بلى .. واضربوهم عليها لعشر - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858634 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393056 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215535 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-03-2024, 08:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي بلى .. واضربوهم عليها لعشر

بلى .. واضربوهم عليها لعشر إبراهيم يوسف المنصور


وقفتُ على هذا التسجيل المرئي للشيخ محمد نعيم العرقسوسي، حفظه الله ونفع به، على صفحة أحد أصدقاء الفيس، في أيام عيد الأضحى الماضي، وقد قدم له صاحب الصفحة بقوله مغتبطا به: (هدية العيد)

فشرعتُ في كتابة تعقيب أقول فيه: لا أراه هدية ولا عطية، وإنما هو من الغلط المنمَّق..
ثم ما لبث صاحب الصفحة أن حذف التسجيل، بسبب بعض التعليقات المسيئة.
وقد وجدتُ في كلام الشيخ العرقسوسي، في رده الحديث المذكور، والحكمِ على أحكامه بأنها غلط.. ثغراتٍ ينبغي التنبيه إليها، لئلا يغتر بكلامه من يسمعه، اعتمادا على حسن الظن بقائله، وإن الشيخ العرقسوسي لجدير بحسن الظن، ولكن ذلك لا يسوغ قبول أغاليط الفضلاء، وشذوذاتهم عن أحكام جماهير أهل العلم.
هذا هو المنهج الحق الذي مضى عليه أهل العلم خلَفًا عن سلَف.

وقد نقل النووي رحمه الله تعالى، في كتابه (المجموع شرح المهذب) أقاويل شاذة كثيرة في مذهب الشافعي، عن أئمة سبقوه من فقهاء المذهب، كأبي محمد البغوي، وأبي العباس بن سريج، وأبي العباس الرُّوياني، وأبي العباس الجرجاني، وأبي الفرج الدارمي، وقاضي القضاة أبي الحسن الماوردي، وأبي علي البندنيجي، وغيرِهم من مشاهير فقهاء الشافعية.. ثم عقَّب النووي بالتنبيه إلى غلط تلك الأقاويل أو شذوذها قائلا: (نبهت عليه لئلا يُغتر به).
وقد تكررت هذه العبارة في عشرات المواضع من (المجموع).

وعليه فإنني أنبِّه إلى غلط الشيخ نعيم، في حكمه على الحديث المذكور بضعف إسناده ونكارة متنه، من غير أن يَغضَّ ذلك من فضل الشيخ، وطول باعه في علم الإسناد.

أما الرد من حيث الصناعة الحديثية، على دعوى ضعف سند الحديث، فقد كُفيتُه بتحسين الإمام الترمذي وغيره له، وعمل الأئمة المتبوعين به.

قال الترمذي في أبواب الصلاة من سننه: (بَابُ مَا جَاءَ مَتَى يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلاَةِ)
ثم روى بسنده عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاَةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ.

ثم قال الترمذي: وَفِي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. حَدِيثُ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَلَيْهِ العَمَلُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ. وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. اهـ
قال في (تحفة الأحوذي): وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ. اهـ

والحديث أَخْرَجَهُ أيضا أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ. وسكوت أبي داود عنه يقتضي أنه حديث صالح عنده، وأقله: أنه حديث حسن، عملا بمنهج أبي داود في سننه، الذي بيَّنه في رسالته لأهل مكة، فإنه قال فيها: (ذكرتُ الصحيحَ وما يشبهه ويقاربه. وما سكتُّ عنه فهو صالح. وما فيه وهنٌ شديد بيّنتُه) اهـ

وقد حكم بتحسين رواية أبي داود، الإمامُ النووي في "رياض الصالحين" فقال: وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أبْنَاءُ سَبْعِ سِنينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المضَاجِعِ) حديث حسن رواه أَبُو داود بإسناد حسن. اهـ

وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك على الصحيحين، من حَدِيثُ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ كذلك، بلفظ: (إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فُرُشهم، وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم على الصلاة) ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي في التلخيص فقال: على شرط مسلم.

والحديث صحيح عند ابن خزيمة أيضا، لأنه رواه في صحيحه بسنده عن عبد الملك بن الربيع، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابنَ عشر.

وذكر النووي هذا الحديث أيضا في "المجموع" فصححه، وهذا نصه: قال المصنف رحمه الله. - يعني أبا إسحق الشيرازي صاحب "المهذب" -:
(ولا يؤمر أحد ممن لا يجب عليه فعل الصلاة بفعلها، إلا الصبي، فانه يؤمر بفعلها لسبع سنين، ويُضرَب على تركها لعشر. لِما روى سَبْرةُ الجُهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر") ثم قال النووي في شرح عبارة الشيرازي: (الشرح) حديث سَبَرة صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة. قال الترمذي: هو حديث حسن، ولفظ أبي داود: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" ولفظ الترمذي كلفظ المصنف .... وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهو أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود بإسناد حسن. والاستدلال به واضح، لأنه يتناول بمنطوقه الصبي والصبية في الامر بالصلاة والضرب عليها. انتهى.
والحديث صححه أيضا، ابنُ الملقن في كتاب: (البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير) فقال: الحَدِيث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ، أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع سِنِين، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وهم أَبنَاء عشر، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع) هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه كَذَلِك، من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده.. اهـ

أقول: فقد تواطأتْ على قبول حديث ضرب الصبيان على الصلاة لعشر، أحكامُ هذه الجمهرة من الأئمة في علم الحديث، الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، والترمذي صاحب السنن، وأبي داود، والحافظ المنذري، والحاكم النيسابوري، والإمام النووي، والحافظ الذهبي، وابن الملقن، وابن خزيمة..
ولم يقل أحد منهم بضعف الحديث، وإنما تردد حكمهم بين تصحيح الحديث وتحسينه، كما رأينا.

ولا بد من التنبيه هنا إلى عبارة موهمة في كلام الشيخ نعيم عندما قال:
[هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي.. قد واحد يقول لي: كيف يروون هذه الأحاديث وهي ضعيفة؟! هؤلاء لم يشترطوا في مصنفاتهم أن يكون الحديث صحيحا كما اشترط ذلك البخاري ومسلم.].
أقول: هذا الكلام يوهم أن هذا الحديث ضعيف عند أحمد وأبي داود والترمذي وغيرهم ممن رووه في مصنفاتهم، ولكنهم استجازوا روايته مع علمهم بضعفه لعدم اشراطهم الصحة..
والأمر ليس كذلك في هذا الحديث موضوع البحث.

نعم قد يصدق كلامه على أحاديث أخرى غير هذا الحديث، لأن هذا الحديث قد نصَّ على تحسينه الترمذي، ونصَ على تصحيحه الحاكم، وسكت عنه أبو داود، فهو عنده حديث صالح بمقتضى قاعدته التي سبق بيانها.

وحكم هؤلاء الأئمة، المتطابق على تحسين الحديث أو تصحيحه، يغنينا عن البحث والتحري من جديد، كما يغنينا عن حكم مَن خالفهم ممن جاء بعدهم، وهو لا يجاريهم في العلم والورع، إلى رُبُع الرهان ولا الثمين.

فإن هؤلاء الأئمة لم يستشعروا يوما المعرة ولا الحرج من اتهام شريعتهم بالعنف الأسري، أو الوحشية في العقوبات، أو القسوة في الأحكام، أو مخالفة مواثيق حقوق الإنسان.. مما يحملهم على تحريف الأحكام مجاملة لأعداء دينهم وشريعتهم.
وأحيل في الرد على من ضعف الحديث، إلى الرد الذي كتبه أستاذ علم الحديث، الأستاذ الدكتور: عبد السميع الأنيس. وهذا رابطه:
https://m.facebook.com/story.php?sto...ibextid=NOb6eG

................
وأما ما يتعلق بدعوى الشيخ نعيم العرقسوسي نكارة متن الحديث بشبهات أثارها، فغَلَطُه فيها أنكرُ من غلطه بتضعيف السند.
وهلم فلنقفْ مع كل الحيثيات التي بنى عليها حكمه بنكارة المتن، ولنناقشها واحدة واحدة..

قال الشيخ حفظه الله في سؤال إنكاري: [هل الصبي مكلف حتى يضرب؟!] ثم أتبعه محتجا بالحديث (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ المَجْنون حَتَّى يَعْقِلَ)
ثم قال: [ومقتضى هذا الكلام انتفاء التكليف، فلا عقاب. إذن فيه نكارة بالمتن، ونكارة المتن في قوله: واضربوهم عليها لعشر، وهؤلاء ليسوا مكلفين، فلا يعاقبون.]
ونقول في تفنيد هذه الشبهة:
أولا: نَعم، هؤلاء ليسوا مكلفين، هذه حقيقة، ولكنها حقيقة لا تُعارض الحديث المذكور، ولا تَصِمُه بالنكارة في متنه، لأن الحديث ليس تكليفا للأولاد القاصرين أصلا، وليس الأمر بالصلاة موجها إليهم كما هو واضح، وإنما هو أمرٌ موجه لآبائهم وذوي الولاية عليهم. وهؤلاء من أهل التكليف بداهة.
وأمرُ الشريعة وليَّ الصبي، بأمر الصبي بالصلاة، ليس أمرا للصبي بالصلاة، إذ كيف تأمره الشريعة بما ليس مكلفا به؟!
وقد وضح الإمام النووي رحمه الله، هذه المسألة الدقيقة، عند بيانه لسن التكليف بالنسبة للغلام والجارية، في كتابه (المجموع شرح المهذب) فقال توضيحا للحديث موضوع بحثنا: (واعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة" ليس أمرًا منه صلى الله عليه وسلم للصبي، وإنما هو أمر للولي، فأوجب على الولي أن يأمر الصبي. وهذه قاعدة معروفة في الأصول: أن الأمر بالأمر بالشيء، ليس أمرًا بالشيء، ما لم يدل عليه دليل، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} اهـ المجموع (3/ 11)
وعليه فليس في الحديث تكليف لمن ليس من أهل التكليف، فلا نكارةَ في متنه من هذه الحيثية.

ثانيا: وأما قول الشيخ نعيم: [ونكارة المتن في قوله: واضربوهم عليها لعشر، وهؤلاء ليسوا مكلفين، فلا يعاقبون.]
فنقول: ليس هذا ضرْبَ عقوبة على مخالفة تكليف شرعي، وإنما ضرب تأديب وتربية على توطين نفوس الأولاد على التكليف الشرعي، ليسهل عليهم التكليف عند بلوغ سِنِّه.
وضربُ التأديب سائغ شرعا وعرفا، عندما لا يغني عنه غيره، من نحو التوجيه والتودد والترغيب والتغاضي والوعظ والترهيب والمسامحة بعد الترهيب، والإنذار بالضرب قبل الضرب... الخ..

فإن الصبي يُضرب حينئذ كما يُضرب على تعلم الحساب والإملاء مثلا، أو على هروبه من المدرسة أو الكُتَّاب إذا تكرر، ويُضرب ليكف عن عدوانيته على زملائه بالضرب، أو ليكف عن بذاءته على والديه وإخوته، أو لتفريطه وتقصيره فيما كُلّف بحفظه من نحو مال أو متاع أو دابة.. ويُضرب على تهتكه وجرأته على ما يستحيى منه من فحش في القول أو قبح في الفعل، أو نحو ذلك مما لا يعتبر في حقه مخالفات شرعية، لأنه غير مكلف، ولكنها مخالفات تربوية تُضر بمستقبل دينه ودنياه، إذا أهمله وليه وترك له حبله على غاربه.
وحكمُ الصَّبية حكم الصبي في كل ذلك.
كل هذا إذا لم يُغن عن الضرب غيرُه في تقويم العوج، ولذلك ينبغي أن يكون الضرب في أضيق نطاق، لكن لا يصح شرعا منعه من أصله، لأنه ربما يتعين في بعض الأحوال.

قال ابن قدامة في "المغني": وَلِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصِّبْيَانِ لِلتَّأْدِيبِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ؟ قَالَ: عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، وَيَتَوَقَّى بِجُهْدِهِ الضَّرْبَ، وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَلَا يَضْرِبْهُ.
وَمَنْ ضَرَبَ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ، الضَّرْبَ الْمَأْذُونَ فِيهِ، لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ. اهـ
وفي المغني لابن قدامة أيضا: مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُؤَدَّبُ الْغُلَامُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ إذَا تَمَّتْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ.) مَعْنَى التَّأْدِيبِ: الضَّرْبُ وَالْوَعِيدُ وَالتَّعْنِيفُ. قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُعَلِّمَهُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَيَأْمُرَهُ بِهَا، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّبَهُ عَلَيْهَا إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ} رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ.
وَلَفْظُ حَدِيثِ غَيْرِهِ: {مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ}. وَهَذَا الْأَمْرُ وَالتَّأْدِيبُ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِتَمْرِينِهِ عَلَى الصَّلَاةِ كَيْ يَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا وَلَا يَتْرُكَهَا عِنْدَ الْبُلُوغِ، وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.... إلى أن قال ابن قدامة: وَهَذَا التَّأْدِيبُ هَاهُنَا لِلتَّمْرِينِ وَالتَّعْوِيدِ، كَالضَّرْبِ عَلَى تَعَلُّمِ الْخَطِّ وَالْقُرْآنِ وَالصِّنَاعَةِ وَأَشْبَاهِهَا... وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. انتهى.
وبنحو ذلك قال النووي في (المجموع) فقد جاء فيه: (أما حكم المسألة: فمن لا تلزمه الصلاة لا يؤمر بفعلها لا إيجابا ولا ندبا، إلا الصبيَّ والصَّبية، فيؤمران بها ندبا إذا بلغا سبع سنين وهما مميزان، ويضربان على تركها إذا بلغا عشر سنين، فإن لم يكونا مميزين لم يؤمرا، لأنها لا تصح من غير مميز... وهذا الامر والضرب واجب على الولي، سواء كان أبًا أو جدًا أو وصيًا أو قَيّمًا من جهة القاضي... ودليل هذه القاعدة قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} وقوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإن لولدك عليك حقا" رواه مسلم... وقوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته" رواه البخاري ومسلم. قال الشافعي في المختصر - أي مختصر المُزني -: "وعلي الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة، ويضربوهم على ذلك إذا عَقَلوا" اهـ المجموع (3/ 11)

أقول:
فتبيَّن بهذا أنه لا منافاة بين ما جاء في الحديث موضوع البحث، من مشروعية ضرب الأولاد على الصلاة، وبين كونهم غير مكلفين. لأنه ضرب تأديب وتربية، لا ضرب عقوبة على ترك واجب أو فعل محرَّم.
وعليه فلا نكارة في متن الحديث من هذه الحيثية أيضا.
ثم قال الشيخ نعيم في التسجيل: [وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه مرَّ على امرأة توقظ ابنها لصلاة الصبح، وهو يتلكأ، فقال: دعيه، لا يَعنيه، فإنها ليست عليه حتى يعقلها]...
ثم بنى الشيخ على هذا الأثر أن الصبي إن غُصب على الصلاة فإنه يكرهها ويكره الذهاب إلى المسجد... إلخ وكأن الشريعة هي التي يجب أن توافق هوى الصبي، وليس العكس.

ولتفنيد هذه الشبهة نقول:
أولا: العجب من الشيخ وهو المشتغل بالإسناد والتخريج، يرد حديثا مسندا قَبِله الأئمة، ويحكم بنكارة متنه، بأثرٍ عن سيدنا عمر، يرى الشيخ أنه يعارض الحديث، مع أنه لم يذكر لهذا الأثر إسنادا موصولا ولا مقطوعا، مكتفيا بقوله: وروي عن سيدنا عمر...
ثانيا: هذا الأثر الذي ذكره عن عمر رضي الله عنه، نقله ابن رجب الحنبلي في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري) - وهو بنفس اسم "فتح الباري" لابن حجر، وقبْله بنحو من سبعين سنة - نقله ابن رجب بنفس الصيغة التي قرأها الشيخ نعيم.
وقد وجدتُ هذا الأثر مُسندا إلى عمر رضي الله عنه، في كتاب (الهم والحزن لابن أبي الدنيا) المتوفى سنة 281 هجرية. فإنه قال فيه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا خالد بن إسماعيل، عن محمد بن أبي يحيى، عن أمه، عن جدته، أن عمر بن الخطاب مَرَّ على امرأة وهي توقظ ابنها لصلاة الصبح فهو يأبى. فقال: دعيه لا تُعَنِّيه، فإنها ليست عليه حتى يعقلها.
ولستُ أدري عن حال سند هذا الأثر عند أهل الحديث، ولم أجد من حكم عليه بصحة ولا ضعف.
ولكنْ دلَّتنا رواية ابن أبي الدنيا على تصحيفٍ في الأثر، وقع في كلام الشيخ نعيم، تبعا لنص ابن رجب، وذلك في قوله: "لا يَعْنيه" بمعنى: أن هذا ليس من شأن الصبي.
والعبارة ليست بهذا اللفظ ولا هذا المعنى، وإنما هي كما عند ابن أبي الدنيا: "لا تُعَنِّيه" أي: لا تُحَمِّليه عناء القيام لصلاة الصبح.
ثالثا: هذا الأثر إن صح، فإنه لا يعارض حديث الأمر بأمر الأولاد بالصلاة وضربهم عليها، إذ هو محمول على أنَّ ذلك الصبي كان دون سن التمييز.. وهذا واضح جدا في قوله: (فإنها ليست عليه حتى يعقلها) ولم يقل: (حتى يبلغ سن التكليف)
فلعل تلك المرأة غلَتْ في حرصها على قيام ابنها لصلاة الصبح، وهو لا يزال في الخامسة أو السادسة من عمره. ولا يَبعُدُ وجود مثل هذا الحرص عند بعض الآباء والأمهات. فهؤلاء الذين يقال لهم: (ليست عليه حتى يعقلها)
وقد سبقت عبارة النووي حين قال في حكم الصبيَّ والصَّبية: (فإن لم يكونا مميِّزَين لم يؤمرا بالصلاة، لأنها لا تصح من غير مميز)
وعليه فتنتفي من هذه الحيثية أيضا، النكارةُ التي زعمها الشيخ نعيم، في متن الحديث موضوع البحث.
ثم قال الشيخ في التسجيل، في سياق تعداد حيثيات الحكم بنكارة متن الحديث: [ربُّنا قال في القرآن: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} ما قال: واضربهم عليها]
ولتفنيد هذه الشبهة أقول: هذا منهج عجيب في دفع السنة بالقرآن، من غير تعارض موجب لذلك.
وأين التعارض بين الأمر بأمر الأهل بالصلاة والاصطبار عليها، وبين الأمر بضرب الأولاد إن أبَوا الصلاة في سن العاشرة؟!!
إن مَثَل هذا الاستدلال، كمَثَل من ينكر رجم الزاني المحصن، الذي جاءت به السنة، بدعوى أنه يخالف القرآن، ويقول: ربنا قال في القرآن: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ولم يقل: (فارجموا المحصن منهما)
وجواب الشيخ نعيم على هذا الاستدلال الباطل في دفع حديث الرجم، هو جوابنا على استدلاله المذكور في دفع حديث ضرب الأولاد على الصلاة.
فكما أنه لا تعارض ولا تدافع بين الأمر بجلد الزاني البكر، الثابت في القرآن، والأمر برجم المحصن الثابت في السنة، فكذلك لا تعارض ولا تدافع بين الأمر بأمر الأهل بالصلاة، الثابت في القرآن، وبين الأمر بضرب الأولاد عليها، الثابت في السنة، في سن العاشرة.
وعليه فتنتفي النكارةُ التي زعمها الشيخ نعيم، في متن الحديث موضوع البحث، من هذه الحيثية أيضا.
ثم قال الشيخ نعيم في تعداد حيثيات ما يراه نكارة في متن الحديث موضوع البحث: [ثم فِعلُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد أنه لم يضرب طفلا ولا امرأة.. كان رحيما رفيقا. صلى الله عليه وسلم]

وأقول في تفنيد هذه الشبهة:
أجل والله، كان صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، بأبي هو وأمي، لم يضرب طفلا ولا امرأة ولا خادما.. وقد ثبت ذلك في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
لكن من الذي قال: إن ضرب المرأة أو الخادم واجب ديني، حتى نبطل قوله بهذا الاستدلال؟
إن الضرب للتأديب رخصة شرعية في حالات استثنائية، وقد يأخذ بهذه الرخصة قوم، وقد يستغني عنها آخرون. فأين المشكلة في ذلك؟!
ثم إن من المسلَّمات: أن بعض ما يليق بسائر الأمة من الترخص بضرب التأديب، لا يليق مِثلُه برحمة العالمين صلى الله عليه وسلم، وذلك على وفق القاعدة الشهيرة، وهي من قول أبي سعيد الخراز: (حسناتُ الأبرار سيئاتُ المقربين)
ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم لم يضرب أحدا من نسائه حين سألنه ما ليس عنده من النفقة.
وفعلها الصِّديق رضي الله عنه، فَوَجَأ عنق امرأته حين سألته شيئا من ذلك، كما ثبت في صحيح مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ. قَالَ: فَأُذِنَ لأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ - ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ - فَوَجَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا. قَالَ: فَقَالَ لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلاَهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ.. الحديث.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب خادما قط، وفعلها الصِّديق رضي الله عنه، كما في الحديث الذي في سنن أبي داود وغيره، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَّاجًا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَرْجِ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَزَلْنَا، ... وَكَانَتْ زِمَالَةُ أَبِي بَكْرٍ وَزِمَالَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدَةً، مَعَ غُلاَمٍ لأَبِي بَكْرٍ، فَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهِ، فَطَلَعَ وَلَيْسَ مَعَهُ بَعِيرُهُ، قَالَ: أَيْنَ بَعِيرُكَ؟ قَالَ: أَضْلَلْتُهُ الْبَارِحَةَ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَعِيرٌ وَاحِدٌ تُضِلُّهُ؟! قَالَ فَطَفِقَ يَضْرِبُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَبَسَّمُ وَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُحْرِمِ مَا يَصْنَعُ.
قوله: (وَكَانَتْ زِمَالَةُ أَبِي بَكْرٍ وَزِمَالَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدَةً) أي مركوبُهُما وأداتُهما وما كان معهُما في السَّفر.
أقول: فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب أحدا ضرب تأديب، ولكنه أقرَّ من فعله كما رأينا. فأين مقتضِي الحكم بنكارة حديث ضرب الصبيان على الصلاة؟!
ثم إن الإذن بضرب النساء على النشوز بضوابطه، ثابت في محكم التنزيل في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]
فهل تقتضي هذه الآية أيضا نكارة متن الحديث المتقدم في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا.. كما اقتضت آية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} نكارة متن حديث ضرب الأولاد على الصلاة، بزعم الشيخ نعيم؟!
وعليه، فلا نسلِّم للشيخ نعيم دعوى النكارة في متن حديثِ ضربِ الصبيان على الصلاة، من هذه الحيثية أيضا.
ثم قال الشيخ في التسجيل: [المهم أن الطفل يدرب على العبادة تدريبا لطيفا، ويُغرَى بذلك إغراء حتى يحب العبادة، وأهم شيء القدوة الحسنة...]
وأقول: لا خلاف على صحة هذا الكلام، ولكن ليس فيه ما ينفي الرخصة بالضرب بضوابطه، إذا أخفقت كل تلك الإجراءات.
ثم ختم الشيخ بكلام بيَّن فيه سبب كل هذا التكلف العجيب الذي سبق، في رده حديث ضرب الأولاد على الصلاة، سندا ومتنا، وإذا عُرف السبب بطل العجب، فقال: [فإذن ليش نحن اليوم نقول: الحديث ضعيف إسنادا ومنكر متنا؟]
ثم طفق يجيب على هذا التساؤل بقوله: [لأنه هناك غزو على الإسلام.. يقولون: هناك عنف أسري في الإسلام. لا ما في عنف أسري، هذا كله غلط.]
وأقول: غفر الله للشيخ على هذه المجاملة الممجوجة، لثقافة العولمة السائدة، على حساب العلم الشرعي، وأحكام الفقه الإسلامي..
المجاملة التي كلفته أن يركب الصعب ويتكلف الاستدلالات الواهية التي خالف فيها الجماهير من أهل الفقه والحديث عبر قرون الإسلام، وغلَّط فيها حكما فقهيا أطبقت على تقريره مذاهب أهل السنة الأربعة، بل خالف الشيخُ فيها نفسَه حين ضعَّف نفس الحديث الذي سبق له الحكم بتحسينه في تحقيقه لمسند الإمام أحمد..

ثم خالف نفسه مرة أخرى في نفس هذا التسجيل، فإنه بعد أسهب في رد الحديث سندا ومتنا.. عاد فقبل القسم الأول منه، حين قال في آخر التسجيل: [إذن نأمر أولادنا بالصلاة، القسم الأول مظبوط، إذا بلغوا سبعا، لأنه صار واعيا..]
كل ذلك.. وصولا إلى هذه الغاية المرسومة سلفا وهي: تبرئة الشريعة من تهمة العنف الأسري.

ولا بد هنا من التنبيه إلى هذا الخلل المنهجي الذي وقع فيه الشيخ الفاضل - وقد رصدتُه لدى غير واحد من الفضلاء المشتغلين في العلم والدعوة - وهو: أنه حدد النتيجة التي يريدها من البحث سلفا، وهي: تبرئة الشريعة من تهمة العنف الأسري. ثم وجه البحث والأدلة باتجاه تلك النتيجة، غير آبه بما يكلفه ذلك من تجاهل لحقائق ثابتة، وتحريف لأحكام راسخة، واضطراب وتناقض في نفس البحث.

وشتان بين من يدخل غمار البحث وقد أسلم قياده لحقائق العلم ومعطيات الأدلة، يدور معها حيث دارت، ويغتبط بالنتيجة أيا كانت، وبين من يدخل غمار البحث، آخذا بمقاليد الأدلة ومعطيات العلم، يستنطقها بما لم تنطق به، لتكون طوع رغبته في الوصول إلى النتيجة المرسومة سلفا.

ولا أقول هذا استنتاجا ولا تخمينا، ولا دخولا في النيات كما يقال.
وإنما هو منطوق كلام الشيخ الفاضل في التسجيل حين قال: [فإذن ليش نحن اليوم نقول: الحديث ضعيف إسنادا ومنكر متنا؟ لأنه هناك غزو على الإسلام.. يقولون: هناك عنف أسري في الإسلام. لا ما في عنف أسري، هذا كله غلط.]

وأحب أن أهمس في أذن الشيخ الفاضل، وفي أذن كل المشتغلين في العلم والدعوة، الذين يقيمون وزنا لمثل هذه التهم الموجهة إلى الشريعة: إن هذه التهمة أحقرُ من أن يلتفت مثلُك إلى مثلها، أو يرفعها من حضيضها، ويرفع من خسيستها، وإن إقرارك بأنها تهمة وجيهة، يعتبر نصرا مجانيا قدَّمتَه لأعداء الشريعة في هذه الجولة.
وإن تطويعك الأدلة الشرعية لدفع التهمة المزعومة، جولة نصر أخرى لهم، وليس وراء ذلك من طائل.
وإلا فهبْ أنك نفيت عن الشريعة تهمة العنف الأسري في قضية ضرب الأولاد على الصلاة، بِرَدّك الحديث في ذلك سندا ومتنا.. فماذا ستفعل في تهمة العنف الأسري الأخرى، الثابتة في محكم القرآن في الإذن بضرب الزوجة الناشز، في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]؟؟
أليس هذا عنفا أسريا من وجهة نظر أعداء الشريعة؟
ولا سبيل إلى إنكار الآية، ولا إلى تأويلها تأويل المبطلين.

وعليه فإننا نقول: بلى، واضربوهم عليها لعشر. غيرَ آبهين بنباح الشانئين للدين. فإن هذا من الأحكام التي اتفق عليه فقه المذاهب الأربعة، كما سبق النقل عن مذهب الشافعي في المجموع للنووي، وقول الشافعي نفسه، كما في مختصر المزني: "وعلى الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة، ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا"
وسبق النقل عن المغني لابن قدامة في بيان مذهب الإمام أحمد في ذلك.
وفي (مراقي الفلاح) في الفقه الحنفي: (يشترط لفرضيتها) أي لتكليف الشخص بها (ثلاثة أشياء الإسلام) لأنه شرط للخطاب بفروع الشريعة (والبلوغ) إذ لا خطاب على صغير (والعقل) لانعدام التكليف دونه (و) لكن (تؤمر بها الأولاد) إذا وصلوا في السن (لسبع سنين وتضرب عليها لعشر، بيد لا بخشبة) أي عصا كجريدة رفقاً به وزجراً بحسب طاقته، ولا يزيد على ثلاث ضربات بيده. قال صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" اهـ

وفي (المدونة الكبرى) في فقه الإمام مالك: وَقَالَ مَالِكٌ : تُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرُوا.
قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَسَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ صَاحِب النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ}
وفي شرح مختصر خليل في الفقه المالكي: يقال أثغر الصبي: إذا سقطت أسنانه وإذا نبتت والمراد هنا الأول. وإذا دخل في عشر سنين ولم يمتثل بالقول ضُرب ضربا خفيفا مؤلما حيث علم إفادته، والصواب اعتبار الضرب بحال الصبيان، والأمر للصبي بالفعل ولوليه بالأمر بها من الشارع، لخبر أبي داود: {مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع} انتهى.
فهذا حكم المسألة واحدٌ في جميع مذاهب أهل السنة، وكلهم استدل بالحديث الذي اجتهد الشيخ نعيم غفر الله له، في رده وإبطاله، إرضاء للطاعنين في الشريعة، وهيهات، فقد أطبقت الأمة على قبوله والعمل بمقتضاه.
فهلمَّ فلننظر إلى شريعتنا بعيوننا التي ترينا فيها كل جمال وكمال وحكمة، لا بعيون أعدائنا التي ترينا الكمال نقصا، والجمال قبحا، والحكمة حمقا.
والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 72.86 كيلو بايت... تم توفير 1.66 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]