|
|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
أسلوب حياة من المنابع الصافية
أسلوب حياة من المنابع الصافية خالد الدرملي الحمدُ لله منزل الكتاب، ومُنشِئ السحاب، مُرسِل الماء بغير حساب، باعث الموتى بعد الغياب، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنَزَّل عليه صفوة المنابع والمهيمنُ عليها - كتاب الله - هو نبع المنابع، وأصفاها وأنقاها، وأجلُّها وأعلاها. تظهر على كلِّ واحدٍ منَّا علامات يُعرَف منها الأسلوب الذي يتَّبعه في منهج وطريقة حياته، سواء كانتْ هذه العلامات ظاهرية خارجية، أو باطنية داخلية. وهذه العلامات قد تكون في الشكل الخارجي؛ كنوع الملابس، أو طريقة الكلام، أو تربية اللحية، وقص الشارب إلى آخره، وقد تكون في الداخل؛ كالمعتقدات التي تنبثق منها بعض التصرفات والمعاملات، أو كالعادات والتقاليد التي تتكون منها الموروثات الثقافية المختلفة، ثم بناءً عليها تكون بعض التصرفات والمعاملات؛ ولذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)). والعَلاقة وثيقةٌ بين الشكل الخارجي والمعتقد الداخلي، أو العادات والتقاليد الموروثة. وإليك بعض الأمثلة؛ حتى نقفَ على حقيقة هذا الكلام، فمثلاً إذا نظرتَ إلى المرأة التي تلتزم بزيٍّ يسترُ العورة منها؛ فهذه المرأة ما فعلتْ ذلك إلا لسببين: إما أن تكون معتقدة أن هذا الالتزام هو أمر شرعي تنفِّذه، عن يقين بأن الله سوف يجزيها عليه، أو أنها تفعله عادة؛ لأنها كبرتْ في عائلة تلتزم بهذا الزي وفقط. وشتَّان بين الاثنتين؛ فالأُولَى تفعل ما تفعل عن اعتقاد شرعي ديني، سوف تُثاب عليه؛ فترى منها - بسبب هذا الاعتقاد - سلوكًا ومنهج حياة مختلفًا تماماً عن الثانية، ولا أريد أن أفصِّل كثيرًا في سلوك ومنهج حياة المرأة الثانية، فكلنا يعلم مدى البلوى التي ابتُليَت بها نساؤنا وبناتنا في هذا الموضوع، حتى إنهن أخرجن الزي عن مضمونه. [2] وفي نفس المثال السابق، ترى أن المرأة الأولَى هي نفسها على خطر عظيم؛ إذ إنها تعتقد اعتقادًا سليمًا، ولكنها إذا لم تمدَّ هذا الاعتقاد بمددٍ من النبع الصافي، وهو القرآن العظيم، ثم النبع المنبثق منه، وهو سُنة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حتى تستقيمَ جميع تصرفاتها ومعاملاتها؛ فيتوحد الشكل الخارجي مع المعتقد الداخلي، فإذا لم تفعلْ ذلك فإنها في هذه الحالة تكون قد اكتفتْ بالشكل الخارجي وفقط. ولا يخفى عليك أن المقارنةَ في المثال السابق كانتْ بين اثنتينِ تلتزمان بالشكل الخارجي. فأنا لم أتطرَّق - في المثال السابق - إلى المرأة التي لا تلتزمُ بالشكل الخارجي؛ لأنها في الأساس ليستْ لها وجود في حديثنا؛ إذ إنها أعلنتْ صراحةً عمَّا بداخلها، إما عادةً أو اعتقادًا؛ فإن كانتْ عادة، فهي ما زالتْ فيها خير، وسوف ترجع سريعًا، وإن كانت اعتقادًا، فهي ليستْ محل هذا الحديث. وإليك مثالاً آخر عن رجلٍ ترى شكله الخارجي من حيث اللحية فهي طويلة، والجلباب فهو قصير، والشارب فهو محلوق أو قصير، فهذا يعلن - بصراحة وعلانية شديدة؛ من حيث الشكل الخارجي - عن اعتقاد سليم، فإذا كان يمدُّ هذا الشكلَ الخارجي مددٌ من النبع الصافي والنبع المنبثق منه وهو سُنة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - فسوف ترى تصرفاتٍ ومعاملاتٍ من هذا الرجل تسعدُ لها وتفرح بها، وإذا كان فاقدًا لهذا المددِ، فسوف ترى تشددًا وتنطُّعًا في الدين، نَهَى عنه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -. والشكل الخارجي عند الرجل من حيث الملابس يختلف عنه عند المرأة؛ حيث إن الرجل ليس مطالبًا بنفس المطالب المطلوبة من المرأة في موضوع الزي؛ فعورة الرجل تختلف عن عورة المرأة. والشكل الخارجي عند الرجل؛ من حيث اللحية والشارب إذا كان شكلهما ليس على السنة، فليس بالضرورة يقدحان في صحة اعتقاده الداخلي، فقد يكون حالقًا للحية وغير مقصر للشارب، ولكن اعتقاده سليم؛ حيث إنه يعلم أنه مخالف لسنة، وليس مخالفًا لفرض، فإذا كانتْ تصرفاته وتعاملاته تأخذ من النبع الصافي والنبع المنبثق منه، فسوف ترى منه ما يسرُّك ويفرحك. [3] والأمثلة في ذلك كثيرة جدًّا، ولكن حتى لا نطيلَ على القارئ أَرَدْنا أن نبيِّن أن العادات، والتقاليد، والعرف، والموضة، وما شابه ذلك من أسماء - ليستْ منابع تأخذ منها، ولا حتى روافد للمنابع التي يجب أن تأخذ منها، ما هي إلا أسماء وفقط، قد أغرى بها الشيطان أتباعَه وأولياءه، وفي هذا يقول المولى - عز وجل -: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 23]. وقد يخلطُ الإنسان بين هذه المسمَّيات والشرع والدين، وحتى يكون على بيِّنة من أمره، ولا يختلط عليه الأمر، ويكون واضحًا له كوضوح الشمس؛ لا بدَّ أن يجعل لحياته أسلوبًا مميزًا، منهجًا يسير عليه، خطًّا مستقيمًا، أهدافًا كبرى، وأهدافًا صغرى تصل به إلى تحقيق هذه الأهداف الكبرى، سواء كانتْ هذه الأهداف دنيوية لتحقق له حياة سهلة يسيرة لينة، أو كانتْ أهدافًا أخرويَّة لتحقق له حياة أبدية سرمدية في الجنة لا تنتهي. وبالبحث والاستقراء، فلن تجد أفضل من أسلوب حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان يستمدُّ أسلوب حياته من النبع الصافي، وهو القرآن العظيم، الذي يقول المولى - عز وجل - فيه: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، ويقول - سبحانه -: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، ويقول أيضًا: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]، وعندما سُئِلت السيدة عائشة عن خُلُق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: "كان خُلُقه القرآنَ". [4] فانظرْ إلى هذا الحديث؛ لتعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جسَّد القرآن، فكان قرآنًا يمشي على الأرض، وما هذا إلا لأنه كان عندما ينزل الأمر في القرآن ينفذه فورًا. وأنا وأنتَ يجب علينا، ونحن نرسم أهدافَ حياتِنا، أن نستمدَّ خطوات تنفيذ هذه الأهداف من القرآن الكريم النبع الصافي، ثم إذا أَشكل علينا شيءٌ منه، ننظر في النبع المنبثق منه، وهو السنة المطهَّرة الصحيحة، التي وصلتْ إلينا بفضل الله، ثم جهود العلماء المخلصين. وذلك إنما يكونُ بداية في الاعتقاد الداخلي، فلا نعتقد إلا ما أمرَنا القرآن به، وكذلك نعتقد ونؤمن بسُننه التي لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، وفي هذا يقول المولى - عز وجل -: ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43]، وسوف يظهر هذا الاعتقاد على الشكل الخارجي ظهورًا ميسرًا لينًا، مبتسمًا ضاحكًا بشوشًا، فياضًا منبسطًا، ليس فيه انقباضٌ ولا تعنُّت، ولا عبوس ولا تنطُّع. وسوف ترى تصرفات ومعاملات على أفضل ما يكون؛ لأنها مقيَّدة بقيود النبع الصافي والنبعِ المنبثق منه، تسير على مرادهما، تخترق حواجز الشيطان، وتحطم قيود هواك، وتقتل غرور نفسك، وتُعلي سموَّ روحك، وتزيد إيمان قلبك. فاخترْ لنفسِك الأسلوب الذي يتوافق معهما، فإن كانت نفسًا طيبة مطيعة تحب الله ورسوله؛ فسوف تنهل من منابعهما الصافية، ولا تشبع أبدًا، وإن كانت غير ذلك - والعياذ بالله - فسوف تنهل من منابع غيرهما، وكل نبع غير منابعِهما ما هو إلا كالخمرِ تلعبُ برأسك لتلهو قليلاً، ثم تندم كثيرًا حيث لا ينفع ندمٌ ولا حسرة.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |