تذكير الأمة الإسلامية بمنزلة السنة النبوية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4413 - عددالزوار : 850999 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3944 - عددالزوار : 386988 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 225 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28455 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60077 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 848 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-12-2022, 01:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي تذكير الأمة الإسلامية بمنزلة السنة النبوية

تذكير الأمة الإسلامية بمنزلة السنة النبوية
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

عناصر الخطبة:
العنصر الأول: التعريف بالسُّنَّة ومكانتها.
العنصر الثاني: تعظيم السلف للسنة النبوية.
العنصر الثالث: موقف سلف الأمة ممن عارض السُّنَّة.
العنصر الرابع: احذروا دعاة الضلالة.

نص الخطبة:
الحمد لله الذي رضِيَ لنا الإسلام دينًا، وأرسل إلينا رسولًا أمينًا، وأنزل إلينا نورًا مبينًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، فهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به أعينًا عُمْيًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلفًا، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد أيها المسلمون عباد الله:
فإن للسنة النبوية الشريفة مكانةً عالية كبرى، ومنزلة سامية عظمى؛ إذ هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي؛ فأحكامنا الشرعية التي أُمرنا أن نعمل بها إنما نستقيها من وحي ربنا؛ الذي يشمل القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة.

ومما يدل على أن السُّنَّة وحي من الله قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، وقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ [البقرة: 231].

وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [آل عمران: 164].

قال الإمام الشافعي: "فذكر الله الكتابَ؛ وهو القرآن، وذكر الحكمةَ، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله، والله أعلم".

وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 34].

قال غير واحد من العلماء: "منهم يحيى بن أبي كثير، وقتادة، والشافعي وغيرهم: الحكمة: هي السُّنَّة؛ لأن الله سبحانه أمر أزواج نبيه أن يذكرن ما يُتلى في بيوتهن من الكتاب والحكمة؛ والكتاب: القرآن، وما سوى ذلك مما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلوه: هو السُّنَّة".

وعن المقدام بن معد يكرب الكندي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه))؛ [صحيح الجامع].

وعن حسان بن عطية قال: "كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله بالقرآن والسُّنَّة، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن".

أيها المسلمون، وليس المقصود بالسُّنَّة هنا الأمور المندوبة المستحبة التي تقابل الواجبة، بل المقصود بالسُّنَّة هنا طريقة الرسول وسيرته ومنهجه في العقيدة والعبادة؛ قوليةً كانت أو عمليةً، واجبةً كانت أو مندوبةً.

إذ إن السُّنَّة في اللغة: هي السيرة والطريقة؛ قال ابن رجب: "السُّنَّة هي الطريق المسلوك؛ فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه صلى الله عليه وسلم هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السُّنَّة الكاملة، ورُوي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفضيل بن عياض"؛ [جامع العلوم والحكم].

والسُّنَّة في الاصطلاح: عرَّفها علماء الحديث: بأنها "كل ما أُثِرَ عن النبي من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خُلُقية أو خِلْقِية أو سيرة، سواءً أكان ذلك قبل البعثة - كتحنثه في غار حراء - أم بعدها".

أما تعريف السُّنَّة عند علماء الأصول: فقد عرفها الآمدي بأنها: "تطلق على ما صدر عن الرسول من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلوٍّ، ولا هو معجِزٍ، ولا داخل في المعجز".

كما عرفها غيره بأنها: "كل ما صدر عن النبي غير القرآن الكريم، من قول، أو فعل، أو تقرير، مما يصلح أن يكون دليلًا لحكم شرعي".

والسُّنَّة في اصطلاح الفقهاء: "هي كل ما ثبت عن النبي، ولم يكن من باب الفرض ولا الواجب".

وفي القرون الأولى: أُطلقت السُّنَّة على الشريعة كلها، وأطلقت على العقيدة عند أهل السُّنَّة والجماعة بعد ظهور الفرق المبتدعة، وقد أُلفت الكتب باسم السُّنَّة لبيان أصول الدين ومسائل الاعتقاد، وساد هذا الاصطلاح في القرن الثالث الهجري.

لذا عرَّف علماء العقيدة السُّنَّة بأن المراد بها: "الهدي الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، علمًا واعتقادًا، وقولًا وعملًا، هو السُّنَّة التي يجب اتباعها، ويُحمد أهلها، ويُذم من خالفها".

ولكن هل يختلف مفهوم السُّنَّة عن مفهوم الحديث؟ وَرَدَ التفريق بين السُّنَّة والحديث عند بعض المتقدمين في القرن الثاني الهجري، واستقر الأمر على المساواة بين السُّنَّة والحديث في المعني بعد كتابة علم مصطلح الحديث.

وذكر أهل العلم أن سنة النبي قد تأتي مُفسِّرة للقرآن: تُبيِّن مُجْمَلَه، وتُقيِّد مُطْلَقَه، وتُخصِّص عامَّه، وتُفصِّل أحكامه، وتُوضِّح مشكله، فمن الفرائض والأحكام ما جاء في القرآن مجملة نصوصه، كالصلاة والزكاة، والحج، فلم يذكر في القرآن هيئاتها ولا تفاصيلها، فبيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته الفعلية والقولية؛ فبيَّن في الصلاة عددها وكيفياتها وجميع ما يتعلق بها، وفي الزكاة أنواع ما تجب فيه من الأموال، ومقدار الواجب فيها وما يتصل بذلك، وفي الحج أفعاله ومناسكه.

ومن الأحكام ما جاء النص فيه مطلقًا؛ مثل قوله تعالى في آية المواريث من سورة النساء: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [النساء: 11]، فقيَّدتِ السُّنَّة مطلق الوصية بأن جعلتها وصية لغير وارث؛ وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا وصية لوارث)).

ومن الأحكام ما جاء النص فيه عامًّا فخصصته السُّنَّة؛ مثل قوله تعالى في سورة النساء: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ [النساء: 24]، بعد بيانه المحرمات، فخصصته السُّنَّة بأن أخرجت من عمومه نكاح المرأة على عمتها وخالتها.

كما أخرجت منه ما حرُم نكاحه بسبب الرضاع، ممن لم يُذكر في الآية قبله؛ وهو ما تناوله قوله صلى الله عليه وسلم: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)).

كما فصَّلت السُّنَّة كثيرًا مما حرمه الله بمقتضى نصوص القرآن العامة؛ مثل قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]، وغير ذلك من بيانها وتفصيلها للأحكام الشرعية.

الأمر باتباع السُّنَّة النبوية:
أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، قد أمرنا الله في آيات كثيرة باتباع سنة المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام والعمل بها؛ ومن الأدلة التي تبين وجوب العمل بالسُّنَّة ما يأتي: أن الله أمرنا بوجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أمره بذلك على أوضاع مختلفة، وبأساليب متعددة، وبدلالات عديدة، وثَّقت هذا الأمر، وأكَّدت هذا الوجوب، وعزَّزت هذا الطلب، فجاء أمره صريحًا في كثير من الآيات في مثل قوله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأنفال: 46]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].

كذلك جاء أمره بذلك مقرونًا ببيان عاقبته مثل قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].

وجعل جل وعلا علامة طاعته واتباعه ومحبته هي اتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فقال جل وعلا: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ﴾ [آل عمران: 31] ما الدليل؟ ﴿ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31].

وروى القاضي عياض في "الشفا"، عن الحسن البصري: ((أن أقوامًا قالوا: يا رسول الله، إنا نحب الله؛ فأنزل الله: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ﴾ [آل عمران: 31]؛ الآية))؛ قال الحسن: "كان علامة حبه إياهم اتباع سنة رسول الله"؛ [رواه اللالكائي والطبري].

وقال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]؛ قال محمد بن علي الترمذي: "الأسوة في الرسول: الاقتداء به، والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قول أو فعل"، قال القاضي عياض: "وقال غير واحد من المفسرين بمعناه".

وجعل الله اتباع السُّنَّة سبيلًا للفوز برحمته التي وسعت كل شيء، وسبيلًا للفلاح؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158].

وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

وحذَّر تبارك وتعالى من مخالفة طريقة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته ومنهجه؛ فقال: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]؛ قال ابن كثير: "أي: يخالفون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو سبيله، ومنهاجه، وطريقته، وسنته، وشريعته، فتُوزَن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِل، وما خالفه فهو مردود على قائله، كائنًا من كان".

وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

وقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

قال ابن كثير في تفسيره: "يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحدٌ حتى يُحكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا قال: ﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]؛ أي: إذا حكَّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليمًا كليًّا من غير ممانعة، ولا مدافعة، ولا منازعة".

مسألة وجوابها:
وقد يسأل سائل، فيقول: كيف نحكِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا، والتحكيم يقتضي الوجود؟ وكيف نطيعه وننقاد له، وقد مات صلى الله عليه وسلم؟

وجواب ذلك، أن المراد هو الاحتكام والانقياد إلى أقواله وأفعاله وتقريراته، والتي ثبتت، وحفِظها عنه علماء الأمة، فكانت مثار إعجاب كل الأمم، ومحطَّ تقدير كل العلماء من المسلمين وغير المسلمين، فإذا كان الله قد قضى على نبيه بالموت كسائر الخلق، فإنه قد ضمِن حفظ سنته وشريعته من أقواله وأفعاله؛ إذ هي جزء لا يتجزأ من الدين، وحفظ الدين منوطٌ بحفظها؛ فالطاعة والانقياد – إذًا - هي لأقواله وما ثبت عنه.

