|
|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
إلا فهما
إلا فهما خالد يحيى محرق كان هذا جزءًا من جواب عليٍّ رضي الله عنه حين سُئل عن خصوصية الشريعة بآل البيت، فأقسَمَ بقوله: "والذي فلَقَ الحبَّة، وبرَأ النَّسَمَةَ، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهمًا يُعطى رجلٌ في كتابه..."؛ البخاري. فيما خلا كان الشريط الإسلامي مزدهرًا إلى حدِّ أنه صاغ مفاهيمَ جمةً لدى شريحة كبيرة من المجتمع. في عام ١٤١١هـ كنت حينها في الصف الثاني متوسِّط، وقد وقع في يدي شريط يتحدث عن محنة إمام السنَّة أبي عبدالله أحمد بن حنبل رحمه الله في فتنة خلق القرآن، لا أذكر مَن كان الشيخ المُحاضِر، حينها استقرَّت في نفسي أولى المفاهيم العقدية تجاه القرآن الكريم، وأنه كلام الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه. كبر هذا المعنى في نفسي مع الوقت، حتى كان يُداخلني ما بين فينة وأخرى أنه إذا كان القرآن كلام الله، وكلامه صفة من صفاته، فإنه يلزم منه أن يكون لا نهائيًّا في معانيه وأسراره؛ فصفات الله لا حدَّ لها، ولا طاقة للبشر بحَصرِها، وأنى للمخلوق استيعابُ خالقه؟! فالقرآن لا تنتهي المعارفُ التي وراء كلماته وآيِهِ، خصوصًا إذا كان فهمك مُنطلقًا من فهم غيرك من الصحابة والسلف، والمُستمد من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، المُحاط بوقائع التنزيل، والمُكتنف بقواعد العربية واستخداماتها. فما المانع أن يطرَأ فهمٌ جديدٌ ناتج بعدَ النظر للرِّواية والدراية تجاه الآية من كتاب الله، وكان يلحُّ عليَّ كثيرًا أن التفاسير التي بين أيدينا ما هي إلا جزءٌ طيِّب من الفهم في مسيرة المسلمين حيال كتاب الله عز قائله وتقدَّس، وأن هناك أجزاءً وأفهامًا تنتظر أن تُدلف في هذه المسيرة النورانية، من خلال أفهام فذة، ونفحات ربانية، حتى وقفت على قول أبي الحسن رضي الله عنه الآنفِ الذكر، فشَفى واشتفى. إنك حين تقرأ قطعةً من كلام أحدهم، عن الكون مثلًا، فإنك ستكون مُتسائلًا جدًّا إن وجدتَ في ثنايا النص حديثًا عن البَعوضة، أو تسميةً لبعض الجبال الموجودة في قرية ما، أو حدثًا يَروي خبر جماعة اقتتلت، ملزمًا إياه بمفهوم الوحدة الموضوعية للنص، واصفًا كلامه بأنه منفكُّ الجهات، وأنه بارد الصلات بين فقراته وانتقالاته، وفي الحقيقة فإن التداخلات الموضوعيَّة المختلفة في سياق نص واحد، هو فنٌّ حاضر في كتاب الله، لا يكاد يجيد صياغته ومحاكاته على المستوى البشري إلا القلَّة القليلة، وهو لفتة من الله لنا عند صياغة نصوصنا الكلامية، وأنه أسلوب له مزية في التأثير وصناعة الأفهام، ثم إعادة إنتاجها بحلة جديدة. كثيرًا ما كنتُ أسأل نفسي: ما الذي جاء بجبلي الصفا والمروة بعد قطعة نصيَّة تحدَّثت عن البلاء وشيء من نقص الأموال والأنفس؟ يقول ربنا: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ * إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 155 - 158]. أحسب أن الآيات المُتواليات المُتعاقبات لما قبلها مختارة اختيارًا مقصودًا، وأحسب أيضًا أنها فائقة الكمال والجمال من حيث الوحدة الموضوعيَّة، والبناء النصي البياني، حتى تذكَّرت قصة هاجر عليها السلام حين ابتُليَتْ بشيء مِن الخوف بسبب وحدتها في ذاك الوادي الذي خلا من الأنيس، ونقص ماؤها وتَمرها، وشارفتْ نفس ولدها أن تزهق، فوقفَت على الصفا والمروة جيئةً وذهابًا، بحثًا عن الماء، واستكملت سبعًا، ثم جاء الفرَج بعد ذلك، ثم لفَت انتباهي قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: ((تابِعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب..))، والسعي بين الصفا والمروة ركنان فيهما، فعجبتُ لمثْل هذه الإشارات، ولمثل هذا التكامُل والتوافق. والمقصود أن توالي الآيات مقصودٌ لذاته، والموفَّق من يستكثر من فهم الصِّلات بين الآي، فليستْ صلةً واحدة كما يظهر. وفي سورة الذاريات يقول الحق جل اسمه: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ﴾ [الذاريات: 15 - 25]. واليك إجمالًا لا حصرًا بعضَ المعاني الواردة في الآيات: ١- المتَّقون يدخلون الجنَّة. ٢- صلاتهم بالليل وطاعتهم. ٣- الصدقة من أموالهم، وفي نصوص أخرى: أن خيرها الصدقةُ على الأرحام. ٤- تسليم الملائكة على إبراهيم عليه السلام. ٥- رده السلامَ عليهم. ٦- إطعامهم وإن لم يأكلوا. قريب من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم في ترتيب عكسي باهر: ((أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخُلوا الجنة بسلام)). وإذا كان المحدَّث عمرُ رضي الله عنه قد وافق ربه في جملة من الآيات، فكيف بصاحب الوحي صلى الله عليه وآله وسلم القائل: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه))؟ فإن أعطيتَ ملَكةً في معرفة مظانِّ الحديث في القرآن، فالزَمِ الغرز، فنِعم ما أوتيت، وبالإجمال فالنظائر لمثل ذلك شتى في كتاب الله، والمهم أن التعاقُب بين الآيات مقصود، ولكن دعني أذهب بك بعيدًا، فإذا كان التعاقب بين الآي مقصودًا، فهل التعاقب بين الكلمات في الآية الواحدة أيضًا مقصود؟ وهل هو سائغ في الحروف أيضًا؟ اللهمَّ أعذنا من ابتغاء الفتنة في التأويل! آمنَّا بالله وبكلامه على مراده. رجاءات لا تُطلب إلا من الله: اللهمَّ اجعل من اللذات التي تَنتظرنا في جنَّتك كشفَ الحُجُب تجاه آياتك؛ فإنا نتوق للحكمة المخبوءة وراءها؛ حيث لا مكان للفهم الخاطئ في دار السلام.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |