تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 49 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         علاقة القرآن بشهر رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ماهية الاعتصام بالله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          فوائد مختصرة منتقاة من المجلد الأول من الشرح الممتع على زاد المستقنع للعلامة العثيمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          سحر صلاة العشاء في رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          من أقوال السلف في السفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أساليب التعذيب النفسي في السجون الإسرائيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حق اليقين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          آل عمران.. المرابطون ببيت المقدس!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 51 - عددالزوار : 25015 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #481  
قديم 19-03-2023, 12:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الشورى
الحلقة (481)
صــ 261 إلى صــ 270





[ ص: 261 ] قوله تعالى: إن الذين يلحدون في آياتنا قال مقاتل: نزلت في أبي جهل . وقد شرحنا معنى الإلحاد في [النحل: 103]; وفي المراد به هاهنا خمسة أقوال .

أحدها: أنه وضع الكلام على غير موضعه، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني: أنه المكاء والصفير عند تلاوة القرآن، قاله مجاهد .

والثالث: أنه التكذيب بالآيات، قاله قتادة .

والرابع: أنه المعاندة، قاله السدي .

والخامس: أنه الميل عن الإيمان بالآيات، قاله مقاتل .

قوله تعالى: لا يخفون علينا هذا وعيد بالجزاء أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة وهذا عام، غير أن المفسرين ذكروا فيمن أريد به سبعة أقوال .

أحدها: أنه أبو جهل وأبو بكر الصديق، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني: أبو جهل وعمار بن ياسر، قاله عكرمة . والثالث: أبو جهل ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن السائب، ومقاتل . والرابع: أبو جهل وعثمان بن عفان، حكاه الثعلبي . والخامس: أبو جهل وحمزة، حكاه الواحدي . والسادس: أبو جهل وعمر بن الخطاب . والسابع: الكافر والمؤمن، حكاهما الماوردي .

[ ص: 262 ] قوله تعالى: اعملوا ما شئتم قال الزجاج : لفظه لفظ الأمر، ومعناه الوعيد والتهديد .

قوله تعالى: إن الذين كفروا بالذكر يعني القرآن; ثم أخذ في وصف الذكر; وترك جواب "إن"، وفي جوابها هاهنا قولان .

[أحدهما]: أنه "أولئك ينادون من مكان بعيد"، ذكره الفراء .

والثاني: أنه متروك، وفي تقديره قولان . أحدهما: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به . والثاني: إن الذين كفروا يجازون بكفرهم .

قوله تعالى: وإنه لكتاب عزيز فيه أربعة أقوال . أحدها: منيع من الشيطان لا يجد إليه سبيلا، قاله السدي . والثاني: كريم على الله، قاله ابن السائب . والثالث: منيع من الباطل، قاله مقاتل . والرابع: يمتنع على الناس أن يقولوا مثله، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: لا يأتيه الباطل فيه ثلاثة أقوال . أحدها: التكذيب، قاله سعيد بن جبير . والثاني: الشيطان . والثالث: التبديل، رويا عن مجاهد . قال قتادة: لا يستطيع إبليس أن ينقص منه حقا، ولا يزيد فيه باطلا . وقال مجاهد: لا يدخل فيه ماليس منه . وفي قوله: من بين يديه ولا من خلفه ثلاثة أقوال . أحدها: بين يدي تنزيله، وبعد نزوله . والثاني: أنه ليس قبله كتاب يبطله، ولا يأتي بعده كتاب يبطله . والثالث: لا يأتيه الباطل في إخباره عما تقدم، ولا في إخباره عما تأخر .
ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم . ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى [ ص: 263 ] وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد .

قوله تعالى: ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك فيه قولان .

أحدهما: أنه قد قيل فيمن أرسل قبلك: ساحر وكاهن ومجنون، وكذبوا كما كذبت، هذا قول الحسن، وقتادة، والجمهور .

والثاني: ما تخبر إلا بما أخبر الأنبياء قبلك من أن الله غفور، وأنه ذو عقاب، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: ولو جعلناه يعني الكتاب الذي أنزل عليه قرآنا أعجميا أي: بغير لغة العرب لقالوا لولا فصلت آياته أي: هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمه؟! أأعجمي وعربي قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "آعجمي" [بهمزة] ممدودة . وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: "أأعجمي" بهمزتين، والمعنى: أكتاب أعجمي ونبي عربي؟! وهذا استفهام إنكار; أي لو كان كذلك لكان أشد لتكذيبهم .

قل هو يعني القرآن للذين آمنوا هدى من الضلالة وشفاء للشكوك والأوجاع . و "الوقر": الصمم; فهم في ترك القبول بمنزلة من في أذنه صمم .

وهو عليهم عمى أي: ذو عمى . قال قتادة: صموا عن القرآن وعموا عنه أولئك ينادون من مكان بعيد أي: إنهم لا يسمعون ولا يفهمون كالذي ينادى من بعيد .
ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب . [ ص: 264 ] من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد .

قوله تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى: كما آمن بكتابك قوم وكذب به قوم، فكذلك كتاب موسى، ولولا كلمة سبقت من ربك في تأخير العذاب إلى أجل مسمى وهو القيامة لقضي بينهم بالعذاب الواقع بالمكذبين وإنهم لفي شك من صدقك وكتابك، مريب أي: موقع لهم الريبة .
إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد . وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص .

قوله تعالى: إليه يرد علم الساعة سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الساعة إن كنت رسولا كما تزعم، قاله مقاتل . ومعنى الآية: لا يعلم قيامها إلا هو، فإذا سئل عنها فعلمها مردود إليه .

( وما تخرج من ثمرة ) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي، [ ص: 265 ] وأبو بكر عن عاصم: "من ثمرة" . وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "من ثمرات" على الجمع من أكمامها أي: أوعيتها . قال ابن قتيبة : أي: من المواضع التي كانت فيها مستترة، وغلاف كل شيء: كمه، وإنما قيل: كم القميص، من هذا . قال الزجاج : الأكمام: ما غطى، وكل شجرة تخرج ماهو مكمم فهي ذات أكمام، وأكمام النخلة: ما غطى، جمارها من السعف والليف والجذع، وكل ما أخرجته النخلة فهو ذو أكمام، فالطلعة كمها قشرها، ومن هذا قيل للقلنسوة: كمة، لأنها تغطي الرأس، ومن هذا كما القميص، لأنهما يغطيان اليدين .

قوله تعالى: ويوم يناديهم أي: ينادي الله تعالى المشركين أين شركائي الذين كنتم تزعمون قالوا آذناك قال الفراء، وابن قتيبة : أعلمناك، وقال مقاتل: أسمعناك ما منا من شهيد فيه قولان .

أحدهما: أنه من قول المشركين; والمعنى: ما منا من شهيد بأن لك شريكا، فيتبرؤون يومئذ مما كانوا يقولون، هذا قول مقاتل .

والثاني: [أنه] من قول الآلهة التي كانت تعبد، والمعنى: ما منا من شهيد لهم بما قالوا، قاله الفراء، وابن قتيبة .

قوله تعالى: وضل عنهم أي: بطل عنهم في الآخرة ما كانوا يدعون أي: يعبدون في الدنيا، وظنوا أي: أيقنوا ما لهم من محيص وقد شرحنا المحيص في سورة [النساء: 121] .
[ ص: 266 ] لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط . ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض . قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد

قوله تعالى: لا يسأم الإنسان قال المفسرون: المراد به الكافر; فالمعنى: لا يمل الكافر من دعاء الخير أي: من دعائه بالخير، وهو المال والعافية .

وإن مسه الشر وهو الفقر والشدة; والمعنى: إذا اختبر بذلك يئس من روح الله، وقنط من رحمته . وقال أبو عبيدة: اليؤوس، فعول من يأس، والقنوط، فعول من قنط .

قوله تعالى: ولئن أذقناه رحمة منا أي: خيرا وعافية وغنى، ليقولن هذا لي أي: هذا واجب لي بعملي وأنا محقوق به، ثم يشك في البعث فيقول: وما أظن الساعة قائمة أي: لست على يقين من البعث ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى يعني الجنة، أي: كما أعطاني في الدنيا يعطيني في الآخرة فلننبئن الذين كفروا أي: لنخبرنهم بمساوئ أعمالهم . وما بعده قد سبق [إبراهيم: 17، الإسراء: 83] إلى قوله تعالى: ونأى بجانبه قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : "ونأى" مثل "نعى" . وقرأ ابن عامر: "وناء" مفتوحة النون ممدودة والهمزة بعد الألف . وقرأ [ ص: 267 ] حمزة: "نئي" مكسورة النون والهمزة .

فذو دعاء عريض قال الفراء، وابن قتيبة : معنى العريض: الكثير، وإن وصفته بالطول أو بالعرض جاز في الكلام .

قل يا محمد لأهل مكة أرأيتم إن كان القرآن من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق أي: خلاف للحق بعيد عنه؟! وهو اسم; والمعنى: فلا أحد أضل منكم . وقال ابن جرير: معنى الآية: ثم كفرتم به، ألستم في شقاق للحق وبعد عن الصواب؟! فجعل مكان هذا باقي الآية .
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد . ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط .

قوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم فيه خمسة أقوال .

أحدها: في الآفاق: فتح أقطار الأرض، وفي أنفسهم: فتح مكة، قاله الحسن، ومجاهد، والسدي .

والثاني: أنها في الآفاق: وقائع الله في الأمم الخالية، وفي أنفسهم: يوم بدر، قاله قتادة ، ومقاتل .

والثالث: أنها في الآفاق: إمساك القطر عن الأرض كلها، وفي أنفسهم: البلايا التي تكون في أجسادهم، قاله ابن جريج .

والرابع: أنها في الآفاق: آيات السماء كالشمس والقمر والنجوم، وفي أنفسهم: [ ص: 268 ] حوادث الأرض، قاله ابن زيد . وحكي عن ابن زيد أن التي في أنفسهم: سبيل الغائط والبول، فإن الإنسان يأكل ويشرب من مكان واحد، ويخرج من مكانين .

والخامس: أنها في الآفاق: آثار من مضى قبلهم من المكذبين، وفي أنفسهم: كونهم خلقوا نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما إلى أن نقلوا إلى العقل والتمييز، قاله الزجاج .

قوله تعالى: حتى يتبين لهم أنه الحق في هاء الكناية قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى القرآن . والثاني: إلى جميع ما دعاهم إليه الرسول . وقال ابن جرير: معنى الآية: حتى يعلموا حقيقة ما أنزلنا على محمد وأوحينا إليه من الوعد له بأنا مظهرو دينه على الأديان كلها .

أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد أي: أولم يكف به أنه شاهد على كل شيء؟! قال الزجاج : المعنى: أو لم يكفهم شهادة ربك؟!

