رحلات أهل العلم في الحج - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 39 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-12-2019, 04:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رحلات أهل العلم في الحج

رحلات أهل العلم في الحج



الشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير





بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، أفضل من صلَّى وصام، وحجَّ البيت الحرام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نَهجهم، واقْتفى أثرهم إلى يوم الدِّين، أما بعد:

فيا أيها الإخوة الكرام:



الرِّحلة إلى حج بيت الله الحرام رحلةُ خير وبركة على مَنْ وفقه الله تبارك وتعالى، ومِنْ خيرات هذه الرِّحلة أنَّها مشروع روي، وسبيل من سبل التصنيف عند العلماء؛ يدوِّنون فيها مروياتِهم، ويكتبون فيها ملاقاتِهم بالعلماء، ويذكرون فيها اختياراتِهم العلميَّة في أبواب العلم المختلفة.

ولعلَّ ذلك يصدق قوله - تبارك وتعالى - بل هو مِمَّا يصدق قول الله - تبارك وتعالى -: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحـج: 27].

ونحن في هذه اللَّيلة نستضيف فضيلة شيخنا العلاَّمة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبدالله الخضير؛ ليحدثنا عن محاضرة - سمعتم بل قرأتم عنوانها - وهي: "رحلة العلماء إلى حج بيت الله الحرام"، وفضيلته حينما يتحدَّث عن هذا الموضوع فإنَّه سيحدثنا حديثَ العارف الخبير؛ فإنه - حفظه الله - له اطِّلاع واسع على كُتُب أهل العلم، وله قراءة مُمتدة في الفُنُون المختلفة.

فنسأل الله أن يثيبه لقاء ما أجاب من هذه الدَّعوة، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يرفع درجاتِه، وأن يوفِّقه إلى كلِّ خير؛ فليتفضل مشكورًا.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد طلب منِّي الأخ الشيخ الفاضل الدكتور/ عبدالمحسن - حفظه الله - أنْ أساهم في دورتهم هذه العلميَّة بحديث عن الرَّحلات العلمية المُتعلقة بالحج.


وهذا الكلامُ في هذا الموضوع لا شكَّ أنَّه يحتاج إلى أديب؛ فجُلُّ مَن كتب في هذا المجال له يد طولى في الأدب، ولا تجدون من أهل العلم الصرف ممن كتب إلاَّ القليل النَّادر، وإذا كتب فإنَّه يكتب منسكًا، يسميه "رحلة"، على طريقة أهل العلم، وأمَّا من كتب في الموضوع ممن يشد القارئ إلى هذه الرِّحلة فهم من لهم عناية في الأدب؛ ولذا تجدون كلَّ من كتب في الجملة له يد طولى في الأدب كما سيأتي في تراجم بعضهم؛ ولذا لو طلب منِّي فضيلته أن أتحدَّث عن رحلتي الخاصة، أو عن رحلاتي إلى الحج ما أجبته؛ لأني لست من أهل الأدب.

الأدب: المقصود به أدب الدَّرس، وإلاَّ فأدب النَّفس معروف، كلُّ من ينتسب إلى العلم يظن فيه - إن شاء الله - هذا.

أنا أتحدث عن الكُتُب والرَّحلات باعتبار أنَّها كتب، ولي شيء من الدِّراية والخبرة بالكتب، لكن مع الأسف أنَّ كتب الرحلات وكتب الدواوين وكتب الأدب عمومًا عندي - في مكتبتي - مركوم بعضها على بعض منذ أمد طويل؛ رجاء أن يتسنَّى الوقت لترتيبها وتنظيمها؛ ولذا لا تجد في هذه الكُتُب مما قرأته ودونته فوائد، إنَّما هي كتب من الكتب الطارفة يعني ما هي من التليدة.

على كلِّ حال، لا بد من إجابة الدَّعوة؛ لأنَّ الدَّاعي له حق عليَّ بلا شك وهو أثير عندي؛ فلا أستطيعُ ردَّ الدَّعوة، وإن كانت كُتُبِي غير مُهيَّأة للنَّظر فيها، لا سيَّما في هذا المجال؛ ولذا قد تجدون شيئًا مما توقعتم أكثر منه.

على كل حال، اللهُ - جلَّ وعلا - أمَرَ نبيَّه إبراهيم - عليه الصَّلاة والسلام - لما بنَى البيت بقوله - جلَّ وعلا -: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحـج: 27].

يقولُ القرطبي: "لما فرغ إبراهيم - عليه السلام - من بناء البيت، وقيل له: أذِّن في الناس بالحج، قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، فصَعَدَ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا - جَبَلَ أبي قبيس وصاح: يا أيُّها النَّاس، إنَّ الله قد أمركم بحجِّ هذا البيت؛ ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النَّار فحجوا، فأجابه - كما في الرِّواية - من كان في أصلاب الرِّجال وأرحام النِّساء: لبيك اللَّهم لبيك، فمن أجاب يومئذ حجَّ على قدر الإجابة، إن أجابه مرَّة حجَّ مرة، وإن أجاب مرَّتين حج مرتين، وجرت التلبية على ذلك؛ قاله ابن عباس وابن جبير".

وقال الشيخ مُحمَّد الأمين الشَّنقيطي - رحمة الله عليه -: "ذكر المُفسِّرون أنَّه لما أمَرَه ربه أن يؤذِّن في النَّاس بالحج، قال: يا ربِّ، كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: نادِ، وعلينا البلاغ؛ فقام على مقامه - هناك في الرواية الأولى على جبل أبي قبيس - وقيل: على الحجر، وقيل: على الصَّفا، وقيل: على أبي قبيس، وقال: يا أيُّها النَّاس، إنَّ ربكم قد اتَّخذ بيتًا فحجُّوه؛ فيقال: إنَّ الجبال تواضعت حتَّى بَلَغَ الصوتُ أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كلُّ من سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنَّه يحجُّ إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك".

قال الإمام الحافظُ ابن كثير - رحمه الله - بعد أنْ ذكر هذا الكلام: "هذا مَضمون ما ورد عن ابن عباس ومُجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، وغير واحد من السَّلف، والله أعلم"؛ وأوردها ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما مطولة.

ولما ذكر في الآية الرجال والركبان أجمع العُلماء على جواز الرُّكوب والمشي، واختلفوا في الأفْضل منهما فذهب مالك والشافعي وآخرون إلى أنَّ الرُّكوب أفضل؛ اقتداءً بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - ولكثرة النَّفقة، ولتعظيم شعائر الحجِّ بأبهة الرُّكوب، وذهب غيرهم إلى أنَّ المشي أفضل لما فيه من المشقَّة على النَّفس ولتقديمه في الآية.

يقول القرطبي: "استدل بعضُ العُلماء بسُقُوط ذكر البحر؛ {رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحـج: 27] هذا المذكور في الآية، لكن ما ذكر بحرًا ولا جوًّا"، يقول القرطبي: "استدل بعض العلماء بسقوط ذكر البحر من هذه الآية على أنْ فرض الحجَّ بالبحر ساقط".

قال مالك: "لا أسمع للبحر ذكرًا"؛ وهذا تأنُّس، لا أنَّه يلزم من سقوط ذكره سقوطُ الفرض فيه؛ وذلك أنَّ مكَّة ليست على ضفة بحر يأتيها النَّاس في السُّفن، ولا بد لمن ركب البحر أن يصير في إتيان مكَّة إمَّا راجلاً، وإمَّا على ضامر، فإنَّما ذكرتُ حالتي الوصول - يعني إلى مكة - وإسقاط فرض الحجِّ بمجرد البحر ليس بالكثير ولا بالقوي، لماذا؟ لأنَّ الغالب السلامة، ولكن إذا كان الغالب الهلاك لسَقَط الحج لمن لا يستطيع إلاَّ بركوب البحر، أو بركوب جوٍّ مثله.

يقول: فأمَّا إذا اقترن به عدو وخوف أو هول شديد أو مرض يلحق شخصًا، فمالك والشافعي وجمهور النَّاس على سُقُوط الوجوب بهذه الأعذار، وأنَّه ليس بسبيل يستطاع.

أقول: وقُل مثل هذا في رُكُوب الجوِّ الطائرة مثلاً، فبعضُ النَّاس لا يطيقه، ويحصل له ما يحصل لراكب البحْر من الدوار وغيره، الذي لا يستطيع رُكُوب البحر يلحقه بذلك ألمٌ شديد أو مرض مثلاً، قل مثل هذا في الجوِّ، إذا كان لا يستطيع حينئذ يعذر، كمن لا يثبت على الرَّاحلة؛ ولذا لم يقل أحدٌ من أهل العلم أنَّه يلزم أن يشد على الرَّاحلة حتَّى يصل، وليس معنى هذا أن يتساهل النَّاس؛ يقولون: الطَّائرة في الجوِّ، ما الذي يُمسكها؟ يُمسكها الذي يمسك الطير، والغالب - ولله الحمد - السَّلامة، ما يحصل ولا واحد من ألف، وهذه النِّسبة ولو حصلت غير منظور إليها؛ ولذا يجبُ الحجُّ بالاستطاعة، سواء كان ماشيًا أو راكبًا على أيَّة وسيلة مُباحة كانت؛ استجابة لهذا النِّداء وامتدادًا له، فرض الحج على هذه الأمَّة وشدد فيه حتَّى جعل ركنًا من أركان الإسلام؛ يقول الله - جل وعلا -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، وفي الصحيح من حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزَّكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وصوم رمضان))؛ متَّفق عليه.

فوجب على كُلِّ قادر أنْ يحج؛ فلبَّى المسلمون بتلبية نبيهم الذي لبَّى بالتوحيد، وسيأتي في ذكر بعض هذه الرَّحلات ما يناقض ويخالف هذا.

ما حصل من بعض الرَّحالين، بل من مشاهيرهم وكبارهم، ومِمن عني برحلاتهم ما ينقض كلمة التَّوحيد، من وُقُوفهم على المشاهد والمزارات ودعائهم الموتى وتوسلهم بالصَّالحين، وطلب الحاجات منهم، هذا كثير، مع الأسف أنَّه لو أردنا أن نذكر مثالاً لكلِّ باب من أبواب التوحيد الذي صنفه الإمام المجدد - رحمه الله - من رحلة ابن بطوطة، أشهر الرَّحلات - لوجدنا ما يشهد لكلامه - رحمه الله - وما ينقضه، فتجده يطلع الجبل أسبوعًا ليقف على قبر، ذكر له أنَّه قبر رجل صالح، ويعكف عنده، ويبدو منه من الشركيات ما الله به عليم، وهذا كثير في رحلته، وأيضًا هو موجود في الرَّحلات الأخرى، لكن هذه الرِّحلة على وجه الخصوص، لا بد من ذكر مثل هذه الأمور؛ لأنَّها منتشرة شائعة بين النَّاس وترجمت إلى جميع اللُّغات الحيَّة، وعني بها وقررت في بعض الدُّول كمنهج دراسي، والحديث عنها يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.

فوجب على كلِّ قادر أن يحجَّ البيت، فلبَّى المسلمون واستجابوا فلم يتركِ الحج إلاَّ غيرُ المستطيع ممن عذَّره الله - عزَّ وجل - أو ممن تساهل في تعجيله فاخترمته المنية قبل ذلك؛ هذا بالنسبة لعموم المسلمين، أمَّا بالنسبة للعلماء فلم يذكر منهم ممن لم يحج إلا النَّزر اليسير.

ممن لم يحج كابن حزم - رحمه الله - ذكر ذلك ابن القيم عنه في زاد المعاد، ولعلَّ سبب أوهامه في بعض مسائل الحجِّ يرجع إلى هذا، كونه لم يحج، ولو حجَّ لتغيرت بعض آرائه.

وذكر عن بعضهم أنَّه صنف في المناسك، فلما حج أحرق كتابه، وصنف كتابًا آخر، وكما جاء في الخبر: "ليس الخبر كالعيان"، ليس الخبر كالمعاينة.


حج المُسلمون؛ امتثالاً لأمر ربِّهم، رجالاً ونساءً، علماءَ وعامة، والذي يعنينا منهم العلماء الذين هم موضوع الدَّرس "رحلات العلماء في الحجِّ".

والعلماء اختلفت طرائقهم أثناء حَجِّهم، وكلٌّ له طريقته ومنهجه:
فمنهم من زَاوَل في حجِّه العبادات الخاصة، واغتنم فضلَ الزَّمان والمكان فأكْثَرَ من النَّوافل ومن الأذكار والابتهال، وقراءة القرآن على الوجه المأمور به، واستغل هذا المكان بهذه العبادات الخاصة، ولا شك أنَّ هذا خير كثير لمن وفق له.

ومنهم من فعل ذلك وزاد عليه بأن تَصدَّرَ للنفع العام، ووقف نفسه ووقته وجهده لاستقبال النَّاس وإفتائهم وإرشادهم، والمقرَّر عند أهل العلم أنَّ النَّفع المُتعدي أفضل من اللازم في الجملة، لا يورد علينا أنَّ الصلاة أفضلُ من الزَّكاة، لكن في الجملة النَّفع المُتعدي - لا سيما في النوافل - أفضل من النَّفع القاصر، هذا المقرر عند أهل العلم؛ ولذا صار طلبُ العلم عند جماهير أهل العلم أفضلَ من نوافل العبادات؛ لأنَّ نفعه متعدٍّ ينتفع به الإنسان وينفع به غيره.

هؤلاء العلماء إذا وصلوا إلى تلك الأماكن، كلٌّ سَلَكَ مسلكه، وكل بَحَثَ عما يناسبه؛ فتجد القارئ يبحث عن القُرَّاء ويستفيد منهم ويفيدهم، وتَجدُ المحدث يبحث عن المُحدثين، ويستفيد منهم ويفيدهم، وتجدُ الفقيه كذلك، والمؤرِّخ كذلك، والأديب كذلك، وكل من له اهتمام بشيء بَحث عن نظرائه، وحاوَرَهم وطارحهم وناقشهم، واستفاد منهم وأفادهم، وهذا موجود في الرَّحلات، كلُّ من كتب في الرحلات يظهر نَفسه في كتابه وما يَميل إليه.

كثير من أهل العلم ما دونوا هذه الرَّحلات وإن اشتملت على فوائد عظيمة، كثير منهم ما دُوِّنت رحلاتُهم؛ والسبب في ذلك ما أشرت إليه في التَّقدمة، أنَّ هذه المُدونات جلُّ مؤلفيها ممن له عناية بالأَدَبِ ممن يستطيعُ أن يصوغ المشاهدات، بعضُ الناس يشاهد لكن لا يستطيع أن يعبر عمَّا شاهد، وإن كان من أهل العلم، يعني ليست له دُربة ولا خِبرة بالعبارات والأساليب والأشعار، وحِفْظ ما ذكر في هذه الأماكن، إنَّما يهمه قال الله وقال رسوله والحلال والحرام، ونِعْمَ ما اهتم به.

لكن من له عناية بالأدب تجده يشاهد ربع ساعة؛ فيكتبُ ما يُقرأ في ساعة، وهذا موجود إلى وقتنا هذا، تجد من ينتسب إلى العلم من طُبع له أكثر من مائة رحلة، وما زال يسافر ويكتب ويدون؛ فهي قدرات؛ {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4]؛ فمنهم من يتَّجه إلى القرآن وما يخدم القرآن، ويكتبُ فيه ويصرف جلَّ همه فيه، ونعم ما سَلَك، ومنهم من يصرف همته إلى السُّنة، ومنهم من ينصرف إلى الحلال والحرام، وغير ذلك من العلوم، ومنهم من يصرف نفسه - جهده ووقته - في القيل والقال، ومع الأسف أن هذا ملاحظ حتَّى في تلك الأماكن في تلك الأوقات الفاضلة؛ تجد بعض طلاب العلم يذهب وقتُه سدى قيل وقال، في اللَّغو والرفث، فمثل هذا عليه أن يرجع، أن يراجع نفسه، يسمع قول الرسول - عليه الصلاة والسلام -: ((من حجَّ فلم يرفُثْ، ولم يفْسُق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))؛ وأربعة أيَّام لا يستطيعُ أن يَملك نفسه، لماذا؟ لأنَّ بقية وقته وطيلة عمره في القيل والقال، ما تعرف على الله في الرَّخاء ليعرفه في الشدة، على كل حال على طالب العلم أن يسلك الجادة، وأنْ يهتم بنفسه، وأنْ يحرص كلَّ الحرص على اكتساب المغانم قبل فوات الأوان.

أقول: قليلٌ من أهل العلم من سجَّل هذه الفوائد التي مرَّت عليه، سواء كانت منه أو من غيره في مُدوَّن، على أنَّ أكثر هذا القليل من الرَّحلات المدونة عُنِي كاتبوها فيه بذكر الآثار في بلاد الحرمين، وكثيرٌ منه لا يسلم من ابْتداع، وهم يتفاوتون: منهم المُبتدع البدعة المخففة، ومنهم من دون في رحلته البدعَ المُغلَّظة.

من هذه الرَّحلات المُدونة، بل من أقدمها: "رحلة ابن جبير"، وهو أبو الحسين، هذه رحلته، رحلة ابن جبير أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي الشاطبي البلنسي، مولده ليلة السَّبت عاشر ربيع الأوَّل سنة أربعين وخمسمائة ببلنسية، أخذ القراءات وعُنِي بالأدب؛ فبلغ الغاية فيه، وتقدَّم في صناعة القريظ والكتابة.

ومن شعره أثناء رحلته يقول:

لاَ تَغْتَرِبْ عَنْ وَطَنٍ وَاذْكُرْ تَصَارِيفَ النَّوَى
أَمَا تَرَى الْغُصْنَ إِذَا مَا فَارَقَ الْأَصْلَ ذَوَى




قال هذين الْبَيتين لَمَّا رأى غصنًا مال عن الشجرة فاصفر.

أبلغُ من ذلك قولُ الرسول - عليه الصلاة والسلام -: ((السَّفر قطعةٌ من العذاب، أو من نار))؛ معروف أنَّه يعوق عن تحصيلِ كثير مِمَّا كان يحصله في إقامته، لكن من رحمة الله - جلَّ وعلا - بعبادِه أنْ جعل العمل يجري لصاحبه الذي كان يفعله في الحضر، يجري له أجره إذا سافر أو مرض.




يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-12-2019, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رحلات أهل العلم في الحج

رحلات أهل العلم في الحج



الشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير
يقول ابن الخطيب، لسانُ الدِّين ابن الخطيب في حقِّه: "إنَّه من علماء الأندلس بالفقه، والحديث، والمشاركة بالآداب، وله الرِّحلة المشهورة"؛ وقال في نفح الطيب: "كان انفصاله من غرناطة بقصد الرِّحلة المَشرقية، أوَّل ساعة من يوم الخميس الثَّامن لشوال سَنَةَ ثَمان وسبعين وخمسمائة، وَوَصَلَ الإسكندريَّة يوم السبت التاسع والعشرين منْ ذي القعدة من السنة، فكانت إقامته على مَتْن البحر من الأندلس إلى الإسكندريَّة ثلاثين يومًا"؛ ثلاثون يومًا وهو في البحر، إقامته في البحر، وفي مَجيئه من الأندلس إلى الإسكندريَّة ثلاثون يومًا، لكن رجوعُه إلى الأندلس على متْن البحر الأبيض المُتوسط ذكروا ستَّة أشهر؛ لأنَّه كلَّما قارب الوصول جاءت ريحٌ ردته إلى مُبتدئه، وعلينا أن نشكر هذه النِّعم التي نتقلب فيها.


شيخ كبير جاوز التِّسعين من عمره صامَ يوم عرفة في بلده في الرِّياض، وأفطر مع أولاده، فلَمَّا رأى منظر الانصراف منْ عرفة إلى مزدلفة بكى؛ فقال له ابنه البارُّ: ما الذي يبكيك؟ قال: يحجُّ الناس وأنا في الرِّياض؟ قال: اركب، وحُجَّ في تلك السنة على السَّيارة، لا على الطائرة، على السيارة ركب بعد أن أفطر، ووصل إلى عرفة قبل طُلُوع الفجر، ثم نزل إلى مزدلفة ثُم إلى منى وهكذا وحج.

وهؤلاء يَمكثون الأشهر الطِّوال، وكُتُبُ التاريخ مملوءة بالعجائب في أخبار الحجاج، وكانت الطُّرق غيرُ آمنة، قلَّ من يَسْلم، كثير منهم يعطب، ذكروا في كتب التَّواريخ العجائب.

ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - عن رجلٍ أنَّه حجَّ تسعين مرة حافيًا، نعم الحج حافيًا ليس بالمشروع، لكن يدلُّ على حرص شديد، وذكروا أيضًا من الغرائب أنَّ قدميه كقدمي العروس، مع هذه المدة، وإن كان الخبر ما يسلم من نكارة، ويبقى أنَّ له أصلاً... يحج عشر مرَّات أو عشرين مرَّة على قدميه من بغداد كثير.

وذكروا في ترجمة شخص أنَّه حجَّ ثلاث مرات من بغداد ماشيًا، فلمَّا قدم من الحجة الثالثة دخل البيت، فإذا أمُّه نائمة، فنام بجانبها لم يوقظْها؛ فانتبهت فرأته بجانبها؛ فقالت: يا فلان أعطني ماءً فتثاقل كأنَّه لم يسمع، ثم قالت له الثانية: أعطني ماءً، ثم لما قامت الثالثة: قام إلى شن معلق وأعطاها شيئًا من الماء، ثُمَّ مَكَثَ بقية ليلته يُحاسب نفسه: أحجُّ ماشيًا، والماء على بُعد أمتار، أحجُّ نفلاً ماشيًا، والواجب الذي هو البِرُّ، والماء على بضعة أمتار يثقُل عليَّ؟ شك في نيَّته وإخلاصه، فذهب يسأل، ذهب يسأل، معروفٌ أنَّه لو سأل أحدًا من الفقهاء؛ فقال له: عليك أن تخلص وتراجع نفسك وتندم وتستحل والدتك، وحجُّك صحيح ولا عليك شيء، لكنَّه سأل شخصًا من أطباء القُلُوب - ولا يعني أنَّه فقيه من الفُقهاء الكبار أهل الفقه العملي - فقال له: أعد حجَّة الإسلام، أنت ما حجَجْت لله، وليس معنى هذا أنَّنا نصوِّب هذه الفتوى، لكن نقول: على الإنسان أنْ يراجعَ نفسه فيما يأتي وفيما يذر، أن يكون عمله فعلاً وتركًا خالصًا لله - عزَّ وجل- ما الذي يغلبُ على الظَّنِّ؟ يذهب إلى مكة ماشيًا ثلاث مرَّات، والماء على بضعة - لا تقل أمتار - بضعة أشبار يُمكن؛ لأنَّه ما كانت بُيُوتُهم كبيرة، ويثقل عليه أن يأتي لأمه بشيء من الماء، مع الأسف أن هذا موجود عند كثير من طُلاب العلم، وكثير من الآباء والأمهات يشكون من هذا.



يسهل على الإنسان أن يَمُرَّ به واحد من زملائه؛ فيذهب به إلى البراري في الشتاء القارس، وأماكن بعيدة ويناله من المشقة والتَّعب ما يناله، يسهل عليه، ويثلج على قلبه وصدره، ويخف لهذا، ولا يحتاج إلى أن يكرر ضرب المُنبِّه، مستعد، ثم يذهب به الأيام والليالي الطوال، وإذا قالت له الوالدة: نريدُ أن نذهب إلى أختي، يعني خالته، والخالة بمنزلة الأم، والآمرة الأم، قال: والله أنا مشغول، أنا عندي درس، مع أنَّ هذا الكلام بعد صلاة العصر، يقول: أنا عندي درس المغرب، وخالته احتمال أن تكون في نفس الحي، ويثقل عليه جدًّا، وهذا موجود؛ فعلى الإنسان أن يراجع نفسه، وعلى الإنسان أن يهتم بهذا الباب.

مكث ابن جبير شهرًا كاملاً في البحر، من الأندلس إلى الإسكندرية، ومات - رحمه الله - سنة أربع عشرة وستمائة.

جاء في تقدمة الدكتور حسين نصَّار لهذه الرِّحلة يقول: هذا الكتاب رحلة قام بها أندلسيٌّ للحج، استغرقت عامَين وثلاثة أشهر ونصف، من التاسع عشر من شوال سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، إلى الثَّاني والعشرين من المُحرم سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وزار فيها مصر وبلاد العرب والعراق والشَّام وصقلية، ووصف في هذه الرِّحلة المُدُن التي مر بها، والمنازل التي حلَّ فيها وصفًا يختلف إسهابًا وإيجازًا وفقًا لأهمية الموضع، وتختلفُ المظاهر التي عني بوصفها في المدن المُتنوعة، تختلف أحيانًا وتتَّفق أحيانًا؛ فقد عني في جميع المُدن التي وصفها بالمساجد وقبول الصحابة، والمشهورين، والمستشفيات، والمصحات، والآثار المعروفة، وعني في مصر خاصَّة ببعض النَّواحي الاجتماعيَّة والاقتصادية، وببلاد العرب بالناحية الدينيَّة خاصة، وفي العراق بالوعظ والوعَّاظ، يعني يذكر ما يشتهر به هذا البلد.

أذكر في قراءتي القديمة لهذه الرِّحلة أنَّه ذكر أنَّه دَخَلَ بلدًا من بُلدان فلسطين، ما أدري نابلس أو غيرها، فوجد أهْلَها يضعون أيديَهم على أستائهم إذا مشوا، يعني يضعون أيديهم على خلفهم - وهذا متى؟ في القرن السادس - ثُمَّ أخذ يتكلم عن هذه العادة، وأنَّها سيئة، لا ينبغي فعلها.

عني في بلاد العرب بالنَّاحية الدينيَّة خاصة، وفي العراق بالوعظ والوعاظ، وفي الشَّام بالنَّواحي السياسيَّة والاقتصادية والحُرُوب بين المسلمين والصليبيِّين، وفي صقلية بالمسلمين تحت حُكْم الملك الكافر، وطبيعيٌّ أنَّه التفت في كلِّ مدينة بالأمر الذي اشتهرت به، واهْتَمَّ بوصفه كمنارة الإسكندريَّة وأهرام القاهرة، ومقياس جزيرة الرَّوضة، وآثار مكَّة الإسلاميَّة، والمسجد النبوي بالمدينة، ومسجد الكوفة، ونفط الموصل، وقلعة حلب، والمسجد الأموي بدمشق وما إلى ذلك، والحقُّ أنَّ الكتاب - يقول المقدِّم -: "يتضمن بعض المعلومات التي لا يستغني عنها مُؤرِّخ أو جغرافي أو أديب".

وعني المُؤلف في كلِّ قطر نزل به بتقصِّي أحوال المغاربة فيه - أحوال قومه - وعلاقة أهله بهم، ووصف ذلك في رحلته وصفًا مطولاً، والكتاب اختلف في عُنوانه؛ فجعله حاجي خليفة صاحب كشف الظُّنون: "رحلة الكناني"؛ لأنَّ نسبته تنتهي إلى كنانة.

والكتاب يبدأ بتذكرة الأخبار عن اتفاقات الأسفار؛ فقد يكون هذا هو عُنوان الكتاب: "تذكرةٌ بالأخبار عن اتفاقات الأسفار"؛ وهذا الكتاب طُبع مرارًا، مطبوع في أوروبا أكثر من مرَّة، وطبع في مصر أيضًا ولبنان.

وفيه فوائد كثيرة جدًّا، وفيه بعض المخالفات، لا سيَّما إذا وصف مشهدًا أو مزارًا، لكنَّه أخفُّ بكثير من ابن بطوطة أو النابلسي على ما سيأتي.

من هذه الرَّحلات، بل من أهمها، ولو قلت: إنَّها أهم الرَّحلات لطالب العلم لما بعدت "رحلة ابن رشيد" أبي عبدالله محمد بن عمر بن رشيد، أبي عبدالله الفهري السبتي المولود سنة سبعة وخمسين وستمائة، وقال الحافظ ابن حجر في الدُّرَر الكامنة: "واحتفل في صباه بالأدبيَّات حتَّى برع في ذلك، ثُمَّ رحل إلى "فاس"، فأقام بها وطَلَبَ الحديث فمهر فيه، وصنَّف الرحلة المشرقيَّة في ست مُجلدات، وفيه من الفوائد شيء كثير - هذا كلام ابن حجر - وقفت عليه وانتخبت منه".

وقال الذَّهبي في سير أعلام النُّبلاء: "ولما رجع من رحلته سكن سبتًا ملحوظًا عند العامة والخاصَّة"؛ يعني مَحل عناية من النَّاس، وذلك لما تَميَّز به من العلم والعمل.

كان ورعًا مقتصدًا منقبضًا عن النَّاس ذا هيبة ووقار، يُسارع في حوائج النَّاس، يجلب المصالح، ويدرأ المفاسد، يؤثر الفُقراء والغُرباء والطَّلبة، لا تأخذُه في الله لومة لائم، وكان مع ذلك على مذهب أهل الحديث، في الصِّفات يمرُّها ولا يتأول.

يقول عنه لسانُ الدِّين بن الخطيب: "كان فريد دهره، عدالةً وجلالة وحفظًا وأدبًا وهديًا، عاليَ الإسناد، صحيحَ النَّقل، تامَّ العناية، عارفًا بالقراءات، بارعَ الخط، كهفًا للطلبة"؛ يعني يأوون إليه عند الحاجة كما يُؤوَى على الكَهْف عند الحاجة من برد وحر.

فِي، وهذا استطراد في منسك الشيخ سليمان بن علي، جد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وُجد في جميع النُّسخ تأليف الشَّيخ الأَجَلِّ والكهف الأضل، ما معنى هذا؟ الكهف الذي يؤوى إليه في المشاكل والمسائل العلمية، لكن أضل: يعني واسع جدًّا بحيث يضلُّ فيه داخله، ويضيع -رحمه الله.

يقول: "وكلُّ تواليفه مفيدة، وكانت وفاته في أواخر المحرم سنة إحدى وعشرين وسبعمائة بفاس -رحمه الله.

هذه الرِّحلة اسمها: "ملأ العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكَّة وطيبة"؛ هذا عُنوان الرِّحلة، استغرق ذكر الحرمين الشَّريفين من رحلته من أوَّل الجزء الخامس إلى صفحة (283) من هذا الجُزء، وذكر فيها من الفَوائد الحديثيَّة ما لا يُوجد عند غيره من التَّحريرات العلميَّة والاستنباطات الفقهيَّة، والمباحثات والمطارحات الأدبيَّة مع العُلماء الذين لقيهم في رِحلته، وعلى هذا يتحتَّم على طالب العلم أنْ يرجعَ إلى هذه الرِّحلة، لا سيما الحريص على الفوائد الحديثيَّة، في مباحثات واستنباطات لا تُوجد عند غيْره، وعوَّل عليها مَن كَتَبَ في مُصطلح الحديث مِمَّن جاء بعده في كثير من تحرير المسائل، فعلى طالب العلم أنْ يرجع إليها ويفيد منها، ولاهتمامه بالعلم ولقاء العُلماء، يهتم بمتين العلم.

ابنُ رشيد همته مُتجهة إلى متين العلم؛ ولذا لا تجده يصفُ المعالم التي شاهدها أو المزارات التي وقف عليها، غير شيء قليل، شيء يسير فعله؛ ولذا فإنَّ الطابع المعهود في كثير من الرَّحلات لم يكن ملموسًا في هذه الرِّحلة إلا قليلاً جدًّا؛ وذلك لأنَّ اهتمامه مُنْصبٌّ على الجانب العلمي.

هذه الرِّحلة، رحلة متينة، كتاب علم وليس بكتاب أدب كبقيَّة الرَّحلات؛ ولذا تجد كثيرًا من طلاب العلم يصعُبُ عليه أنْ يقرأ في مثلها، ويسهل عليه جدًّا أن يقرأ في رحلة ابن بطوطة، ذلكم بأنَّ رحلة ابن بطوطة فيها متعة لا شك؛ لأنَّه شاهد الغرائب والعجائب ويذكر أشياء، وبعضها ينسجها من خياله، المؤلف ليس بثقة؛ ولذا عني النَّاس بها واهتموا بشأنها، وترجمت إلى لغات العالم على ما سيأتي.

هنا الرِّحلة التي نذكرها الآن رحلة ابن بطوطة المسماة: "تحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" لأبي عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطَّنجي المعروف بابن بطوطة.

يقول ابن حجر في الدُّرر الكامنة: "قال ابن الخطيب: كان مُشاركًا في شيء يسير"؛ يعني من العلم، عنده شيء من فقه الإمام مالك، ولا يتعدَّى فقه الإمام مالك ولا يجتهد؛ ولذا لما دخل نيسابور، ونيسابور أهل سُنَّة - أرسل يديه في الصَّلاة ما قبضهما، على ما اشتهر عند متأخري المالكيَّة، أرسل يديه ولم يقبضهما، فاتَّهمه أهل نيسابور بالرَّفض؛ لأنَّه لا يفعل ذلك إلا الرافضة - في جهتهم - اتَّهموه بالرفض فاختبروه بأن قدموا له أرنبًا؛ والرَّافضة لا يأكلون الأرنب، فأكل منها، وتعجَّبوا؛ فقالوا: الرافضي ما يأكل الأرنب، قال: لا أنا سُنِّي لست برافضي، قالوا: كيف ما قبضت يديك، ولا نعرف أحدًا لا يقبض يديه إلاَّ الرَّافضة؟ قال: لا، هذا مذهبنا - يعني المالكيَّة - فهو مُشارك في بعض الأمور، ويرد في رحلته بعض الأشياء، لكن فيها العجائب والغرائب، ولا يعني هذا أنَّ كل ما فيها... أكثر ما فيها باطل؛ فيها من الشرك الأكبر الشيء الكثير، والتعلق بالأولياء ودعوتهم من دون الله، واعتقاد أنَّهم يعلمون الغيب، وبعضهم يصرف الكون، يعني طوام، ولعلَّ هذا أحد الأسباب التي جعلت المُستشرقين يُعنون بها؛ فهم يسارعون لِنَشر مثل هذه الضلالات؛ ولذا ترجمت إلى كثير من اللُّغات.

وعلى كل حال، الطالب طالب العلم الذي قرأ التَّوحيد، وضبط التوحيد، ونشأ في بلاد التوحيد وأتقنه وضبطه، إنْ قرأ فيها لا إشكال في ذلك؛ لأنَّ ما أورده ظاهرٌ ومكشوف، هو لا يورد شُبُهًا، هو يذكر ضلالات، ولا يورد شُبُهًا يبرهن عليها، ويُدلِّل لها ويناقش فيها أبدًا؛ ولذا لا تخفى على المتعلمين.

يقول ابن حجر في الدُّرر الكامنة: "قال ابن الخطيب: كان مشاركًا في شيء يسير، ورحل إلى المشرق سنة خمس وعشرين وسبعمائة؛ فجالَ البلاد، وتوغَّل في عراق العجم، ثم دَخَل الهند والسند، ورجع إلى اليمن، فحجَّ سنة 26، ولقي من المُلُوك والمشايخ خلقًا كثيرًا، وجاور ثُمَّ رجع إلى الهند فولاَّه ملكها القضاء فيها، ثُمَّ رجع إلى المغرب".

ذكر في رحلته أنَّه كل بلد يدخل فيه يتزوَّج، من الطَّرائف أنه تزوج في بلد ووُلِدَ له اثنان أو ثلاثة - نسيت الآن - ثم بعد ذلك ركب في السَّفينة قبل أولاده وزوجته؛ فمشت به السَّفينة وتركهم في مكانِهم، ذكر هذا في موضع من مواضع الرِّحلة.

مثل هذه القصص وهذه الطَّرائف لا شكَّ أنَّها - وإنْ كانت تشد القارئ - لكن لها دلالاتها في ديانة الشَّخص، لها دلالاتها، يعني شخص يتدين لله - جلَّ وعلا - بالعلاقة بين الزَّوج وزوجته، وبين أولاده، بينه وبين أولاده، ما يفعل مثل هذا.

على كلِّ حال مثل ما أشرنا هذه الرِّحلة فيها من المُتعة، وفيها من الاستجمام لطالب العلم، لكن فيها مِنَ الشرك الشيء الكثير؛ فليحذر طالب العلم.

يقول: "ولقي من المُلُوك والمشايخ خلقًا كثيرًا وجاورهم، ثُمَّ رجع إلى الهند، فولاَّه ملكها القضاء فيها، ثُمَّ رجع إلى المغرب فحكى بها أحواله وما اتَّفق له وما استفاده من أهلها".
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-12-2019, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رحلات أهل العلم في الحج

رحلات أهل العلم في الحج



الشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير



قال ابن مرزوق: "ولا أعلم أحدًا جال البلادَ كرحلته، مات سنة تسْعٍ وسبعين وسبعمائة، ورحلته على النَّقيض من رحلة ابن رشيد".

قلنا: ابن رشيد لا يهتم بالمشاهد ولا المزارات، يهتم بالعلم وتقرير مسائل العلم؛ فهذه الرحلة على النَّقيض من رحلة ابن رشيد؛ جلُّ اهتمامه فيها وصف المعالم والمزارات والمشاهد والمقابر وغيرها.

وفي ذلك من الغلوِّ في الصالحين مما يصل بعضه إلى الشِّرك، ولم يسطر فيها من الفوائد العلميَّة إلا النَّزر اليسير، وترجمت رحلته إلى اللُّغات البرتغاليَّة والفرنسية والإنجليزية، ونشرت بها، وترجمت فصول منها إلى الألمانيَّة، ونشرت أيضًا.

واستغرقت رحلته أكثرَ من ربع قرن، وطبعت الرِّحلة طبعات عديدة، واختصرت في عدَّة مختصرات، وطبعت وزارة المعارف العُمُوميَّة بمصر مهذب رحلة ابن بطوطة، سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة وألف بمطبعة بولاق الأميريَّة.

ووقف على تهذيبه وضبط غريبه وأعلامه أحمد العوامري ومحمد أحمد جاد المولى، وهما من المفتشين بوزارة المعارف، مع الأسف الشديد أنَّهما لم يحذفا مما اشتملت عليه من الغُلُوِّ والكذب على شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره شيئًا، هذا موجود.

هو يقول: لما دخل دمشق وقصد جامعها الكبير - الجامع الأموي - وجد في المسجد في الجامع على المنبر رجلاً كثيرَ العلم قليل العقل، ذكر حديث النُّزول؛ فنَزل من درجات المنبر يعني شيخ الإسلام، وقال: إنَّ الله - جلَّ وعلا - ينْزل في آخر كلِّ ليلة كنُزُولي هذا، وهذه فريَّة، شيخ الإسلام - وقت دخوله دمشق - شيخ الإسلام في السِّجن.

قد يقول قائل مثلاً: إنَّ نزول الشيخ، النُّزول المنسوب لشيخ الإسلام، ألاَ يُمكن أن يكون مثل ما جاء في الخبر لما تلا قول الله - جل وعلا -: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]، وضع إصْبعه على عينه وعلى أُذُنه؛ ليبين أنَّ سمع الخالق وبصر الخالق حقيقي، كما أن سمع المخلوق حقيقي، وليس سمعُ المخلوق كسمع الخالق، ولا بصرُ المخلوق ولا عينه كعين الخالق، هذا ليُدلل على أن هذا حقيقة، لكن مثل هذا يقتصر فيه على مورد النَّص، ولا يتجاوز، ولم يرد أن النَّبي - عليه الصلاة والسلام - نَزَل من درجات المِنْبر وقال: كنُزُولي هذا، أبدًا، بل هذه محض فريَّة على شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى.

استغرق ما يتعلق بالحَرَمين الشَّريفين من صفحة اثنتين وثمانين إلى مائة وستٍّ وعشرين، من هذه الطبعة إلى مائة وستٍّ وعشرين أربعٌ وأربعون صفحة، ومن الطَّبعات الأخرى كطبعة صادر مثلاً من مائة وثلاث عشرة إلى مائة واثنتين وسبعين، يعني: قريب من ستِّين صفحة.

المقصود أنَّه أطال في ذكر المشاهد والمزارات والجبال والمواقف والمشاعر، أطال في هذا كثيرًا، ولم يذكر في رحلته من المسائل العلميَّة إلاَّ الشيء اليسير، وتعرفون الوقت لا يتَّسع لبسط بعض ما ذكره من هذه الأمور.

من الرَّحلات المشهورة رحلة الورثيلاني، واسمها: "نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار"، ومؤلفها الحسين بن محمد السعيد الورثيلاني، مؤرِّخ من فُقهاء المالكيَّة، له اشتغال بالتَّصوف، نسبته إلى بني ورثيلان، قبيلة بالمغرب الأوسط، قرب بجاية في الجزائر، نشأ بها، وحج فأخذ عن علماء مصر والحجاز، وذكر في رحلته ما شاهده من الأمكنة، ومن اجتمع بِهم من الأعيان في حجته سنة تسْعٍ وسبعين ومائة وألف، وهذه الرِّحلة طبعت في تونس سنة 1321 في ثلاثة أجزاء، لكنَّها طبعةٌ قد لا يستفيدُ منها كثيرٌ من طُلاَّب العلم؛ لأنَّها طبعة حجريَّة، وبالخطِّ المغربي العتيق، ثُم طبعت في الجزائر سنة ستٍّ وعشرين وثلاثمائة في مُجلَّد كبير، وقراءتها مُتيسرة لطلاب العلم من المشارقة، سهلة - يعني قراءتها - وإنْ كانت في رسْمها وصورتها على الحُرُوف المغربيَّة وطريقتهم، وصُورت بعد ذلك سنة 1394 في دار الكتاب العربي.

ويبدأ من صفحة 385 دخوله مكَّة المشرفة إلى أنْ خرج من المدينة في صفحة 532 يعني مائة وخمسين صفحة، وفيها فوائد كثيرة، فيها فوائد علميَّة، وفيها مُبالغات وفيها غُلُو، ولا تسلم.

ويُعنى في رحلته بوصف الآثار من المساجد والأودية والجبال والآبار وغيرها، ومن لقيه من العلماء، وسمة التَّصوف ظاهرة في الكتاب.

بعد هذا الرِّحلة "العياشية" لأبي سالم العياشي المُتوفى سنة تسعين وألف، وتقع في مُجلَّدين - طُبِع على الحجر بالمغرب، وأُعيدَ طبعه بالأوفست في المغرب أيضًا سنة 1397، ويبدأ دُخُوله مكَّة من صفحة 191 من الجزء الأوَّل وينتهي بنهايته، والتَّعامل مع هذه الطَّبعة في غاية الصُّعوبة لغير المغاربة، طبعة حجريَّة على الحرف المغربي العتيق؛ فالاستفادة منها ضعيفة جدًّا.

وهذه الرِّحلة لا شَكَّ أنَّ الصبغة فيها كسابقتها، تُعنى بالمشاهد والمَزَارات والقُبُور، ومن لقيهم من العلماء ويترجم لهم، ويطيلُ في تراجم أهل العلم، ويذكر ما أفاده منهم وما أفادهم به، وعلى كلِّ حال هي رحلة فيها فائدة، لا تسلم من فائدة، لكن ليكون القارئ على حذر.

من الرَّحلات المشهورة عند أهل العلم، رحلة اسمها: "الحقيقة والمجاز في الرِّحلة إلى بلاد الشَّام ومصر والحجاز"؛ تأليف: عبدالغني بن إسماعيل النَّابلسي، عبدالغني بن إسماعيل بن عبدالغني ابن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الدِّمشقي الصالحي النقشبندي القادري المعروف بالنابلسي، صوفي مغرق في التَّصوف، وُلِدَ في دمشق في خمسة ذي الحجة سنة 1050هـ.

من كُتُبه: "دواوين المدائح النَّبوية" وغلا فيها غلوًّا شديدًا، ومن كتبه أيضًا: "جواهر النُّصوص في حلِّ كلمات الفُصُوص"، وهذا يعبر عن اتجاه المؤلف؛ حيثُ شرح فيها فصوص ابن عربي الذي قرر فيه وحدة الوجود.

نشرت صورتها الخطِّية بتقديم وإعداد الدكتور/ أحمد عبدالمجيد هويدي، سنة 1986م، أطال المصنف في ذكر المشاهد والقبور والآثار، وفيه فوائد علميَّة وأدبية كثيرة جدًّا، لكن فيه من الغُلُوِّ ومما يجب أن ينتبه له طالب العلم.

من الرَّحلات المتداولة المطبوعة، رحلة أبي عبدالله مُحمد بن أحمد القَيسي الشَّهير بالسِّراج، والملقب بابن مليح، هذه الرِّحلة اسمها: "أنس الساري والسارب من أقطار المغارب إلى مُنتهى الآمال والمآرب سيد الأعاجم والأعارب"؛ يعني ابتدأت من المغرب إلى أنِ انتهت بمدينة النَّبي - صلَّى الله عليه وسلم - مُنتهى الآمال والمآرب سيد الأعاجم والأعارب، ويظْهَر من العُنوان أنَّه قصد في رحلته النَّبي - عليه الصلاة والسلام - وأيضًا هي رحلة فيها الكلامُ عن مكَّة بما تحتويه من مشاعر، وفيه أيضًا الحديث عن المدينة النبويَّة، ولا يسلم الكتاب مما وجد في سوابقه من التَّصوف والتعلق بالآثار.

وعلى كُلِّ حال، الرِّحلة هذه مطبوعة، وفيها فوائد وفيها نفس علمي وآداب وأشعار، لكن ليكُنِ القارئ منها على حذر.

من الرَّحلات: رحلات للمعاصرين ومنها:


من أهمها لا سيما في النَّاحية التَّاريخيَّة كتاب كبير في مُجلدين اسمه: "مرآة الحرمين"، أو "الرَّحلات الحجازيَّة والحج ومشاعره الدينية"، وهذه مُهمَّة، فيها وصف دقيق لكثير من المشاعر، وفيه أيضًا صُورٌ فوتوغرافية لكثير مما يحتاجه من يريد أنْ يقفَ على هذه المشاعر، لا سيما أن هذه الرِّحلة متقدمة يعني صار لها أكثر من ثمانين سنة، هذه الرِّحلة ألفها اللِّواء: إبراهيم رفعت باشا، وهي مطبوعة في مُجلدين، وفيها أخبار ونكات وطرائف أدبيَّة وتاريخيَّة، وفيها أيضًا شيء من المُخالفات، لكنَّها في الجُملة فيها فوائد؛ فليكن القارئ فيها على حذر.

هنا أيضًا: الرِّحلة الحجازية، يقول مُؤلفها: الرِّحلة الحجازيَّة لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا الثَّاني، بقلم محمد لبيب البتنوني، هذه ألفها الخديوي، خديوي مصر الحاج عباس حلمي، وفيها أيضًا فوائد، وفيها إحصائيَّات وصور، وفيها أيضًا مُخالفات، فيها اعتماد لبعض طُقُوس المُتصوفة، وما يُصاحب المحمل من مُنكرات، فيها إقرارٌ لهذا كسابقتها، أيضًا "مرآة الحرمين" فيها عناية بالمحمل، وفيها أيضًا ذكرٌ لبعض المسائل الفِقْهيَّة على المذاهب الأربعة، على كلِّ حال لا نُطيل في مثل هذه؛ لأنَّها أشبه ما تكون إلى كُتُب التاريخ.

هنا "الرِّحلة السُّعوديَّة الحجازية النجدية"، لمحمد سعيد العوري قاضي مدينة بيت المقدس سابقًا، فيها تفصيلٌ لأحكامِ المناسك وآداب الحَجِّ، وفيها كلامٌ على الآثار، فيها فَوائد علمية كَثيرة فقهيَّة تتعلق بالمناسك.

هناك أيضًا رحلة أسماها مُؤلفها: "رحلتي إلى الحجاز تسعة وأربعون يومًا في الأراضي المقدسة"، تأليف محمد صابر مُرسي، هذا مُدرِّس بالتَّعليم الأدبي، وهذه الرِّحلة قديمة منذ أزمان مُتطاولة، طبعت سنة خمس وأربعين أو ستٍّ وأربعين، الذي علق عليها، حتَّى قرأها شخص وعلق عليها بتعليقات ليتها بدونها، ذو القعدة سنة 1355هـ، هذه الرِّحلة فيها أيضًا مسائل علميَّة، وفيها وصف لبعض المَشاهد، والمعلق عليها الذي قرأها علق بكلام ليس بجيِّد.

يقول المُؤلف: "وبعد العصر خُلِّي جبلُ الرَّحمة، وأحيطَ بالجُنُود؛ حيثُ وقف به الملك عبدالعزيز إلى بعيد المَغرب"، وهذا يقول: "إخلاء السُّعوديين شعائر الحج لكبرائهم مما يُخالف الشَّريعة الغرَّاء"؛ تعليقات حتَّى فيما يُخالف التَّوحيد، السُّعوديَّة وإزالة الآثار بدعوى التوحيد، هذا كلامُ المُعلق، والمؤلف أكَّد هذا، لكن مِمَّا ذكره ما حصل له في سوق الرَّقيق، حصل له في سوق الرَّقيق مُحاورة طالت مع من يبيع، ومع واحد من الأرقَّاء، وتكلم عن الرِّق في الإسلام وسببه وحِرص الإسلام على بيع الرقيق في مكة، يقول: "في يوم الأربعاء ستة ذي الحجة في ضحى هذا اليوم توجَّهت إلى سوق الدكة، وهي سوق يوميَّة تقام بمكة لبيع الأرقاء من الضحى إلى الظُّهر أو بعده بقليل، وقد شاهدت من بَيْن معروضاتِها رقيقًا سِنُّه حوالي خمس وأربعين سنة أو خمسين، ووصل المَزاد فيه إلى سبعة وعشرين جنيهًا ذهبًا، والجنيه يومئذ يُساوي مائة وسبعة وستين قرشًا مصريًّا، وطالعت حالة الرَّقيق المُحزنة، فدفعني حبُّ الاستطلاع إلى التَّحدُّث إليه رغم ما ملأ النَّفس من الأسى والتأثُّر؛ يقول: "حديث مُحزن مع رقيق معروض بالسوق، عرفت أنَّ اسمه إبراهيم بن موسى بن محمد من اليَمَن، كان مولى لمحمد الإدْريسي الذي حَكَمَ اليمن، ثُمَّ توفي، ثم ورثه ابنه الذي احْترَب مع عمِّه، ولما كانت الغلبة للأخير؛ فقد وقع هذا الرَّقيق في يده مع جُملة الأرقَّاء البالغ عددهم تسعة وسبعين، فباعهم العمُّ جميعًا، وباع بعضَهم لجلالة الملك عبدالعزيز آل سُعُود، أمَّا هذا الرقيق فقد بيع لأحد اليمنيين الذي غضب على أخينا فباعه إلى من قَدِمَ به من تهامة إلى مكَّة ماشيًا؛ ليبيعه في هذا السوق، سألته: ألم تتزوَّج؟

الجواب: تزوجت، ولي أولاد وبنات صغار.
أين هم؟
الجواب: عند سيِّدي، معلوم أنَّ الولد يتبع أُمَّه حرِّيَّة ورقًّا، هذا الحكم الشرعي فيه.
أين هم؟
الجواب: عند سيدي.
وكيف تركتهم؟
تركتهم يبكون، وأنا أبكي، ولكن ما العمل، وهنا اغرورقت عيناه بالدموع.
أنت شكل المُحرم أي مستور النِّصف السُّفلي فقط برداء فهل أنت كذلك؟
الجواب: نعم.
ما طول الطريق؟ إلى آخر كلامه، في مناقشته لهذا الرقيق.

على كل حال، هذه الرِّحلة مطبوعة، ونفعها ليس بالكبير، يعني: فيها شيء من المتعة لمن يمضي وقتًا في الانتظار، وإلا شبهه، لا بأس.

هنا أيضًا "رحلةٌ إلى الديار المقدسة في الأرض المُقدسة بين مصر والحجاز"، لإبراهيم محمد حبيب المُفتش بوزارة الدَّاخليَّة وعضو مجلس النُّواب، والقاضي بالمحاكم الوطنية إلى آخره، يعني بمصر.

هذه الرِّحلة رحلة ذكر فيها ما شاهده على طريقة من تقدمه.

من الغرائب - وأنا أخرت الرَّحلات النفيسة التي نفسها نفس أهل العلم - من الغرائب هذه رحلة كتبها مُؤلفها باللغة العامية، وكثير من ألفاظها لا يعرفها إلا المصريُّون، بل بعض جملها اندرس لا يتداوله ولا المصريون، عنوانها: "يا هناء للوعد"، وقال ذكر فيها أنَّها نقد وفكاهة وحج، وذكر فيها شيء من الطرائف، لكنَّها بلغتهم ولهجتهم فلا نطيل بذكرها.

من الرَّحلات المُهمة في الباب: رحلة الشيخ صديق حسن خان، هذه الرِّسالة تأليف الشيخ/ أبو الطيِّب السيد محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي، وتحتوي على مسائل هامَّة فيما يتعلق بأمر المسلمين، هذه الحَجَّة صارت أو حصلت سنة 1285هـ، وفي ذلك التَّاريخ كانت رحلة الشيخ بالسُّفن الشراعيَّة من بمباي إلى جدة، وصادف أن نزل بالحديدة في طريقه ذهابًا وإيابًا، وقد استغرق سفره ثَمانية أشهر من يوم أن غادر جوجال إلى أن عاد إليها.

الرِّسالة أشبه ما تكون وأقرب ما تكون إلى المَناسك، منسك متكامل، فالرِّسالة تحتوي على ما يتعلق بالحج والعُمرة، وزيارة المسجد النبوي؛ مستدلاً في جميع ذلك بالكتاب والسنة، مشيرًا إلى تلك البدع الشائعة، عكس الرَّحلات الأدبيَّة الأخرى، أولئك شحنوا رحلاتِهم بالبدع والشرك، وهذا أشار إلى تلك البِدَع الشائعة آنذاك في تلك البلاد، وقد ردَّ عليها في رسالته متمنيًا إزالتها والقضاء عليها، يعني المتأخِّرون من الرَّحالة عتبوا على الدَّولة السعودية أن أزالوا بعض الآثار الشِّركية هناك، فأزالوا البنايات على القبور المشيدة، فهذا لا شكَّ أنه من حماية جناب التوحيد، وأولئك يقولون: أزالها بدعوى التوحيد، أزالوها بدعوى التوحيد، والشيخ صديق - رحمة الله عليه - لأنَّه مُحقق في باب توحيد العبادة؛ يقول، وقد رد عليها في رسالته متمنيًا إزالتها والقضاء عليها، لكن كانت رحلته قبل إزالتها، وقد تحققت هذه الأُمنية على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يقول وقد حقق الله أمنيته بعد أن استولت قُوَّات المملكة العربية السعودية على الحجاز... إلى آخره.

المقصود أنَّ هذه الرِّحلة أشبه ما تكون بالمنسك؛ ولذا لا تجد فيها كلامًا على مشاهد ومزارات وأساليب أدبيَّة ومطارحات نقدية أو شعرية ما فيها شيء من هذا.

من الرحلات مما كتبه الشيخ العلامة المحقق محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى - رحلته إلى حجِّ بيت الله الحرام، هذه الرِّسالة أو هذه الرِّحلة مُختصرة فيما يُقارب أو يقرب من ثلاثمائة صفحة، وفيها فوائد علميَّة ومطارحات ومشاركات أدبيَّة شعرية ونثرية شيء كبير؛ فالشيخ له يد في حفظ الشِّعر، يحفظ من القصائد الشيء الكثير، والتقى بكثير من أهل العلم في هذه الرِّحلة، وشاركهم وطارحهم في كثير من المسائل العلميَّة، والرِّحلة هذه مفيدة، ولو كان الوقت يسمحُ لبسط كُلِّ رحلة بما لها وما عليها، وذِكْر شيء من فوائدها وطرائفها لفعلنا هذا، لكنَّ الوقت قد لا يتَّسع لهذا فنكتفي بمثل هذا ونلتفت إلى الأسئلة.

من ضمن الأسئلة ما هو مُتعلق بالمحاضرة؛ فلعلَّنا نأخذ ما يتيسر منه.

يقول السائل: فضيلة الشَّيخ، هل وجد من الغربيين ممن كان على الإسلام أو من لم يكن على هذا الدِّين من له رحلة إلى بيت الله الحرام؟

أما من لم يكن على هذا الدِّين فإنَّه لا يُمكن من الدُّخول؛ لأنه لا يجوز تمكينه من دخول البيت الحرام؛ {فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]، لا يجوز لهم أن يدخلوا، كما أنَّ النَّبي - عليه الصَّلاة والسلام - في أيَّامه الأخيرة، وفي مرضه الذي مات فيه أمر بإخراج اليهود والنَّصارى من جزيرة العرب، والحديث مُتَّفق عليه.

المقصود أن غير المسلمين إلا إنْ تظاهر بالإسلام، وادَّعى ذلك وتسمَّى به، قبل أن تضبط الأمور بالجوازات والمنافذ فيُمكن، وقد وجد منهم من تظاهر بالإسلام، وهو في الحقيقة يتجسَّس، بل وجد منهم من أمَّ الناس في الصَّلاة بدعوى أنَّه مُسلم، فإذا كان بهذه الهيئة أو بهذه الصِّفة فالإمكان قائم، لكن لا نعرف أحدًا منهم حج البيت وكتب رحلة، وأما من كان مسلمًا فمنهم من حجَّ البيت بلا شك، وأما كتابتهم فلم يقع في يدي شيء منها.

يقول: ألا تلاحظون يا فضيلة الشيخ أنَّ كثيرًا من الذين ذكرتموهم مِمَّن لهم رحلات إلى الحج أنَّهم من المغاربة، فأين حظُّ المشارقة من ذلك؟

أقول: نصيب المشارقة أولاً ما كتب في الحجِّ بالنسبة لمن حج من أهل العلم شيء يسير، قليل من أهل العلم من دوَّن، والذي وصلنا من المكتوب أقل من القليل، الأقل من هذا القليل.

والمشارقة لهم نصيبهم، منهم الرَّحَّالة من الهند، ومنهم الرَّحَّالة من العراق، ومنهم جهات المشرق كلها، وما من عالم إلا وقد حجَّ، لكن المطبوع منها شيء يسير، من ذلك "رحلة الصديق إلى البيت العتيق، الذي هي رحلة الشيخ صديق حسن خان، ومثل ما قدمت في مقدمة المحاضرة أو الدَّرس أنَّ كتبي في حكم المعدومة؛ لأنَّها مركوم بعضها على بعض، ولم يتيسَّر لي أنْ أقف من الرَّحلات إلا على القدر الذي سمعتم، وعلى شيء أيضًا من كلامه عن الحجِّ شيء يسير، بعض الرَّحلات تجدها في مُجلد، لكن ما تكلم عن مكَّة والمدينة إلا في ورقة أو ورقتين، مثل هذا لا يستحقُّ أن يذكر في الرَّحلات إلى الحج، وهذا كثير من الرَّحلات على هذا المنوال، والذين أولوا الحرمين الشَّريفين العناية التَّامة هم من أتينا برحلاتهم ومن ذكرناهم، نعم.

هل تنصحون طالب العلم أنْ يكتب رحلته إلى الحجِّ لا سيما إذا التقى بأهل العلم وأخذ عنهم من فوائدهم؟

لا شكَّ أن التَّدوين، تدوين الفوائد باب من أبواب التَّصنيف، سواء سمي رحلة أو منسكًا أو غير هذين الاسمين، التدوين يحفظ العلم؛ ولذا ضاع علم كثير بعدم تدوين هذه الرحلات، يحصل من الالتقاء بالآفاقيِّين من الحُجَّاج يحصل من تلاقح الأفكار بلقائهم فوائد لا تخطر على البال، وكثير منها لم يدوَّن فضاعت، فالمُؤمل من طُلاَّب العلم أن يدوِّنوا ما رأَوْا وما شاهدوا وما سمعوا، نعم قد يتحرَّج، وهذا الأصل في طالب العلم أن يدوِّن كل شيء، بما في ذلك ما كان يعمله وما كان يُزاوله من عبادة ومن شيء يخصُّه، مثل هذا لو لم يذكره أفضل؛ محافظة على الإخلاص.

يقول السائل: هل للأمير الصَّنعاني - رحمه الله - رحلة في الحج؟

له القصيدة المشهورة، قصيدة مشهورة، وهي عبارة عن رحلة، وبعد التَّحقيق تبيَّن أن هذه القصيدة التي طبعت مرَّات كثيرة باسمه موجودة قبله، وهي موجودة بحروفها في المجلد الثَّاني من شفاء الغرام للتَّقي الفاسي، قبل وجود الصنعاني بكثير، لكن ألحقت في ديوانه ونشرت على أساس أنَّها له، وهي في الحقيقة ليست من شعره، نعم.

يقول السائل: يا فضيلة الشيخ قرأت في بعض كُتُب ابن القيم - رحمه الله - كالوابل الصَّيِّب أنه جاور بمكة، ودوَّن كتابًا سماه فيما أظن التحفة المكِّية، فهل يعتبر ذلك تدوينًا لرحلته إلى الحج؟

لا شك أن مثل هذا يسمَّى رحلة، وكثير من الرَّحلات سَمَّوها الرحلة المكية، أو التحفة المكية، أو الفوائد المكية، بهذا الاسم، وابن القيم - رحمه الله - ذكر في مجاورته عنه وعن شيخه - شيخ الإسلام - الشيء الكثير، وابن القيم تحرَّر له من المسائل هناك في مكَّة ما لم يتحرر له في غيرها لا سيما بعد أنْ يكثر من الذِّكر، وشيخ الإسلام يذكر شيئًا من هذا في هذا المكان الطاهر الذي هو أقدس البقاع، ومع الأسف أنَّ طالب العلم إذا ذهب إلى هناك قد لا يستشعر عظمة هذا البيت، ويُوجد ما يشوش عليه بلا شَك؛ مما يجعله لا يستشعر هذه العظمة ولا يستشعر العُبُوديَّة التي من أجلها خلق، لا سيما في هذا المكان المقدس، والصوارف عن هذا الاستشعار كثيرة، الصَّوارف كثيرة، فهذا قد يكون عذرًا، لكن في الحقيقة على الإنسان أن يتَّجه إلى الله -جلَّ وعلا - في كلِّ زمان وفي كلِّ مكان لا سيما في هذه الأماكن المقدسة.

تجد بعض الناس يشغل ويؤذي عباد الله من المُتعبدين وغيرهم بالأنغام المُحرمة، تجده أثناء الطَّواف وأثناء التَّهجد أحيانًا ولا يستحيي من أحد، وهذا مِمَّا يؤسَف له، فعلى طالب العلم أن يلجأ إلى الله - جل وعلا - في كلِّ زمان وفي كل مكان، لا سيما في هذه الأماكن التي تضاعف فيها الأجور، وتعظم فيها الأوزار، ومُجرد الهم بالمعصية يكتب عليه؛ {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحـج: 25]؛ فعلى الإنسان أن يستشعر مثل هذا، ويلجأ إلى الله - جلَّ وعلا - ويصدق اللُّجوء إليه، ويسأله أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وحينئذ يوفَّق إنْ شاء الله تعالى.

يقول: هل كتب العلماء رحلات علميَّة إلى غير الحج؟

نعم، كتبوا رحلات إلى البُلدان التي زاروها، وهذا كثير جدًّا، كتبوا رحلات كثيرة إلى الأندلس، من المشارقة إلى الأندلس، ومن المغاربة إلى المشرق، منهم من كتب جولاته في ربوع العالم في القارات كلها، ممن تقدَّم وممن تأخَّر، فالرَّحلات موجودة في القديم والحديث، وكلها موجودة ومدوَّنة، لكن الحديث في درسنا هذا فيما يتعلق بحج بيت الله الحرام، ولم نُشِر إلى غيره.

يقول: هل مثل هذه الرَّحلات كفيلة بسبر مَنهج صاحب الرِّحلة وطريقته وعقيدته، أو أنَّه ربما يكون قد تراجع في آخر حياته إلى ما هو خير؟

الاحتمال قائم على أنَّه تراجع لا سيما إذا عمر بعد ذلك، لكن ليس للنَّاس إلا ما يظهر من صنيعه، سواء كان من قوله أو من فعله أو في مُصنفاته، لنا أن نُحاسبه على ما كتب، وتوبته إذا تاب هذه بينه وبين ربِّه إذا لم يبينها للنَّاس؛ {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 16]؛ لا بُدَّ من البيان، وأن يكون هذا البيان للتوبة مما وقع فيه من زلة أو غفوة لا بُدَّ أن يكون على نفس المُستوى الذي نشر به ذلك الضَّلال وبثَّه في رحلته أو في أيِّ مصنف من مصنفاته.

أثابكم الله وأحسن إليكم على هذه المُحاضرة الطَّيبة، والأجوبة الماتعة، ونسأل الله لفضيلة الشيخ أنْ يطيل في عمره على الخيرات، وأن يحفظه بما يحفظ به عباده الصَّالحين، وإيانا وإياكم جميعًا، وصلَّى الله وسلم على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 105.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 102.87 كيلو بايت... تم توفير 2.81 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]