والآيات الكريمات تحمل بشرى حفظ السُّنَّة؛ إذ لا معنى لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره إلا بحفظ هذا الأمر؛ وهي السُّنَّة، ومن ثَمَّ كان أمر الله للمؤمنين في كل زمان ومكان بطاعة رسوله وتحكيمه والانقياد لأمره دلالةً قاطعةً على حفظ الله لسنته.

وعن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ((وَعَظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وجِلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظةُ مُودِّعٍ فأوصِنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ، فإنه من يعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدَثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة))؛ [رواه أبو داود، والترمذي]، نعم، إنها الموعظة النبوية، والوصية المحمدية، لنجاة الأمة، وكشف سُبُل الغمة، بالتمسك بأنوار السُّنَّة.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع، فقال: ((قد يئس الشيطان بأن يُعبَد بأرضكم ولكنه رضِيَ أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقِرون من أعمالكم؛ فاحذروا، يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم)).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أَبَى، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))؛ [رواه البخاري].

تعظيم السلف للسنة النبوية:
أيها المسلمون: وقد كان السلف لرسول الله محبين طائعين، وكانت سنته وقوله وهديه مقدمًا عندهم على كل شيء؛ فكلام النبي هو الأول لا يُقدَّم عليه كلام أحد من البشر كائنًا من كان، واسمعوا - رعاكم الله - إلى هذه الشواهد:
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: "لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ".

وقد عقَّب ابن بطة على كلمة الصِّدِّيق تلك فقال: "هذا الصديق الأكبر يتخوف على نفسه من الزيغ إن هو خالف شيئًا من أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وأوامره، ويتباهون بمخالفته، ويسخرون بسنته؟ نسأل الله عصمةً من الزلل، ونجاةً من سوء العمل"؛ [الإبانة الكبرى].

وعند البخاري من حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلَّى اثنتي عشرة ركعةً في يوم وليلة، بُنيَ له بهن بيت في الجنة))؛ تعني: السنن الرواتب؛ وهما ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، قالت أم حبيبة: "فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة، وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة، وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس".

وفي حديث علي رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه يومًا في بيته وهو مع فاطمة بنت رسول الله قال: فجلس بيننا على الفراش، ثم حدَّثهم صلى الله عليه وسلم بأن يقولا قبل أن يناما: سبحان الله، ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله، ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر، أربعًا وثلاثين، قال علي رضي الله عنه: فوالله، ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله، قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين))؛ ومعلوم أن ليلة صفين ليلة دارت فيها معركة، كان علي رضي الله عنه قائدًا فيها، ومع ذلك لم ينشغل عن هذه السُّنَّة.

وكان ابن عمر رضي الله عنه يصلي على الجنازة، ثم ينصرف، ولا يتبعها ظانًّا أن هذا هو كمال السُّنَّة، ولم يعلم بالفضل الوارد في اتباعها حتى تُدفَن، فلما بلغه حديث: ((من صلى على الجنازة، فله قيراط، ومن تبِعها حتى تُدفَن، فله قيراطان))، ندِم على فوات السُّنَّة، وقال: "لا إله إلا الله، كم ضيعنا من قراريط!"، يندم على فوات سنة كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها.

وعند البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كنت أبيت في المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر التفت إلى أصحابه وقال: هل رأى أحد منكم رؤيا؟! قال: فيحدثه من شاء الله أن يحدثه، قال: فرأيت في المنام أن رجلين قد أتياني فانطلقا بي حتى وقفا بي على النار، وإذا هي كالبئر المطوية، وإذا فيها أقوام قد عرفتهم، قال: وإذا لها قرنان، قال: ففزعت، وأخذت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، قال: فمرَّ بنا مَلَكٌ ثالث قال: لن تُراعَ، إنك لست من أهلها، استيقظ عبدالله بن عمر، وحاول أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر فلم يستطع، فذهب إلى أخته حفصة وقص عليها الرؤيا، فلما عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى حفصة أخبرته أن عبدالله بن عمر رأى كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل عبدالله، لو كان يصلي من الليل، فلما جاء عبدالله بن عمر إلى أخته حفصة، وحدثته بقوله صلى الله عليه وسلم، قال: فما تركت صلاة الليل بعدها أبدًا؛ فكان بعدُ ما ينام من الليل إلا قليلًا)).

وهذا الإمام أحمد رحمه الله في كتابه المسند فوق أربعين ألف حديث، عمل بها كلها، فقال: "ما تركت حديثًا إلا عملت به".

ولما قرأ: أن النبي احتجم، وأعطى أبا طيبة الحجام دينارًا، قال: "احتجمت، وأعطيت الحجام دينارًا"، والدينار: أربعة غرامات وربع من الذهب، لكن لأجل تطبيق السُّنَّة بذلها الإمام أحمد رحمه الله تعالى، والنماذج في هذا الصدد كثيرة؛ نسأل الله أن يجعلنا من أتباع سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا ممن يهتدون بهديه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد أيها المسلمون:
فالتصديق بالسُّنَّة إنما هو ركن أصيل من أركان الدين، فليست المسألة مسألة أحكام وتشريعات، أو أوامر ونواهٍ، وإنما القضية أخطر من ذلك بكثير؛ إذ هي قضية عقيدة في المقام الأول، وإن مما أخبر عنه الصادق المصدوق أنه سيأتي من بعده أقوام يردُّون أحاديثه ويطعنون فيها، وما أشد هَلَكَة من كان على هذا المسلك الوعر، والواجب على كل مسلم أن يحذر ممن يردون أحاديث رسول الله الثابتة؛ قال الإمام أحمد: ((من ردَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو على شفا هلكة)).

وقد كان السلف يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله برأيٍ أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنًا من كان، ويهجرون فاعل ذلك.

فعن عطاء بن يسار أن رجلًا باع كسرة من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: ((سمعت رسول الله يقول ينهى عن مثل هذا إلا مثلًا بمثل))، فقال الرجل: ما أرى بمثل هذا بأسًا، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من فلان؟ أحدثه عن رسول الله ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها.

وعن أبي المخارق قال: ذكر عبادة بن الصامت: ((أن النبي نهى عن درهمين بدرهم))، فقال فلان: ما أرى بهذا بأسًا، يدًا بيد، فقال عبادة: أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول: لا أرى به بأسًا؟ والله لا يظلني وإياك سقف أبدًا؛ [صحيح سنن ابن ماجه، الألباني].

وعند البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مغفل: أنه مر برجل يخذف؛ يعني: يأخذ حصاة، ويجعلها عند أصبعه السبابة، ثم يضغطها على اليد الأخرى ويضرب بها، فقال له: تخذف؟! لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الخذف، ويقول: ((إنه لا يصيد صيدًا، ولا ينكأ عدوًا؛ ولكنه يكسر السن، ويفقأ العين))، فلا تفعل؛ فأنت بهذا تخالف النبي، لا تفعل، قال: ثم مر به بعد وقت فرآه يخذف، فقال: سبحان الله، أحدثك أن رسول الله ينهى عن الخذف فتعود إليه؟! والله لا أكلمك أبدًا، وهجره؛ لأنه مخالف لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز هجران من خالف السُّنَّة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث؛ فإنه يتعلق بمن هجر لحظِّ نفسه".

وأخرج مسلم في صحيحه عن سالم بن عبدالله بن عمر: ((أن أباه عبدالله بن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها، قال: فقال بلال بن عبدالله: والله لنمنعهن، قال: فأقبل عليه عبدالله فسبَّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله وتقول: والله لنمنعهن)).

وهذا عمران بن حصين كان في رهط وفيهم بشير بن كعب فحدَّث عمران يومئذٍ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحياء خير كله، قال: أو قال: الحياء كله خير))، فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارًا لله، ومنه ضعفًا، فغضب عمران حتى احمرت عيناه، وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله وتعارض فيه، فأعاد عمران الحديث، فأعاد بشير، فغضب عمران؛ قال أبو السوار العدوي: فما زلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد، إنه لا بأس به؛ [رواه البخاري ومسلم]، وعن سفيان بن عيينة قال: ((سمعت مالك بن أنس، وقد أتاه رجل، فقال: يا أبا عبدالله، من أين أُحرِم؟ قال: من ذي الحُلَيفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد، فقال: لا تفعل، قال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل؛ فإني أخشى عليك الفتنة، قال: وأي فتنة في هذا؟ إنما هي أميال أزيدها، قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إني سمعت الله يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]))؛ [أحكام القرآن لابن العربي].

وأخيرًا يا عبدالله، قف معي بخيالك، وطُفْ معي بفكرك، هل وددت أنك لقيت سيدك وحبيبك صلى الله عليه وسلم؟ هل تمنيت رؤيته والسلام عليه وتقبيل يده وجبينه؟

هل بلغ بك الشوق أن بكيت لهفة لصحبته، وأن تفديه بنفسك ومالك وعيالك؟

إن كنت كذلك، فمن رام محبته، واشتاق لرؤيته، وتلهف في الجنة لصحبته، فليلزم غَرْزَهُ،؛باتباع سنته، واقتفاء أثره؛ قال الله: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

أسأل الله جل في علاه أن يجعلنا من أتباع سنة سيدنا وقدوتنا وإمامنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأسأل الله تعالى أن يسقينا من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا، وأن يجعلنا يوم القيامة ممن تنالهم شفاعته عليه الصلاة والسلام، اللهم آمين، وأقم الصلاة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.34 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]