أخلاق الإمام الطبري ومكارمه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         دروس مِن الآلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الاتِّبَاع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 257 )           »          إبراهيم عيسى وصديقه فرنانديز (إبراهيم عيسى من صحافة التنفيث.. إلى معهد إعلام الشرق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الصالون الأدبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 307 )           »          الكتاتيب القرآنية موروث ديني واجتماعي وحضاري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي مبطلات الحج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4467 - عددالزوار : 932844 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4002 - عددالزوار : 456245 )           »          كتاب مداخل إعجاز القرآن للأستاذ محمود محمد شاكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 1189 )           »          مظاهر الإنحرافات العقدية عند الصوفية وأثرها السئ على الأمة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-02-2020, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,925
الدولة : Egypt
افتراضي أخلاق الإمام الطبري ومكارمه

أخلاق الإمام الطبري ومكارمه














ودعابته وظرافته



الشيخ الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل





قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قسَّم بينكم أخلاقَكم، كما قسَّم بينكم أرزاقكم))، ومكارم الأخلاق ومعاليها في الأغلب كثير منها طبعٌ من الله لعبده عليه، كما في حديث أشجِّ عبدالقيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((إن فيك خُلَّتين يحبُّهما الله: الحلم والأناة))، فقال: أخُلُقين تخلَّقْتُ بهما، أم خُلقين جُبِلْتُ عليهما؟ فقال: ((بل خُلقَين جُبِلْتَ عليهما))، فقال: الحمد لله الذي جبَلَني على خلقين يحبُّهما الله ورسوله؛ أخرجه أبو داود وغيره، ومع هذا فقد جاء في الشريعة الندب إلى حسن الخلق والحث عليه.






وابن جرير الطبري - رحمه الله - حياته العلمية أفرزت ما تمعدن به من الأخلاق الفاضلة، ومما أظهر هذا تلاميذه الذي كتبوا لنا ترجمته فوصفوا شيئًا من هذا في مروءته، وكرمه، وظُرفِه، وتواضعه، وتفاؤله رحمة الله عليه.





وقبل هذا كان الإمام أبو جعفر أبيًّا عزيزَ النفس، مع فقره وقلة ذات يده، فربما باع ثوبه أو قميصه ليتقوَّتَ به، ولا يسأل الناس شيئًا.





كما كان يرفض جوائز الأمراء، وهدايا السلطان، ومنحَ العمَّال، مهما كان سببه وموجبه، وإن شارط أحدًا على شيء مقابلَ عمل أو وظيفةٍ، فإنه لا يأخذ إلا ما شارطه عليه - مع سماحة نفس الباذل بالزيادة - وهذا في الحقيقة رفَعَ قدْرَه، وأعظَمَ منزلتَه عند أهل الولايات؛ بل عند الناس جميعًا؛ لأنه زهد فيما عندهم فأحَبُّوه، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.





وإن عزة النفس للعالم، وعدم اغتراره بالمال من الناس صغيرهم وكبيرهم: خُلقٌ عظيم، لا يعكس ذاته فحسب؛ بل وإيمانه وقوة يقينه، ويرفع شأن علمه ومنزلته عند الناس، وكم في الحقيقة امتحن أهل العلم بالمال فافتُتنوا به، إلا من رحم ربي، وقليل ما هم!





ومن عزة نفسه أن أبا الهيجاء بن حَمْدان وجَّه إليه ثلاثة آلاف دينار، فلما نظر إليها عجب منها، ثم قال: لا أقبل ما لا أقدر على المكافأة عنه، ومن أين لي ما أكافئ به عن هذا؟! فأجيب: بأنه ليس لهذا مكافأة، إنما أراد منها التقرب إلى الله عز وجل، لكنه - رحمه الله - أبى ورفض قَبولها.





أما مروءته وكرمه: فإنه لا يعير للمال اهتمامًا متى جاء أو ذهب، وكان إذا أُهدِيَ إليه شيء قبِله، ويكافئ صاحبه بأضعافه، فقد أهدى إليه جارُه أبو المحسن المحرر فرخين، فأهدى إليه الطبري ثوبًا حسنًا.





ومرة أهدى إليه أبو علي بن عبيدالله الوزير رمَّانًا، فقبله شاكرًا وفرَّقه بين جيرانه.





ولأنه لا يقبل هدية إلا ويكافئ بمثلها أو أضعافها، فقد توقف الوزير من إهدائه؛ لأنه جاءته نفقة المزرعة في طبرستان ومعها حيوان بريٌّ ثمين الفراء يسمى سَمُّورًا يشبه القط - ولعله القط البري - فأرسله إلى الوزير مكافأةً له على هديته، ولما قوم هذا السمور صار بأربعين دينارًا، لم يجد الوزير بدًّا من قبوله، وإيقاف بعثه بالهدايا إليه.





