دعوة الساجد إلى صلاة الجماعة في المساجد - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855053 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389902 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-12-2019, 04:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي دعوة الساجد إلى صلاة الجماعة في المساجد

دعوة الساجد إلى صلاة الجماعة في المساجد



نصر عوض



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعدُ:
فإن شهود المسلمين للجُمَع والجماعات مِن أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، وواجباته المتواترة، فإن كنتَ - أخي المسلم الكريم - من المحافظين عليها فاثْبُت على ذلك، واسأل الله الإخلاص والقَبول، وإن كنتَ من المقَصِّرين في شُهُود الجماعات، أو لديك شبهة في وُجُوبها، فهأنذا - أستعين بالله تعالى - وأَسُوق لك بعض الأدلة على وُجُوب صلاة الجماعة في المسجد؛ لعل ذلك يكون دافعًا لي ولك ولكلِّ مَن طالعها إلى الحرص على هذا الواجب العظيم والشعيرة المباركة، فأقول - والله الموفق للصواب -:
أولاً- الأدلة منَ القرآن:
الدليل الأول:
قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}؛ [النور: 36، 37].

قال ابن كثير: أي: أمر الله - تعالى - برفعها؛ أي: بتطهيرها من الدنس واللغْو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها.

وقال ابن جزي: {فِي بُيُوتٍ}؛ يعني: المساجد، وقيل: بيوت أهل الإيمان من مساجد أو مساكن، والأول أصح، والمراد بالإذن الأمر، ورفعها بناؤها، وقيل: تعظيمها، {بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ}؛ أي: غدوة وعشية، وقيل: أراد الصبح والعصر، وقيل: صلاة الضُّحى والعصْر.

{رِجَالٌ} فاعل {يُسَبِّحُ} على القراءة بكسر الباء، وأما على القراءة بالفتح، فهو مرفوع بفعل مضمر يدل عليه الأول، {لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ}؛ أي: لا تشغلهم، ونزلت الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل وبادَرُوا إليها.

وقال الآلوسي: والمراد بالإذن: الأمر، وبالرفع: التعظيم؛ أي: أمر سبحانه بتعظيم قدْرها.
قال الطبري: حدَّثني علي، قال: ثنا عبدالله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}، يقول: يصلي له فيها بالغداة والعشي.

وقال السعدي: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}؛ أي: يتعبد لله {فِي بُيُوتٍ} عظيمة فاضلة، هي أحب البقاع إليه، وهي المساجد.

{أَذِنَ اللَّهُ}؛ أي: أمر ووصى: {أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}، هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفْعها: بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها منَ المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تُصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذِكْر الله.

{وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}: يدخل في ذلك الصلاة كلها: فرْضها، ونفلها، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، وغيره من أنواع الذكر، وتعلم العلم وتعليمه، والمذاكرة فيها، والاعتكاف، وغير ذلك من العبادات التي تُفْعل في المساجد، ولهذا كانتْ عمارة المساجد على قسمَيْن: عمارة بنيان، وصيانة لها، وعمارة بذكر اسم الله، من الصلاة وغيرها، وهذا أشرفُ القسمَيْن، ولهذا شرعت الصلوات الخمس والجُمُعة في المساجد وجوبًا عند أكثر العلماء، أو استحبابًا عند آخرين.

ثم مدح تعالى عُمّارها بالعبادة فقال: {يُسَبِّحُ لَهُ} إخلاصًا {بِالْغُدُوِّ} أول النهار {وَالآصَالِ} آخره.

والسؤال هنا: أليس في ترْك صلاة الجماعة في المساجد نوعٌ من الهجْر لها، ومخالفةٌ لقولِ الله - تعالى -: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُوما هو الذي ينبغي أن يشعرَ به المسلمُ إذا وجد في نفسه ما يخالفُ أمْر ربه - عزَّ وجلّ؟ لا بُدَّ أنه سيراجع نفسه، ويبادِر بالبُعد عما فيه شُبهة المخالفة؛ فضلاً عنْ تحقُّقها.

الدليل الثاني:
قال الله - تعالى -: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].

ففي هذه الآية لَم يكتفِ الله - عزّ وجل - بالأمر بإقامة الصلاة، حتى أتبع ذلك بالأمر بالركوع مع الراكعين، فلو قال الذي يصلي بمفرده: إنني قد استجبتُ لأمر الله بإقامة الصلاة، قلنا له: لكنك لَم تركعْ مع الراكعين، فاستجابتك ناقصة؛ لأن الأمر ليس مقصورًا على إقامة الصلاة، بل لا بُد أن يكون ذلك مع الجماعة، وأن تركعَ لله مع الراكعين، وليس بمفردك، فما هو عُذرك في ترْك ذلك؟ ولو قال الذي يُصلي في بيته: إنني لا أصلي بمفردي، بل أصلي في جماعة، وأركع مع الراكعين في البيت، قلنا له: فمتى يكون ذكرُك وتسبيحك لله في المساجد بالغدو والآصال؟ أم إنك لا تحب أن تكونَ من الرجال الذين {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]؟ أليستْ هذه أوصاف عُمَّار المساجد؟! ثم نقول: هل بنيت المساجد لأجل أن تعمرَ بأداء الصلاة فيها حين ينادَى بها؟ أم بنيتْ لأجل أن تُهْجَر بالصلاة في البُيُوت؟ هذا لعمر الله ظُلْم للمساجد!

الدليل الثالث:
قال الله - تعالى -: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 102].

فهل تظن يا مَن تترك صلاة الجماعة، أنها تجب على المسلمين في هذه الظروف الحالكة، ولا تجب على الآمنين المطمئنين المعافين المقيمين؟

ثانيًا: الأدلة من السُّنة:
الحديث الأول:
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال: رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ، وَصَلاَةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَام، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حزم الْحَطَبِ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فَأُحَرِّق عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ)).

وفي هذا الحديث دليلان على وُجُوب صلاة الجماعة في المسجد:
الدليل الأول: وصفه - صلى الله عليه وسلم - للمتخلّفين عن صلاة الجماعة بالنفاق، وهو دليل على وُجُوبها في المساجد، وحُرمة ترْكها فيها؛ إذ يستحيل أن يكونَ مرخصًا للمسلمين في الصلاة في البيوت، ثم يقرن النبي - صلى الله عليه وسلم - التخلُّف عن صلاة العشاء والفجر بالنفاق، فمَن تخلَّف عن صلاة الجماعة في المسجد بغير عذر، فقد شابه المنافقين في هذه الصفة - والعياذ بالله - والواجب على المسلم أن يفرَّ إلى الله - عز وجل - من كلِّ قول أو فعل أو صفة لا يرضاها الله - عز وجل - ورسوله؛ فضلاً عن أن يكون ذلك من صفات المنافقين.

ومن باب أن الشيء بالشيء يُذْكر نقول: إنه كما أن الحرص على أداء صلاة الجماعة في المسجد من الأفعال التي تدل على تحقيق معنى الفرار إلى الله من التشبه بالمنافقين؛ فكذلك هو مِن أعظم معاني الهجرة الدائمة التي لا انقطاع لها إلى الله - عز وجل - ورسوله، والتي تعني هجر العبد كل ما لا يرضاه الله ورسوله، ومِن أهمها هجْر التشبُّه بالكافرين والمنافقين في أفعالهم وصفاتهم؛ فقد روى البخاري وأبو داود والنسائي، عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)).

وهو أيضًا من معاني الحج إلى بيت الله الحرام؛ لأن معناه القصْد إليه تعظيمًا واستجابة لأمر الله وإعمارًا لبيته، فمَن عمر المسجد الحرام حقًّا، رجع إلى بلده وقد تعلم الاستجابة لله وتعظيم أمره، فيحج (يقصد) كل يوم خمس مرات؛ أي: يذهب إلى بيت من بيوت الله التي ينادَى فيها للصلاة، وله بكلِّ صلاة أجر حجة إلى بيت الله الحرام؛ فقد روى أبو داود في سننه - بإسناد حسن - عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا يُنصِبُه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة - لا لغو بينهما - كتاب في عِلِّيينَ)).

أما مَن حج إلى بيت الله الحرام، ثم رجع إلى بلده ليهجر بيوت الله الأخرى، فهذا قد اكتفى من حجه بإسقاط الفريضة، ولَم يتفطن إلى الغاية العليا من فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، والله - عز وجل - لا يُحب مِن عباده صور العبادات المجرّدة من معانيها.

الدليل الثاني:
همُّه - صلى الله عليه وسلم - بتحريق بيوت الذين يُصَلّون في بُيُوتهم، ويتخلّفون عن صلاة الجماعة في المسجد؛ إذ في همه - صلى الله عليه وسلم - بتحريق بيوتهم عليهم تهديدٌ يستحيل أن يصدر من الرؤوف الرحيم بالأمة - صلى الله عليه وسلم - مع ترخيص الشريعة لهم في الصلاة في البيوت، أليس هذا من التشدُّد في غير موضعه الذي ينزه عنه أي حكيم؛ فضلاً عن سيد الحكماء والرحماء - عليه الصلاة والسلام - فدَلَّ ذلك على أنه لا رخصة لهم في الصلاة في البيوت، وترك الجماعة في المسجد.

الحديث الثاني:
روى أبو داود - بإسناد حسن - عن أبي الدرداء، قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عيه وسلم - يقول: ((مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيةٍ، وَلاَ بَدْوٍ، لا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إلاَّ قَد اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِم الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ؛ فَإنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَة)).

قال زائدة - أحد رواة الحديث -: قال السائب: يعني بالجماعة: الجماعة في الصلاة.

وقال ابن علان الشافعي: أي: الشاة البعيدة عن باقي الغنَم المنفردة عنهن، شبه استيلاء الشيطان بوساوسه على المنفرد وتمكُّنه منه كيفما أراد عند بُعده عن الجماعة باستيلاء الذئب على المنفردة من الغنم عند بعدها عن جماعتهن. اهـ.

ولا يقول قائل: إن المقصود بالثلاثة هنا تخصيص الحكم بهذا العدد، بل نقول: إن ذكر الثلاثة هنا يعم القليل والكثير، فإذا كان ترْكُ ثلاثة في قرية لإقامة الصلاة في جماعة سببًا في أن يستحوذَ عليهم الشيطان، فمن باب أولى إذا كانوا أكثر من ثلاثة وتركوا ذلك أن الحكم يشملهم، وأن الشيطان يستحوذ عليهم، ويتناول الخطاب المحذِّرُ مِنَ الترْك مَن تَخَلَّفَ عنِ الجماعة في المسجد: أن الشيطان يستحوذ عليه، وأن المقصود بإقامة الجماعة أن تكونَ في غير البيوت، في مكان يتخذ لذلك ينادى فيه للصلاة، وهي المساجد، التي أذِن الله أن ترفعَ ويُذكر فيها اسمُه؛ لقيام الأدلة على ذلك، ومنها حديث الهمِّ بالتحريق المذكور آنفًا.

الحديث الثالث:
روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟))، فقال: نعم، قال: ((فأجب)).

ونرى في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَم يُرَخِّص لرجل أعمى أن يصليَ في بيته، مع أنه ليس له مَن يقوده إلى المسجد في كل صلاة، ولكن لَمَّا علم - صلى الله عليه وسلم - أنه مع ذلك يستطيع الإتيان إلى المسجد، لَم يرخص له، ولو وجد له رخصة ما ألزمه بأمر فيه مشقة عليه وله فيه رخصة، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يحب التشدد في غير موضع التشدد؛ وعلى هذا من الأدلة ما لا يتسع المقام لذكره، بل قد جاء في بعض روايات الحديث: أنه قال للرجل: ((لا أجد لك رخصة))، وكما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يحب التشدد في غير موضعه، كان كذلك لا يحب الترخص في غير موضعه.

وأقول لك يا مَن تُصَلِّي في بيتك: أتراك لو كنت أنت ذلك الأعمى، وقال لك - صلى الله عليه وسلم -: أجب، أكنت تعصيه وتصلي في بيتك؟! فكيف إذا كنت مبصرًا صحيحًا لا عذر لك؟! لا شك أن إيمانك سيجعلك تقول بلا تردد: سمعت وأطعت يا رسول الله.

الحديث الرابع:
روى مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخرًا، فقال لهم: ((تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)).

وهذا الحديث من أشد الأحاديث تحذيرًا من التخلُّف عن صلاة الجماعة في المسجد؛ إذ فيه تهديد ووعيد لمن أتى إلى المسجد، لكنه تأخر ولَم يتقدم إلى الأمام، أن يؤخره الله - عز وجل - فكيف بمن تأخر ولَم يتقدم إلى المسجد أصلاً؟! أتراه أحسن حالاً من الذي حضر الجماعة في المسجد، ولكنه لم يتقدم إلى الصفوف الأولى؟!

فمَن تعمد التأخر عن الصفوف الأولى وداوم على ذلك، فهو متوعَّد بتأخير الله - عز وجل - له، ومتعرض لسخطه، مع أنه جاء إلى المسجد، ولم يتخلف في بيته، فلا شك أن من تخلف في بيته كان متوعدًا بتأخير الله له، ومتعرِّضًا لسخطه أكثر وأكثر.

فهل يجوز لمسلم أن يتعرَّض لوعيد الله وسخطه عليه بحجة أنه لَم يترك الصلاة بالكلية، وأنه يؤديها في بيته في جماعة؟

الحديث الخامس:
روى أبو داود في سننه - بإسناد صحيح - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سمع المنادي بالصلاة فلم يمنعه من اتباعه عذر، لم تقبل منه الصلاة التي صلى))، قيل: وما العذر يا رسول الله ؟ قال: ((خوف أو مرض)).

فماذا تريد - أخي المسلم الكريم - أن يقول لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك حتى تستجيب لسنته، وتحافظ على إجابة المنادي إذا نادى للصلاة؟! وهل إجابة قول المؤذن: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ أي: أقبلْ، تكون بالإقبال إلى حيث يناديك وهو المسجد، أم تكون في البيوت؟!

ونقول: لو كانت الإجابة بالصلاة في البيوت، لم يكن لقوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح معنى زائدٌ عن الإعلام بدخول وقت الصلاة، ولكان الأولى أن يقول: حان وقت الصلاة، أو نحو ذلك مما فيه إعلام بدُخُول الوقت وكفى، ولكن ليس المراد من الإجابة أن تقوم فتصلي في البيت؛ بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعمى الذي استأذنه في الصلاة في بيته، فلم يأذن له، بعد أن سأله: ((أتسمع النداء؟))، قال: نعم، قال: ((فأجب))، فدل ذلك على أنَّ مقصود الشارع من الإجابة لا يتحقق بالصلاة في البيت، وإنما يتحقق بالذهاب إلى المسجد حيث ينادى بالصلاة، والله أعلم.

ثالثًا: الإجماع:
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: مَنْ سَرَّهُ أنْ يَلْقَى اللهَ تعالى غدًا مُسْلِمًا، فليحافظْ عَلَى هؤُلاَء الصَّلَوَات حيث يُنَادَى بِهِنَّ؛ فَإنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكم - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الهُدَى، وَإنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى، وَلَوْ أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكم كَمَا يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّة نَبِيِّكُم لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّف عَنْهَا إلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاق، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤتَى بهِ، يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ؛ رواه مسلم.
وفي رواية له قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى؛ وإنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلاَةَ في المَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ.

ونحو هذا ورد عن أبي الدرداء وغيره، ولَم ينكر أحد من الصحابة ذلك، أو يقل بخلافه، ومن قال: إن أحدًا من الصحابة أنكر ذلك، أو قال بخلافه، فليأت به إن كان من الصادقين، فإذا كان لا يوجد من خالف ذلك من الصحابة؛ ألا يكون ذلك إجماعًا منهم - رضي الله عنهم - على وجوب صلاة الجماعة في المسجد، ولو كان إجماعًا سكوتيًّا؟!

وذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في رسالته الموسومة بـ"قاعدة أهل السنة والجماعة في رحمة أهل البدعة والمعاصي ومشاركتهم في صلاة الجماعة": أن من ترك الصلاة خلف المبتدع تدينًا، فهو مبتدع، وهذه إشارة منه - رحمه الله - إلى إجماع المسلمين على حرمة ترك الصلاة خلف المبتدع لذلك؛ إذ لو كان أحد - ممن يعتبر بقوله - أجاز ذلك، ما جاز أن يُبدَّع فاعله؛ وكيف يُبَدَّع من يستند إلى قول معتبر في الدين؟! فدل هذا على أنه لا يوجد قول معتبر يجيز هذا الفعل.

وعليه؛ فتجب الصلاة خلف المبتدع إذا لم يجد غيره، أو اضطر لذلك، فإذا كانت بدعته مكفِّرة له، نصحه، فإن قبل النصح، جازت الصلاة خلفه، وإذا لم يقبل النصح، لم تصحَّ الصلاة خلفه، ولا يصح جعله إمامًا، وإذا كانت بدعته غير مكفرة، صحت الصلاة خلفه، أما إذا وجد إمامًا سنيًّا، وجب عليه التحول إلى السني، ولا يترك الجماعة بحال.

وأما ترك الجماعة بسبب أمية الإمام، فيقال: إذا كان مضيعًا للفاتحة لا تصح الصلاة خلفه إلا لمثله، ووجب البحث عن غيره للصلاة خلفه، وأما ترك الجماعة مطلقًا لهذا السبب، فهو غير سائغ، ويخشى على صاحبه أن يدخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((من قال: هلك الناس، فهو أهلكهم))؛ لأنه لا يَعْدِم أن يجد إمامًا قارئًا تصح الصلاة خلفه، فالأمر لا يتطلب من المسلم سوى إرادة صادقة، والله المستعان.

وقد سُئل شيخ الإسلام عن رجل يقتدَى به في ترْك صلاة الجماعة؟
فأجاب - رحمه الله -:
"من اعتقد أن الصلاة في بيته أفضل من صلاة الجماعة في مساجد المسلمين، فهو ضال مبتدعٌ باتفاق المسلمين؛ فإن صلاة الجماعة إما فرضٌ على الأعيان، وإما فرضٌ على الكفاية، والأدلة من الكتاب والسنة أنها واجبةٌ على الأعيان، ومن قال: إنها سنةٌ مؤكدةٌ ولم يوجبها، فإنه يذم من داوم على تركها، حتى إن من داوم على ترك السنن التي هي دون الجماعة سقطت عدالته عندهم، ولَم تقبل شهادته، فكيف بمن يداوم على ترك الجماعة؟! فإنه يؤمر بها باتفاق المسلمين ويلام على تركها، فلا يُمَكّن مِن حكم ولا شهادة ولا فتيا مع إصراره على ترك السنن الراتبة التي هي دون الجماعة، فكيف بالجماعة التي هي أعظم شعائر الإسلام؟! والله أعلم". اهـ.

رابعًا: بيان القول في النصوص التي يستند إليها من لا يوجب الجماعة:
والواجب حيال هذه النصوص: أن نجمع بينها وبين النصوص السابقة؛ فلا تناقض بين أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فنقول: إن هذه النصوص منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو صحيح، فإن كانت ضعيفة، فلا حجة في الضعيف، وإن كانت صحيحة، فهي لا تخرج عن أحد أمرين:
أولهما: أن تكون وقائع عينية، كحديث الرجل الذي صلى في رحله، ولم ينكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديث عتبان بن مالك، فلا دلالة فيها على عدم الوجوب؛ لاحتمال أن يكون له عذر؛ وما جاز عليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
الثاني: أن يُمْكِنَ حملُها على معنًى صحيح لا يناقض أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - المحكمة الأخرى؛ كحديث: ((صلاة الرجل في جماعة أفضل من صلاته في سوقه وبيته بسبع أو بخمس وعشرين درجة)).

فهذا ونحوه لا يدل على جواز ترْك الجماعة؛ إذ ليس المفضول دائمًا يجوز فعله، بل قد يكون محرمًا؛ كما تقول: الصلاة في ثوب من مال حلال أفضل من الصلاة في ثوب مغصوب؛ ولا يلزم من ذلك جواز الصلاة في الثوب المغصوب وإن صحتْ، فكذلك لا يلزم من التفضيل بين صلاة الجماعة في المسجد وتركها، جواز تركها وإن صحتْ؛ لوجود الأدلة الأخرى على حرمة ذلك الترك، وقد ذكرنا من الأدلة على هذا ما فيه الكفاية، لِمَن أراد الهداية.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وَالْمُصِرُّ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ رَجُلُ سُوءٍ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُزْجَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ بَلْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ"؛ اهـ.

وفقني الله وإياك - أيها الأخ المسلم الراكع الساجد - إلى الحرص والمواظبة على صلاة الجماعة في المساجد؛ فهو - سبحانه - الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.48 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]