#1
|
||||
|
||||
الفاعل النحوي والمعنى اللغوي
الفاعل النحوي والمعنى اللغوي الدكتور مصطفى أحمد النماس نعرف أن الفاعل هو الذي قام به الفعل أو وقع منه، والمفعول به هو الذي وقع عليه الفعل. ومعروف كذلك الفرق بين الفاعل والمفعول به من الناحية اللفظية لدى النحاة فالفاعل مرفوع والمفعول به منصوب، وهذا الفرق اللفظي يستتبع عندهم فرقا اصطلاحيا في معنى كل جملة فمثلا إذا قلت: "تحرك الشجر" لفظة الشجر تعرب فاعلا نحويا لكن هذا الإعراب لا يتفق مع المعنى اللغوي الواقعي لكلمة (فاعل) وهو من أوجد الفعل حقيقة وباشر بنفسه إبرازه في الوجـود، لأن (الشجر) لم يفعـل شـيئا إذ لا دخـل لـه في إيجاد هذا التحـرك وجعله حقيقة واقعة بعد أن لم تكن، وبالاختصار ليس لكلمة (الشجر) عمل إيجابي مطلقا في إحداث التحرك وكل علاقته بالفعل أنه استجاب له فقامت الحركة به ولابسته من غير أن يكون له دخل في إيجاد الحركة، فأين الفاعل الحقيقي الذي أوجد التحرك وكان السبب الحقيقي في إبرازه للوجود، بالطبع ليس في الجملة ما يدل عليه، أو على شيء ينوب منابه. لكنك إذا قلت حرك الهواء الشجرة تغير الأمر وظهر الفاعل الحقيقي المنشئ للتحرك الذي وقع أثره على المفعول به. وما قيل في (تحرك الشجر) يقال في (تمزقت الورقة) فإعراب الورقة فاعلاً نحوياً لا يوافق المعنى اللغوي لكلمة (فاعل) ولا يوافق الأمر الواقع، لأن الورقة في الحقيقة لم تفعل شيئاً فلم تمزق نفسها ولا دخل لها في تمزقها ولم تحدث التمزق ولكنها تأثرت بالتمزق حين أصابها، فأين الفاعل الحقيقي الذي أوجد التمزق لا النحوي؟ لا وجود له في الجملة ولا دليل يدل عليه، لكن إذا قلت مزق الطفل الورقة ظهر الفاعل الحقيقي واتضح من أوجد الفعل بمعناه اللغوي الدقيق. ومن خلال ما سبق يتضح أن الفاعل النحوي أحيانا لا يكون هو الفاعل الحقيقي وإنما هو المتأثر بالفعل وليس في الجملة ما يدل على الفاعل الحقيقي أو ما ينوب منابه، وليس فيها تغيير لصورة الفعل يرشد إلى أن ذلك على سبيل النيابة عن الفاعل. فالأفعال التي وردت على صورة المبني للمجهول ما بعدها فاعل نحوي في الرأي الشائع الذي ورد صريحا في كثير من المراجع كالقاموس المحيط في مقدمة (مسألة) وإن لم يتفق على المعنى اللغوي الواقعي لكننا [1] نقول بفاعليته لأنه تأثر بالفعل وما فيه من حدث وإن كان في الواقع ونفس الأمر واقعا عليه خاصة أن بعض الأفعال الثلاثية الحدث فيها ليس من أفعال الآدميين ولا يتضح إسنادها إلا إذا أدخلت عليها همزة التعدية ولو أردت نسبتها إلى اللّه تعالى لكانت على (أفعل). والثلاثي الذي ورد على صورة المبني للمجهول يدل على الأداء. رأي ابن الحاجب المتوفى سنة 646هـ[2] : وقد قال في شرح الكافية ما يؤيد هذا: جاء في كلامهم بعض الأفعال على ما لم يسم فاعله ولم يستعمل منه المبني للفاعل والأغلب في ذلك الأدواء، ولم يستعمل فاعلها لأنه من المعلوم في غالب العادة أنه هو اللّه تعالى فحذف للعلم به وتلك الأفعال نحو: جن، وسلّ، وزكم، وورد، وحم، ووعك، قال سيبويه [3] : "لو أردت نسبتها إليه تعالى لكان على أفعل نحو أجنة اللّه، [4] وأسله اللّه، وأورده أي فعل به ذلك، وذلك لأن فعل المذكور لم يأت منه (فعلته) ولعل ذلك لأنه لما لم يأت من فعل المذكور كجنّ وسلّ (فعلته) صار كألم، ووجع وعمى ونحو ذلك من الآلام التي بابها فعل (المكسور العين) فصار يعدى إلى المنصوب كما يعدى باب (فعل) وذلك بالنقل إلى (أفعل) المتعدي.." انتهى كلام الكافية. رأي ابن سيده المتوفى سنة 458هـ [5]: وقبل ابن الحاجب بمائتي سنة تقريبا نجد ابن سيده يقرر بأن هذه الأفعال منها ما لا يستعمل إلا على تلك الصيغة كعنيت بحاجتك، ومنها ما تكون عليه هذه الصيغة أغلب كزهيت علينا، فإن ابن السكيت حكى (زهوت) وابن سيده يقرر في المخصص نفسه[6] (باب ما جاء (فعل) منه على غير أفعلت) وذلك نحو جنّ وسلّّّ، وورد، (ومعنى ورد حم) وكذلك رعد ومرعود ومورد (ومحموم بمعنى واحد، وقالوا على هذا مجنون ومسلول ومحموم ومورود، وإنما جاءت هذه الحروف على (جننت) و (سللت) وإن لم يستعمل في الكلام ثم قال: وقال بعضهم رجل محبوب وكان حقه أن يقال في فعله (حببته) فهو محبوب كما يقال: وددته فهو مودود، والمستعمل (أحببته) وقد قال بعضهم (حببته) قال الشاعر وهو غيلان ابن شجاع النهشلي[7]: ولا كان أدنى من عبيد ومشرق فواللّه لولا تمره ما حببته وقد ذكر أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في الكامل [8] أن أبا جار العطاردي قرأ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه..} وذكر أن فيه شيئين من المخالفة: أحدهما: أنه فتح الياء من (يحبكم)، والآخر أنه أدغم وذكر غير سيبويه أن هذه الأشياء[9] التي ليست من أفعال الآدميين وقد جاءت على مفعول وفعله مما لم يسم فاعله إذا نسبت الفعل إلى اللّه عز وجل كان على (أفعل) نحو أجنه اللّه وأسله وأزكم وأورده، أي فعل اللّه به ذلك، ومما أورده غير سيبويه من هذا النحو: محزون، ومزكوم، ومكزوز، ومقرور. قال أبو عبيد: وإنما ذلك لأنهم يقولون في هذا كله: قد (فعل) ثم بني مفعول على هذا، قال ولا يقولون حزنه الأمر ويقولون (يحزن) وهذا خلف من نقله وإنما أوردته للتحذير من اعتقاده، وقد قدمت من كلام سيبويه ما دل على ذلك، (وحزنه) مقولة كثيرة (أبو عبيد) وكل هذا يقال فيه: مفعول ولا يقال (مفعل) إلا حرف واحد وهو قول عنترة: مني بمنزله المحب المكرم ولقد نزلت فلا تظني غيره وقال: أزعقه فهو مزعوق على هذا القياس حكاها عن الأموي.. وقال غيره: زعقته بغير ألف فانزعق أي فزع فإذا كان هذا فمزعوق على القياس وأنشد: لا مبطئا ولا عنيفا زاعقا تعلّمن أن عليك سائقا لبّا[10] بإعجاز المطي لاحقا ثم قال وقال الفراء: "برّ حجّك" فهو مبرور فإذا قالوا: "أبر اللّه حجك" قالوا بالألف فهو مبرور وقالوا: المبروز من أبرزت وأنشد: الناطق المبروز والمختوم أو مذهب جدد على الواحنَ وقالوا: المضعوف من أضعف قال لبيد: جمان ومرجان يشد المفاصلا وعالين مضعوفا ودرا سموطه ومن هذا الباب [11] أمرضه اللّه فهو من المرض، أرضه من الأرض وهو الزكام، وأملاه من الملاءة، وأضأده من الضؤده وكله الزكام وكل هذا يقال فيه مفعول ولا يقال (مفعل) وكذلك مهموم من أهمه اللّه تعالى. رأي ابن جني المتوفى سنة392هـ : قال في الخصائص[12]: وعلة ما جاء من أفعلته فهو مفعول نحو: أجنه فهو مجنون، وأسله فهو مسلول وبابه أنهم إنما جاءوا به على (فعل) نحو: جن فهو مجنون، وزكم فهو مزكوم، وسل فهو مسلول وكذلك بقيته، فإن قيل لك من بعد: وما بال هذا خالف فيه الفعل مسنداً إلى الفاعل صورته مسند إلى المفعول، وعادة الاستعمال غير هذا وهو أن يجيء الضربان معاً في عدة واحدة نحو: ضربته وضرب، وأكرمته وأكرم، وكذلك مفاد هذا الباب. قيل إن العرب لما قوي في نفسها أمر المفعول حتى كاد يلحق عندها برتبة الفاعل وحتى قال سيبويه[13] فيهما: "وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم" خصوا المفعول إذا أسند الفعل إليه بضربين من الصنعة، أحدهما تغيير صورة المثال المسند إلى المفعول عن صورته مسند إلى الفاعل والعدة واحدة وذلك نحو: ضرب زيد وضرب، وقتل وقتل، وأكرم وأكرم، وحرج ودحرج. والآخر أنهم لم يرضوا ولم يقتنعوا بهذا القدر من التغيير حتى تجاوزوه إلى أن غيروا عدة الحروف مع ضم أوله كما غيروا في الأول الصورة والصيغة وحدها وذلك نحو قولهم: (أحببته وحب) أزكمه وزكم وأضأده وضئد، وأملأه اللّه ومليء. قال أبو علي[14]: فهذا يدلك على تمكن المفعول عندهم وتقدم حاله في أنفسهم إذ أفردوه بأن صاغوا الفعل له صيغة مخالفة لصيغته وهو للفاعل، وهذا ضرب من تدريج اللغة عندهم[15]، ألا ترى أنهم لما غيروا الصيغة والعدة واحدة في نحو: ضرب، وضرب، وشتم وشتم تدرجوا من ذلك إلى أن غيروا الصيغة مع نقصان العدة نحو: أزكم وزكم وأرضه، وأرض. هذا الموضع هو الذي دعا أبا العباس أحمد بن يحي في كتاب فصيحه أن أفرد له بابا فقال هذا باب (فعل) بضم الفاء نحو قولك عنيت بحاجتك وبقية الباب. إنما غرضه فيه إيراد الأفعال المسندة إلى المفعول ولا تسند إلى الفاعل في اللغة الفصيحة، ألا تراهم يقولون: "نخى زيد" من النخوة ولا يقال: نخاه كذا، ويقولون امتـقع لونه، ولا يقولون امتقعه ويقولون: انقطع الرجل ولا انقطع به هكذا فلهذا جاء بهذا الباب أي ليريك أفعالا خصت بالإسناد إلى المفعول دون الفاعل كما خصمت أفعال بالإسناد إلى الفاعل دون المفعول، نحو قام زيد وقعد جعفر وذهب محمد، وأنطلق بشر، ولو كان غرضه أن يريك صورة ما لم يسم فاعله مجملا غير مفصل على ما ذكرنا لأورد فيه نحو: ضرب وركب، وطلب، وقتل، وأكل، وسمل، وأكرم، وأحسن إليه، واستقصى عليه، وهذا يكاد يكون إلى ما لا نهاية له، فاعرف هذا الغرض فإنه أشرف من حفظ مائة ورقة لغة... انتهى. رأي ابن درستويه المتوفى سنة 347هـ [16] : وسبق أن تعرضت لرأي ابن درستويه في هذا المقام حيث يقول:"عامة أهل اللغة يزعمون أن هذا الباب لا يكون إلا مضموم الأول، ولم يقولوا: إنه إذا سمي فاعله جاز بغير ضم، وهذا غلط منهم، لأن هذه الأفعال كلها مفتوحة الأوائل في الماضي، فإذا لم يسم فاعلها فهي كلها مضمومة الأوائل ولم نخص بذلك بعضها دون بعض وقد بينا ذلك بعلته وقياسه فيجوز: عنيت بأمرك وعناني أمرك، وشغلت بأمرك وشغلني أمرك، وشدهت بأمرك وشدهني أمرك". ولا شك أن ما بعد هذه الأفعال مسند إليها على الفاعلية، سواء أكان الفعل فاعلا في الواقع وِنفس الأمر، أم كان المتأثر بالفعل وليس في الجملة ما يدل على الفاعل كالحال مع بعض الأساليب التي يكون الفعل فيها مسندا حقيقة إلى الله، ويجئ بعدها الاسم المتأثر بالفعل نظرا لعدم وجود الفاعل الحقيقي خاصة بعض الأفعال جاءت على سمت مخصوص وهو ضم الفاء في غالب استعمالها فيظن بعضهم أنها مبنية للمجهول وملازمة لهذا الشكل نظرا لغلبة استعمال العرب لهذا الشكل ولا يجوز القياس على ما قل وهو ورود الكلمة على ضبط آخركفتح الفاء مثلاً في الفعل الذي ألزم بعضهم ضم أوله يقول ابن جني:[17]. "وإن كانت إحدى اللفظتين أكثر في كلامه من صاحبتها، فأخلق الحالين به في ذلك أن تكون القليلة في الاستعمال هي المفادة، والكثيرة هي الأولى الأصلية، نعم، وقد يمكن في هذا أن تكون القليلة منهما إنما قلت في استعماله لضعفها في نفسه، وشذوذها عند قياسه، وإن كانتا جميعا لغتين له ولقبيلته وذلك أن من مذهبهم أن يستعملوا من اللغة مـا غيره أقوى في القياس منه". أو أن ذلك ليس لغة ولكنه صنعة في التدريج وذلك أن يشبه شيء شيئا من موضع فيمضى حكمه على حكم الأول، ثم يرقى منه إلى غيره فلما وجدوا أن الفعل بضم الفاء أجروه مجرى المبني للمجهول، ثم تدرجوا فجعلوه ملازماً للبناء للمجهول حقيقة... ولكن هذا كما يقول ابن درستويه وابن برى وكثير من المحققين لا يخرجه عن جواز استعمال حالته الأولى.. يقول ابن جني:[18] "وهذا باب مطرد متقاود وقد كنت ذكرت طرفا منه في كتابي (شرح تصريف أبي عثمان) غير أن الطريق ما ذكرت لك فكل ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم ولهذا قال من قال في العجاج ورؤبة: أنهما قاسا اللغة وتصرفا فيها وأقدما على ما لم يؤت به قبلهما، وقد كان الفرزدق يلغز بالأبيات، ويأمر بإلقائها على ابن اسحق"[19]. رأي ابن برّى المتوفى سنة 582هـ: من المحققين الذين أدلوا برأيهم في هذا الموضوع العلامة ابن برّى وقد أنكر ما وضعه ثعلب في فصيحه من الأفعال الملازمة للبناء للمجهول وقد وضح هذا من خلال انتصاره للعلامة الحريري مما نسبه إليه ابن الخشاب ولقد خطأ الزجاج المتوفى سنة 310 هـ ثعلبا في فصيحه وتعقبه باعتراضات عشرة بينما كتاب الفصيح كله عشرون ورقة وقد ذكرت هذه الاعتراضات في معجم الأدباء ترجمة الزجاج، كما ذكرت أيضاً في الأشباه والنظائر للسيوطي الفن السابع، وكذلك المزهر النوع التاسع معرفة الفصيـح حتى إن ثعلبا كاد ينكر نسبة الفصيح إليه، ولقد تعصب ابن خالويه لأنه كوفي النزعة فرد على اعتراضات الزجاج وردوده مبسوطة في الأشباه والنظائر الفن السابع جـ 4. ثمرة الخلاف والبحث: الملحوظ أن بعض الأساليب في اللغة العربية له علاقة عند صوغه بالفعل المبني للمعلوم، فمثلاً أسلوب التعجب لا يصاغ على ما أفعله وأفعل به إلا من الفعل المبني للمعلوم، وأسلوب التفضيل يشترط لتأديته معنى المفاضلة بدون واسطة أن يكون فعله مبنيا للمعلوم.. فإذا كان الفعل مبنياً للمجهول لا يصاغ أسلوب التعجب وأسلوب التفضيل إلا بواسطة ويذكر بعدها مصدر الفعل الذي كان مبنياً للمجهول. أما الأفعال التي عرفناها قبل وبوب لها اللغويون أنها ملازمة للمجهول سماعاً فهذه الملازمة فيها الخلاف المذكور عن العلماء سابقاً، فعلى رأي أبي العباس ثعلب ومن معه أن هذه الأفعال ملازمة للبناء للمجهول ولا يتعجب منها مباشرة بل يتعجب منها بالواسطة، وكذلك يصاغ أسلوب التفضيل منها بالواسطة... وترتب على هذا طرح كثير من أساليب التعجب وأساليب التفضيل من هذا النوع لأنه بدون واسطة فيكون شاذاً لا يقاس عليه فلا يصح أن تقول على مذهب بعضهم ما أزهى كذا ولا يصح أن تقول: هو أزهى من ديك... وفي هذا تضييق على اللغة العربية. والتحقيق أن هذه الأفعال المعروفة ببنائها للمجهول دائماً ليست كغيرها من بقية الأفعال الأخرى فهي تبنى حيناً للمعلوم وتارة أخرى تبنى للمجهول على حسب مقتضيات المعنى ودواعي الاستعمال الصحيح.. وبناء على ذلك أنه يجوز أن يصاغ من مصادر الأفعال مباشرة من غير وسيط (صيغتا التعجب) القياسي وهذه الصياغة قياسية وليست بشاذة ولا مخالفة فيها وكذلك يصاغ من مصادر تلك الأفعال مباشرة من غير واسطة (أفعل التفضيل) وفوق هذا يؤيد فريق من النحاة ومنهم ابن مالك صياغة التعجب من مصدر تلك الأفعال على فرض أنها ملازمة البناء للمجهول أما الأفعال الأخرى التي ليست ملازمة البناء للمجهول فلا يصح التعجب المباشر منها اتفاقا إذا كانت مبنية للمجهول عند الصياغة للتعجب أو التفضيل. ويكون قولهم: هو أزهى من ديك، وقولهم: ما أزهى كذا، وقولهم: ما أعني فلانا بحاجتك، وهو أعنى بحاجتك من الأساليب القياسية التي يصح أن تحذو حذو فعلها وتنسج على منوالها دون شذوذ كما استعمله سيبويه. إليك آراء العلماء: رأي ابن الحاجب[20]: قال في مبحث أفعل التفضيل: "وقياسه للفاعل يعني يقاس لتفضيل الفاعل على غيره في الفعل كأضرب أي ضارب أكثر ضرباً من سائر الضاربين ولا يقال أضرب بمعنى مضروب أكثر مضروبية من سائر المضروبين وإنما كان القياس في الفاعل دون المفعول لأنهم لو جعلوه مشتركا بين الفاعل والمفعول لكثر الاشتباه لا طراده وأما سائر الألفاظ المشتركة فاغتفر فيها الاشتباه لقلتها لكونها سماعية وأرادوا جعله في أحدهما أظهر دون الآخر فجعلوه في الفاعل قياساً لكونه أكثر من المفعول إذ لا مفعول إلا وله فاعل في الأغلب ولا ينعكس وإنما قلنا في الأغلب احترازاً من نحو مجنون ومبهوت فلو جعلوه حقيقة في المفعول لبقي اسم الفاعل مع أنه أكثر عريا عما يطلب فيه من معنى التفضيل إلا