صفة صلاة الكسوف وأحكامها - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213317 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-11-2022, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي صفة صلاة الكسوف وأحكامها

صفة صلاة الكسوف وأحكامها
د. كامل صبحي صلاح

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى العظيمة، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله جل وعلا يخوِّف بهما عباده؛ حيث إن جريانهما وتعاقبهما يدل على إحكام صنعة الخالق جل وعلا، وإن ما يجري لهما من خسوف وكسوف - وهو ذهاب ضوئهما - يستدعي الرجوع الله تعالى، واللجوء إليه سبحانه وتعالى بالصلاة والدعاء، والصدقة والاستغفار، ولقد كان هذا دأب النبي صلى الله عليه وسلم وعادته.

ولقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف، بفعله، حين خسفت الشمس في عهده صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الكسوف؛ ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: ((خَسفَتِ الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام، فأطال القيام، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلتِ الشمس، فخطب الناس، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفانِ لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله، وكبِّروا وصلوا وتصدقوا، ثم قال: يا أمة محمد، والله ما من أحد أغيرَ من الله أن يزني عبده أو تزني أَمَتُهُ، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحِكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا))؛ [أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901)].

وفي رواية عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: ((خسفت الشمس على عهد رسول الله، فنُوديَ: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصلى بهم رسول الله، أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات))؛ [أخرجه البخاري (1066)، ومسلم (901)].

ويشير هذا الحديث إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة الكسوف ركعتين، فقام في الركعة الأولى فأطال القيام، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة نحوًا من سورة البقرة، كما في رواية ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين؛ ففي الحديث عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ((خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قيامًا طويلًا نحوًا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع، فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام، فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلت الشمس، فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله...))؛ [أخرجه البخاري (5197)، واللفظ له، ومسلم (907)].

ويشرع الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، كما جهر النبي صلى الله عليه وسلم فيها؛ ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: ((جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته، فإذا فرغ من قراءته كبَّر، فركع، وإذا رفع من الركعة، قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات...))؛ [أخرجه البخاري (1065)].

ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم، فأطال الركوع، ثم قام معتدلًا فأطال القيام، وهو دون القيام الأول؛ أي: أطال القيام بعد رفعه من الركوع، لكنه كان قيامًا أقصر من القيام الأول الذي قرأ فيه قريبًا من سورة البقرة، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم ركوعًا ثانيًا في نفس الركعة، فأطال الركوع، لكنه كان أقصر من الركوع الأول، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين، فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم فرغ من صلاته وقد انكشفت الشمس وزال خسوفها، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم عقب ذلك، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته))؛ وفي هذا ردٌّ لِما كان قد توهمه بعض الناس من أن كسوف الشمس كان لأجل موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، فبيَّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الكسوف لا يكون سببه موت أحد من أهل الأرض، ولقد أمر صلى الله عليه وسلم بدعاء الله سبحانه وتعالى وتكبيره، والصلاة والصدقة عند رؤية الكسوف.

ويشير الحديث إلى إشفاق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، وذلك بقوله: ((يا أمة محمد))، وهذا القول منه صلى الله عليه وسلم دليل على إشفاقه على أمته ورحمته بهم، ثم أقسم صلى الله عليه وسلم بالله أنه ما من أحد أغير من الله تعالى أن يزني عبده أو تزني أمته، والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى يغار أن تنتهك محارمه، وتُؤتى معاصيه؛ ولذا فظهور هذه الفاحشة مؤذِن بخطر عظيم؛ فكثرة الزنا وانتشار الفاحشة مؤذِن بتعجيل العقوبة، وغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها، فهي ليست مماثلةً لغَيرة المخلوق، بل هي صفة تليق بعظمته، مثل الغضب والرضا ونحو ذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها.

وكرر النبي صلى الله عليه وسلم النداء مرةً ثانيةً قائلًا: ((يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا))، والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله تعالى وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع والموت، وفي القبر، ويوم القيامة، ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف.

وإن مما يدل عليه هذا الحديث: كيفية صلاة الكسوف، وبيان اختلاف هيئتها عن باقي الصلوات، والمبادرة بالصلاة والذكر والتكبير والصدقة، والحث على فعل جميع الخيرات والصالحات عند وقوع الكسوف والخسوف، والأمر بالدعاء والتضرع في سؤال الله تعالى، والرد على من زعم أن للكواكب تأثيرًا في حوادث الأرض؛ لذا فإن من المقرر المعلوم أنه لا يقع أمر في الأرض ولا في السماء، إلا بإرادة الله جل وعلا ومشيئته سبحانه وتعالى.

صفة صلاة الكسوف:
صلاة الكسوف ركعتان جهريتان تشتملان على قراءتين طويلتين وركوعين وسجدتين في كل ركعة.

حيث يكبر الإمام ويستفتح الصلاة كقوله: ((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك)).
ثم يقرأ جهرًا سورة الفاتحة، وقراءة طويلة تُقدَّر بنحو سورة البقرة.
ثم يركع ويطيل الركوع.
ثم يرفع ويقرأ قراءة طويلة أقل من القراءة الأولى.
ثم يركع ركوعًا طويلًا أقل من الركوع الأول.
ثم يرفع ويطيل دون الإطالة الأولى.
ثم يسجد سجدتين طويلتين.
ثم يقوم للركعة الثانية ويقرأ ويطيل القراءة، لكن دون القراءة في الركعة الأولى.
ثم يركع ويطيل لكن دون الركوعين السابقين.
ثم يرفع ويقرأ لكن دون القراءة السابقة.
ثم يركع ركوعًا ويطيل فيه، لكن دون الركوع الذي قبله.
ثم يرفع ويطيل لكنه أقل مما قبله.
ثم يسجد سجدتين طويلتين.
ثم يقرأ التحيات ثم يسلم.

ثم يقوم الإمام ويخطب الناس ويذكِّرهم بالله جل وعلا، ويبين لهم أحكام صلاة الكسوف، ويحذرهم من المعاصي والشرور، ويدعوهم إلى طاعة الله تعالى، ويرغِّبهم في الصدقة والعتق والإكثار من الاستغفار وذكر الله تبارك وتعالى؛ كما فعل ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

حكم صلاة الكسوف:
صلاة كسوف الشمس سنة مؤكدة، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة؛ الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وحُكي الإجماع على ذلك؛ [فتح القدير للكمال بن الهمام (2/ 84)، والكافي لابن عبدالبر (1/ 265)، ونهاية المحتاج للرملي (2/ 402)، والإنصاف للمرداوي (2/ 310)].

ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37]؛ أي: ومن حجج الله على خلقه، ودلائله على وحدانيته، وكمال قدرته اختلافُ الليل والنهار، وتعاقبهما، واختلاف الشمس والقمر وتعاقبهما، كل ذلك تحت تسخيره وقهره، لا تسجدوا للشمس ولا للقمر؛ فإنهما مُدبَّران مخلوقان، واسجدوا لله الذي خلقهن، إن كنتم حقًّا منقادين لأمره، سامعين مطيعين له، تعبدونه وحده لا شريك له.

وجه الدلالة من الآية: في قوله تعالى: ﴿ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ ﴾ [فصلت: 37]؛ وهذا أمر بالسجود عند كسوفهما لله تعالى الذي خلقهن؛ في أحد الأقوال في تفسير الآية؛ [نهاية المحتاج، للرملي (2/ 402)]؛ قال ابن عثيمين: "وهذا الاستنباط وإن كان له شيء من الوجاهة، لكن لولا ثبوت السنة لم نعتمد عليه"؛ [الشرح الممتع، (5/ 180)].

وفي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله، وكبِّروا وصلوا وتصدقوا))؛ [أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901)].

ولقد نُقل الإجماع على مشروعية صلاة الكسوف غير واحد من أهل العلم:
قال ابن قدامة: "صلاة الكسوف ثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سنذكره، ولا نعلم بين أهل العلم في مشروعيتها لكسوف الشمس خلافًا"؛ [المغني، (2/ 312)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن الصلاة عند الكسوف متفَقٌ عليها بين المسلمين"؛ [مجموع الفتاوى، (24/ 258)].

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني: "قوله: باب الصلاة في كسوف الشمس؛ أي: مشروعيتها، وهو أمر متفق عليه"؛ [فتح الباري، (2/ 527)].

ولقد حُكي الإجماع على كون صلاة الكسوف سنة مؤكدة، كما نقل ذلك أهل العلم:
قال الإمام النووي: "وصلاة كسوف الشمس والقمر سنة مؤكدة بالإجماع، لكن قال مالك وأبو حنيفة: يُصلى لخسوف القمر فرادى، ويصلي ركعتين كسائر النوافل"؛ [المجموع، (5/ 44)].

وقال ابن دقيق العيد: "صلاة الكسوف سنة مؤكدة بالاتفاق؛ أعني كسوف الشمس؛ دليله: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لها، وجمعه الناس مظهرًا لذلك، وهذه أمارات الاعتناء والتأكيد"؛ [إحكام الأحكام، (ص:234)].

وقال البهوتي: "صلاة الكسوف سنة مؤكدة، حكاه ابن هبيرة والنووي إجماعًا"؛ [كشاف القناع، (2/ 61)].

وقال ابن حجر: "الجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، ولم أرَه لغيره إلا ما حُكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزين ابن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة"؛ [فتح الباري، (2/ 527)].

حكم أداء صلاة كسوف الشمس فُرادى:
تجوز صلاة كسوف الشمس فرادى، باتفاق الفقهاء: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة؛ [بدائع الصنائع للكاساني (1/ 281)، والشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي (1/ 402)، والمجموع للنووي (5/ 60)، والإنصاف للمرداوي (2/ 309)].

ومن الأدلة على ذلك:
حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: ((خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام، فأطال القيام، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله، وكبِّروا وصلوا وتصدقوا، ثم قال: يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أَمَتُه، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحِكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا))؛ [أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901)].

وحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذاك، فصلوا وادعوا، حتى يُكشف ما بكم))؛ [أخرجه البخاري (1041)، ومسلم (911)].

وجه الدلالة من الحديثين:
أولًا: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فافزعوا للصلاة))، وقوله: ((فصلوا))؛ فدلَّ ذلك على أنه يؤمر بها حتى الفرد من غير اشتراط أن تكون الصلاة جماعةً، ولو كانت شرطًا لبيَّن ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم؛ [الشرح الممتع، لابن عثيمين (5/ 182)].

ثانيًا: أن صلاة الكسوف نافلة، ليس من شرطها الاستيطان؛ فلم تشترط لها الجماعة كالنوافل؛ [كشاف القناع للبهوتي (2/ 61)].

حكم صلاة الكسوف للنساء:
يُستحب للنساء أن يصلين صلاة الكسوف، وذلك باتفاق الفقهاء: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة؛ [حاشية ابن عابدين (2/ 183)، والفواكه الدواني للنفراوي (2/ 653)، ومغني المحتاج للشربيني (1/ 316)، وكشاف القناع للبهوتي (2/ 61)].

واستدلوا ببعض الآثار، ومنها: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها أنها قالت: ((أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء، وقالت: سبحان الله! فقلت: آية؟ فأشارت: أي نعم...))؛ [أخرجه البخاري (1053)، ومسلم (953)].

أحكام صلاة الكسوف:
معنى كسوف الشمس: ظاهرة فلكية تحدث في حال تواجد الأرض والقمر والشمس على خط استقامة واحد، بحيث يمر القمر ما بين الأرض والشمس، مانعًا أشعة الشمس وضوءها من الوصول إلى الأرض، إما بشكل كلي أو جزئي.

أنواع الكسوف:
كسوف كلي: يحدث عندما يحجب القمر الشمس بالكامل، ويتلألأ الغلاف الجوي الخارجي للشمس (الهالة الشمسية) حول القمر عند حجبه للشمس.
كسوف جزئي: يحدث عندما يحجب القمر جزءًا من الشمس فقط.


أكثر ما يُعبَّر عن الشمس بالكسوف، وعن القمر بالخسوف، وقد يُعبَّر بأحدهما عن الآخر.

الكسوف له سبب حسي، وسبب شرعي:
فالسبب الحسي في كسوف الشمس: أن القمر يحول بينها وبين الأرض، فيحجبها عن الأرض إما كلها، أو بعضها، وكسوف القمر سببه الحسي حيلولة الأرض بينه وبين الشمس؛ لأنه يستمد نوره من الشمس، فإذا حالت الأرض بينه وبين الشمس ذهب نوره، أو بعضه.

أما السبب الشرعي لكسوف الشمس وخسوف القمر: فهو ما بيَّنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته...)).

إن الحكمة من صلاة الكسوف هي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره، فلقد أمر بالفزع إلى الصلاة عند وقوع كسوف الشمس.

ومن الحكم كذلك التضرع إلى الله عز وجل؛ لأن هذا الكسوف، أو الخسوف يخوِّف الله تعالى به العباد من عقوبة انعقدت أسبابها، فيتضرع الناس لربهم عز وجل؛ لئلا تقع بهم هذه العقوبة التي أنذر الله تعالى الناس بها بواسطة الكسوف أو الخسوف.

يُنادَى لصلاة الكسوف بـ(الصلاة جامعة)؛ حتى يجتمع الناس، وتُكرَّر هذه الكلمة بقدر ما يغلب على الظن أن الناس بلغهم ذلك.

صلاة الكسوف ركعتان جهريتان تشتملان على قراءتين طويلتين وركوعين وسجدتين في كل ركعة.

تصلى صلاة الكسوف في أي وقت، حتى ولو في وقت النهي على الصحيح من أقوال أهل العلم، فمتى وقع الكسوف، فالسنة أن تُصلَّى صلاة الكسوف.

صلاة الكسوف تكون جهرية حتى في النهار؛ ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: ((جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته، فإذا فرغ من قراءته كبَّر، فركع وإذا رفع من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات...))؛ [أخرجه البخاري، (1065)].

ولأن الصلاة النهارية الأصل فيها أنها سرية، لكن إذا كانت صلاةً ذات اجتماع صارت جهرية، فالقاعدة تقول: (إن كل صلاة يجتمع الناس عليها جميعًا في النهار فإنها تكون جهرية)، كصلاة العيد فإنها جهرية، وصلاة الجمعة جهرية، وصلاة الاستسقاء جهرية؛ لكون الناس يجتمعون عليها، فإذا اجتمعوا على صلاة فناسب أن يستمعوا إليها جميعًا.

يتخير المصلي من أدعية الاستفتاح ما شاء، مثل:
((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك))، أو: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَسِ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبَرَدِ)).

يقول المصلي في الركوع: سبحان ربي العظيم، يكررها، ولو ألف مرة، ويقول أيضًا: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) ويقول: ((سبوح قدوس رب الملائكة والروح))؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الركوع: ((عظِّموا فيه الرب))؛ فالركوع موضع تعظيم لله جل وعلا.

يقول المصلي في القيام الطويل بعد الركوع، وهو محل حمد لله تبارك وتعالى، يقول مثلًا: ((ربنا ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد))، ويكرر الحمد: ((اللهم لك الحمد، أنت رب السماوات والأرض، اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض))، وما أشبه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعله محلًا للحمد.

يقول المصلي في السجود الطويل: ((سبحان ربي الأعلى))؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((اجعلوها في سجودكم))، ويكرر الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أمَّا السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقَمِنٌ - أي: حرِيٌّ - أن يُستجاب لكم))، فيُستحب الإكثار من الدعاء.

يقول المصلي بين السجدتين: ((رب اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني، واجبرني، واهدني))، ويكرر من الاستغفار؛ لأن هذا الجلوس جلوس استغفار.

ففي الحديث عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنها قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين في صلاة الليل: رب اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارزقني، وارفعني))؛ [صحيح ابن ماجه، الألباني (740)].

وفي الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: ((أن النبي كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي))؛ [إرواء الغليل (335)، بإسناد صحيح].

تشرع صلاة الكسوف: إذا رؤي الكسوف - سواء كان كليًّا أو جزئيًّا - فإنه يفزع إلى الصلاة حينئذٍ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حين رأى الكسوف وأمر به، ولا يشترط أن يبقى حتى يكمل؛ لأنه أمر غير معلوم، ولأن قوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا رأيتموهما)) يشمل الكسوف الجزئي والكلي.

إن السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في مساجد الجمعة، وأن يجتمع الناس لها في مسجد الجامع؛ لأنه كلما كثر العدد، كان أقرب إلى الإجابة، وإذا صُليت في المساجد الأخرى فلا حرج، وإذا صُليت فرادى، فلا حرج؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: ((صلوا وادعوا))، والأمر في هذا واسع.

لا بأس أن تصلي المرأة صلاة الكسوف في بيتها؛ لأن الأمر عام: ((فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم))، وإن خرجت إلى المسجد كما فعل نساء الصحابة رضي الله تعالى عنهن، وصلَّت مع الناس جماعة لا مانع من ذلك.

إن السنة إطالة القراءة في صلاة الكسوف حتى وإن كان في ذلك نوع مشقة، فهي محتملة لدى المصلين.
ولقد أطال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الكسوف إطالة طويلة، حتى إن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع قوتهم، ومحبتهم للخير، جعل بعضهم يُغشى عليه ويسقط من طول القيام؛ ففي الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهم قال: ((خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر فصلى بأصحابه، فأطال القيام حتى جعلوا يخِرُّون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحوًا من ذلك، فكانت أربع ركعات، وأربع سجدات...))؛ [أخرجه مسلم (904)].

صلاة الكسوف لا يشرع فيها قراءة سورة معينة محددة، بل المشروع فيها إطالة القراءة، والأفضل أن يتخير من السور ما فيها مواعظ كثيرة.

إن الركن من الركوعين في صلاة الكسوف هو الركوع الأول، فإذا فات المصلي الركوع الأول؛ فقد فاتته الركعة، فيقضي مثلها إذا سلم الإمام؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)).

ومن فاته الركوع الأول من الركعة الثانية، فقد فاتته صلاة الكسوف كلها مع الإمام، ولكنه إذا سلم الإمام يقوم فيأتي بركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان.

في حالة حصول كسوف، ثم تلبدت السماء بالغيوم، فإنه يعمل بقول علماء الفلك بالنسبة لوقت التجلي؛ لأنه ثبت بالتجارب العلمية والعملية أن قولهم منضبطٌ ودقيق في مثل هذه القضايا.

تُصلَّى صلاة الكسوف إذا كسفت الشمس أو خسف القمر، سواء ذهب النور كله أو بعضه.

إذا لم يُعلم بالكسوف إلا بعد زواله، فلا تُقضى صلاة الكسوف؛ لأن كل عبادة مقرونة بسببٍ، إذا زال السبب زالت مشروعيتها، ولكونها سنة فات محلها، فالكسوف – مثلًا - إذا تجلت الشمس، أو تجلى القمر، فإنها لا تعاد؛ لأنها مطلوبة لسبب وقد زال هذا السبب.

إذا شرع المصلي في صلاة الكسوف قبل دخول وقت الفريضة ثم دخل وقت الفريضة، وجب عليه التخفيف في هذه الحالة؛ ليصليها في الوقت، وإن اتسع الوقت فيستمر في صلاة الكسوف.

هذا ما تيسر إيراده، نسأل الله العلي الأعلى أن ينفع به، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله رب العالمين.
المصادر والمراجع:
1- صحيح البخاري، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري.
2- صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري.
3- فتح القدير، للكمال بن الهُمَام.
4- الكافي، لابن عبدالبر.
5- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبدالرحمن السعدي.
6- نهاية المحتاج، للرملي.
7- الإنصاف، للمَرْداوي.
8- المغني، لابن قدامة.
9- المجموع، للنووي.
10- إحكام الأحكام، لابن دقيق العيد.
11- كشاف القناع، البهوتي.
12- بدائع الصنائع، للكاساني.
13- الشرح الكبير، للدردير.
14- الحاشية، للدسوقي.
15- المجموع، للنووي.
16- الحاشية، لابن عابدين.
17- الفواكه الدواني، للنفراوي.
18- مغني المحتاج، للشربيني.
19- الشرح الممتع، لابن عثيمين.
20- الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية.
21- المختصر في التفسير، لمجموعة مؤلفين.
22- الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز.
23- الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
24- الدرر السنية.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.72 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]