مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         همسة في آذان الشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          من آداب الدعاء... إثبـــات الحمـــد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 3015 )           »          الاستعمار وأساليبه في تمكين الاستشراق الحلقة الرابعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 609 )           »          قواعد عقاب الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 45 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 55 - عددالزوار : 15795 )           »          توجيهات منهجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          القاعدة الأوفى في الأسماء الحسنى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-07-2019, 03:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

(أبو بكر الصديق)

جهاد الترباني

"ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر"
"ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر"
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم)
لم يكن في نيَّتي أن أرتب أسماء العظماء المائة في أمة الإسلام على حسب فضلهم ومقامهم، فليست هذه هي الغاية من هذا الكتاب على الإطلاق، والواقع أنني قررت أن أسلك مسلكًا في الكتابة لا يراعي فارق الزمان أو فارق المكان فضلًا على أن يراعي فارق العظمة بينهم، فبعد أن استثنيت من هذا الكتاب الأنبياء والرسل الذين هم أعظم الخلق بدون أي منازع، صار الأمر عندي سيّان في ترتيب العظماء بما أراه مناسبًا لإنجاز هذا العمل الأدبي، حتى وإن تأخر ذكر أحد العظماء المائة الذي يفوق من قبله فضلًا ومكانة في الإسلام.


إلّا أن القلم يخجل قبل صاحبه أن يكون على رأس أول كتابٍ من نوعه عن عظماء أمة الإسلام مخلوقٌ غير أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه وأرضاه، وكأني برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في فراشه الأخير وهو يأمر المسلمين أن يكون أبو بكر هو الإمام المقدَّم قائلًا: «ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر»، لذلك أصبح لزامًا علي أن أضع استثناءً وحيدًا في ترتيب المائة في هذا الكتاب بحيث يكون أولهم هو أعظمهم في نفس الوقت، بل هو الإنسان الأعظم بعد الأنبياء، فهو أول من سيدخل الجنة من البشر بعد الأنبياء، بعد أن كان أول إنسان حمل شعلة التوحيد التي تركها الأنبياء لينير بها ظلام الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها، ليكون هذا الرجل صاحب السبق في تحمل عبء الدعوة التي أوكلت لأول مرة في التاريخ إلى البشر العاديين دون الأنبياء.
وأبو بكر الصديق هو صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل الإسلام وبعده، والإنسان الوحيد الذي اختاره اللَّه من فوق سبع سماوات ليصحب رسوله في الهجرة، وأبو بكر هو أول رجلٍ في التاريخ يؤمن برسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو أول أعظم عشرة رجال وطأت أقدامهم الأرض بعد الأنبياء، وأبو بكر هو الرجل الذي حمل عبء الدعوة على عاتقه منذ أول يومٍ أسلم فيه ليسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة، وأبو بكر هو أبو السيدة عائشة رضي اللَّه عنها وأرضاها، وأبو بكر هو أول خليفة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.


والحقيقة أن عظمة أبي بكر رضي اللَّه عنه وأرضاه وإن كانت قد برزت بعد إسلامه بشكل لافت، إلا أنها لم تكن وليدة اللحظة، فقد كان أبو بكر من خيرة رجال مكة قبل الإسلام، فهو أحد العشرة الذين قُسِّمت بينهم أمور مكة في جاهليتها، وقد عُهد إليه أمرُ الديات والكفالات في قريش، فكان لزامًا على كل من أراد أن يستدين شيئًا في مكة أن يطلب كفالة أبي بكر الصديق أولًا.


ولأن فضل أبي بكر الصديق لا يخفى على أحد من المسلمين، ولأن ذِكرَ جميع مظاهر عظمة هذا الرجل يعتبر من رابع المستحيلات، فقد ارتأيت من باب الإيجاز أن أذكر فضلين اثنين فقط للصِّديق، لو لم يقدم أبو بكر سواهما للإسلام لكفياه لكي يتربع على قمة صرح العظماء إلى يوم يبعثون، ولن أسترسل في ذكر الجانب الديني لهذا الرجل، فقد كتب من هو خير مني عنه وما زالوا يكتبون، ولكني سأحاول أن أذكر سبب عظمة هذا العظيم الإسلامي من جانب إنساني بحت، هو أقرب إلى الحياد التاريخي منه إلى التحيز، وإن كنت لا أزعم أبدًا الحياد التام وأنا اكتب عن صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
الفضل الأول لأبي بكر الصديق عليَّ وعليك وعلى سائر المسلمين بل وعلى سائر البشر هو وقوفه حائلًا منيعًا أمام انحدار العنصر البشري إلى ظلمات الجهل والتخلف بعد انقطاع الوحي السماوي وانتهاء زمن الأنبياء والرسل إلى الأبد، فلقد بعث اللَّه الأنبياء بدعوة التوحيد عبر جميع العصور،

فآمن بهم من آمن وكفر بهم من كفر، ولكن أغلب أولئك المؤمنين وذريتهم انحرفوا عن جادة الصواب بعد موت أنبيائهم، فحرَّفوا رسالة اللَّه عن قصد أو غير قصد بعد أن ضاعت الكتابات الأصلية لهذه الرسالات، فأشرك معظم العرب بعد موت إبراهيم باللَّه الواحد واتخذوا لأنفسهم أصنامًا ظنًا بهم أنها تقربهم إلى اللَّه، وعبد النصارى عيسى عليه السلام بعد أن رفعه اللَّه، بل إن بني إسرائيل عبدوا العجل لمجرد غياب موسى عنهم لمدة أربعين يومًا فقط! واتخذ قوم نوح أولياء اللَّه الصالحين أربابًا من دون اللَّه بقصدٍ أو بدون قصد، ظنًا منهم أنهم يتقربون بذلك إلى اللَّه، فصارت المرأة تدعو الأموات دون اللَّه لكي يرزقها بالذرية، وصار الرجل المهموم يذهب للميت لكي يفرج عنه الغم والكرب، بل وصل الشطط ببعض الناس لكي يطوفوا حول قبور أنبيائهم وأولياء اللَّه الصالحين، فصاروا للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان!
ولمّا كانت رسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- هي آخر رسالة تبعث للبشر، أصبح ضياع هذه الرسالة أو تحريفها ضياعًا للمستقبل البشري وأسباب كينونته، والحقيقة أن ذلك كاد أن يحدث فعلًا لولا أن سخّر اللَّه لبني الإنسان رجلًا اسمه عبد اللَّه بن عثمان أبي قحافة بن عامر التيمي القرشي، وهو نفسه الرجل الذي عُرِف في التاريخ باسم "أبي بكر الصديق" (لتبكيره في الدخول في الإسلام وتصديقه لحادثة الإسراء والمعراج من أول لحظة!)، فوقف هذا العملاق العظيم بعد موت حبيب روحه ورفيق دربه، ليبين للمسلمين أعظم قاعدة عرفتها البشرية بعد الأنبياء، قاعدة تكتب واللَّه بحروف من ذهب:
"من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت"


الفضل الثاني لأبي بكر يكمن في انتصاره على جيوش الروم والفرس في آن واحد!
فقد حاول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياته أن يصل برسالة التوحيد إلى شعوب العالم بأسره، وفعلًا قام باستخدام الوسائل السلمية في دعوة البشر، فأرسل رسله إلى ملوك الأرض برسائلٍ تدعوهم إلى عبادة رب الناس وترك استعبادهم للناس، إلا أن أولئك الملوك رأوا في الإسلام ما يتناقض مع ظلمهم وجبروتهم على شعوبهم المستضعفة، فقاموا بقتل الرسل، وحجب رسالة الإسلام عن شعوبهم المستضعفة، فأعلنوا الحرب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمزق كسرى الفرس المتغطرس (خسرو الثاني) رسالة أعظم إنسان عرفته الأرض، وأوعز إلى عامله في اليمن باعتقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أما إمبراطور الروم (أغسطس هرقل) فقد حارب الإسلام رغم إيمانه بصدق نبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (كما سنرى لاحقًا في خضم هذا الكتاب)، لذلك قام أبو بكر الصديق جزاه اللَّه كل خير بعملٍ لم يسبقه إليه أحد في تاريخ الفاتحين، فالمعلوم أن ثمة قاعدة عسكرية ثابتة منذ قديم الزمان ما زالت تدرَّس في الكليات العسكرية الحديثة، ألا وهي "تجنب فتح أكثر من جبهة واحدة في القتال العسكري! "، فلقد انهزم (نابليون بونابرت) عندما فتح جبهة ثانية مع "روسيا القيصرية"، وتمزق جيش (أدولف هتلر) شر ممزق عندما فكر في فتح جبهة "ستالين غراد" الشرقية،

ولكن أبا بكر الصديق كان هو الإنسان الأول في تاريخ الأرض الذي كسر هذه القاعدة العسكرية بقتال جيوش أكبر إمبراطوريتين في الأرض في نفس الوقت، فبعد أن رفض أباطرة الفرس والروم السماح لدعاة الإسلام بنقل رسالة التوحيد للشعوب المستضعفة، قام أبو بكر الصديق بتسيير كتائب النور بفرسانٍ جلهم من أن أصحاب محمد بن عبد اللَّه، فدكَّ الصِّديق حصون كسرى على الجبهة الشرقية بجيشٍ تحت قيادة البطل الأسطوري (خالد بن الوليد)،
وزلزل أبو بكر ديار الروم على الجبهة الغربية بجيشٍ تحت قيادة العملاق (أبي عبيدة عامر بن الجراح)، وما هي إلا سنيّاتٍ قليلة من إعلان أبي بكر الحرب على أعظم إمبراطوريتين عرفهما التاريخ في وقتٍ متزامن حتى أصبحت دولة الإسلام الدولة الأولى في العالم بأسره.
الجدير بالذكر أن أبا بكر الصدِّيق رضي اللَّه عنه وأرضاه لم يكن آخر من كسر تلك القاعدة العسكرية، فلقد قام قادة آخرون بكسرها بكل نجاح (جميعهم بدون استثناء من أمة الإسلام!) ليقف علماء التاريخ العسكري عاجزين عن حل تلك الأحجية السحرية!
فلقد دارت تلك الأحجية السحرية أيضًا حول رجلٌ ظهر في أقصى بلاد المغرب الإسلامي بعد أكثر من 1300 عام من موت أبي بكر الصديق، فلم يكتف ذلك الرجل بقتال إمبراطوريتين فقط، بل قام بقتال أعظم ثلاث إمبراطوريات في العالم آنذاك!
فمن يكون ذلك الرجل العظيم الذي أنجبته أمة الإسلام والذي أصبح اسمه رمزًا لثوار العالم في الأرض كلها؟ وكيف استلهم منه ثوار آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية معنى الكفاح المسلح؟ وكيف اعتبره ثوار فيتنام أستاذًا لهم في معركتهم ضد الإمبريالية العالمية؟ وما حكاية معركة (أنوال) الأسطورية التي كانت وبلا شك يومًا من أيام اللَّه الخالدة؟ وما هو لغز تلك البرقية السرية المشفَّرة التي وصلت إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عام 1947 م من ميناء صنعاء اليمني؟
يتبع. . . . .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-07-2019, 02:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

(002) الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي



جهاد الترباني


"أيها الأمير... لقد أتيت إلى القاهرة خصيصًا لكي أتعلم منك" (الثائر الشيوعي تشي جيفارا 1960م).
"إن هذا إلرجل الذي ينادي باسمه أهل اَسيا وأفريقيا والهند، ويتغنون باسمه... إن هذا الرجل الذي يقاتل باسم الإسلام ويعيد امارة المؤمنين والخلافة الإسلامية، هو الخطر القادم على البلاد الأوروبية" (السير كورتي عضو مجلس العموم البريطاني 1921م).
"دخلت على عبد الكريم في خندق أمامي، والطائرات الإسبانية والفرنسية تقذف المنطقة بحمم هائلة فوجدته مبتسمًا مرحًا مقبلأ يضرب ببندقيته الطائرات، فتعجبت من هذه الظاهرة البشرية الفريدة!" (الصحافي الأمريكي فانسن شون 1926م).

لم يصدق (عبد الرحمن عزام باشا) أول أمين لجامعة الدول العربية عينيه، وهو يقرأ تلك البرقية السرية التي وصلته من مجموعة من المجاهدين العرب في اليمن في يوم من أيام عام 1947م:
(عاجل وسري للغاية... لقد نزلت بميناء عدن اليوم سفينة فرنسية تحمل على متنها شيخًا أسيرًا مكبلًا بالسلاسل، يشتبه أن يكون هو ذلك البطل الإسلامي الأسطوري الذي اختفى منذ عشرين عامَا، والسفينة في طريقها الآن إلى فرنسا وستمر غدًا بميناء بورسعيد المصري، لذا وجب التنبيه!) وما أن فرغ عزام باشا من قراءة هذه البرقية حتى طلب على الفور مقابلة مستعجلة مع (الملك فاروق) لمناقشة أمر هذه البرقية الخطيرة التي وصلته للتو من مضيق باب المندب، فدار نقاش سري بين عزام باشا والملك فاروق في قصر إقامته،
وما هي إلّا لحظات حتى صدر قرار إلى الضباط المصريين في قناة السويس باعتراض طريق تلك السفينة الفرنسية وإحضار ذلك الشيخ الكبير إلى القصر الملكي في القاهرة للتأكد من هويته، وبعدها بأقل من أربع وعشرين ساعة أحضر الضباط المصريون إلى الملك شيخا بلحية بيضاء كالثلج يمشى بخطوات ثابتة رغم بطئها، تبدو من بين قسمات وجهه الغائرة مظاهر للعظمة والسمو لا تخفى على أحد، يلبس لباسًا أبيض غاية في البساطة، وتظهر على يديه وساقيه الهزيلتين علامات لسلاسل وأكلال وكأنها نُحتت في جلده نحتًا، فلمّا أصبح هذا الشيخ بين يدي الملك فاروق سأله ملك مصر عن هويته، فرفع الشيخ الكبير رأسه ونظر نحو الملك بعينين كعيني الصقر الجارح ثم قال بكل شموخ وثقة: "أنا الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي".
نُغوّر قليلًا في التاريخ، ونتحول إلى الغرب من القاهرة وبالتحديد إلى بلدة (أغادير) في الريف المغربي الإسلامي في سنة 1301هـ/ 1883م، هناك يُرزق شيخ قبيلة من قبائل الأمازيغ البربر يدعى الشيخ "عبد الكريم الخطابي" مولودًا يسميه تبركًا على اسم رسول اللّه محمد صلى الله عليه وسلم ليقرر هذا الشيخ تربية ابنه تربية صالحة منذ نعومة أظافره، وفعلًا قام بتعليمه اللغة العربية وتحفيظه القراَن بنفسه، ثم أرسله إلى جامعة "القرويين" في مدينة "فاس" ليتعلم هناك الحديث والفقه الإسلامي، وما هي إلا سنوات حتى أصبح "محمد بن عبد الكريم الخطابي" قاضي القضاة في مدينة "مليلية" المغربية وهو ما يزال في عمر الشباب. في هذا الوقت كانت ظروف المغرب الإسلامي أصعب من أن يتخيلها إنسان، فلقد أدركت الدول الاستخرابية (الاستعمارية)، أن بلاد المغرب الإسلامي تعتبر بمثابة مصنع للأبطال عبر التاريخ، فمنها خرج مجاهدو دولة "المرابطين" إلى الأندلس، ومنها أبحرت قوات دولة "الموحدين" إلى أوروبا، ومنها انطلقت كتائب النور الإسلامية أول مرة إلى أوروبا تحت قيادة (طارق بن زياد) فقررت تلك الدول إنهاء هذا الخطر الإسلامي، فعقدت دول أوروبا موتمر "الجزيرة الخضراء" عام 1906م بمشاركة 12 دولة أوروبية، ولأول مرة في التاريخ يظهر اسم "أمريكا" لتكسر بذلك الولايات المتحدة الأمريكية "مبدأ مونرو" الذي ينص على: "عدم التدخل الأمريكي في السياسة الدولية"، كل هذه الدول اجتمعت من أجل انهاء هذا الكابوس الإسلامي المستمر إلى الأبد، فكان القرار النهائي لهذا المؤتمر: تقسيم بلاد المغرب الإسلامي!
العجيب أن تلك الدول لم تكتفِ بتقسيم مملكة المغرب الإسلامي فحنسب، بل قسمتها بطريقة خبيثة لم تعرفها شعوب الأرض من قبل، بحيث تضمن تفككها بشكل نهائي، فأخذت فرنسا القسم الجنوبي من مملكة المغرب "موريتانيا"، ثم أخذت إسبانيا القسم الذي يليه في الشمال "الصحراء الغربية"، ثم مرة أخرى فرنسا إلى الشمال من الصحراء "وسط المغرب الحالي" ثم إسبانيا إلى الشمال أيضا في الساحل الشمالي للمغرب "الريف المغربي"، وبين هذا وذاك احتلت ألمانيا وبريطانيا مدنًا هنا وأخرى هناك، وظن الجميع أنهم بذلك أنهوا الوجود الإسلامي في بلاد المغرب الأبد، ولكن الشيخ عبد الكريم الخطابي وابنه محمد جزاهما اللّه كل خير كان لهما رأي اَخر، فبدءا بتجميع القبائل المتناحرة على راية الإسلام الواحدة، ومراسلة الخليفة العثماني في عاصمة الخلافة، عندها قتل الإسبان الشيخ المجاهد عبد الكريم الخطابي رحمه اللّه، وأسروا ابنه الشيخ محمد، ووضعوه في أحد السجون في قمة جبل من جبال المغرب، وبطريقة أسطورية لا توصف، استطاع البطل بن البطل أن يصنع حبلًا من قماش فراشه، ليحرر به نفسه من نافذة السجن، ولكن الحبل ولسوء الحظ لم يكن بالطول الكافي ليصل بالخطابي من قمة الجبل إلى الأرض، ليقفز بطلنا من ارتفاع شاهق على الصخور الصمّاء، لتكسر بذلك ساقيه وُيغمى عليه من سدة الصدمة، قبل أن تكتشف سلطات السجن أمره وتعيده إلى السجن.

وبعد حين من الأسر خرج الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي من السجن ليكوِّن من رجال قبائل الريف المغربي جيشاً من ثلاثة اَلاف مقاتل فقط، مبتكرًا بذلك فنًا جديدًا من فنون القتال العسكري كان هو أول من استخدمه في تاريخ الحروب تحت اسم "حرب العصابات"، وقد استخدم كل ثوار العالم بعد ذلك هذا الفن العسكري القائم على فنون المباغتة والكر والفر. ثم ابتكر الأمير محمد نظامًا اَخر في المقاومة اعترف الزعيم الفيتنامي (هوشيمنه) أنه اقتبسه من الأمير الخطابي في قتال الفيتناميين للأمريكيين بعد ذلك بسنوات، هذا النظام هو نظام حفر الخنادق الممتدة تحت الأرض حتى ثكنات العدو، وبذلك استطاع هذا البطل الإسلامي تلقين الجيش الإسباني درساً جديدًا في كل يومٍ من أيام القتال. ولما تضاعفت خسائر الإسبان في الريف الإسلامي قام ملك إسبانيا (ألفونسو الثالث) عشر بإرسال جيشٍ كامل من مدريد تحت قيادة صديقه الجنرال (سلفستري)، والتقى الجمعان في معركة "أنوال" الخالدة، جيش إسباني منظم مكون من 60 ألف جندي مع طائراتهم ودباباتهم مقابل 3 آلاف مجاهد مسلم يحملون بنادق بدائية فقط، ولكن هذان خصمان اختصموا في ربهم، فئة تقاتل في سبيل اللّه، وأخرى تقاتل في سبيل الأرض والصليب، فكان حقًا على اللّه نصر المومنين، وفعلأ انتصر الثلاثة آلاف مجاهد تحت قيادة الأسطورة الخطّابية على جيش كامل من 60 ألف مقاتل صليبي، وقتل المسلمون 18 ألف إسباني، وأسروا عشرات الآلاف من الغزاة، ولم يسلم من الهلاك والأسر إلّا 600 جندي إسباني هربوا إلى إسبانيا كالكلاب الفزعة، ليقصّوا أهوال ما رأوا في الريف المغربي على ملكهم، ليأسس الأمير الخطابي بعد ذلك "إمارة الريف الإسلامية" في شمال المغرب الإسلامي، وخلال 5 أعوام من إمارته قام الخطابي بتعليم الناس الدين الإسلامي الصحيح الخالي من الشعوذة والدروشة، ثم قام بإرسال البعثات العلمية لدول العالم، وتوحيد صفوف القبائل المتناحرة تحت راية الإسلام.
وكما هو متوقع بعد كل صحوة إسلامية..... اجتمعت دول الصليب مرة أخرى (وهي التي لا تجتمع إلّا في قتال المسلمين!) بعد أن أحست بخطر الدولة الإسلامية الوليدة التي لو بقيت لغيرت مسار التاريخ، فكوَّنوا تحالفًا من نصف مليون جندي أوروبي بدباباتهم وطائراتهم وبوارجهم الحربية، ليحاربوا به 20 ألف مجاهد فقط، فكانت المفاجأة الكبرى! لقد انتصر المجاهدون تحت قيادة الأمير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي في جميع الجولات التي خاضوها، فأوقعوا الخسائر تلو الخسائر في صفوف الغزاة، مما اضطر جيوش أوروبا المتحالفة أن تشتري ذمم بعض شيوخ الطرق الصوفية المبتدعة، فقام هولاء الخونة بقتال الأمير الخطابي الذي كان يحارب من قبل البدع الصوفنة من الرقص والدروشة وإقامة الموالد التي لم ينزل اللّه بها من سلطان، فأصدروا فتوى تحرم القتال مع الخطابي، قبل أن تقوم طائرات فرنسا وإسبانيا بإلقاء الأسلحة الكيميائية والغازات السامة على المدنيين، في نفس الوقت الذي حاصر فيه الأسطول الإنجليزي سواحل المغرب، فقاتل الخطابي أمم الأرض مجتمعة من خونة وصليبيين، ولم يبقَ معه من المجاهدين إلَا 200 مقاتل عاهدوا الله على الشهادة تحت قيادته، فقاتل أولنك النفر كالأسود حتى يأس الصليبيون من هزيمتهم، فلجؤوا عندها إلى أسلوب قديم، لقد لجأ الصليبيون إلى طلب الصلح مع الأمير محمد مع إعطاء المسلمين الضمانات الموثقة على سلامة كل المجاهدين وإتاحة سبل العيش الكريم لأهل المغرب بكل حرية واستقلال.
وكعادتهم..... نكص الصليبيون بعهودهم، فقاموا بخطف الأمير الأسطورة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي ونفيه إلى جزيرة في مجاهل المحيط الهندي، ليس لسنة أو اثنتين، بل لعشرين سنة متصلة قضاها هذا البطل في أسر دعاة حقوق الإنسان، في أسر من خرجوا للعالم بشعار الثورة الفرنسية: (Liberté, Égalité, Fraternité) (حرية، مساواة، إخاء)، فأي حرية تدَّعونها أيها المجرمون في حبس شيخ ضعيف مدة عشرين سنة؟! وأي مساواة تتكلمون عنها وأنتم تقتلون نساء المسلمين وأطفالهم بغازاتكم السامة القذرة؟! وأي إخاء تسخرون به من عقول المغفلين بحضارتكم القائمة على دماء الضعفاء من البشر؟! فإن كان قتلكم للضعفاء من بني البشر حضارةً.... فسحقًا إذًا لكم ولحضارتكم تلك!
وبعد.....كانت هذه بعض سطورٍ عن ملحمة إسلامية خالدة، هي غاية في البطولة لقائد إسلامي عظيمِ ضحى بزهرة شبابه لرفع راية لا إله إلا اللّه - محمد رسول اللّه، ومما يحزن النفسَ ويدمي الفؤاد، أن معظم شبابنا ما سمعوا باسمه قَط، على الرغم من أن كثيرًا منهم متيمون بأبطالٍ لم يحاربوا إلا من أجل مصالح دنيوية ومبادئ شيوعية، فلو علم شبابنا ممن يعلقون صور الثائر الشيوعي (تشي جيفارا) أنه أتى للقاهرة ليتعلم من بطل الإسلام الأسطوري محمد بن عبد الكريم الخطابي، لتغير رأي شبابنا في تاريخهم الذي نسوه أو أنسوه (بضم الألف)، فصاحبنا هذا لم يكن صحابيًا، بل لم يكن عربيًا البتة.


جهاد الترباني

المصدر: كتاب العظماء المائة









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-07-2019, 04:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

( 003)السيدة هاجر


جهاد الترباني

نصيب نساء الإسلام يفوق النصف بين عظماء هذه الأمة، إمّا بأفعالهن أو أفعال أبنائهن الذين تربوا على أيديهن، فلم أقصد أبدًا بكتاب العظماء المائة ذِكرَ عظيمي الإسلام دون عظيماته، وإنما قصدت الجمع بينهم بصيغة الجمع "العظماء"، وهكذا فعلت العرب عند جمع الذكور والإناث معًا، وهكذا أفعل أنا.
فأمة الإسلام أمة ممتدة لا تعرف حدودًا للعنصر البشري، فضلًا من أن تعرف حدودًا لزمان أو مكان، فالعظماء في هذه الأمة تجمعهم ثلاث صفات أساسية شكلت هويتهم الفريدة وميزتهم عن باقي البشر: (الوحدانية في العقيدة - والتنوع في العنصر- والسمو في الهدف) فعلى الرغم من أن السيدة هاجر قد ماتت قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بمئات السنين، إلّا أنها تنتمي لنفس العقيدة ونفس الدين، ألا وهو دين الإسلام، الدين الذي دعا إليه آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحق وإسرائيل ولوط وموسى وعيسى، فالدين عند اللّه هو الإسلام، أما غير ذلك من أديان فهي أديان ابتكرها البشر لأنفسهم، فسمى البوذيون أنفسهم بهذا الاسم نسبة لفيلسوفهم (غوتاما بوذا)، وأطلق اليهود هذا الاسم على دينهم نسبة إلى (يهوذا بن يعقوب) أحد أسباط بني إسرائيل، والمسيحيون نسبوا أنفسهم إلى الرب الذي يعبدونه (المسيح بن مريم عليه السلام)، أما أتباع محمد بن عبد اللّه فلم يسموا أنفسهم (المحمديين)، بل لم يكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن اسم لهم، فلقد سمّاهم اللّه من فوق سبع سماوات بـ (المسلمين)، فالمسلم هو كل من يُسلم نفسه للّه.
وعظيمتنا التي نحن بصدد الحديث عنها تنتمي لهذه الأمة العظيمة، أما عنصرها فهو عنصر رائع كان وما زال يخَزج العديد من عظماء أمة الإسلام، إنه العنصر المصري أو القبطي، ولفظة القبط تعني سكان وادي النيل، وفي تعريب للكلمة اليونانية أَيْجبْتيوس التي تعني مصري! وليس كما يظن البعض أن القبطي هو المسيحي أو النصراني المصري، فالغالبية العظمى من الأقباط هم أقباط مسلمون! ومن هذه الأرض بالتحديد وُلدت بطلتنا القبطية التي كانت جارية في مصر إبان عهد الهكسوس، قبل أن يتزوجها إبراهيم عليه السلام لتنجب له إسماعيل عليه السلام ليكون فيما بعد أبًا للعرب العدنانيين (العرب المستعربة) الذين خرج منهم أفضل مخلوق خلقه اللّه في الكون، محمد صلى الله عليه وسلم، فالمصريون إذا هم أخوال العرب!
المهم في القصة أن اللّه أمر خليله إبراهيم أن يصطحب هاجر ورضيعها إسماعيل من فلسطين إلى وادٍ غير ذي زرع في الحجاز عند جبال فاران، هناك أمر اللّه نبيه إبراهيم أن يترك امرأته ورضيعها ليقصد هو فلسطين راجعًا، عندها سألت هاجر زوجها وعينيها تملوها الدهشة من قرار زوجها الغريب، فلم يجب إبراهيم زوجه بشيء، فسألته هاجر: "الله أمرك بهذا؟!" فهز إبراهيم رأسه بالإيجاب، وهنا يخرج جواب من فيهِ هذه السيدة العظيمة ليكون سببًا في خلودها في ذاكرة الزمان إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها فقالت بكل ثقة: "فلن يضيعنا الله إذًا!".
وسرّ عظمة هذه المرأة يتمثل بتطبيقها لشرطي النصر: الإيمان والعمل! فهاجر وثقت أولاً باللّه عز وجل، ثم قامت بعد ذلك بكل ما في استطاعتها من سعي بين الصفا والمروة لإنقاذ ابنها الرضيع الذي كان يئن من ألم الجوع والعطش، حينها علم اللّه أن هذه المرأة قامت بتنفيذ الشرطين اللازمين للنصر: الإيمان والعمل، وعندها -وعندها فقط- أتى الأمر الإلهي اليسير: كن! حينها خرجت من بين أقدام الطفل الذي أوشك على الهلاك عينُ ماءٍ تحمل في كل قطرة من قطراتها حكاية النصر والبقاء، لتجري هذه العين بشكل إعجازي من بين الصخور الصماء في مكة إلى يومنا هذا، وكأن اللّه يقول لنا إن ينبوع النصر لا ينضب أبدًا!
وفي زماننا هذا وجب على كل مسلم أن يتخيل نفسه في مكان هاجر عليها السلام، وأن يتخيل أن الأمة الإسلامية الآن هي ذلك الطفل الذي يبكي ويوشك على الهلاك في تلك الصحراء القاحلة التي لا يبدو فيها أي مظهر من مظاهر الحياة، فإذا قام كل واحد منا بتنفيذ الشرطين اللازمين للنصر والبقاء (الإيمان والعمل)، فكنا مؤمنين أولًا بأن أمتنا لا بد لها وأن تنهض، ثم قام كل واحدٍ منا بواجبه لإنقاذ وإحياء هذه الأمة التي هي الرضيع الذي يئن من الألم، فلا شك وقتها أن النصر سيكون حليفنا في النهاية، حتى لو كان ما نقوم به يبدو للاَخرين شيئًا من العبث، فقد كانت أمنا هاجر تقوم بنفس هذا (العبث) في بحثها عن أسباب الحياة بين الصفا والمرة لسبع مرات!

من أجل ذلك استحقت السيدة هاجر أن تكون من أعظم عظيمات أمة الإسلام، لتصبح هذه الجارية المصرية أمًا للعرب والمسلمين، فيصبح لزامًا على المسلمين تحرير بلاد أمهم من رجس الشرك أولًا ثم من ظلم الإمبراطورية الرومانية ثانيًا!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-07-2019, 02:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

(004)أرطبون العرب" (عمرو بن العاص)




جهاد الترباني

(أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بنُ الْعَاص)
(محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-)
(لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب)
(عمر بن الخطاب)
(واللَّه يا مسيلمة إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب)
(عمرو بن العاص)
كنت يومها صبيًا يافعًا في الصف التاسع في إحدى مدارس مدينة رفح الفلسطينية، يومها وقفت أمام أستاذي وقلت له والغيظ يملؤني: لماذا نضيع الوقت بدراسة قصة رجل بهذه الصفات؟!
كان قلبي يومها مشبعًا بالغضب وأنا اقرأ قصة ذلك الرجل الذي طفحت كتب المناهج الدراسية بحكايات غدره وخيانته، ففشلت كل محاولات أستاذي لتغيير قناعاتي تلك عن ذلك الرجل، وكَبِرْت، وكبرَ معي طعني بذلك الرجل، غير أنني أحمد اللَّه عز وجل الذي ألهم بصيرتي وأمَّد في عمري حتى جاء اليوم الذي أكفر به عن خطيئتي تلك لأكتب عن رجل من أشرف الناس وأصدق الناس وأعظم الناس:
"لقد جاء الوقت يا ابن العاص كي أطلب منك العفو بهذه الكلمات القليلة، سائلًا المولى عز وجل أن لا يخزني يوم القيامة أمامك يا أبا عبد اللَّه، وأن يجمعني بك في حضرة صاحبك، محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، إنه ولي ذلك والقادر عليه"
والحقيقة أن ذلك الظن السوء بعمرو بن العاص رضي اللَّه عنه وأرضاه لم يكن نابعًا من فراغ، فلقد كنت وقتها ضحية من ضحايا ما أحب أن أطلق عليه نظرية "الغزو التاريخي" هذا الغزو ليس غزوًا بالدبابات أو الطائرات أو حتى بالأفكار كالغزو الثقافي، بل هو أخطر من ذلك بكثير، فالغزو التاريخي لا يحارب الواقع فقط، وإنما يحارب الماضي الذي بُني عليه الحاضر، ونظرية الغزو التاريخي تتلخص بأن يدمر الغزاة أسباب وجودنا أصلًا على ساحة التاريخ، وذلك بالتشكيك والطعن برموز الأمة،

فينتج عن ذلك بالضرورة تشكيك بالروايات التي نقلها لنا رموزنا أو التي نقلت عنهم بالأساس، قبل أن يقوم الغزاة بتسليط الضوء على مراحل الضعف التي مرت بها الأمة أو حتى اختلاق قصص وهمية تشوه صورة تاريخنا في أعيننا، ليقوم أولئك الخبثاء بتحويل أبطالنا إلى قتلة قذرين وعلمائنا إلى أشخاصٍ مجانين وفي أحسن الأحوال إلى شطبهم جميعًا من ذاكرة التاريخ نهائيًا!
في نفس الوقت يقوم نفس الغزاة بتمجيد أبطال وهميين في تاريخهم أو حتى في تاريخنا، فيتحول (عمرو بن العاص) صاحب رسول اللَّه إلى مجرم حرب بينما يتحول المجرم (نابليون بونابرت) إلى فاتح عظيم تخلده كتبنا الدراسية، ويصبح (عباس بن فرناس) مخترع الطيران عالمًا مجنونًا بينما يُمَّجَد (آينشتاين) صاحب مشروع القنبلة النووية التي قتلت مئات الآلاف من الأبرياء،
وفي أفضل الحالات يعمل نفس الغزاة بالعمل على محو اسم بطلٍ حقيقي قلّما رأت الأرض مثله كالبطل (أحمد بن فضلان) -الذي سنأتي على ذكره في هذا الكتاب- ليُشطب اسم هذا البطل من ذاكرة بطولاتنا، ويوضع مكانه اسم بطل خرافي مثل (السندباد) أو (علاء الدين) أو حتى (علي بابا)، فلا يتبقى لنا بذلك في تاريخنا الممتد إلّا قادة مجرمين، أو علماء مجانين، أو أبطالًا وهميين لم يصبحوا أبطالًا إلّا بمصابيح سحرية أو بُسطٍ طائرة! وبهذا لا يبقَ لك إذا كنت مسلمًا وأردت أن تصبح بطلًا إلّا أن تشد الرحال إلى قفار الصحراء القاحلة أو غياهب الكهوف المظلمة علّك تجد مصباح علاء الدين الذي من خلاله -ومن خلاله فقط- يمكن لك أن تصبح بطلًا ومسلمًا في آنٍ واحد! وبعد أن يزرع فيك الغزاة هذا الاعتقاد الخطير، فإن مفهوم القدوة يسقط من عينيك من دون أن تحس أنت بذلك، وعندها وبكل سهولة. . . . نسقط أنا وأنت كالثمار العفنة!

وعمرو بن العاص هو أحد الذين شُوِّهت صورتهم بشكل كبير، بل إني أزعم أن هذا الرجل هو ثاني أكثر رجل شُوِّهت صورته من قبل غزاة التاريخ، لم يسبقه بكثرة التشويه إلّا عظيم آخر من عظماء أمة الإسلام سوف أذكره في قلب هذا الكتاب، وسأفرد له

صفحات هي الأكثر على الإطلاق بين قائمة المائة!
أمّا عن سبب اختيار عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه وأرضاه بالذات لتكال له كل تلك التهم والشبهات، فيكمن في كون عمرو بن العاص هو الفاتح الفعلي للقدس أهم مدينة عند غزاة التاريخ، قبل أن يضيف إليها أرض مصر، هذا البلد المهم الذي يُكوِّن مع أرض الشام المباركة الدعامتين الأساسيتين للإسلام عبر التاريخ كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة، هذه الأسباب تبين بشكل لا يدعو للشك هوية المشوهين لتاريخ هذا الرجل، إنهم الصليبيون، وإن كانت الأدوات في الغالب هي بعض المثقفين العرب مدفوعي الأجر، وطبعًا لا ننسى الأداة الرخيصة التي سنراها تتكرر في هذا الكتاب بشكل غريب وعجيب في كل الخيانات القذرة التي تعرضت لها أمة الإسلام من الأندلس إلى الهند. . . الشيعة الروافض!

ولعل رواية التحكيم الشهيرة التي تتكرر في مناهجنا المهترئة، هي من أهم أسباب طعني القديم في هذا البطل الإسلامي العظيم، وتزعم هذه الرواية أن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قد انتدبا أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص ليتباحثا في شأن الصلح، فاتفق الاثنان على خلع علي ومعاوية، فقال أبو موسى أمام الناس إني أخلع عليًا كما أخلع هذا الخاتم، وعندها قام عمرو بن العاص بخيانة أبي موسى وقال إني أثبت معاوية كما ألبس هذا الخاتم في إصبعي، ثم قام الأول بنعت الثاني بالكلب، فقام الثاني بنعت الأول بالحمار. . . انتهت الرواية!
أقول أنا: إن هذه الرواية وإن كانت قد وردت بالفعل في أهم كتاب للتاريخ الإسلامي "تاريخ الطبري" إلّا أن هذه الرواية لا تصح سندًا ولا متنًا، والسند هو التسلسل البشري للرواة من الراوي الأول وحتى الراوي الذي كتب الرواية، أما المتن فهو القصة نفسها، والحقيقة أن الطبري رحمه اللَّه أكد في بداية كتابه أنه لم يدون في كتابه الروايات الصحيحة فقط، بل قام بتدوين كل الروايات، الصحيحة منها والمكذوبة، تاركًا مهمة تصحيحها لفرسان التاريخ من بعده، غير أن الطبري جزاه اللَّه كل خير قام بتدوين سند كل رواية بكل دقة، ورواية التحكيم تلك بها راوٍ يُسمى بأبي مخنف لوط بن يحيى، وأبو مخنف هذا شيعي رافضي كذاب طعن به كل الرواة فقال عنه ابن عساكر: رافضي ليس بثقة، وقال عنه ابن حجر: إخباري تالف لا يوثق به، ووصفه ابن معين بقوله: ليس بشيء كذاب ساقط!

إذًا فالرواية لا تصح أبدًا من ناحية السند، أمّا متن الرواية فقد صيغ بطريقة غبية تبين حماقة واضعها، فمعاوية لم يكن خليفة أصلًا لكي يعزله عمرو! بل إن موضوع الخلافة لم يكن في الحسبان أساسًا في صراع علي ومعاوية -رضي اللَّه عنهما-، وإنما كان الخلاف بينهما على كيفية الثأر لابن عم معاوية عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وأرضاه من المنافقين الذين قتلوه غدرًا،
فكان علي يرى أن الوقت لم يكن مناسبًا لقتل أولئك الخونة في الحين واللحظة، بينما كان معاوية يرى أنه يجب القضاء على جيش الخونة في العراق، ثم إن هذه الرواية الحمقاء لا تحتاج لأكثر من إدراك طفل تخرج قريبًا من الحضانة ليعرف أن سبَّ الآخرين ونعتهم بالكلب والحمار لا يصدر إلّا من أطفال قليلي الأدب خرجوا من بيت تنعدم فيه الأخلاق، وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص صحابيان جليلان خرجا من بيت أعظم مربٍ في التاريخ، خرجا من بيت محمد بن عبد اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

أما الرواية الكاذبة الأخرى فهي رواية: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا). والتي يرددها كثير منّا مفتخرًا بعدل عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-! هذه الرواية رواية باطلة، وأكررها بملء فمي، هذه رواية باطلة سندًا ومتنًا، ليس لأن عمر بن الخطاب كان ظالمًا يستعبد الناس، بل لأن هذه الرواية تقصد الإساءة لعمرو بن العاص أكثر من مدح عمر بن الخطاب، فهذه الرواية تزعم أن ابنًا لعمرو ابن العاص ضرب أحد المصريين، فشكاه ذلك المصري للخليفة عمر بن الخطاب، فقام عمر بمعاقبة عمرو بن العاص وابنه معًا ثم قال لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ انتهت هذه الرواية الخبيثة.


أقول أنا: هذه القصة منقطعة السند وسندها واهٍ، ويظهر هذا الانقطاع في السند حيث ذكرها ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" هـ 290 بقوله: (حُدثَنا) بصيغة المبني للمجهول، وهذا ما ينسف هذه الرواية الكاذبة نسفًا، ثم إن متن هذه الرواية لا يقل غباءً عن الرواية السابقة، فمنذ متى كان عمر يأخذ الحق من والد المخطئ وهو يعلم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى؟! إذًا هذه رواية باطلة قصُد منها تشويه صورة عمرو بن العاص وأبنائه بالتحديد، وذلك لأن ابنًا من أبناء عمرو يدعى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص كان أول من كتب أحاديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ودوّن سنته، فإذا زرع غزاة التاريخ مثل هذه الروايات عن أبناء عمرو بن العاص، سقطت إذًا السنة وسقط الإسلام بعدها!


ولكن ما الذي جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص؟ وما سر هذا الإيمان العميق الذي امتلأ به قلب بطلنا العظيم من لحظة إسلامه الأولى؟ ومن هو ذلك الرجل الغامض الذي أسلم على يديه عمرو بن العاص؟ وكيف خرج هذا الرجل من أدغال أفريقيا لينسج خيوط علاقة روحانية أشبه بالخيال بينه وبين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الرغم من أنهما لم يتقابلا أبدًا وجهًا لوجه؟!
يتبع. . . . .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-07-2019, 02:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


(005) النجاشي



جهاد الترباني

(الجندي المجهول في أمة الإسلام) النجاشي (أصحمة بن أبجر)
«اخرجوا فَصَلّوا على أخٍ لكم مات بغير أرضكم»
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)


سيلاحظ القارئ الكريم أنني أستخدم فعل المضارع: "يتبع" في نهاية الحديث عن كل عظيم من عظماء أمة الإسلام المائة الوارد ذكرهم في هذا العمل، وقد يفسر البعض ذلك بمحاولة الكاتب إضفاء جوٍ من التشويق والإثارة في طيات هذا العمل الأدبي، وهذا ما لا أنفيه، إلّا أن السبب الرئيسي لوصل كل عظيم منهم بالعظيم الذي يليه بالفعل المضارع "يتبع" هو إثبات حقيقة تاريخية أصيلة في هذه الأمة، ألا وهي أن أمة الإسلام أمة لا تموت أبدًا ما بقيت الأرض، أمة متصِّلة، متحدة، مترابطة بشكل يدعو إلى العجب في كثير من الأحيان، لدرجة لا يمكن أن يفسرها المرء إلّا بشيء واحد فقط: أنها أمة مختارة من اللَّه الحكيم!


فتأمل معي هذه القصة العجيبة لتفهم قصدي جيدًا، ملك نصراني من ملوك أفريقيا يتبع الكنيسة الإسكندرية بالتحديد، هذا الملك يسلم ويؤمن بنبي عربي لم يره في حياته البتة، فيأتيه رجل عربي كافر من نفس مدينة ذلك النبي ليزوره، وغرضه من تلك الزيارة هو محاربة ذلك النبي وأصحابه، ليسلم ذلك الرجل ليس على يدي النبي الذي كان يراه ليل نهار في مدينته وإنما على يدي ذلك الملك الأفريقي الذي لم يرَ النبي أصلًا!!! ثم يتحول هذا الرجل العربي إلى بطلٍ من أبطال الإسلام، فيقوم بعد ذلك بإدخال الإسلام إلى مدينة الإسكندرية التي كان يتبع كنيستها ذلك الملك نفسه قبل أن يسلم!!! أمّا ذلك النبي فهو محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمّا ذلك الرجل العربي فهو عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه وأرضاه، وأمّا ذلك الملك الأفريقي المسلم فهو أصحمة بن أبجر نجاشي الحبشة جزاه اللَّه كل خير.


وإذا كنتَ قد استغربت من هذا الترتيب الإلهي العجيب فتأمل معي ترتيبًا آخر أعجب منه بكثير، والذي يستشعر المرء من خلاله يد اللَّه التي هيأت الظروف لنبيه المصطفى حتى قبل ولادته، فهناك بعيدًا عن مكة وصحراء العرب، في أدغال مملكة الحبشة (أثيوبيا وأريتريا وشمال الصومال حاليًا) وفي إحدى الليالي المظلمة، قتل بعض المتآمرين (أبجر) نجاشي الحبشة (النجاشي لقب يُطلق على كل ملك يحكم الحبشة!)، ثم جعل أولئك المتآمرون ملكًا آخر على الحبشة، وباعوا ابن الملك المقتول لأحد تجار الرقيق،
وفي ليلة من الليالي الممطرة خرج الملك الجديد خارج قصره، وبشكل عجيب غريب، نزلت صاعقة من السماء وهو بين جنوده فأصابته من دونهم، فوقع قتيلًا في التو واللحظة، فسادت الفوضى بلاد الحبشة، فعلموا أنها لعنة حلت عليهم من اللَّه، فبحثوا عن ابن الملك الأول ليعيدوه للحكم، فعرفوا أنه في متن سفينة مبحرة إلى بلاد العرب حيث سيباع هناك عبدًا، فأدركوا السفينة قبل رحيلها، ليجدوا ابن الملك قبل أن يبحر إلى بلاد العرب لكي يباع هناك عبدًا، فقاموا بتحريره ومن ثم اجلسوه على عرش أبيه الذي اغتصبوه من قبل، هذا الغلام كان يسمى (أصحمة بن أبجر) وهو نفس الملك الذي اشتهر لدى المسلمين باسم النجاشي!

وربما يكون هذا الظلم الذي وقع للنجاشي في طفولته هو سبب مقته للظلم، لذلك اشتهر النجاشي بعدله بين الناس، الأمر الذي دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لكي يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة بعد أن اشتد إيذاء المشركين لهم، عندها بعثت قريش (عمرو ابن العاص) الذي كان صديقًا قديمًا للنجاشي لكي يستردهم، ولكن المفاجأة حدثت عندما قذف اللَّه الإيمان في قلب النجاشي، ليخفي النجاشي إسلامه عن قومه، ليس خوفًا على الكرسي، إنما خوفًا من أن يفتك النصارى باللاجئين المسلمين الذين كانوا يمثلون تقريبًا نصف عدد المسلمين على وجه الكرة الأرضية، فقد بعثهم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- خصيصًا للحبشة وأبقاهم بها 15 سنة لكي يحملوا رسالة الإسلام للبشر في حالة إذا ما قتل المشركون رسولَ اللَّه وصحابته الكرام، فيكون هناك من يحمل راية الإسلام في الأرض إذا ما أصابهم مكروه.


هذا التخطيط الإستراتيجي طويل المدى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أدركه تمام الإدراك

النجاشي أصحمة، فكان من الضروري على النجاشي أن يكتم إسلامه حرصًا على استمرارية الدعوة، فلقد رأى النجاشي من بطارقة النصارى حَنَقَهم بهذا الدين الذي يدعو إلى وحدانية اللَّه وترك عبادة المسيح، فخشي أن يثوروا عليه ويعزلوه (كما فعلوا مع أبيه من قبل!)، فيضيع بذلك حليف قوي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان بإمكانه دعم الدولة الإسلامية الناشئة، بل في أسوأ الأحوال، يمكن له استضافة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا ما اقتضت الحاجة، في حالة انهيار دولة المدينة.

هذه الأسباب دعتني لإطلاق لقب (الجندي المجهول في أمة الإسلام) على النجاشي (أصحمة ابن أبجر)، الملك الأفريقي الذي لا يعرف أغلبنا أصلًا أنه مسلم، ليبقى النجاشي مرابطًا في الحبشة بعيدًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وبعد سنوات من النصرة السرية للمسلمين مات النجاشي رحمه اللَّه قبل أن يكحل عينيه برؤية الرجل الذي آمن به وصدقه من دون أن يراه، ليعلم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخبر موته وهو في المدينة قبل أن يجمع الصحابة ليصلي عليه صلاة الغائب، لتنتهي بذلك قصة أول ملكٍ من ملوك الأرض يؤمن برسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، قصة أول ناصر لهذا الدين من ملوك الأرض!


المفارقة العجيبة في قصة هذا العظيم الإسلامي، أن النجاشي رحمه اللَّه كان التابعي الوحيد الذي أسلم على يديه أحد الصحابة وهو عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-!
فلماذا لم يكن أصحمة بن أبجر رحمه اللَّه صحابيًّا؟ ومن هم الصحابة؟ ولماذا خرج علينا في السنوات الأخيرة رجالٌ لا همَّ لهم في الحياة إلّا الطعن بالصحابة في الغداة والعشي؟ وما هو سر الحملة الشرسة على أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ومن هو المستفيد الأول من تلطيخ سمعة الصحابة وتشويه صورتهم في أذهان عامة المسلمين؟ ولماذا كان الصحابة بالإجماع أفضل البشر بعد الأنبياء؟
يتبع. . . . .

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-08-2019, 04:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

(006) الصحابة


جهاد الترباني

"يا رسول اللَّه. . . واللَّه لا نقول لك مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون! (المقداد بن عمرو)

ليس غريبًا أن يظهر عظيم من العظماء في أمة من أمم الأرض، فقد ظهر (جنكيز خان) في أمة المغول، وظهر (الإسكندر الأكبر) في الإغريق، و (بسمارك) في الألمان، و (غاريبالدي) في إيطاليا، وظهر غيرهم الكثير من القادة والمفكرين الذين غيروا من حال شعوبهم، فتحولوا إلى عظماء في التاريخ، حتى ولو كانت عظمتهم في عيون شعوبهم فقط!


ولكن أن يظهر جيل كامل من العظماء في نفس الأمة، وفي وقت واحد، دفعةً واحدة، لا ليغيروا من حال أمتهم فحسب، بل ليغير اللَّه بهم حال الأرض بمن عليها إلى يوم القيامة، إننا لا نتحدث عن عظيم واحد فقط، إننا نتحدث عن جيل فريد من نوعه، جيل لم ولن تعرف الإنسانية بعظمته ما بقي الدهر، إننا نتحدث عن أصحاب محمد بن عبد اللَّه، إننا نتحدث عن جيل الصحابة!


والصحابي: هو كل من لقي الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مسلمًا ومات على ذلك. هؤلاء العظماء وصفهم اللَّه العظيم بوصف قمة في الروعة، في آية قرآنية عجيبة هي غاية في العجب، وسبب العجب في تلك الآية أنها الآية الوحيدة في كتاب اللَّه الكريم التي تجمع في كلماتها حروف اللغة العربية مجتمعة!! فما من حرف من حروف لغة الضاد إلى وقد ورد في تلك الآية، أما عن سر تنوع الحروف في هذه الآية فسنحاول التعرف عليه بعد ذكر هذه الآية الجميلة التي وردت في سورة الفتح:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح: 29].


ولكي يتسنى لك الاستمتاع بمعنى هذه الآية الجميلة في وصف الصحابة الكرام ينبغي عليك أن تتخيل هذا التصوير الرباني الجميل، تخيل أن هناك نبتة صغيرة أخرجت من حولها نباتات مساندة أحاطت بالنبتة الأصلية من كل جانب، فشدت من صلابتها وساندتها وآزرتها، وبمعونة هذه النباتات المساندة أصبحت تلك النبتة الصغيرة قوية متينة فاستوت وارتفعت عاليًا في السماء، لتتحد تلك النبتة الأصلية بتلك النباتات الفرعية، ليتكون بذلك بنيان جديد قوي ثابت، قلبه تلك النبتة الأصلية، وجدرانه تلك النباتات الفرعية التي انبثقت منها، فارتفع ذلك البنيان عاليًا بكل ثقة، لدرجة أن المزارعين إذا مرّوا به أعجبوا به أيما إعجاب،

أمّا إذا مرَّ به كافر فإنه ينظر إليه بغيظ من شدة صلابته وقوته وثباته، وواللَّه ليس هناك وصف في أي لغة من لغات الأرض يصف الصحابة رضوان اللَّه عليهم أكثر من هذا الوصف الإلهي الرائع، فمحمد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو تلك النبتة الأصلية التي انبثق منها الصحابة الكرام، فأحاطو به من كل جانب ليآزروه ويساندوه، فاستغلظ بهم واستوى على سوقه وهم محيطون به، فتكون هذا البنيان الثابت الذي قلبه هو محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وجدرانه الصلبة هم صحابته الكرام، أمّا الزراع الذين يريدون الزراعة الحقيقية فعلًا (وهم المؤمنون الحقيقيون)، فإنهم يتأملون في ذلك الزرع الثابت ليتعلموا منه أساس الزراعة الصحيحة (وهذا دليلٌ على وجوب اتباع نهج الصحابة!)،
أما الكفار فإنهم يغتاظون من روعته وقوته، فإذا ما علمت أن فلانًا كان صحابيًا من صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وكان في قلبك مثقال ذرة من غيظ على أحد منهم، فاعلم جيدًا أنك في خطر كبير، لأنك ممن ينطبق عليهم قول رب العالمين: {ليغيظ بهم الكفار}!

والآن أصبح واضحًا للعيان لماذا تشن الحملات الإعلامية على صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فالصحابة هم الجدار المتين الذي يحيط بالقلب الأصلي -رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فإذا تمكن هؤلاء الغزاة من تدمير الجدار المنيع لهذا البنيان القوي، سيصبح المجال مفتوحًا لمهاجمة القلب، وللتوضيح أكثر ينبغي القول أنه لو تركنا المستشرقين ومن معهم من

المنافقين يهاجمون ويشككون بالصحابة، فإن الهجوم لن يلبث أن يصل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فالهدف الأول لهؤلاء الغزاة هو قلب ذلك البنيان، ألا وهو محمد رسول اللَّه!

فالطعن بأي صحابي مهما كان اسمه، يعرض الإسلام للخطر، فهؤلاء النفر هم الذين نقلوا القرآن والسنة، أي أن الصحابة هم الذين نقلوا الدين الإسلامي لنا! فإذا شككنا بالناقل، شككنا إذًا بالمنقول! وإذا ما قبلنا بالطعن بهؤلاء العظام فإن ما نقلوه إلينا من قرآن وسنة ليس صحيحًا، إذًا فهذا الإسلام الذي بين أيدينا ليس هو الإسلام الصحيح، فلو قبلنا بالطعن الذي يُوجه للصحابة، ضاع الإسلام، وضعنا نحن معه في نهاية المطاف!


وواللَّه لو أن أحدًا سبَّ صاحبًا لك لقفزت من مكانك وصفعته على وجهه، فويحكم ما بالكم بأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟! ألا يستحقون دفاعًا منّا يعادل دفاعهم عن صاحبهم الذي دافعوا عنه بأرواحهم؟ إن الدفاع عن الصحابة هو الدفاع عن الإسلام نفسه، فهؤلاء العمالقة لم يكونوا عظامًا من فراغ، بل كانوا نتاجًا لثلاثة عوامل أساسية كوَّنت شخصية الفرد منهم قبل أن يتحول كل واحدٍ منهم إلى عظيم من عظماء جيل الصحابة:


أولًا: الاختيار الرباني: اختار اللَّه رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- من بين كل البشر ليحمل آخر رسالة منه إلى الخلق أجمعين، ولمّا كان هذا الرسول بشرًا له عمر محدد، فقد كان حقًا على اللَّه أن يختار له من يعينوه على إتمام رسالته في حياته، ثم حمل تلك الرسالة بعد مماته إلى باقي شعوب الأرض من دون تبديل أو تحريف، وإلّا فلن تكون للَّه عز وجل على الناس حجة في وصول الرسالة الصحيحة إليهم! ولا يحتاج المتأمل لقصص الصحابة إلى كثير من الذكاء لكي يدرك تمام الإدراك أن اللَّه اختار بذاته العلية الصحابة اسمًا اسمًا لكي يقوموا بدورهم الذي خُلقوا من أجله،

فالأوس والخزرج لم يكونوا أصلًا من سكان المدينة، بل هم من قبيلة الأزد التي هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب، فمن الذي دفعهم لاختيار يثرب التي سوف يهاجر إليها رسول اللَّه بعد ذلك بسنوات؟! ومن الذي جعل سد مأرب ينهار من الأساس؟ وسلمان الفارسي -رضي اللَّه عنه- انتقل في مغامرة عجيبة من بلاد فارس إلى الشام فالعراق فتركيا بحثًا عن الحقيقة الأزلية دون أي جدوى، وبعد أن عجز سلمان من الوصول إلى الحقيقة بنفسه، قامت مجموعة من قطاع طرق باختطافه ونقله
من دون أي اختيار له إلى يثرب تحديدًا!!!
ثانيًا: التربية المحمدية: لعل من أبرز ما تميز به الصحابة عن بقية الخلق في كل العصور أنهم تعلموا مباشرةً من المعلم الأول للإنسانية محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأصبحوا بذلك أعظم تلاميذ في التاريخ لأعظم أستاذ في الدنيا، فوَرد الصحابةُ النبعَ صافيًا من دون أي شائبة، ووردناه نحن مختلطًا بالشوائب، لذلك كان فهمم للكتاب والسنة أصح من فهمنا بالضرورة، ذلك أنهم عاشوا بالفعل مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأصبح فهمم للكتاب والسنة هو الفهم الصحيح للدين، وأصبح لزامًا علينا أن نفهم الكتاب والسنة بفهمهم هم لا بفهمنا نحن، فإذا فسر الصحابة آية من الآيات على شكل من الأشكال، وفسرها أحد من المسلمين بعدهم على نحو آخر، فإن تفسير جمهور الصحابة هو التفسير الصحيح بدون أدنى شك، فالصحابة هم الذين عايشوا الآيات لحظة نزولها وعرفوا أسباب تنزيلها وحيثيات مضمونها، فتطبيق الصحابة للقرآن والسنة هو التطبيق الصحيح للإسلام.


ثالثًا: الجهاد النفسي: بتنا نسمع في الآونة الأخيرة من بعض شباب جيل الصحوة مقولة متكررة: افتحوا لنا باب الجهاد! ولا شك أن أولئك الشباب قد قرأوا قصص البطولات العظيمة التي كان يقوم بها أبطال الصحابة، فأرادوا أن يقتدوا بهم بدعوتهم لفتح باب الجهاد، ولكن الحقيقة التي غابت عن ذهن شبابنا أن الأمر ليس بهذه البساطة على الإطلاق، فالأجدر على كل واحدٍ منا أن يسأل نفسه قبل التفكير بالقتال إن كان يصلي صلاة الفجر في وقتها ناهيك إن كان يصليها في المسجد، إن كان يقوم الليل للَّه سبحانه وتعالى، إن كان يستطيع أن يترك مشاهدة المباراة لفريقه الوطني عندما يؤذن المؤذن للصلاة، إن كان يمارس الرياضة أو كان يستطيع الجري أصلًا، إن كان يستطيع مجرد الإقلاع عن التدخين قبل أن يجاهد؟!!

الطريف أن الكثير من الشباب -وعلى الرغم من صدق نواياهم في طلب الجهاد- يظنون أن الأمر لا يتطلب أكثر من حمل السلاح لكي يصبح الواحد منهم بطلًا كأبطال الصحابة في بدر وأحد، والواقع أن درب الجهاد طويل طويل لعل آخره هو حمل السلاح (وليس أوله كما يظن البعض!)، فالصحابة الكرام لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من بطولة وخلود إلّا بعد جهاد قاسٍ هو أعظم من الجهاد الذي يطلبه شبابنا هذه الأيام، إنه الجهاد النفسي، فالحديد الصلب لا يصبح صلبًا إلا بعد خروجه من بوتقة النار الملتهبة.

فقد كان جلد (مصعب بن عمير) يتخشف في مكة بعد إسلامه قبل أن يستطيع حمل راية الإسلام في أحد، فالصحابة لم يحتاجوا لأكثر من سنة واحدة في المدينة لينتصروا في بدر، بينما احتاجوا لـ 13 سنة في مكة لكي يصنعوا من أنفسهم رجالًا أقوياء لا يهابون الموت، ولعلك تستغرب أن قيام الليل كان فرضًا من الفروض في بداية الدعوة الإسلامية، بل إن حمل السلاح للقتال كان ممنوعًا طوال الفترة المكية، ذلك لكي يتسنى لهم مواصلة التدريب النفسي الطويل الأمد. . . جهاد النفس!
وإن كان الصحابة هم أعظم البشر بعد الأنبياء، فإن كتيبة بعينها من الصحابة كانت وبحق أعظم كتيبة في تاريخ الإنسانية منذ أبي البشر آدم وإلى يوم القيامة. فمن تكون تلك الكتيبة الرَّبانية التي غيَّرت من وجه التاريخ البشري إلى أبد الآبدين؟
يتبع. . . . .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-08-2019, 04:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


(007) البدريون



جهاد الترباني

«لعل اللَّه اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم)

في عام 480 قبل الميلاد قام 300 محارب من مملكة "إسبرطة" اليونانية بصد جيش جرار يتكون من أكثر من 50 ألف مقاتل فارسي خرجوا لاحتلال بلاد اليونان. ورغم أن المعركة انتهت بمقتل جميع المحاربين الثلاثمائة في وادي "ثرومبلاي" على سواحل اليونان، إلا أن الإغريق لا يزالون يحفظون لهؤلاء الأبطال بسالتهم وتضحيتهم،
وبات (ليونايدوس) قائد هذه الكتيبة الفدائية بطلًا قوميًا في اليونان إلى يوم الناس هذا. وعلى الرغم من تضخيم اليونان لهذه القصة ومزجها بالأساطير الإغريقية القديمة إلّا أنني أرى أن لهم كل الحق بتعظيم أبطالهم الذين صدّوا غزو جيش جرار من الغزاة الفرس (حتى ولو كان عدد الجيش الفارسي مبالغًا فيه من الناحية التاريخية!).

ولكن الشيء الثابت تاريخيًا، أن هناك 314 رجلًا ظهروا بعد تلك الحادثة بألف سنةٍ، لينتصروا في معركة فاصلة في تاريخ البشرية غيرت خارطة العالم إلى الأبد، ليدمروا بانتصارهم هذا الإمبراطورية الفارسية إلى الأبد، ثم تندحر بعدها الإمبراطورية الرومانية العظمى بفضل ذلك الانتصار بالتحديد. 314 رجلًا فقط غيَّروا مسار التاريخ في ملحمة إنسانية خالدة فرَّقت بين الحق والباطل إلى يوم القيامة،

سمّاها اللَّه في كتابه الكريم بيوم الفرقان، فكانت هذه المعركة وبحق أعظم معركة عرفتها الإنسانية على مر العصور والأزمنة، وكان هؤلاء الفرسان أعظم فرسان عرفتهم البشرية. . . . إنها معركة بدر الكبرى، التي سُمي أبطالها باسم البدريين.
وربما يقول قائل أن هؤلاء الرجال الـ 314 مجاهد إنما قاموا بالانتصار فقط في معركة محدودة في بقعة مجهولة في صحراء العرب لا تكاد ترى على الخارطة، وأن الإمبراطورية الفارسية الساسانية سقطت بعد ذلك بـ 20 عامًا وبالتحديد بعد معركة "نهاوند" في عهد عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-،

وأن الإمبراطورية البيزنطية سقطت بعدها بأكثر من ثمانية قرون في عهد محمد الفاتح رحمه اللَّه، ولكن تصور معي أن كسرى الفرس وقيصر الروم كانا يعلمان بأمر أولئك الفرسان الـ 314، وما سيمثلونه بعد ذلك من تهديد لإمبراطورياتهم الضاربة الجذور في عمق التاريخ، فهل كانت جيوش الفرس والروم ستتركهم وشأنهم؟ هل كانت دعوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ستصل إليَّ وإليك لو أن هؤلاء الرجال تقاعسوا قيد أنملة عن التضحية والفداء؟
بل هل كانت الإنسانية تستحق الوجود أصلًا إذا ما هُزم هؤلاء الرجال؟ إذا كنت تعتقد أن معركة بدر كانت مجرد معركة وقعت بين 314 رجلًا من المسلمين و 1000 رجلٍ من الكفار، فاستمع إلى قول الصادق الأمين محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى في أَمر تلك الكتيبة البدرية، فقد رفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه عاليًا في السماء وأخذ يناجي ربَّه قائلًا:
«اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض»
هل عرفت قيمة هؤلاء الـ 314 الآن؟ هل كنت ستعرف شيئًا عن الإسلام من دونهم؟ قال تحفظ أسماء هؤلاء العظماء الذين غيروا مجرى الإنسانية؟ هل تعرف أسماء 100 منهم، 50 منهم، 20 منهم؟ هل تعرف أسماء الـ 14 شهيدًا من هؤلاء الفرسان الذين استشهدوا ليصل هذا الدين إليك وأنت جالسٌ في بيتك؟ هل قرأت أو سمعت في حياتك الطويلة عن رجل اسمه (معوذ بن عفراء)؟ كم اسمًا من أسماء المغنيين تعرف؟! كم اسمًا من أسماء اللاعبين تحفظ؟!!


كانت هذه مجرد سطورٍ قليلة عن أعظم جيش عرفته الإنسانية منذ نشأتها، جيش البدريين، فإذا كان الغرب فرَّق التاريخ بكل بساطة باستخدام لفظتي "ad"، و" ac"، فإن ربَّ الغرب والشرق فرَّق التاريخ بمعركة بدر الكبرى، فرَّقها بـ "يوم الفرقان"!
أولئك البدريون، علم اللَّه بصدق ما في قلوبهم، فأمدهم بجيش من الملائكة مسوَّمين يقاتلون معهم في المعركة، فأمدهم بخمسين، ألف ملكٍ هم أعظم ملائكةٍ في التاريخ، لا لشيءٍ سوى أنهم شاركوا البدريين في هذه المعركة الخالدة.
ولكن هناك شيءٌ غريبٌ في هذه القصة!
فجميع الملائكة بدون استثناء، والذين نزلوا عند آبار بدر، تمثلوا على صورة بطلٍ واحد من الأبطال الـ 314! فمن هو هذا الإنسان الذي نزل جبريل عليه السلام بصورته ليقاتل على الأرض؟

أو قل من هو ذلك الفدائي الأسطوري الذي نزل جيش كامل من الملائكة الكرام على صورته وشكله؟ وما هو سر اختيار اللَّه له بالذات من بين كل البشر ليكون صاحب هذا الشرف؟ فما هي حكايته في "بدر"؟ وما هي حكايته في "أحد"؟ وما هي حكايته في "اليرموك"؟ وما هي حكايته في "مصر"؟ وقبل هذا وذاك. . . . ما هي حكايته العجيبة في شوارع "مكَّة" وهو طفلٌ صغير؟

فهيّا بنا لنسبر أغوار ابن عمة محمد، وابن أخ خديجة، وابن أخت حمزة، وابن عمة علي، وزوج بنت أبي بكر، هيّا بنا لنبحر في بحار العشرة المبشرين بالجنة، هيّا بنا لنكشف الستار عن قصة الحواري!
يتبع. . . . . .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-08-2019, 01:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ



(009) طلحة بن عبيد اللَّه


جهاد الترباني

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
«هذا ممن قضى نحبه»
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)

هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا للإسلام، وأحد الستة أهل الشورى الذين توفى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ، إنه طلحة الخير كما سماه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحد، وطلحة الفياض كما سماه في موضع آخر، وطلحة الجود كما سماه في موضع ثالث، إنه طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه عنه وأرضاه.

طلحة هذا الذي لا يعرفه الكثير منّا والذي لم نقرأ عنه في مناهجنا شيئًا حال دون وقوع أكبر جريمة كانت ستعرفها الإنسانية في التاريخ، ولمعرفة السبب الذي جعل من طلحة شهيدًا يمشي على الأرض، ينبغي عليك أن تتحول بقلبك إلى الجزيرة العربية، لتدع روحك ترافق أبا بكرٍ الصديق -رضي اللَّه عنه- وهو يلهث راكضًا كما لم يركض أحد من قبل متجهًا إلى جبل أحد محاولًا مسابقة الزمن قبل فوات الأوان، قبل أن يفقد صديق عمره وقد أحاط الكفار به من كل جانب، هناك كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أحرج ساعة في حياته، فلقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- محاصرًا من الكفار وقد عزموا على قتله، ليس حوله إلّا تسعة أبطال مسلمين سقط منهم سبعة دفاعًا عنه، ليبقى بجانبه مدافعان اثنان، أحدهما سنكتشفه في نهاية هذا الكتاب، والآخر سيكتشفه أبو بكر لنا الآن!


فقد أخذ أبو بكر يسارع الخطى وأنفاسه تكاد تنقطع، ليلمح من بعيد وهو يمد ناظريه قبالة صديقه رجلًا يتحرك كالشبح ويقاتل كالنمر ذودًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمام رهط من فرسان قريش، فتُرمى على رسول اللَّه السهام فيتلقاها، وترمى عليه الرماح فيتصدى لها، فيتمنى أبو بكر أن يكون هذا الأسد هو نفسه ذلك الذي في باله، فإذا كان هو الذي في باله فإن صاحبه لا بد أن يكون في أمان بحراسة ذلك الصنديد المغوار،

عندها قال أبو بكر في نفسه: "كن طلحة فداك أبي وأمي!. . . كن طلحة فداك أبي وأمي! " وصدق ظن الصديق، لقد كان هذا الفدائي هو الشخص الذي يتمناه، إنه طلحة ابن عبيد اللَّه! هناك كان طلحة يقاتل ببسالة ما عرفت كواسر الأرض مثلها يدافع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بجسده وروحه ووجدانه، فقد كانت السهام تتطاير نحو الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ليقفز طلحة كالنمر نحو الرسول محيطًا به ليتلقى السهام بنفسه، قبل أن يرجع مرة أخرى لمقاتلة الكفار بسيفه والدماء تتصبب من كل مكان في جسده.

وفجأة. . . ينطلق سهم خارق من أعظم رام سهامٍ عرفته العرب نحو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مباشرةً، فتلمح عين طلحة السهم وهو يقاتل المشركين، فيسرع كالبرق الخاطف ليسبق هذا السهم قبل أن يصل إلى أعظم إنسان خلقه اللَّه في الكون، وبينما السهم يخترق الفضاء متوجهًا بنجاح نحو صدر الرسول وإذ بيد طلحة تمتد لتحضن السهم احتضانًا في شرايينها، عندها نظر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يد طلحة والدماء تسيل من عروقها ليقول له: «لو قلت بسم اللَّه لرفعتك الملائكة والناس ينظرون»

وبينما رسول اللَّه ينظر إلى تلميذه بشفقه وحنان، وصل أبو بكر ومعه أبو عبيدة يريدان حمايته، ليقول لهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحنان الوالد وهو ينظر إلى ولده الحبيب: "دونكم أخاكم فقد أوجب" عندها لم يصدق الصدِّيق عينيه! فلقد وجد أبو بكر جسد طلحة ملطخًا بالدماء حتى أخمص قديمه وبه بضع وستون جرحًا ما بين ضربة وطعنة ورمية دفاعًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

هل كنت تعلم شيئًا عن عظمة طلحة والزبير؟ أعلمت الآن لماذا قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طلحة والزبير جاراي في الجنة؟ " إذا لم تكن تعلم شيئًا عنهما من قبل فعليك أن تعلم أن أعداء الأمة يعرفون تاريخنا أكثر منا، بل يعلمون جيدًا من هم أبطالنا ورموزنا الذين غفلنا نحن عنهم، ففي صيف عام 2009 قام رئيس دولة إيران الفارسية (أحمدي نجادي) بسب طلحة والزبير على الهواء مباشرة أثناء حملته الانتخابية!
فلماذا يكره نجادي رئيس دولة إيران جاري رسول اللَّه في الجنة؟ ومن هم الصفويون الجدد؟ وما هي مخططاتهم؟ ومن هو ذلك الصقر التركي الذي انطلق من جبال الأناضول ليدكَّ حصون الصفويين المجوس دكًّا على رؤوسهم؟ وما هي حكايته البطولية؟
يتبع. . . . . .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-08-2019, 01:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

(010) سليم الأول



جهاد الترباني


" مدمر دولة الصفويين" (سليم الأول)
" وبعد. . . . .


فإن علماءنا ورجال القانون قد حكموا عليك بالقصاص يا إسماعيل الصفوي بصفتك مرتدًا عن الإسلام وأوجبوا على كل مسلم أن يدافع عن دينه وأن يحطم الهراطقة في شخصك أنت وأتباعك البلهاء! "


سليم الأول
نحن على موعدٍ جديدٍ مع فارس من نفس طينة الصحابة، وللأسف فإن أغلبنا لم يسمع عنه البتة، والحق أنّي أجد بعضًا من العذر لهؤلاء (وقد كنت منهم)، نظرًا لإغفال المناهج الدراسية ذكر عظماء أمتنا بسبب جهل من وضعوها بهم، أو لأسباب أخرى، وإن كنت شخصيًا أرجح تلك الأسباب الأخرى!


أمّا إذا أردت أن تعلم مدى عظمة هذا الرجل وما قدمه للمسلمين، فاطرح سؤالًا بسيطًا على نفسك لا أشك أبدًا بأن إجابتك ستكون عليه بالإيجاب. . . هل تحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟!
إذًا فاعلم أن رسولك هذا الذي تحب كان على وشك أن يُنبش قبره بعد أن تُحتل مدينته، وكان ذلك سيتم فعلًا لولا أن سخر اللَّه للإسلام هذا الصقر الكاسر: السلطان العثماني سليم الأول رحمه اللَّه، بطل معركة "جالديران" الخالدة. وقبل أن نغوص في بحار بطولات سلطاننا العظيم يجب علينا أولًا أن نؤصل للمسألة، فالحكم على الشيء فرعٌ من تصوره، فعلينا أولًا إدراك مدى الخطر الكبير الذي تصدى له هذا السلطان، ألا وهو خطر دولة الصفويين الخبيثة!


فمن هم الشيعة الصفويون؟ ولماذا يحملون هذا الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين حتى وصل بهم حدَّ السماح بنبش قبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ وما سر سبِّ زعماء إيران الحاليين لصحابة رسول اللَّه وزوجاته؟ ولماذا تحتفل إيران إلى يومنا هذا بمقتل الفاروق عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-؟ ولماذا رمَّمت إيران عام 2003 م في مدينة "كاشان" الفارسية ضريح أبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر؟


أعترف أن هذا الموضوع شائك بعض الشيء، وقد يثير نوعًا من الضيق لدي بعض المسلمين المتعاطفين مع إيران وزعمائها الذين لا يتركون وسيلة إعلام إلا وأكدّوا فيها نصرتهم لقضايا المسلمين العادلة ومعاداتهم لإسرائيل بل ونيتهم لإزالتها من الوجود، إلّا أنني أقصد وجه اللَّه وحده بهذه السطور كائنًا في ذلك ما هو كائن، ولقد كنت شخصيًّا وحتى سنوات قليلة مضت أدافع عن الجمهورية (الإسلامية) الإيرانية لدرجة جعلتني أتهم فيها كل من يشكك في نوايا هذا النظام (الذي يدافع عن قضية وطني فلسطين) بالخيانة والعمالة، إلّا أنني كنت أتساءل كثيرًا في قرارة نفسي. . . لماذا نسمع كل يوم تهديدًا لإيران ولا نرى حربًا عليها؟ وزاد من حيرتي تلك ما سمعته على لسان وزير خارجيتها (منوشهر متكي) بقيام إيران بمساعدة الغزاة على احتلال أفغانستان والعراق، ومما يثير الدهشة فعلًا هو سماعي لتصريحات (نجادي) اليومية لنصرة الأقصى وفي نفس الوقت نراه يكرِّم العالم الشيعي (جعفر مرتضى العاملي) لتأليفه كتاب "المسجد الأقصى أين؟" والذي ينص فيه أن مكان المسجد الأقصى الذي أسرى إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس في القدس، وأنه ليس للقدس أي أهمية دينية، فلا داعي إذًا للدفاع عنها، فالأقصى ليس موجودًا هناك!! أمّا الخبر الذي جعلني أتيقن أن في الأمر شيئًا غامضًا هو ذلك التقرير الذي قرأته باللغة الإنجليزية في صحيفة الديلي التيليغراف البريطانية (The Daily Telegragh) الصادرة بتاريخ 3 - 10 - 2009 م، ذلك التقرير يبين من خلال صورة التقطها أحد المصورين عن قرب لجواز الرئيس الإيراني وهو يحمله خلال إحدى الحملات الانتخابية أن اسم عائلة رئيس إيران ليس (أحمدي نجادي) كما هو معروف، بل هو (سابورجيان) كما هو واضح في صورة الجواز، وسابورجيان يا سادة هو اسم لعائلة يهودية من يهود الفرس!!! كل هذا دفعني لكي أفتش في صفحات خلت من التاريخ علّي أجد تفسيرًا لما يدور من حولنا من ألغاز!


البداية كانت في مدينة "تبريز" سنة 907 هـ يوم أن تحول رجل فارسي صوفي اسمه (إسماعيل بن حيدر الصفوي) إلى المذهب الشيعي الرافضي الاثني عشري (وهنا يجدر التنبيه بأن المتصوفة المبتدعين هم أقرب الناس إلى الانجرار إلى ما هو أخطر من ذلك!)، المهم أن الصفوي قام بمزج المعتقدات المجوسية الفارسية بالمعتقدات الشيعية المنحرفة، ثم قام بعدها بتغيير مذهب أغلب الفرس والعرب الذين احتل مناطقهم من مذهب أهل السنة والجماعة الذي كانوا عليه إلى مذهب الشيعة الروافض، وقد تسنى له ذلك بعد أن قتل أكثر من مليون مسلم في بغداد وغيرها من المناطق التي احتلها (وهذا ما يفسر تشيع كثير من أهل العراق وفارس وأذربيجان ومنطقة الإحساء في الجزيرة العربية إلى يوم الناس هذا!). في نفس الوقت أراد البرتغاليون الصليبيون بقيادة (ألفونسو البوكرك) احتلال المدينة المنورة ونبش قبر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ومقايضته بالقدس، وكعادة الشيعة الروافض عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، تطوع الصفويّون مجانًا لمساعدة الصلييبيين في تنفيذ تلك الخطة الحقيرة، فتحالفوا مع البوكرك الصليبي لضرب دولة المماليك وجرها إلى الشرق لكي يكون المجال مفتوحًا للبرتغاليين الصليبيين في البحر الأحمر لنبش قبر محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- في المدينة.


وعندها ومن بين قمم هضبة الأناضول في آسيا الصغرى، برز صقر عثماني كاسر اسمه (سليم الأول)، فبعد أن أدرك هذا السلطان العثماني خطورة الموقف، قرر أن يدافع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ميِّتًا كما دافع الصحابة عنه حيًّا، فأسرع هذا الصقر التركي بالهجوم المضاد. فهل تحرك السلطان بجيشه لمحاربة الصليبيين وترك الشيعة الخونة من باب أنه يجب التركيز أولًا على أعداء الأمة الخارجيين وأننا جميعًا مسلمون؟ الحقيقة أن السلطان سليم الأول كان قد تربى تربية قرآنية خالصة، فلم يأخذ وقتا طويلًا لتحديد من هو العدو الحقيقي الذي يجب البوجه نحوه، فالسلطان يذكر ما ورد في الآية الرابعة من سورة المنافقين:{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}، فأدرك لماذا عرّف اللَّه كلمة العدو بـ "الـ" التعريف في وصفه للمنافقين، فالله لم يقل "هم عدو فاحذرهم" لأن المنافقين هم الخطر الحقيقي الأول للمسلمين في كل زمان وإلى يوم القيامة!


وفعلًا. . . . توجه السلطان شرقًا نحو شيعة الفرس الصفويين الذين يدَّعون الإسلام كذبًا وتقية لضربه من الداخل، وفي يوم 2 رجب 920 هـ انتصر السلطان سليم الأول في معركة "جالديران" الخالدة على الشيعة الصفويين، وقام رحمه اللَّه بدك "تبريز" عاصمتهم الحصينة، فمزق جيوشهم شرّ ممزق، وفرَّ الشيعي الصفوي القذر الذي خطط لنبش قبر أعظم الخلق تاركًا زوجته وعرضه وراءه من شدة انحطاطه الأخلاقي ووضاعة أصله المجوسي، فسباها السلطان وزوَّجها لجندي من عامة جنوده، وخلص المسلمين من شر الصفويين القدامى قبل أن يظهر الصفويون الجدد على يد الخميني الذي كتب كيف يجوز للشيعي قتل المسلمين السنة ونهب أموالهم كما ورد في كتابه تحرير الوسيلة (1/ 352) "بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد، وبأي نحو كان"!


إذًا فقد اتضح الأمر، وحُلَّ لغز الشيعة الصفويين، واتضحت تصرفات إيران المتناقضة، وهذا كله بفضل دراسة التاريخ، ولذلك ندرسه، فليس الغرض من دراسة التاريخ هو مجرد سرد القصص والاستمتاع بها، بل الهدف الأساسي من دراسة التاريخ هو فهم الواقع، فأحداث التاريخ تفسر لنا طلاسم الحاضر!


الجدير بالذكر أن الإسبان الصليبيين قاموا في أيام حكم السلطان البطل سليم الأول بقتل وتعذيب المسلمين الأندلسيين الذين بقوا في بلادهم، فغضب السلطان العثماني الغيور على دماء المسلمين أشدّ الغضب، وقرر أن يخيِّر جميع النصارى واليهود الذين استضافتهم أرض الخلافة العثمانية بين الإسلام والطرد، ولكن (زمبيلي علي مالي أفندي) وهو شيخ الإسلام ومفتي الدولة العثمانية رفض ذلك الأمر وأبلغ السلطان بأنه أمر لا يجوز حتى ولو كان المسلمون يذبَّحون في بلاد الصليبيين، فلا إكراه في الدين الإسلامي أبدًا، فوافق السلطان على رأي العالم الجليل، وترك النصارى واليهود يعيشون بأمان في أرض المسلمين بينما المسلمون يُذبّحون في أرض الصليبيين،

فاللَّه اللَّه ما أعظم الإسلام! واللَّه اللَّه ما أعظمها من حضارة تلك التي بناها المسلمون! فواللَّه لو لم يكن في تاريخ المسلمين غير هذا الموقف لسليم الأول رحمه اللَّه لكفانا أن نرفع رؤوسنا في علياء السماء لنجيب بكل قوة على من يحاول اتهام الإسلام بالإرهاب، فهذا هو تاريخنا، فأرونا ماذا يكون تاريخكم!

هل عرفت الآن قيمة الخلافة العثمانية التي دُرِّسناها في المدارس باسم الاحتلال التركي؟! إن كنت لم تدرك بعد فضل العثمانين على المسلمين، فانظر ماذا فعل بطلنا سليم الأول لإنقاذ المسلمين الأندلسيين الذين كانوا يعذبون ويقتلون من قبل الصليبيين الإسبان في الأندلس.

لقد قام الخليفة سليم الأول باستدعاء رجل ألباني إلى قصره، ليكلفه بمهة سرية أقل ما يقال عنها أنها مهمة مستحيلة!!!

فما هي حكاية تلك المهة المستحيلة؟ ومن هو ذلك الرجل الألباني الغامض الذي تخرج من مدرسة الإسلام بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف العثمانية ليصبح أسطورةً حية لا تزال استوديهات هوليود الأمريكية إلى يومنا هذا تنتج أفلامًا عنه فاقت أرباحها مئات الملايين من الدولارات؟!
يتبع. . . .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21-08-2019, 01:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


(011) عمالقة البحرية الإسلامية "بربروسا"


جهاد الترباني

" عمالقة البحرية الإسلامية" (الأخوان بربروسا)
" قد كان بجوارنا الوزير المكرم المجاهد في سبيل اللَّه خير الدين وناصر الدين وسيف الإسلام على الكافرين، علم بأحوالنا وما نجده من عظيم أهوالنا. . . . فاستغثنا به فأغاثنا، وكان سبب خلاص كثير من المسلمين من أيدي الكفرة المتمردين، نقلهم إلى أرض السلام وتحت إيالة طاعة مولانا السلطان"


(رسالة بعث بها أهالي "غرناطة" إلى السلطان سليمان القانوني 1541 م)
كلما تقدمت "أكثر فأكثر في هذا الكتاب، وقلبت في صفحات التاريخ المنسية، زادت قناعة كانت قد تجسدت لدي بأن تاريخنا الذي نجهله نحن يعرفه تمام المعرفة أعداء هذه الأمة! هؤلاء القوم درسوا تاريخنا جيدًا بينما وقعنا نحن في الفخ الذي نصبوه هم لنا، فنسينا تاريخنا وأبطالنا، حتى سقطنا في براثن الجهل والتخلف. وإن كنت تظن أن هذا الاستنتاج ما هو إلا خيال كاتب مهووسٍ بنظرية المؤامرة، فاسأل أي شخص شاهد فلمًا من أفلام قراصنة البحار التي تنتجها "هوليود" عن اسم أشهر قرصان يظهر في الأفلام والقصص وحتى مسلسلات الأطفال، حينها لن يستغرق ذلك الشخص زمنًا طويلاً بالتفكير حتى يجيبك بأنه القرصان ذو اللحية الحمراء والعين الواحدة واليد المقطوعة والقدم الخشبية (بربروسا)!

والحقيقة التي لا يراد لنا أن نعرفها أن بربروسا هذا الذي يصورونه لنا بهذه الصورة المخيفة ما هو إلّا بطل إسلامي قل نظيره في تاريخ الإنسانية جمعاء، رجل كله عزة وكرامة، ومنعة وسؤدد، مجاهد في سبيل اللَّه، لم يكن قرصانًا متعطشًا للدماء كما يصورونه، بل كان بطلاً يعمل لإنقاذ دماء آلاف المسلمين التي كان يسفكها أجدادهم المجرمون!
والقصة تبدأ بذلك اللقاء الذي جمع السلطان العثماني (سليم الأول) رحمه اللَّه بقائد بحري فذ اسمه (عروج)، وهو قائدٌ عثماني من أب ألباني وأم أوروبية أندلسية هربت بدينها من إرهاب محاكم التفتيش الصليبية في أقبية كنائس إسبانيا، شاء اللَّه أن تنجو هذه الأم البطلة من معسكرات التعذيب الصليبية في الأندلس لتقص عليه وعلى إخوته قصص التعذيب البشعة التي تعرض لها أخوالهم في الأندلس، وتروي لهم حكايات المقاومة الشعبية الإسلامية الباسلة لمسلمي الأندلس الذين رفضوا عبادة الصليب على عبادة اللَّه، فزرعت هذه الأم المجاهدة روح الجهاد في نفوس أبنائها منذ نعومة أظافرهم، وهنا يأتي دور الأم المسلمة صانعة الأبطال! المهم أن الخليفة العثماني الشهم سليم الأول استدعى القائد عروج وأطلعه على رسائل الاستغاثة التي بعث بها مسلمو الأندلس من أقبية الكنائس المظلمة، فأوكل إليه سليم الأول مهمة هي في عُرف الدنيا مهمة مستحيلة، وأعطاه التوجيه الإستراتيجي لهذه المهمة:


المهمة المستحيلة
(1) الإبحار من أقصى شرق البحر المتوسط في تركيا إلى أقصى غرب المتوسط في الأندلس ومحاربة أساطيل الجيوش الصليبية مجتمعة (إسبانية وبرتغالية وإيطالية وسفن القديس يوحنا).
(2) التمكن من اختراق كل تلك الحصون البحرية والتي تبني جدارًا بحريًا حول الأندلس والتمكن من الرسو الآمن في إحدى المدن الأندلسية المحتلة من قبل القشتاليين الصليبيين.
(3) تدمير الحامية البحرية الإسبانية لتلك المدينة وشل قوة العدو الدفاعية والتحول إلى اليابسة وخوض حرب شوارع ضد القوات البرية الإسبانية في أزقة تلك المدينة وشوارعها.
(4) تحرير المدينة الأندلسية من جديد ورفع راية الإسلام العثمانية على قلاعها ومباغتة الكنائس بصورة مفاجئة للحيلولة دون هروب القساوسة الكاثوليك الذين يعرفون أماكن غرف التعذيب السرية.
(5) البحث في جميع أقبية الكنائس المظلمة بشكل فوري قبل أن يتم تهريب المُعذبين المسلمين والتمكن من العثور على الغرف السرية التي يُعذّب فيها المسلمون.
(6) بعد العثور على غرف التعذيب السرية يتم تحرير المسلمين مع مراعاة عدم نقلهم من الأقبية حتى غياب الشمس لتجنب إصابة الأسرى بالعمى نتيجة عدم رؤيتهم للشمس منذ سنين.
(7) يتم نقل الأسرى حملًا إلى السفن الإسلامية العثمانية، مع مراعاة الحالة البدنية الفظيعة التي وصلوا إليها، مع تجنب تعرض جلودهم الهزيلة للتمزق أثناء الحمل.
(8) إخلاء المدينة على وجه السرعة، مع مراعاة أن لا تستمر العملية منذ الرسو في الميناء وحتى الإقلاع أكثر من 6 ساعات لتجنب الاشتباك مع قوات المدد للعدو الآتية من المدن المجاورة.
(9) الإبحار تحت جنح الظلام والتمكن من شل حركة العدو البحرية أثناء رحلة الرجوع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العودة هذه المرة لن تكون نحو تركيا، وإنما ستكون نحو الجزائر من طريق آخر لإسعاف الأسرى بأسرع وقت من جهة، ولخداع بحرية العدو من جهة أخرى.
انتهت المهة!


سليم الأول
هل رأيت أو سمعت أو قرأت عن مهمة مستحيلة في تاريخ البشر أصعب من هذه المهمة؟!
الغريب أن القائد عروج قام بتنفيذ هذه المهمة بنجاح منقطع النظير! والأعجب من ذلك أنه قام وإخوته بتكرارها مرَّات ومرَّات، فأنقذ أولئك الإخوة الألبان جزاهم اللَّه كل خير عشرات الآلاف من أرواح المسلمين الأندلسيين. فذاع صيت القائد الإسلامي عروج في بحار الدنيا كلها، وتناقلت شوارع أوروبا الكاثوليكية قصصًا متناثرة عن بطولة بحار عثماني يبحر كالشبح المرعب فلا يستطيع أحد صده أبدًا، أما الأندلسيون المسلمون فقد أسمَوْه (بابا أروج) أو (بابا أروتس) أي (الأب عروج) في لغة الأندلسيين الأوروبيين، وذلك من فرط احترامهم وتقديرهم لهذا البطل الذي خلّصهم من ويلات محاكم التفتيش، فحرف الإيطاليون (بابا أروتس) إلى (بَربَروس) وتعني بالإيطالية الرجل صاحب اللحية الحمراء، ولعل هذا هو سر امتلاك القرصان الذي يظهر فيأفلامهم لحيةً حمراء!


المهم أن القائد عروش اصطحب معه في جهاده إخوته اسحق وإلياس وخسرف (خير الدين). فاستشهد إلياس رحمه اللَّه في جهاده وقام خير الدين بمحاربة الحكام العملاء مع الصليبيين الإسبان في بلاد الجزائر، بينما سقط عروج في أسر فرسان القديس يوحنا في جزيرة "رودس"، ولكن البطل عروج وبعملية خيالية استطاع أن يحرر نفسه، ثم قام بالتسلل بحرًا إلى إيطاليا، وهناك استولى على سفينة من سفن الجيش الصليبي بعد أن قتل كل من فيها من الجنود الصليبيين، ثم أبحر بها وحده من إيطاليا إلى مصر، فقابل السلطان المملوكي (الغوري) رحمه اللَّه، فأهداه الغوري سفينة بعتادها ومجاهديها، لينطلق بها المجاهد الفذ عروش إلى الجزائر ليلقى أخاه خير الدين، ليواصل الأخوان مسيرة الجهاد في سبيل اللَّه بسفنهم القليلة المتواضعة، وما هي إلا أشهر قليلة حتى أصبح اسم "الأخوان بربروسا" اسمًا يرعب سفن الصليبيين الغزاة في كل بحار الأرض، قبل أن يتمكن أحد الخونة من الحكام الموالين لإسبانيا بفتح أبواب مدينة "تلمسان" للصليبيين، ليطلب الإسبان من القائدِ عروج ومن معه من المجاهدين الاستسلام أو الهرب، فأبى القائد البطل عروج وجنوده الأتراك الهروب أو الاستسلام، وفضلوا أن يلقوا اللَّه شهداءً في سبيله، فقاتل عروج بكل ما تحمله البسالة من معنى بيد واحدة بعد أن كان قد فقد يده الأولى من قبل وهو يجاهد في سبيل اللَّه لإنقاذ نساء المسلمين وأطفالهم، فلمّا علم الإسبان أن القائد عروج هو الذي يقاتل بنفسه، بعثوا بالإمدادات العسكرية من مدريد لتحاصر هذا البطل من كل اتجاه وهو يقاتل بيد واحدة وهو ينظر إليهم وقلبه هناك في الجنة حيث ينتظره الشهداء الذين سبقوه، فأحاط به الصليبيون بسيوفهم في كل موضع قبل أن ينهالوا على جسمه بسيوفهم الغادرة تقطيعًا وتمزيقًا، ليرفع القائد عروج نظره إلى السماء متذكرًا ابتسامات الأطفال الأندلسيين الذين كانوا يبادلونه إياها عندما كان ينقذهم ويعيدهم إلى أحضان أمهاتهم. وبينما الصليبيون يغرسون سيوفهم في قلبه رفع القائد عروج إصبعه عاليًا وحرك شفتيه وهو يقول:
أشهد أن لا إله إلا اللَّه. . . . وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه
وسقط القائد المجاهد عروج الشيء الذي يدعو للاشمئزاز من عباد الصليب هو أن الصليبيين لم يكتفوا بقتله وتمزيقه إربًا إربًا، بل قام أولئك القراصنة بقطع رأسه ليأخذوها معهم ليطوفوا بها في مدن أوروبا الكاثوليكية التي دُقت بها أجراس الكنائس احتفالًا كلما مر رأس القائد الكابوس الذي كان يذيقهم ألوان الذل والهوان (بربروسا).
ولكن ليس المهم في أمة الإسلام من يحمل الراية، بل المهم أن تبقى الراية مرفوعة دائمًا!
ففي كل وقت يسقط فيه بطل من أبطال أمة الإسلام، يولد في هذه الأمة الولود بطل جديد! فبعد سقوط القائد عروج برزت على السطح بطولات قائدٍ عظيم في أمة الإسلام، إنه القائد البطل (خير الدين بربروسا) شقيق القائد عروج والذي صمم على الثأر لدم أخيه المجاهد رحمه اللَّه، فجهز سفنه واتجه بها مباشرةً إلى تونس ليدمر السفن الإسبانية هناك، فحرر تونس من الصليبيين وأذنابهم، ثم توجه بجنوده العثمانيين الأتراك فحرر الجزائر، ولم يكتفِ بذلك بل قام باحتلال "جزر البليار" الإسبانية بعد أن دمر الأسطول الإسباني هناك. ولمّا سمع البابا (بولس الثالث) في روما بانتصارات هذا القائد المسلم أعلن من "الفاتيكان" حالة النفير العام في جميع أرجاء أوروبا الكاثوليكية، فتكوّن تحالف صليبي ضخم من 600 سفينة تحمل نحو ستين ألف جندي، تحت قيادة قائد بحري أسطوري هو أعظم قائد بحري عرفته أوروبا في القرون الوسطى وهو (أندريا دوريا) وذلك لإنهاء الإسلام كلية في البحر المتوسط، بينما تألفت القوات العثمانية الإسلامية من 122 سفينة تحمل اثنين وعشرين ألف جندي فقط. 4 من جمادى الأولى 945 هـ 28 من سبتمبر 1538 م التقى الأسطولان في معركة "بروزة"، وبالرغم من تفوق الصليبيين بالعدة والعتاد، إلا أن القائد خير الدين بربروسا قائد بحرية المسلمين انتصر انتصارًا كبيرًا، ودمر خير الدين بربروسا الأسطول الأوروبي المتحالف تدميرًا كليًّا، فهرب أسطورتهم المزيفة "أندريا دوريا" من ميدان المعركة التي لم تستمر أكثر من خمس ساعات، وما ذكرت كتب التاريخ شيئًا عنه بعد تلك الهزيمة المخزية!

معركة بروزة البحرية (أكبر معركة بحرية في تاريخ الإسلام)
1 - فرسان المالطية ... التحالف الصليبي
2 - جيوفانى أندريا دوريا
3 - فيرونى غانزاغ
4 - أندريا دوريا
5 - ماركو جيرمينى، فيكنزو كابيللو
6 - أليساندرو كونادليرو
فرانسيسكو دوريا
1 - سيدى على الرئيس
2 - خير الدين بارباروس
جعفر الرئيس، سنان الرئيس
3 - صالح الرئيس
4 - طورغوط الرئيس
البحرية الإسلامية
العثمانية المجاهدة

وبعد هذا الانتصار الإسلامي الضخم، عمَّت حالة من الفزعَ والهلعَ أرجاء الإمارات الصليبية، وأصبحت البحرية الإسلامية العثمانية سيدة البحر المتوسط بلا منازع لثلاثة قرون متَّصلة، ووصل خبر انتصار القائد المجاهد خير الدين بربروسا إلى بلاد المسلمين في كل مكان، فعلت صيحات اللَّه أكبر في مآذن مكة والمدينة والقدس وبومباي ودمشق والقاهرة وسمرقند وجميع ديار المسلمين، وصلى المسلمون هناك صلاة الشكر احتفالًا بنصر اللَّه المؤزر على يد القائد المجاهد خير الدين بربروسا. واستقبل الخليفة العثماني الشهم بن الشهم سليمان القانوني بن السلطان سليم الأول خبر هذا النصر بالسجود شكرًا للَّه بعد أن أتم ما بدأه والده المجاهد سليم الأول رحمه اللَّه من إنقاذ المسلمين في الأندلس، فقام بتعيين خير الدين بربروسا أميرًا عامًا للأساطيل الإسلامية العثمانية المجاهدة في كل بحار الدنيا.


ولم يكتفِ بربروسا بما صنعه من مجد للإسلام في تلك المعركة الخالدة، فقام مباشرةً بحملات مكثفة لإنقاذ المسلمين في الأندلس من تعذيب محاكم التفتيش، فأبحر في البحر الأبيض المتوسط جيئةً وذهابًا لنقل اللاجئين المسلمين الأندلسيين، فأنقذ وحده ما يزيد عن 70 ألف مسلم ومسلمة بمن فيهم من أطفال ونساء وشيوخ، حتى كان أهل الأندلس هم من أطلق عليه اسم (خير الدين) بدلًا من اسمه الحقيقي (خسرف) عرفانًا له بالجميل.
فرحم اللَّه القائد خير الدين بربروسا، ورحم اللَّه أخاه البطل عروج من قبله، وجميع إخوته المجاهدين، فواللَّه إن الإخوة بربروسا كانوا نِعم الإخوة، لم يتنافسوا على تركة ورثوها عن أبيهم أو لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، بل تنافسوا أيهم يسبق لنصرة الإسلام وإنقاذ المسلمين الأبرياء. وإن كان هؤلاء الأبطال قراصنةً فأكرم بهم قراصنة، ولكنهم واللَّه ما قصدوا البحر طمعًا في كنز مدفون في قاع المحيطات، أو سفينة غارقة في غياهب البحار، بل قصدوا البحر طمعًا في ما هو أثمن من كل كنوز الدنيا. . . . الجنة!
وبعد. . . كانت هذه سطورًا لأبطالنا المنسيّين، فلقد آن الأوان لنا أن نزيل الغبار عن صفحات تاريخنا لنخرج منها قصص أبطالنا العظماء ونقدمها لشبابنا، فلقد انتهى الزمان الذي كنا نقرأ فيه ما كتبه أعداء الأمة لنا، وجاء زمان نكتب نحن فيه تاريخنا بأنفسنا، وإن كنتُ الآن أدرك سر رعب الغرب من اسم "بربروسا" في أدبياتهم، إلا أننا نرفض رفض البتة تشويه صور أبطالنا ووصمهم بالقرصنة، أما من كان متشوقًا من الغرب بقصص القراصنة والمجرمين فليبحث عن أصل مؤسس أكبر بنوك أمريكا "بنك مورجان" وليقرأ قصص القرصان "مورجان الأمريكي" وكيف كان يقتل الهنود الحمر ويستولي على أموالهم ليبنى بها هذا البنك القائم إلى يوم الناس هذا! أمّا أبطالنا العظماء. . . فخط أحمر!!!


ولكن. . . في خضمِّ هذا الصراع الإسلامي الصليبي في غرب العالم الإسلامي، ما الذي كان يخطط له من بقي من الشيعة الصفويين في الشرق الإسلامي؟ وهل غيَّر الشيعة الصفويون عادتهم القذرة في الخيانة والغد؟ أم تراهم تركوا المسلمين مشغولين في الغرب لينفذوا هم مخططهم الإرهابي الخطير في الشرق؟ وما هي قصة معركة "موهاكس" العظيمة التي تعتبر من دون أي شك يومًا من أيام اللَّه الخالدة؟ ومن هو الخليفة العثماني العظيم الذي فاق ملكه ملك الإسكندر الأكبر؟
للإجابة عن هذه التساؤلات ينبغي علينا أن نبحر لإحدى سفن الأسطول الإسلامي العثماني الضخم إلى عاصمة الإسلام وقتها "إسطانبول"، لنتابع معًا حكاية عظيم جديدٍ من عظماء الإسلام شبَّه كثيرٌ من المؤرخين مُلكه بمُلك نبي اللَّه سُليمان عليه السلام والذي كان بطلنا يحمل نفس اسمه. . . . سُليمان!
يتبع. . . .










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 191.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 185.37 كيلو بايت... تم توفير 6.11 كيلو بايت...بمعدل (3.19%)]