بالقرينة لعدم اللفظ الدال عليه حقيقة وقد استعملوه في المفعول أيضاً على غير قياس نحو أغدر، وأشهر، وألوم، وأشغل أي أكثر معذورية، ومشهورية، وملومية، ومشغولية ومنه أعنى في قول سيبويه وهم بشأنه أعنى". وقال في مبحث التعجب: "ولا يبنى فعل التعجب من المبني للمفعول لما مر في أفعل التفضيل ويجوز تعليل اقتناع مجيئهما للمفعول بكونهما مأخوذين من فعل المضموم العين كما ذكرنا وهو لازم وربما بني من المبني للمفعول إذا أمن التباسه بالفاعل نحو ما أجنه وما أشهره، وما أمقته إلى وما أعجبه إلى، وما أشهاه إلى فيتعدى كما ذكرنا في أفعل التفضيل إلى ما هو فاعل في المعنى بإلى أو بعند نحو أحظى عندي وذلك إذا تضمن معنى الحب والبغض. قال سيبويه: جميع ذلك مبني على فعل وإن لم يستعمل فكأن أبغضه وأعجبه وأمقته من بغض وعجب ومقت وإن لم يستعمل وأشهاه من شهو كما يقال نعمت اليد يده وقياس التعجب من المبني للمفعول أن يكون الفعل المبني له صلة لما المصدرية القائم مقام المتعجب منه بعد". وقد يتعين أن يرفع أفعل التفضيل نائب الفاعل وذلك بقرينة تحتاج إلى توضيح فالمعروف أن أفعل التفضيل إذا كان مصدر فعل متعد بنفسه دال على الحب أو البغض أو بمعناها فإٍن تعدى باللام كانت اللام ومجرورها مفعولاً به في المعنى لا في الاصطلاح النحوي نحو المؤمن أحب للدين من الغربي وأبغض للخروج على أحكامه، فالتقدير يحب المؤمن الدين ويبغض الخروج على أحكامه، وإذا تعدى بإلى كانت إلى ومجرورها فاعلاً معنوياً لا نحوياً وما قبل أفعل هو المفعول المعنوي لا النحوي نحو العلم أحب إلى النابغ من متع الحياة فالتقدير يحب النابغ العلم أكثر من متع الحياة، وقد يرفع أفعل التفضيل الفاعل الظاهر كما في قولك: ما رأيت رجلا أكمل في وجهه الإشراق منه في وجه العابد المخلص. فالإشراق فاعل لأفعل التفضيل والتقدير ما رأيت رجلاً يكمل في وجهه الإشراق فحيث صح إقامة الفعل مقامه صح أن يرفع الفاعل. فإن كان أفعل التفضيل الرافع للظاهر من مادة الحب أو البغض تعين أن يكون مرفوعه نائب فاعل كما في قول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: "ما من أيام أحب إلى الله منها الصوم منه في عشر ذي الحجة"، وفي رواية أخرى من "أيام العشر"، فالصوم مرفوع نائب فاعل أحب لأنه بمعنى محبوب من حب الثلاثي ففيه شذوذ لبنائه من المجهول إلا عند من جوزه مع أمن اللبس وانظر حاشية الخضري جـ 2 ص 52 هـ ومثله ما ورد في الأشموني: لا يكن غيرك أحب إليه الخير منك إليه فالخير نائب فاعل، فالقرينة هنا أن أفعل من مادة الحب أو البغض قد تعدي بإلى وهي ومجرورها فاعل في المعنى فالمرفوع بعده يكون نائب فاعل قال في شرح الكافية ج 2 ص 220. "وإن كان الفعل يفهم منه الحب أو البغض تعدى إلى ما هو فاعل في المعنى أي المحب أو المبغض بإلى نحو هو أحب إلى وأشهر إلى، وأعجب إلى وهو أبغض إليك، وأمقت إليك، وأكره إليك لأن أفعالها تتعدد إلى المحب والمبغض بإلى أيضاً كقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ} وهذه كلها بمعنى المفعول كأحمد وأشهر وأجن وقد مر أنه غير قياس" . رأي يس العيمي والشيخ خالد الأزهري: قال وفي التصريح[21] "وبعضهم يستثني من الفعل المبني للمفعول ما كان ملازماً لصيغة (فعل) بضم أوله وكسر ثانيه نحو: عنيت بحاجتك، وزهى علينا بمعنى تكبر، فيجيز التعجب منه لعدم اللبس فتقول: ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا وجرى على ذلك ابن مالك وولده بناء على أن علة المنع خوف الالتباس، وأما من جعل عدة المنع التشبيه بأفعال الخلق بجامع أن كلا منها لا كسب للمفعول فيه فينبغي أن لا سيتثنى شيئاً ويؤول ما ورد من ذلك على أن التعجب فيه من فعل مفعول في معنى فعل فاعل لم ينطق به". قال السيوطي في الأشباه والنظائر[22] قال في البسيط: "قياس التفضيل في أفعل أن يكون على الفاعل نحو: زيد فاضل وعمرو أفضل منه، لا على نحو خالد وبكر أفضل منه لأنهم لو فضلوا على الفاعل والمفعول لالتبس التفضيل على الفاعل بالتفضيل على المفعول فلما كان يفضي إلى اللبس كان التفضيل على الفاعل أولى لأنه كالجزء من الفعل والمفضول فضله فكان التفضيل على ما هو فالجزء أولى من التفضيل على الفضلة". وقال في التصريح مبحث التفضيل[23]: وسمع بناؤه من فعل المفعول كهو أزهى من ديك بنوه من زهى بمعنى تكبر قال في الصحاح: لا تتكلم العرب به لا مبنياً للمفعول وإن كان بمعنى الفاعل، وحكى ابن دريد زها يزهو أي تكبر، فعلى ما حكاه ابن دريد لا شذوذ فيه لأنه من المبني للفاعل، وقال الصبان[24] مثل ذلك: وسمع هو أشغل من ذات النحيين بنوه من شغل بالبناء للمفعول وسمع هو أعنى بحاجتك بنوه من عنى بالبناء للمفعول وسمع فيه عنى كرضى بالبناء للفاعل فعلى هذا لا شذوذ فيه. وقد علق الصبان على هذا بقوله: "إنما كان مصوغا من المبني للمفعول لأن المراد أنها أكثر مشغولية لا أنها أكثر شغلا لغيرها وإنما كان يصاغ من المبني للفاعل إذا ناسب المقام، ومن مجيء فعله مبنيا للفاعل: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} فما ذكره الناظم من أن شغل مما لزم البناء غير مسلم، انتهى تعليق الصبان على المثل.." وقال الأشموني[25]: "وبعضهم يستثني ما كان ملازما لصيغة فعل نحو عنيت بحاجتك، وزهى علينا فيجيز ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا" وقال في مبحث التفضيل: "وسمع صوغه من فعل المفعول كهو أزهى من ديك، وأشغل من ذات النحيين". وبالبحث في كتب اللغة وجدت أساليب كثيرة تصحح لنا أن نتوسع فيما ضيقوا حتى تنتهي إلى قياسية كثيرة مما اعتبروه شاذا ففي الأمثال الميداني وأمثال القالي وشرح الألفية والتسهيل، فقد سمع عنهم أنهم قالوا: أجن من دقة [26] (من أجن)، أزهى من ديك[27] وأشغل من ذات النحيين [28], وأشهر من الحمر[29]. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: الفاعل النحوي والمعنى اللغوي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |