|
|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي
من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (1) فهد بن عبد العزيز الشويرخ الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن المواضيع التي أكثر العلامة ابن القيم رحمه الله من معالجتها في العديد من كتبه موضوع الذنوب والمعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع وهو وإن كان خصها بنصيب الأسد في كتابه الجيد النافع " الداء والدواء" أو" الجواب الكافي لمن سأل عن الجواب الشافي" إلا أنه تحدث عنها في بعض كتبه وقد يسّر الله فجمعت بعضاً مما ذكره في تلك الكتب. " مدارج السالكين في منازل السائرين "
المؤمن لا تتم لذته بمعصيته أبداً ولا يكمل بها فرحه بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط لقلبه...ومتى خلا قلبه من هذا الحزن واشتدت غبطته وسروره فليتهم إيمانه, وليبكِ على موت قلبه, فإنه لو كان حياً لأحزنه ارتكابه للذنب, وغاظه, وصعب عليه.
" زاد المعاد في هدى خير العباد "
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي
من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (2) فهد بن عبد العزيز الشويرخ بسم الله الرحمن الرحيم من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (2) الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد " بدائع الفوائد "
وأكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام والنظر, وهما أوسع مداخل الشيطان, فإن جارحتيهما لا يملان ولا يسأمان,...فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام, فجنايتهما مُتسعةُ الأطراف, كثيرة الشعب, عظيمة الآفات.
ومن تأمل ما قصَّ الله تعالى في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم, وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيانُ رسله, وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره, وما أزال الله عنهم من نعمه, وجد ذلك كلَّه من سوء عواقب الذنوب, كما قيل: إذا كنتَ في نعمةٍ فارعها فإن المعاصي تُزيلُ النعم فما حفظت نعمة الله بشيء قط مثل طاعته, ولا حصلت الزيادة بمثل شكره, ولا زالت عن العبد بمثل معصيته لربه, فإنها نارُ النعم التي تعملُ فيها كما تعمل النار في الحطبِ اليابس....ومن سافر بفكره في أحوال العالم استغنى عن تعريف غيره له. " إغاثة اللهفان في مصايد الشطان " بُلي الحبيب بالذنب, فاعترف وتاب وندم, وتضرع واستكان وفزع إلى مفزع الخليقة, وهو التوحيد والاستغفار, فأُزيل عنه العيب, وغُفر له الذنب, فقُبل منه المتاب, وفُتح له من الرحمة والهداية كل باب, ونحن الأبناء, ومن أشبه أباه فما ظلم. من كانت شيمتُهُ التوبة والاستغفار فقد هُدى لأحسن الشيم. يا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس, وشهوة عاجلة, ذهبت لذتها, وبقيت تبعتها, وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها, فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة, وزالت المسرة وبقيت الحسرة. " الكلام على مسألة السماع "
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة» فإذا منع الكلب والصورة دخول الملك البيت, فكيف تدخل معرفة الرب ومحبته في قلب ممتلئ بكلاب الشهوات وصورها. فهذه إشارات صحيحة, وهي من جنس مقاييس الفقهاء, بل أصح من كثير منها. " روضة المحبين ونزهة المشتاقين "
ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة, ولا يأمنه أحد على حرمته, ولا على ولده. ومنها: سواد الوجه, وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين ومنها: الوحشة التي يضعها الله في قلب الزاني, وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه, فالعفيف على وجهه حلاوة, وفي قلبه أنس, ومن جالسه استنأنس به, والزاني تعلو وجهه الوحشة, ومن جالسه استوحش به. ومنها: ظلمة القلب, وطمس نوره.ومنها: الفقر اللازم. ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف, ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة. ومنها: قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه, وغيرهم له, وهو أحقر شيء في نفوسهم, وعيونهم, بخلاف العفيف, فإنه يرزق المهابة, والحلاوة. ومنها: ضيق الصدر وحرجه, فإن الزناة يُقابلون بضد مقصودهم, فإن من طلب لذة العيش وطِيبه بما حرمه الله عليه, عاقبه الله بنقيض قصده, فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خير قط ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور, وانشراح الصدر, وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له, دع ربح العاقبة, والفوز بثواب الله وكرامته. ومنها: الرائحة التي تفوح عليه, يشمها كل ذي قلب سليم, تفوح من فيه وجسده. ومنها: أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن. ومنها: أن الزنى يجُرِّئه على قطيعة الرحم, وعقوق الوالدين, وكسب الحرام, وظلم الخلق, وإضاعة أهله وعياله...فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها, ويتولد عنها أنواع أخرُ من المعاصي بعدها...وهي أجلب لشرِّ الدنيا والآخرة, وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي
من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (3) فهد بن عبد العزيز الشويرخ الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل "
وبالجملة فما عُصي الله بشيء إلا أفسده على صاحبه، ومن أعظم معصية العقل إعراضه عن كتابه ووحيه الذي هدى به رسوله وأتباعه، والمعارضة بينه وبين كلام غيره، فأي فساد أعظم من فساد هذا العقل؟
" اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية "
ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة القول، وظلمة العمل، وظلمة المدخل، وظلمة المخرج، وظلمة القبر، وظلمة القيامة، وظلمة دار القرار، فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاث. " التبيان في أيمان القرآن "
ومتى وصلت إلى هذه الحال، لم يمكنه دفعها واقترن بها الفعل، ولا بد وما يقدر عليه من مقدماته، وحينئذٍ ينتقل العلاج من مقدماته إلى أقوى الأدوية، وهو: الاستفراغ التام بالتوبة النصوح. ولا ريب أن دفع مبادئ هذا الداء أولًا أسهل بكثير من طلب الدواء، وإذا وازن العبد بين دفع هذا الداء من أوله وبين استفراغ بعد حصوله، وساعد القدرُ وأعان التوفيقُ - رأى أن الدفع أولى به. وإذا تألمت النفس بمفارقة المحبوب، فليوازن بين فوات هذا المحبوب الأخس، المنقطع النكد، المشوب بالآلام والهموم، وبين فوات المحبوب الأعظم الدائم، الذي لا نسبة لهذا المحبوب إليه ألبتة، لا في قدره، ولا في دوامه وبقائه. وليوازن بين لذة الإنابة والإقبال على الله تعالى، والتنعم بحبه وذكره وطاعته، ولذة الإقبال على الرذائل والأنتان والقبائح. وليوازن بين لذة الذنب ولذة العفة، ولذة الذنب ولذة القوة وقهر الهوى، وبين لذة الذنب ولذة إرغام عدوه وردِّه خاسئًا ذليلًا، وبين لذة الذنب ولذة الطاعة التي تحول بينه وبينه، وبين مرارة فوته، ومرارة فوت ثناء الله تعالى وملائكته عليه، وفوت حسن جزائه وجزيل ثوابه، وبين فرحة إدراكه وفرحة تركه لله تعالى عاجلًا، وفرحة ما يثيبه عليه في دنياه وآخرته.
وعذب قوم لوط بأنواع من العذاب لم يعذب بها أمة غيرهم، فجمع لهم بين الهلاك، والرجم بالحجارة من السماء، وطمس الأبصار، وقلب ديارهم عليهم بأن جعل عاليها سافلها، والخسف بهم إلى أسفل سافلين. وعذب قوم شعيب بالنار التي أحرقتهم، وأحرقت تلك الأموال التي اكتسبوها بالظلم والعدوان. وأما ثمود فأهلكهم بالصيحة، فماتوا في الحال.
" رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه "
وقد اشترى سبحانه من المؤمنين أنفسهم وجعل ثمنها جنته، وأجرى هذا العقد على يد رسوله وخليله وخيرته من خلقه، فسلعة ربُّ السماوات الأرض مشتريها، والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم وسماع كلامه منه في دار ثمنها، ومن جرى على يده العقد رسوله، كيف يليق بالعاقل أن يضيعها ويهملها ويبيعها بثمن بخس، في دار زائلة مضمحلة فانية! وهل هذا إلا من أعظم الغبن؟ وإنما يظهر له هذا الغبن الفاحش يوم التغابن، إذا ثقلت موازين المتقين وخفَّت موازين المبطلين. " الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب "
ومن علامات تعظيم النهي: أن يغضب لله عز وجل إذا انتهكت محارمه, وأن يجد في قلبه حُزناً وكسرةً إذا عُصى الله تعالى في أرضه, ولم يطع بإقامة حدوده وأوامره, ولم يستطيع هو أن يُغير ذلك. ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حدٍّ يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط. ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن...يُسلم لأمر الله تعالى وحكمه, ممتثلاً ما أمر به, سواء ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه أو لو تظهر. فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه حمله ذلك على المزيد الانقياد بالبذل والتسليم لأمر الله.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
رد: من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي
من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (4) فهد بن عبد العزيز الشويرخ الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: " طريق الهجرتين وباب السعادتين "
أحدها: علمُ العبد بقبحها ورذالتها ودناءتها, وأن الله إنما حرمها ونهى عنها صيانةً لعبده وحمايةً عن الدنايا والرذائل, كما يحمي الوالد الشفيق ولده عما يضره, وهذا السبب يحمل العاقل على تركها ولو لم يعلَّق عليها وعيد بالعذاب. السبب الثاني: الحياء من الله عز وجل, فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأى منه ومستمع, وكان حيًّا حييًّا, استحيا من ربه أن يتعرض لمساخطه. السبب الثالث: مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك, فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد, فما أذنب عبد ذنباً إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب, فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها, وإن أصر لم ترجع إليه, ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمةً نعمةً حتى يُسلب النعم كلها, قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ } [الرعد:11] وأعظم النعم الإيمان, وذنبُ الزنا والسرقة وشرب الخمر وانتهاب النهبة تزيلها وتسلبها.وبالجملة فإن المعاصي نار النعم تأكلها, كما تأكل النارُ الحطب, عياذاً بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته. السبب الرابع: خوف الله وخشية عقابه, وهذا إنما يثبت بتصديقه في وعده ووعيده, والإيمان به وبكتابه ورسوله, وهذا السبب يقوى بالعلم واليقين, ويضعف بضعفهما, قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28] قال بعض السلف: كفى بخشية الله علماً, وبالاغترار به جهلاً. السبب الخامس: قصر الأمل, وعلمه بسرعة انتقاله فهو حريص على ترك ما يضره السبب السادس: محبة الله سبحانه وهي من أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعاصيه فإن المحبّ لمن يحب مطيع, وكلما قوى سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى, وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها وههنا لطيفة يجب التنبه لها, وهي أن المحبة المجردة لا توجب هذا الأثر ما لم تقترن بإجلال المحبوب وتعظيمه, فإذا قارنها الإجلال والتعظيم أوجبت هذا الحياء والطاعة, وإلا فالمحبة الخالية عنهما إنما توجب نوع أُنس وانبساط وتذكر واشتياق, ولهذا يتخلف عنها أثرها وموجبها, ويفتش العبد قلبه فيرى نوع محبة لله, ولكن لا تحمله على ترك معاصيه, وسبب ذلك تجردها عن الإجلال والتعظيم, فما عمر القلب شيء كالمحبة المقترنة بإجلال الله وتعظيمه, وتلك من أفضل مواهب الله لعبده أو أفضلها, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. السبب السابع: شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتهُا وحميتها أن تختار الأسباب التي تحطها وتضع قدرها, وتخفض منزلتها وتُحقرها, وتسوي بينها وبين السفلة. السب الثامن: قوة العلم بسوء عاقبة المعصية, وقبح أثرها, والضر الناشئ منها: من سواد الوجه, وظلمة القلب, وضيقه وغمه وحزنه وألمه, وانحصاره, وشدة قلقه واضطرابه, وتمزق شمله, وضعفه عن مقاومة عدوه ومنها: ذلة بعد عزة. ومنها: زوال أمنه وتبدله به مخافة, فأخوف الناس أشدهم إساءة. ومنها: نقصان رزقه, فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه. ومنها: ضعف بدنه. ومنها: حصول البغضة والنفرة منه في قلوب الناس. ومنها: الطبع والرين على قلبه فإن العبد إذا أذنب نُكت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب منها صُقل قلبه وإن أذنب ذنباً آخر نكت فيه نكتة أخرى ولا تزال حتى تعلو قلبه فذلك هو الران قال تعالى ﴿ {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ﴾ ومنها: أنه يحرم حلاوة الطاعة. ومنها: علمه بفوات ما هو أحبّ إليه وخير له منها من جنسها, وغير جنسها, فإنه لا يجمع الله لعبده بين لذة المحرمات في الدنيا, ولذة ما في الآخرة, كما قال الله تعالى: ﴿ { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا } ﴾ [الأحقاف: 20] فالمؤمن لا يذهب طيباته في الدنيا, بل لا بد أن يترك بعض طيباته للآخرة, وأما الكافر فلأنه لا يؤمن بالآخرة, فهو حريص على تناول حظوظه كلها وطيباته في الدنيا. ومنها: علمه بأن عمله هو وليه في قبره وأنيسه فيه, شفيعه عند ربه, والمخاصم والمحاج عنه, فإن شاء جعله له, وإن شاء جعله عليه. ومنها: أنه بالمعصية قد تعرض لمحق بركته في كل شيءٍ من مر دنياه وآخرته, فإن الطاعة تجلب للعبد بركات كل شيء, والمعصية تمحق كل بركة. السبب التاسع: مجانبة الفضول في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس...ومن أعظم الأشياء ضرراً على العبد بطالته وفراغه السبب العاشر: وهو الجامع لهذه الأسباب كلها, وهو: ثبات شجرة الإيمان في القلب فصبر العبد على المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه. إذا كان للذنوب عقوبات ولا بد, فكلُّ ما عُوقب به العبدُ من ذلك قبل الموت خير له مما بعده وأيسر وأسهلُ كثيراُ.
أحدهما: أن تكون أنت الواقف في طريق مصالحك, وأنت المعوق لوصول فضله إليك, وأنت حجر في طريق نفسك, وهذا الأمر هو الأغلب على الخليقة, فإنه سبحانه قضى فيما قضى به أن ما عنده لا يُنال إلا بطاعته, وأنه ما استُجلبت نعم الله بغير طاعته, ولا استُديمت بغير شكره, ولا عُوقت وامتنعت بغير معصيته, وكذلك إذا أنعم عليك ثم سلبك النعمة فإنه لم يسلبها لبخل منه ولا استثار بها عليك, وإنما أنت السبب في سلبها عنك, فإن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } [الأنفال:53] فما أُزيلت نعمُ الله بغير معصيته: إذا كنت في نعمةٍ فارعها فإن الذنوب تُزيلُ النِّعم فآفتك من نفسك, وبلاؤك منك, وأنت في الحقيقة الذي بالغت في عداوتك, وبلغت من معاداة نفسك ما لا يبلغ العدو منك. ولو شعرت بدائك, وعلمت من أين دُهيت ومن أين أُصبت, لأمكنك تدارك ذلك ولكن فسدت الفطرة وانتكس القلب, وأطفأ الهوى مصابيح العلم والإيمان منه, فأعرضت عمَّن أصلُ بلائك ومصيبتك منه, وأقبلت تشكو من كلُّ إحسان دقيق أو جليل وصل إليك منه, فإذا شكوته إلى خلقه كنت كما قال بعض العارفين وقد رأى رجلاً يشكو إلى آخر ما أصابه: يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
رد: من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي
من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (5) فهد بن عبد العزيز الشويرخ الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: " الفوائد "
فإذا كان يوم القيامة كان الناس في الحرِّ والعرَقِ, وهو في ظلِّ العرش. فإذا انصرفوا من بيدي الله أخذ به ذات اليمين مع أوليائه المتقين وحزبه المفلحين. و {ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]
& دخل الناس النار من ثلاثة أبواب باب شبهةٍ أورثت شكّاً في دين الله وباب شهوةٍ أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته, وباب غضب أورثت العدوان على خلقه. & للعبد ستر بينه وبين الله, وستر بينه وبين الناس, فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله, هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس. & اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها, مُثمرة للألم بعد انقضائها, فإذا اشتدت الداعية منك إليها ففكِّر في انقطاعها وبقاء قبحها وألمها, ثم وزان بين الأمرين, وانظر ما بينهما من التفاوت. & أصول المعاصي كلها – كبارها وصغارها- ثلاثة: تعلق القلب بغير الله, وطاعة القوة الغضبية, والقوة الشهوانية. وهي: الشرك, والظلمُ, والفواحش. & كلما كان القلب أضعف توحيداً وأعظم شركاً كان أكثر فاحشةً وأعظم تعلقاً بالصور وعشقاً لها. & كيف يكون عاقلاً من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة ؟! " مفتاح دار السعادة " & قال السدي: كلُّ من عصى الله فهو جاهل. & قال بشر: لو فكر الناس في عظمة الله ما عصوه. & من بنى أمره على أن لا يعف عن ذنب, ولا يقدم خوفاً, ولا يدع لله شهوةً وهو فرح مسرور يضحك ظهراً لبطن إذا ظفر بالذنب, فهذا الذي يُخافُ عليه أن يحال بينه وبين التوبة, ولا يوفق لها. & كمال الآدمي في هذه الدار بالتوبة النصوح, وفي الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة, وهذا الكمال مرتب على كماله الأول.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
رد: من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي
من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (6) فهد بن عبد العزيز الشويرخ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: " الداء والدواء "
ومن خاصيته: أنه يوجب الفقر, ويقصر العمر, ويكسو صاحبه سواد الوجه, وثوب المقت بين الناس...ويشتت القلب, ويُمرضه إن لم يمته, ويجلب الهم والحزن والخوف, ويباعد صاحبه من الملك, ويقرب منه الشيطان.
وقال: واعلم أن سوء الخاتمة – أعاذنا الله منها – لا تكون لمن استقام ظاهره, وصلح باطنه, ما سمع بهذا ولا علم به, ولله الحمد, وإنما تكون لمن له فساد في العقيدة, أو إصرار على الكبائر, وإقدام على العظائم, فربما غلب ذلك عليه, حتى ينزل به الموت قبل التوبة, فيأخذه قبل إصلاح الطوية, ويُصطلم قبل الإنابة, فبظفر به الشيطان عند تلك الصدمة, ويختطفه عند تلك الدهشة, والعياذ بالله.
وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه {كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:34] فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه, فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله, لم يتمكن منه عشق الصور.
فإن أطال مع ذلك الفكر في محاسن المعشوق, وقارنه خوف ما هو أكبر عنده من لذة وصالة: إما خوف ديني كدخول النار, وغضب الجبار, واحتقاب الأوزار, وغلب هذا الخوف على ذلك الطمع والفكر, لم يحدث له العشق. فإن فاته هذا الخوف, فقارنه خوف دنيوي, كخوف تلاف نفسه وماله, وذهاب جاه وسقوط مرتبته عند الناس, وسقوطه من عين من يعز عليه, وغلب هذا الخوف لداعي العشق دفعه. وكذلك إذا خاف من فوات محبوب هو أحب إليه وأنفع له من ذلك المعشوق, وقدم محبته على محبة المعشوق, اندفع عنه العشق.
أحدها: الاشتغال بحب المخلوق وذكره عن حب الرب تعالى وذكره. الثاني: عذاب قلبه بمعشوقه, فإن من أحبّ شيئاً غير الله عُذب به, ولابد. الثالث: أن العاشق قلبه أسير في قبضة معشوقة, يسومه الهوان, ولكن لسكرة العشق لا يشعر بمصابه. الرابع: أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه, فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور. الخامس: أن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في يابس الحطب...فأبعد القلوب من الله قلوب عشاق الصور, وإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات من كل ناحية. السادس: أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوى سلطانه, أفسد الذهن, وأحدث الوسواس, وربما التحق بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون بها...وهل أذهب عقل مجنون ليلي وأضرابه إلا العشق ؟ السابع: أنه ربما أفسد الحواس أو بعضها إما فساداً معنوياً أو صورياً, أما الفساد المعنوي فهو تابع لفساد القلب, فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان فيرى القبيح حسناً منه ومن معشوقه.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
رد: من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي
من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي (7) فهد بن عبد العزيز الشويرخ الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: " الداء والدواء "
ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك, ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه, حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة, وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله, لا يلقى لها بالاً, يزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب, وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم, ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات, ولا يبالي بما يقول.
فالذنوب الملكية: أن يتعاطى ما لا يصلح له من صفات الربوبية كالعظمة, والكبرياء, والجبروت, والقهر, والعلو, واستعباد الخلق, ونحو ذك, ويدخل في هذا الشرك بالرب تعالى...وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب....فمن كان من أهل هذه الذنوب فقد نازع الله سبحانه ربوبيته وملكه, وجعل له نداً, وهذا أعظم الذنوب عند الله, ولا ينفع معه عمل. وأما الشيطانية: فالتشبه بالشيطان في الحسد, والبغي, والغش والغل, والخداع, والمكر, والأمر بمعاصي الله وتحسينها, والنهي عن طاعته, وتهجينها, والابتداع في دينه, والدعوة إلى البدع والضلال, وهذا النوع يلي النوع الأول في المفسدة. وأما السبعية: فذنوب العدوان والغضب وسفك الدماء والتوثب على الضعفاء والعاجزين ويتولد منها أنواع أذى النوع الإنساني والجرأة على الظلم والعدوان. وأما الذنوب البهمية: فمثل الشَّره والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج, ومنها يتولد الزنى, والسرقة, وأكل أموال اليتامى, والبخل والشح, والجبن ,والهلع, والجزع, وغير ذلك. وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق لعجزهم عن الذنوب السبعية والملكية, ومنه يدخلون إلى سائر الأقسام, فهو يجرهم إليها بالزمام, فيدخلون منه إلى الذنوب السبعية, ثم إلى الشيطانية, ثم إلى منازعة الربوبية والشرك في الوحدانية.
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب ؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء, وطرده ولعنه, ومسخ ظاهره وباطنه, فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها, وباطنه أقبح من صورته وأشنع ؟ وما الذي غرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال ؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض, كأنهم أعجاز نخل خاوية....حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم, وماتوا عن آخرهم ؟ وما الذي رفع قوى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبح كلابهم, ثم قلبها عليهم, فجعل عاليها سافلها, فأهلكهم جميعاً....وما هي من الظالمين ببعيد. وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل, فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظي ؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر, ثم نُقلت أرواحهم إلى جهنم, فالأجساد للغرق, والأرواح للغرق. وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله ؟ ومن عقوباتها: أنها تستجلب مواد هلاك العبد في دنياه وآخرته. فإن الذنوب هي أمراض متى استحكمت قتلت, ولا بد, وكما أن البدن لا يكون صحيحاً إلا بغذاءٍ يحفظ قوته, واستفراغ يستفرغ المواد الفاسدة, والأخلاط الرديئة التي متى غلبت عليه أفسدته, وحمية يمتنع بها من تناول ما يؤذيه ويخشى ضرره, فكذلك القلب لا تتم حياته إلا بغذاء من الإيمان والأعمال الصالحة يحفظ قوته, واستفراغ بالتوبة النصوح يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الرديئة منه, وحمية توجب له حفظ الصحة, وتجنب ما يضادها...والتقوى اسم متناول لهذه الأمور الثلاثة, فما فات منها فات من التقوى بقدره. ومنها: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف, وتكسوه أسماء الذمِّ والصّغار, فتسلبه اسم المؤمن, والمتقي, والمطيع,...وتكسوه اسم الفاجر, والعاصي, والمفسد. ومنها: أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى, وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير, واتصلت به أسباب الشر. ومن عقوباتها: أنها تنسي العبد نفسه, فإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها...فينسي أسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها وما تكمل به...وينسى عيوب نفسه ونقصها وآفاتها, فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها...وينسى أمراض نفسه وقلبه وآلامها فلا يخطر بقلبه مداوتها ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها. ومن عقوباتها : أنها تزيل النّعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة فتزيل الحاصل وتمنع الواصل فإن نعم الله ما حُفظ موجودها بمثل طاعته, ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته...فإذا أراد الله حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها. ومنها: أنها تصغر النفس وتقمعها وتحقرها, حتى تصير أصغر شيء وأحقره, كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها. ومنها: أن العاصي دائماً في أسر شيطانه, وسجن شهواته, وقيود هواه, فهو أسير مسجون مقيد, ولا أسير أسوأ حالاً من أسير أسره أعدى عدو له. ومنها: سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه. ومن عقوباتها : أنها تباعد عن العبد وليه, وأنفع الخلق له, وأنصحهم له, ومن سعادتُه في قربه منه, وهو الملك الموكّل به, وتُدني منه عدوه, وأغشَّ الخلق له, وأعظمهم ضرراً له, وهو الشيطان, فإن العبد إذا عصى الله تباعد منه الملك بقدر تلك المعصية, حتى أنه يتباعد عنه بالكذبة الواحدة مسافة وحيدة. وإذا اشتد قرب الملك من العبد تكلم على لسانه وألقى على لسانه القول السديد وإذا بعد منه وقرب منه الشيطان تكلم على لسانه, وألقى عليه قول الزور والفحش, حتى ترى الرجل يتكلم على لسانه الملك, والرجل يتكلم على لسانه الشيطان.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |