حلقات تحفيظ القرآن الكريم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-12-2019, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي حلقات تحفيظ القرآن الكريم

حلقات تحفيظ القرآن الكريم (1)

أهميتها، ونشأتها، وأشهر مؤسسيها

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل




الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ﴾ [العلق:1-3]، نحمده على هدايته وكفايته، ونشكره على فضله ورعايته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان أحرص الناس على حفظ القرآن، وكان إذا أنزل عليه يحرك شفتيه به يخشى نسيانه حتى نهاه ربه سبحانه عن ذلك، وكفل عز وجل إيداعه في صدره، وعلمه كيف يتلقى القرآن حال إنزاله ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة:19] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واستمسكوا بدينه، وعظموا كتابه، ووقروا حفاظه؛ فإن توقير حملة القرآن ومعلميه من إجلال الله تعالى؛ فهم حملة النور في صدورهم، وهم حراس القرآن في حلقاتهم ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة:15].

أيها الناس: حين أذن الله تعالى بحفظ القرآن الكريم في قوله سبحانه ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9] هيأ الأسباب لذلك، فشرع القراءة في الصلاة، ورتب الأجور العظيمة على تلاوة القرآن، فصارت آيات القرآن يجهر بها في المساجد، فيتلقاه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وفي كل الأزمان قراءة وسماعا جيلا عن جيل، وأمة عن أمة، فلا يستطيع أحد أن يزيد فيه أو ينقص منه، ولا يعلم كلام في تاريخ البشر كان له هذا الشأن، ولا عني بمثل هذا الحفظ.

ولما كان حفظ القرآن وضبطه وإقراؤه للناس بهذه الأهمية الكبيرة توجهت همة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فمنع في أول الأمر كتابة شيء غير القرآن؛ ليحصر اهتمام الصحابة فيه قراءة وحفظا وضبطا وفهما، وكان يقرؤهم القرآن، ويستمع إليه من حفاظه المتقنين كما استمع لقراء أبي موسى وابن مسعود رضي الله عنهما، بل وقرأ صلى الله عليه وسلم القرآن على أبي بن كعب بأمر من الله تعالى فبكى أبي لما علم بذلك، وكان يرسل القراء المتقنين مع الوفود التي تفد عليه ليقرئوهم القرآن؛ وذلك لضرورة تعلم القرآن، فالصلاة المفروضة لا قيام بها إلا بحفظ شيء من القرآن.

ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة متفاوتين في حفظهم للقرآن، وذكر أنس رضي الله عنه أربعة ممن حفظوا القرآن كاملا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أشهرهم أبي بن كعب ومعاذ بن جبل، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عن أربعة فقال: ((اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ من أَرْبَعَةٍ من عبد الله بن مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ مولى أبي حُذَيْفَةَ وَأُبَيِّ بن كَعْبٍ وَمُعَاذِ بن جَبَلٍ)) رواه الشيخان.

ومن مشاهير قراء الصحابة عثمان بن عفان وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وتميم الداري وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وأبو أيوب الأنصاري ومُجَمِّع بن جارية رضي الله عنهم، وكان عثمان يقرئ الناس القرآن، وعنه أخذ القرآن مشاهير من قراء التابعين رحمة الله عليهم، لكن عثمان شغل بالخلافة والقيام على أمور المسلمين.

وفي عهد الصحابة رضي الله عنهم اتسعت حلقات تحفيظ القرآن الكريم بسبب اتساع الفتوح، وازدياد المسلمين، وكانت هذه الحلقات مختصة في إقراء القرآن وحفظه، وهي امتداد لإقراء النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم وتحفيظهم كلام الله تعالى، ولإرساله القراء مع الوفود التي أسلمت لتعليمها القرآن.

ومن الصحابة من انقطع لهذا العمل الجليل، وأسس مشروعات ضخمة لإقراء الناس، وتحفيظهم كتاب الله تعالى، وكان أشهر أولئك وأعظمهم أثرا في هذا المجال: عبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء:

أما ابن مسعود فهو أول من جهر بالقرآن في مكة، وانفرد بالنبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ليأخذ عنه وحده، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع إلى قراءته ويبكي، ويكفي فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كما نزل فَلْيَقْرَأْهُ بِقِرَاءَةِ بن أُمِّ عَبْدٍ))رواه أحمد.

ويدل على علمه بالقرآن قوله رضي الله عنه: ((والله الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من كِتَابِ الله إلا أنا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ ولا أُنْزِلَتْ آيَةٌ من كِتَابِ الله إلا أنا أَعْلَمُ فيما أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ الله تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إليه)) رواه الشيخان.

ولما أخبر عمر أن رجلا يقرئ القرآن ويملي المصحف عن ظهر قلب انتفخ غضبا فلما علم أنه ابن مسعود سري عنه وقال: ((مَا أَعْلَمُ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ هُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْه)).

مكث ابن مسعود لإقراء الناس القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين وعشرين سنة، وهو الذي أسس مدارس التحفيظ في الكوفة، ومنها انتشر إقراء القرآن في العراق وخراسان وما وراءها على أيدي طلابه الحفظة من التابعين. وقال غير واحد منهم: ((كنا نَعْرِضُ الْمَصَاحِفَ على عبد الله)). ومرة زار حلقاته خباب بن الأرت رضي الله عنه فقال متسائلا: ((كُلُّ هَؤُلاَءِ يَقْرَأُ كما تَقْرَأُ؟ فقال: إن شِئْتَ أَمَرْتَ بَعْضَهُمْ فَقَرَأَ عَلَيْكَ، قال: أَجَلْ؟ فأمر أحدهم فَقَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً من مَرْيَمَ، فقال خَبَّابٌ: أَحْسَنْتَ)).

وأما أبو موسى الأشعري فاشتهر بحسن الصوت في التلاوة حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم استمع لقراءته ليلة وقال له: ((يا أَبَا مُوسَى لقد أُوتِيتَ مِزْمَارًا من مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ)) متفق عليه.

وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يستمعن إلى تلاوته للقرآن، وكَانَ عُمَرُ إِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ أَبُو مُوْسَى، رُبَّمَا قَالَ لَهُ: ((ذَكِّرْنَا يَا أَبَا مُوْسَى، فَيَقْرَأُ)).

ومن حسن صوته يتمنى بعضهم تطويله في الصلاة كما قال المخضرم أبو عثمان النهدي رحمه الله تعالى: ((إِنْ كَانَ لَيُصَلِّي بِنَا فَنَوَدُّ أَنَّه قَرَأَ البَقَرَةَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ)).

ولاه عمر ثم عثمان رضي الله عنهما إمرة البصرة فأسس فيها حلقات تحفيظ القرآن، وكان يقرئ الناس بنفسه وهو الأمير قال أبو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ رحمه الله تعالى: ((كَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يَطُوفُ عَلَيْنَا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ يَعقدُ حِلقًا فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَبْيَضَيْنِ يُقْرِئُنِي الْقُرْآنَ)).

ومرة جمَعَ أبو موسى الَّذِينَ أتقنوا الْقُرْآنَ فَإِذَا هُمْ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، فَعَظَّمَ الْقُرْآنَ في نفوسهم ووعظهم، وهؤلاء الثلاثمائة هم ممن أتقنوا القرآن سوى من حفظوا أكثره أو بعضه، ولا يعلم عددهم.

وفي طريقته للإقراء قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: ((كَانَ أَبُو مُوْسَى إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ اسْتَقْبَلَ الصُّفُوْفَ رَجُلاً رَجُلاً يُقْرِئُهُمْ)).

ويبدو أن همته وهو أمير اتجهت لذلك، فانتشر حفظ القرآن في البصرة بسببه، قال أَنَسٍ رضي الله عنه: ((بَعَثَنِي الأَشْعَرِيُّ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَرَكْتَ الأَشْعَرِيَّ؟ قُلْتُ: تَرَكْتُهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ القُرْآنَ)).

واستمر في الإقراء بعد انتقاله للشام في عهد معاوية رضي الله عنه إلى أن توفي، فيكون قد اشتغل بإقراء الناس القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أربعا وثلاثين سنة.

وأما أبو الدرداء رضي الله عنه فهو ممن حفظ القرآن وأتقنه قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن حرصه على الحفظ والضبط والإتقان كان يقول: ((لَو أُنْسِيْتُ آيَةً لَمْ أَجِدْ أَحَداً يُذَكِّرُنِيْهَا إِلاَّ رَجُلاً بِبَرْكِ الغَمَادِ رَحَلْتُ إِلَيْهِ)) وبرك الغماد موضع في اليمن.

ولما اتسع الإسلام في الشام احتاج الناس إلى من يقرئهم فأرسله عمر مع عبادة ومعاذ لإقراء الناس، فكان أبو الدرداء في دمشق، وعبادة في حمص، ومعاذ في فلسطين، وأسس أبو الدرداء حلقات التحفيظ في دمشق، وكان بارعا في إدارتها وتنظيمها، وبسبب ذلك خرجت حلقاته جما غفيرا من الحفاظ المتقنين قال مسلم بن مِشْكَم: ((قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندي القرآن، فعددتهم ألفاً وستمائة ونيفاً، وكان لكل عشرة منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائماً يستفتونه في حروف القرآن، فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء)). وقال سويد بن عبد العزيز: ((كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، ويجعل على كل عشرة منهم عريفاً، ويقف هو قائماً في المحراب يرمقهم ببصره، وبعضهم يقرأ على بعض، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء، فسأله عن ذلك)). ونقل الحافظ ابن عساكر أن أبا الدرداء هُوَ الَّذِي سَنَّ هَذِهِ الحِلَقَ لِلقِرَاءةِ. واستمر في إقراء الناس أكثر من عشرين سنة حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه.

وصارت هذه الحلقات المباركة لإقراء القرآن وتحفيظه سنة متبعة، وجادة للخير مطروقة إلى يومنا هذا، ينقطع للإقراء فيها ثلة من خيار الناس، ممن استودع الله تعالى القرآن في صدورهم، وضبطوه بألسنتهم، فجزاهم الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وكثر في الأمة أمثالهم، وحقهم علينا إجلالهم ودعمهم وتأييدهم ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:215].


الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران:131-132].

أيها المسلمون: بحفظ الله تعالى للقرآن حفظ لسان العرب، ولولا القرآن لما بقيت العربية، وبحفظ القرآن حفظ الإسلام وشعائره، وكان من أهم أسباب حفظ القرآن حلقات التحفيظ التي أسسها الصحابة رضي الله عنهم، وأخذها عنهم من بعدهم، وتتابع أهل القرآن عليها إلى يومنا هذا.

وأعداء الإسلام من الكفار والمنافقين يدركون أن سر قوة المسلمين يكمن في القرآن، وأن آياته حين تقرع أسماعهم تسري في قلوبهم الحمية الدينية، وتبعث همتهم للدفاع عن الإسلام ورد العدوان عليه.

ولما عاث المستعمرون في بلاد الإسلام إبان سقوط خلافة بني عثمان توجهت همتهم للقضاء على الكتاتيب وحلقات القرآن.. فعل الفرنسيون ذلك في بلاد المغرب العربي، وألغوا كتاتيب القرآن، واستبدلوا بها التعليم الفرنسي، حتى كاد أن يمحى اللسان العربي، إلا أن الله تعالى أشعل جذوة القرآن في قلوب المغاربة على أيدي العلماء والمقرئين، فطردوا الاستعمار البغيض، وعادت حلقات التحفيظ مرة أخرى، وكثر المتقنون للقرآن من المغاربة، ونافسوا إخوانهم المشارقة أو فاقوهم.

وكان من أولويات الاستعمار الانجليزي لمصر محو القرآن، والقضاء على تحفيظه، ولكن المستعمرين فشلوا، وبقي القرآن يتلى ويحفظ في أرض الكنانة.

وكان الشيوعيون أشد الكفار على القرآن وأهله، فلما قامت دولهم في الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية أتلفوا نسخ القرآن، وأغلقوا كتاتيبه، وكانت العقوبة على حفظ القرآن أو تعليمه تصل إلى الإعدام، ودام ذلك سبعين سنة حتى جهل كثير من المسلمين دينهم وكتاب ربهم سبحانه وتعالى، ولكن بقيت باقية لم تطفأ جذوة القرآن من قلوبهم فيتعلمونه ويحفظونه بعيدا عن أعين الشيوعيين وجواسيسهم، ويختلون بالقرآن في الأقبية والمغارات والصحارى، وبمجرد سقوط الشيوعية ظهر حفاظ القرآن الذين حفظوه في مدارس سرية في المغارات والأقبية وتناقلوه أبا عن جد، وكان بعضهم ربما اشتغل برعي الغنم وهو غني لأجل أن يقرأ القرآن ويقرئه غيره في البراري بعيدا عن الأعين في قصص عجيبة هي أقرب للخيال من الواقع، وكل ذلك من حفظ الله تعالى للقرآن الكريم.

إن الكفار والمنافقين لا يألون جهدا في حرب القرآن وأهله، ولأنهم عجزوا عن ذلك مباشرة وبالقوة القاسية فإنهم لجئوا إلى القوة الناعمة بتجفيف منابع القرآن، وتشويه حلقات تحفيظه، ووصمها بكل نقيصة لتنفير الناس من القرآن وأهله. وأبلغ رد عليهم ونكاية بهم نصر القرآن ونشره، وإشاعة ثقافة الإقراء، ودعم حلقات القرآن، وتوقير حملته، وإلحاق الأولاد بمدارسه ودوره وحلقه؛ فإن بناء عقول الناشئة بالقرآن يحميهم من الانحراف، ويفسد على الكفار والمنافقين خططهم في تغريب المسلمين وإفسادهم

إن الكفار والمنافقين لا يستطيعون الطعن المباشر في القرآن؛ لأن عموم المسلمين لا يوافقونهم على ذلك، فطعنوا في حملته ومصادر تحفيظه وتلقينه، وأيم الله تعالى إن طعنهم فيهم لا يريدون منه إلا الطعن في القرآن، والقضاء عليه، وسيبقى لأعداء الله من الكفار والمنافقين ما يسؤوهم بإذن الله تعالى، فلا يحارب القرآن وأهله جبار إلا قصمه الله تعالى وأذله وأهانه ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج:18].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-12-2019, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حلقات تحفيظ القرآن الكريم

حلقات تحفيظ القرآن الكريم (2)


أهميتها، ونشأتها، وأشهر مؤسسيها










من أخبار المقرئين من التابعين







الحمد لله الخلاق المنان، الرحيم الرحمن، ï´؟ عَلَّمَ القُرْآَنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ ï´¾ [الرَّحمن: 3-4] نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا؛ تابع علينا النعم، ودفع عنا النقم، وكفانا بالإسلام، وهدانا للإيمان، وعلمنا القرآن؛ رحمة وهدى وموعظة وشفاء، ï´؟ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ï´¾ [البقرة: 239] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وفق من شاء لهداه فأبصروا الحق واتبعوه، فسعدوا في الدنيا مع ما كتب لهم من فوز الآخرة، وضل عن هداه من شقوا في الدنيا والآخرة، ï´؟ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ الله مِنْ وَاقٍ ï´¾ [الرعد: 34]. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وهداية للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.







أما بعد:



فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، والتزموا أمره، واجتنبوا نهيه، وعظموا كتابه فاحفظوه واقرؤوه ورتلوه، وتدبروا آياته، وافهموا معانيه، ونشئوا أولادكم عليه؛ فإنه كلام الله تعالى إليكم ï´؟ اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ï´¾ [الزُّمر: 23].







أيها الناس:



حفظ القرآن وتحفيظه، والانقطاع لقراءته وإقرائه عمل هو من أجل الأعمال وأفضلها؛ لأنه اشتغال بكلام الله تعالى عن كلام الناس، واستغناء بالقرآن عن غيره، واغتراف من علومه اليقينية القطعية، فهو كتاب ï´؟ لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ï´¾ [فصِّلت: 42].







لقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - قيمة القرآن منذ تنزله، وحرص على حفظه حين ألقي عليه، وحزن حزنا شديدا حين فتر الوحي بعد النزول الأول، وخشي أن يحرم هذا الكلام العظيم الذي يسمو بروحه وقلبه إلى ملكوت السماء، ويصله بالخالق جل وعلا.. فحق له أن يحزن بفترة الوحي، وحق له أن يفرح حين تنزل من جديد..







وكان - صلى الله عليه وسلم - أثناء تنزل القرآن يعجل في قراءته، ويعطيه كل حواسه، وينصرف عن كل شيء سواه، يريد أن يحفظ حروفه، ويعي معانيه، فنهاه ربه سبحانه عن السرعة في القراءة، وتكفل بتخزينه في قلبه فلا ينسى منه شيئا، وقلوب العباد بيده سبحانه يصرفها كيف يشاء، ويملؤها بما شاء.







قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: " كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: ï´؟ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ï´¾ [القيامة: 16] يَخْشَى أَنْ يَنْفَلِتَ مِنْهُ، ï´؟ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ï´¾ [القيامة: 17]، أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ، أَنْ تَقْرَأَهُ ï´؟ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ï´¾ [القيامة: 18] يَقُولُ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ: ï´؟ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ï´¾ [القيامة: 18، 19] أَنْ نُبَيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ، وفي رواية قال: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا أَقْرَأَهُ" رواه البخاري.







وزرع النبي - صلى الله عليه وسلم - الحرص على القرآن في قلوب أصحابه رضي الله عنهم، فحثهم على حفظه، وأمر الكتبة منهم أن لا يكتبوا شيئا غير القرآن، وأخبر عن أجور عظيمة على حفظ القرآن وتعلمه.







ووعى الصحابة رضي الله عنهم ذلك، فكانوا يقرئون تلامذتهم القرآن، وانقطع منهم أناس لهذه الغاية النبيلة كابن مسعود وأبي موسى في العراق، وأبي الدرداء في الشام، فأسسوا حلقات لتحفيظ القرآن ونظموها، فصار الإقراء والتلقين والضبط على القراء سنة متبعة في هذه الأمة أخذها عن الصحابة جمع من التابعين، فانقطعوا للإقراء، وحين عصفت الفتن بالأمة بقي الإقراء فيها، وما تزحزح المقرئون عن زواياهم في المساجد، يقرئون الصغار والكبار، ويتلقى منهم الناس القرآن.







والحديث عن إقراء التابعين للقرآن حديث يطول؛ لكثرة المقرئين منهم؛ ولما حفلت به سيرهم من فرائد الأخبار في الانقطاع للتلقين والإقراء، وحسبكم أن أسانيد القراء العشرة انتهت إلى ثمانية وعشرين من قراء التابعين..







كان من أشهرهم أبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب رحمه الله تعالى، روى عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَولَه: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" فأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الحَجَّاجُ قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا. رواه البخاري.







سمع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل القراءة والإقراء، فانقطع لذلك، وتخرج عليه آلاف من حفاظ القرآن. فيا له من تطبيق فوري عملي استوعب عمره كله.







قال أبو إسحاق السبيعي رحمه الله تعالى:



إن أبا عبد الرحمن كان يقرئ الناس في المسجد الأعظم أربعين سنة. وكان مع ذلك مشتغلا بإمامة المسجد، فما فارق المسجد والقرآن، فنعم العيش كان عيشه.. حتى لما كبرت سنه ما ترك إمامة المسجد ولا الإقراء، أخبر تميم بن سلمة، أن أبا عبد الرحمن كان إمام المسجد، وكان يحمل في الطين في اليوم المطير.







وكان عفيف اليد، لا يتأكل بالقرآن، ولا يأخذ شيئا على الإقراء، علَّم القرآن أحد أبناء الأكابر فأرسل إليه نعما وإبلا من أنفس المال، فردها وقال: إنا لا نأخذ على كتاب الله أجرا.







وكان يربي طلبته على توثيق العلم، والأخذ عن الثقات، وقال عاصم بن بهدلة: كنا نأتي أبا عبد الرحمن ونحن أغيلمة يفاع، فيقول: لا تجالسوا القصاص، غير أبي الأحوص. وكان يستغل كل وقت حتى وقت المشي في الإقراء والسماع، قال عطاء بن السائب: كنت أقرأ على أبي عبد الرحمن وهو يمشي.







وقال إسماعيل بن أبي خالد: كان أبو عبد الرحمن يقرئ عشرين بالغداة وعشرين بالعشي ويعلمهم أين الخمس والعشر ويقرئنا خمسًا خمسًا.. أي خمس آيات خمس آيات.







ورجل قضى عمرًا مديدًا في القرآن والإقراء، وإمامة الناس فحري أن تكون له خاتمة حسنة، عن عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ الله بْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ يَقْضِي فِي مَسْجِدِهِ فَقُلْنَا: يَرْحَمُكَ اللَّهُ لَوْ تَحَوَّلْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، تَقُولُ الْمَلائِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، قَالَ: فَأُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا فِي مَسْجِدِي..".







فيا للحياة الحافلة بالقرآن وإقراء الناس التي امتدت إلى تسعين سنة، ويا للميتة الحسنة في المسجد وهو ينتظر الصلاة، ودعاء الملائكة يتواصل له.







إن للمقرئين من التابعين أخبارا عجيبة في قراءتهم وعبادتهم وخشوعهم، استودعوا كلام الله تعالى قلوبهم، فظهر أثره على جوارحهم.. وما كانوا يقرئون الناس وينسون أنفسهم، بل كانوا أهل قراءة وتهجد وخشية، منهم الأسود بن يزيد كان يختم القرآن في كل ست ليال، وفي رمضان في كل ليلتين.







ومنهم علقمة بن قيس كان يختم القرآن في خمس ليال، وقد قام بالقرآن في ليلة عند البيت الحرام.







ومنهم أبو رجاء العطاردي كان يختم القرآن في كل عشر ليال.







ومنهم يحيى بن وثاب، كان مقرئ الكوفة في زمانه، وكان عابدا خاشعا قد ظهر أثر القرآن عليه، حتى قال الإمام الأعمش: كان يحيى بن وثاب إذا قضى الصلاة مكث ما شاء الله تعرف فيه كآبة الصلاة. وكان الأعمش معجبا بقراءته، وصف إنصات الناس له بقوله: كان يحيى بن وثاب من أحسن الناس قراءة، وربما اشتهيت تقبيل رأسه لحسن قراءته، وكان إذا قرأ لم يحس في المسجد حركة كأن ليس في المسجد أحد. ويصف خشوعه فيقول: كنت إذا رأيته قلت: هذا قد وقف للحساب يقول: أي رب أذنبت كذا.







كانت تلكم جُمَلًا مما نقل من أخبار المقرئين من التابعين وأحوالهم وقصصهم مع القرآن والإقراء، وأكثرهم عمروا طويلا فقاربت أعمارهم المئة، ومنهم من جاوزها، قضوا جلها مع كلام الله تعالى قراءة وتعلما، وإقراء وتعليما، وهي أخبار تبعث الهمم في نفوس أهل القرآن، قارئين ومقرئين، ومعلمين ومتعلمين؛ عسى الله تعالى أن يكتبنا في أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يجعل القرآن شارحا لصدورنا في الدنيا، وأنيسا لنا في القبر، وشفيعا لنا يوم العرض.. اللهم آمين. ï´؟ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ï´¾ [البقرة: 121].







الخطبة الثانية



الحمد لله حمداً طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.







أما بعد:



فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأعطوا القرآن ما يستحق من العناية والاهتمام، ووجهوا أولادكم لحفظه وإتقانه وتلاوته؛ فإنه عامر القلوب بالإيمان واليقين، وإنه طارد الجحود والشك ووساوس الشياطين ï´؟ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ï´¾ [الأنفال: 2].







أيها المسلمون:



في زمن انحطاط المسلمين وتخلفهم، وتوجه أكثر ساستهم وإعلامييهم ومفكريهم وجهة الغرب الذي مزج النصرانية المحرفة بالإلحاد الصارخ.. وفي زمن تقديس قيم الغرب المنحطة ونقلها للمسلمين.. بل وفرضها عليهم عبر بوابات السياسة والإعلام والاقتصاد؛ فإن القرآن وأهله من قراء ومقرئين لا يحظون باهتمام يليق بمكانتهم، ولا يجدون من الرعاية ما يستحقون، ولا ينزلون منازلهم، ولا ينفق على محاضن الإقراء عشر ما ينفق على مراتع اللهو والعبث والضياع؛ ولذا فإن من ينقطعون لإقراء أولاد المسلمين القرآن، وكذلك من يفرغون أوقاتهم، ويكرسون جهودهم للإشراف على حلقات تحفيظ القرآن وإدارتها، وكذلك من يدعمون القرآن وأهله ماديا ومعنويا، ومن يدرؤون عن هذه الحلقات المباركة عدوان المعتدين، وإفك المنافقين، وبهتان المفسدين الذين يتمنون القضاء على القرآن، ويسعون في تجهيل هذه الأمة بكتابها؛ لإخضاعها لأعدائها، كل أولئك العاملين في حلق القرآن وتعليمه إنما يرجون المثوبة من الله تعالى على هذه الأعمال الجليلة، ولا ينتظرون جزاء ولا شكورا من الناس، وثوابهم أعظم من غيرهم؛ لكثرة الطعن والحط عليهم، وقلة المعين والنصير لهم؛ ولتعدد الصوارف الدنيوية عن القراءة والإقراء، مما يحتاج إلى مجاهدة ومصابرة على هذا الثغر العظيم من ثغور الدين.







ومن حفظ الله تعالى للقرآن المذكور في قوله سبحانه ï´؟ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ï´¾ [الحجر: 9] أن ينبري لهذه المهمة الجليلة، والغاية النبيلة في كل عصر ومصر رجال فرغوا أنفسهم للقران قراءة وإقراء، وفي عصرنا نماذج عجيبة تصلنا بأخبار السابقين في هذا الميدان العظيم، منهم من مكث ثلاثا وسبعين سنة في إقراء القرآن، ومنهم من مكث خمسين سنة، ومنهم من انقطع من كل شغل إلا الإقراء، وتحفيظ أولاد المسلمين القرآن، فكان جل يومهم من الفجر إلى ما بعد العشاء الآخرة للإقراء، حلقات في إثر حلقات طيلة اليوم وشطرا من الليل، ومنهم من أمضى على هذا الحال ثلاثين سنة وأكثر، وفي إفريقيا الفقيرة أخبار عجيبة في الإقراء، وهي على فقرها تخرج أكثر حفاظ العالم الإسلامي.. فلله در قوم فرغوا نفوسهم للقرآن قراءة وإقراء، وشغلوا به عن غيره؛ فكان لهم صاحبا وجليسا وأنيسا، ونعم الشغل شغل بالقرآن، وابن مَسْعُودٍ من كبار المقرئين من الصحابة، ومن مؤسسي حلقات التحفيظ في العراق، قِيلَ لَهُ رضي الله عنه: "إِنَّكَ لَتُقِلُّ الصِّيَامَ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضْعِفَنِي عَنِ الْقِرَاءَة، وَالْقِرَاءَة أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ..".







أنبه إلى أمرين:



التنبيه الأول: من أشرت إليهم في الخطبة من المقرئين المعاصرين ممن شغلوا بالإقراء سنوات طويلة أذكر منهم: الشيخ المقرئ أبو الحسن محيي الدين الكردي، من أهل الشام، أقرأ القرآن الكريم ثلاثا وسبعين سنة، توفي بعد مغرب الجمعة 16/8/1430هـ رحمه الله تعالى، ومنهم الشيخ عبد الله المنجد، والد الدكتور صلاح الدين المنجد، مدير معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، مكتوب على قبره في الشام الآن: هذا أقرأ القرآن خمسين عاما.. والكتابة على القبر منهي عنها، ولكن المقصود خبر إقرائه، وقد حدثني بخبر هذين العلمين الكبيرين أخونا الشيخ المقرئ المتقن المتفنن في علوم القرآن: عادل السنيد حفظه الله تعالى.







وأدركت وأنا صبي في العاشرة من عمري الشيخ محمد بن سنان رحمه الله تعالى يقرئ القرآن ويدير مدرسة تحفيظ القرآن بعتيقة عام 1398هـ إلى أن تقاعد منها، واستمر في الإقراء إلى أن توفي رحمه الله تعالى قبل بضع سنوات، وأدركت معه آنذاك الشيخ محمد قاسم حفظه الله تعالى، ولا زال يقرئ إلى الآن في مسجد آل فريان القديم حسب علمي، ولا أدري كم سنة أقرأ الشيخان قبل أن أدركهما، لكن الشيخ محمد بن سنان - حسب علمي- هو من أسس مدرسة تحفيظ القرآن الأولى في الرياض، وحفظ القرآن عليه مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وذلك في عام 1373هـ أي قبل ستين سنة، فيقينا أن الشيخ ابن سنان جاوزت سني إقرائه للقرآن خمسين سنة، ومن المرجح أنها تزيد على ذلك بكثير. وكذلك أتم حفظ القرآن على الشيخ ابن سنان الشيخ عبد الرحمن آل فريان رحمه الله تعالى الذي رأس جمعية تحفيظ القرآن سنوات طويلة. وقد سمعت أن عددا كبيرا من كبار علماء الرياض درسوا القرآن على الشيخ ابن سنان.







وفي ظني أن ثمة نماذج كثيرة لمقرئين انقطعوا للإقراء في طول العالم الإسلامي وعرضه لعل همة بعض المتخصصين تتوجه بقراءة هذه الكتابة إلى تصنيف تراجم للمقرئين المعاصرين يركز فيها على سنوات الإقراء، وخاصة المنقطعين منهم لذلك، وعلى طريقة الشيخ في الإقراء، ونسبة الحفاظ الذين يتخرجون عليه كل عام.







التنبيه الثاني: يلاحظ طعن الليبراليين وبعض أدعياء السلفية في حلقات تحفيظ القرآن، ورميها بكل نقيصة، والتنفير منها، وادعاء أنها مراتع للتطرف أو البدع، مع أن أكثرها في طول العالم الإسلامي وعرضه للإقراء فقط، وهذا خال من البدع.. وكثير منها محاضن للتربية على معالي الأمور، فيا ليت أن أحدا ينبري لتفنيد ذلك، مستلهما تجربة الصحابة والتابعين وسلف الأمة في الإقراء، وأنهم كانوا يربون طلبة القرآن على السنة، والبعد عن البدع، كما أوردت في الخطبة نهي أبي عبد الرحمن السلمي طلبته عن حضور مجالس القصاص.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 85.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 83.51 كيلو بايت... تم توفير 2.36 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]