الدروس المستفادة من حادثة الأفك - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13173 - عددالزوار : 349714 )           »          انفعالات المراهق- عندما ننظر للمراهق على أنه إنسان.. عندها فقط نعرف ما يريد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 1308 )           »          وقفات مع دعاء الاستفتاح...مقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 161 )           »          هَمٌّ فحزنٌ فعجزٌ فكسلٌ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 159 )           »          بِالْعِلْمِ تَرْقَى الْأُمَمُ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 142 )           »          لو أني فعلت لكان كذا وكذا.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          الصِّحافة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 136 )           »          سألتُه وكان ردُّه: الإسلام هو الخيار الذي أوصيك به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 116 )           »          نفحات إيجابية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 136 )           »          العزيز المقتدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 238 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-08-2024, 02:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,326
الدولة : Egypt
افتراضي الدروس المستفادة من حادثة الأفك

الدروس المستفادة من حادثة الأفك ـ 1 ـ


الشيخ أحمد النعسان

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الدرس:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فقد وقفنا في الدروس الماضي مع قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ) رواه البخاري, وعرفنا بأن المصائب هي تكفير للسيئات, أو رفع في الدرجات, ونحن نسأل الله تعالى أن يكفِّر عنا سيئاتنا, ويرفع درجاتنا بدون فتنة ولا محنة, لأنا ضعفاء.
وذكرنا بأن أشدَّ الناس ابتلاء هم الصفوة من خلق الله عز وجل, وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام.
وما دمنا نعيش في ظلال ذكرى الإسراء والمعراج التي كانت مِنْحة بعد مِحَن عظيمة, حيث بدأت تلك المِحَن من قول عم النبي صلى الله عليه وسلم أبي لهب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا) رواه البخاري, إلى هجرته للطائف, وحصل الذي حصل له صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف, بعد هذه المِحَن جاءت مِنْحة الإسراء والمعراج.
حادثة الإفك من جملة الابتلاءات:
أيها الإخوة: لن أتحدَّث عن الابتلاءات التي كانت قبل حادثة الإسراء والمعراج لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكن سأتحدث لكم عن ابتلاء عظيم أصاب سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم, وأصاب زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها, وأصاب سيدنا أبا بكر وزوجته رضي الله عنهما, وأصاب سيدنا صفوان بن المعطَّل رضي الله عنه, ثم أصاب المجتمع الإسلامي كلَّه, ألا وهو حدث الإفك الذي تولى كِبره رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلون عامله الله تعالى بعدله. آمين.
خبر الإفك كما ترويه السيدة عائشة رضي الله عنها:
أيها الإخوة: سوف أسوق لكم حادث الإفك كما ترويه أمنا الطاهرة, حبيبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, الصدِّيقة بنت الصدِّيق, التي برَّأها الله تعالى من فوق سبع سماوات, سوف أسوق لكم هذا الحدث العظيم لنقف من خلاله مع قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها ما خلاصته كما جاء في الصحيحين:
(فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته ـ غزوة بني المصطلق ـ تلك وقَفل, آذن ليلة بالرحيل, فقمت إلى بعض شأني, فلما رجعت إلى الرحل لمست صدري فإذا عقدي قد انقطع, فرجعت فالتمسته فحبسني ابتغاؤه, قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحِّلوني فاحتملوا هودجي ـ وكان ذلك بعد نزول آية الحجاب ـ فرحَّلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه, وهم يحسبون أني فيه...
فبعثوا الجمل فساروا, ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش, فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب, فيممت منزلي الذي كنت به, وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليَّ, وكان صفوان بن المعطل من وراء الجيش, فأصبح عند منزلي, فرأى سواد إنسان, فعرفني حين رآني, وكان رآني قبل الحجاب, وكنت قد غلبتني عيناي فنمت, فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني, فخمَّرت وجهي بجلبابي, ووالله ما تكلمنا بكلمة, ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه, وهوى حتى أناخ راحلته, فقمت إليها فركبتها, فانطلق يقود بين الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة, وهم نزول, فهلك من هلك في شأني, وكان الذي تولى كِبْر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول.
