|
|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
أربع شمعات
أربع شمعات سعيد بوطاهر لستُ من هؤلاء الذين يدور عليهم العامُ بعد العام، فيُطْفِئون الشموع على رأس كل دورة سنوية، محتفلين بأعياد ميلادهم، وكأنهم لا يشعرون أوْ لا يدركون أن انصرام عام من العمر هو في المقابل دُنُوٌّ من الفناء بمقدار ذلك العام، وأن الأَوْلى بهم الأسفُ والأسى، لا الفرح والحبور، وأنَّ الأجدر أن يقف كل واحد على أطلال زمنه الميت يَبْكيه، وقبل ذلك وبعده يخشاه، فقد أودعه ملايينَ الأنفاس، تبدَّدت في الآثام، وأخرى تبخَّرت في هواء العَبَث. كم فرصًا من البِرِّ أضَعْنا؟ وكم حبالاً من الوُدِّ قَطَعْنا؟ وكم سَفَكْنا للفضيلة في خَلَوَاتنا من دماء، وخرجنا إثرها إلى الناس بأثواب الطُّهْر والصلاح؟! هكذا قررْتُ الليلة أن أحتفل، لا، أن أَنْعَى نفسي إلى نفسي، تحسبونني أهْذِي؟ أبدًا، لقد هرول بي العمر ليسلمني إلى الأربعين، والتفَتُّ فلم أجد لي أثرًا يُحمَدُ، ولا فضْلاً يُذْكَر، تفرَّقَت بي السُّبل، فمضيت فيها جميعًا، وما قطعْتُ واحدًا منها إلى آخره، وأردْتُ أن أصَنِّف نفسي بين الناس، فوجدْتُهْم بين حارِثِ دنيا، وزارِعٍ للأخرى، وألْفَيْتُني لا من هؤلاء، ولا من هؤلاء. الليلةَ أطفأْتُ أربعَ شمعات، كل واحدة تختزل عندي عقدًا من زمني الضائع، أطفأْتُها واحدةً واحدة، وتوقفْتُ حينًا قبل أن أطفِئَ الرابعةَ وكأنِّي أريد أن أُمْسِكَ شبابي الأخير من تلابيبه، أجُرُّه إلَيَّ عَنْوَةً، أو أستعطفه ألاَّ يَمْضِيَ، أليس ذاك زمني، أنا منه وهو مني؟ لكنْ هيهات، فقد كان بالأمس طَوْعَ أمري، وهو غدًا شاهد على جرائمي. نعم يا سادة، احتفلْتُ ببلوغي أَشُدِّي تفاؤلاً مني أن أُعَمِّر زمني الباقي بصالح العمل، وبكَيْتُ على الماضي منه، فقد كان خزينة ذكريات، هي بين آلام وآمال، وقد كنتُ فيه ذلك الحاضر الغائب، قبعْتُ طوال الوقت هناك بعيدًا، أبعد من ناصية الحياة أَرْقُبها، لم أكن أبدًا أعيشها، كنت أحلمها. الليلةَ أطفأْتُ شَمْع الأربعين، ولن أطفئ شمْعًا من جديد.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |