الاجتهاد في الشريعة الإسلامية - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215420 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61206 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29184 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-12-2019, 06:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي الاجتهاد في الشريعة الإسلامية

الاجتهاد في الشريعة الإسلامية
رجاء بنت صالح باسودان*

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، معلم الناس الخير ، وعلى آله وصحبه الذين تتلمذوا على يديه فكانوا حصاداً طيباً نافعاً من يد أفضل البشر ، فتعلموا من المربي الفقيه كيف يقتدون به ويسيرون على خطاه حتى بعد مماته . وترك صلى الله عليه وسلم الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
ومما تعلمه رضوان الله عليهم من إمامهم القدوة استنباط الأحكام من مصادرها فكانوا يحاولون قدر جهدهم حل ما يعترضهم في حياتهم من مشكلات ، فسهل طريق الإجتهاد لمن جاء بعدهم لأن يقتفوا أثرهم ، فقعّدوا القواعد ، ووضعوا الأسس ، وأرسوا الأصول ، فلبس الفقه به ثوباً متميزاً .
فموضوع الاجتهاد والذي اخترته للبحث فيه ولتوضيح أهميته فهو المراد الذي يدور حوله علم أصول الفقه ، وهو جوهره ومعناه ، خصوصاً وأن هناك خلافاً بين العلماء حوله ، فمنهم من يرى أن باب الاجتهاد قد أقفل ومنهم من يرى غير ذلك . فإيماناً مني بأهميته ، وبالذات في عصرنا عند حدوث متغيرات وأحداث تملي على العلماء والفقهاء بذل الجهد لمعرفة الأحكام الشرعية الخاصة بها . وأضرب مثالاً للاجتهاد بالطبيب الذي يمارس علمه وعمَله مع مرضاه عند الحاجة والضرورة .
خطة البحث :
تم تقسيم البحث ( بعد المقدمة ) إلى ثلاثة فصول وخاتمة ، كالتالي :
الفصل الأول : وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : وفيه مطلبان : الأول : تعريف الاجتهاد
الثاني : مراتب المجتهدين
المبحث الثاني : حكم الاجتهاد
المبحث الثالث : شروط الاجتهاد ، وفيه مطلبان : الأول: شروط المجتهد
الثاني: شروط المجتهد فيه
الفصل الثاني : وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : اجتهاد الرسول عليه الصلاة والسلام
المبحث الثاني : الاجتهاد في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام
المبحث الثالث : الحكمة من اجتهاد الرسول عليه الصلاة والسلام
الفصل الثالث : وفيه مبحثان :
الأول : فتح باب الاجتهاد وإغلاقه
الثاني : نقض الاجتهاد
الخاتمة : وتحتوي على خلاصة البحث ، وما توصلت إليه من نتائج .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
الفصل الأول
الاجتهاد : تعريفه – مشروعيته - حكمه
المبحث الأول : تعريف الاجتهاد

المطلب الأول : تعريف الاجتهاد لغة
الاجتهاد مأخوذ من الجهد وهو المشقة والطاقة ، فيختص بما فيه مشقة ليخرج عنه ما لا مشقة فيه[1] . وقيل بأنه : افتعال من الجهد ، واختلف في ضم الجيم أو فتحها ، وكلاهما يحمل معنى الوسع والطاقة ،قيل : المضموم الجهد : الطاقة ، أما الجهد بالفتح : المشقة . وقيل : هما لغتان في الوسع والطاقة ، والاجتهاد والتجاهد بذل الوسع والمجهود .

وفي بعض المعاجم الحديثة [2]، تفريق بين الكلمتين ، الجَهد : المشقة والنهاية والغاية ، والجُهد : الوسع والطاقة .

والاستخدام القرآني لكلمة "جهد" وإن كان في معناه الأوسع يشمل الاجتهاد باعتباره بذل طاقة وتحمل مشقة للوصول إلى الغاية ، إلا أنه لم يسق للتدليل على شرعية العملية الاجتهادية بالتعريف الاصطلاحي .
والمعنى اللغوي أوسع مجالاً من المعنى الاصطلاحي ، ولهذا فإن الاجتهاد يشمل بذل أي جهد دون حصر في الأمور الشرعية [3] وعرّفه الغزالي : بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعل من الأفعال ، ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة وجهد ، فيقال اجتهد في حمل حجر الرحا ، ولا يقال اجتهد في حمل خردلة [4] .
وقيل : استفراغ الوسع في تحصيل الشيء ، ولا يكون إلا فيما فيه مشقة وكلفة [5] .
المطلب الثاني : تعريف الاجتهاد اصطلاحاً
قيل : استفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعية . فاستفراغ الوسع جنس ، وقوله : في درك الأحكام خرج به استفراغ الوسع في فعل من الأفعال العلاجية مثلاً ، وقوله : الشرعية ، تخرج اللغوية والعقلية والحسية . والأحكام الشرعية تتناول الأصول والفروع ، ودركها أعم من كونه على سبيل القطع أو الظن ، هذا مدلول لفظه ، ويجوز أن يريد بالأحكام الشرعية خطاب الله تعالى المتعلق [6] .
وعرّفه الأمدي : استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه [7] .
وقيل : بذل الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس الفقيه أو المجتهد من نفسه العجز عن المزيد عليه .
فالاجتهاد : بذل أقصى الجهد في فهم النص الشرعي من الكتاب أو السنة ، من أجل الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي [8] .
وعُرّف الاجتهاد بأنه : بذل الطاقة من الفقيه لتحصيل حكم ظني شرعي عملي على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه [9] .
وقيل : بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي وتطبيقه ، عقلياً كان أو نقلياً ، قطعياً كان أو ظنياً [10] .

بعد ذكر التعريفين : نلاحظ أن المعنى الاصطلاحي لم يبتعد عن المعنى اللغوي ، فالتوافق ظاهر ، ونقطة الالتقاء بينهما : المبالغة في كلا الاستعمالين . وبين المعنيين عموم وخصوص مطلق ، فاستعمالها اللغوي هو العموم ، وهو مطلق الكلفة والمشقة ، وأما استعمالها الاصطلاحي الأصولي فهو مختص ببذل الوسع لاستنباط الحكم الشرعي [11] .
المبحث الثاني : مشروعية الاجتهاد
يعتبر الاجتهاد أصل من أصول الشريعة ، وقد دلت أدلة كثيرة على جوازه ، إما بطريق الإشارة أو بطريق التصريح ، ومن هذه الأدلة :
أ‌- القرآن الكريم قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ... } (النساء: ١٠٥ )، وقوله تعالى : {... إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21، و{يعقلون} {يتفكرون}، الروم: 21والزمر: 42 وهذه الآيات تنص صراحةً على إقرار مبدأ الاجتهاد بطريق القياس [12] .
ب‌- السنة الشريفة : حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ ، فله أجر " [13] .
حديث معاذ – رضي الله عنه - : "حيث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن ، قال : كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ! قال : فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال : فإن لم تجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في كتاب الله ! قال : أجتهد رأي ولا آلو ، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله "[14] .
ت‌- إجماع الصحابة : فقد أجمع الصحابة على مشروعية الاجتهاد ، فإذا حدثت لهم حادثة شرعية ، ولم يجدوا لها في كتاب الله أو سنة رسوله شيئاً ، اجتهدوا واشتهر عنهم ذلك [15] .
المبحث الثالث : حكم الإجتهاد

يطلق العلماء "الحكم" ويريدون به أمرين : أحدهما : حكمه ، بمعنى : وصف الشارع له من الوجوب والحرمة وغيرهما . والآخر : حكمه من حيث أثره الثابت به ، أي الصواب والخطأ في الاجتهاد [16]، وسيقتصر البحث على بيان الحكم بالمعنى الأول ، من حيث الوجوب والحرمة وغيرهما .
يمكن تقسيم حكم الاجتهاد بالنسبة إلى العلماء الذين توافرت فيهم مؤهلاته وشروطه وكانوا أهلاً له ، وبالنسبة إلى الذين لم يتوافر فيهم مؤهلاته من العلماء ، وكذلك بالنسبة إلى مجموع الأمة .
القسم الأول : حكم الاجتهاد بالنسبة إلى العلماء المؤهلين له
1 - الوجوب العيني
وعادة ما يكون في حق نفسه ، ولا يجوز له التقليد ؛ لأن لديه آلة الاجتهاد وملكة استنباط الأحكام ، وكذلك يكون فرض عين عليه في حق غيره عند سؤاله عن حادثة حتى لا يفوت وقت الحادثة بدون بيان الحكم الشرعي [17] .
2 - الوجوب الكفائي

وذلك عند عدم خوف فوات الحادثة وكان هناك غيره من المجتهدين ، فإذا اجتهد أحدهم سقط الوجوب عن الباقين ، وإلا أثموا جميعاً [18] .
3 - الندب
وهو الاجتهاد في حكم حادثة لم تقع ، ويتساوى الأمر في أن يستفتيه سائل أم لا [19] .

4 - الكراهة
فيكون الاجتهاد مكروهاً في المسائل التي لا يتوقع وقوعها ولم تجر العادة بحدوثها ، وكان اجتهاده من باب الألغاز فمثل هذا لا ثمرة فيه وأدنى ما يقال فيه إنه مكروه[20] .
القسم الثاني : حكم الاجتهاد بالنسبة إلى العلماء الغير مؤهلين له
حكمه التحريم ، لأنهم ما داموا ليسوا أهلاً للنظر في الأدلة الشرعية وفهم الأحكام الشرعية منها ، فلن يوصلهم نظرهم في الأدلة إلى حكم الله ، وسيفضي بهم إلى الضلال ، ومن القواعد الشرعية المقررة أن كل ما أدّى إلى الحرام حرام ، ولذلك يجب على هؤلاء أن يسألوا عن أحكام الله من يعلمها ، عملاً بقوله عز وجل : {... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (النحل: 43)، ثم هذا هو ما يسعهم ، وقد قال الله تعالى : {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ... } ( البقرة: 286)[21].
هذا بالإضافة إلى أنه قد يقع الاجتهاد في مقابلة دليل قاطع من كتاب أو سنة أو إجماع نتيجة لجهلهم [22].
القسم الثالث : حكم الاجتهاد بالنسبة إلى مجموع الأمة
ونعني به حكم وجود المجتهدين فيها ، فهل يجب أن يكون في المسلمين في كل عصر مجتهد أو أكثر ، بحيث تأثم الأمة إذا خلا عصر من عصورها عن أهل الاجتهاد ، أو يجوز خلو عصر عن المجتهدين .
إن الحكم هو وجوب الاجتهاد وجوباً كفائياً على الأمة في كل عصر من عصورها ، فليس جائزاً أن يخلو عصر من عصورها عن أهل الاجتهاد ولو واحداً [23].
وقد ذكر الإمام السيوطي نصوصاً للعلماء من جميع المذاهب المتفقة على القول بفرضية الاجتهاد ( وذم التقليد ) ونهى عنه ، وأنه لا يجوز شرعاً إخلاء العصر منه [24].
الفصل الثاني
شروط الاجتهاد
المبحث الأول : شروط المجتهِد

المطلب الأول : الشروط العامة
الشروط العامة للمجتهد هي شروط التكليف ، مثل : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل.
المطلب الثاني : الشروط الغير عامة
هناك أيضاً شروط غير عامة ، منها تأهيلية وأخرى تكميلية ، لاستنباط الأحكام الشرعية ، ويمكن تصنيف بعض الشروط التأهيلية في مجموعتين :
أولاً : مجموعة الشروط المتعلقة بالكتاب والسنة :
أ‌- الشروط المتعلقة بالقرآن :
العلم التام بالتشريع العملي في القرآن ، كلياته وجزئياته [25]. ووجوب كون المجتهد عالماً بمنطوق القرآن ومفهومه ، أي عالماً علماً تاماً بالأحكام الشرعية التي جاء بها القرآن وبطبيعتها . هل هي بصيغة الأمر الموجب ؟ أم بصيغة النهي المحرم ؟ وهل هي بصيغة العموم المطلق ؟ أم بصيغة الإطلاق التي تدل على أي فرد ؟ ومعرفة الناسخ والمنسوخ ، وغيرها [26]. ولا يشترط حفظ الآيات التي يتقرر عليه معرفتها ، بل يكفي أن يكون المجتهد عالماً بها ، وبما تقدم منها وما تأخر من جهة التلاوة والنزول ، وأن يكون عالماً بمعانيها ، عامّها وخاصّها ، مطلقها ومقيدها ، ناسخها ومنسوخها . وقد قدّر بعض العلماء آيات الأحكام في القرآن الكريم بخمسمائة آية ، وهذا باعتبار الآيات الدالة على الأحكام دلالة أولية بالذات ، لا بطريق التضمن والالتزام [27]. وقد اشترط بعض الأصوليين : معرفة أسباب النزول فهي تعين على فهم النصوص فهماً دقيقاً ، ومعرفة مكي الآيات ومدنيها أيضاً ، فهي هامة للتمييز بين المتقدم منها والمتأخر[28].
ب‌- الشروط المتعلقة بالسنة :
العلم التام بالتشريع العملي في السنة كلياته وجزئياته[29]، سواء أكانت السنة قولية أو فعلية أو تقريرية . وهذه الشروط تتمثل في وجوب كون طالب الاجتهاد عالماً بالسنة وبالحديث وأنواعه ومراتبه في الوثاقة : صحيح – حسن – ضعيف – مشهور – متواتر – بحيث يتيسر له عند الحاجة معرفة الأحكام الشرعية التي جاءت بها السنة سواء كان ذلك في المعاملات من بيع وشراء ورهن ، الخ ... ، أو العقوبات ، أو الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ، أو العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة ، الخ ... . هذا فضلاً عن معرفته بتاريخ الرجال والرواة لمعرفة الصحيح والضعيف من الحديث ، وكذلك معرفة أسباب الجرح وأنواعه أو التعديل وشروطه ، الخ ... .
ثانياً : مجموعة الشروط المتعلقة باللغة العربية وتتمثل في أن يكون المجتهد عالماً باللغة العربية من حيث بنية الكلمات وإعرابها ، وفصاحتها ومن حيث معناها ظهوراً وخفاءً ، حقيقةً وكنايةً ، إفراداً وعموماً واشتراكاً ، بحيث يتمكن نتيجةً لهذا العالم من القطع بما تدل عليه كل كلمة ، وبطريقة دلالتها عبارة أو إشارة ، أو فحوى أو اقتضاء . فالفقيه في أشد الحاجة إلى معرفة ما سبق ، بالإضافة إلى معرفة معاني حروف اللغة العربية ، لأن عليها مدار الكثير من مسائل الفقه واستنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة ، ومن ذلك على سبيل المثال : قوله تعالى : {...وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ... } (المائدة:6) . فلولا مكان الباء في الآية ، لوجب مسح الرأس كله لا بعضه . وغيرها من الأمثلة [30] .
كانت هذه الشروط فيما يتعلق بالكتاب الكريم والسنة النبوية واللغة العربية ، وأستعرض الآن باقي الشروط الخاصة بالمجتهد التأهيلية والتكميلية ، وهي كالتالي :
العلم بمواقع الإجماع ومسائله حتى لا يفتي بخلافه ، ولا يلزمه حفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف ، بل كل مسألة يفتي فيها ينبغي أن يعلم أن فتواه ليست مخالفة للإجماع ، إما بأن يعلم أنه موافق مذهباً من مذاهب العلماء أيهم كان أو يعلم أن هذه واقعة متولدة في العصر لم يكن لأهل الإجماع فيها خوض [31] .
العلم بعلم أصول الفقه ، فهو عماد الاجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه[32] . وعلم أصول الفقه يمكنه من أن يكون صاحب رأي في مسائل هذا العلم ، ما يتصل منها بحجية الظواهر ، وخبر الواحد ، وأحكام العام والخاص ، والمطلق والمقيد ، وقواعد التعارض والتزاحم ، والأصول العملية ، وغير ذلك من أمهات مسائله التي يتوقف عليها الاستنباط . وقد قرر الشافعي أن الاجتهاد هو القياس[33]، وعلّق على ذلك الشيخ أبو زهرة بقوله : لأن العلم بالقياس يقتضي العلم بثلاثة أمور : أولها : العلم بالأصول من النصوص التي يبنى عليها والعلل التي قامت عليها أحكام هذه النصوص ، والتي بها يمكن إلحاق حكم الفرع إليهما . ثانيها : العلم بقوانين القياس وضوابطه ، كألا يقاس على ما يثبت أنه لا يتعدى حكمه ، ومعرفة أوصاف العلة التي يبنى عليها القياس ، ويلتحق بها الفرع بالأصل . ثالثها : أن يعرف المناهج التي سلكها السلف الصالح ، في تعرف علل الأحكام ، والأوصاف التي اعتبروها أسساً لبناء الأحكام عليها ، واستخرجوا طائفة من الأحكام الفقهية [34].
معرفة وإدراك مقاصد الشريعة العامة في استنباط الأحكام ؛ لأن فهم النصوص وتطبيقها على الوقائع متوقف على معرفة هذه المقاصد ، فمن يريد استنباط الحكم الشرعي من دليله يجب عليه أن يعرف أسرار الشريعة ومقاصدها العامة في تشريع الأحكام ؛ لأن دلالة الألفاظ على المعاني قد تحتمل أكثر من وجه ، ويرجح واحداً منها ملاحظة مقصد الشارع . كما أن الأدلة الفرعية قد تتعارض مع بعضها فيؤخذ بما هو الأوفق مع قصد الشارع ، وقد تحدث أيضاً وقائع جديدة لا يعرف حكمها بالنصوص الشرعية ، فيلجأ إلى الاستحسان أو المصلحة المرسلة أو العرف ونحوها ، بواسطة مقاصد الشريعة العامة من التشريع [35].
العدالة : بمعنى أن يكون عدلاً مستقيماً في أقواله وأفعاله وأحواله ، محافظاً على مروءته . وقد اشترطها قوم* ومنهم من لم يشترطها مطلقاً ، ومنهم من فصّل بين أن يجتهد ليحصل العلم لنفسه ، وبين أن يجتهد للحكم والفتيا ، فاشترط العدالة في الثانية ، ولم يشترطها في الحالة الأولى . ولعل قول المفصل هو الأقوى ؛ لأن المستفتي إذا عرف أن إمامه موصوف بالعدالة تطمئن نفسه إلى قبول أحكامه بخلاف ما إذا كان المجتهد صاحب بدعة[36].
معرفة القواعد الكلية : فقد ذكر الإمام السبكي بأن من شروط الاجتهاد : الإحاطة بمعظم قواعد الشريعة حتى يعرف أن الدليل الذي ينظر فيه مخالفاً لها أو موافق [37].
معرفة مواضع الاختلاف : فمن كان بصيراً بمواضع الاختلاف كان جديراً بأن يتبين له الحق في كل نازلة تعرض له . ويأتي هذا الشرط بفوائد عدة ، منها : أن المجتهد حينما يعرف مواضع الخلاف ومواضع الإجماع ، فإنه لا يجتهد في أمر مجمع على حكمه ، ولا يدعي الإجماع في أمر مختلف فيه . بالإضافة إلى أن معرفة مواضع الخلاف مساعد هام للوصول إلى درجة الاجتهاد ، بالاطلاع على وجهات النظر ، وعلى الاستنباطات الاجتهادية وهذا العلم يدل المجتهد على المناهج المتبعة في الاجتهاد ، والطريقة المعتادة لاستنباط الأحكام من مظانها ، ويفتح أمامه آفاقاً أخرى للتفكير والبحث العلمي المنهجي [38].
العلم بما جرى عليه عرف الناس ، وبأحوالهم ، وبما فيه لهم صلاح أو فساد ، إذ لا تتيسر له الفتوى الصحيحة بدون هذا العلم [39]. وقد وضع الأصوليين كثيراً من القواعد الأصولية استناداً على العرف كقولهم: العادة محكمة ، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً[40].
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 122.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 120.31 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]