موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشوره - الصفحة 64 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 208984 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59566 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 758 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 35 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 65 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15883 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #631  
قديم 10-05-2008, 08:51 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

المنهج القرآني لحماية المجتمع من العنف

دكتور / محمد عبد اللطيف عبد العاطي(1)

الناس جميعاً في المنظور القرآني ينتسبون إلى أصل واحد، لا فضل لجنس على جنس ولا لشعب على شعب، ولا لأمة على أمة في أصل الخلقة والنشأة فالكل في أصل الإنسانية سواء، والتكريم الإلهي للإنسان يشمل بني آدم جميعاً، قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (2).

واختلاف الألسنة والألوان والأجناس والشعوب آية من آيات الخالق الدالة على إبداعه وقدرته قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ).(3)لذلك ينبغي أن يكون هذا الاختلاف مثار تعارف لا تناكر، وائتلاف لا اختلاف، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ).(4)ولا ريب أن الإخاء يزداد قوة وتوثيقاً إذا اجتمع مع العنصر الإنساني العنصر الإيماني لأن المؤمنين جميعاً أخوة: قال تعالى:(إنما المؤمنون أخوة)(5). فإذا انتفى العنصر الإيماني فإن العنصر الإنساني يظل أساساً للإخاء بين جميع الناس، ولهذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي مرت به، فلما قيل له: إنها جنازة يهودي، قال: ( أليست نفساً )(6).


ولأن مبدأ الإخاء الإنساني له أثر فعال في الوقاية من مظاهر عنف متعددة يمكن أن يمارسها غير المسلمين ضد المسلمين وبالعكس رأينا القرآن الكريم يرسخ هذا المبدأ من خلال ثلاثة أسس.
الأساس الأول: اعتبار السلام أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم.
الأساس الثاني: إباحة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم.
الأساس الثالث: محاربة الدوافع الدنيئة المثيرة للنزاعات والحروب بين المسلمين وغيرهم.
وتفصيل هذه الأسس على النحو التالي:
الأساس الأول: اعتبار السلام أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم.

يعتبر القرآن الكريم السلام أساساً للعلاقة بين المسلمين وغيرهم بدليل قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم)(7). وقوله تعالى: )فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً ) (8)

وقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا غليهم إن الله يحب المقسطين ).(9)
وآيات القتال في القرآن الكريم تضمنت ذكر السبب في تشريعه، وهو يرجع إلى أمرين:
أحدها: دفع العدوان.
والثاني: قطع الفتنة وحماية الدعة.
قال تعالى: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) ).(10)
لذلك رأينا الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد معاهدة سلام بينه وبين اليهود بعد قدومه إلى المدينة، كما عقد مع مشركي قريش معاهدة الحديبية بعد أن قال: ( والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها )(11)
وفي رواية ابن إسحاق: ( يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتم إياها).(12)

وقوله البعض إن الحرب هي أساس العلاقة بين المسلمين وغيره، وسبب تشريع القتال إنما هو القضاء على الكفر بدليل قوله تعالى:(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ).(13)وقوله تعالى:( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).(14) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)(15).

إن قال قائل هذا فإننا نرد عليه بما يأتي:
أولاً:النصوص التي يستدل بها على قوله مطلقة، فتحمل على النصوص التي تفيد القتال بدرء العدوان أو قطع الفتنة والصدق للدعوة، لأن القواعد الأصولية تقضي بأنه إذا اتحد الموضوع فإن المطلق يحمل على المقيد(16).
ثانياً:لو كان الباعث على القتال في الإسلام هو القضاء على الكفر، لكان الإكراه في الدين جائزاً، لكن نصوص القرآن الكريم صرحت بنفيه ومنعه.
ثالثاً:لو كان الكفر هو الموجب للقتال لما جعل الله عز وجل إعطاء الكافرين للجزية غاية لقتالهم، وذلك في قوله تعالى:( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الأخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ).(17)
رابعاً: لو كان الكفر هو الموجب للقتال لما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل غير المقاتلين من أطفال ونساء وشيوخ الكافرين.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان ).(18)
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: ( ولا تقتلوا وليداً ).(19)
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ( من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والذمي ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقول أو بفعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم ما لا للمسلمين والأول هو الصواب، لأن القتال هو لمن يقاتلنا ).(20)

خامساً: لو كان الكفر هو الموجب للقتل لما خير الله عز وجل المسلمين في أسرى المشركين بين المن عليهم بإطلاق سراحهم مجاناً أو أخذ الفداء منهم، قال تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء).(21)
وقول البعض: إن هذه الآية منسوخة مرجوح بما قرره أكثر العلماء من أنها محكمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم فعلوا ذلك.(22)

سادساً: غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت إما لنقض العهد كما في غزوات بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، وإما لرد العدوان كما في أحد والخندق، أو لشن حرب وقائية كما في غزوة بني المصطلق وغزوة خبر.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وكانت سيرته صلى الله عليه وسلم أن كل من هادنه من الكفار لم يقاتله ).(23)
سابعاً: الأدلة التي استدل بها من يقول إن الحرب هي أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وسبب تشريع القتال إنما هو القضاء على الكفر بمعزل من الدلالة على ما قاله.
فالفتنة في قوله تعالى:)وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة (يقصد بها الإيذاء والاضطهاد للصد عن الدين، ومعنى: )ويكون الدين كله لله (أي: يكون دين كل شخص خالصاً لله لا أثر لخشية عيره فيه، فلا يفتن لصده عنه، ولا يؤذى فيه، ولا يحتاج فيه إلى الرهان والمداراة، أو الاستخفاء والمحاباة.(24)
وقوله تعالى: )فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ(.
يفيد: أن الباعث على القتال هو القضاء على الكفر إذا قطعناه من السياق الذي ورد فيه، أما إذا تابعنا قراءة الآيات التي بعده فسيتضح لنا أنه لا يدل على ذلك، بل يدل على أن درء العدوان هو الباعث على القتال.
أما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيحتاج الناظر فيه إلى التفريق بين كلمة ( أقاتل ) وكلمة ( أقتل ) حيث إن بينهما فرقاً كبيراً لا يخفى عل العربي المتأمل.
وبيان ذلك: أن كلمة ( أقاتل ) تدل على المشاركة، فهي لا تصدق إلا عن مفاعلة من طرفين، وتصدق أكثر في التعبير عن مقاومة لبادىء الاعتداء.
وهذا من باب قوله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: ( إنا لم نجيء لقتال أحد،ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا حجموا ).(25)
وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي.(26)
وهذا القول صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يدعو المشركين إلى السلم، وهو نص قاطع في الدلالة على أنه سيقابل عدوانهم بالمثل إن هم أبوا إلا العدوان، وهذا المعنى هو ذاته المقصود بقول: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).
يتبين بذلك كله: أن السلام هو أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم، لكنه ليس أي سلام، إنه السلام القائم على العدل، السلام الذي يحمي حرية العقيدة، وتصان فيه الكرامة، وتحفظ به الحقوق، وتتاح فيه حرية الدعوة إلى الإسلام، ولا شك أن مثل هذا السلام يسهم إسهاماً فعالاً في ترسيخ مبدأ الإخاء الإنساني الذي يؤدي إلى حماية المجتمع الإنساني من مظاهر عنف متعددة.
الأساس الثاني: إباحة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم.
يرسخ القرآن الكريم مبدأ الإخاء الإنساني بإباحة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم، وتصل الإباحة إلى درجة الاستحباب عند الحاجة، وإلى درجة الوجوب عند الاضطرار.

وأدلة إباحة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم كثيرة متعددة ومنها ما يأتي: أ ـ قوله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) .(27)

ولا شك أن التعارف لا يمكن أن يصل إلى الدرجة الكاملة إذا تبعه تعاون وتعامل. ب ـ قوله تعالى:(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (28)
ومن البديهي أن أكل طعام أهل الكتاب والتزوج بنسائهم لا يمكن وضعها في حيز التنفيذ إلا إذا كان هناك تعاون وتعامل بينهم وبين المسلمين، وهما في نفس الوقت وسيلة من الوسائل التي توسع دائرة التعاون بين المسلمين وغيرهم.





جـ ـ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما يدل على تعامله مع غير المسلمين.
ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قال: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير ).(29)
وفيه أيضاً: عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء رجل مشرك مشعان(30)طويل بغنم يسوقها، فقال صلى الله عليه وسلم بيعاً أم عطية ـ أو قال: أم هبة ـ فقال: لا بيع فأشتري منه شاة(31).
قال ابن حجر: قال ابن بطال: معاملة الكافر جائزة إلا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين(32).
وقد شرح القرآن الكريم عدة عقود تسهم في توسيع دائرة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم، ورغبة منه في إيجاد عالم تسوده المحبة والوئام وترفرف عليه رايات الأمن والسلام.
وهذه العقود هي: المعاهدات وعقد الذمة، وعقد الأمان.

المعاهدات: الأصل في شرعية المعاهدات قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم).(33)قوله تعالى: ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين). (34)
وقد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم معاهدة مع اليهود بعد قدومه إلى المدينة، ومعاهدة مع مشركي قريش في السنة السادسة للهجرة.

ويشترط في صحة المعاهدات ثلاثة شروط(35).
أولها: أن لا تمس المعاهدة قانون الإسلام الأساسي وشريعته العامة التي بها قوام الشخصية الإسلامية.
ثانيها: أن تكون بينة الأهداف، واضحة المعالم، تحدد الالتزامات تحديداً لا يدع مجالاً للتأويل والتخريج واللعب بالألفاظ.
ثالثها: أن تكون مبنية على التراضي من الجانبين.
وقد أمر القرآن الكريم الم المسلمين بالوفاء والاستقامة على المعاهدات التي أبرموها مع غيرهم طالما كانوا مستقيمين لهم، قال تعالى (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين). (36) وتجلى تقديره الكامل للمعاهدات في نهيه عن قتل من استحق القتل من غير المسلمين إذا لجأ إلى قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق.

قال تعالى:(واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً، إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق).(37)
كما تجلى تقديره للمعاهدات في نهيه المسلمين عن نصرة بعض المسلمين الذين آمنوا ولم يهاجروا إذا استنصروا بهم على قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).(38)
وهذا لا يعني ترك المسلمينالمقيمين تحت سلطان غير المسلمين نهياً للعدوان والاضطهاد، بدليل قوله تعالى:(وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً).(39)
غاية الأمر أن الميثاق يقيد حركة المسلمين بعض الشيء، بحيث يجب عليهم إعلان المعاهدين المعتدين على المسلمين المقيمين بين أظهرهن بنبذ الميثاق إذا أصروا على عدوانهم.
ويتأكد نبذ الميثاق بتعديهم على أي إنسان شملته المعاهدة حتى ولو كان من الكافرين المعاهدين للمسلمين.
لذلك رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يسارع بنصرة خزاعة حينما اعتدى عليها بنو بكر وحلفاؤهم من مشركي قريش، لأن خزاعة كانت قد خلت في عقد رسول الله وعهده، أما بنو بكر فدخلوا في عقد قريش وعهدهم، بناء على الشرط المشروط في صلح الحديبية.
عقد الذمة:
عقد الذمة يسهم إسهاماً فعالاً في توسيع دائرة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم، لأنه يتيح للفريقين الاختلاف والتقارب والتواصل، وبالتالي: يرسخ مبدأ الإخاء الإنساني بينهما.
ويقصد بعقد الذمة العقد الدائم الذي تم بين السلطة الحاكمة وغير المسلمين والذي تترتب عليه حقوق كل منهما على الآخر.
والذمة معناها:العهد والأمانة والكفالة والحق والحرمة(40)،ويطلق على من يعقد معهم هذا العقد من غير المسلمين ( أهل الذمة ) أو ( الذميين ) لأن لهم بناء على هذا العقد ـ عهداً بأن يعيشوا في كنف المجتمع الإسلامي آمنين مطمئنين.
فقد كفل الإسلام لهم حقوقاً متعددة، منها حماية دمائهم وأعراضهم وأموالهم وكرامتهم، وحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية وشؤونهم المعيشية، وحقهم في تولي الوظائف والمناصب العامة إلا ما غلب عليه الوصف الديني كالإمامة وقيادة الجيش والقضاء، وغير ذلك من الوظائف التي لها صبغة دينية، وحقهم في كفالة الدولة لهم عند العجز والمرض والفقر، وحقهم في مقاضاة المسلم أياً كان وضعه في المجتمع.
والأصل في هذه الحقوق قوله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل معاهداً لم ير رائحة الجنة، وإن ريحها توجد في مسيرة أربعين عاماً ).(41)
وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أوصى الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفون فوق طاقتهم )(42).
وجاء في عهده رضي الله عنه إلى أهل بيت المقدس: ( هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ).(43)
وفي مقابل هذه الحقوق التي كفلها الإسلام لأهل الذمة يجب عليهم الولاء للدولة الإسلامية،واحترام نظمها وتشريعها سواء أكانت مدنية أم جنائية، أما قوانين الأحوال الشخصية فيتبعون فيها ما يعتقدونه ديناً لهم لصلتها بأصل التدين الذي كفل الإسلام حريته.
ومما يجب عليهم أيضاً احترام مشاعر المسلمين، وعدم التعرض لمقدساتهم، وأداء الجزية المفروضة عليهم مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين.
فإن اشتركوا مع المسلمين في الدفاع عن الدولة، أو لم يستطع المسلمون حمايتهم فإن الجزية تسقط عنهم إن كانوا يدفعون ما يدفعه المسلمون لإقامة المرافق العامة التي يتمتع الجميع بمردودها الخدمي.
ولذلك كان المسلمون يستثنون من أداء الجزية المسكين الذي يتصدق عليه، والمرأة والصبي والشيخ الفاني والمجنون والمعتوه والرهبان وكل من ليس أهلاً للقتال، أو كان أهلاً له ولكنه لا يستطيع لفقره أن يدفع ما عليه.(44)
وكانوا يترفقون بأهل الذمة ويخفضون عنهم في تحصيل الجزية، فإن عجز عنها أحدهم أعانوا فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي عما له بعدم تحميل أهل الذمة ما لا يطيقون من الجزية.(45)
وهو الذي رأى شيخاً ضريراً يسأل على باب، فسأل، فعلم أنه يهودي، فقال له: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: الجزية والحاجة والسن فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله وأعطاه ما يكفيه ساعتها، وأرسل إلى خازن بيت المال: انظر هذا وضرباءه، فو الله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم إنما الصدقات للفقراء والمساكين(46). وهذا من مساكين أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه(47).

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــع
  #632  
قديم 10-05-2008, 08:54 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ... المنهج القرآني لحماية المجتمع من العنف
وقد اقتدى به حفيده عمر بن عبد العزيز فكتب إلى واليه على البصرة: ( وأنظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه ).(48)
ومما كتبه خالد بن الوليد رضي الله عنه لنصارى الحيرة بالعراق ( وجعلت لهم ) أيما شيخ ضعفت عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله(49).
وفي ضوء ما سبق يتبين أن تشريع الجزية لا يقصد به إهانة غير المسلمين أو إذلالهم بسبب عدم قبولهم الإسلام. وقوله تعالى: ( عن يد ) الوارد في قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الأخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).(50)
معناه: عن قدرة وسعة والصغار يقصد به خضوعهم لأحكام الإسلام، وقبولهم الحياة تحت سلطان المسلمين وحمايتهم، أو أن الصغار جزاء مرتب على محاربة المحاربين منهم، وليس مرتباً على بقائهم على دينهم.
وبهذا يظهر بطلان سائر التزيدات المبتدعة في طريقة تحصيل الجزية، ومعاملة أهلها، وهي التزيدات التي تتضمن إهانتهم وإذلالهم.
وقد نقل ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني بعض هذه التزيدات ثم أوضح أن عمل الصحابة والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كان على خلال ذلك، وأنهم كانوا يتواصون باستحصال هذا الحق بالرفق واللطف.(51)
ولهذا عقد أبو عبيد في كتابه الأموال باباً بعنوان( اجتباء الجزية والخراج وما يؤمر به من الرفق بأهلها وينهى عنه من العنف عليهم فيها ).(52)
بل إن الجزية ليست هدفاً في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لتوسيع دائرة التعاون والتعامل بين الناس جميعاً حتى يترسخ مبدأ الإخاء الإنساني فترفرف على العالم رايات الأمن والسلام، وتسوده المحبة والوئام.
لذلك رأينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل أن تسمى الجزية بغير اسمها بعد أن قيل له: يا أمير المؤمنين إن بني تغلب قوم عرب يأنفون من الجزية.(53)
عقد الأمان:
عقد الأمان يسهم بفعالية في توسيع دائرة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم، لأنه يتيح للفريقين الاختلاط والتقارب والتواصل، وبالتالي: يرسخ مبدأ الإخاء الإنساني بينهما.
والأصل في عقد الأمان قوله تعالى:(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ).(54)
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار السلام في أداء رسالة أو تجارة أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية أو نحو ذلك من الأسباب، وطلب من الإمام أو نائبه أماناً أعطى أماناً ما دام متردداً في دار الإسلام وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه.(55)
وعلى ذلك يكون قوله تعالى:)حتى يسمع كلام الله (.غاية أو تعليلاً للإجارة لاتصاله بها وحدها، وأن الاستجارة على إطلاقها، وقوله: )ذلك بأنهم قوم يعلمون (معناه: إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وتنتشر دعوة الله تعالى في عباده.(56)
وفي ضوء ما ذكر يتقرر وجوب تأمين غير المسلمين والسماح لهم بدخول الدولة الإسلامية إذا طلبوا التعرف على الإسلام، واستحباب ذلك إذا طلبوه لأمر دنيوي لما في ذلك من المصلحة التي تعود على المسلمين من جراء احتكاكهم بهم، سواء أكانت هذه المصلحة دينية أم دنيوية.(57)
ولهذا: توسعت الشريعة الإسلامية في إعطاء حق عقد الأمان لسائر المسلمين رجالاً كانوا أو نساء.
فقد أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم أماناً منحته السيدة أم هانىء ابنة أبي طالب لاثنين من أقاربها، وقال لها: ( قد أجرت من أجرتيا أم هانىء).(58)
ووثق رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد الأمان بقوله: ( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ).(59)
قال النووي: ( المراد بالذمة هنا: الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمنه به أحد المسلمين حرم على غيره التعرض له ما دام في أمان المسلم ) .(60)
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( فمن أخفر مسلماً ).
معناه: من نقص أمان مسلم فتعرض لكافر أمنه مسلم.
قال أهل اللغة: يقال: أخفرت الرجل إذا أنقضت عهده.(61)
ولكن ينبغي التنبه إلى أن حق إعطاء الأمان مقيد بإجازة الإمام أو نائبه تبعاً لتقديرها للمصلحة أو الضرر الذي يمكن أن يترتب على ذلك وهذا ما يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم لأم هانىء: قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء.
ويترتب على عقد الأمان عصمة دم المستأمن وعرضه وماله واستحباب مد يد العون إليه عند الحاجة لقوله تعالى:(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).(62)
وعليه: بموجب هذا العقد أن يحترم مشاعر المسلمين، ويلتزم بقوانين الدولة الإسلامية إلا قوانين الأحوال الشخصية فإنه يتبع فيها ما يعتقده ديناً له، ولا يكلف بأداء الجزية، لكنه يلتزم بدفع الرسوم أو الضرائب التي تقررها الدولة عليه وعلى أمثاله.
الأساس الثالث: محاربة الدوافع الدنيئة المثيرة للنزاعات والحروب بين المسلمين وغيرهم.
يرسخ القرآن الكريم مبدأ الإخاء الإنساني بمحاربة الدوافع الدنيئة المثيرة للنزاعات والحروب بين المسلمين وغيرهم، ومن هذه الدوافع.
أ ـ التعصب للجنس أو العشيرة:
التعصب للجنس أو العشيرة أثار في الماضي، ويثير في الحاضر نزاعات وحروباً كثيرة، ولذلك: حاربه القرآن الكريم بتقرير أن الناس جميعاً متساوون في أصل الخلقة، وميزان التفاضل بينهم هو التقوى. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).(63)
وبهذا نفى القرآن الكريم العصبية للجنس أو العشيرة، أو الأرض، ونفر الرسول صلى الله عليه وسلم منها غاية التنفير في قوله: ( ومن قاتل تحت راية عُميّةٍ، يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبة، فقُتلَ، فقتْلَةٌ جاهلية ).(64)
وعندما تشاجر أحد الأنصار مع أحد المهاجرين فصاح الأول: يا للأنصار. وصاح الثاني: يا للمهاجرين. قال صلى الله عليه وسلم: ( دعوها فإنها فتنة ).(65)
ب ـ طلب المجد والسمعة أو المغانم الدنيوية:

كثيراً ما أثار هذا الدافع نزاعات وحروباً كثيرة، لذلك حاربه القرآن الكريم بذم أصحابه ونهى المؤمنين عن أن يحذوا حذوهم، قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) (66). قال الشوكاني: نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس، وهم قريش، فإنه خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التي مع أبي سفيان ومعهم القيان والمعازف، فلما بلغوا الجحفة(67). بلغهم أن العير قد نجت وسلمت، فلم يرجعوا، بل قالوا: لا بد لهم من الوصول إلى بدر ليشربوا الخمر، وتغني لهم القيان، وتسمع العرب بمخرجهم، فكان ذلك منهم بطراً وأثراً وطلباً للثناء من الناس وللتمدح إليهم والفخر عندهم وهو الرياء.(68)

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خوض الحروب لأجل المغانم الدنيوية أو لأجل طلب المجد والسمعة، وذلك عندما سئل عن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، أي: ذلك في سبيل الله؟ فقال: ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ).(69)
جـ ـ المهاترات الدينية:
المهاترات جمع مهاترة، وهي القول الذي ينقض بعضه.
يقال: هتر هتراً: حمق وجهل وهتره: سابه بالباطل، وتهاتر الشاهدان: كذب أحدهما الآخر فسقطت شهادتهما.(70)
والمهاترات الدينية كثيراً ما أثارت نزاعات وحروباً كثيرة، لذلك نهى القرآن الكريم المسلمين عن الدخول فيها مع غيرهم، قال تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).(71)
د ـ الرغبة في الانتقام للنفس:
الرغبة في الانتقام للنفس كثيراً ما أثارت صراعات وحروباً وأضرمت نيران المنازعات، لذلك حاربها القرآن الكريم بأمره للمؤمنين أن يعفوا وسصفحوا ويتسامحوا مع غيرهم لما لذلك من أثر فعال في تحويل العداوة إلى محبة، قال تعالى: )ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) (73)
والعفو والإحسان لا يكونان إلا مع القدرة على جزاء السيئة بالسيئة فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي، ولا يجوز أن يذكر العفو والإحسان عند العجز، لأنهما غير موجودين أصلاً، وادعاؤها يطمع المعتدي ويذل المعتدى عليه وينشر الفساد في الأرض.
لذلك قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ).(73)
ويحمد ترك العفو والإحسان عندما تنتهك حرمات الله عز وجل أو يصد عن دينه، لذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ( ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لها )(74).
هذه هي ملامح المنهاج القرآني في ترسيخ مبدأ الإخاء الإنساني، وهي ملامح يحتاج المسلمون إلى فهمها في عصر يفخر الآخرون فيه بتوصلهم إلى الإعلان لحقوق الإنسان، ومن القوانين التي تحمي الأقليات الدينية والعرقية في العالم كله، سواء كان منطلقهم في ذلك إنسانياً أو كان منطلقهم هو الرغبة في التدخل في شؤون غيرهم لفرض السيطرة عليها.
ولا شك أن فهم المسلمين لملامح المنهاج القرآني في ترسيخ مبدأ الإخاء الإنساني سينفي عنهم الإحساس بالدونية، وسيغرس في نفوسهم معنى الاعتزاز بالدين الذي ينتسبون إليه، لأنه سبق بقرون كثيرة على رسم ملامح المناهج الأمثل في ترسيخ مبدأ الإخاء الإنساني.
وميزة هذا المنهاج العظيمة هي تمثيله في تجربة تاريخية تتمثل في مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم ومجتمع خير القرون اللذين يشكلان الأنموذج والقدوة في تحويل النظرية إلى ممارسة، والفكر إلى فعل، والقيم إلى برامج.
كما أن فهمهم لملامح المنهاج القرآني في ترسيخ مبدأ الإخاء الإنساني سيجعلهم يحسنون التعبير عنها عملياً في المواقع، ويجيدون التعبير عنها نظرياً في زمن تتصارع فيه المناهج والأفكار للاستيلاء على النفوس والعقول، ولا شك أن حسن التعبير عملياً ونظرياً عن ملامح المنهاج القرآني في هذا الشأن سيكون له أثر كبير في تحويل عداوة الكثيرين للإسلام والمسلمين إلى محبة وسيترتب على ذلك غياب كثير من مظاهر العنف التي تقع في هذا العالم ليصبح عالماً تسوده المحبة والوئام، وترفرف عليه رايات الأمن والسلام.
* * *
دكتور / محمد عبد اللطيف عبد العاطي

[1] – مدرس بكلية القرآن الكريم جامعة الأزهر طنطا . [2] – سورة القصص آية 70. [3] – سورة الروم: آية 22.[4] – سورة الحجرات: آية 13. [5] – سورة الحجرات: آية 10. [6] – أخرجه البخاري في الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي 1/3491312. [7] – سورة الأنفال: آية 61. [8] – سورة النساء: آية 9.[9] – سورة الممتحنة: آية 8.[10] – سورة البقرة / آية: 190 ـ 193.[11] – أخرجه البخاري في الشروط باب الشرط في الجهاد 1/187:192.[12] – انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر 5/396.[13] – سورة الأنفال / 39.[14] – سورة التوبة / 5.[15] – أخرجه البخاري في الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة، ومسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله.[16] – انظر أصول الفقه، محمد أبو زهرة، ص134.[17] – التوبة: 29.[18] – أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب قتل النساء في الحرب 2/262 3015.[19] – أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب تأمير الأمراء على البعوث3/1357،1358 3.[20] – السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية ، ص 62.[21] – سورة محمد: 4.[22] – انظر فتح القدير للشوكاني 5/44.[23] – رسالة القتال لابن تيمية ص 125 .[24] – انظر تفسير المنار، محمد رشيد رضا .[25] – حجموا بفتح الجيم وتشديد الميم، قووا.[26] – أخرجه البخاري في الشروط.[27] – سورة الحجرات: آية 13.[28] – سورة المائدة: 5.[29] – أخرجه البخاري.[30] – مشعان بضم الميم وسكون الشين: طويل شعث الشعر.[31] – أخرجه البخاري.[32] – فتح الباري لابن حجر.[33] – سورة الأنفال: آية 7.[34] – سورة التوبة: آية 7.[35] – انظر الإسلام عقيدة وشريعة ، محمود شلتوت.[36] – سورة التوبة: 7. [37] – سورة النساء: 89 ـ 90.[38] – سورة الأنفال: 72.[39] – سورة النساء: 75.[40] – انظر المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مادة ي ذمم.[41] – أخرجه البخاري في الجزية والموادعة.[42] – الخراج لأبي يوسف.[43] – مجموعة الوثائق السياسية المعهد النبوي والخلافة الراشدة محمد حميد الله.[44] – انظر الخراج لأبي يوسف.[45] – انظر الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام.[46] – سورة التوبة 60.[47] – انظر: الخراج لأبي يوسف.[48] – انظر الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام.[49] – مجموعة الوثائق السياسية.[50] – سورة التوبة: 29.[51] – انظر: تفسير المنار.[52] – انظر: المصدر السابق.[53] – تفسير القرآن العظيم لابن كثير.[54] – سورة التوبة: 6.[55] – تفسير القرآن العظيم لابن كثير.[56] – انظر تفسير المنار، وتفسير القرآن العظيم.[57] – انظر الجامعة لأحكام القرآن للقرطبي.[58] – أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة.[59] – أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة، ومسلم في الحج باب فضل المدينة.[60] – شرح النووي على صحيح مسلم.[61] – شرح النووي على صحيح مسلم.[62] – سورة الممتحنة: 8.[63] – سورة الحجرات: 13.[64] – أخرجه مسلم.[65] – أخرجه البخاري في التفسير.[66] – سورة الأنفال: 47. [67] – الجحفة: موضع على ثلاثة مراحل من مكة، وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب كله.[68] – فتح القدير للشوكاني.[69] – أخرجه البخاري في الجهاد.[70] – انظر المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية.[71] – سورة الأنعام: 108.[72] – سورة فصلت: 34.[73] – سورة الشورى: 39 ـ 43.[74] – أخرجه البخاري في المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
  #633  
قديم 10-05-2008, 09:06 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

تنمية الإنتاج والاستثمار في ضوء القرآن والسنة




مهندس / حسين عبده طنطاوي(1)
قال الله تعالى:)هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم. وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ([البقرة: 29 ـ 30].
هذه بداية قصة الإنسان... هو قول الله خلق لكم أي: من أجلكم، وقوله: )إني جاعل في الأرض خليفة (أي: قوماً يخلف بعضهم بعضا قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، وأن الله جعل ما في الأرض والسماوات وما بينهما منعماً به عليهم ومسخراً لهم )وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([الجاثية: 13].
فلم يخلق شيء عبثاً، فلا بد له من منفعة لا يصح رجوعها إلى الله لاستغنائه بذاته، فهي راجعة إلى البشر ليخبروا بذلك.
ولقد تضمن القرآن الإشارة على كل الثروات في كل الكون الذي خلقه الله، وما جعله الله للإنسان من إمكانيات الانتفاع بما منحهم من قدرات عقلية وفكرية وجسدية ليعمل بها في هذه الثروات للانتفاع متعاونون ومتكافلون، وهذا التعاون يربط مصالح الفرد بمصالح الجماعة، وإن اختصاص الفرد لهذه الثروات بالملكية رهين بجهده، ومكلف من الله تكليفاً شخصياً ومسؤول بصفته عن أمور الدنيا بالسلوك الديني )كل نفس بما كسبت رهينة (.
ولقد وضع القرآن والسنة للإنسان القواعد العامة للملكية والتصرف ليحقق الإنتاج وتنميته وقواعد التصرف والملكية ومنع الاغتصاب والسرقة، وعلم كيفية التعامل والتجارة وشؤون المحاسبة، والأجور والإدارة.... الخ.
وفي الواقع: فإنه نتيجة لأعمال أفراد الشعوب بقدراتها العقلية والفكرية والجسدية، وسلوكياتهم العامة في مختلف المجالات يقاس مقدار تحضرها أو تخلفها وارتفاع مستواها أو انخفاضه عن الحياة اللائقة للبشر فلذا كان علينا أن نهتدي بما احتواه القرآن والسنة النبوية عن تنمية الإنتاج، وأوجه الاستثمار لنقيس به أعمالنا لنعرف مواقع التقدم أو التخلف وأسبابه.. وما هو مدى تحقيق المسلمين لقول الله: )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ([آل عمران: 110].
ولما كان هذا الموضوع بالذات هو مشكلة المسلمين في حاضرهم الراهن ومستقبلهم المجهول بالنسبة للأفراد والمجتمعات محلياً وعالمياً لذا وجب علينا التركيز لتوضيح النمط الذي حدده القرآن والسنة النبوية، خاصة بعد واقع تخبط الشعوب الإسلامية بإتباعها أنظمة من دول تدعى التقدم في ظل مسميات نظام رأسمالي وآخر اشتراكي وذلك شيوعي. فتاهت وتخبطت في واقعها لأنها مجهولة الهوية عن تركيبة معتقداتنا فوقع التخلف فينا والإسلام بريء منه. إذ كيف نكون شعوباً إسلامية تكويناً وإدراكاً ثم نتبع تكويناً مخالفاً وإدراكاً مخالفاً ثم لا يلحقنا تخلف؟.
وسنسرد نموذج من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المرشدة لجوانب التنمية الإنتاجية والاستثمار لو قسنا بها ما يقوم به بعض أبناء الأمم الإسلامية لأتضح لنا انعدام العقيدة الإسلامية في سلوكياتهم، وطبقوا في غفلة من العقول نظريات انقادت لها الشعوب مستسلمة بحجة التطور فأصبحت متخلفة بعد أن كانت بغداد والقاهرة والأندلس ودمشق وقرطبة وسمرقند منارات الحضارة الإسلامية ومرتكز للتقدم العلمي. وقد ازدهرت تلك الحضارات على فترات متقطعة من التاريخ لكن يحكمها قانون سلوكي موحد إذ ازدهرت بالنهضة الإيمانية وخبت إذ طغت الشهوات المادية. وفي ذلك يقول المستشرق الإيطالي ( ليبرتيني ) في كتابه: ( الإسلام في أمجاده ) ( أنني أكاد أعتبر أقطاب الأندلس وجزيرة العرب عندما أضاء سناء الحضارة بفضل جهادهم والعلم المنتشر في ربوعهم ـ أكبر أعداء العالم ـ لأنهم لم يكتفوا بإفناء بعضهم بعضاً بل تعدوا ذلك إلي وأد ألمع حضارة أوجدها إنسان على وجه الأرض، وكانت لم تزل تترعرع في أحضان النهضة الإسلامية الخارقة. فلو ارتاح لها أربابها والعاملون على إشعال قبسها الوضاء الباهر أن تمشي في سبيلها إلى التكامل لما بقي على الأرض إلا كل عربي أو مستعرب، ولما كان غير الإسلام ديناً ). ببساطة تساوينا في الأسلوب فسبقونا بمؤامراتهم، فتخلت عنا هداية السماء فسرقوا ثرواتنا وما زالوا يسرقونها حتى اليوم. وسرقوا تراثنا العلمي واستسلمنا لمشيئاتهم وأصابنا الوهن وتسابقنا على الرزق وناسين الرزاق.
قال الله سبحانه وتعالى: )هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (.
أي: جعل لكم الأرض ساكنة لا تميد بما عليها من الجبال، وأنبع فيها العيون، وسلك فيها السبل، وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار، فسافروا حيث شئتم من أقطارها وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات وأن سعيكم لا يجدي عليكم شيئاً إلا أن ييسره الله لكم، والسعي لا ينافي التوكل على الله.
وتأسيساً على نظام وسنة الحياة من السعي للإنتاج وما يتلوه من الرزق والثمرات، فخاطب سبحانه وتعالى العقول )وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين. ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون ([الدخان: 38 ـ 39].
إذن السماوات والأرض وليلها ونهارها وما أنزل الله من السماء من ماء، والأرض وما حملته من جبال ومحيطات وأنهار، ومكوناتها، واختصاص أولي الألباب بما يعني التخطيط والتنظيم وهما أساس العلم، فإن هذا من عناصر الإنتاج.
ولقد فصلت سورة النمل الثروات التي وهبها الله للإنسان ومفتاح الأعمال المثمرة والتي منها ما يلي:


رقم الآية

النص

بعض ما تدل عليه الآية

3

)خالق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون (



الطبيعة

4

)خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين (

الثروة البشرية

5

)والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون (

الثروة الحيوانية

6

)ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون (

النقل والمواصلات

7

)وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم (

=

البرية

8

)والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون (

وسائل المواصلات

9

)وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين (

الاقتصاد من الدين

10

)هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون (



الثروة المائية

11

)ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (

الثروة الزراعية

12

)وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون (

الطاقة الشمسية والفلك

13

)وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون (

الثروة المعدنية

14

)وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (

الثروة السمكية والمعدنية والنقل البحري والتجارة

15

)وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون (

الجبال والطرق النهرية والبرية

16

)وعلامات وبالنجم هم يهتدوون (

الثروة العلمية الفلكية

17

)أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون (

الله هو الخالق لكل شيء

18

)وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم (

نعم الله لا تحصى كثرة ومنها المواد الطبيعية

65

)والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون (

مصادر المياه والمحافظة على خصوبة الأرض واستصلاحها

66

)وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين (

صناعة الألبان في أجسام الأنعام

67

)ومن ثمرات النحيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إن في ذلك لآية لقوم يعقلون (

الصناعات الغذائية والمحفوظة والتي علمها الله للإنسان

68

)وأوحى ربك إلى النخل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون (

بعض ما تدل عليه الآية إنتاج العسل والأدوية سنة

69

)ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (

80

)والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين (

التعمير وتأثيث السكن

81

)والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون (

صناعة المظلات وتوفير الحصون وصناعة الملابس ودروع الحرب
تعريف الثروة في الاقتصاد الإسلامي:
هي كل مال نافع لا ضرر في استعماله آل إلى مالكه بالطريقة المشروعة دينياً وبنص الكتب السماوية ومصدرها ما هيأه الله في الأرض والسماء وما بينهما إلا ما حرم الله بنص القرآن والسنة النبوية. ومن ثم تعتبر الخمر والمخدرات والربا وما أخذ بالسرقة والاغتصاب ليست بثروة لضررها.
أما في الاقتصادي الرأسمالي هي الأموال الاقتصادية التي تنضوي تحت شروط ثلاثة:
أـ المنفعة.
ب ـ الندرة.
جـ ـ التبادل.
أ ـ فبالنسبة للمنفعة:هي صلاحية المال وقدرته على إشباع الحاجة. والحاجة عندهم هي إحساس داخلي يؤدي إلى الألم والضيق ما لم يتم إشباعها ولا يلزم أن تتفق مع الدين والخلق وأن المال الاقتصادي اللازم لإشباعها محايد ولذا كانت الخمر والمخدرات والخنازير عندهم ثروة.
وحاجة الإنسان للأموال لا حدود لها، وتزداد كلما تقدم إنتاجه، ومنها الضروري ومنها الكمالي، وقد يتحول الكمالي إلى ضروري بالتقدم والرفاهية.
ب ـ أما الندوة:فتكون الكمية المتاحة من الأموال أقل من الحاجة إليها وبذا يتحدد ثمن لندرتها ومنفعتها.
جـ ـ أما التبادل:فالحاجة إلى الأموال تخلق الطلب عليها وتظل كذلك طالما أنها نادرة ونافعة ويتحدد سعرها بالأسواق بفعل العرض والطلب، وهذا يعني أن تكون الأموال قابلة للتداول لكي تكون ثروة ويرفض الإسلام شرط الندرة وشروط التبادل في المال ليكون ثروة لأن من الأموال وغيرها ما يمثل ثروة رغم كثرتها واستحالة تبادلها وأمثلة ذلك:
الإنسان بإيمانه وعمله وعلمه ومواهبه ومهارته وفنه أكبر ثروة بشرية وإن استحال تبادل هذه الصفات وتقدير ثمن لها في الميزانيات في حاضرنا.
)ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ([الإسراء: 70].
وإن الجبال والأنهار والغابات وإن لم تكن ثروة فردية إلا أنها ثروة قومية رغم كثرتها وتعذر تداولها وتقدير ثمن لها.
والبحار والمحيطات وإن لم تكن ثروة فردية أو محلية إلا أنها عالمية لا تتداول ولا تقدر بثمن والماء والهواء وحرارة الشمس ثروة لكل من ينتفع بها في زيادة الإنتاج وفي توليد الطاقة وإنشاء المحطات النووية وغيرها.
والشهرة في تخصص معين والإحتياطات السرية ثروة.
والحكم العادل والقانون العادل واستتباب الأمن والنظام والعلوم والفنون التكنولوجية والدواء والعلاج والمياه الصالحة للشرب والكهرباء كل ذلك يمثل ثروة مهما زادت كميتها لمنفعتها في نمو الحياة الاجتماعية.
إذن عندما جعل الله الأرض ذلولاً من أجل الإنسان، فيجب ألا تمر هذه الإشارة بغير تبصرة لأبعاد بغير حدود للأرزاق والمياه. وذلك رداً على الذين يثيرون في المحافل والمؤتمرات العالمية التخوف من المجاعة والجفاف حتى ينفوا عن أنفسهم جريمة التسبب العمد في إحداث المجاعة والزعم بنقص المياه كأنهم هم المسيطرون. وليس هذا بعجيب على من يريدون الاستئثار لأنفسهم بالمتعة على أنقاض الآخرين. ولكن العجب كل العجب كيف ينساق المسلمون لهذه الأفكار وعندهم كتاب الله الذي يقول: )إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (صدق الله فجوف الأرض يحتوي طبقات من المعادن المختلفة، ومياه جوفية، وغازات طبيعية وبترول كما أنها تدور حول الشمس تستمد منها الطاقة والحرارة. وهي محاطة بغلاف هوائي يبلغ ضغطه 15 رطل على كل بوصة مما يؤكد استقرار كل شيء على الأرض. ومن آثاره الرياح. )ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ([الروم: 46].ويعتبر الهواء قمة الضروريات للإنسان والحيوان والنبات ولا يستطيع إنسان أن يعيش دقائق بدون الهواء قمة الضروريات للإنسان والحيوان والنبات ولا يستطيع إنسان أن يعيش دقائق بدون الهواء والماء قد جعل الله منه كل شيء حي )وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ([الشورى: 28].
أليس هذا كله بثروات من أهم الضروريات في مواطن الإنتاج لأجل البشرية، والماء بتحوله إلى بخار يصبح مصدر طاقة لتشغيل الآلات فيمكن إنتاج المصنوعات، كما أن مجاري المياه من أنهار ومحيطات وبحيرات تمكن الإنسان من قطع المسافات في أقصر الأوقات بأقل النفقات.
ولما كان الإنسان هو محور كل هذه النعم لتكون الدنيا معبر للحياة الحقيقية في الآخرة، إذن فقد كفل للإنسان بعد أن استخلفه في الأرض الوسائل ورسم له الحدود التي يعمل بها في هذه الثروات.

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــع
  #634  
قديم 10-05-2008, 09:08 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .. تنمية الإنتاج والاستثمار في ضوء القرآن والسنة
أسس استغلال الإنسان لهذه الثروات في الإسلام
قبل أن نتكلم عن هذه الأسس نوضح ما ورد بالقرآن والسنة وما قاله علماء المسلمين عن الإنسان باعتباره مستخلفاً في الأرض بقول الله عز وجل: )الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ([السجدة: 7 ـ 9].
وعندما سئل سيدنا محمد عن الروح أنزل الله عليه الإجابة )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([الإسراء: 85].
إذن الروح من أمر الله، وهي فوق المادة وفوق النواميس الأرضية، كلها نور وصفاء، ولذا فقد أرسل الله أنبياءه، ومعهم الكتب والميزان ليحفظ الروح على ظهرها.
وجاء في كتاب مقدمة ابن خلدون: ( الإنسان مركب من جزئين جسماني والآخر روحاني ممتزج به ولكل جزء من الجزأين مدارك مختصة به والمدرك فيها واحد وهو الجزء الروحاني. يدرك تارة مدارك روحية وتارة جسمانية إلا أن المدارك الروحية يدركها بذاته بغير واسطة، والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس، وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه، فلا شك أن الابتهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ ).
لهذا أنزل الخالق تبارك وتعالى الأديان بكتبه ورسله لؤمنوا ويعملوا في آن واحد. والإيمان لازم لإشباع مطالب الروح، ولأن العمل لإشباع حاجات الجسد وبذلك يحتفظ الإنسان بتوازنه ويعتدل في كل تصرفاته.
ولذا: فالعمل بإيمان يدفع للإخلاص والإتقان والإبداع. والعلم ضرورة لإصلاح حال الإنسان ورفعته ولزيادة الإنتاج وجودته ولتحقيق الثروة. وقول الله تعالى: )يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ([المجادلة: 11].وورد بالقرآن كثير من الآيات توجه الإنسان المسلم لشؤون دينه ودنياه وآخرته.
نورد أمثلة عن داود عليه السلام: )وعلمنه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم (.
وعن يوسف الذي تولى قيادة التغلب على معركة الجدب والسنين الشداد )ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً ([يوسف: 22].
وقصة الخضر لموسى عليه السلام: )فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلمناه من لدنا علماً. قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً ([الكهف: 65 ـ 66].
ويقول الله: )واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ([البقرة: 282].
ففي سنة 247هـ أنشىء أول مسجد كبير في فاس ولم يخصص للعبادة فقط بل كان دار علم ليتلقى فيها الطلبة العلم ) ولم يكن قاصراً على الحديث والتفسير والفقه، إنما كان يدرس فيها علوم الرياضيات والفلك والجغرافيا وأطلق على المسجد جامعة القرويين.
وفي شأن هذه الجامعة يقول بندلي: ( من أكاديمية موسكو ): إن أقدم جامعة في العالم ليست في أوروبا كما كان يظن، بل في أفريقيا، وفي مدينة فاس عاصمة المغرب ). وقد تخرج منها كثير من الطلبة غير المسلمين وعلى رأسهم الراهب _ جربرت ) الذي صار فيما بعد البابا ( سلفستر الثاني ) الذي أدخل الأعداد العربية إلى أوروبا وعندما وصل إلى إيطاليا ترجم كل ما كتبه المسلمون في العلوم وهو الذي قاد فكرة تعديل القانون الروماني ليتمشى مع الشريعة الإسلامية.
عقل الإنسان:وجعل الله الإنسان ناطقاً مرفوع الرأس سميعاً بصيراً لا بعينيه فقط، قادراً على العمل الصالح والإبداع، جميل المنظر، حسن الهيئة، يحب ويكره، ينفع نفسه ويسعد غيره )لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ([التين: 4].
ويقول الله تعالى: )إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ([ق: 37].
قال العلماء:إنه قد يعبر عن العقل بالقلب لأن القلب كل العقل، والفؤاد محل القلب والصدر محل الفؤاد.
ولقد ميز الله الإنسان بالعقل، وهو مصدر تصرفاته ولا سبيل لمعرفة حقيقة إلا بالعقل نفسه. ويعجز العلماء عن تفسير هذه الحقيقة.
الماديون يقولون:إن المخ والأعصاب تصنع تصرفات الإنسان، إلا أنها في الواقع جزء من عالم المادة. وكما تتفاعل الروح مع الجسد فيتحرك، كذلك يتفاعل العقل مع المخ فيعمل على الإدراك الحي والمعنوي. وهذه الميزة تميز بين الإنسان والحيوان واستطاع الإنسان أن يؤمن بالله بعقله رغم استحالة رؤيته)إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ([الأنفال: 122].
وقال عمر بن الخطاب: ( أصل الرجل عمله، وحسن دينه ومرونة عقله ).
الإيمان:يكفل للإنسان استمرارية الحياة المطمئنة والآمنة، ونموها وتقدمها إذا التزم بها ورضي عنها واطمأن إليها قلبه واستراحت لها نفسه وانشرح بها صدره.
ومن المسلم به أن أنفع القواعد للإنسان هي:
1ـ ما قامت مبادئها على الحق والعدل.
2ـ وما كفلت قوانينها الحرية والمساواة.
3ـ وما غرست تعاليمها في النفوس الخلق الكريم والمثل العليا.
4ـ وما أقرت أحكامها حقوق الإنسان كاملة.
5ـ وما دعت إلى العلم والعمل والإنتاج الجيد.
6ـ وما بني فيها العلاقات والمعاملات بين الناس على التعارف والتضامن والتكافل والأمن والسلام.
والإيمان في الإسلام طبقاً لما بينه سيدنا محمد من الأركان الخمسة للإسلام فقد ورد عن عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ أنه قال: ( كُنّا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنّا أَحَدٌ حَتّى أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَلْزَقَ رُكْبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ، ثُمّ قَالَ: يَا مُحمّدُ ما الاْيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ، وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ.. الخ )،والاقتصاد في السلام هو نمط وأسلوب في حياة المؤمن )وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ([البقرة: 43 ـ 83 ـ 110 والنساء: 77 والنور: 56 والمزمل: 20].
والإنفاق كاقتصاد بدافع الإيمان: )آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ([الحديد: 7].وهو حق في مال الأغنياء قال سيدنا محمد: ( إن في المال حقاً سوى الزكاة ).
والتجارة كإقتصاد وردت مع فريضة الحج كعبادة )ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ([البقرة: 198].
وجاء في تفسير القرطبي " وابتغاء الفضل بمعنى التجارة وإن هذا في الآية دليل على جواز التجارة في الحج ".
وزكاة الفطر بعد صوم رمضان ـ وإطعام مسكين إذا تعذر القضاء، والجوع والعطش لكي يحسن المسلم بما يعانيه الفقير، فأوجب على المسلم البر إليهم.
والقرض الحسن )من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ([البقرة: 245]. إعطاء القرض عبادة وعمل اقتصادي وتدعيم للمقترض وتقرب لله من المقرض.
والحكم بأن البيع والشراء حلال والربا حرام )وأحل الله البيع وحرم الربا ([البقرة: 275].
حرية الفكر والعقيدة مع أن الإسلام يدعو الناس جميعاً لاعتناقه تحقيقاً لمصلحتهم ودفعاً للضرر الذي يلحق بهم فهو لا يكره أحداً على ذلك وتبين ذلك في قوله تعالى: )أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ([يونس: 99].وفي قوله:)فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ([الكهف: 29].
السعي للرزق هو في غريزة الإنسان، أما الإنفاق فيحتاج لمجاهدة النفس: )المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً ([الكهف: 46].
قال القرطبي: ( إنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالاً ونفعاً وفي البنين قوة ودفعاً فصارا زينة.
أما الباقيات الصالحات فهي عن ابن عباس الصلوات الخمس وكل عمل صالح من قول وفعل يبقى للآخرة ).
الربط بين الإيمان والتقوى والاستقامة والتقدم الاقتصادي:
يقول الله: )وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً ([الجن: 16].
)ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ([الأعراف: 96].
رسم الطريق لحياة المؤمنين بإقامة العدل وحمايتهم بالإيمان والقوة:
)لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ([الحديد: 25]ربط قوي بين الثروة الروحية وهي القرآن والثروة المادية وهي الحديد لتستثمر الحياة الدنيا بالحق والعدل والثروة والقوة.
ولما كانت الغاية من الاقتصاد هي سعادة الإنسان بصفة عامة فإن الغاية من الإيمان هي سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. وبذلك فإن الاقتصاد الإسلامي يقوم على ما يقوم عليه الإسلام فيحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله من الأعمال والأموال لتكون طيبة لا خبيثة ممنوعة. والدافع الأول لهما على بذل الجهد هو الإيمان ليحقق الإخلاص والإتقان وأقل ألماً وأوفر وقتاً ونفقة وأجود إنتاجاً وأضمن أمناً وسلاماً.
وصدق الله: )من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ([النحل: 97].والدافع الثاني: تتوحد الغاية في كل من الإيمان والاقتصاد وهي سعادة الإنسان، ووسائل تحقيقها واحدة وهي العمل.

العمل الإسلامي
العمل الإنساني هو الجهد الإرادي الذي يبذله الإنسان لإيجاد منفعة، وواقعه في الطبيعة يجسد الصورة الإيمانية في عقل الإنسان.
والعمل أقدس القيم التي يرفعها الإسلام وهو أساس القيمة ومصدرها. والعنصر المعنوي الوحيد في عناصر الإنتاج. والجهد الإرادي لتحقيق الإنتاج ليس وحده كافياً، بل يجب أن يخضع الجهد للتنظيم حتى يكون منتجاً لمنفعة مادية أو معنوية وإلا صار الجهد الإرادي للإنسان ضرباً من العبث. ورب العمل هو المنظم المنوط به التأليف بين عناصر الإنتاج المختلفة، في سبيل الحصول على سلع وخدمات لبيعها مقابل الربح، وفي النظرة الإسلامية المسؤول الأول عن قيادته وتوجيهه. وهو في الأصل يتقاضى ربحاً عن عمله إذا كان هو المالك وله أن يتقاضى أجراً وربحاً إذا كان مساهماً في شركة حيث يكون مأجوراً عن بقية الشركاء.
العمل واجب وحق في آن واحد ) اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ([التوبة: 105].
إذن يجب على الإنسان أن يبحث عن العمل المناسب بالأجر المناسب تمكيناً له من الكسب الحلال.
ومن أقوال سيدنا محمد في هذا الشأن: ( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ) ـ ( كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده )، ( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده).
ويحض لقمان الحكيم ابنه على العمل: يا بني استعن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال رقة وضعف في عقله وذهاب مروءته وأعظم من هذا استخفاف الناس به.
وقال سيدنا عمر:لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً أو فضة. جلس سيدنا محمد إلى أصحابه يوماً فرآهم ينظرون إلى عامل قوي فقالوا: لو كان شبابه وجلده في سبيل الله، فقال لهم: لا تقولوا هذا فإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى تفاخراً وتكاثراً فهو في سبيل الشيطان.
وقال سيدنا محمد: ( من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له ).
وروي عن سيدنا عيسى عليه السلام: أنه رأى رجلاً فقال له: ماذا تصنع فقال الرجل: (أتدبر ) قال: ومن يعولك قال: أخي. قال: ( أخوك أعبد منك ).
وقد جمع الله بين الجهاد في سبيله )علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ([المزمل: 20].
وقد نزل في شأن الهجرة في طلب المعاش والكسب الزائد )ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً ([النساء: 100]. ويطلق دوافع العمل من فضل الله على الناس ليقبلوا على عمارة الأرض:
أـ وللإنسان حاجات لا يمكنه الحصول عليها إلا بالإنتاج والعمل إلا هلك.
ب ـ إن موارد الطبيعة لا يمكن الحصول عليها ـ الانتفاع بها إلا بالعمل.
جـ ـ إن الطبيعة وآياتها لا يمكن التمتع بها إلا بالعمل )إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً ([الكهف: 7].
د ـ الزيادة في عائد كافة فروع الإنتاج واستغلالها، والإقبال على الإنشاء يزيد الصافي في الإنتاج وكذا في التجارة والصناعة.
هـ ـ الرغبة في التقدم والنمو والسيطرة والقوة والثروة يدفع إلى العمل والإنتاج الجيد الغزير.
و ـ ما وعد الله به عباده من جزاء عادل يوم القيامة )يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ([الزلزلة: 6 ـ 8].
واجبات العاملين:
أـ اختيار العمل المناسب له )لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ([البقرة: 286] وقال سيدنا محمد: ( لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قالوا: كيف يذل نفسه قال: يتعرض للبلاء لما لا يطيقه ).
ب ـ الاستمرار في طلب العلم ليستفيد بكل جديد ليتقنه. قال الرسول: ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه ).
جـ ـ بذل أقصى إنتاج بمقابل الأجر المناسب.
د ـ الزيادة الكبيرة في عائد كافة فروع الإنتاج وهو ما يشجع العاملين على الإقبال على إنشائها واستغلالها. ففي الزراعة مثلاً يزيد صافي الإنتاج، وكذا الصناعة.
هـ ـ الرغبة في التقدم والنمو والسيطرة والقوة والثروة يدفع إلى العمل والإنتاج الجيد الغزير.
واجبات رب العمل:
أـ سداد الأجور في المواعيد المحددة ـ وقال سيدنا محمد: ( أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ).
ب ـ وضع العامل المناسب في المكان المناسب.
جـ ـ عدم السماح بوجود بطالة مقنعة والسماح باشتراك العمال في نصيب عن الزيادة من الأرباح.
هـ ـ المساهمة في تدعيم الحياة الاجتماعية للعامل.
واجبات ومسؤوليات الولاية:
أـ إصدار التشريعات لحماية العمل والعمال والأجور والمكافآت والبدلات.
ب ـ حماية الأطفال والنساء ( باعتبارهم الأضعف ).
جـ ـ القضاء على البطالة بإتاحة فرصة للعمل لكل فرد ( القائم حالياً رفع مستلزمات الإنتاج وخفض سعر المنتج في مكان الإنتاج ).
د ـ التدخل من قبل الولاية لتحقيق الصالح للعمل والعمال ورب العمل ووضع مقاييس تعاملاتهم المرتبطة.
هـ ـ الإشراف والرقابة والتوجيه والحساب وتوقيع الجزاء المناسب بما يحافظ على العمل والعمال ورب العمل.
إنسانية الإنسان:
مراعاة مبدأ المحافظة على كرامة الإنسان )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ([الحجرات: 13].
)ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ([الإسراء: 70].
من أجل ذلك دعا الإسلام إلى التكامل والتعاون والتضامن لتوفير أسباب الحياة الكريمة للضعفاء والمرضي وكبار السن وكل من يقعد عن العمل لسبب خارج عن الإرادة كالبطالة والحوادث وطالب الأغنياء بهذا الواجب ليعيش الناس عيشة راضية خالية من الكراهية.
الأجور:
الأجر هو ما يحصل عليه العامل مقابل جهده في عملية الإنتاج عن فترة زمنية محددة قد تكون ساعة أو يوماً أو أسبوعاً أو شهراً أو سنة وقد يحدد الأجر بالقطعة، وقد يحصل على ميزات مادية ويستخدم العامل أجره في شراء السلع لحاجاته أو لأسرته أو في خدمات استهلاكية، وقد يدخر جزء منه لاستثماره في مشاريع إنتاجية لزيادة دخله.
أولاً: مستوى الأسعار:يتحكم في تحديد القيمة الشرائية للأجور فإذا ارتفعت الأسعار مع ثبات الأجور انخفضت القيمة الشرائية، وإذا انخفضت الأسعار مع ثبات الأجور ارتفعت القيمة الشرائية، وإذا تنافست الأسعار والأجور في الارتفاع نشأت أزمة التضخم بكل مساوئها.
ثانياً: محددات الأجور:
أـ مستوى مسؤولية العمل وما يترتب عليها من نتائج.
ب ـ الشروط الواجب توفرها لكل عملية بجهاز العمل.
جـ ـ خبرة العامل ومستواه الإنتاجي كما ونوعاً.
د ـ الموارد الطبيعية من حيث الكم أو النوع.
هـ ـ المستوى العلمي والفني والوضع الاجتماعي.
و ـ أوقات الراحة وغيرها من المميزات.
ويرعى في كل ذلك كله إنسانية العامل بحيث أن تؤمن له عيشة كريمة كسائر الناس ومراعاة تغطية احتياجاته الضرورية. إذ يقول ( سيدنا محمد ): ( من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ له منزلاً أو ليست له زوجة فليتخذ زوجة أو ليس له خادم فليتخذ له خادماً أو ليست له دابة فليتخذ له دابة ).
ولذلك كان على ولي الأمر ( الحكومات ) التدخل في الحياة الاقتصادية لتحديد حد أدنى للأجور ضماناً لحياة مستقرة للعامل وحفاظاً على اجتهاده وإخلاصه وأمانته.
ثالثاً: اختلاف الأجور:
أـ باختلاف العاملين.
ب ـ اختلاف الأعمال.
جـ ـ اختلاف الأماكن بالنسبة لاختلاف العاملين:
يختلف العاملون في العقول والقدرات والاستعدادات فمنهم العالم والجاهل والجد والخامل، والقوي الضعيف، والمصلح والمفسد، والأمين والخائن، والعبقري والغبي، والسليم والمريض، والغني والفقير، والصادق والكاذب، والمخلص والمسرف. الخ.... ومن الطبيعي أن يؤثر هذا في اختلاف أعمالهم وجهدهم لتحقيق الإنتاج.
ومن العاملين الزارع والصانع، والطبيب والمهندس، والنجار وغيرهم وتختلف أجورهم بالنسبة لكل مهنة بل لأبناء المهنة الواحدة.
ب ـ اختلاف الأعمال:الأعمال تختلف من أهمها القضاء والتشريع والدفاع والسياسة والتربية والتعليم والهندسة والمحاسبة، ومنها الزراعة والصناعة والتجارة والنسيج بل من هذه قد تجد تصنيفاً ومنها السهل والصعب والمتوسط، ومنها العمل البدني وآخر ذهني وآخر إداري أو تنفيذي، ولكل منها أجره مقابل الجهد المبذول والنتائج ونوع العمل ومستواه ومسؤوليته.
جـ ـ اختلاف الأماكن:تختلف الأماكن عن بعضها حسب موقعها الجغرافي وطبيعة أرضها وجوها وبعدها عن مقر الإقامة ومستوى تكاليف المعيشة ووسائل النقل والمواصلات والخدمات وتتحدد الأجور على ضوء العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية.
رابعاً: المساواة في الأجور:تستحيل المساواة بين جميع العاملين لاختلافهم في الجنس والقوة والضعف، والسليم والمريض، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والمصلح والمفسد، والمجد والخامل، والرئيس والمرؤوس، ولولا هذا الاختلاف لما وجد لكل عمل من يشغله، ولما وجد لكل سلعة من يشتريها ولما وجد لكل خدمة من يؤديها ولما أمكن للحياة أن تستمر ويقول الله: )أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون ([الزخرف: 32].
يتبــــــــــــع
  #635  
قديم 10-05-2008, 09:11 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .. تنمية الإنتاج والاستثمار في ضوء القرآن والسنة
)ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ([البقرة: 251].
خامساً: العدل في الأجور:لا أجد توضيحاً شاملاً لهذا الشأن إلا قول الله تعالى في الآيات الآتية: )والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ([النحل: 71].
)ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون. وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ([النحل: 75 ـ 76].
هذه مشكلة بالنسبة للبشر ولكن يمكن تحديد العدل بقدر ما في إمكانية البشر وهو:
1ـ دراسة كل عمل وتقسيمه إلى مراحل من واقع الميدان.
2ـ تحديد الشروط المطلوب توافرها في كل نوعية عمل في كل مرحلة.
3ـ تحديد الأجر المناسب لكل عمل على أساس واجباته.
4ـ مقابل للزيادة في الإنتاج عن المعدل وعن جودته.
ولما كان من بين العاملين في الحقل الواحد وبالأجر الواحد المجد وآخر خامل فيكون الخامل تقاضى أكثر مما يستحق والمجد أقل.
ولما كان من الأعمال مجهودات يتعذر تقييمها فأي أجر يعدل عدل حاكم؟ وأي أجر يساوي نفع عالم عامل؟ وأي أجر يعادل حق المخترع لشيء نافع؟ وأي أجر يوازي نصر جندي على الأعداء وأي أجر يوازي فقد حياته وإصابته بعاهة؟ إذن ما زاد عن قدرة بصيرة المشرعين فهو شأن رب العالمين.
كما وإن من الأعمال ما لا يستحق صاحبه أجراً إذا أهمل أو قصر ومن يفرط فيستحق العقوبة ومن أفسد أو استغل يستوجب أشد العقاب. ولذا فإن مشكلة الأجور وعلاجها ستظل قائمة في الدنيا إذ إن منطق المقصرين في أعمالهم )إن هؤلاء ليقولون. إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين ([الدخان: 34 ـ 35].ويرد عليهم الله: )أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ([المؤمنون: 115].
والقانون الإلهي لحياتنا هو الاستقامة والحق )ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين. ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ([الأنفال: 7 ـ 8 ].
فليس من الحق أن يتساوى العادل مع الظالم، ولا المصلح مع المفسد، ولا الأمين مع الخائن، ولا الجاني مع المجني عليه، ولا الظالم مع المظلوم.
وإن من العدل أن ينال كل جزاءه العادل ويكون الجزاء من جنس العمل وهذا من اختصاص الوالي والقضاة المشرعون )وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ([ص: 27 ـ 28].
سادساً: التفتيش:ويجب أن يركز الولاة والقادة على الرقابة لتسجيل كل عمل قام به كل إنسان في دنياه مع الشهود ( المفتشين ) والمستندات المؤيدة )وكان الله على كل شيءٍ رقيباً ([الأحزاب: 52].)ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ([يونس: 61].
وهل هناك أكبر توضيحاً من قول الله: )ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ([ق: 16 ـ 18].
سابعاً: الجزاء العادل حق:ويجب على ولي الأمر أن يؤمن بقول الله: )وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ([الجاثية: 22].
فالتجاوز عن الفساد ظلم إذا لم يخلق الله الحياة الدنيا لتكون فوضى لا نظام لها ولا غاية، إنها خلقت بالحق كنظام وللحق كغاية، ويريد الله أن يرى أثر نعمه الكثيرة على الإنسان حين ينتفع بها في الخير، ويبتعد عن الشر، فيعمل العامل عمله بدافع الإيمان الصادق والعلم النافع يكون عادلاً لا ظالماً وشجاعاً لا خائفاً ومعتدلاً لا مسرفاً ومتزناً لا متعصباً وحكيماً لا مندفعاً.
فإن أطاع الله كان له الثواب، وإن عصى كان له أنسب عقاب.
هذه الأمور يجب أن يثقف بها العامل والوالي وتحل المشاكل )من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ([النحل: 97].
وفي الآية فعل شرط وجوابه، وفي الحياة الطيبة قال ابن عباس: إنه الرزق الحلال.
وعن علي رضي الله عنه القناعة.
وقال الضحاك: من عمل صالحاً وهو مؤمن في فاقة وميسرة فحياته طيبة.
وقيل عن الحياة الطيبة: الاستغناء عن الخلق والانتقال إلى الحق، وقيل الرضاء بالقضاء.
المال ورأس المال:
المال عند رجال القانون هو كل شيء قال للتملك للانتفاع به، ويشترط فيه في الاقتصاد الإسلامي:
أولاً: أن يكون طيباً نافعاً لا خبيثاً ضاراً.
ثانياً: أن يكون الخلق كريماً ضماناً لتحقيق أولاً.
أما رأس المال فهو كل ثروة تستخدم لإنتاج سلع جديدة أو الحصول على دخل سواء كان سلعاً إنتاجية أو استهلاكية. وناتج أي عملية إنتاجية رأس مال.
والمصدر الوحيد لملكية رأس المال أو المال هو العمل وليس يعني هذا عدم إمكانية تداوله إذ يمكن أن تكتسب ملكيته عن طريق تصرفات ناقلة للملكية كالبيع والهبة والوصية ولما كان قوله الله: )آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ([الحديد: 7]فاستخلاف الله للإنسان يعني:
1ـ أن أصل التملك للمال ( جميع الثروات ) يعود لله سبحانه وملكية الإنسان بالوكالة.
2ـ نتيجة لذلك يصبح التصرف للإنسان فيما ملكه الله بالوكالة مقيداً بإرادة الأصل وهو الوكيل وفق أوامره ونواهيه.
3ـ أن موضوع الخلافة أو محلها هو إعمار الأرض بمعنى زيادة ما فيها من طيبات وذلك من الاستثمار. من هذا تبين لنا أن الله حدد وظيفة البشر في الاستخلاف في قوله: )هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ([هود: 61].
ومهمة المال تصب في صالح الفرد والمجتمع ليسهم في صلاح الدنيا والآخرة.
وعليه: ففي الإسلام تتجاوز وظيفة المال مجالات إشباع الحاجات إلى صالح المجتمع ككل ودون ذلك فهو خلل في تأدية وظيفة المال. ومن حق المجتمع في المال توسيع قاعدة المستفيدين.
)الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذًى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ([البقرة: 262].
)يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد ([البقرة: 267].
والإسلام يمنع تراكم رأس المال بصورة تهدد التوازن الاجتماعي بما فرضه من الزكاة كما منع الاحتكار.
قال سيدنا محمد: ( من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس والجذام ).
إذ لا بد من استخدام رأس المال فيما يعود بالنفع على الأمة وقد أجاز لولي الأمر منع الضرر عن طريق إجبار صاحب رأس المال على استثماره. إذ فهي لله اكتناز الأموال وحرم حبسها عن الاستثمار فقال تعالى: )والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ([التوبة: 34 ـ 35].
وقال رسول الله: ( اتجروا في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة ).
كما قال رسول الله: ( نعم العون على تقوى الله المال ).
تعريف الاستثمار:
هو ارتباط مالي بهدف تحقيق مكاسب يتوقع الحصول عليها على مدة طويلة في المستقبل.
إذن: الاستثمار نوع من الإنفاق على أصول يتوقع عنها تحقيق عائد على مدى فترة طويلة.
تقسيمات رأس المال المستغل في الاستثمار:
يقسم المادي وغير مادي.
فالمادي:كالآلات والمباني، والمواد الأولية والنصف مصنوعة وهي قابلة للاستبدال.
أما الغير: قابلة للاستبدال كالماء والهواء وحرارة الشمس.
والغير مادي:
أـ داخلية:كصفات الإنسان كالذكاء والمهارة وهي غير قابلة للاستبدال.
ب ـ خارجية:كالاسم التجاري وهو قابل للاستبدال، ومنها غير قابل للاستبدال كشهرة المحل.
وقسم علماء المسلمين الأموال ورأس المال إلى:
الأول: الأموال الحلال. والثاني: الأموال الحرام.
فالأول: هو كل مال طيب وآلت ملكيته بالحق )يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ([البقرة: 168].
)ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ([البقرة: 188].
إذن الأموال الحرام: هو كل مال خبيث وآلت ملكيته بالباطل.
وهي كل مال جاء عن طريق:
1ـ الربا.
2ـ المحاربة.
3ـ السرقة.
4ـ الخمر.
5ـ الغش.
6ـ الاحتكار.
7ـ الرشوة.
1ـ الربا: فضل مال بغير مقابل أو عوض مشروط في عقد معاوضة أو في مبادلة مال بحال وحكمه حرام. ووجه الفساد أن النقود الورقية ـ أو غيرها ـ على سبيل الحقيقة وسيلة التبادل في الأموال ( والمال ما له قيمة بين الناس ينتفع به حال السعة والاختيار ) والنقود: يتوسل بها إلى معرفة مقادير وقيم الأموال وهو ما يسمى بالثمن. فالثمن معيار الأموال به تعرف قيمتها في التبادل. وعلى ذلك كيف يكون الثمن ثمناً لذاته أو نفسه وهذا شأن الفائدة على النفوذ إذ هي نقود أيضاً والاستثمارات تتناسب طردياً مع الربح الحلال وتتناسب عكسياً مع الربا.
فإذا كان الثمن معيار أموال الناس، فكيف يعاير الثمن نفسه وإذا كان لا بد للثمن من مثمن فكيف يثمن نفسه؟.
وشيخ الإسلام أحمد بن تيمية مذهبه واضح في أن الأثمان معيار أموال الناس ولهذا ينبغي للسلطان أن يضرب لهم فلوساً تكون بقيمة العدل في معاملاتهم من غير ظلم لهم، ولا يتجر ذو السلطان في الفلوس أصلاً، والشارع نهى أن يباع ثمن بثمن إلى أجل، وقد وردت آيات قرآنية تدل على وسائل العلم بالتساوي والتماثل بقوله تعالى:
)ويا قوم أوفو المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ([هود: 85].)ولا تنقصوا المكيال والميزان ([هود: 84].
)وزنوا بالقسطاس المستقيم ([الشعراء: 182].
ولقد عني الفقهاء في استنباط المعيار فهي بالثمن وبالكيل وبالوزن منفردة أو مجتمعة بعضها مع بعض.
وقد ورد عن الربا بالقرآن ما فيه الكفاية منها: )وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ([الروم: 39].
)فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً. وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً ([النساء: 160 ـ 161]. وأخطر آية عن الربا: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ([البقرة: 278 ـ 280].
وعن ابن مسعود: لعن الرسول: ( آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده ). وقال: ( رأيت ليلة أسري بي رجلاً يسبح في نهر يلقم بالحجارة فسألت من هذا فقيل: آكل الربا ).
المحاربة:هي قطع الطريق بقصد سلب الأموال ونهبها بالقوة.
)إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ([المائدة: 33 ـ 34].
وقال مالك: ( المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو في برية وكابرهم عن أنفسهم وأموالهم دون نائرة ( هالجة ) ولا ذُحل ( الثأر ).
وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ: وغنما كانت المحاربة عظيمة الضرر لأن فيها سد الكسب على الناس فمن أكثر المكاسب وأعظمها التجارات وركنها وعمادها الضرب في الأرض كما قال عز وجل: )وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله (فإذا خيف الطريق انقطع الناس عن السفر واحتاجوا إلى لزوم البيوت فانسد باب التجارة عليهم وانقطعت إكسابهم فشرع الله على قطاع الطريق الحدود المغلظة وذلك الخزي في الدنيا ردعاً لهم عن سوء فعلهم والإمام مخير في الحكم بالأحكام التي أوجبها الله من القتل والصلب أو القطع أو النفي.
السرقة: هي أخذ مال الغير بدون حق وبدون علم صاحبه أو موافقته )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم ([المائدة: 38].
وحدد الرسول إقامة الحد ( لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً ) ولا تقطع للأبوين بسرقة ابنهما لقوله عليه الصلاة والسلام: ( أنت ومالك لأبيك ).
وقال ابن القاسم: ( ولا يقطع من سرق من جوع أصابه ).
وقد أوقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تطبيق العقوبة في عام المجاعة.
وقال أبو حنيفة: لا قطع على أحد من ذوي المحارم مثل العمة والخالة والأخت وغيرهن.
الخمر:من الأموال التي حرمها الله وقد حرمت تدريجياً.
)يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما (]البقرة: 219].
وقال رسول الله: ( إن الذي حرم شربها حرم بيعها وقد لعن الخمر ولعن معها عشرة: بائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها ).
الرشوة:أخذ الرشوة لإبطال حق أو مالاً يجوز شرعاً وهي سحت حرام.
وقال القرطبي في تفسير: )ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ([البقرة: 188].
وقال الرسول في شأن من يحكم له القاضي والذي حكم له يعلم بأنه على باطل ( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع فمن قطعت له حق من أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار فليحملها أو يذرها ).
وقال الرسول: ( السحت أن يقضي الرجل لأخيه حاجة فيهدى إليه هدية فيقبلها.. ). وقيل للرسول ما السحت؟ قال:( الرشوة ).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ).
الغش: أمر الله سبحانه وتعالى بالحق والعدل في الأخذ والعطاء عند البيع والشراء فقال: )فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ([الأعراف: 85].
وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لأحد بيعاً إلا أن يبين آفته ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا تبيينه ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ( البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما في بيعهما وإذا كتما وكذبا نزعت بركة بيعها.. ).
الاحتكار:الجالب مرزوق والمحتكر محروم ومن احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس والجذام.
وإذا تدخل الوالي عن طريق أفراد أو مجموعة أشخاص بالقيام بعمل في فرع معين لتحقيق أغراض اقتصادية أو اجتماعية للمصلحة العامة تخضع لقواعد ويحكمها النظام فهذا جائز أما إذا نشأ الاحتكار نتيجة مميزات تبيح لأشخاص حقيقيين أو معنويين القيام بأعمال صناعية لها صبغة احتكارية تضر بالصالح العام عن طريق إخفاء السلعة إذ تعطيل الإنتفاع فترة من الوقت بغرض رفع السعر لقلة المعروض فأجمع العلماء على تحريمه كما قال سيدنا محمد: ( لا تسعروا فإن المسعر هو الله ). فهذا يؤكد الحرية في التجارة والمنافسة المشروعة.
والعلاج بالتسعير الجبري إذا اقتضت الضرورة لصالح المسلمين يكون كعلاج مؤقت لحين زوال الموانع.
وأموال أخرى محرمة: يضاف إلى ما سبق من الأموال الحرام أكل مال اليتيم والصيد والإنسان محرم، وتربية الخنزير بغرض التجارة...
وقال رسول الله: ( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ).
[1]وكيل وزارة التجارة والتموين الأسبق، وعضو مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمصر سابقاً.
  #636  
قديم 10-05-2008, 09:15 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

اوفو بالعقود




إعداد الدكتور نظمي خليل ابو العطا
- قال ابو منصور الثعالبي رحمه الله في كتابه القيم الاعجاز والإيجاز: ((من أراد ان يعرف جوامع الكلم ويتنبه على فضل الاعجاز ويحيط ببلاغة الإيماء ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرأن الكريم وليتأمل علوه على سائر الكلام)).(أ.هـ).
- وقد حوى القرآن الكريم آيات كافيات وصلت إلى 6236 آية، الآية الواحدة تُصلح أمة، فهي دستور حياة.
ولو اتبعت الأمة الإسلامية أمر ربها وطبقت آية واحدة لغدت خير أمة أخرجت للناس، ومن هذه الآيات الكافيات قول الله سبحانه وتعالى(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) سورة المائدة آية (1).
معنى العقود:
العقودك هي العهود (حسنين مخلوف ـ كلمات القرآن الكريم ).
وقال الراغب الأصفهاني في كتاب مفردات ألفاظ القرآن: العقد : الجمع بين أطراف الشيء،ويستعمل ذلك في الأجسام الصُلبة كعقد الحبل وعقد البناء، ثم يستعار ذلك للمعناني نحو: عقد البيع، والعهد وغيرها.
والعقد مصدر استعمل اسما فجمع نحو (أوفوا بالعقود) المائدة (1) (أ .هـ ) .
السّعدي والوفاء بالعقود:
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:
" يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود "هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود: أي بإكمالها، واتمامها، وعدم نقصهِا ونقِصها .
وقال : (وهذا شامل للعقود، التي بني العبد وربه من التزام عبوديته، والقيام بها اتم قيام، وعدم الانقاص من حقوقها شيئاً، والتي بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم ووصلهم، وعدم قطيعتهمن ,التي بينه وبين أصحابه (المتقين) من القيام بحقوق الصحبة في الغني والفقر، واليسروالعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملاتن كالبيع والإجارة، ونحوها. وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، والقيام بحقوق المسلمين، التي عقدها الله سبحانه وتعالى بينهم بقوله (إنما المؤمنون إخوة ) بل التناصر على الحق، والتعاون عليه، والتآلف بين المسلمين، وعدم التقاطع، فهذا أمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخله في العقود التي أمر الله بالقيام بها ) (أ. هـ ).
قطب والوفاء بالعقود:
قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسير (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) في ظلال القرآن : (لابد من ضوابط للحياة .. حياة المرء مع نفسه التي بين جنبيه، وحياته مع غيره من الناس ومن الأحياء والأشياء عامة الناس من الأقربين والأبعدين، من الأصل والعشيرة، ومن الجماعة والأمة، ومن الأصدقاء والأعداء و الأحياء مما سخر الله للإنسان ...
والأشياء مما يحيط بالإنسان في هذا الكون العريض .. ثم ... حياته مع ربه ومولاه وعلاقته به هي أساس كل حياة ) أ . هـ .

ونحن نقول بالله التوفيق:
إذا وفَّينا بعقودنا،وأنضبط كل مسلم على أوامر ربه في هذه الآية : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) لاستقامت حياة المسلمين، فإذا وفى كل مسلم بالعقد الأول مع ربه الوارد في قوله تعالى (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذوريتهم وأشهدهم على انفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )[سورة الأعراف : 172]،ووفاء المسلم بهذا العهد الذي أخذ عليه في عالم الذر يوجب عليه عدم الإشراك بالله، وعدم الكفر به أو العمل والعبادة لغيره، ويجب عليه اتباع شرع الله الإسلام الحنيف.
ولو وفى المسلم بشهادته(ان محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم ما عصى مسلم اوامر رسول الله وما حكم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينه وبين عباد الله، وما أبتدع في دين الله، وكان من نتيجة ذلك: اتباعه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذه الأسوة في جميع أقواله وأفعاله ونواياه، مع الرضا والتسلم التام .
وإذا وفى الزوج المسلم، ووفت الزوجة المسلمة بعقد زواجهما المؤسس على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ما ظلم زوج زوجاَ، وما قصر في مسؤلياته ولعمت السعادة بيوت المسلمين، وتقلصت الخلافات والمخالفات الإجتماعية والشريعية والأسرية، وساعتها تتحول بيوت المسلمين إلى دوحات للمحبة والرحمة والدفء والسكن والمودة.
لو وفى المسلمون بعقد الله معهم، بعد الإفساد في الأرض إمتثالاث لقول ربهم سبحانه وتعالى : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) [سورة الأعراف : 85]،ما تلوثت مياههم ولا أرضهم ولا شوارعهم ولا مؤسساتهم ولا فروجهم وأعينهم وأرجلهم وأيديهم ولحظتها ستختفي الفتن والحروب بين المسلمين وبعضهم البعض، وسيختفي الأفساد والتخريب والقتل والسرقة والشذوذ في كل تصرفاتهم .
لو وفى العامل المسلم بعقد العمل لأحسن العمل وأتقنه وما أخر موظف مصالح العباد، وما تعطل الأنتاج وساعتها ستختفي جميع مظاهر السلوك الباطلة لدى العاملين المسلمين.
لو طبق علماء المسلمين هذه الآية ما تكاسلوا، وما تخلفنا علمياً وتقنياً، وما تحولت الشهادات إلى رخص ورقية للوظيفة وما تحولت البحوث إلى وسائل للترقية الوظيفية في مؤسساتنا العلمية، ولم يوسد الأمر للجهلاء.
لو طبقت هذه الآية في الإعلام الإسلامي لانتشرت وسائل الفضيلة، وأختفت مسالك الرذيلة، وما انفقت أموال المسلمين في اللهو والمجون والفضائيات المفسدة.
لو طبق المعلم المسلم هذه الآية لم يتكالس، ولم يتقاعس عن التدريب وتحصيل العلم وطرائق تعلمه الحديثة، وأصلح التعليم وصلحت مخرجاته، وهدأت نفوس الطلاب وأولياء الأمور والتربويين والمصلحين وانصلح حال الأمة .
لو وفى الطالب المسلم بالآية السابقة لمتلأت مدارسنا بالدارسين الجادين والنوابغ المبدعين المحافظين على مؤسساتنا التعليمية والحرصين على العلم النافع وتحصيله، والموقرين لأساتذتهم ومدرائهم وأولياء أمورهم، وساعتها ستختفي كثير من المظاهر السلبية في حياتنا التعليمية التعلمية.
لو طبق الحاكم المسلم هذه الآية، لحكم بالعدل وأمن الشر، ونام قرير العين في ظل أي شجرة في بلده.
لو طبق المحكوم المسلم هذه الآية السابقة لأسغنينا عن الشرطي والمحتسب، ورجال الصحة الغذائية، وما خرب مسلم أي شئ في بلده، ولقام بواجباته الوطنية وساعتها تختفي الجريمة ويتحول المحكوم إلى حارس أمين للحاكم والوطن.
لو طبق المسلمون هذه الآية ما تنازعوا وما اختلفوا أمتثال أمر ربهم حيث قال لهم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )[سورة الأنفال : 46].
لو طبق المسلمون هذه الآية لأختفت العمالة واللجوء إلى أعداء الأمة، ولقاتلنا المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة، وساعتها تختفي المؤمرات الخارجية، والمشاكل الحدودية، والنزعات القبلية والسلوكيات الجاهلية من حياة المسلمين .
وهكذا أخي المسلم أختي المسلمة آية واحدة من كتاب الله تصلح بالنا وتحول ديارنا إلى أمن وأمان وتورثنا رضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الموفين بعهودهم والممتثلين لأمر ربهم عندما قال لهم (يا أيها الذين آمنوا أوفوابالعقود )[سورة المائدة : 1].

فهل من مدكر .

  #637  
قديم 10-05-2008, 09:26 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الإعجاز الاقتصادي في القرآن - حكمة تحريم الإسلام للربــا

حكمة تحريم الإسلام للربــا
قال تَعَالَى:
( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [1].
و عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ)[2]
تعريفه : الربا في اللغة : الزيادة، والمقصود به هنا : الزيادة على رأس المال .
حكمه :و هو محرم في جمع الأديان السماوية، ومحظور في اليهودية والمسيحية والإسلام جاء في العهد القديم : ( إذا أقرضت مالاً لأحد من أبناء شعبي، فلا تقف منه موقف الدائن . لا تطلب منه ربحاً لمالك ) [3].
و في كتاب العهد الجديد : ( إذا أقرضتم لمن تنتظرون منه المكافأة، فأي فضل يعرف لكم ؟ ولكن افعلوا الخيرات، وأقرضوا غير منتظرين عائدتها . وإذن يكون ثوابكم جزيلاً ) [4] واتفقت كلمة رجال الكنيسة على تحريم الربا تحريماً قاطعاً .
مضار الربا على الاقتصاد والمجتمع والفرد
الآثار النفسية والخلقية
أنزل الله دينه ليقيم العباد على منهج العبودية الحقة، التي تعرج بهم إلى مدارج الكمال، وتسمو بهم إلى المراتب العليا، وبذلك يتخلصون من العبودية، ليقصروا أنفسهم على عبادة رب الخلائق، ويتخلصون بذلك من الفساد الذي يخالط النفوس في تطلعاتها ومنطلقاتها .
إن الإسلام يريد أن يطهر العباد في نفوسهم الخافية المستورة، وفي أعمالهم المنظورة، وتشريعات الإسلام تعمل في هذين المجالين والقرآن الكريم سماهما بالتزكية والتطهير قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [5]
وقد أقسم الرب تبارك وتعالى في سورة الشمس أقساماً سبعة على أن المفلح من زكا نفسه، والخائب من دساها، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [6]
والربا واحد من الأعمال التي تعمق في الإنسان الانحراف عن المنهج السوي، ذلك أن المرابي يستعبده المال، ويعمي ناظريه بريقه، فهو يسعى للحصول عليه بكل السبل، وفي سبيل تحقيق المرابي لهدفه يدوس على القيم، ويتجاوز الحدود، ويعتدي على الحرمات، إن الربا ينبت في النفس الإنسانية الجشع، كما ينبت الحرص والبخل، وهما مرضان ما أصابا نفساً إلا أفسدا صاحبها، ومع الجشع والبخل تجد الجبن والكسل، فالمرابي جبان يكره الإقدام، ولذلك يقول المرابون والذين ينظرون لهم : إن الانتظار هو صنعة المرابي، فهو يعطي ماله لمن يستثمره، ثم يجلس ينتظر إنتاجه لينال حظاً معلوماً بدل انتظاره، وهو كسول متبلد لا يقوم بعمل منتج نافع، بل تراه يريد من الآخرين أن يعملوا، ثم هو يحصل على ثمرة جهودهم، ولعل الآية القرآنية تشير إلى هذا المعنى قال تعالى : (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) ( [7]فالآية تشير إلى أن المرابي يعطي ماله للآخرين كي ينمو من خلالها .
لقد وصف القرآن الكريم آكل الربا بقوله :
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [8].
كما أكد سبحانه أن الله سبحانه يذهب بركة الربا ويصيبه بالهلاك والدمار في قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [9].
الربا يحدث آثاراً خبيثة في نفس متعاطيه وتصرفاته وأعماله وهيئته، ويرى بعض الأطباء أن الاضطراب الاقتصادي الذي يولد الجشع، يسبب كثيراً من الأمراض التي تصيب القلب، فيكون من مظاهرها ضغط الدم المستمر، أو الذبحة الصدرية أو الجلطة الدموية، أو النزيف في المخ، أو الموت المفاجئ.
و لقد قرر عميد الطب الباطني في مصر الدكتور عبد العزيز إسماعيل في كتابه ( الإسلام والطب الحديث ) أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب[10]
.
تخبط المرابي :
وقد وصف القرآن الحال الذي يكون عليها المرابي بحال الذي أصابه الشيطان بمس قال تعالى :
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:275).
والتخبط في اللغة ـ كما يقول النووي ـ رحمه الله تعالى ـ الضرب على غير استواء، يقال : خبط البعير إذا ضرب بأخفافه، ويقال للرجل الذي يتصرف تصرفاً رديئاً ولا يهتدي فيه هو يخبط خبط عشواء، وهي الناقة الضعيفة البصر ( [11]) .
و لأن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات والاشتغال بغير الله، فهذا هو المراد بمس الشيطان، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطاً، فتارة الشيطان يجره إلى النفس والهوى وتارة الملك يجره إلى الدين والتقوى، فحدثت هناك حركات مضطربة، وأفعال مختلفة، فهذا هو التخبط الحاصل بفعل الشيطان "[12].
و لكني أرى أن هذا التخبط الذي يصيب آكل الربا ليس مقصوراً على هذا الجانب الذي ذكره الرازي، بل هو أوسع مما أشار إليه، وهو ملازمة لحالته النفسية واضطرابه في تصرفاته وأعماله .
انعكاسات الربا على المجتمعات الإنسانية :
لا يمكن أن تقوم المجتمعات الإنسانية ما لم يترابط الناس فيما بينهم بروابط الود والمحبة القائمة على التعاون والتراحم والتكافل، ومنبع الود والمحبة والتكافل والتعاون والتراحم والأخوة بين أبناء الأمة الواحدة .
و الأفراد في المجتمعات، أو القطاع من الأمة الذين لا تؤرقهم آلام إخوانهم وأوجاعهم ومصائبهم كالعضو المشلول، الذي انعدم فيه الإحساس، وانقطعت روابطه بباقي الجسد، ومثله كمثل الحمار الذي يدور حول الرحى، ذلك أن اهتماماته وتطلعاته وغاياته تدور حول أمر واحد هو مصالحه الذاتية، فلا تراه لدموع الثكالى، ولا لأنات الحزانى، ولا لأوجاع اليتامى، يرى البؤساء والفقراء فلا يعرف من حالهم إلا أنهم صيد يجب أن تمتص البقية الباقية من دمائهم .
ألم يصل الحال بالمرابين قسات القلوب إلى أن يستعبدوا في بعض أدوار التاريخ أولئك المعسرين الذين لم يستطيعوا أن يفوا بديونهم وما ترتب عليها من ربا خبيث .
ألم يخرج أبو لهب العاص بن هشام إلى بدر، لأن العاص مدين لأبي لهب، ففرض عليه الخروج إلى المعركة بدلاً عنه .
كيف ينعم مجتمع إذا انبث في جنباته أكلة الربا الذين يقيمون المصائد والحبائل لاستلاب المال بطريق الربا وغيره من الطرق !! وكيف يتآلف مجتمع يسود فيه النظام الربوي الذي يسحق القوي فيه الضعيف ..
كيف نتوقع أن يحب الذي نهبت أموالهم، وسلبت خيراتهم ـ ناهبيهم وسالبيهم !! إن الذي يسود في مثل هذه المجتمعات هو الكراهية والحقد والبغضاء، فترى القلوب قد امتلأت بالضغينة ،و الألسنة ارتفعت بالدعاء على هؤلاء الأشقياء الذين سلبوهم أموالهم، وكثيراً ما يتعدى الأمر ذلك عندما يقومون بثورات تعصف بالمرابين وأموالهم وديارهم، وتجرف في طريقها الأخضر واليابس .
يقول المراغي رحمه الله تعالى : " الربا يؤدي إلى العداوة والبغضاء والمشاحنات والخصومات، إذ هو ينزع عاطفة التراحم من القلوب، ويضيع المروءة، ويذهب المعروف بين الناس، ويحل القسوة محل الرحمة، حتى إن الفقير ليموت جوعاً، ولا يجد من يجود عليه ليسد رمقه، ومن جراء هذا منيت البلاد ذات الحضارة التي تعاملت بالربا بمشاكل اجتماعية، فكثيراً ما تألب العمال وغيرهم على أصحاب الأموال، واضربوا عن العمل بين الفينة والفنية، والمرة بعد المرة . ومنذ فشا الربا في الديار المصرية ضعفت فيها عاطفة التعاون والتراحم، وأصبح المرء لا يثق بأقرب الناس إليه، ولا يقرض إلا بمستند وشهود، بعد أن كان المقرض يستوثق من المقترض ـ ولو أجنبياً ـ بألا يحدث أحداً بأنه اقترض منه، وما كان المقرض في حاجة في وصول حقه إليه إلى مطالبة، بلا محاكم ومقاضاة " [13].

و لقد بلغت خسة الطبع وفساد الخلق بالمرابين اليهود إلى أن يتآمروا على المجتمعات التي فتحت أبوابها لهم، بل على العالم بأسره، ويوقدون نيران الحروب، ويسعون في الفساد، وقد نبأنا القرآن خبرهم، وكشف لنا جرمهم عندما قال :
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [14]
و قد نبه كثير من الكتاب المحققين إلى أن أباطرة المال اليهود هم الذين كانوا وراء إشعال نيران الحروب في القرن الماضي، كما أنهم هم الذين أوقدوا نيران الحربين العظميين في القرن . لقد سالت الدماء أنهاراً، أهدرت ملايين من الدنانير، كل ذلك ليربو المال اليهود، وتعظم سيطرة اليهود في العالم .

الخلل الذي يصيب المجتمع بسبب اختلال توزيع الثروة فيه :
إذا أصبح المال دولة بين الأغنياء، شقي أغنياؤ ذلك المجتمع وفقراؤه، والربا يركز المال في أيدي فئة قليلة من أفراد المجتمع الواحد ،و يحرم منه المجموع الكثير، وهذا خلل في توزيع المال، يقول الدكتور ( شاخت ) الألماني، مدير بنك الرايخ الألماني سابقاً في محاضرة ألقاها في سوريا في عام 1953 : " إنه بعملية رياضية ( غير متناهية ) يتضح أن جميع المال صائر إلى عدد قليل جداً من المرابين، ذلك أن الدائن المرابي يربح دائمـاً في كل عمليـة، بينما المدين معرض للربح والخسارة، ومن ثم فإن المال كله في النهايـة لا بد بالحساب الرياضي أن يصير إلى الذي يربح دائماً ( [15])
.
و هو الذي يجعل اليهود يصرون على التعامل بالربا، ونشره بين العباد، كما يحرصون على تعليم أبنائهم هذه المهنة، كي يسيطروا على المال ويحوزوه إلى خزائنهم .
و هذا الخلل الذي يحدثه الربا في المجتمعات الإنسانية ـ وهو خلل توزيع الثروة ـ داء يعجز علاجه الأطباء، وقد اعترف رجال الاقتصاد الكبار في العالم الغربي، ومن هؤلاء ( شارل رست )، ورست هذا ـ كما يقول العالم الاقتصادي المسلم عيسى عبده ـ رحمه الله ـ حجة في تاريخ المذاهب الاقتصادية وصاحب مدرسة ليس لها نظير في العالم الغربي، وقد اعترف ( رست ) بعجزه التام عن حل مشكلات العالم الذي يعيش فيه، بعد أن بلغ قمة نضجه، يقول (رست ) : " إنني وقد قاربت سن التقاعد، أريد أن أوصي الجيل الأصغر مني سناً في هذا القضية : لقد أصبحنا الآن بعد هذه الجهود الطويلة في بلبلة مستمرة، فكلنا يشقى بسبب توزيع الثروة، وتوزيع الدخل، سواء منها ما كان جزئياً، مثل قضية الفائدة والربا، أم ما كان مثل تفاوت الطبقات، تعبنا في هذا ولم نصل إلى شيء "[16].
بالله عليك ألم يصرح (رست ) بالنتيجة الحتمية التي يصير إليها كل معرض عن هدي السماء : لقد أصبحنا في بلبلة مستمرة ..، كلنا يشقى بسبب توزيع الثروة .. تعبنا ولم نصل إلى شيء ..، إنه الشقاء، شقاء الحياة الدنيا، وشقاء الآخرة أشد وأبقى قال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معشية ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى . قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً . قال كذلك أتتك ءاياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى . وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) [17].

تدمير الربا للمجتمعات :
الربا بما يحدثه في النفوس من أمراض، وبما بوجده في الاقتصاد من بلايا، وبما يصنعه من خلل ـ يصيب المجتمعات الإنسانية بالدمار .
و صاحب الموسوعة الاقتصادية يقرر أن :" الربا لعب دوراً هاماً في انهيار المجتمعات البدائية وظهور الاقتصاديات القائمة على الرق ن فنظراً لأن القرض كان مضموناً بشخص المقترض نفسه إلى جانب ضمانات أخرى كانت النتيجة نزع ملكية صغار المزارعين، وتحويل عدد منهم إلى رقيق، مما أدى في النهاية إلى تركيز الملكية العقارية في أيدي قلائل "[18].
هذا ما فعله الربا في الماضي، وقد استطاع الكتاب الذي عرفوا باطن الأمور أن يدركوا آثاره في تلك المجتمعات، ولكن كثيراً من هؤلاء يظنون أن الفائدة الربوية اليوم لا تحدث في المجتمعات الإنسانية ما أحدثته في المجتمعات البدائية .
لقد حول المرابون في القديم البشر إلى عبيد يعملون في المزارع التي سرقوها من أولئك العبيد، ولا يزال المرابون إلى اليوم يسعون إلى السيطرة على ثمار جهود البشر، وسرقة عرقهم وأموالهم .
إن عصور الربا الفاحش لم تنته بعد، فذلك وهم، إن لائحة مقرضي المال الصادرة في بريطانيا في سنة 1927 تسمح للمرابين بفرض فائدة تبلغ 48 في المئة [19]هذه هي النسبة المقررة أما المتعامل بها فكانت أعلى من ذلك بكثير، وينقل لنا أنور قرشي بعض الأمور المذهلة التي كانت تجري في بريطانيا العظمى في الربع الأول من هذا القرن ن من تقرير أعدته لجنة مشتركة من مجلس اللوردات ومجلس العموم عن صكوك مقرضي المال في سنة 1925، وعن طريق تقصي أضرار إقراض المال في ( ليفربول ) في سنة 1924 .
لقد توصل أصحاب التقرير إلى أن بعض القروض كانت تصل نسبة الفائدة فيها إلى 250 في المائة و260 و400 و433 في المائة، بل بلغت النسبة في بعض الأحيان، كما يقول التقرير إلى 866 و1300 في المائة في السنة .
لم يكن ما تحدث عنه تقرير مجلس اللوردات ومجلس العموم في أعظم دولة آنذاك حالات فردية لقد قال ممثل اتحاد مقرضي المال للجنة المشتركة : " إن إقراض المال مهنة ضخمة، وإني أقدم إليكم الأرقام، هل يدهش سعادتكم أن تعرفوا أن هناك ما يزيد على 300 من مقرضي المال المسجلين في هذه البلاد "، وتحدث التقرير عن وجود 1380 من هؤلاء المرابين في ( ليفربول وبركنهيد )، وبمقارنة عددهم بعدد السكان وجد أن كل 730 لهم مقرض مرابي [20]
و قد كانت الحال في أمريكيا في الربع الأول من هذا القرن ت كما يقول إقبال القرشي ـ لا تقل سواء عن حال بريطانيا، وقد نقل وقائع وتقارير تدل على أن المرابين كانوا ينالون نسباً عالية تبلغ 20 في المائة، و40 في المائة و100 في المائة، وأكثر من هذا [21].
أما في بلد متأخر كالهند مثلاً فيكفي أن نعلم أن فلاحي مقاطعة البنجاب كانوا يدفعون فوائد تعادل ضعف ريع الأرض كلها، كما جاء في كتاب ( سير مالكو لم لوبال، درالنج ) الموسوم بـ ( الكلاسيكي ) [22].
قد يقال إن الحال اليوم قد تغير، والفائدة أصبحت محددة، وهي لا ترهق الأفراد ولا المؤسسات ولا الحكومات، أقول هذا قصور في النظر وخطل في القول، فإن فوائد البنوك الربوية وبيوتات المال في أوائل هذا القرن لم تكن تتعدى الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة أو الستة أو السبعة في المائة على أكثر تقدير، أما اليوم فإن الفائدة التي كانت تعلنها البنوك الربوية قد بلغت 18، أو 20 في المائة وهي اليوم 10 في المائة، و11 في المائة، و12 في المائة، وقد بلغ الربا في بعض التعاملات في الكويت (800) في المائة فيما عرف بأزمة المناخ، ويذكر المطلعون على تفاصيل الأزمة أن حجم الأموال التي سببت الأزمة بلغ ( 27) ملياراً منها ( 9) مليارات تراكمت بسبب الربا، والذين لا يأكلون الربت كانوا أبعد الناس عن التأثر بهذه الأزمة . ومما يدل على أن هذا البلاء لا يزال آخذاً بأنفاس الناس، ولا يزال رابضاً على قلوبهم، أن ما يسمى بدول العالم الثالث، اليوم مثقلة بديون لا تستطيع صادراتها كلها أن تفي بسداد خدمة الدين الربوية .

الآثار الاقتصادية للربا :
الربا آفة من الآفات إذا أصابت الاقتصاد فإنها تنتشر فيه انتشار السرطان في جسم الإنسان، وكما عجز الأطباء عن علاج السرطان فإن المفكرين ورجال السياسة والاقتصاد عجزوا عن علاج بلايا الربا، ومن العجيب أن بعض الناس ظنوا أن الربا يحدث خيراً للناس، ومثلهم في ذلك مثل الذين يظنون أن التورم في بعض الأجسام الناشئ عن المرض صحة وعافية، فليس كل تضخم في الجسد صلاحاً، إن السرطان إنما هو تكاثر غير طبيعي لخلايا الجسد، وهذا التكاثر ليس في مصلحة الإنسان، بل هو مدمر لحياته، وفاتك به .

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
  #638  
قديم 10-05-2008, 09:33 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبـــع موضوع ... الإعجاز الاقتصادي في القرآن - حكمة تحريم الإسلام للربــا
و كذلك ما يولد الربا ليس صلاحاً للاقتصاد بل هو مدمر للاقتصار، والمشكلة أن بلايا الربا لا تظهر مرة واحدة في كان المجتمع وكيان الاقتصاد، يقول الرازي : " إن الربا وإن كان زيادة في الحال إلا أنه نقصان في الحقيقة "[23]وهذا مستفاد من النص القرآني : ( يمحق الله الربا ) [24] فالمحق نقصان الشيء حالاً بعد حال، ومنه محاق نقصان الشيء حالاً بعد حال، ومنه محاق القمر يعني انتقاصه ليلة بعد أخرى، فالذين يتعاملون بالربا يظنون أن فيه كسباً، والحقيقة التي أحبر بها العليم الخبير، والتي كشف عنها واقع البشر الذي دمره سرطان الربا أن الربا ممحقة للكسب مدمر للاقتصاد، ذلك أنه يصيبه بعلل خبيثة يعي الطبيب النطاسي دواؤها، الربا ليس بركة ورخاء بل هو مرض عضال يذهب المال ويقلله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن الربا وإن كثر فإن فإنّعاقبته تصير إلى قل " أي قلة، رواه ابن ماجه وأحمد والبيهقي في شعب الإيمان .
و علماؤنا الذين أبصروا الحقائق من خلال النصوص القرآنية والحديثية أدركوا هذه الحقيقة، وقد نقلنا قول الرازي الذي يقول فيه : " إن الربا وإن كان زيادة في الحال إلا إنه نقصان في الحقيقة، وإن الصدقة وإن كانت نقصاناً الصورة فهي زيادة في الحقيقة " ويقول المراغي : " إن عاقبة الربا الخراب والدمار، فكثيراً ما رأينا ناساً ذهبت أموالهم، وخربت بيوتهم بأكلهم الربا " [25].
و يقول القاسمي : " المال الحاصل من الربا لا بركة له، لأنه حاصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبته وخيمة " [26]
و الآفات الاقتصادية التي يجلبها الربا كثيرة، وسنتناول في هذه الدراسة ما بدا لنا منها :

1 . تعطيل الطاقة البشرية :
الربا يعطل الطاقات البشرية المنتجة، ويرغب في الكسل وإهمال العمل، والحياة الانسانية غنما ترقى وتتقدم إذا بذل الجيمع طاقاتهم الفكرية والبدنية في التنمية والإعمار، والمرابي الذي يجد المجال رحباً لإنماء ماله بالربا يسهل عليه الكسب الذي يؤمن له العيش، فيألف الكسل، ويمقت العمل، ولا يشتغل بشي من الحرف والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والعمارات " [27]
ثم إن تعطيل الربا للطاقات المنتجة لا يتوقف على تعطيل طاقة المرابي، بل إن كثيراً من طاقات العمل ورجال الأعمال قد تقل أو تتوقف، ذلك أن الربا يوقع العمال في مشكلات اقتصادية صعبة، فالذين تصيبهم المصائب في البلاد الرأسمالية لا يجدون إلا المرابي الذي يقرضهم المال بفوائد عالية تعتصر ثمرة أتعابهم، فإذا أحاطت هذه المشكلات بالعمال أثرت في إنتاجهم .
هذا جانب وجانب آخر أن الربا يسبب الركود الاقتصادي والبطالة وهذا يعطل الطاقات العاملة في المجتمعات الإنسانية .
2. تعطيل المال :
و كما يعطل الربا جزءاً من الطاقات البشرية الفاعلة، كذلك يعطل الأموال عن الدوران والعمل ،والمال للمجتمع يعد بمثابة الدم الذي يجري في عروق الإنسان، وبمثابة الماء الذي يسيل إلى البساتين والحقول، وتوقف المال عن الدوران يصيب المجتمعات بأضرار فادحة، مثله كمثل انسداد الشرايين، أو الحواجز التي تقف في مجرى الماء .
و قد رهب الله تبارك وتعالى الذي يكنزون المال، وتهددهم بالعذاب الأليم الموجع ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم . يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) [28]
و قد شرع الله من الأحكام ما يكفل استمرار تدفق المال إلى كل أفراد المجتمع، بحيث لا يصبح المال دولة بين الأغنياء دون غيرهم، ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) [29]

و المرابي بجبنه وتطلعاته إلى الكسب الوفير لا يدفع ماله إلى المشروعات النافعة والأعمال الاقتصادية إلا بمقدار يضمن عودة المال وافراً كثيراً، وهو يحبسه إذا ما أحس بالخطر، أو طمع في نيل نسبة أعلى من الفائدة في المستقبل، عندما يقل المال في أيدي الناس يقع الناس في بلاء كبير .
ثم إن مقترضي المال بالربا لا يسهمون في الأعمال المختلفة إلا إذا ضمنوا نسبة من الربح أعلى من الربا المفروض على الدين .
3. التضخم :
" التضخم يقصد به وجود اتجاه صعودي في الأثمان بسبب وجود طلب زائد أو فائض بالنسبة إلى إمكانية التوسع في العروض "[30].
و التضخم له أسباب طبيعية وأسباب غير طبيعية، ومن الأسباب غير الطبيعية الربا، فالمرابي بما يفرضه من فائدة مرتفعة يجبر أصحاب السلع والخدمات على رفع أثمان هذه السلع والخدمات، ولا شك أن التضخم يسيء إلى الناس كثيراً خاصة أصحاب الدخول النقدية الثابتة كالموظفين والعمال، ومن ثم تنخفض دخولهم الحقيقية، وإذا اضطرت الحكومات إلى مواجهة الأمر برفع دخول الموظفين والعمال فالملاحظ أن تقرير الزيادة لا يتم بسرعة وفي الوقت المناسب، ولذلك يجب أن يعمل المفكرون ورجال السياسة والاقتصاد على محاربة التضخم، خاصة ذلك النوع الذي يسميه الاقتصاديون بالتضخم الجموح والذي ترتفع فيه الأثمان ارتفاعاً غير طبيعي، ومن أعظم الأسباب التي تؤدي إليه الربا، فمنعه إنما هو علاج لمرض خطير .
4ـ الكساد والبطالة :
إذا ارتفعت أثمان الأشياء ارتفاعاً عالياً فإن الناس يكفون عن الإقبال على السلع والخدمات المرتفعة الأثمان، إما لعدم قدرتهم على دفع أثمانها، أو لأنها ترهق ميزانيتهم، وإذا امتنع الناس عن الشراء كسدت البضائع في المخازن والمتاجر، وعند ذلك تقلل المصانع من الإنتاج، وقد تتوقف عنه، ولابد في هذه الحالة من أن تستغني المصانع والشركات عن جزء من عمالها وموظفيها في حالة تخفيض إنتاجها، أو تستغني عن جميع عمالها وموظفيها إذا توقفت عن الإنتاج، وعندما يحس المرابون بما يصيب السوق من زعزعة يزيدون الطين بلة، فيقبضون أيديهم، ويسحبون أموالهم فعند ذلك تكون الهزات الاقتصادية .
الأمر عجيب، لأن الأموال في المجتمع كثيرة، ولكنها في خزائن المرابين، والناس بحاجة إلى السلع، ولكنهم لا يشترونها لعدم وجود المال بين أيدهم، والعمال يحتاجون إلى عمل، ولكن المصانع والشركات تمتنع من تشغيلهم لحاجتها إلى المال من جانب وإلى تصريف بضاعتها من جانب، إن الربا يحدث خللاً في دورة التجارة، والإسلام في سبيل إصلاح هذا الخلل حرم الربا، وشرع تشريعات كثيرة تمنع تركز المال في أيدي طائفة من أفراد المجتمع .
و اليوم تعاني أمريكا زعيمة العالم الرأسمالي من أزمة بطالة مخيفة .
إن تكبيل الأمم بهذه القيود الرهيبة يجعلها تعمل يجعلها تعمل وتعمل وتعمل ولا تستفيد من عملها شيئاً، كل عملها يذهب إلى خزن المرابين، وعند ذلك لا يستطيع الأفراد الحصول على حاجياتهم، ومع ذلك فإن الدولة تفرض المزيد من الضرائب، وترفع الأسعار لمواجهة العجز في مدفوعاتها، فتقوم الثورات وتحصل الاضطرابات وتزهق الأرواح، وما يحدث في كثير من دول العالم ليس يسر .
و قد يصل الأمر إلى درجة تعجز الدولة عن السداد وعند ذلك تلغي الدولة ديونها كما حدث في كوبا في سنة 1961، وكوريا الشمالية في سنة 1974، ويقول ( ستيروارت جرينبوم) أستاذ البنوك والتمويل بجامعة ( نورث وسترن ) : " تصور نفسك أحد الحكام الديكتاتوريين في أمريكا اللاتينية، وقد غرقت في الديون، فإذا ما وافقت على شروط صندوق النقد الدولي، وخفضت مثلاً من حجم الواردات، فسوف تواجه بمظاهرات الاحتجاج ،و حركات التمرد في الشوارع، وإذا ما عجزت عن سداد الديون، وتوقفت عن الدفع فسوف تنبذ من المجتمع الدولي ومن أسواق الإقراض العالمية، وعندما توقن أن الحل الأول سيعلقك مشنوقاً على فرع شجرة ـ قطعاً ـ ستسلك الطريق الثاني : وهو التوقف عن السداد "[31].
5 ـ توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة :
ومن بلايا الربا أنه يوجه الاقتصاد وجهة منحرفة، فالمرابي يدفع لمن يعطيه ربحاً أكثر، وآخذ القرض الربوي لا يوظف المال الذي اقترضه إلا في مجالات تعود عليه بربح أكثر مما فرضه عليه المرابي، إذن القضية تكالب على تحصيل المال، وفي سبيل ذلك تتجاوز المشروعات النافعة التي تعود بالخير على المجتمع، ويوظف المال في المشروعات الأكثر إدراراً للربح .
6ـ تشجيعه على المغامرة والإسراف :
الحصول على المال بالربا سهل ميسور، ما دام المرابي يضمن عودة المال إليه، ولذا فإن الذين ليس لهم تجربة، وليس عندهم خبرة ـ يغريهم الطمع، فيأخذون القروض بالربا، ثم يدخلون في أعمال ومشروعات قد يكون محكوماً عليها بالفشل، أو يدخلون في أعمال هي أقرب إلى المقامرة منها إلى الأعمال الصالحة، ومتى كثر هذا النوع من الأعمال فإنه يضر باقتصاد الأمة، والمرابي لا يمتنع من إمداد هؤلاء بالمال، لأنه لا يشغل باله الطريقة التي يوظف المال بها، وكل ما يشغله عودة المال برباه، وقد أوجب علينا الإسلام منه السفيه من التصرف في ماله حفاظاً على ثروة الأمة من الضياع ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً ) [32]
ولا حظ قوله : ( أموالكم ) فقد جعل مال السفيه مالاً للأمة بها قوام أمرهم، فالربا يسهل وضع الكثير من مال الأمة بين أيدي المغامرين والجهلاء الذي قد يبددون هذه الأموال، ويزداد الأمر سوءاً عندما يستولي المرابي على بيوتهم ومزارعهم والبقية الباقية من مصانعهم ومتاجرهم .
و سهولة الإقراض بالربا تشجع على الإسراف وإنفاق المال فيما لا يفيد ولا يغني، وقد ذكرت مجلة التايم الأمريكية في الدراسة التي قدمتها عن ديون العالم الثالث في مطلع هذا العالم أن دولة ( ليبريا) انغمست في الدين الربوي من أجل استضافة اجتماعات منظمة الوحدة الإفريقية .
كما ذكرت أن جمهورية ( إفريقيا الوسطى ) قامت بإنفاق خمسن مليون دولار أمريكي " نصف الميزانية السنوية لتلك الدولة تقريباً وذلك في عام 1977" على حفل تتويج الإمبراطور بوكاسا .
يقول المراغي يسهل على المقترضين أخذ المال من غير بدل حاضر ويكرن لهم الشيطان إنفاقه في وجوه الكماليات التي كان يمكن الاستغناء عنها، ويغريهم المزيد من استدانة، ولا يزال يزداد ثقل الدين على كواهلهم حتى يستغرقون أموالهم، فإذا حل الأجل لم يستطيعوا الوفاء وطلبوا تأجيل الدين، ولا يزالون يماطلون ويؤجلون، والدين يزداد يوماً بعد يوم، حتى يستولي الدائنون قسراً على كل ما يملكون فصبحوا فقراء معدمين، وصدق الله ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) سورة البقرة : [33].
7 ـ وضع مال المسلمين بين أيدي خصوم الإسلام :
من أخطر ما أصيب به المسلمون أنهم أودعوا الفائض من أموالهم في البنوك الربوية في دل الكفر، وهذا الإيداع يجرد المسلمين من أدوات النشاط الإقتصادي ومن القوة القاهرة في المبادلات، ثم يضعها في أيدي أباطرة المال اليهودي الذين أحكموا سيطرتهم على أسواق المال، وهذه الفوائد الخبيثة التي يدفعها لنا المرابون هي ثمن التحكم في السيولة الدولية .
المصدر :
الربا ودوره في استغلال موارد الشعوب تأليف عيسى عبدو
[1][سورة البقرة : 275][2][رواه مسلم : 2995][3]. [آية 25، فصل ا22، سفر الخروج][4].[ آية 34 وآية 35 من الفصل 6 من إنجيل لوقا ].[5](التوبة:103)[6](الشمس:9)[7](الروم:39)[8](البقرة:275)[9](البقرة:276) [10] [2] بحوث في الربا لأبي زهرة : ص 24 ـ طبع دار البحوث ـ الكويت ـ الأولى 1390هـ = 1980 . [11] [3] المجموع للنووي : 9/391.[12]] تفسير الرازي : 2/36[13] تفسير المراغي : 3/57 ، طبعة مصطفى البابي الحلبي ـ مصر .[14](المائدة:64) [15] في ظلال القرآن : 3/341 طبعة دار الشروق . [16] الربا في الإسلام لعيسى عبد ص10، نشر الدار الكويتية للطبع ـ الكويت .[17] سورة طه : 124ـ 126. [18]الموسوعة الاقتصادية لراشد الراوي : ص 263 ، طبعة دار النهضة العربية ـ الأولى 1971.[19]المائة الإسلام و الربا لأنور إقبال القرشي : ص 206 ، ترجمة فاروق حلمي ، نشر مكتبة مصر ـ القاهرة[20] المصدر السابق : ص206..[21] المصدر السابق : ص206..[22]المصدر السابق : ص206..[23] تفسير الرازي : 2/363[24]سورة البقره [25][26] محاسن التأويل : 3/710[27] تفسير الرازي : 2/358..[28] سورة التوبة : 34 ـ 35[29] سورة الحشر : 7.[30] الموسوعة الاقتصادية : ص162
  #639  
قديم 10-05-2008, 09:38 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الإعجاز التشريعي في القرآن

إذا كان الغربيون يتباهون بأن حضارتهم كانت أول حضارة سبقت و أعلنت حقوق الإنسان رسمياً في مختلف دولها لأول مرة في التاريخ و يتفاخرون بأنهم لأول مرة في التاريخ و يتفاخرون بأنهم في القرن العشرين وضعوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و يعتبرونه النموذج المثالي لهذه الحقوق فإنهم نسوا أو تناسوا أن القرآن الكريم قد قرر هذه الحقوق منذ أربعة عشر قرناً بأسمى مبدأ للبشرية جمعاء يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) .
و الخطاب في هذه الآية موجه للناس جميعاً و أنهم خلقوا على اختلاف أجناسهم و ألوانهم و دياناتهم من رجل واحد و امرأة واحدة و أنهم متساوون في الميلاد و الأصل ، والقرآن بهذه الآية يركز على وحدة الجنس البشري و لا فضل لأحد إلا بالتقوى .
و قد أشتمل القرآن على كثير من المبادئ السامية التي تدل على عظمته و أصالته و منها :
1. مبدأ حرية العقيدة و الرأي في قوله تعالى : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " و قوله تعالى : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، و لا أنتم عابدون ما أعبد ، و لا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم و لي دين "
2. قواعد عادلة في المعاملات : في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " و قوله تعالى :" و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها" و قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:275) و قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ...ٌ) (البقرة:282)
3. قوانين الأحوال الشخصية : و هي قواعد عادلة و مستقرة لتعلقها بِأحوال الإنسان الشخصية في الأسرة ، فوضع الشرع لها نظاماً كاملاً مفصلاً في مسائل الزواج و الطلاق و الحمل و العدة و الرضاع و النفقة و الميراث و حقوق الأبناء و ذوي القربى و توسع في أحكامها الكلية و جعلها مرنة و قابلة لاجتهاد المجتهدين من الفقهاء في استنباط أحكامها بما يساير الزمان و المكان .
4. القانون الجنائي : وهو بحق أعظم برهان يدل على عظمة القرآن في تشريعه لجرائم الحدود التي بين نوعها و حدد عقوباتها التي تتمثل فيها العدالة و الحكمة و الرحمة بما فيه الكفاية للردع و الزجر بصورة تكفل الأمن و السلام للعباد و البلاد .

دعائم الشريعة الإسلامية :
لابد لكل تشريع من دعائم يقوم عليها و تساعد على بقائه و دوامه بين الناس راضين بدالته و مطمئنين إلى حكمته و تمشيه مع مصالح الأفراد و الجماعة ، و الشريعة الإسلامية بحمد الله لها دعائمها الثابتة و خصائصها التي تجعل الناس تنقاد إليها عن قناعة و ثقة لأنها تتفق مع الفطرة السليمة و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ، و هي كما تشهد لها جميع الشواهد شريعة تخاطب العقول السليمة و تحض على العمل وتدعو للجهاد في سبيل الله و تنادي بالتسامح و الحرية و المساواة والبر و ا لتقوى .
و من أهم دعائم الشريعة الإسلامية ما يأتي:
1. أنها شريعة سمحة لا تكلف الناس فوق طاقتهم لأن تكاليفها كلها ميسرة لا مشقة فيها في حدود استطاعة كل إنسان، و يقول الله سبحانه و تعالى في وصفها: " ما جعل الله عليكم في الدين من حرج " كما يقول سبحانه:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ".
2. أنها جاءت شريعة عامة لا نظر فيها إلى حالات فردية أو جزئية أو شخصية.
3. أنها سنت للناس رخصاً عند الضرورة رفعاً للضرر و منعاً للمشقة، فمثلاً فرضت الشريعة الصيام و لكنها رخصت بالفطر للمسافر و المريض و غير ذلك من الرخص.
4. قلة تكاليفها: لأنها اقتصرت على الأركان الخمسة و ما يتصل بها و يقول الرسول صلوات الله و سلامه عليه: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها، و حرم أشياء فلا تنتهكوها، و سكت عن أشياء رحمة بكم فلا تبحثوا عنها ".
5. التدريج في الأحكام: لأنها عالجت العادات الذميمة المتأصلة في النفوس بالتدرج في استئصالها شيئاً فشيئاً من غير تشديد و لا تعقيد في النهي عنها و تحريمها، فمثلاً في عادة شرب الخمر جاء الإسلام بالأحكام متدرجة في تحريمها بأسلوب حكيم لم يشعر الناس معه بغضاضة أو حرج أو مشقة.
6. مسايرة مصالح الناس: و ذلك أنه شرع بعض الأحكام ثم نسخها إذا كان في ذلك المصلحة العامة كما حدث في بعض الأحكام الخاصة بالوصية و آيات المواريث، و كذلك تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بمكة المكرمة، كما أن بعض الأحكام السنة نسخت، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه الصلاة و السلام أنه قال: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترقق القلب و تدمع العين و تذكر بالآخرة ".


أهم المبادئ التي جاءت التي جاءت بها الشريعة الإسلامية:
جاءت الشريعة الإسلامية بالمبادئ الآتية:
1. مبدأ التوحيد:فقد جمع الناس إله واحد. قال تعالى: " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله ".
2. مبدأ الاتصال المباشر بالله دون وساطة فقال سبحانه تعالى: " و قال ربكم ادعوني أستجب لكم " و قوله جل شأنه :" فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " .
3. مبدأ التخاطب مع العقل: فالتشريع الإسلقال:عل العقول مناط التكليف خصوصاً فيما يتعلق بأمور الدنيا و بمعرفة الخالق لقوله تعالى: " فاعتبروا يا أولي الأبصار " و قوله سبحانه: " أفلا تعقلون ؟ " و يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما يرتفع العباد في الدرجات عند ربهم على قدر عقولهم "

4. مبدأ إحاطة العقيدة بالأخلاق الفاضلة لقوله تعالى : " و عباد الرحمن الذين يمشون في الأرض هوناً و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً . "
5. مبدأ التآخي بين الدين و الدنيا في التشريعفقد جاءت أحكامه بأمور الدين و الدنيا و دعا إليهما مصداقاً لقوله تعالى : " و ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا " .

6. مبدأ المساواة و العدالة بين الناس جميعاً لقوله تعالى : " إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" و قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبنته : " أعملي يا فاطمة فإني لا أغني عنك من الله شيئاً ".
7. مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرو هو في الحقيقة دستور لجميع نواحي الإصلاح
8. مبدأ الشورىلقوله تعالى : " و شاورهم في الأمر ".
9. مبدأ التسامح، وهو من أسمى و أهم ما يعرف اليوم بمبدأ التعايش السلمي .
10.مبدأ الحرية لقولهتعالى : " لا إكراه في الدين ".
11.مبدأ التكافل الاجتماعيفقد جعل الله الزكاة فيها حق الفقير في مال الغني و ليست تفضلاً من الأغنياء على الفقراء.
و هذه المبادئ تدل على متانة بناء التشريع الإسلامي و قوة أركانه و صلاحيته للأحكام في كل زمان و مكان بين جميع الأجناس، و يدل على ذلك أن الأمة الإسلامية ازدهرت و قويت شوكتها حينما كانت تخضع في جميع شؤنها للشرع الإسلامي ، و أنها ضعفت و تفككت حينما انصرفوا عن شريعته و جمد الفقهاء و ركنوا إلى التقليد و حاولوا أن يخضعوا التشريع لأهوائهم و شهواتهم و أدى ذلك على الاستعانة بالقوانين الوضعية على اعتبار أن الفقه الإسلامي لم يعد يتفق مع التطورات العالمية و ما تقضيه المدنية الحديثة من مجاراة الدول القوية الغنية .
و قد جاء التشريع الإسلامي بحلول جذرية لكثير من الجرائم التي كانت منتشرة و أوجد لها الحدود التي تكفل القضاء عليها منها :
جريمة قتل النفس
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:92)
و قال تعالى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة:32)
و قال صلى الله عليه و سلم : " كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه " .
تعتبر الشريعة الإسلامية التعدي النفس من أخطر الجرائم، لأن الإسلام أعلى من شأن الإنسان بقوله تعالى: " و لقد كرمنا بني آدم " و على قدر ما أعلى الإسلام من قدر الإنسان فإنه قد أشتد في العقوبة على من يعتدي على حياة غيره بغير حق، بل إن لإسلام اعتبر قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعا، وأن إحياء النفس الواحدة بمثابة إحياء النفس الواحدة بمثابة إحياء الناس جميعاً، و قد جعل الله عقاب القاتل كعقاب الكافر.
و بهذا الحكم العادل جعل الشرع القصاص علاجاً يمنع العدوان، إذ لم يجعل الإسلام لدم أحد من الناس فضلاً على دم آخر، بل إن الإسلام ليقتص من الحاكم نفسه إذا اعتدى على أحد من رعيته بالقتل العمد، لأن الإسلام نظر إلى القاتل على اعتبار أنه بفعلته الشنعاء ق سلب القتيل حياته و ترتب على ذلك أنه يتم أطفاله و أيم زوجته و حرم المجتمع من يد عاملة في خدمته كما أنه تحدى بذلك شعور مجتمعه و خرج على نظامه و قوانينه.
و يقص علينا القرآن قصة أول جريمة قتل في تاريخ البشرية تلك هي الجريمة التي قتل فيها قابيل ابن آدم عليه السلام هابيل ظلماً و عدواناً. و ذلك لأن آدم قد أمر والديه أن يتزوج كل منهما توأم أخيه و ألا يتزوج الأخت التي ولدت معه ، و كانت توأم قابيل أجمل من توأم هابيل فأباها على أخيه و أصر على أن يمسكها لنفسه ، على حين أطاع هابيل أمر أبيه الذي هو وحي سماوي ، ثم أنهما اتفقا على أن يحتكما إلى الله بأن يقدم كل منهما قرباناً لله فتقبل الله من هابيل و لم يتقبل من قابيل الذي ثار و لم يرض حكم الله و أصر على موقفه من العناد و سولت له نفسه قتل أخيه فقتله .
و كل ما جرى من هذا النزاع بين الأخوة ما هو إلا شرارة من شرارات الحسد اندلعت في صدر قابيل وشب ضرامها فكانت فتنة عارمة و جريمة قتل شنعاء ، و قد أحزن هذا الاعتداء قلب آدم فقضى أيامه الأخيرة في أيامه الأخيرة في ألم و صبر إلى أن عوضه الله عن هابيل بابنه شيث الذي كان قرة عين له و أعده ليكون خليقة له في النبوة ، فما كبر و اشتد عوده أمره أبوه أن يأخذ الثأر لهابيل بقتل قابيل الذي فر هارباً و عاش طريداً شريداً يتعقبه أخوه شيث إلى أن لقي مصرعه و حق عليه قول الله :" و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً ".
و من عدالة الإسلام في تشريعه أن جعل عقوبة القاتل أن يقتل لأن ذلك من الجزاء العادل الذي يستحقه بغير إبطال و لا هوادة و لا بحث في بواعث القتل ، و حتى هؤلاء الذين يقتلون أنفسهم انتحاراً لهم عذاب شديد يوم القيامة لأنهم قنطوا من رحمة الله و لا يقنط من رحمة الله إلا الكافرون .
و لا شك أن رحمة الله عظيمة بفرضه القصاص الذي جعل فيه حياة الناس و أمنهم و منع العدوان بينهم ، لأن من يهم بالقتل و الفتك بغيره و هو يعلم أن في ذلك هلاكه سيتردد و لا يقدم على تنفيذ جريمته فيبقى ذلك الخوف على حياة من يهم بقتله و هلاك نفسه ، و إن من يتدبر قوله تعالى : " و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " ليجد فيها كل الإعجاز البياني و التشريعي من حيث روعة الأسلوب و روعة المعنى و هما يؤكدان معجزة القرآن الكريم.

يتبـــــــــــــــــــــــــع
  #640  
قديم 10-05-2008, 09:40 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... الإعجاز التشريعي في القرآن

جريمة الحرابة
قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33)
و قال صلى الله عليه و سلم: " كل المسلم حرام دمه و ماله و عرضه ".
و الحرابة جريمة يعاقب عليها الشرع في إحدى الحالتين الآيتين :
(أ) ـ الاستيلاء على مال الغير مغالبة و في خفاء عن المجتمع .
(ب) ـ قطع الطريق على الناس و منع المرور فيه بقصد السلب و النهب الإخافة و الإرهاب .
و المحاربون هم الذين يجتمعون بقوة و شركة و يحمي بعضهم بعضاً و يقصدون إيذاء الناس في أرواحهم و أموالهم، و يخيفونهم و يثيرون الفزع و القلق في نفوسهم لإخضاعهم لأهوائهم الشريرة.
و قد نص القرآن على عقوبتها بقطع اليد اليمنى و ترك بقية الأطراف سليمة لكي يعمل بها لكسب رزقه من وجه حلال إذا ارتدع، و تجمع هذه العقوبة بين القسوة و الرحمة في آن واحد، و هذا ضرب من الإعجاز في العقوبة و الردع معاً، و قد أحل الشرع بعد ذلك قتله إذ ا تمادى في الجريمة و لم يرتدع، و يعاقب المحارب بالقتل إذا قتل سواء استولى على المال أم لم يستول عليه.
و قد نصت الآية على أنواع أخرى من العقوبات التي توقع على المحاربين الآثمين غير قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف، لشل نصف الجسم المجرم عن الحركة و هي قتلهم و صلبهم تشهيراً بسوء عملهم و إذلال لهم.
و من هذه الأحكام تدل دلالة واضحة على أن الشريعة الإسلامية تنظر إلى آثار الجريمة التي فيها اعتداء شنيع على الأبرياء من الرجال و النساء و الأطفال ، و إزهاق أرواحهم و سلب أموالهم و شددت العقوبة بما يناسب ما أحدثته الحرابة من عدوان و ترويع للآمنين ثم إن لهم في الدار الآخرة عذاباً عظيماً هو عذاب الجحيم .
و المقرر في الشريعة الإسلامية أن جريمة الحدود لا يثبت ارتكابها إلا بوسائل إثبات مشددة و محدودة ، و هي في جملتها لا تخرج عن الاعتراف الصريح و الإقرار و البينة ، و يزيد بالبينة شهادة رجلين عدلين و يكون الإقرار في مجلس القضاء أمام القاضي .
و قد أثبت الأيام أن المجتمع الإسلامي عندما طبق أحكام الحدود عاش آمناً مطمئناً على أموله و أعراضه و نظامه ، بل إن المجرم نفسه كان يسعى لإقامة الحد عليه رغبة منه في تطهير نفسه بالتكفير عن ذنبه ، و عندما تهاون المجتمع الإسلامي في تطبيق الحدود و أنساق مع تشريعات الغرب الوضعية و بهره زخرفها الزائف تسرب إليه الفساد و أشاع فيه الإجرام ، و كاد يلحق بدول الغرب في التفنن في أساليب الجريمة .
و يرى التاريخ أن هشام بن عبد الملك من خلفاء بني أمية عطل حدا السرقة والحرابة سنة ، فتضاعفت حوادثها و صار الناس غير آمنين على أنفسهم و لا على أموالهم من النهب و السلب، و استشرى خطر اللصوص في البوادي و الحواضر ، فما تفاقم الأمر و اضطربت الأحوال أعاد هشام بن عبد الملك العقوبة كما شرعها الله تعالى ، فكان الإعلام بالإعادة و حده كافياً لردع المجرمين و صيانة الحقوق و حفظ الأموال و النفوس .

و كان من أبشع جرائم الحرابة في عصورنا الحديثة ما كان يحدث في الحجاز قبل الحكم السعودي لحجاج بيت الله من الاعتداء عليهم و اغتصاب أموالهم و إزهاق أرواحهم ، حتى أن الفقهاء المتأخرين أوجبوا على كل من يخرج للحج أن يكتب وصيته قبل أن يغادر بلده ، و كانت الحكومة في مصر و سوريا ترسل مع بعثاتها للحج الجنود المسلحين لحمايتها ، فلما حكم الجزيرة العربية الملك عبد العزيز آل سعود و نفذ الأحكام الشرعية كما أمر الله و رسوله ، هاب اللصوص و قطاع الطرق عقوبتها الشرعية التي تنفذ فوراً ، حتى أنه ليذكر بالحمد لهذا الملك الراحل أن عدد الأيدي التي قطعت في مملكته لا تزيد على ستة عشر يداً خلال أربعة وعشرين عاماً هي مدة حكمه .
و من الناس من يلهجون باستغلاظ عقوبة الحرابة و يحسبون أنها غير إنسانية ، و أولئك ينظرون إلى العقوبة و لا ينظرون إلى الجناية ، و يرحمون الجاني و لا يرحمون المجني عليه ، و المجني عليه هنا هو الجماعة التي تنهب أموالها وتسفك دماؤها ، و إنه كلما عظمت الجريمة كان لابد من أن تكون العقوبة قاسية و رادعة . والنبي صلوات الله عليه و سلامه يقول : " من لا يرحم لا يرحم " و لو أن عقوبة الحرابة طبقت في أمريكا و أوربا حيث العصابات الدولية لأمن الناس على أنفسهم ، و لما اضطربت الحكومة إلى تجنيد آلاف الجنود و صرف الأموال الطائلة في مطاردة هذه العصابات الآثمة .

جريمة السرقة :
قال تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة:38) .
و قال صلى الله عليه وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه
" و أيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " .
السرقة نزعة شريرة تحمل صاحبها على ارتكاب جرائم عديدة فظيعة في سبيل الاستيلاء على مال غيره ، خفية أو كرهاً بدافع من خبث الطبع و فساد المنشأ و سوء التربية ، و هي عوامل تجره إلى ارتكاب جريمة القتل أحياناً إذا أعترضه معترض ، وقد يصل به الإجرام إلى قتل الأب أو الأم أو الأخوة من أجل سلب أموالهم ، و كثيراً ما سولت هذه النزعة الشريرة إلى خلق عصابات من الأشرار تعبث بالأمن في كثير من الدول ، وتستطيع بقوة سلاحها و إرهابها ووسائلها الإجرامية أن تسطو على أموال البنوك و خزائن الحكومات ، و متاع الأغنياء تسلب ما فيها و تخرب و تدمر ما شاء لها التدمير و التخريب ، وتعاني الحكومات من ويلاتها و تنفق الأموال الطائلة في مكافحتها و مقاومتها ، وكثيراً ما فرضت هذه العصابات سلطانها على الأبرياء الآمنين و روعتهم .
و هؤلاء السارقون الذين يجمعون الأموال الطائلة المنهوبة لا يجدون لها مصرفاً إلا مجال الموبقات و المنكرات ، و شراء ذمم الناس للتستر عليهم و تحريضهم على الفجور بأموالهم و نفوذهم ، و يلاحظ أن أكثر دور اللهو و الميسر و الدعارة كلها من منشآة أثرياء اللصوص و يقوم على حمايتها أعوانهم الفجرة .
و نظراً لخطورة جريمة السرقة وويلاتها شرع الإسلام عقوبات قاسية ورادعة تكفل القضاء عليها و التقليل من مضارها ، مستهدفة بهذه العقوبات مصلحة الجماعة لأنها تريد المحافظة على الضروريات اللازمة للناس في حياتهم التي قوامها : حماية النفس و العقل والنسل و المال و قد انتهج الإسلام لتحقيق هذه الغاية وسيلتين رئيسيتين هما : أولا وسيلة تهذيب نفس المسلم ذاته عن طريق المجتمع الإسلامي القائم على دعائم الاستقامة و المحبة و الطهر و التعاون على البر و التقوى ، و ثانياً وسيلة ما شرعه القانون الجنائي الإسلامي من إقامة الحدود لحماية الضروريات اللازمة لأمن الإنسان فجعل حد الردة لحماية الدين و حد القصاص للحفاظ على الأنفس ، و حد شرب الخمر لحماية لحماية العقل ، و حد الزنا و القذف لحماية العرض و النسل الخ....

عقوبة السرقة :
واجهت الشريعة الإسلامية جريمة السرقة بعقوبة قاسية هي قطع اليد ، لتكفل بذلك استئصال شأفة الجريمة و لتكوين بقسوتها رادعة و زاجرة لكل من تسول له نفسه العدوان على مال الغير خفية أو غصباً ، تهدف العقوبة إلى قطع اليد لأنها هي الأداة التي استعملها السارق و ساعدته على ارتكاب جريمته ، و ذلك لمنع استعمالها مرة أخرى في السرقة ، و حكمة التشريع في قطع اليد أنها تعتبر أن الجرائم الخطيرة لا يفلح في ردها إلا عقوبات صارمة و مؤلمة ، ليس فيها لين أو رخاوة ليكون الجزاء من جنس العمل ، و لتكون العقوبة ملازمة للجاني و ظاهرة للناس و محذرة لهم .

شروط قطع اليد :
أشترط في السرقة المعاقبة عليها بقطع اليد أن يكون الجاني بالغاً من الرشد عاقلاً و غير محتاج و لا مضطر للسرقة ، و أن يكون المسروق مملوكاً للغير و محفوظاً في حرز و لا يقل نصابها عن سبعة عشر جراماً من الذهب أو ما يعادل ذلك نقداً ، وهذا هو العقاب المقدر لحد القطع ، و إذا قل عن ذلك فلا قطع ، و قد أتفق الفقهاء على قطع يد السارق اليمنى في السرقة الأولى فإذا عاد للسرقة تقطع رجله اليسرى في رأي بعض الفقهاء و ذلك لشل حركة السارق فإذا عاد بعد ذلك فلا قطع و إنما يحبس إلى مدة غير محدودة حتى يموت أو يتوب نهائياً .

حالات لا تقام فيها الحدود :
لا يطبق حد السرقة إذا حصلت في الأماكن العامة أثناء العمل فيها ن و حيث لا حراسة فيها للمال أو في أماكن مأذون للجاني بدخولها ، ولم يكن الشيء المسروق محرزاً ، أو أن تحصل السرقة بين الأصول و الفروع من أفراد الأسرة أي بين الأب وولده أو بين الزوج و زوجته ، أو كان المال المسروق مجهولاً لا يعرف صاحبه ، أو كان الجاني دائناً لصاحب المال المسروق ، وكان مماطلاً و جاحداً ، و ان السارق استولى على ما يوازي حقه فقط .
و قد يحلو لبعض الناقدين الجاهلين بحكمة التشريع الإسلامي أن يصفوا عقوبة قطع اليد بالقسوة و عدم الرحمة ، و يتباكون على الأيدي المقطوعة ناسين أو متناسين ما أحدثته هذه الأيدي الآثمة من أذى و قتل و تخريب و فساد في الأرض و ترويع الآمنين ، فهم يشفقون على الجاني و لا يشفقون على المجني عليهم ، و حقيقة الواقع الذي لا خفاء فيها في عصرنا أن الدول الإسلامية التي طبقت أحكام الشريعة الإسلامية قلت فيها جرائم السرقة ، و دليل ذلك ما يحدث في المملكة العربية السعودية التي طبقت شرع الله ، فإنه لم يقطع فيها يد السارق إلا في القليل جداً من الحالات ، و حبذا لو احتذت الدول الإسلامية الأخرى حذو المملكة العربية السعودية ، ليهيء لألها الآمن و الطمأنينة على أموالهم و أنفسهم ، و إنه من الإنصاف أن ننظر إلى قطع اليد لا يقصد الشرع به الرغبة في قطع الأيدي ، بل هو الرغبة في سلامة هذه الأيدي من القطع بمثل هذه العقوبة المخيفة التي تمنع السارق من ارتكاب جرائمه ، فهل بعد ذلك رحمة في قسوة الأحكام التي تحفظ الأمن و تمنع الإجرام .
المصدر :
عن كتاب القرآن و إعجازه التشريعي تأليف الأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم .
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 66 ( الأعضاء 0 والزوار 66)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 294.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 288.50 كيلو بايت... تم توفير 5.82 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]