مقاييس اختيار الأشعار في كتاب الحماسة الصغرى لعبدالله الطيب - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السيول والأمطار دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          مضى رمضان.. فلا تبطلوا أعمالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          فضل علم الحديث ورجاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الترهيب من قطيعة الرحم من السنة النبوية المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          لمحات في عقيدة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          عقيدة الشيعة فيك لم تتغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          شرح حديث: تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أدومه وإن قل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-09-2019, 06:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي مقاييس اختيار الأشعار في كتاب الحماسة الصغرى لعبدالله الطيب

مقاييس اختيار الأشعار في كتاب الحماسة الصغرى لعبدالله الطيب
محمد حماني



(مَقَالٌ مُهْدًى لِأُستاذي الشاعر، والناقد محمد بودويك)




ألف الناقدُ السودانِي "عبدُالله الطيب" المجْذُوبُ (ت: 1423 ه) كتاب (الحماسة الصغرى)؛ أُسْوَةً بالمجموعات الشعرية المصنفة في القرنين الهجريين: الثاني، والثالث، فمن أشهرها: (الأصمعيات)، و(المفضليات)، و(جمهرة أشعار العرب)، و(ديوان الهذليين)، و(حماسة) أبي تمام، و(حماسة) البحتري، و(حماسة) ابن الشجري، و(مختاراته).

وسمى "عبدالله الطيب" مختاراته ب (الحماسة)؛ حُبًّا في معارضة حماسة أبي تمام (ت: 231 ه) الشهيرة، ويُفهم أنه نعتها بـ(الصغرى) تواضعًا منه، وأنها لا ترتقي إلى (حماسة) أبي تمام؛ فإذا كان "أبو تمام" قد وسم حماسته بهذا الاسم؛ لأن الباب الأول من الكتاب هو (الحماسة) مثلما هو الحال عند "الخليل بن أحمد الفراهيدي" (ت: 175 ه) في (كتاب العين)؛ وقد أثبت "أبو تمام" في هذا الباب ما اختاره من أقوال القدماء في الشجاعة والإقدام، والحض على النزاع، وتحمُّل المكروه، والاستهانة بالموت، وإدراك الثأر، وما إلى ذلك من المعاني الحماسية، لكن "عبدالله الطيب" لم يضع حماسته بحسب المعاني الشعرية، وإنْ كان هنالك اختلافٌ كبيرٌ في المنهج بين الحماستين، فإن التأثر ب "أبي تمام" واضحٌ لدى "عبدالله الطيب" في كثير من صفحات الكتاب تلْميحًا، وتصْريحًا؛ فـ"عبدالله الطيب" عد (حماسة) أبي تمام ضمن مصادر الاخْتِيار، كما أنه تأثر بأفكاره النقدية في تأليف الحماسة، ولكنه لم يكن مقلدًا له تمام التقليد لاعتبارات عديدة؛ منها: اختلاف طبيعة المتلقي الذي وُجهت إليه الاختياراتُ الشعريةُ، واختلاف في زمن التأليف، وتباين في المقاييس، ولعل من دواعي اقتفاء أثر "أبي تمام" هو ما لقِيَتْهُ حماسته من الثناء والتقدير، والشرح والتفسير؛ حتى قال بعضُ المُعْجَبِين به: "أبو تمام في حماسته أشعر منه في شعره"، ثم إن "أبا تمام" من أوائل الذين صنفوا في المختارات بهذه الطريقة، فضلًا على أن "عبدالله الطيب" لم يكن ينظر إلى "أبي تمام" بوصْفه شاعرًا فقطْ، بل كان يعده ناقدًا له حذق ونباهة، وقد كتب عنه في مكان آخر باعتباره ناقدًا، وقد عزز ذلك بشواهدَ كثيرة؛ فقد تعمَّد الأديبُ "عبدالله الطيب" اختيار المقطوعات الشعرية؛ عوضًا عن القصائد الطوال؛ لأن سِن المتعلمين لا تساعد على التحليل النقدي المتكامل للقصيدة بحسب رأيه، وبالمقابل فالطالبُ يقوى على استحْسان القطعة الصغيرة واستهجانها، ولا يجد مشقة في حفظها، وكان "عبدالله الطيب" يضع عناوين للمقطوعات من عنده، وهي عناوين قصيرة دالة، وموحية فيها بلاغة الإيجاز، والهدف منها توجيه المتعلم، واختصار الطريق عليه لاستيعاب مضامين المقطوعة. ومصادرُ الاختيار كثيرة ومتعددة، فقد اعتمد على دواوين الشعراء، وكتب الشروح، وكتب الأدب، وكتب اللغة وغيرها، وكانت اختياراته من الشعر قديمه وحديثه، يقول: "ثم ختمنا بذرء من الشعر المعاصر ولم نذكر إلا ثلاثة [من شعراء] النهضة: البارودي وحافظًا وشوقيًّا، وقد قدمنا رأينا عنهم في مقدمة الاختيار الأول، ثم كهلين من الجيل الذي تلاهما: شامي وعراقي: إيليا والجواهري، ثم ثلاثة من الجيل الحديث الأخير أحدهما درج رحمه الله وهو الشابي التونسي، والآخران: الأمير عبدالله الفيصل من الجزيرة العربية، والأستاذ محمد المهدي مجذوب من السودان، ثم شاعرة من جيل النهضة النسائية هي الأستاذة نازك الملائكة"؛ (الحماسة الصغرى، ص/473)، وكلما استحضر اختيارًا شعريًّا ذكر مناسبته، ثم إنه كان يُرفق اختياراته بأسئلة متنوعة شاملة، وعلى درجة عالية من الدقة، غايتها تَمْهير الطلاب على المهارة النقدية، وحَفْزِهم على الاقتراب من جو القصائد بوعي نقدي مبكر، وأهم ما في الكتاب هو تلك المقدمات النقدية التي كان يمهِّد به الناقد اختياراته الشعرية، فهي تعكس الرؤية النقدية لدى "عبدالله الطيب"، وتصوره للشعر، والشعراء عبر العصور، ويقول "عبدالله الطيب" في تأليف الحماسة: "وقد جعلته قسمين وأسميته بالحماسة الصغرى، وسميت القسم الأول بالاختيار الأول، والثاني بالاختيار الثاني وراعيتُ ما استطعت سن الطلبة المراد لها كلا الاختيارين، فتجنبت في الاختيار الأول ما عسى أن يثور الجدل حول فحواه الأخلاقية؛ كأشعار أبي نواس ومعاصريه في الخمر والمجون، وكنقائض جريـر والأخطل والفرزدق المقذعات، واعتمدت أن أضع أمام الناشئ نماذج مختلفة من الأساليب.."؛ (الحماسة الصغرى، ص 10)).

واحتوى الاختيار الثاني على ثلاثمائة وثلاثة عشر اختيارًا شعريًّا (313)، وجاء متنوعًا وغنيًّا على المستوى العروضي والإيقاعي، بحيث كان ينوع بين البحور القصار، ويذهب "عبدالله الطيب" إلى أن الوزن وسيلة من وسائل التأثير البلاغي في نفوس السامعين؛ يقول: "الشعر الجاهلي كان ذروة البلاغة العربية القديمة، وكان الشاعر يعمِد إلى التأثير البلاغي في نفوس السامعين، مستعينًا بوسيلتين: الأولى النغم وهو وزن الشعر على الأساس العروضي، وأعاريض الشعر العربي تعتمد على ضربات منتظمة بخلاف كثير من أعاريض غيره من الأشعار التي ربما اعتمدت على مجانسة الألفاظ والحروف، أو على ضغط مقاطع بأعيانها من الكلمات.

وإذ الشعر العربي قد كان مبنيًّا في وزنه على ضربات، فإنه قد كان ضربة لازم يستعين بالتلحين لكيما يكون تأثيره كاملًا، ومتى أدركنا هذه الحقيقة وجدنا لزامًا علينا أن نقرأ الشعر الجاهلي بصوت جهير، وبلون من إنشاد؛ لنتمكن من التغلغل إلى بعض أسراره"؛ (الحماسة الصغرى، ص/14).

ولا بد لتذوق الشعر من إنشاده، فالإنشاد الشعري له مركزيته في معمار القصيد، وهو بمثابة إنشاء جديد للقصيدة، ومن هنا نجد "عبدالله الطيب" يشيد بأهمية الحفظ لارتباطه بالإنشاد، فهو يرى أن حفظ بعض المنتخبات من الأشعار تستقيم به ملكة الطلاب في العربية، وتتهذب أذواقهم؛ يقول: "وأحسَب أن استهجان رجال التربية الحديثة لتحفيظ النشء شتى النصوص تحفيظًا عن ظهر قلب من دون استيعاب لمعانيها على سلامته من حيث المبدأ - قد جرَّ على تعليم اللغة العربية في عصرنا هذا مشكلاتٍ عدة من حيث تطبيقه؛ إذ قد انصرف رجال التعليم انصرافًا كأنه تام عن التحفيظ كله، وقد نرى البنين والبنات في بلاد الفرنجة يحفظون القطع الطوال في التمثيليات المدرسية المختصرة من الفحول من قدمائهم، وفي دروس الإلقاء ومبارياته، وما يُجرَى هذا الْمُجرى، ومن أجل هذا تكون مادتهم في لغاتهم غزيرة، ويجدون قدوات صالحة من الأساليب الجياد، فيحتذونها بعد النضج، ويزيدون عليها بالتحسين والتوليد، والحق أن رجال التربية إنما يعيبون التحفيظ البحت، ولكنهم لا يعيبون التحفيظ الذي يصحبه نشاط تربوي كثير جوانب الفائدة، بل ذلك مما يدعون إليه"؛ الحماسة الصغرى، ص 9)).

ولعل الجانب التربوي هو الموجه الأول لتأليف الحماسة؛ لأنه رأى أن الحاجة ماسة إلى مثل هذه المختارات التي تُبنى على أساس تعليمي محض، وأن كثيرًا من كتب المنتخبات التي تعلم الطلاب الفصاحة، قد اختفت ولم تعدْ متداولة، من قبيل (المنتخب من أدب العرب)؛ لأحمد أمين، وجماعته. وكان "عبدالله الطيب" يرى في هذه المختارات الشعرية أنموذجَ الأدب العربي الذي ينبغي أن يتلقاه الطلاب في المدارس الثانوية، والرجلُ كان له إسهام كبير في وضع عدد من المناهج التعليمية في السودان. ويمكن أن نستقطر أهم المقاييس التي لجأ إليها الناقد "عبدالله الطيب" في تأليف كتاب (الحماسة الصغرى) في ما يلي:
مقياس الجودة؛ مما يدل على أن "عبدالله الطيب" كان يحكم عيار الجودة أنه تحاشى تضمين حماسته بعْضًا من أشعاره، بالرغم من أنه شاعرٌ كبيرٌ، وَشَأْوُهُ عَالٍ في الحركة الشعرية السودانية في الثلث الأخير من القرن الفائت؛ إذْ له ستة دواوين، وهي: (أصداء النيل)، و(أغاني الأصيل)، و(اللواء الظافر)، و(بانات رامة)، و(سِقْط الزند الجديد)، و(برق المدد بعدد وبلا عدد)، وهو شاعر كلاسي ينظم شعره على طريقة القدماء، إلا أن له قصائد شعرية على غير أوزان الخليل، من ذلك قصيدته (الكأس التي تحطمت) كتبها سنة (1946م)، قبل أن تظهر قصيدة (الكوليرا)، للشاعرة العراقية "نازك الملائكة" (ت: 1428 هـ) سنة (1947م)، و(هل كان حبًّا)، لـ "بدر شاكر السياب" (ت: 1383 هـ)، وقيل: إنه اتصل عليه أحدُ النقاد ليثْبت في أطروحته أن "عبدالله الطيب" كانت له الريادة في ذلك، لكنه رفض هذا الأمر، وترفع عنه، وعد ذلك ليس مهمًّا، وتجنَّب الدخول في نَعَرَاتٍ، وعصبيات، والقصيدة مذكورة في مقدمة ديوان (نحن والرَّدى)، للشاعر السوداني "صلاح أحمد إبراهيم"، ويبدو أنه اقتفى أثر "أبي تمام" في هذا الأمر؛ يقول: "وقد رأيت ألا أختار من نظمي شيئًا؛ لأن الناقد حين يختار يحكم مقاييس النقد؛ من اعتماد للجودة، إلى حرص على التنويع، إلى غير ذلك من وجوه القياس، ولكن الناظم إنما ينظم بهواه وشهوته، وقد وجدت أن أبا تمام قد اختار من أشعار قوم قريبين من عصره، ولعله رآهم ولكنه لم يختر مما نظمه هو شيئًا، وأبو تمام أستاذ الشعراء المحدثين جميعًا من حيث المنهج، وبه يقتدي ونحن نقف حيث وقف ولا نتجاوز ذلك؛ إذ لو أمكن لمثله أن يزل في الاختيار مما ينظمه، فنحن إلى الزلل أقرب"؛ (الحماسة الصغرى/12)، وقد اختار "عبدالله الطيب" مقطوعتين من أشعار والده تكريمًا له.


مقياس الذوق:
لا يختلف اثنان في أن "الذوق" مهم في المجالات كلها، ليس فقط في مجالـيْ: "الشعر"، و"النثر"، فالذوق منهج حياة نتربى عليه ونربي عليه، فمن لا ذوق له لا نقد له، ولا شعره له أيْضًا، فالشعراء هم أكثر الناس ذوقًا وحسًّا وشُعُورًا، وهم أحق الناس باختيار الأشعار وتمييزها وفَرْكِهَا، فالشاعر ناقد والناقد شاعر، فهناك من دخل للنقد من باب الشعر، وهنالك من دخل للشعر من باب النقد، وخيرهم من جمع بين "الشعر"، و"النقد"، فالاختيار نقد والنقد اختيار، ولا يمكن بطبيعة الحـال للناقد المُجيد أن ينتقد كل ما يتلقَّفه من أعمال شعرية، فالناقد يختار بذوقه النصوصَ والمقطوعات التي تستحق القراءة والنقد، والذوق كما هو معروف عند أغلب النقاد يشغل المرحلة الأولى من العملية النقدية، واختيار الكلام أصعب من تأليفه؛ كما قال "ابن عبد ربه" الأندلسي في (العقد الفريد) فالذوق بلاغة والبلاغة ذوق؛ يقول ابنُ خلدون: "اعلم أن لفظة الذوق يتداولها المعتنون بفنون البيان، ومعناها حصول ملكة البلاغة للسان.. وهذه الملكة إنما تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع، والتفطن لخواص تراكيبه، وليست تحصل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك التي استنبطها أهل صناعة اللسان، فإن هذه القوانين إنما تفيد علمًا بذلك اللسان، ولا تفيد حصول الملكة بالفعل في محله".


ولست بحاجة إلى استقصاء كل النصوص التي أشادت بأهمية الذوق في اختيار الأشعار ونقدها، وإنما أحب أن أسوق هنا كلامًا جميلًا عن "الذوق" للكاتب المغربي "أحمد بوزفور"؛ يقول فيه: "الذوق الأدبي كالطفل نربيه ونعلمه ونغذيه، ونفسحه ونرعاه يوميًّا، وهذا الطفل العزيز هو الذي نقرأ به النصوص، بدونه لا نعرف شيئًا مما نقرأ؛ لكن هذا الذوق في الحقيقة هو جماع ما قرأنا من النصوص الأدبية، وثمرة من ثمراته، وكلما كانت هذه النصوص كلاسيكية ونموذجية وممتعة، أرهفت الذوق وأكسبته الخبرة والقدرة والتلقائية على التمييز، والذاكرة الصفر من النصوص لا ذوق لها مطلقًا".


هذا وإن "عبدالله الطيب" يحفظ شعرًا كثيرًا من أشعار العرب، وهو شاعر وناقد، وكل هذه الأشياء أهلته لاختيار الأشعار المفيدة للطلاب.


مقياس التقديم والتأخير:
لقد نحا "عبدالله الطيب" في اختيار بعض المقطوعات الشعرية نحو تقديم ما كان مؤخرًا، وتأخير ما كان مقدمًا في المقطوعة الأصلية التي ضمنها في حماسته، والغرض من ذلك تعليمي بحت؛ لأن هذه المختارات الشعرية هي موجهة بالأساس إلى تلاميذ الثانويات وطلاب الجامعات، و"عبدالله الطيب" شاعر سُوداني بارعٌ كما أسلفْنا يشهد له بذلك معاصروه، فكان يحكم موهبته الشعرية في إعادة ترتيب أبيات المقطوعة الواحدة بحسب ما يراه مصيبًا، وكما أحس به، ومن هذا الأمر ما وقع في قطعة المتنبي (149)؛ حيث عدل عن الأصل، فأخَّر مطلعها عن أبيات هي في أواسط القصيدة المأخوذة منها هذه القطعة، وقد أسعفه هذا الانزياح من توضيح مراده من الاختيار، والناقد على وعي تام بهذه المسألة، ويظهر من كلامه أنه تأثر بشكل مباشر بمنهج "أبي تمام" في تأليفه للحماسة؛ يقول "عبدالله الطيب": "من الأدباء من يرى ضرورة التزام ترتيب الأصل، بل ضرورة الاحتفاظ به كاملًا؛ إذ في الحذف وتغيير الترتيب ونحوه على زعمهم إفساد للوحدة، ولا نريد أن نناقش هؤلاء وأضرابهم في معنى الوحدة وحقيقتها، ولكننا نقول: إننا نأخذ بالمبادئ والقيم التي سلَّم بها الدارسون، وعملوا في ضوئها منذ أقدم العصور، وذلك أن القطعة الجيدة كلها أمر يتفق وليس ضربة لازب، والغالب أن يقع في القطعة الواحدة الجيد والمتوسط والضعيف، والاختيار هو الوسيلة الحسنى لاستصفاء الجيد...".

هذا إذا أخذنا بالمبدأ التربوي وحده دون الجمال، وصاحب هذا الاختيار مدرس، وفي ضوء مبادئ التدريس يعمل، فعسى هذا أن يكون عذرًا مقبولًا لدى، أصحاب الوحدة ونحوها، ولصاحب الاختيار قدوة صالحة في أبي تمام والمبرد والله المستعان"؛ (الحماسة الصغرى، هامش الصفحة476 ).

وقد ختم "عبدالله الطيب" حماسته بتذييل تحدث فيه عن المسرح الشعري، واستحضر أنموذجين مسرحيين شعريين على سبيل "الاستشهاد" لا "الاختيار"، فالأول للمصري "أحمد شوقي"، والثاني للتونسي "محمود المسعدي"؛ أما من حيثُ نقدُ الشعر والشعراء في (الحماسة الصغرى)، فقد رأى الناقدُ السوداني أن مذهب الأخطل وذي الرمة في غرض الغزل، كان مذهبًا تقليديًّا شكَّل استمرارًا لطريقة الجاهليين في النسيب.

ومما أثار انتباهي في (الحماسة الصغرى) هو أن "عبدالله الطيب" كان يذكر الشاعر العباسي الكبير "المتنبي" بـ"أبي الطيب" بكنيته لا بلقبه، وكأنه يدفع عنه التهمة التي أُلصِقت به، وهو بدون شك يقتدي بقول الشاعر:
أُكْنِيْهِ حِيْنَ أُنَادِيْهِ لِأُكْرِمَهُ *** وَلاَ أُلَقبُهُ وَالسوْءَةُ اللقَبُ

ويقول عنه في (الحماسة الصغرى، ص/153154): "كان الشعر في عصره مثقلًا بزخارف البديع، فحاول الرجعة إلى بداوة القدماء، وأعانه على ذلك طبع حاد، ومزاج عنيف، وذهن واقد، وقد وفق أبو الطيب إلى مدى بعيد من إحياء الرصانة القديمة وإعادة الحرارة والقوة إلى أساليب الشعر، بعد أن كادت الحرارة تذهب بها"، وقد ألَّف "عبدالله الطيب" عنه كتابًا رائعًا في إنصافه عنوانه "مع أبي الطيب"، وختمه بقصيدة عمودية طويلة وَسَمَهَا بـ"الغيث المنهمر" أهداها له، ويقول في حقه ومدافعًا عن القصيدة المادحة: "العصر الحاضر ربما خَس بقدر زهير وأبي الطيب؛ لأنهما من شعراء المديح، وخاصة المتنبي لتكَسبِه بذلك تكسبًا، واختلافه بين الممدوحين، وجَوبِه الأرضَ من أجل هذا الغرض، ولعله مما أفسد على الناس رأيهم في الحكم على شعر المَدْحِ عامة وشعراء المديح قاطبة، حسبانُهم أنه من التسول وأن أصحابه متسولون، وهذا خطأ؛ إذِ الشعرُ ديوان العرب، كما أن الإذاعة والتلفزيون والصحافة وشتى طرق الإعلام والدعاية، هُنَّ ديوان مجتمعنا الحاضر، والمدح والهجاء كانا من أساليب الإعلام والدعاية كما هما في هذا العصر"؛ (مع أبي الطيب، ص 5).

وأحب أن أدونَ هُنَا رأيًا نقديًّا لطه حسين (ت: 1393 هـ) قاله في كتاب (المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها)، لـ"عبدالله الطيب"، فبالرغم من أنه قِيل في (المرشد)، فإن فيه شيئًا مِما ينطبق على كتاب (الحماسة الصغرى): "والمؤلف لا يكتفي بهذا، ولكنه يدخل بينك وبين ما تقرأ من الشعر، دخول الأديب الناقد الذي يحكم ذوقه الخاص، فيرضيك غالبًا، ويغيظك أحيانًا، ويثير في نفسك الشك أحيانًا أخرى، وهو كذلك يملك عليك أمرَك كله منذ أن تأخذ في قراءة الكتاب إلى أن تفرغ من هذه القراءة، فأنت متنبه لما تقرأ تنبهًا لا يعرض له الفتور في أي لحظة من لحظات القراءة، وحسبك بها تذوقًا وإتقانًا"؛ (المرشد، ص9).


فالحماسة الصغرى تحفةٌ نادرةٌ، وكنزٌ ثمينٌ، وقد اجتهد "عبدالله الطيب" اجتهادًا محْمودًا في اختيار أشعار هذا الكتاب، فقدم بذلك عملًا جيدًا أسْهَم به في سد فراغٍ في المكتبة المدرسية والجامعية، و(الحماسة) تختلف عن (الديوان)؛ فالديوانُ ضيق الأفق، اختصاصي الموضوع، يفيدنا أكثر ما يفيدنا في دراسة شاعر بذاته، أما الحماسة فهي أوسع أفقًا لتنوع موضوعاتها، وتعدُّد شعرائها، وهي تعكس ذوق مؤلفها، فهي قطعة من فؤاده وعقله.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.86 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]