قالت: واشتكيت حين قدمنا المدينة شهراً, والناس يُفيضون في قول الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك, غير أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي, إنما يدخل فيسلِّم ثم يقول: كيف تيكم؟
فلما نُقِهتُ خرجت ذات ليلة مع أم مسطح لقضاء حاجة ـ ولم نكن قد اتخذنا الكنف ـ فلما رجعنا عثرت أم مسطح في مرطها, فقالت: تعس مسطح, فقلت لها: بئس ما قلت, أتسبين رجلاً قد شهد بدراً؟ قالت: أوَلم تسمعي ما قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك, فازددت مرضاً إلى مرضي, وبكيت تلك الليلة حتى أصبحت, لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم, وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير بعض أصحابه في الأمر وفي فراق أهله, فمنهم من يقول: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً, ومنهم من يقول: لم يضيِّق الله عليك, والنساء كثير, واسأل الجارية ـ يعني بريرة ـ تصدقك.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة وسألها: هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ فأخبرته أنها لم تعلم عنها إلا الخير.
فقام عليه الصلاة والسلام على المنبر فقال: يا معشر المسلمين, من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً, ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً. فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله, إن كان من الأوس ضربنا عنقه, وإن كان من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فتلاغط الناس في المسجد حتى أسكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبواي عندي, وهما يظنان أن البكاء فالق كبدي, ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل, وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهد حين جلس, ثم قال: أما بعد يا عائشة, فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا, فإن كنت بريئة فسيبرئك الله, وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه.
قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحسُّ منه قطرة, فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: والله ما أدري ما أقول, فقلت لأمي: أجيبي عني, فقالت: والله ما أدري ما أقول, فقلت: والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به, فإن قلت لكم إني بريئة ـ والله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقوني في ذلك, ولئن اعترفت لكم بأمر ـ والله يعلم أني بريئة ـ لتصدقنني, إني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون}, قالت: ثم تحوَّلت فاضطجعت على فراشي.
قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه, ولا خرج من أهل البيت أحد, حتى أنزل الله عز وجل على نبيه, فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي, حتى إنه ليتحدَّر منه مثل الجُمان من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي أنزل عليه, قالت: فسرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك, فكانت أول كلمة تكلَّم بها أن قال: أبشري يا عائشة, أما الله فقد برَّأك, فقالت أمي: قومي إليه (أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشكريه) فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله, و الذي أنزل براءتي.
قالت فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم}.
قالت: وكان أبي ينفق على مسطح لقرابته منه ولفقره, فقال: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة, فأنزل الله عز وجل: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيم}. فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي, فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه.
وقفات مع هذا الحدث قبل استنباط الخير منه مع العبر:
أيها الإخوة الكرام: سوف أقف مع هذا الحدث الجليل قبل استنباط جوانب الخير فيه, كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}.
أولاً: كثرة المنافقين في غزوة المريسيع:
هذا الحدث كان بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة المريسيع غزوة بني المصطلق, والتي خرج فيها عدد كبير من المنافقين الذين كانوا يتخلفون عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزوات السابقة, ولكنهم عندما رأوا النصر للمسلمين غزوة بعد غزوة طمعوا في الغنائم.
ومما لا شك فيه بأن النفاق والمنافقين جرثومة تفتك في جسم المجتمع الإسلامي, لأن هؤلاء يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام, وخطرهم على الأمة أشدُّ من خطر أهل الكتاب والمشركين, ولذلك كان عقابهم يوم القيامة أشد من عقاب غيرهم, كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}.
ثانياً: أهمية العدل بين النساء:
عدل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائه, وهو أمر معروف ومعلوم, وهو كما أخبر عن ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ, فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ) رواه أبو داود.
وأما عدله بين نسائه صلى الله عليه وسلم في السفر فكان بالقرعة, وهذا ما ينبغي أن يتنبَّه إليه من عدَّد النساء, فإذا أراد السفر فعليه أن يُقرِع بين نسائه إذا أراد أن يسافر مع إحداهنَّ, وعلى سبيل المثال سفره إلى العمرة.
ثالثاً: قلة الطعام شعار المسلم:
قلة طعام أهل بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, حيث أقبل الرهط ـ والرهط هم الجماعة من الثلاثة إلى التسعة ـ لحمل الهودج الذي كانت فيه السيدة عائشة رضي الله عنها, حملوا الهودج وهم يظنون أن السيدة عائشة رضي الله عنها فيه, وما شعروا بفقدها, وهو دليل على نحافة بدنها رضي الله عنها لقلة طعامها, كما تقول رضي الله عنها: (وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنْ الطَّعَامِ) رواه البخاري, والعلقة من الطعام: هو الشيء القليل الذي يسكِّن الرمق.
رابعاً: وجوب ستر الوجه:
إن مسألة ستر الوجه التي اختلف فيها الفقهاء رضي الله عنهم قد ينهيها هذا الحديث الشريف الذي ترويه السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها: (فخمرت وجهي بجلبابي), وبقولها: (كان رآني قبل الحجاب).
وإذا كانت السيدة عائشة رضي الله عنها خمَّرت وجهها أمام صحابي جليل شهد له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ما علم عنه إلا خيراً, فماذا تفعل نساؤنا اليوم في هذا الوسط الذي نعيشه؟
لا شك أن نساء اليوم بحاجة إلى ستر الوجه أكثر من أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهنَّ, لفساد كثير من رجال العصر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
خامساً: الدفاع عن أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة أهل بدر الكرام:
قول السيدة عائشة رضي الله عنها لأم مسطح: (أتسبين رجلاً قد شهد بدراً)؟ فيه الدليل على وجوب الغيرة والدفاع عن أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وخاصة أهل بدر الكرام, حيث كان فيهم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم, ولكن لا خير في أمة إذا كان آخرها يلعن أولها والعياذ بالله تعالى.
سادساً: لزوم الأدب مع أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على الأمة:
عندما استشار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم في فراق أهله, فقال سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه: (أَهْلُكَ يَا رَسُولَ الله, وَلا نَعْلَمُ وَالله إِلا خَيْرًا) رواه البخاري.
أما سيدنا علي رضي الله عنه فقال: (يَا رَسُولَ الله لَمْ يُضَيِّقْ الله عَلَيْكَ, وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ, وَسَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ).
وهناك بعض الحمقى من يحاول أن يطعن في سيدنا علي وسيدتنا عائشة رضي الله عنهما, ويوهم الآخرين بأن سيدنا علياً رضي الله عنه كان يتحسس من السيدة عائشة رضي الله عنها.
والحقيقة هي: أن سيدنا علياً رضي الله عنه رجَّح جانب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عنده من القلق والغم بسبب حديث الإفك, وكان صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة, كما قال صلى الله عليه وسلم: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَالله لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ, وَالله أَغْيَرُ مِنِّي) رواه البخاري ومسلم.
فرأى سيدنا علي رضي الله عنه أنه إن فارقها سكن عنده القلق حتى تتحقَّق براءتها, فكان رأيه هو المصلحة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من انزعاجه, ولكنه رضي الله عنه لم يجزم بفراقها, لأنه عقب ذلك بقوله: (وَسَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ), وبذلك فوَّض الأمر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سابعاً: تعلَّم كيف يكون حلُّ المشاكل الزوجية:
عندما دخل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة رضي الله عنها, تشهد حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة, فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا, فإن كنت بريئة فسيبرئك الله, وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه.
من خلال هذا الموقف يتعلَّم الرجل كيف يحلُّ المشاكل في حياته الزوجية, بحيث يبعد الشيطان عن ذلك المجلس, وذلك بالتعوُّذ والبسملة والنطق بالشهادتين, ومناداة الزوجة باسمها أو لقبها الذي تحبه.
ووالله لو فعل رجالنا اليوم هذا عند حلِّ المشاكل في الحياة الزوجية لرأيت أكثر المشاكل تحلُّ بين غمضة عين وانتباهتها, أما معالجة المشكلة بالسبِّ والشتم واللعن والضرب فإن الشيطان سوف يؤجج نار الخلاف بين الزوجين.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لمتابعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والتخلُّق بأخلاقه الشريفة في سائر أحوالنا, لأنه لا سعادة إلا بالاتباع, ولا شقاء إلا بالابتداع.
ولعلنا نقف في الدرس القادم مع الخير في هذا الحدث, ومع العِبَر التي أشار إليها مولانا بقوله: {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم, سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-08-2024, 05:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,326
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدروس المستفادة من حادثة الأفك

العبر والدروس المستفادة من حادثة الإفك ـ 2 ـ




الشيخ أحمد النعسان




بسم الله الرحمن الرحيم


خلاصة الدرس الماضي:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد انتهينا في الدرس الماضي إلى بعض العبر والدروس المستفادة من حادثة الإفك, والتي سمعنا حديثها من السيدةِ أمِّنا حبيبةِ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدِّيقةِ بنت الصديق رضي الله عنها المبرَّأة من الله تعالى.
عرفنا أولاً: كثرة المنافقين وأنهم حريصون على الدنيا لذلك باعوا دينهم بدنياهم.
ثانياً: أهمية العدل بين النساء, وخاصة لمن عدَّد نساءه.
ثالثاً: قلة الطعام شعار المسلم, لأن الإسراف في الطعام مضرَّة.
رابعاً: وجوب ستر وجه المرأة المسلمة أمام الرجال الأجانب.
خامساً: وجوب الدفاع عن أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة أهل بدر الكرام.
سادساً: لزوم الأدب مع أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً.
وأخيراً: يجب أن نتعلم من السيرة العطرة كيف نعالج مشاكل بيوتنا.
قصة الإفك حلقة من سلسلة فنون الإيذاء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أيها الإخوة الكرام: إن قصة الإفك هي في الحقيقة سلسلة من الفنون في الإيذاء لسيدنا رسول الله التي لقيها من أعدائه صلى الله عليه وسلم, ولقد كانت هذه الأذية أشد في وقعها على نفسه صلى الله عليه وسلم من كل المحن السابقة, وتلك هي طبيعة الشرِّ الذي كان يصدر من المنافقين, وُجِد الإفك صورة فريدة للأذى الذي تفرَّد به المنافقون.
نعم, لقد وطَّن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه لتحمل كلِّ صور الأذى والعذاب والمحن, وذلك من خلال قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين}. فكل شيء يتصوَّره الإنسان من صور الابتلاء والمحن والأذى ويوطِّن نفسه على ذلك, أما هذه فقد فوجئ بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها طعنة في أخص ما يعتز به إنسان, وأخص ما يتصف به الشرفُ والكرامة.
وما الذي يدري النبي صلى الله عليه وسلم أنها شائعة صحيحة أو باطلة؟ لذلك كانت أبلغ في نفسه صلى الله عليه وسلم من غيرها, فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس له اطلاع على الغيب إلا إذا أطلعه الله تعالى عليه وليس له اطلاع على الضمائر المجهولة.
لذلك اضطر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المحنة لشدة وقعها في نفسه الشريفة, وأخذ يستنجد بأهل الرأي من أصحابه الكرام, وما ذلك إلا التزاماً بقوله تبارك وتعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}.
الحكمة من تأخر الوحي في حادثة الإفك:
أيها الإخوة الكرام: لعل البعض يتساءل: ما هي الحكمة من تأخر الوحي في مثل هذا الحديث العظيم الذي أقلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, مع العلم بأن الله قادر على تفريج كربه صلى الله عليه وسلم مباشرة, وذلك بتبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها, وهو صلى الله عليه وسلم سيد البشر بل سيد أولي العزم من الرسل؟
الجواب والله تعالى أعلم:
أولاً: أن نعلم علم اليقين بأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خرج عن دائرة البشرية بنبوته ورسالته, فهو يتألم لما يتألم البشر, ويتأثر لما يتأثر البشر, أليس هو القائل صلى الله عليه وسلم: (لا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا, فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ)؟ رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
فهو صلى الله عليه وسلم بشَّر كما قال عنه تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}. وطالما أنه بشر فيجري عليه ما يجري على البشر, لأنه صلى الله عليه وسلم قدوتهم وإمامهم, فهو صلى الله عليه وسلم يتأثر كما يتأثر البشر إذا بلَّغه أحد عن أصحابه شيئاً, فكيف إذا كان في أهل بيته؟ فهو يتأثر تأثراً شديداً ولكن هذا التأثر لا يخرجه عن دائرة الأحكام الشرعية وحاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أن نعلم علم اليقين بأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا إذا علَّمه الله تعالى, كما قال تعالى مخبراً عنه: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون}. وكما قال لسيدنا جبريل عليه السلام عندما سأله عن الساعة: (متى السَّاعةِ قَالَ: مَا المسْؤُولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِن السَّائِلِ) رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
هناك أيها الإخوة من يظن أن كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا جبريل عليه السلام هو نوع من أنواع التواضع, وأنه صلى الله عليه وسلم يعلم متى تقوم الساعة وهذا كلام خطير, لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لسيدنا جبريل عليه السلام: (مَا المسْؤُولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِن السَّائِلِ). هو صادق في قوله صلى الله عليه وسلم, وكذلك في حادثة الإفك هو لا يعلم عن أهله إلا خيراً, ولكن لا يستطيع صلى الله عليه وسلم أن ينفي ولا يثبت, وهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وبأن الله تعالى سوف يبرِّئ السيدة عائشة رضي الله عنها.
ثالثاً: إظهار مدى صبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحمُّله, وأنه مهما اشتدَّ البلاء عليه, فإن ذلك لا يخرجه من دائرة الشريعة, لقد أبطأ الوحي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغت القلوب الحناجر, وهو لا يستطيع إلا أن يقول بكلِّ تحفُّظ واحتراس: (فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْرًا). لقد بذل كل الجهد في التحري والسؤال واستشارة الصحب الكرام والكل يقول: ما علمنا عليها من سوء, عند ذلك لم يزد أن قال للسيدة عائشة رضي الله عنها: (يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ). ما هذا الصبر من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
رابعاً: الحكمة الرابعة من حكم تأخر الوحي هي أن نعلم علم اليقين بأن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل, لأنه لو كان القرآن من عنده صلى الله عليه وسلم لحسم الأمر مباشرةً وحمى عرضه وذبَّ عن شرفه وقطع الألسن, ولكن الكلام هو كلام الله عز وجل وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم ولا من كلام أحد من البشر على الإطلاق, وصدق الله القائل: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِين * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين}.
خامساً: لا يضق صدرك إذا تأخَّر الفرج, وإيَّاك أن تشكَّ أو تتزعزع في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور}. فإذا كان سيد الخلق وحبيب الحق تأخَّر عنه الفرج شهراً كاملاً وهو في أحلك الظروف وأشد أنواع الابتلاء مع كرامته عند ربه عز وجل, فلا يضق صدرك إذا تأخَّر الفرج, واعلم بأن انتظار الفرج عبادة, وكن على يقين بأن الفرج آت لا محالة, عرف هذا من عرف وجهله من جهله, علينا أن نأخذ بالأسباب بالشكل الذي أمرنا الله تعالى به, ثم ننتظر النتائج من الله تعالى, علينا أن نعالج الأحداث بالأسباب وننتظر الفرج من الله تعالى, والفرج يأتي من الله تعالى في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي نريد, { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}.
الناس في حدث الإفك أربعة أصناف:
أيها الإخوة الكرام: إن حَدَث الإفك الذي رُمِيَت به الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها قسَّم الناس إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: سارعوا إلى تكذيب الخبر, ووصفوه بالكذب والافتراء, وبرَّؤوا السيدة عائشة رضي الله عنها, وهذا القسم كان ينبغي أن يكون لجميع المسلمين وأن يقفوا هذا الموقف, كما قال تعالى: {لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِين}. وتنبَّهوا أيها الإخوة إلى قول الله تعالى: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ}. حيث تُشعِر هذه الآية بأن المؤمنين يجب أن يكونوا كالجسد الواحد, وأن يظن الإنسان بالمؤمنين كما يعلم من نفسه من استقامته على شرع الله, وهذه الآية كقوله تعالى: {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ}. فالمؤمنون كالجسد الواحد, كما جاء في الحديث الشريف: عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه مسلم. وفي رواية أخرى قوله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ).
وهذا ما تجسَّد من سيدنا أبي أيوب مع أم أيوب رضي الله عنهما في حادثة الإفك. وذلك عندما قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: «بلى، وذلك الكذب، أكنت أنت يا أم أيوب فاعلة ذلك؟» قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: «فعائشة والله خير منك». قال : فلما نزل القرآن ذكر الله من قال في الفاحشة ما قال، ثم قال: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين} أي: فقولوا كما قال أبو أيوب وصاحبته. رواه ابن أبي حاتم وغيره.
القسم الثاني: وهو أكثر الناس, حموا أسماعهم وألسنتهم, فسكتوا ولم ينطقوا إلا بخير, ولم يصدقوا ولم يكذبوا.
القسم الثالث: كانوا جملة من المسلمين لم يصدقوا ولم يكذبوا ولم ينفوا, ولكنهم يتحدثون بما يقول أهل الإفك وهم يحسبون أن الكلام بذلك أمر هيِّن لا يعرضهم لعقوبة الله, ولأن ناقل الكفر ليس بكافر, وحاكي الإفك ليس بقاذف, وهؤلاء عاتبهم ووجههم ربنا عز وجل بقوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم * وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم}.
وهؤلاء الذين خاضوا في حديث الإفك وهم يحسبون أنه هيِّن من غير قصد السوء والتشهير والجرح, بل مجرد نقل الحديث الذي يقال بدون نفي ولا إثبات ولا تقصُّد تشنيع الأمر لم يضيع فضائلهم التي عملوها, حيث أثبت لمسطح هجرته وإيمانه, قال تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}.

فهذا القسم خاض في الحديث وكان عددهم قليلاً لأنهم لا يعرفون الحكم الشرعي في التحدث عنه ويحسبون كما قلت ناقل الكفر ليس بكافر وحاكي الإفك ليس بقاذف, فأدَّب الله الأمة من خلال هؤلاء بقوله: {وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم}. فلم يبق لأحد بعد نزول هذه الآية والله تعالى أعلم.
القسم الرابع: هم الذين جاؤوا بالإفك, وعلى رأسهم عبد الله بن أبي عدو الله رأس المنافقين لعنه الله, وهو الذي تولى كبره, فقد أشار الله تعالى إلى موته على الكفر, قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِين}.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة: لنحفظ الرأس وما وعى, لنحفظ ألسنتنا وأسماعنا حتى لا نندم, لا تسمع لقذف ولا لذم ولا لانتقاص, لأن الطامة الكبرى إذا ظهرت براءة المتهم وبالأخص إذا كان ولياً لله عز وجل, وفي الحديث: عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه. قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (إِنَّ اللَّه تعالى قال: منْ عادى لي ولياً فقدْ آذنتهُ بالحرب) رواه البخاري.
ورحم الله تعالى الإمام الشافعي إذ يقول:


إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى *** وذنبك مغفور وعرضك صيِّن




فلا ينطلق منك اللسان بسوءة *** فللناس سوآت وللناس ألسن




وعينك أن أهدت إليك معابياً *** فغمِّض وقل يا عين للناس أعين





وعاشر بمعروف وسامح من امتدى *** ولا تدفع إلا بالتي هي أحسن


أسأل الله لي ولكم حسن الختام, ولعلنا نتابع الحديث عن العبر والفوائد من حدث الإفك في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سبحان ربك رب العزة عمَّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-08-2024, 04:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,326
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدروس المستفادة من حادثة الأفك

الدروس المستفادة من حادثة الإفك ـ 3 ـ


الشيخ : أحمد النعسان



بسم الله الرحمن الرحيم

خلاصة الدرس الماضي:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فقد ذكرنا في الدروس الماضية حديث الإفك الذي قال فيه مولانا عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}. حيث كنا نتحدث عن حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ) رواه البخاري.
لا يعرف هذا إلا المؤمن:
أيها الإخوة الكرام: المؤمن هو الذي يعرف هذه الحقيقة المستمدَّة من كتاب الله عز وجل ومن هدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, المؤمن هو الذي يعلم بأن الأمور كلَّها بيد الله عز وجل, وأن المشيئة النافذة هي مشيئة الله عز وجل, وذلك لقوله تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
المؤمن هو الوحيد الذي يعلم قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}. وهو الوحيد الذي يعلم قول الله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون}.
المؤمن هو الوحيد الذي يعلم قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واعلَمْ: أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجتَمعتْ عَلَى أَنْ ينْفعُوكَ بِشيْءٍ لَمْ يَنْفعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَد كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بَشَيْءٍ قد كَتَبَهُ اللَّه عليْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُفُ) رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
لذلك هو يرى جميع قضاء الله وقدره حلواً وسعادة, ولو كان ظاهره مُرّاً, لأنه يرى أن الفاعل الحقيقي في الوجود إنما هو الله تعالى, ورحم الله الإمام الشافعي حيث يقول:
إذا ما رأيتَ الله في الكلِّ فاعلاً *** رأيتَ جميعَ الكائنات مِلاحاً
أما غيرُ المؤمن فيرى أن الأسباب هي الفاعلة والمؤثرة, لذلك ترى غير المؤمن ألَّهَ الأسباب وجعلها آلهة تعبد من دون الله, وعندما تخيب ظنونه لا يجد سبيلاً أمامه إلا الانتحار, وفي أحسن أحواله تراه معقداً كئيباً حزيناً مريضاً مرضاً نفسياً تعقَّدت حياته والعياذ بالله تعالى.
رعاية الله للمؤمن:
أيها الإخوة الكرام: عندما يعرف المؤمن هذه الحقائق فإنه يعلم علم اليقين بأن الله تعالى هو الذي يرعاه ويتولَّى أموره, لذلك قال تعالى في حادثة الإفك: {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}.
ولقد ظهرت هذه الخيرية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وللسيدة الصِّدِّيقة رضي الله عنها, ولآل الصِّدِّيق, ولصفوان بن المعطل رضي الله عن الجميع, حيث كانت تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها بقرآن يتلى إلى قيام الساعة, وهذا الأمر ما كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تتوقعه, كانت أقصى أمانيها أن يبرِّئ الله تعالى ساحتها من خلال رؤيا يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم, كما تحدث عن نفسها رضي الله عنها: (وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا, وَلأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي, وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ) رواه البخاري ومسلم.
رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حق:
أيها الإخوة الكرام: هنا فائدة تجدر الإشارة إليها وهي أن رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حقٌّ, لأن الشيطان ليس له سبيل عليهم, فأحلامهم كلُّها وحيٌ من الله تعالى, وليس منها أضغاث أحلام, والدليل على ذلك قول الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال لولده: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين}. فلو لم تكن رؤياهم وحياً من الله تعالى لما صحَّ أن يهمَّ سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ولده.
وأكَّد ذلك مولانا عز وجل بقوله: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيم * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}. وفدى الله تعالى سيدنا إسماعيل بذبحٍ عظيم كما قال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم}.
وجاء في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم ينام حتى يسمع غطيطه, وأحياناً يقوم صلى الله عليه وسلم ويصلي بدون أن يتوضأ.
روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ رضي الله عنها, فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ, ثُمَّ نَامَ, ثُمَّ قَامَ فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ, فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ, فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ, ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ, أَوْ قَالَ خَطِيطَهُ, ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ), وفي رواية للطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِغَيْرِ طَهُورٍ).
لأن النوم ليس ناقضاً للوضوء بل هو مَظِنَّة لانتقاض الوضوء, فأحدنا عندما ينام لا يدري هل انتقض وضوءه أم لا, لذلك يجب أن يتوضأ إذا قصد الصلاة أو أيَّ عبادة لا تصح إلا بالوضوء.
أما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو انتقض وضوءه وهو نائم لشعر بذلك, لأن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه كما جاء في الحديث الشريف: (إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلا يَنَامُ قَلْبِي) رواه البخاري ومسلم.
فالسيدة عائشة رضي الله عنها كانت تطمع بأن يبرِّئ الله ساحتها من خلال رؤيا يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما كانت تطمع أن ينزل فيها قرآن يتلى إلى قيام الساعة.
غيرة الله تعالى على عباده المؤمنين:
أيها الإخوة الكرام: من خلال حادثة الإفك نعلم غيرة الله تعالى على عباده المؤمنين ودفاعه عنهم, وتهديد لمن يرميهم بالفحشاء والمنكر باللعن في الدنيا والآخرة, قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِين}. وهذا مصداق قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور}.
يقول صاحب الكشاف في تفسيره عند آيات تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها: (ولو فلَّيت القرآن كلَّه وفتَّشت عما أوعد به العصاة لم تر الله تعالى قد غلَّظ في شيء تغليظَه في إفك عائشة رضوان الله عليها، ولا أنزل من الآيات القوارع، المشحونة بالوعيد الشديد والعتاب البليغ والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك، واستفظاع ما أقدم عليه، ما أنزل فيه على طرق مختلفة وأساليب مفتنة, كل واحد منها كاف في بابه، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث لكفى بها، حيث جعل القَذَفَة ملعونين في الدارين جميعاً، وتوعَّدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله).
فالله تعالى أعطانا صورة من صور الدفاع عن عباده المؤمنين وهذا الدفاع في الوقت الذي يريده ربنا عز وجل لا في الوقت الذي يريده العبد, حيث نزلت تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها بعد شهر لحكمة يريدها الله تعالى.
كن العبدَ المظلومَ لا الظالم:
أيها الإخوة الكرام: يرحم الله تعالى من قال: كفاك نصراً على عدوك أن تراه في معصية الله عز وجل وأنت في طاعة الله تعالى.
لذلك كن عبد الله المظلوم ولا تكن الظالم, لأن المظلوم ناصره ربنا عز وجل ولو بعد حين, كما جاء في الحديث: (وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أما الظالم فالله منتقم منه عاجلاً أم آجلاً, وذلك لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار}. والظالم خصمه يوم القيامة سيد الشفعاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: (أَلا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود عن صفوان بن سليم. هذا إذا كان في حقِّ المعاهد من غير المؤمنين, فكيف بمن يظلم مؤمناً موحِّداً والعياذ بالله تعالى؟
تصوَّروا أيها الإخوة موقف الظالم بدايةً وموقفه نهايةً, في البداية كان يضحك لأنه ظلم الآخرين وظنَّ أنه أوصل الإساءة إليه ولكن ما هي نهايته؟
ما هو موقف المنافق عبد الله بن أبي بن سلول بعد نزول آية التبرئة؟ صدق الله القائل: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُون * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُون * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِين * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَء لَضَالُّون * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُون * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُون * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُون}.
انظر إلى النهايات دائماً لا إلى البدايات, كما قال أحد ابني آدم لأخيه: {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِين}.
كن حريصاً على سمعة المؤمنين:
أيها الإخوة الكرام: إن آيات التبرئة للسيدة عائشة رضي الله عنها تعلِّمنا الحرص على سمعة المؤمنين وعلى حسن الظن فيهم كما قال تعالى: {لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِين}.
لأن العبد إذا أخطأ بحسن الظن خير له من أن يصيب بسوء الظن, وإنَّ حسن الظن من صفات المؤمنين الصادقين في إيمانهم.
وجوب التثبت من الأقوال قبل نشرها:
ومن الفوائد التي يجب أن نأخذها من حادثة الإفك هي وجوب التثبت من الأقوال والأخبار قبل نشرها, وذلك لقوله تعالى: {وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم}.
ولذا جاء الأمر صريحاً بنص القرآن العظيم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}.
لأن الإنسان العاقل لا يحب أن يقال عنه مذمة إلا بعد التثبت منه, والنبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري. فمن يحب أن يشيع عنه أمر (ما) فعله؟ لذلك يجب التثبت من الأقوال والأخبار قبل نشرها, ولا يكون هذا التثبت إلا بالبينة الشرعية أو الإقرار من صاحب الشأن.
الحذر من إشاعة الفاحشة:
وأخيراً أيها الإخوة أقول قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}. فلنحذر من إشاعة الفاحشة بين المؤمنين, لأن إشاعتها تشجع الآخرين على فعلها والعياذ بالله تعالى, وتجعل العبد العاصي مصرّاً على معصيته ومعانداً للآخرين لأنه فُضِحَ بين الآخرين.
أما ستر العاصي بعد النصح له فهو سبب من أسباب المعونة له على العودة إلى جادة الصواب, وإلى التوبة لله تعالى, لذلك من الخطأ في مكان التشهير بالعبد العاصي لأن ذلك يدفعه لقلة الحياء وشدة الوقاحة والعياذ بالله تعالى, كما أن ستره والنصح له سبب من أسباب إعانته على التوبة لله تعالى.
فمن كان يشيع الأخبار السيئة وينشرها بين الناس والعياذ بالله تعالى فهو مشمول في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة الكرام: عود إلى بدء, يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ), ويقول الله تعالى في حادثة الإفك: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}. وتأكدوا من صدق قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ, إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ, وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ, إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ, وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم.
فيا أيها المبتلى, يا أيها المصاب, اصبر حتى يأتي الفرج, فإن الفرج يبزغ من ثنايا الضيق, والخيرَ يبزغ من ثنايا الشر, واعلم بأن انتظار الفرج عبادة.
{رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: (ولكنَّ عافيتك أوسع لي). سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 90.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 88.39 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]