|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
نفس عصام سودت عصامًا
نفس عصام سودت عصامًا ياسر مصطفى يوسف ما أعظمَ أن يكون الإنسان معتمدًا على ربِّه ثم نفسه في بناء ذاته وتكوين شخصيته وصياغة مستقبله! وما أجمل ألا يكون اتِّكاليًّا على غيره من أبٍ أو أمٍّ أو خادمٍ أو غيرهم في تأمين حاجاته، وتلبية رغباته، وتنفيذ مشاريعه وخُططه، ومعتمدًا على الآخرين في حلِّ مشكلاته والتغلُّب على الصِّعاب التي تواجهه في هذه الحياة، ذاك إنسانٌ كما تقول العرب: عِصامي، وقديمًا قالوا: "كُن عصاميًّا، ولا تكن عظاميًّا"؛ أي: اعْتَمِد على نفسك في بناء صروح مجدك، ولا تعتمد على أمجاد الآباء والأجداد، ولا تتكل على ما تركوه لك من مجدٍ مؤثَّل وفخر جَلي؛ فهو كالثوب المستعار لا يقيك من حرٍّ ولا قرٍّ. وأصل هذا المثل - كُن عصاميًّا ولا تكن عظاميًّا - أن حاجبًا "للنعمان بن المنذر" ملك الحِيرة العربي من قِبَل "كِسرى" واسمه "عصام بن شهر" وقيل: "شهبر"، بلغت به هِمَّته أن نال ذُرا المجد، وتربَّع على عرش الفصاحة والبلاغة، وعُدَّ من أعلام العرب أيام الجاهلية، حتى قال فيه النابغة الذبياني صاحب المعلقة الشهيرة: نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَالإِقْدَامَا وَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا حَتَّى عَلاَ وَجَاوَزَ الأَقْوَامَا ومِن هناك قالت العرب: كُن عصاميًّا ولا تكن عظاميًّا؛ أي: افْخَر بشرف نفسك لا بعظام أجدادك. هذه المعاني الفريدة دفعت أحدهم للقول: كُنْ إبْنَ مَنْ شِئْتَ وَاكْتَسِبْ أَدَبًا يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ فَلَيْسَ يُغْنِي الْحَسِيبَ نِسْبَتُهُ بِلاَ لِسَانٍ لَهُ وَلاَ أَدَبِ هذه الثقة بالنفس والاستغناء عن الآخرين ولو كانوا من المقرَّبين هزَّت أبا الطيِّب المتنبي ليقول: لاَ بِقَوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا بِي وَبجِدِّي فَخَرْتُ لاَ بِجِدُوْدِي وعامر بن الطفيل ليفخر قائلاً: فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامرٌ عَنْ وَرَاثَةٍ أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُو بِأُمٍّ وَلاَ أَبِ وَلَكِنَّنِي أَحْمِي حِمَاهَا وَأَتَّقِي أَذَاهَا وَأَرْمِي مَنْ رَمَاهَا بِمَقْنَبِ ويصور ذلك أحدُهم تصويرًا بليغًا فيقول: لَعَمْرُكَ مَا الإِنْسَانُ إلِاَّ ابْنُ يَوْمِهِ عَلَى مَا تَجَلَّى يَوْمُهُ لاَ ابْنُ أَمْسِهِ والثاني يقول في شَمَمٍ: قَدْ قَالَ قَوْمٌ أَعْطِهِ لِقَدِيمِهِ جَهِلُوْا وَلَكِنْ أَعْطِنِي لِتَقَدُّمِي فَأَنَا ابْنُ نَفْسِي لاَ ابْنُ عِرْضِي أَجْتَدِي بِالسَّيْفِ لاَ بِرُفَاتِ تِلْكَ الأَعْظُمِ والثالث: إِذَا مَا الْحَيُّ عَاشَ بِعَظْمِ مَيْتٍ فَذَاكَ الْعَظْمُ حَيٌّ وَهْوَ مَيْتُ وَمَنْ يَكُ بَيْتُهُ بَيْتًا رَفِيعًا وَهَدَّمَهُ فَلَيْسَ لِذَاكَ بَيْتُ وعلي بن جبلة ليقول: فَمَا سَوَّدَتْ عِجْلاً مَآثِرُ قَوْمِهِ وَلَكِنَّ بِهِ سَادَتْ عَلَى غَيْرِهَا عِجْلُ وشاعرهم ليفخر: وَإِذَا افْتَخَرْتَ بِأَعْظُمٍ مَقْبُوْرَةٍ فَالنَّاسُ بَيْنَ مُكَذِّبٍ وَمُصَدِّقِ وسأضع القارئ الكريم أمام مثالين: أحدهما من عصر الصحابة، والآخر من عصرنا الحيِّ الذي نحياه ونعيشه اليوم، مثالان يدللان على رِفعة مَن بنى نفسه بنفسه وعُلُو شأنه في الحياة. شموخ وعصاميَّة: أما المثال الأول: فهو عبدالرحمن بن عوف ذلك الصحابي الجليل الذي آخى النبي - عليه الصلاة والسلام - بينه وبين الأنصاري سعد بن الربيع، فعرض عليه سعد وبمقتضى الأخوَّة التي قامت بينه وبين عبدالرحمن - وكان عبدالرحمن فقيرًا لا شيء له - أن يشاطره نعمته، وأن يُطلِّق له أحسن زوجتيه. فهل يرضى عبدالرحمن بذلك؟ لقد علَّمهم قائدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العِزَّة والثقة بالنفس والاعتماد على الله في إدارة شؤون الحياة وحلِّ مشكلاتها، قال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دُلَّني على السوق. فذهب، فباع واشترى، وربح، ثم لم ينشب أن صارَ معه دراهم، فتزوَّج امرأة على زِنَةِ نواة من ذهب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رأى عليه أثرًا من صفرة: ((أَوْلِمْ ولو بشاةٍ))، ثم آل أمرُه في التجارة إلى ما آل[1]. عصاميَّة فريدة: أما المثال الثاني، فهو رجلٌ غير مسلم، ولا حَرَجَ في أن نأخذَ الحِكْمة من غير المسلمين ما كانت خيرًا؛ فقد استقى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكرة الخندق من الفُرْس نظرًا للمصلحة في ذلك، هذا الرجل هو "بيل غيتس"، ومن لا يعرف "بيل غيتس"، الرجل الذي اقترن اسمه "بالكمبيوتر" وبشركة "مايكروسوفت" العالمية. هذا الرجل ولد عام 1955 في "سياتل" في الولايات المتحدة الأمريكية لأسرة غنيَّة وثريَّة ثراءً فاحشًا، لكنه رفض أن يعتمد على عظام أُسرته، وأبى أن يستخدم دولارًا واحدًا في بناء إمبراطوريته العظيمة، أسَّس في عام 1969 شركة باسم "مجموعة مبرمجي ليك سايد للكمبيوتر"، وأخذ يطوِّر نفسه ويبتكر برامجَ جديدة حتى شيَّد شركة "مايكروسوفت" العِمْلاقة وأدخلها سوق الأَسْهُم سنة 1986م، واليوم أصبح "بيل غيتس" أغنى رجل في العالم. فهل نعي هذه الحقيقة ونزرعها كمفهوم وأدبٍ راقٍ في عقول وقلوب أولادنا، بعد أن نتحلَّى بها ونقيمها في ذواتنا مقامَ الخُلُق الذي لا يَتحوَّل ولا يزول؟ ــــــــــــــ [1] "سير أعلام النبلاء"، (1/91).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |