الثالث: ربَّ يرُبُّ بوزنِ مدَّ يمُدُّ بمعنى: أصلَحه وتولى أمره، وساسه وقام عليه ورعاه[1].

وقد اشتقَّ بعضُ الباحثين من هذه الأصول اللُّغوية تعريفًا للتربية.

قال الإمام البيضاوي (المتوفى 685) في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): "الربُّ في الأصل بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا، ثم وُصِف به - تعالى للمبالغة".

وقال الراغب الأصفهاني (المتوفى 502 هـ): "الربُّ في الأصل: التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام"[2].


هذه الأصول اللغوية توضِّح أن التربية تتكون من عناصر:
أولها: المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها.
ثانيها: تنمية مواهبه واستعداداته كلها، وهي كثيرة متنوعة.
ثالثها: توجيهُ هذه الفطرة وهذه المواهب كلها نحو صلاحها وكمالها اللائق بها.
رابعها: التدرُّج في هذه العملية، وهو ما يشير إليه البيضاوي بقوله: "شيئًا فشيئًا"، والرغب بقوله: "حالاً فحالاً"[3].

التربية الإسلامية في الاصطلاح:
إعداد المسلم إعدادًا كاملاً من جميع النواحي في جميع مراحل نموه للحياة الدنيا والآخرة في ضوء مبادئ والقيم وأساليب وطريق التربية التي جاء بها الإسلام[4].

التربية الإسلامية فريضة:
الإسلام شريعة الله للبشر أنزلها لهم ليُحقِّقوا عبادتَه في الأرض، وإن العمل بهذه الشريعة لَيَقتضِي تطويرَ الإنسان وتهذيبَه، حتى يصلُحَ لحمل هذه الأمانة وتحقيق هذه الخلافة، وهذا التطويرُ والتهذيبُ هو التربية الإسلامية، ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، فلا تحقيق لشريعة الإسلام إلا بتربيةِ النفس والجيل والمجتمع على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحدَه، ومن هنا كانت التربيةُ الإسلامية فريضةً في أعناق الجميع.

إنها تربية الإنسان على أن يُحكِّم شريعةَ الله في جميع أعماله وتصرفاته، ثم لا يجد حرجًا فيما حكم اللهُ ورسولُه، بل ينقادُ مطيعًا لأمر الله ورسوله، قال - تعالى -: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، والإنسان مُعرَّض للشر والخسران لا يُنقِذُه منهما إلا الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح، والتعاون والتواصي بالصبر على إحقاق الحق ومحاربة الباطل، قال - تعالى -: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]، وفي هذه السورة إشارةٌ إلى أن خلاصَ الإنسان من الخسران والعقاب لا يتمُّ إلا بثلاثة ضروب من التربية:
1- تربية الفرد على الإيمان بالله والاستسلام لشريعته والإيمان بالغيب.

2- تربية النفس على الأعمال الصالحة، وعلى منهج الحياة الإسلامية، في الحياة اليومية والمواسم السنوية والتصرفات المالية وجميع شؤون الدنيا.

3- تربية المجتمع على التواصي بالحق للعمل به، والتواصي بالصبر على الشدائد، وعلى عبادة الله، وعلى التزام الحق[5].

الإسلام هو التربية:
الإسلام في الواقع هو التربية، فإن الإسلام لا يكونُ له واقعٌ منظور مشهود إلا بتربية أفراد المجتمع على تلك المعاني وعلى تلك القيم، وعلى تلك المبادئ التي نزلت من السماء، سواء في القرآن أو في السنة المطهَّرة، ويظلُّ ما في القرآن وما في السنة قِيَمًا نظرية حتى تُطبَّق في واقع الأرض، والسبيل إلى تطبيقها هو التربيةُ، وكان الجهد الأكبر الذي بذله الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكة أولاً ثم في المدينة بعد ذلك، هو جهد التربية مع الدعوة.

لم يكتفِ - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول للناس: إن الله يأمركم بكذا ويدعوكم إلى كذا، وإنما جاهد جهادَه الطويل في تربية فئة من الناس، تترجم هذه القِيَم وهذه المبادئ واقعًا عمليًّا مشهودًا[6]، وأودع في هذه الأمة تلك العقيدة؛ لأنه لا يكون للإسلامِ واقعٌ منظور ومشهود إلا بتربيةِ الناس على هذا الدين، وإلا بقي الأمر شريعةً نظرية بعيدة عن التطبيق، فالطريق الأكبر الذي سلكه الإسلام هو طريق التربية، وهدف التربية في إجمال هو إنشاء الإنسان الصالح[7].

مقوِّمات التربية الإسلامية:
1- التوحيد وثماره:
عقيدة التوحيد هي لب الإسلام، بل هي محورُ رسالات السماء، قال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، إله واحد، خالق كل شيء، ورب كل شيء، له الخلق والأمر، وإليه المصير، قال - تعالى -: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107]، هو وحدَه الجدير أن يُعبَد فلا يُجحَد، وأن يُشكَر فلا يُكفَر، وأن يُطاعَ فلا يُعصَى.

روى الشيخان البخاري ومسلم، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنتُ رَدِيفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: ((يا معاذُ بنَ جبل))، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: ((يا معاذُ))، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: ((يا معاذُ))، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: ((هل تدري ما حق الله على عباده؟))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حق الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا))، ثم سار ساعة، ثم قال: ((يا معاذُ بنَ جبل))، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، فقال: ((هل تدري ما حق العباد على الله - إذا فعلوه))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حق العباد على الله ألا يعذبهم)).

قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله، ألا يعذب مَن لا يشرك به شيئًا.

من لوازم التوحيد:
1- ألاَّ يتخذ الإنسان من دون الله، ربًّا يعظمه كما يعظم الله، قال - تعالى -: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 164].

2- ألا يتخذ الإنسان من دون الله وليًّا، يحبه كحب الله، قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].

3- ألا يتخذ الإنسان غير الله حكمًا، يطيعه كما يطيع الله. قال - تعالى -: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36].

من ثمار التوحيد:
1- أن التوحيد يُعِين على تكوين الشخصية المتَّزِنة التي وضحَت في الحياة ووجهتُها، وتوحَّدت غايتُها، وتحدَّد طريقُها، فليس لها إلا إلهٌ واحد تتَّجه إليه في الخلوة والجلوة، وتدعوه في السراء والضراء، وتعملُ على ما يرضيه في الصغيرة والكبيرة، ففي القرآن: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39].

2- أن التوحيد يملأ نفس صاحبه أمنًا وطمأنينة، فلا تستبدُّ بها المخاوف التي تتسلط على أهل الشرك، فقد سد الموحِّدُ منافذَ الخوف التي يفتحُها الناس على أنفسهم؛ الخوف على الرزق، والخوف على الأجل، والخوف على النفس، والخوف على الأهل والأولاد، والخوف من الإنس، والخوف من الجن، والخوف من الموت، والخوف مما بعد الموت.

أما المؤمن الصادق الموحِّد، فلا يخاف إلا الله، ولا يخشى إلا الله، ولهذا تراه آمنًا إذا خاف الناس، مطمئنًا إذا قلِق الناس، هادئًا إذا اضطرب الناس، قال - تعالى -: ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 81 - 82].

3- أن التوحيد مصدرٌ لقوة النفس؛ إذ يمنح التوحيدُ صاحبَه قوة نفسيةً هائلة؛ حيث تمتلئ نفسه من الرجاء بالله - تعالى - والثقة به، والتوكل عليه، والرضا بقضائه، والصبر على بلائه، والاستغناء به عن خلقه، فهو راسخ كالجبال، لا تزحزحه الحوادث، ولا تزعزعه الكوارث، قال - تعالى -: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].

ولقد قيل: ما تعلَّمت العبيدُ أفضل من التوحيد، وقيل أيضًا: نهايةُ العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى[8].

العبادة وأثرها:
وأما العبادة، فقد جعلها الله - تعالى - غاية الوجود الإنساني، فقال: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فهي ليست محصورةً في الشعائر التعبُّدية التي هي أركانُ الإسلام، بل إنها تشمَلُ جميعَ جوانب الحياة البشرية إذا ما التَزَم فيها المسلم بما شرَع الله - تعالى - فهي كما يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "اسم جامعٌ لكل ما يُحِبُّه الله ويرضاه من الخير والبر والطاعة، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، كالصلاة، والزكاة، والحج، والدعاء وتلاوة القرآن الكريم، والجهاد، والعمل الحلال، وطلب العلم، والذكر، والدعاء. ."[9]إلخ.

كل هذه الجوانب أبوابٌ وفصولٌ من كتاب العبادة الكبير، التي خلقنا الله - تعالى - لأجلها[10]، وأنها غاية الخضوع لأمره، وغاية محبَّته، فمن أطاعه ولم يحبَّه لا يكون عابدًا له، ومَن أحبَّه، ولم يخضَعْ له، لا يكون عابدًا له، فلا بد لهذه الطاعة الطوعية من معرفة يقينية تسبِقُها، كما أنه لا بد لهذه الطاعة الطوعية من سعادة حقيقة تفضي إليها، تلك السعادة التي خُلق الإنسان من أجلها[11].

العبادة هي الأداء الوحيد لتربية الضمير، أو هي السبب الوحيد لمكارم الأخلاق الأصلية التي تنبعُ من المصالح، ولا تتأثَّر بها، فالله - جل جلاله - أصل الخير والحق والجمال، والإنسان من خلال عبادته واتصاله بربه يشتقُّ من مكارم الأخلاق ما يتناسب مع حجم استقامته وعمله الصالح وإخلاصه وصدقه، فأشد البشر اتصالاً بربه أعلاهم خلقًا ومنزلةً، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الحجر: 92، 93].

صورة تفصيلية للشخصية المؤمنة:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 11].

انظر كيف جعل الله أوَّلَ أوصاف المؤمنين الخشوعَ في الصلاة وآخرَ أوصافِهم المحافظةَ عليها، وصفَهم بفعل الزكاة، وهي عبادةٌ مع الفضائل الخلقية الأخرى، وإعراضهم عن اللغو - عفتهم - حفظهم للأمانة - رعايتهم للعهد.

كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا.

وقال الفضيل بن عياض، في قوله - تعالى -: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾، قال: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي، ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لا يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لا يقبل"، والخالص ما ابتُغِي به وجه الله، والصواب ما وافق السنة، وجِماعُ الدين أصلان ألاَّ نعبُدَ إلا الله، وألا نعبده إلا بما شرع، فقد ورد في صحيح مسلم: ((مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد))، وفي رواية: ((ومَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[12]، فالله - وحده - هو المُشرِّع، والنبي - وحده - هو المُبلِّغ، ونحن المتَّبعون، وفي الاتباع الخير كله، قال - تعالى -: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، وفي أول خطبةٍ خطَبها سيدنا الصديق - رضي الله عنه - قال: "إنما أنا متَّبع ولست بمبتدع"[13].

القضاء والقدر وثماره:
الإيمان بالقضاء والقدر، من العقائد التي يجب أن تُعلَم بالضرورة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الإمام مسلم: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره))[14]، والقضاء تعلُّق علمِ الله وإرادته بإيجاد الأشياء على وجه مخصوص، والقدر إيجادُها فعلاً على هذا النحو[15].

وحينما يقوى توحيد الألوهية عند المسلم، فيعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئَه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمر كله يرجع إلى الله، فيذهب همُّه وحزنُه، وتقوَى عزيمتُه، ويطمئن إلى رحمة الله وحكمته وعدالته، قال - تعالى -: ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 213].

والمؤمن يجبُ أن يعتقد أن جميع أفعال العباد، وكل حادث في الكون، إنما هو بقضاء الله وقدره، ولكنَّ مشيئة الله شاءت أن يكونَ للإنسان مشيئة حرَّة، هي أساس التكليف والابتلاء، ومناط الثواب والعقاب، وبسببِها يكسب الإنسان الخير أو الشر، فيُثاب على الخير ويُعاقب على الشر، ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 286].

ثماره:
من ثمراتِ الإيمان الصحيح المتوازِن بالقضاء والقدر: الاستقامةُ على أمرِ الله، والعمل بما يرضيه؛ لأنه ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾ [هود: 123]، و﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2].

ومن ثمرات الإيمان الصحيح:
الشجاعة والإقدام، فقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرفون جُبنًا ولا إحجامًا، ففي آذانه دويُّ التوجيه الإلهي، قوله - تعالى -: ﴿ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

ومن ثمرات الإيمان الصحيح:
التحلي بالصبر الجميل، والرضا والتسليم، فعندما تنزل المصائب يذكر المؤمن عند الصدمة الأولى قولَه - تعالى -: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155، 156].

وهكذا نجدُ أن الإيمان بالقضاء والقدر ركنٌ خطير من أركان الإيمان، وهو من العقائد الأساسية التي يجب أن تُعلَم بالضرورة[16].

والتربية الإسلامية هي تنميةُ فكر الإنسان، وتنظيم سلوكه وعواطفه على أساس الدين الإسلامي، وبقصد تحقيق أهداف الإسلام في حياة الفرد والجماعة؛ أي في كل مجالات الحياة.

فالتربية الإسلامية على هذا عمليةٌ تتعلَّق قبل كلِّ شيءٍ بتهيئة عقلِ الإنسان وفكرِه وتصوُّراته عن الكون والحياة وعن دورِه وعَلاقتِه بهذه الدنيا، وعلى أي وجه ينتفعُ بهذا الكون وبهذه الدنيا، وعن غاية هذه الحياة المؤقتة التي يحياها الإنسان، والهدف الذي يجب أن يوجِّه مساعيَه إلى تحقيقه.

وقدم لنا العقائد التي يجب على الإنسان أن يؤمن بها، لكي تحرك في نفسه الأحاسيس والمشاعر، وتغرس العواطف الجديرة بأن تدفعه إلى السلوك الذي نظَّمت الشريعة له قواعدَه وضوابطه، السلوك التعبُّدي الذي يُحقِّق الهدف الذي خلق من أجله الإنسان، سواء أكان هذا السلوك فرديًّا أم جماعيًّا، فالجانب الإيماني الاعتقادي من الدينِ يُقدِّم لنا أساسًا راسخًا من العقيدة الثابتة والتصورات الواضحة والمترابطة، والأهداف النيِّرة، والحوافز الدافعة إلى السعي، الباعثة على بُعْد الأمل والتفاؤل والجد والوعي.

والجانب التشريعي يُقدِّم لنا قواعد وضوابط نقيم عليها سلوكنا وننظم بها عَلاقتنا، بل هو الذي يرسم لنا خطة حياتنا وسلوكنا.

والجانب التعبدي هو سلوك المسلم الذي يحقق به كل تلك التصورات والأهداف والضوابط والأوامر التشريعية.

وعملية التربية، هي تنمية شخصية الإنسان على أن تتمثَّل كل هذه الجوانب في انسجام وتكامل، تتوحَّد معه طاقات الإنسان، وتتضافر جهوده لتحقق هدفًا واحدًا تتفرَّع عنه وتعود إليه جميع الجهود والتصورات وضروب السلوك، ونبضات الوجدان[17].

إن هناك تلازمًا ضروريًّا حتميًا بين التَّديُّنِ الصحيح والخُلُقِ القويم، فقد حدَّد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الغاية الأولى مِن بعثته، والمنهج الأول لدعوته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما بُعِثت لأُتَمِّم صالح الأخلاق))[18]، فالهدف الأول لدعوته هو إرساء البناء الأخلاقي للفرد والمجتمع؛ لأن هذا البناء الأخلاقي ثمنُ سعادة الدنيا والآخرة، والمتتبِّع لنصوص القرآن الكريم ولنصوص السنة المطهرة الصحيحة، يجد ذلك التلازم الضروري بين التدين الصحيح والخلق القويم، وأعني بالتدين الصحيح الاتِّباع، قال - سبحانه -: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [القصص: 50].

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ما خطبنا نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له))[19].

الإيمان أساس الفضائل، ولجام الرذائل، وقوام الضمائر، وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الصحيحة أن أحسنَ الناس إسلامًا أحسنُهم خُلُقًا، وأن أكملهم إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وأن من أحبِّ عباد الله إلى الله أحسنهم خُلُقًا، وأن من أقربِ المؤمنين مجلسًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة أحسنهم خُلُقًا، وأن خير ما أُعطي الإنسان خُلقٌ حَسَن، وأن المؤمن لَيُدرِكُ بحسن خُلُقه درجةَ الصائم القائم، بل إن العبد ليبلغُ بحسن خلقه عظيمَ درجات الآخرة، والخلق الحَسَن يُذِيب الخطايا كما يُذِيب الماء الجليد، والخلق السيئ يُفسِد العمل كما يُفسِد الخلُّ العسل.

هذه سنته - صلى الله عليه وسلم- القولية، فماذا عن سنته العملية؟
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو النموذج الأسمى لاجتماعِ المبدأ والسلوك، وتطابق المعتقد مع القول، وتطابق القول مع العمل، فإن أعظم المسلمين منه قربًا - صلى الله عليه وسلم - أولئك الذين ضاقت المسافة بين سلوكهم ومبادئ الإسلام، وقيمه، وتشريعاته، وآدابه[20].


[1]المعجم الوسيط، مرجع سابق، مادة رب ص 39.

[2]مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، ط 3 دمشق: دار القلم، 1423هـ - 2002م ص 336.

[3]النحلاوي، عبدالرحمن: أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، ط 1، 1399هـ - 1979م، ص 12 - 13.

[4]يالجن، مقداد، التربية الإسلامية ودورها في مكافحة الجريمة، د. ط الرياض، مطابع الفرزدق، 1408هـ - 1987م، ص 32.

[5]النحلاوي، عبدالرحمن: أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، مرجع سابق، ص 17 - 18، ولمزيد من التفاصيل، راجع: تأملات في سورة العصر، النابلسي، محمد راتب، تأملات في الإسلام، مرجع سابق، ص 94 - 98.

[6]قطب، محمد، أثر التربية الإسلامية في مكافحة الجريمة، المملكة العربية السعودية وزارة الداخلية مركز أبحاث مكافحة الجريمة، سلسلة التشريع الجنائي الإسلامي " الكتاب الأول " ، 1405هـ - 1984م، ص 193 - 194.

[7]محمد قطب: التشريع الجنائي الإسلامي، الكتاب الأول، أثر التربية الإسلامي في مكافحة الجريمة، ص 194.

[8]النابلسي، تأملات في الإسلام، مرجع سابق، ص 88 - 93.

[9]العبودية بتقديم الشيخ عبدالرحمن الباني، ص 38.

[10]ضميرية، عثمان جمعه، أثر العقيدة الإسلامية في اختفاء الجريمة، دار الأندلس الخضراء، ط 1، 1421هـ - 2000م، ص 48.

[11]النابلسي، تأملات في الإسلام، مرجع سابق، ص 7.

[12] متفق عليه من حديث عائشة.

[13]النابلسي، تأملات في الإسلام، مرجع سابق، ص 28 - 29 - 30 - 34 - 35.

[14]رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

[15]تعلق القضاء بالعلم، وتعلق الإرادة بالقدرة والفعل.

[16]النابلسي، نظرات في الإسلام، مرجع سابق، ص 36 - 37 - 42.

[17]النحلاوي، عبدالرحمن، أصول التربية وأساليبها، مرجع سابق، ص 26 - 27.


[18]أخرجه الإمام أحمد 8939، والحاكم 2/670، والبيهقي في السنن الكبرى 10/192.

[19]أخرجه أحمد 12406.

[20]النابلسي، محمد راتب، ومضات في الإسلام، دمشق: دار المكتبي، ط 2، 1430هـ - 2009م، ص 169 - 170.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.44 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]