وهذا من تمام المروءة وسداد الخُلق؛ لأن المُهْدِي صارت له يد عليه، فمن المعروف حسن المقابلة والمجازاة بالمثل: ((من صنع إليكم معروفًا، فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)) يقوله صلى الله عليه وآله وسلم.





ومما سبق أن تلميذه أبا الفرج بن أبي العباس الأصبهاني كان يختلف إليه، ويقرأ عليه العلم، فطلب منه الطبري حصيرًا لغرفة عنده صغيرة، فصنع أبو الفرج الحصير، وجاءه به يريده هديةً لشيخه متواضعةً منه، ولكن أبا جعفر أبى أخذه إلا بأربعة دنانير.





وأما دعابته وظرافته: فشيء لا يَقِلُّ عن سابقه، وله فيها طرائف:


فقد كان عنده رجل من أصحابه يكثر التقعُّر ولَيَّ لسانه بالإعراب، ويتكاثر فيه إلى درجة بغيضة، فأخذ في ذلك التقعُّر يومًا عنده، فقال له الطبري: أنت بغيض، فسمِّي (بغيض الطبري) بعدها.





ورأى القاضي ابن كامل هذا الرجل يومًا بسوق بغداد بمكان يجتمع فيه الورَّاقون، فوقف عليهم وسلم ثم اعتذر من وقوفه ينتظر الورَّاق بقوله: (لولا من ما كنت بالذي) يريد لولا من هاهنا ما كنت لأقف على دكانك، فلا غرو من تسميته بعد ببغيض الطبري.





ومن نحو هذا أن أبا الفرج بن أبي العباس الثَّلاج - تلميذ أبي جعفر - كان يتعسَّف في كلامه ويتكلَّف، قال في مجلس شيخه: إنه أكل الطباهقة، فقال له ابن جرير: وما الطباهقة؟ قال: هي الطباهجة - وهي طعام من اللحم والبصل والبيض، والكلمة فارسية - ألا ترى أن العرب تقلب الجيم قافًا؟! فأجابه الطبري: فأنت إذًا أبو الفرج بن الثلاق.





فإن دعابة الشيخ شيءٌ محبَّب جدًّا لطلابه، وداعٍ للقبول منه والأخذ عنه، والالتفاف حوله، وهو أمر مجرَّب.





وكان رحمه الله يراعي الأدب مراعاة تليق بمثله، ومن هو بمنزلته علمًا وقدرًا، حتى في الأمور العادية غير الملاحَظة.





أخلاقه في الطعام:


قال ابن كامل القاضي: ما رأيت أظرفَ أكلاً من أبي جعفر، كان يدخل يده في الغضارة فيأخذ منها لقمة، فإذا عاد بأخرى جمع معها ما بقي من آثار اللقمة الأولى في حافة الغضارة، فكان لا يلطخ من الغضارة - وهي القصعة - إلا جانبًا واحدًا، وإذا تناولها سمَّى الله، ثم وضع يده اليسرى على لحيته ليَقِيَها رائحة الدسم، ثم يزيل يده إذا دخلت لقمته عن فمه، وكان في مجلسه لا يسمع له تنخُّم أو تبصق، وإذا أراد أن يمسح ريقه أخذ ذؤابة منديله، ومسح جانبي فمه.





وذكر ابن كامل أنه حاول التشبُّهَ به في هذه العادات، فعجز عن ذلك، والتلميذ عادة مُغْرمٌ بتقليد شيخه حتى في عادي الأشياء.





وذكر أحد وجهاء بغداد، وهو أبو علي محمد بن إدريس الجمَّال، قال: حضرنا يومًا مع أبي جعفر الطبري وليمةً، فجلست معه على مائدة، فكان أجملَ الجماعة أكلاً، وأظرفَهم عشرةً، ولا يأكل حتى يُؤْذَنَ في الأكل ويُعْزَمَ عليه فيه.





ومن أخلاقه الظاهرة عليه:


كرم نفسه ووفاؤه، وحسن عَلاقته بطلابه تسمو بها هذه الخصلة الكريمة؛ قال تلميذه عبدالعزيز بن محمد الطبري: أخبرني غير واحد من أصحابنا أنه رأى عند الطبري شيخِنا شيخًا مسنًّا، قام له الطبري وأكرمه، ثم قال أبو جعفر لطلابه: إن هذا الرجل لَحِقَ به من أجلي ما استوجب به عليَّ كثيرًا من الحقوق، وذلك أني دخلت طبرستان وقد شاع سب أبي بكر وعمر، فسألوني أن أملي فضائلهما ففعلت، وكان سلطان البلد يكره ذلك، فلما علم بإملائي فضائلهما أرسل يستدعيني، فبادر هذا الشيخ وأرسل إليَّ يحذرني بأني مطلوب، فغادرت البلد ولم يشعر بي أحد، فوقع الشيخ في أيديهم، فضربوه بسببي ألفًا.





فلما صنع هذا الجميل منه، لم يستكثر الطبري على نفسه الاعتراف بجميله وشكره ظاهرًا عليه.




إذا أنت أكرمتَ الكريم ملَكْتَه

وإن أنت أكرمتَ اللئيم تمرَّدَا









ومن أخلاقه الواضحة عليه: تواضعه، وخفة نفسه، وبساطته، مع مكانته الرفيعة دينًا وعلمًا وقدرًا عند الوجهاء والناس؛ فكان من تواضعه يخرج مع تلاميذه إلى البراري، ويأكل معهم ويباسطهم، ويجيب الدعوة التي توجه إليه، والوليمة التي يُسأَلُ حضورَها، فإذا مضى إلى منزل منها كان ذاك يومًا مشهودًا عظيمًا حضوره مفرحًا لمضيفه، معليًا لذكره بدعوة هذا الإمام وحضوره داره.





ومع هذا كان لا يباهي بحفظه وعلومه وذكائه وفطنته، ولم يكن يفاخر في نقاشه ومناظراته؛ بل يتناسى ما حدث، ويؤثر ألا يذكره، فلينتبه لهذا طلاب العلم في معاهدهم مع شيوخهم، وفي مساجدهم.





تناظر الطبري مرة مع شيخه إسماعيلَ المزنيَّ بمصر في مسائل الفقه والإجماع، وظهرت حجة ابن جرير، فسأله عنها تلميذه ابن كامل القاضي فلم يذكرها له؛ ويبرر ذلك ابن كامل بأنه كان أفضل من أن يرفِّع نفسه، وأن يذكرها بانتصاره على خصمه، فضلاً عن شيخه.





وهو بعد المناظرة كان يكثر من الثناء على شيخه المزني ويطريه، ويمدح تدينه وعلمه وفضله.





ونادرة أخرى مع شيخه داود بن علي الظاهري، حيث جرت بينهما مسألة تفوَّق فيها التلميذ الطبري على شيخه بعد النقاش، فآلم ذلك أصحاب داود، وأغلظ أحدهم على ابن جرير، فقام من المجلس، فألف الردَّ على داود بكتابه المسمَّى (الرد على ذي الأسفار)، ويريد به أن داود يعتمد على الكتب دون النظر والتفكير، ثم بدا له أن يخرج من الكتاب ما لا يتناسب، فلم يزل يخرج منه شيئًا بعد شيء حتى أخرج منه مائة ورقة، ثم كف بعد موت داود فلم يمل من الكتاب شيئًا.





وذكر أبو بكر بن داود بن علي الظاهري قال: كان في نفسي مما تكلم ابن جرير على أبي، فدخلت يومًا على ابن حامد وعنده أبو جعفر الطبري، فقال ابن حامد: هذا فلان وعرَّفه بي، فلما رآني أبو جعفر وعرف مكاني، رحَّب بي، وأخذ يثني على أبي، ويمدحه ويصفه ويصفني بما أزال ما في نفسي من كلامه.





فهذا الموقف من أبي جعفر - رحمه الله - أذهَبَ غيظ قلبِ جليسه، بل وأودعه محبته؛ فاستبدل بالبغض إعجابًا وودًّا.





وكان من صفاته الخلقية ومكارم نفسه: الفألُ الحسن، والتفاؤل به، فهي صفة من صفات النفس الخفيفة السَّمْحة الكاملة، وتدل على الطبع المعتدل والمزاج السوي.





والتفاؤل من مندوحات الشرع، فكان نبيُّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه الفألُ الحسن، والكلمة الطيبة.





قال الحوفي: وقد كان من تفاؤل ابن جرير وقناعته بما يرسل إليه من نصيبه في ضيعته بطبرستان، وشغفه بالعلم، وانقطاعه له، كان هذا هو السبب في أنه لم يسخط من الدنيا حظه، ولم ينقم على أهل زمانه، ولم يتبرَّمْ بالبحث الذي وهب له نفسه.





قال تلميذه ابن كامل: دخلت على الطبري وهو مريض جدًّا ومعي ابني، فقال لي: هذا ابنك؟ قلت: نعم، قال: ما اسمه؟ قلت: عبدالغني، قال: أغناه الله، وبأي شيء كنيته؟ قلت: بأبي رفاعة، قال: رفعه الله، ثم قال: هل لك غيره؟ قلت: نعم، أصغر منه، فسأل عن اسمه، فقلت: عبدالوهاب أبو يعلى، قال: أعلاه الله، لقد اخترت الكنَى والأسماء.





والفأل الحسن مما تتجه إليه النفس، وترتاح إليه خواطر القلوب، إما ظاهرًا على قسمات الوجه وفلتات اللسان، وإما باطنًا في النفس.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.40 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]