[ ص: 269 ] ومعنى الكفاية هاهنا: أنه قد بين لهم ما فيه كفاية في الدلالة على توحيده وتثبيت رسله .
[ ص: 270 ] سُورَةُ حَم عسق

وَاسْمُهَا سُورَةُ الشُّورَى

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالْجُمْهُورُ . وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وقَتَادَةَ قَالَا: إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ، أَوَّلُهَا: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الشُّورَى: 23] وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِيهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ قَوْلُهُ: ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا [الشُّورَى: 23] إِلَى قَوْلِهِ: بِذَاتِ الصُّدُورِ [الشُّورَى: 24] وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ [الشُّورَى: 39] إِلَى قَوْلِهِ: مِنْ سَبِيلٍ [الشُّورَى: 41] .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #482  
قديم 19-03-2023, 12:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الشورى
الحلقة (482)
صــ 271 إلى صــ 280





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم عسق . كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ [ ص: 271 ] الرَّحِيمُ . وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ

قَوْلُهُ تَعَالَى: حم قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [الْمُؤْمِنِ] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: عسق فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ حُرُوفٌ مِنْ أَسْمَاءٍ; ثُمَّ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّ الْعَيْنَ عِلْمُ اللَّهُ، وَالسِّينَ سَنَاؤُهُ، وَالْقَافَ قُدْرَتُهُ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ . وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَيْنَ فِيهَا عَذَابٌ، وَالسِّينَ فِيهَا مَسْخٌ، وَالْقَافَ فِيهَا قَذْفٌ، رَوَاهُ أَبُو الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْحَاءَ مِنْ حَرْبٍ، وَالْمِيمَ مِنْ تَحْوِيلِ مُلْكٍ، وَالْعَيْنَ مِنْ عَدُوٍّ مَقْهُورٍ، وَالسِّينَ اسْتِئْصَالٌ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، وَالْقَافَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ فِي مُلُوكِ الْأَرْضِ، قَالَهُ عَطَاءٌ . وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْعَيْنَ مِنْ عَالِمٍ، وَالسِّينَ مِنْ قُدُّوسٍ، وَالْقَافَ مِنْ قَاهِرٍ، قَالَهُ [سَعِيدُ] بْنُ جُبَيْرٍ . وَالْخَامِسُ: أَنَّ الْعَيْنَ مِنَ الْعَزِيزِ، وَالسِّينَ مِنَ السَّلَامِ، وَالْقَافَ مِنَ الْقَادِرِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ .

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .

[ ص: 272 ] أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَمَا أَوْحَيْتُ "حم عسق" إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ، كَذَلِكَ نُوحِيهَا إِلَيْكَ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي: كَذَلِكَ نُوحِي إِلَيْكَ أَخْبَارَ الْغَيْبِ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى مَنْ قَبْلَكَ، رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّالِثُ: أَنْ "حم عسق" نَزَلَتْ فِي أَمْرِ الْعَذَابِ، فَقِيلَ: كَذَلِكَ نُوحِي إِلَيْكَ أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِمَنْ كَذَّبَكَ كَمَا أَوْحَيْنَا ذَلِكَ إِلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ .

وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمَعْنَى: هَكَذَا نُوحِي إِلَيْكَ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ .

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: "يُوحَى" بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ . كَأَنَّهُ إِذَا قِيلَ: مَنْ يُوحِي؟ قِيلَ: اللَّهُ . وَرَوَى أَبَانُ عَنْ عَاصِمٍ: "نُوحِي" بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْحَاءِ .

تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ: "تَكَادُ" بِالتَّاءِ "يَتَفَطَّرْنَّ" بِيَاءٍ وَتَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا . وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ: "يَكَادُ" بِالْيَاءِ "يَتَفَطَّرْنَ" مِثْلُ قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: "تَكَادُ" بِالتَّاءِ "يَنْفَطِرْنَ" بِالنُّونِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا، أَيْ: يَتَشَقَّقْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ أَيْ: مِنْ فَوْقِ الْأَرَضِينَ مِنْ عَظَمَةِ الرَّحْمَنِ; وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: "اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا" وَنَظِيرُهَا [الَّتِي] فِي [مَرْيَمَ: 90] .

وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلُّونَ بِأَمْرِ رَبِّهِمْ; وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُنَزِّهُونَهُ عَمَّا لَا يَجُوزُ فِي صِفَتِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ فِيهِ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَهُ قَتَادَةُ ، وَالسُّدِّيُّ .

[ ص: 273 ] وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا ابْتُلِيَ هَارُوتُ وَمَارُوتُ اسْتَغْفَرُوا لِمَنْ فِي الْأَرْضِ .

وَمَعْنَى اسْتِغْفَارِهِمْ: سُؤَالُهُمُ الرِّزْقَ لَهُمْ، قَالَهُ ابْنُ السَّائِبِ . وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مُقَاتِلٌ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غَافِرٍ: 7]، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْكُفَّارِ، فَلَفْظُ هَذِهِ الْآيَةِ عَامٌّ، وَمَعْنَاهَا خَاصٌّ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ قَوْلُهُ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غَافِرٍ: 7]، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَهُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ اتَّخَذُوا آلِهَةً فَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِهِ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ أَيْ: حَافِظٌ لِأَعْمَالِهِمْ لِيُجَازِيَهُمْ بِهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أَيْ: لَمْ نُوَكِّلْكَ بِهِمْ فَتُؤْخَذَ بِهِمْ . وَهَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَا يَصِحُّ .

وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير . ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير . أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير .

قوله تعالى: وكذلك أي: ومثل ما ذكرنا أوحينا إليك قرآنا عربيا ليفهموا مافيه لتنذر أم القرى يعني مكة، والمراد: أهلها، [ ص: 274 ] وتنذر يوم الجمع أي: وتنذرهم يوم الجمع، وهو يوم القيامة، يجمع الله فيه الأولين والآخرين وأهل السموات والأرضين لا ريب فيه أي: لا شك في هذا الجمع أنه كائن، ثم بعد الجمع يتفرقون، وهو قوله: فريق في الجنة وفريق في السعير .

ثم ذكر سبب افتراقهم فقال: ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة أي: على دين واحد، كقوله: لجمعهم على الهدى [الأنعام: 35] ولكن يدخل من يشاء في رحمته أي: في دينه والظالمون وهم الكافرون ما لهم من ولي يدفع عنهم العذاب ولا نصير يمنعهم منه .

أم اتخذوا من دونه أي: بل اتخذ الكافرون من دون الله أولياء يعني آلهة يتولونهم فالله هو الولي أي: ولي أوليائه، فليتخذوه وليا دون الآلهة; وقال ابن عباس: وليك يا محمد وولي من اتبعك .
وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب . فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس [ ص: 275 ] كمثله شيء وهو السميع البصير . له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم . شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب . وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب .

قوله تعالى: وما اختلفتم فيه من شيء أي: من أمر الدين; وقيل: بل هو عام فحكمه إلى الله فيه قولان . أحدهما: علمه عند الله . والثاني: هو يحكم فيه . قال مقاتل: وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن، وآمن بعضهم، فقال الله: أنا الذي أحكم فيه ذلكم الله الذي يحكم بين المختلفين هو ربي عليه توكلت في مهماتي وإليه أنيب أي: أرجع في المعاد .

فاطر السماوات قد سبق بيانه [الأنعام: 14]، جعل لكم من أنفسكم أي: من مثل خلقكم أزواجا نساء ومن الأنعام أزواجا أصنافا ذكورا وإناثا; والمعنى أنه خلق لكم الذكر والأنثى من الحيوان كله يذرؤكم فيها ثلاثة أقوال . أحدها: يخلقكم، قاله السدي . والثاني: يعيشكم، قاله مقاتل . والثالث: يكثركم، قاله الفراء . و [في قوله] فيه قولان .

أحدهما: أنها على أصلها، قاله الأكثرون . فعلى هذا في هاء الكناية ثلاثة أقوال . [ ص: 276 ] أحدها: أنها ترجع إلى بطون الإناث وقد تقدم ذكر الأزواج، قاله زيد بن أسلم . فعلى هذا يكون المعنى: يخلقكم في بطون النساء، وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة ، فقال: يخلقكم في الرحم أو في الزوج; وقال ابن جرير: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام .

والثاني: أنها ترجع إلى الأرض، قاله ابن زيد; فعلى هذا يكون المعنى: يذرؤكم فيما خلق من السموات والأرض .

والثالث: أنها ترجع إلى الجعل المذكور; ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما: يعيشكم فيما جعل من الأنعام، قاله مقاتل . والثاني: يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعل الأزواج، قاله الواحدي .

والقول الثاني: أن "فيه" بمعنى "به"; والمعنى: يكثركم بما جعل لكم، قاله الفراء، والزجاج .

قوله تعالى: ليس كمثله شيء قال ابن قتيبة : أي: ليس كهو شيء، والعرب تقيم المثل مقام النفس، فتقول: مثلي لا يقال له هذا، أي: أنا لا يقال لي هذا، وقال الزجاج : الكاف مؤكدة، والمعنى: ليس مثله شيء . وما بعد هذا قد سبق بيانه [الزمر: 63، الرعد: 26] إلى قوله: شرع لكم أي: بين وأوضح من الدين ما وصى به نوحا وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه تحليل الحلال وتحريم الحرام، قاله قتادة . والثاني: تحريم الأخوات والأمهات، قاله الحكم . والثالث: التوحيد وترك الشرك .

قوله تعالى: والذي أوحينا إليك أي: من القرآن وشرائع الإسلام . قال الزجاج : المعنى: وشرع الذي أوحينا إليك وشرع لكم ما وصى به إبراهيم [ ص: 277 ] وموسى وعيسى . وقوله: أن أقيموا الدين تفسير قوله: وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، وجائز أن يكون تفسيرا لـ "ما وصى به نوحا" ولقوله: والذي أوحينا إليك ولقوله: وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، فيكون المعنى: شرع لكم ولمن قبلكم إقامة الدين وترك الفرقة، وشرع الاجتماع على اتباع الرسل . وقال مقاتل: أن أقيموا الدين يعني التوحيد ولا تتفرقوا فيه أي: لا تختلفوا كبر على المشركين أي: عظم على مشركي مكة ما تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد .

قوله تعالى: الله يجتبي إليه أي: يصطفي من عباده لدينه من يشاء ويهدي إلى دينه، من ينيب أي: يرجع إلى طاعته .

ثم ذكر افتراقهم بعد أن أوصاه بترك الفرقة، فقال: وما تفرقوا يعني أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: من بعد كثرة علمهم للبغي . والثاني: من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال . والثالث: من بعد ما جاءهم القرآن، بغيا منهم على محمد صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 278 ] ولولا كلمة سبقت من ربك في تأخير المكذبين من هذه الأمة إلى يوم القيامة، لقضي بينهم بإنزال العذاب على المكذبين وإن الذين أورثوا الكتاب يعني اليهود والنصارى من بعدهم أي: من بعد أنبيائهم لفي شك منه أي: من محمد صلى الله عليه وسلم .
فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنـزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .

قوله تعالى: فلذلك فادع قال الفراء: المعنى: فإلى ذلك، تقول: دعوت إلى فلان، ودعوت لفلان، و "ذلك" بمعنى "هذا"; وللمفسرين فيه قولان .

أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن السائب . والثاني: أنه التوحيد، قاله مقاتل .

[ ص: 279 ] قوله تعالى: ولا تتبع أهواءهم يعني أهل الكتاب، لأنهم دعوه إلى دينهم .

قوله تعالى: وأمرت لأعدل بينكم قال بعض النحويين: المعنى: أمرت كي أعدل . وقال غيره: المعنى: أمرت بالعدل . وتقع "أمرت" على "أن"، وعلى "كي"، وعلى "اللام"; يقال: أمرت أن أعدل، وكي أعدل، ولأعدل .

ثم في ما أمر أن يعدل فيه قولان . أحدهما: في الأحكام إذا ترافعوا إليه . والثاني: في تبليغ الرسالة .

قوله تعالى: الله ربنا وربكم أي: هو إلهنا وإن اختلفنا، فهو يجازينا بأعمالنا، فذلك قوله: لنا أعمالنا أي: جزاؤها .

لا حجة بيننا وبينكم قال مجاهد: لا خصومة بيننا وبينكم .

فصل

وفي هذه الآية قولان

أحدهما: أنها اقتضت الاقتصار على الإنذار، وذلك قبل القتال، ثم نزلت آية السيف فنسختها، قاله الأكثرون .

والثاني: أن معناها: إن الكلام -بعد ظهور الحجج والبراهين- قد سقط بيننا، فعلى هذا هي محكمة، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله عن طائفة من المفسرين .

قوله تعالى: والذين يحاجون في الله أي: يخاصمون في دينه . قال قتادة: هم اليهود، قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فنحن خير منكم . وعلى قول مجاهد: هم المشركون، طمعوا أن تعود الجاهلية .

[ ص: 280 ] قوله تعالى: من بعد ما استجيب له أي: من بعد إجابة الناس إلى الإسلام حجتهم داحضة أي: خصومتهم باطلة .

الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب . يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد . الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز . من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب .

قوله تعالى: الله الذي أنزل الكتاب يعني القرآن بالحق أي: لم ينزله لغير شيء والميزان فيه قولان . أحدهما: أنه العدل، قاله ابن عباس، وقتادة، والجمهور . والثاني: أنه الذي يوزن به، حكي عن مجاهد . ومعنى إنزاله: إلهام الخلق أن يعملوا به، وأمر الله عز وجل إياهم بالإنصاف . وسمي العدل ميزانا; لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية بين الخلق . وتمام الآية مشروح في [الأحزاب: 63] .

قوله تعالى: يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها لأنهم لا يخافون ما فيها، إذ لم يؤمنوا بكونها، فهم يطلبون قيامها استبعادا واستهزاء والذين آمنوا مشفقون أي: خائفون منها لأنهم يعلمون أنهم محاسبون ومجزيون، ولا يدرون ما يكون منهم ويعلمون أنها الحق أي: أنها كائنة لا محالة ألا إن الذين يمارون في الساعة أي: يخاصمون في كونها لفي ضلال بعيد حين لم يتفكروا، فيعلموا قدرة الله على إقامتها .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #483  
قديم 19-03-2023, 12:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الشورى
الحلقة (483)
صــ 281 إلى صــ 290





[ ص: 281 ] الله لطيف بعباده قد شرحنا معنى [اسمه] "اللطيف" في [الأنعام: 103] . وفي عباده هاهنا قولان . أحدهما: أنهم المؤمنون . والثاني: أنه عام في الكل . ولطفه بالفاجر: أنه لا يهلكه .

يرزق من يشاء أي: يوسع له الرزق .

قوله تعالى: من كان يريد حرث الآخرة قال ابن قتيبة : أي: عمل الآخرة، يقال: فلان يحرث الدنيا، أي: يعمل لها ويجمع المال; فالمعنى: من أراد بعمله الآخرة نزد له في حرثه أي: نضاعف له الحسنات .

قال المفسرون: من أراد العمل لله بما يرضيه، أعانه الله على عبادته، ومن أراد الدنيا مؤثرا لها على الآخرة لأنه غير مؤمن بالآخرة، يؤته منها، وهو الذي قسم له، وما له في الآخرة من نصيب لأنه كافر بها لم يعمل لها .

فصل

اتفق العلماء على أن أول هذه الآية إلى "حرثه" محكم، واختلفوا في باقيها على قولين .

[ ص: 282 ] أحدهما: [أنه] منسوخ بقوله: عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد [الإسراء: 18]، وهذا قول جماعة منهم مقاتل .

والثاني: أن الآيتين محكمتان متفقتان في المعنى، لأنه لم يقل في هذه الآية: نؤته مراده، فعلم أنه إنما يؤتيه الله ما أراد، وهذا موافق لقوله: "لمن نريد"، ويحقق هذا أن لفظ الآيتين لفظ الخبر ومعناهما معنى الخبر، وذلك لا يدخله النسخ، وهذا مذهب جماعة منهم قتادة .
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم . ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور . أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور .

قوله تعالى: أم لهم شركاء يعني كفار مكة; والمعنى: ألهم آلهة شرعوا أي: ابتدعوا لهم دينا لم يأذن به الله؟! ولولا كلمة الفصل [ ص: 283 ] وهي: القضاء السابق بأن الجزاء يكون في القيامة لقضي بينهم في الدنيا بنزول العذاب على المكذبين . والظالمون في هذه الآية والتي تليها: يراد بهم المشركون . والإشفاق: الخوف . والذي كسبوا: هو الكفر والتكذيب، وهو واقع بهم يعني جزاءه . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ذلك يعني: ما تقدم ذكره من الجنات الذي يبشر الله عباده قال أبو سليمان الدمشقي: "ذلك" بمعنى: هذا الذي أخبرتكم به بشرى يبشر الله بها عباده . وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: "يبشر" بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين .

قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني: أنه لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس في يده سعة، فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله به، وليس في يده سعة، فاجمعوا له من أموالكم مالا يضركم، ففعلوا ثم أتوه به، فنزلت هذه الآية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة .

[ ص: 284 ] والهاء في "عليه" كناية عما جاء به من الهدى .

وفي الاستثناء هاهنا قولان .

أحدهما: أنه من الجنس، فعلى هذا يكون سائلا أجرا . وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى، ثم قال: نسخت هذه بقوله: قل ما سألتكم من أجر فهو لكم . . . [الآية] [سبأ: 47]، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل .

والثاني: أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجرا; وإنما المعنى: لكني أذكركم المودة في القربى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم العوفي، وهذا اختيار المحققين، وهو الصحيح، فلا يتوجه النسخ أصلا .

وفي المراد بالقربى خمسة أقوال .

أحدها: أن معنى الكلام: إلا أن تودوني لقرابتي منكم، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد في الأكثرين . قال ابن عباس: ولم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة .

والثاني: إلا [أن] تودوا قرابتي، قاله علي بن الحسين، وسعيد بن جبير، والسدي . ثم في المراد بقرابته قولان . أحدهما: علي وفاطمة وولدها، وقد رووه [ ص: 285 ] مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني: أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب .

والثالث: أن المعنى: إلا أن توددوا إلى الله تعالى فيما يقربكم إليه من العمل الصالح، قاله الحسن، وقتادة .

والرابع: إلا أن تودوني، كما تودون قرابتكم، قاله ابن زيد .

والخامس: إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم، حكاه الماوردي . والأول: أصح .

قوله تعالى: ومن يقترف أي: من يكتسب حسنة نزد له فيها حسنا أي: نضاعفها بالواحدة عشرا فصاعدا . وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري : "يزد له" بالياء إن الله غفور للذنوب شكور للقليل حتى يضاعفه .

أم يقولون أي: بل يقول كفار مكة افترى على الله كذبا حين زعم أن القرآن من عند الله! فإن يشأ الله يختم على قلبك فيه قولان .

[ ص: 286 ] أحدهما: يختم على قلبك فينسيك القرآن، قاله قتادة .

والثاني: يربط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يشق عليك قولهم: إنك مفتر، قاله مقاتل، والزجاج .

قوله تعالى: ويمح الله الباطل قال الفراء: ليس بمردود على "يختم" فيكون جزما، وإنما هو مستأنف، ومثله مما حذفت منه الواو ويدع الإنسان بالشر [الإسراء: 11] . وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير . تقديره: والله يمحو الباطل . وقال الزجاج : الوقف عليها "ويمحوا" بواو وألف; والمعنى: والله يمحو الباطل على كل حال، غير أنها كتبت في المصاحف بغير واو، لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين، فكتبت على الوصل، ولفظ الواو ثابت; والمعنى: ويمحو الله الشرك ويحق الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون . ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد . ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير .

قوله تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده قد ذكرناه في [براءة: 104] .

قوله تعالى: ويعلم ما تفعلون أي: من خير وشر . قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بالتاء، وقرأ الباقون: بالياء، على الإخبار عن المشركين والتهديد لهم .

و "يستجيب" بمعنى يجيب . وفيه قولان .

[ ص: 287 ] أحدهما: أن الفعل فيه لله، والمعنى: يجيبهم إذا سألوه; وقد روى قتادة عن أبي إبراهيم اللخمي ويستجيب الذين آمنوا قال: يشفعون في إخوانهم، ويزيدهم من فضله قال: يشفعون في إخوان إخوانهم .

والثاني: أنه للمؤمنين; فالمعنى: يجيبونه . والأول أصح .

قوله تعالى: ولو بسط الله الرزق لعباده قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير فتمنيناها، فنزلت هذه الآية . ومعنى الآية: لو أوسع الله الرزق لعباده لبطروا وعصوا وبغى بعضهم على بعض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء أي: ينزل أمره بتقدير ما يشاء مما يصلح أمورهم ولا يطغيهم إنه بعباده خبير بصير فمنهم من لا يصلحه إلا الغنى، ومنهم من لا يصلحه إلا الفقر .
[ ص: 288 ] وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد . ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير . وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير .

وهو الذي ينزل الغيث يعني المطر وقت الحاجة من بعد ما قنطوا أي: يئسوا، وذلك أدعى لهم إلى شكر منزله وينشر رحمته في الرحمة هاهنا قولان . أحدهما: المطر، قاله مقاتل . والثاني: الشمس بعد المطر، حكاه أبو سليمان الدمشقي . وقد ذكرنا "الولي" في سورة [النساء: 45] و "الحميد" في [البقرة: 267] .

قوله تعالى: وما أصابكم من مصيبة وهو ما يلحق المؤمن من مكروه فبما كسبت أيديكم من المعاصي . وقرأ نافع، وابن عامر: "بما كسبت أيديكم" بغير فاء، وكذلك [هي] في مصاحف أهل المدينة والشام ويعفو عن كثير من السيئات فلا يعاقب بها . وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم؟ قال: إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم، وقرأ هذه الآية .

قوله تعالى: وما أنتم بمعجزين في الأرض إن أراد الله عقوبتكم ،وهذا يدخل فيه الكفار والعصاة كلهم .
ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام . إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل [ ص: 289 ] صبار شكور . أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير . ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص . فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون .

قوله تعالى: ومن آياته الجوار في البحر والمراد بالجوار: السفن . قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : "الجواري" بياء في الوصل، إلا أن ابن كثير يقف أيضا بياء، وأبو عمرو بغير ياء، ويعقوب يوافق ابن كثير، والباقون بغير ياء في الوصل والوقف; قال أبو علي: والقياس ما ذهب إليه ابن كثير، ومن حذف، فقد كثر حذف مثل هذا في كلامهم .

كالأعلام قال ابن قتيبة : كالجبال، واحدها: علم . وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: كل شيء مرتفع -عند العرب- فهو علم .

قوله تعالى: إن يشأ يسكن الريح التي تجريها فيظللن يعني الجواري رواكد على ظهره أي: سواكن على ظهر البحر [لا يجرين] .

أو يوبقهن أي: يهلكهن ويغرقهن، والمراد أهل السفن، ولذلك قال: بما كسبوا أي: من الذنوب ويعف عن كثير من ذنوبهم، فينجيهم من الهلاك .

ويعلم الذين يجادلون قرأ نافع، وابن عامر: "ويعلم" بالرفع على الاستئناف وقطعه من الأول; وقرأ الباقون بالنصب . قال الفراء: هو مردود على الجزم، إلا أنه صرف، والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب .

وللمفسرين في معنى الآية قولان .

[ ص: 290 ] أحدهما: ويعلم الذين يخاصمون في آيات الله حين يؤخذون بالغرق أنه لا ملجأ لهم .

والثاني: أنهم يعلمون بعد البعث أنه لا مهرب لهم من العذاب .

قوله تعالى: فما أوتيتم من شيء أي: ما أعطيتم من الدنيا فهو متاع تتمتعون به، ثم يزول سريعا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا لا للكافرين، لأنه إنما أعد لهم في الآخرة العذاب .
والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون . والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة . وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون . والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون . وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين . ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل . إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم . ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور .

قوله تعالى: والذين يجتنبون كبائر الإثم وقرأ حمزة، والكسائي: "كبير الإثم" على التوحيد من غير ألف، والباقون بألف . وقد شرحنا الكبائر في سورة [النساء: 31] . وفي المراد بالفواحش هاهنا قولان . أحدهما: الزنا . والثاني: موجبات الحدود .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #484  
قديم 19-03-2023, 12:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الشورى
الحلقة (484)
صــ 291 إلى صــ 300







قوله تعالى: وإذا ما غضبوا هم يغفرون أي: يعفون عمن ظلمهم [ ص: 291 ] طلبا لثواب الله تعالى .

والذين استجابوا لربهم أي: أجابوه فيما دعاهم إليه .

وأمرهم شورى بينهم قال ابن قتيبة : أي: يتشاورون فيه [بينهم] . وقال الزجاج : المعنى أنهم لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه .

قوله تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون اختلفوا في [هذا] البغي على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه بغي الكفار على المسلمين . قال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم، ثم مكنهم الله منهم فانتصروا . وقال زيد بن أسلم: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين بمكة، فرقة كانت تؤذى فتعفو عن المشركين، وفرقة كانت تؤذى فتنتصر، فأثنى الله عز وجل عليهم جميعا، فقال في الذين لم ينتصروا: وإذا ما غضبوا هم يغفرون ، وقال في المنتصرين: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون أي: من المشركين . وقال ابن زيد: ذكر المهاجرين، وكانوا صنفين، صنفا عفا، و صنفا انتصر، فقال: "وإذا ما غضبوا هم يغفرون"، فبدأ بهم، وقال في المنتصرين: "والذين إذا أصابهم [ ص: 292 ] البغي هم ينتصرون" أي: من المشركين; وقال: "والذين استجابوا لربهم: إلى قوله: "ينفقون" وهم الأنصار; ثم ذكر الصنف الثالث فقال: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" من المشركين .

والثاني: أنه بغي المسلمين على المسلمين خاصة .

والثالث: أنه عام في جميع البغاة، سواء كانوا مسلمين أو كافرين .

فصل

واختلف في هذه الآية علماء الناسخ والمنسوخ، فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين إلى أنها منسوخة بآية السيف، فكأنهم يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بغي المشركين، فلما جاز لنا أن نبدأهم بالقتال، دل على أنها منسوخة . وللقائلين بأنها في المسلمين قولان .

أحدهما: أنها منسوخة بقوله: ولمن صبر وغفر [الشورى: 43] فكأنها نبهت على مدح المنتصر، ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح، فبان وجه النسخ .

والثاني: أنها محكمة، لأن الصبر والغفران فضيلة، والانتصار مباح، فعلى هذا تكون محكمة، [وهو الأصح] .

فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية -وظاهرها مدح المنتصر- وبين آيات الحث على العفو؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه انتصار المسلمين من الكافرين، وتلك رتبة الجهاد كما ذكرنا عن عطاء .

[ ص: 293 ] والثاني: أن المنتصر لم يخرج عن فعل أبيح له، وإن كان العفو أفضل، ومن لم يخرج من الشرع بفعله، حسن مدحه . قال ابن زيد: جعل الله المؤمنين صنفين، صنف يعفو، فبدأ بذكره، وصنف ينتصر .

والثالث: أنه إذا بغى على المؤمن فاسق، فلأن له اجتراء الفساق عليه، وليس للمؤمن أن يذل نفسه، فينبغي له أن يكسر شوكة العصاة لتكون العزة لأهل الدين . قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق، فإذا قدروا عفوا . وقال القاضي أبو يعلى: هذه الآية محمولة على من تعدى وأصر على ذلك، وآيات العفو محمولة على أن يكون الجاني نادما .

قوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها قال مجاهد والسدي: هو جواب القبيح، إذا قال له كلمة إجابة بمثلها من غير أن يعتدي . وقال مقاتل: هذا في القصاص في الجراحات والدماء .

فمن عفا فلم يقتص وأصلح العمل فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين يعني من بدأ بالظلم . وإنما سمى المجازاة سيئة، لما بينا عند قوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه [البقرة: 194] . قال الحسن: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا .

ولمن انتصر بعد ظلمه أي: بعد ظلم الظالم إياه; والمصدر هاهنا مضاف إلى المفعول، ونظيره: من دعاء الخير [فصلت: 49] و بسؤال نعجتك [ص: 24]، فأولئك يعني المنتصرين ما عليهم من سبيل أي: من طريق إلى لوم ولا حد، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس أي: يبتدؤون بالظلم ويبغون في الأرض بغير الحق أي: يعملون فيها بالمعاصي .

[ ص: 294 ] قوله تعالى: ولمن صبر فلم ينتصر وغفر إن ذلك الصبر والتجاوز لمن عزم الأمور وقد شرحناه في [آل عمران: 186] .
ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل . وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم . وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل .

قوله تعالى: ومن يضلل الله فما له من ولي أي: من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه .

وترى الظالمين يعني المشركين لما رأوا العذاب في الآخرة يسألون الرجعة إلى الدنيا يقولون هل إلى مرد من سبيل ؟

وتراهم يعرضون عليها أي: على النار خاشعين أي: خاضعين متواضعين من الذل ينظرون من طرف خفي وفيه أربعة أقوال .

أحدها: من طرف ذليل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد . وقال الأخفش: ينظرون من عين ضعيفة . وقال غيره: "من" بمعنى "الباء" .

والثاني: يسارقون النظر، قاله قتادة ، والسدي .

والثالث: ينظرون ببعض العين، قاله أبو عبيدة .

والرابع: أنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم، لأنهم قد حشروا عميا، فلم يروها بأعينهم، حكاه الفراء، والزجاج . وما بعد هذا قد سبق بيانه [الأنعام: 12، هود: 39] إلى قوله: ينصرونهم من دون الله أي: يمنعونهم من عذاب الله .
[ ص: 295 ] استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير . فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور . لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير .

قوله تعالى: استجيبوا لربكم أي: أجيبوه، فقد دعاكم برسوله من قبل أن يأتي يوم وهو يوم القيامة لا مرد له من الله أي: لا يقدر أحد على رده ودفعه ما لكم من ملجإ تلجؤون إليه، وما لكم من نكير قال مجاهد: من ناصر ينصركم . وقال غيره: من قدرة على تغيير ما نزل بكم .

فإن أعرضوا عن الإجابة فما أرسلناك عليهم حفيظا لحفظ أعمالهم إن عليك إلا البلاغ أي: ما عليك إلا أن تبلغهم . وهذا عند المفسرين منسوخ بآية السيف .

قوله تعالى: وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها قال المفسرون: [ ص: 296 ] المراد به: الكافر; والرحمة; الغنى والصحة والمطر ونحو ذلك، والسيئة: المرض والفقر والقحط [ونحو ذلك] . والإنسان هاهنا: اسم جنس، فلذلك قال: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم أي: بما سلف من مخالفتهم فإن الإنسان كفور بما سلف من النعم .

لله ملك السماوات والأرض أي: له التصرف فيها بما يريد، يهب لمن يشاء إناثا يعني البنات ليس فيهن ذكر، كما وهب للوط صلى الله عليه وسلم، فلم يولد له إلا البنات ويهب لمن يشاء الذكور يعني البنين ليس معهم أنثى، كما وهب لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، [فلم يولد له إلا الذكور] .

أو يزوجهم يعني الإناث والذكور . قال الزجاج : ومعنى "يزوجهم": يقرنهم . وكل شيئين يقترن أحدهما بالآخر، فهما زوجان، ويقال لكل واحد منهما: زوج، تقول: عندي زوجان من الخفاف، يعني اثنين .

وفي معنى الكلام للمفسرين قولان . أحدهما: أنه وضع المرأة غلاما ثم جارية ثم غلاما ثم جارية، قاله مجاهد، والجمهور . والثاني: [أنه] وضع المرأة جارية وغلاما توأمين، قاله ابن الحنفية . قالوا: وذلك كما جمع لمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنه وهب له بنين وبنات، ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له، كيحيى بن زكريا عليهما السلام . وهذه الأقسام موجودة في سائر الناس، وإنما ذكروا الأنبياء تمثيلا .
وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم . وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا [ ص: 297 ] وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور .

قوله تعالى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا قال المفسرون: سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا صادقا كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال لهم: "لم ينظر موسى إلى الله"، ونزلت هذه الآية . والمراد بالوحي هاهنا: الوحي في المنام .

أو من وراء حجاب كما كلم موسى .

أو يرسل قرأ نافع، وابن عامر: "يرسل" بالرفع فيوحي بسكون الياء . وقرأ الباقون: "يرسل" بنصب اللام "فيوحي" بتحريك الياء، والمعنى: "أو يرسل رسولا" كجبرائيل "فيوحي" ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذنه ما يشاء . قال مكي بن أبي طالب: من قرأ "أو يرسل" بالنصب، عطفه على معنى قوله: "إلا وحيا" لأنه بمعنى: إلا أن يوحي . [ ص: 298 ] ومن قرأ بالرفع، فعلى الابتداء، كأنه قال، أو هو يرسل . قال القاضي أبو يعلى: وهذه الآية محمولة على أنه لا يكلم بشرا إلا من وراء حجاب في دار الدنيا .

قوله تعالى: وكذلك أي: وكما أوحينا إلى الرسل أوحينا إليك ، وقيل: الواو عطف على أول السورة، فالمعنى: كذلك نوحي إليك وإلى الذين من قبلك .

"وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا" قال ابن عباس: هو القرآن . وقال مقاتل: وحيا بأمرنا .

قوله تعالى: ما كنت تدري ما الكتاب وذلك أنه لم يكن يعرف القرآن قبل الوحي ولا الإيمان فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه بمعنى الدعوة إلى الإيمان، قاله أبو العالية .

والثاني: أن المراد به: شرائع الإيمان ومعالمه، وهي كلها إيمان; وقد سمى الصلاة إيمانا بقوله: وما كان الله ليضيع إيمانكم [البقرة: 143]، هذا اختيار ابن قتيبة، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة .

والثالث: أنه ما كان يعرف الإيمان حين كان في المهد وإذ كان طفلا قبل البلوغ، حكاه الواحدي . والقول ما اختاره ابن قتيبة ، وابن خزيمة، وقد اشتهر في الحديث عنه عليه السلام أنه كان قبل النبوة يوحد الله، ويبغض اللات والعزى، ويحج ويعتمر، ويتبع شريعة إبراهيم عليه السلام . قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه، فهو قول سوء: أليس كان لا يأكل ما ذبح على النصب؟ وقال ابن قتيبة : قد جاء في الحديث [ ص: 299 ] أنه كان على دين قومه أربعين سنة . ومعناه: أن العرب لم يزالوا على بقايا من دين إسماعيل، من ذلك حج البيت، والختان، وإيقاع الطلاق إذا كان ثلاثا، وأن للزوج الرجعة في الواحدة والاثنتين، ودية النفس مائة من الإبل، والغسل من الجنابة، وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والصهر . وكان عليه الصلاة والسلام على ما كانوا عليه من الإيمان بالله والعمل بشرائعهم في الختان والغسل والحج، وكان لا يقرب الأوثان، ويعيبها . وكان لا يعرف شرائع الله التي شرعها لعباده على لسانه، فذلك قوله: "ما كنت تدري ما الكتاب" [يعني القرآن] "ولا الإيمان" يعني شرائع الإيمان; ولم يرد الإيمان الذي هو الإقرار بالله، لأن آباءه الذين ماتوا على الشرك كانوا يؤمنون بالله ويحجون له [البيت] مع شركهم .

قوله تعالى: ولكن جعلناه في هاء الكناية قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى القرآن . والثاني: إلى الإيمان .

نورا أي: ضياء ودليلا على التوحيد نهدي به من نشاء [من عبادنا] إلى دين الحق .

[ ص: 300 ] وإنك لتهدي أي: لتدعو إلى صراط مستقيم وهو الإسلام .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #485  
قديم 19-03-2023, 01:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الزُّخْرُفِ
الحلقة (485)
صــ 301 إلى صــ 310






[ ص: 301 ] سُورَةُ الزُّخْرُفِ

هِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ مَكِّيَّةٌ، إِلَّا آيَةً، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا [الزُّخْرُفِ: 45] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ . أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ . وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ . وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ . وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمُ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .

[ ص: 302 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: حم قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ [الْمُؤْمِنِ] .

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ قَسَمٌ بِالْقُرْآنِ .

إِنَّا جَعَلْنَاهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنْزَلْنَاهُ . وَمَا بَعْدَ هَذَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ [النِّسَاءِ: 82، يُوسُفَ: 2] إِلَى قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ يَعْنِي الْقُرْآنَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ قَالَ الزَّجَّاجُ : أَيْ: فِي أَصْلِ الْكِتَابِ، وَأَصْلُ كُلِّ شَيْءٍ: أُمُّهُ، وَالْقُرْآنُ مُثْبَتٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَدَيْنَا أَيْ: عِنْدَنَا لَعَلِيٌّ أَيْ: رَفِيعٌ .

وَفِي مَعْنَى الْحَكِيمِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: مُحْكَمٌ، أَيْ: مَمْنُوعٌ مِنَ الْبَاطِلِ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: حَاكِمٌ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِالْجَنَّةِ وَلِأَهْلِ الْكُفْرِ بِالنَّارِ، ذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَالْمَعْنَى: إِنْ كَذَّبْتُمْ بِهِ يَا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا شَرِيفٌ عَظِيمُ الْمَحَلِّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : أَيْ: نُمْسِكُ عَنْكُمْ فَلَا نَذْكُرُكُمْ صَفْحًا، أَيْ: إِعْرَاضًا، يُقَالُ: صَفَحْتُ عَنْ فُلَانٍ: إِذَا أَعْرَضْتُ عَنْهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُوَلِّيَهُ صَفْحَةَ عُنُقِكَ، قَالَ كُثَيِّرٌ يَصِفُ امْرَأَةً:



صَفُوحًا فَمَا تَلْقَاكَ إِلَّا بَخِيلَةً فَمَنْ مَلَّ مِنْهَا ذَلِكَ الْوَصْلَ مَلَّتِ


أَيْ: مُعْرِضَةً بِوَجْهِهَا، يُقَالُ; ضَرَبْتُ عَنْ فُلَانٍ كَذَا: إِذَا أَمْسَكْتَهُ وَأَضْرَبْتَ عَنْهُ . أَنْ كُنْتُمْ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ: "أَنْ كُنْتُمْ" بِالنَّصْبِ، أَيْ: لِأَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ . وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، [ ص: 303 ] وَالْكِسَائِيُّ: "إِنْ كُنْتُمْ" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَهَذَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، أَيْ: إِنْ تَكُونُوا مُسْرِفِينَ نَضْرِبْ عَنْكُمُ الذِّكْرَ .

وَفِي الْمُرَادِ بِالذِّكْرِ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذِكْرُ الْعَذَابِ، فَالْمَعْنَى: أَفَنُمْسِكُ عَنْ عَذَابِكُمْ وَنَتْرُكُكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ؟! وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالسُّدِّيِّ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْقُرْآنُ، فَالْمَعْنَى: أَفَنُمْسِكُ عَنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِهِ؟! وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ، وَابْنِ زَيْدٍ .

وَقَالَ قَتَادَةُ: "مُسْرِفِينَ" بِمَعْنَى مُشْرِكِينَ .

ثُمَّ أَعَلَمَ نَبِيَّهُ أَنِّي قَدْ بَعَثْتُ رُسُلًا فَكُذِّبُوا فَأَهْلَكْتُ الْمُكَذِّبِينَ بِالْآيَاتِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَشَدَّ مِنْهُمْ أَيْ: مِنْ قُرَيْشٍ بَطْشًا أَيْ: قُوَّةً وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ أَيْ: سَبَقَ وَصْفُ عِقَابِهِمْ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ . وَقِيلَ: سَبَقَ تَشْبِيهُ حَالِ أُولَئِكَ بِهَؤُلَاءِ فِي التَّكْذِيبِ، فَسَتَقَعُ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْإِهْلَاكِ .

ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ جَهْلِهِمْ حِينَ أَقَرُّوا بِأَنَّهُ خَالِقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ عَبَدُوا غَيْرَهُ بِالْآيَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ; ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا مُفَسَّرَةٌ فِي [طَه: 53] إِلَى قَوْلِهِ: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أَيْ: لِكَيْ تَهْتَدُوا فِي أَسْفَارِكُمْ إِلَى مَقَاصِدِكُمْ .
والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون . والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين . وإنا إلى ربنا لمنقلبون .

[ ص: 304 ] قوله تعالى: والذي نزل من السماء ماء بقدر قال ابن عباس: يريد أنه ليس كما أنزل على قوم نوح بغير قدر فأغرقهم، بل هو بقدر ليكون نافعا . ومعنى "أنشرنا": أحيينا .

قوله تعالى: كذلك تخرجون قرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر: "تخرجون" بفتح التاء وضم الراء; والباقون بضم التاء وفتح الراء . وما بعد هذا قد سبق [يس: 36، 42] إلى قوله تعالى: لتستووا على ظهوره قال أبو عبيدة: هاء التذكير لـ "ما" .

ثم تذكروا نعمة ربكم إذ سخر لكم ذلك المركب في البر والبحر، وما كنا له مقرنين قال ابن عباس ومجاهد: أي: مطيقين، قال ابن قتيبة : يقال: أنا مقرن لك، أي: مطيق لك، ويقال: هو من قولهم: أنا قرن لفلان: إذا كنت مثله في الشدة، فإن قلت: أنا قرن لفلان -بفتح القاف- فمعناه: أن تكون مثله بالسن . وقال أبو عبيدة: "مقرنين" أي: ضابطين، يقال: فلان مقرن لفلان، أي: ضابط له .

قوله تعالى: وإنا إلى ربنا لمنقلبون أي: راجعون في الآخرة .
[ ص: 305 ] وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين . أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين . وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم . أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين .

قوله تعالى: وجعلوا له من عباده جزءا أما الجعل هاهنا، فمعناه: الحكم بالشيء، وهم الذين زعموا أن الملائكة بنات الله; والمعنى: جعلوا له نصيبا من الولد، قال الزجاج : وأنشدني بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى "جزء" معنى الإناث -ولا أدري البيت قديم أو مصنوع-:



إن أجزأت حرة، يوما، فلا عجب قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا


أي: آنثت، ولدت أنثى .

قوله تعالى: إن الإنسان يعني الكافر لكفور أي: جحود لنعم الله عز وجل مبين أي: ظاهر الكفر .

ثم أنكر عليهم فقال: أم اتخذ مما يخلق بنات وهذا استفهام توبيخ وإنكار وأصفاكم أي: أخلصكم بالبنين .

وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا أي: بما جعل لله شبها، وذلك أن ولد كل شيء شبهه وجنسه . والآية مفسرة في [النحل: 58] .

[ ص: 306 ] قوله تعالى: أومن ينشأ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص: "ينشأ" بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين; وقرأ الباقون: بفتح الياء وسكون النون . قال المبرد: تقديره: أو يجعلون من ينشأ في الحلية . قال أبو عبيدة: الحلية: الحلى .

قال المفسرون: والمراد بذلك: البنات، فإنهن ربين في الحلي . والخصام بمعنى المخاصمة، غير مبين حجة . قال قتادة: قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها .

وقال بعضهم: هي الأصنام .
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون . وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون . أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون . بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون . وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون . قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون . فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين .

قوله تعالى: وجعلوا الملائكة قال الزجاج : الجعل هاهنا بمعنى القول والحكم على الشيء، تقول: قد جعلت زيدا أعلم الناس، أي: قد وصفته بذلك وحكمت به . قال المفسرون: وجعلهم الملائكة إناثا قولهم: هن بنات الله .

[ ص: 307 ] قوله تعالى: الذين هم عباد الرحمن قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، ويعقوب، وأبان عن عاصم، والشيزري عن الكسائي: "عند الرحمن" بنون من غير ألف وقرأ الباقون: "عباد الرحمن"، ومعنى هذه القراءة: جعلوا له من عباده بنات . والقراءة الأولى موافقة لقوله: إن الذين عند ربك [الأعراف: 206]، وإذا كانوا في السماء كان أبعد للعلم بحالهم . أشهدوا خلقهم؟ قرأ نافع، والمفضل عن عاصم: "أأشهدوا" بهمزتين، الأولى مفتوحة والثانية مضمومة . وروى المسيبي عن نافع: "أو شهدوا" ممدودة من أشهدت، والباقون لا يمدون .

"أشهدوا" من شهدت، أي: أحضروه فعرفوا أنهم إناث؟! وهذا توبيخ لهم إذ قالوا فيما يعلم بالمشاهدة من غير مشاهدة . ستكتب شهادتهم على الملائكة أنها بنات الله وقال مقاتل: لما قال الله عز وجل: "أشهدوا خلقهم؟"، سئلوا عن ذلك فقالوا: [لا]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فما يدريكم أنها إناث؟" فقالوا: سمعنا من آبائنا، ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا، فقال الله: ستكتب شهادتهم ويسألون عنها في الآخرة . وقرأ أبو رزين، ومجاهد: "سنكتب" بنون مفتوحة "شهادتهم" بنصب التاء، ووافقهم ابن أبي عبلة في "سنكتب" وقرأ: "شهاداتهم" بألف .

قوله تعالى: وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم في المكني عنهم قولان . أحدهما: أنهم الملائكة، قاله قتادة ، ومقاتل في آخرين . والثاني: الأوثان، قاله مجاهد . وإنما عنوا بهذا أنه لو لم يرض عبادتنا لها لعجل عقوبتنا، فرد عليهم قولهم بقوله: ما لهم بذلك من علم . وبعض المفسرين يقول: إنما أشار بقوله: [ ص: 308 ] "ما لهم بذلك من علم" إلى ادعائهم أن الملائكة إناث; قال: ولم يتعرض لقولهم: "لو شاء الرحمن ما عبدناهم" لأنه قول صحيح; والذي اعتمدنا عليه أصح، لأن هذه الآية كقوله: لو شاء الله ما أشركنا [الأنعام: 148]، وقوله: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه [يس: 470] وقد كشفنا عن هذا المعنى هنالك . و "يخرصون" بمعنى: يكذبون . وإنما كذبهم، لأنهم اعتقدوا أنه رضي منهم الكفر دينا .

أم آتيناهم كتابا من قبله أي: من قبل هذا القرآن، أي: بأن يعبدوا غير الله فهم به مستمسكون يأخذون بما فيه .

بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة أي: على سنة وملة ودين وإنا على آثارهم مهتدون فجعلوا أنفسهم مهتدين بمجرد تقليد الآباء من غير حجة; ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذا القول، فقال: وكذلك أي: وكما قالوا قال مترفو القرى من قبلهم، وإنا على آثارهم مقتدون بهم .

( قل أولو جئتكم ) وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: "قال أولو جئتكم" [بألف] . قال أبو علي: فاعل "قال" النذير، المعنى: فقال لهم النذير . وقرأ أبو جعفر: "أولو جئناكم" بألف ونون بأهدى أي: بأصوب وأرشد .

[ ص: 309 ] قال الزجاج : ومعنى الكلام: قل: أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه؟! وفي هذه الآية إبطال القول بالتقليد . قال مقاتل: فردوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا بما أرسلتم به كافرون ; ثم رجع إلى الأمم الخالية، فقال: فانتقمنا منهم . . . الآية .
وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون . إلا الذي فطرني فإنه سيهدين . وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون . بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين . ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون .

قوله تعالى: إنني براء قال الزجاج : البراء بمعنى البريء، والعرب تقول للواحد: أنا البراء منك، وكذلك للاثنين والجماعة، وللذكر والأنثى، يقولون: نحن البراء منك والخلاء منك، لا يقولون: نحن البراءان منك، ولا البراءون منك، وإنما المعنى: أنا ذو البراء منك، ونحن ذوو البراء منك، [ ص: 310 ] كما يقال: رجل عدل، وامرأة عدل . وقد بينا استثناء إبراهيم ربه عز وجل مما يعبدون عند قوله: إلا رب العالمين [الشعراء: 77] .

قوله تعالى: وجعلها يعني كلمة التوحيد، وهي "لا إله إلا الله" كلمة باقية في عقبه أي: فيمن يأتي بعده من ولده، فلا يزال فيهم موحد لعلهم يرجعون إلى التوحيد كلهم إذا سمعوا أن أباهم تبرأ من الأصنام ووحد الله عز وجل .

ثم ذكر نعمته على قريش فقال: بل متعت هؤلاء وآباءهم والمعنى: إني أجزلت لهم النعم ولم أعاجلهم بالعقوبة حتى جاءهم الحق وهو القرآن ورسول مبين وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ينبغي لهم أن يقابلوا النعم بالطاعة للرسول، فخالفوا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #486  
قديم 19-03-2023, 01:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الزُّخْرُفِ
الحلقة (486)
صــ 311 إلى صــ 320




ولما جاءهم يعني قريشا في قول الأكثرين . وقال قتادة: هم اليهود . والحق القرآن .
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون . [ ص: 311 ] ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون . ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون . وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين .

قوله تعالى: وقالوا لولا أي: هلا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أما القريتان، فمكة والطائف، قاله ابن عباس، والجماعة; وأما عظيم مكة، ففيه قولان .

أحدهما: الوليد بن المغيرة القرشي، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، [وبه قال قتادة، والسدي] .

والثاني: عتبة بن ربيعة، قاله مجاهد .

وفي عظيم الطائف خمسة أقوال .

أحدها: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني: مسعود بن عمرو بن عبيد الله، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث: أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، رواه ليث عن مجاهد، وبه قال قتادة .

والرابع: [أنه] ابن عبد ياليل، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

والخامس: كنانة بن عبد [بن] عمرو بن عمير الطائفي، قاله السدي .

[ ص: 312 ] فقال الله عز وجل ردا عليهم وإنكارا: أهم يقسمون رحمت ربك يعني النبوة، فيضعونها حيث شاؤوا، لأنهم اعترضوا على الله بما قالوا .

نحن قسمنا بينهم معيشتهم المعنى أنه إذا كانت الأرزاق بقدر الله، لا بحول المحتال -وهو دون النبوة- فكيف تكون النبوة؟! قال قتادة: إنك لتلقى ضعيف الحيلة عيي اللسان قد بسط له الرزق، وتلقى شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتور عليه .

قوله تعالى: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات فيه قولان: أحدهما: بالغنى والفقر . والثاني: بالحرية والرق ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وقرأ ابن السميفع، وابن محيصن: "سخريا" بكسر السين . ثم فيه قولان .

أحدهما: يستخدم الأغنياء الفقراء بأموالهم، فيلتئم قوام العالم، وهذا على القول الأول .

والثاني: ليملك بعضهم بعضا بالأموال فيتخذونهم عبيدا، وهذا على الثاني .

[ ص: 313 ] قوله تعالى: ورحمت ربك فيها قولان . أحدهما: النبوة خير من أموالهم التي يجمعونها، قاله ابن عباس . والثاني: الجنة خير مما يجمعون في الدنيا، قاله السدي .

قوله تعالى: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة فيه قولان . أحدهما: لولا أن يجتمعوا على الكفر، قاله ابن عباس . والثاني: على إيثار الدنيا على الدين، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة لهوان الدنيا عندنا . قال الفراء: إن شئت جعلت اللام في "لبيوتهم" مكررة، كقوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [البقرة: 217]، وإن شئت جعلتها بمعنى "على"، كأنه قال: جعلنا لهم على بيوتهم، تقول للرجل: جعلت لك لقومك الأعطية، أي: جعلتها من أجلك لهم .

قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : "سقفا" على التوحيد . وقرأ الباقون: :سقفا" بضم السين والقاف جميعا .

قال الزجاج : والسقف واحد يدل على الجمع; فالمعنى: جعلنا لبيت كل واحد منهم سقفا من فضة ومعارج وهي الدرج; والمعنى: وجعلنا معارج [ ص: 314 ] من فضة، وكذلك "ولبيوتهم أبوابا" أي: من فضة "وسررا" أي: من فضة .

قوله تعالى: عليها يظهرون قال ابن قتيبة : أي: يعلون، يقال: ظهرت على البيت: إذا علوت سطحه .

قوله تعالى: وزخرفا وهو الذهب; والمعنى: ويجعل لهم مع ذلك ذهبا وغنى وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا المعنى: لمتاع الحياة الدنيا، و "ما" زائدة وقرأ عاصم، وحمزة "لما" بالتشديد، فجعلاه بمعنى "إلا"; والمعنى: إن ذلك يتمتع به قليلا ثم يزول والآخرة عند ربك للمتقين خاصة لهم .
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين . وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون . حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين . ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب [ ص: 315 ] مشتركون . أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين .

قوله تعالى: ومن يعش فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: يعرض، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والفراء، والزجاج .

والثاني: يعم، روي عن ابن عباس أيضا، وبه قال عطاء، وابن زيد .

والثالث: أنه البصر الضعيف، حكاه الماوردي . وقال أبوعبيدة: تظلم عينه عنه . وقال الفراء: من قرأ: "يعش"، فمعناه: يعرض، ومن نصب الشين، أراد: يعم عنه; قال ابن قتيبة : لا أرى القول إلا قول أبي عبيدة، ولم نر أحدا يجيز "عشوت عن الشيء": أعرضت عنه، إنما يقال: "تعاشيت عن كذا"، أي: تغافلت عنه، كأني لم أره، ومثله: تعاميت، والعرب تقول: "عشوت إلى النار": إذا استدللت إليها ببصر ضعيف، قال الحطيئة:



متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد


ومنه حديث ابن المسيب: "أن إحدى عينيه ذهبت، وهو يعشو بالأخرى"، أي: يبصر بها بصرا ضعيفا .

قال المفسرون: "ومن يعش عن ذكر الرحمن" فلم يخف عقابه ولم يلتفت إلى كلامه "نقيض له" أي: نسبب له "شيطانا" فنجعل ذلك جزاءه "فهو له قرين" لا يفارقه .

[ ص: 316 ] وإنهم يعني الشياطين ليصدونهم يعني الكافرين، أي: يمنعونهم عن سبيل الهدى; وإنما جمع، لأن "من" في موضع جمع، ويحسبون يعني كفار بني آدم أنهم على هدى .

حتى إذا جاءنا وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: "جاءنا" واحد، يعني الكافر . وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: "جاءانا" بألفين على التثنية، يعنون الكافر وشيطانه . وجاء في التفسير أنهما يجعلان يوم البعث في سلسلة، فلا يفترقان حتى يصيرهما الله إلى النار، قال الكافر للشيطان: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين أي: بعد ما بين المشرقين; وفيهما قولان .

أحدهما: أنهما مشرق الشمس في أقصر يوم في السنة، ومشرقها في أطول يوم، قاله ابن السائب، ومقاتل .

والثاني: أنه أراد المشرق والمغرب، فغلب ذكر المشرق، كما قالوا: سنة العمرين، يريدون: أبا بكر وعمر، وأنشدوا من ذلك:



أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع



يريد: الشمس والقمر; وأنشدوا:



فبصرة الأزد منا والعراق لنا والموصلان ومنا مصر والحرم



يريد: الجزيرة والموصل، [وهذا اختيار الفراء، والزجاج] .

[ ص: 317 ] قوله تعالى: فبئس القرين أي: أنت أيها الشيطان . ويقول الله عز وجل يومئذ للكفار: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أي: أشركتم في الدنيا أنكم في العذاب مشتركون أي: لن ينفعكم الشركة في العذاب، لأن لكل واحد منه الحظ الأوفر . قال المبرد: منعوا روح التأسي، لأن التأسي يسهل المصيبة، وأنشد للخنساء أخت صخر بن مالك في هذا المعنى



ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي


وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي



وقرأ ابن عامر: "إنكم" بكسر الألف .

ثم أخبر عنهم بما سبق لهم من الشقاوة بقوله: أفأنت تسمع الصم الآية .
فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون . أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون . فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم . وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون .

قوله تعالى: فإما نذهبن بك قال أبو عبيدة: معناها: فإن نذهبن; وقال الزجاج : دخلت "ما" توكيدا للشرط، ودخلت النون الثقيلة في "نذهبن" توكيدا أيضا; والمعنى: إنا ننتقم منهم إن توفيت أو نرينك ما وعدناهم ووعدناك فيهم من النصر . قال ابن عباس: ذلك يوم بدر . وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله: فإما نذهبن بك منسوخ بآية السيف، ولا وجه [له] .

[ ص: 318 ] قوله تعالى: وإنه يعني القرآن لذكر لك أي: شرف لك بما أعطاك الله ولقومك في قومه ثلاثة أقوال . أحدها: العرب قاطبة . والثاني: قريش . والثالث: جميع من آمن به . وقد روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل: لمن هذا الأمر من بعدك؟ لم يخبر بشيء، حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا سئل قال: "لقريش" . وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من هذا أنه يلي على المسلمين بحكم النبوة وشرف القرآن، وأن قومه يخلفونه من بعده في الولاية لشرف القرآن الذي أنزل على رجل منهم . ومذهب مجاهد أن القوم هاهنا: العرب، والقرآن شرف لهم إذ أنزل بلغتهم . قال ابن قتيبة : إنما وضع الذكر موضع الشرف، لأن الشريف يذكر . وفي قوله: وسوف تسألون قولان . أحدهما: عن شكر ما أعطيتم من ذلك . والثاني: عما لزمكم فيه من الحقوق .
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون . ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون [ ص: 319 ] وملئه فقال إني رسول رب العالمين، فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون . وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون . وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون . فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون . ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون . أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين . فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين . فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين . فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين . فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين .

قوله تعالى: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا إن قيل: كيف يسأل الرسل وقد ماتوا قبله؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه لما أسري به جمع له الأنبياء فصلى بهم، ثم قال [له] جبريل: سل من أرسلنا قبلك . . . الآية . فقال: لا أسأل، قد اكتفيت، رواه عطاء عن ابن عباس، وهذا قول سعيد بن جبير، والزهري، وابن زيد; قالوا: جمع له الرسل ليلة أسري به، فلقيهم، وأمر أن يسألهم، فما شك ولا سأل .

والثاني: أن المراد: [اسأل] مؤمني أهل الكتاب [من] الذين أرسلت إليهم الأنبياء، روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي في آخرين . قال ابن الأنباري: والمعنى: سل أتباع من أرسلنا قبلك، [ ص: 320 ] كما تقول: السخاء حاتم، أي: سخاء حاتم، والشعر زهير، أي: شعر زهير . وعند المفسرين أنه لم يسأل على القولين . وقال الزجاج : هذا سؤال تقرير، فإذا سأل جميع الأمم، لم يأتوا بأن في كتبهم: أن اعبدوا غيري .

والثالث: [أن] المراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم: خطاب أمته، فيكون المعنى: سلوا، قاله الزجاج . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: إذا هم منها يضحكون استهزاء بها وتكذيبا .

وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها يعني ما ترادف عليهم من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس، فكانت كل آية أكبر من التي قبلها، وهي العذاب المذكور في قوله: وأخذناهم بالعذاب ، فكانت عذابا لهم، ومعجزات لموسى عليه السلام .

قوله تعالى: وقالوا يا أيه الساحر في خطابهم له بهذا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أرادوا: يا أيها العالم، وكان الساحر فيهم عظيما، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنهم قالوه على جهة الاستهزاء، قاله الحسن .

والثالث: أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر، قاله الزجاج .

قوله تعالى: إننا لمهتدون أي: مؤمنون بك . فدعا موسى، فكشف عنهم، فلم يؤمنوا . وقد ذكرنا ما تركناه هاهنا في [الأعراف: 135] .

قوله تعالى: تجري من تحتي أي: من تحت قصوري أفلا تبصرون عظمتي وشدة ملكي؟!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #487  
قديم 19-03-2023, 01:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الزُّخْرُفِ
الحلقة (487)
صــ 321 إلى صــ 330






[ ص: 321 ] أم أنا خير قال أبو عبيدة: أراد بل أنا خير . وحكى الزجاج عن سيبويه والخليل أنهما قالا: عطف "أنا" بـ "أم" على "أفلا تبصرون" [فكأنه قال: أفلا تبصرون] أم أنتم بصراء؟! لأنهم إذا قالوا: أنت خير منه، فقد صاروا عنده بصراء . قال الزجاج : والمهين: القليل; يقال: شيء مهين، أي: قليل . وقال مقاتل: "مهين" بمعنى ذليل ضعيف .

قوله تعالى: ولا يكاد يبين أشار إلى عقدة لسانه التي كانت به ثم أذهبها الله عنه، فكأنه عيره بشيء قد كان وزال، ويدل على زواله قوله تعالى: قد أوتيت سؤلك يا موسى [طه: 36]، وكان في سؤاله: واحلل عقدة من لساني [طه: 27] . وقال بعض العلماء: ولا يكاد يبين الحجة ولا يأتي ببيان يفهم .

فلولا أي: فهلا ( ألقي عليه أساورة من ذهب ) وقرأ حفص عن [ ص: 322 ] عاصم: "أسورة" بغير ألف . قال الفراء: واحد الأساورة: إسوار، وقد تكون الأساورة جمع أسورة، كما يقال في جمع الأسقية: الأساقي، وفي جمع الأكرع: الأكارع . وقال الزجاج : يصلح أن تكون الأساورة جمع الجمع، تقول: أسورة وأساورة، كما تقول: أقوال وأقاويل، ويجوز أن تكون جمع إسوار، وإنما صرفت أساورة، لأنك ضممت الهاء إلى أساور، فصار اسما واحدا، وصار له مثال في الواحد، نحو "علانية" .

قال المفسرون: إنما قال فرعون هذا، لأنهم كانوا إذا سودوا الرجل منهم سوروه بسوار .

أو جاء معه الملائكة مقترنين فيه قولان . أحدهما: متتابعين، قاله قتادة . والثاني: يمشون معه، قاله الزجاج .

قوله تعالى: فاستخف قومه قال الفراء: استفزهم; وقال غيره: استخف أحلامهم وحملهم على خفة الحلم بكيده وغروره فأطاعوه في تكذيب موسى .

فلما آسفونا قال ابن عباس: أغضبونا . قال ابن قتيبة : الأسف: الغضب، يقال: آسفت آسف أسفا، أي: غضبت .

فجعلناهم سلفا أي: قوما تقدموا . وقرأها أبو هريرة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وحميد الأعرج: "سلفا" بضم السين وفتح اللام، كأن واحدته سلفة من الناس، مثل القطعة، يقال: تقدمت سلفة من الناس، أي: قطعة منهم . وقرأ حمزة، والكسائي: "سلفا" بضم السين واللام، وهو [ ص: 323 ] جمع "سلف"، كما قالوا: خشب وخشب ، وثمر وثمر ، ويقال: هو جمع "سليف"، وكله من التقدم . وقال الزجاج : "السليف" جمع قد مضى; والمعنى: جعلناهم سلفا متقدمين ليتعظ بهم الآخرون .

قوله تعالى: ومثلا أي: عبرة [وعظة] .
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون . وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون . إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل . ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون . وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم . ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين . ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون . إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم . فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم . هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون .

قوله تعالى: ولما ضرب ابن مريم مثلا أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في مجادلة ابن الزبعرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله: إنكم وما تعبدون من دون الله . . . [الآية] [الأنبياء: 98] . وقد شرحنا القصة في سورة [الأنبياء: 101] . والمشركون هم الذين ضربوا عيسى مثلا لآلهتهم [ ص: 324 ] وشبهوه بها، لأن تلك الآية إنما تضمنت ذكر الأصنام، لأنها عبدت من دون الله، فألزموه عيسى، وضربوه مثلا لأصنامهم، لأنه معبود النصارى . والمراد بقومه: المشركون .

فأما يصدون فقرأ ابن عامر، ونافع، والكسائي: بضم الصاد، وكسرها الباقون; قال الزجاج : ومعناهما جميعا: يضجون، ويجوز أن يكون معنى المضمومة: يعرضون . وقال أبو عبيدة: من كسر الصاد، فمجازها: يضجون، ومن ضمها، فمجازها: يعدلون .

قوله تعالى: وقالوا أآلهتنا خير أم هو المعنى: ليست خيرا منه، فإن كان في النار لأنه عبد من دون الله، فقد رضينا أن تكون آلهتنا بمنزلته .

ما ضربوه لك إلا جدلا أي: ما ذكروا عيسى إلا ليجادلوك به، لأنهم قد علموا أن المراد بـ "حصب جهنم" ما اتخذوه من الموات بل هم قوم خصمون أي: أصحاب خصومات .

قوله تعالى: وجعلناه مثلا أي: آية وعبرة لبني إسرائيل يعرفون به قدرة الله على ما يريد، إذ خلقه من غير أب .

[ ص: 325 ] ثم خاطب كفار مكة، فقال: ولو نشاء لجعلنا منكم فيه قولان .

أحدهما: أن المعنى: لجعلنا بدلا منكم ملائكة ; ثم في معنى "يخلفون" ثلاثة أقوال . أحدها: يخلف بعضهم بعضا، قاله ابن عباس . والثاني: يخلفونكم ليكونوا بدلا منكم، قاله مجاهد . والثالث: يخلفون الرسل فيكونون رسلا إليكم بدلا منهم، حكاه الماوردي .

والقول الثاني: أن المعنى: "ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة" أي: قلبنا الخلقة فجعلنا بعضكم ملائكة يخلفون من ذهب منكم، ذكره الماوردي .

قوله تعالى: وإنه لعلم للساعة في هاء الكناية قولان .

أحدهما: [أنها] ترجع إلى عيسى عليه السلام . ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما: نزول عيسى من أشراط الساعة يعلم به قربها، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي . والثاني: أن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى، قاله ابن إسحاق .

والقول الثاني: أنها ترجع إلى القرآن، قاله الحسن، وسعيد بن جبير .

وقرأ الجمهور: "لعلم" بكسر العين وتسكين اللام; وقرأ ابن عباس، وأبو رزين ، وأبو عبد الرحمن، وقتادة، وحميد، وابن محيصن: بفتحهما .

قال ابن قتيبة : من قرأ بكسر العين، فالمعنى أنه يعلم به قرب الساعة، ومن فتح العين واللام، فإنه بمعنى العلامة والدليل .

[ ص: 326 ] قوله تعالى: فلا تمترن بها أي: فلا تشكن فيها واتبعون على التوحيد هذا الذي أنا عليه صراط مستقيم .

ولما جاء عيسى بالبينات قد شرحنا هذا في [البقرة: 87] .

قال قد جئتكم بالحكمة وفيها قولان . أحدهما: النبوة، قاله عطاء، والسدي . والثاني: الإنجيل، قاله مقاتل .

ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه [أي]: من أمر دينكم; وقال مجاهد: "بعض الذي تختلفون فيه" من تبديل التوراة; وقال ابن جرير: من أحكام التوراة . وقد ذهب قوم إلى أن البعض هاهنا بمعنى الكل . وقد شرحنا ذلك في [حم المؤمن: 28]; قال الزجاج : والصحيح أن البعض لا يكون في معنى الكل، وإنما بين لهم عيسى بعض الذي اختلفوا فيه مما احتاجوا إليه; وقد قال ابن جرير: كان بينهم اختلاف في أمر دينهم ودنياهم، فبين لهم أمر دينهم فقط . وما بعد هذا قد سبق بيانه [النساء: 175، مريم: 37] إلى قوله: هل ينظرون يعني كفار مكة .
[ ص: 327 ] الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين . يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون . الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون . يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون . وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون . لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون .

قوله تعالى: الأخلاء أي: في الدنيا يومئذ أي: في القيامة بعضهم لبعض عدو لأن الخلة إذا كانت في الكفر والمعصية صارت عداوة يوم القيامة; وقال مقاتل: نزلت في أمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط إلا المتقين يعني الموحدين . فإذا وقع الخوف يوم القيامة نادى مناد يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، فيرفع الخلائق رؤوسهم، فيقول: الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ، فينكس الكفار رؤوسهم .

[ ص: 328 ] قرأ نافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: "يا عبادي" بإثبات الياء في الحالين وإسكانها، وحذفها في الحالين ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وحفص، والمفضل عن عاصم، وخلف .

وفي أزواجهم قولان . أحدهما: زوجاتهم . والثاني: قرناؤهم .

وقد سبق معنى تحبرون [الروم: 15] .

قوله تعالى: يطاف عليهم بصحاف قال الزجاج : واحدها صحفة، وهي القصعة . والأكواب، واحدها: كوب، وهو إناء مستدير لا عروة له; قال الفراء: الكوب: [الكوز] المستدير الرأس الذي لا أذن له، وقال عدي:



متكئا تصفق أبوابه يسعى عليه العبد بالكوب


وقال ابن قتيبة : الأكواب: الأباريق التي لا عرى لها . وقال شيخنا أبو منصور اللغوي: وإنما كانت بغير عرى ليشرب الشارب من أين شاء، لأن العروة ترد الشارب من بعض الجهات .

قوله تعالى: (30 وفيها ما تشتهي الأنفس ) وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "تشتهيه" بزيادة هاء . وحذف الهاء كإثباتها في المعنى .

قوله تعالى: وتلذ الأعين يقال: لذذت الشيء، واستلذذته، والمعنى: ما من شيء اشتهته نفس أو استلذته عين إلا وهو في الجنة، وقد جمع الله تعالى جميع نعيم الجنة في هذين الوصفين، فإنه ما من نعمة إلا وهي نصيب النفس أو العين، وتمام النعيم الخلود، لأنه لو انقطع لم تطب .

[ ص: 329 ] وتلك الجنة يعني التي ذكرها في قوله: "ادخلوا الجنة" التي أورثتموها قد شرحنا هذا في [الأعراف: 43] عند قوله: أورثتموها .
إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون . لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون . وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين . ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون . لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون . أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون . أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون . قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين . سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون . فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون .

قوله تعالى: إن المجرمين يعني الكافرين، لا يفتر أي: لا يخفف عنهم وهم فيه يعني في العذاب مبلسون قال ابن قتيبة : آيسون من رحمة الله . وقد شرحنا هذا في [الأنعام: 44] وما ظلمناهم أي: ما عذبناهم على غير ذنب ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم بما جنوا عليها . قال الزجاج : والبصريون يقولون: "هم" هاهنا فصل، كذلك يسمونها، ويسميها الكوفيون: العماد .

قوله تعالى: ونادوا يا مالك وقرأ علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وابن مسعود، وابن يعمر: ["يا مال"] بغير كاف مع كسر اللام . قال الزجاج : وهذا يسميه النحويون: [الترخيم]، ولكني أكرهها لمخالفة المصحف .

قال المفسرون: يدعون مالكا خازن النار فيقولون: ليقض علينا ربك [ ص: 330 ] [أي]: ليمتنا; والمعنى: أنهم توسلوا به ليسأل الله تعالى لهم الموت فيستريحوا من العذاب; فيسكت عن جوابهم مدة، فيها أربعة أقوال . أحدها: أربعون عاما، قاله عبد الله بن عمرو، ومقاتل . والثاني: ثلاثون سنة، قاله أنس . والثالث: ألف سنة، قاله ابن عباس . والرابع: مائة سنة، قاله كعب .

وفي سكوته عن جوابهم هذه المدة قولان . أحدهما: أنه سكت حتى أوحى الله إليه أن أجبهم، قاله مقاتل . والثاني: لأن بعد ما بين النداء والجواب أخزى لهم وأذل .

قال الماوردي: فرد عليهم مالك فقال: إنكم ماكثون أي: مقيمون في العذاب .

لقد جئناكم بالحق أي: أرسلنا رسلنا بالتوحيد ولكن أكثركم قال ابن عباس: يريد: كلكم كارهون لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: أم أبرموا أمرا في "أم" قولان . أحدهما: أنها للاستفهام . والثاني: بمعنى "بل" . والإبرام: الإحكام . وفي هذا الأمر ثلاثة أقوال .

أحدها: المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يخرجوه حين اجتمعوا في دار الندوة; وقد سبق بيان القصة [الأنفال: 30]، قاله الأكثرون .

والثاني: أنه إحكام أمرهم في تكذيبهم، قاله قتادة .

والثالث: أنه: إبرام أمرهم ينجيهم من العذاب، قاله الفراء .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #488  
قديم 19-03-2023, 01:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الدُّخَانِ
الحلقة (488)
صــ 331 إلى صــ 340






[ ص: 331 ] فإنا مبرمون أي: محكمون أمرا في مجازاتهم .

أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم وهو ما يسرونه من غيرهم ونجواهم ما يتناجون به بينهم بلى والمعنى: إنا نسمع ذلك ورسلنا يعني [من] الحفظة لديهم يكتبون .

قل إن كان للرحمن ولد في "إن" قولان .

أحدهما: أنها بمعنى الشرط; والمعنى: إن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم، فعلى هذا في قوله: فأنا أول العابدين أربعة أقوال .

أحدها: فأنا أول الجاحدين، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وفي رواية أخرى عن ابن عباس: أن أعرابيين اختصما إليه، فقال أحدهما: إن هذا كانت لي في يده أرض، فعبدنيها، فقال ابن عباس: الله أكبر، فأنا أول العابدين الجاحدين أن لله ولدا .

والثاني: فأنا أول من عبد الله مخالفا لقولكم، هذا قول مجاهد وقال الزجاج : معناه: إن كنتم تزعمون للرحمن ولدا، فأنا أول الموحدين .

والثالث: فأنا أول الآنفين لله مما قلتم، قاله ابن السائب، وأبو عبيدة . قال ابن قتيبة : يقال: عبدت من كذا، أعبد عبدا، فأنا عبد وعابد، قال الفرزدق:

[ ص: 332 ]

[أولئك قوم إن هجوني هجوتهم] وأعبد أن تهجى تميم بدارم


أي: آنف . وأنشد أبو عبيدة:



وأعبد أن أسبهم بقومي وأوثر دارما وبني رزاح



والرابع: أن معنى الآية: كما أني لست أول عابد لله، فكذلك ليس له ولد; وهذا كما تقول: إن كنت كاتبا فأنا حاسب، أي: لست كاتبا ولا أنا حاسب; حكى هذا القول الواحدي عن سفيان بن عيينة .

والقول الثاني: أن "إن" بمعنى "ما"، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد; فيكون المعنى: ما كان للرحمن [ولد]، فأنا أول من عبد الله على يقين أنه لا ولد له . وقال أبو عبيدة: الفاء على [هذا القول] بمعنى الواو .

قوله تعالى: فذرهم يعني كفار مكة يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن محيصن، وأبو جعفر: "حتى يلقوا" بفتح الياء والقاف وسكون اللام من غير ألف . والمراد: يلاقوا [يوم] القيامة وهذه الآية [عند الجمهور] منسوخة بآية السيف .
وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم . وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون . ولا يملك الذين يدعون [ ص: 333 ] من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون . ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون . وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون . فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون .

قوله تعالى: وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله قال مجاهد، وقتادة: يعبد في السماء ويعبد في الأرض . وقال الزجاج : هو الموحد في السماء وفي الأرض . وقرأ عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس، وابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري : "في السماء الله وفي الأرض الله" بألف ولام من غير تنوين ولا همز فيهما . وما بعد هذا سبق بيانه [الأعراف: 54، لقمان: 34] إلى قوله: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة سبب نزولها أن النضر بن الحارث ونفرا معه قالوا: إن كان ما يقول محمد حقا، فنحن نتولى الملائكة، فهم أحق بالشفاعة من محمد، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل .

[ ص: 334 ] وفي معنى الآية قولان .

أحدهما: أنه أراد بالذين يدعون من دونه: آلهتهم، ثم استثنى عيسى وعزيرا والملائكة، فقال: إلا من شهد بالحق وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم، وهذا مذهب الأكثرين، منهم قتادة .

والثاني: أن المراد بالذين يدعون: عيسى وعزير والملائكة الذين عبدهم المشركون بالله لا يملك هؤلاء الشفاعة لأحد إلا من شهد أي: [إلا] لمن شهد بالحق وهي كلمة الإخلاص وهم يعلمون أن الله عز وجل خلق عيسى وعزيرا والملائكة، وهذا مذهب قوم، منهم مجاهد . وفي الآية دليل على أن شرط جميع الشهادات أن يكون الشاهد عالما بما يشهد به .

قوله تعالى: وقيله يا رب قال قتادة: هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه . وقال ابن عباس: شكا إلى الله تخلف قومه عن الإيمان . قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو : "وقيله" بنصب اللام; وفيها ثلاثة أوجه .

أحدها: أنه أضمر معها قولا، كأنه قال: وقال قيله، وشكا شكواه إلى ربه .

والثاني: أنه عطف على قوله: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله; فالمعنى: ونسمع قيله، ذكر القولين الفراء، والأخفش .

والثالث: أنه منصوب على معنى: وعنده علم الساعة ويعلم قيله، لأن معنى "وعنده علم الساعة": يعلم الساعة ويعلم قيله، هذا اختيار الزجاج . وقرأ عاصم، وحمزة: "وقيله" بكسر اللام والهاء حتى تبلغ إلى الياء; والمعنى: وعنده علم الساعة وعلم قيله . وقرأ أبو هريرة، وأبو رزين ، [ ص: 335 ] وسعيد بن جبير، وأبو رجاء، والجحدري ، وقتادة، وحميد: برفع اللام; والمعنى: ونداؤه هذه الكلمة: يارب; ذكر علة الخفض والرفع الفراء والزجاج .

قوله تعالى: فاصفح عنهم أي: فأعرض عنهم وقل سلام فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: قل خيرا بدلا من شرهم، قاله السدي .

والثاني: اردد [عليهم] معروفا، قاله مقاتل .

والثالث: قل ما تسلم به من شرهم، حكاه الماوردي .

فسوف يعلمون فيه ثلاثة أقوال . أحدها: يعلمون عاقبة كفرهم . والثاني: أنك صادق . والثالث: حلول العذاب بهم، وهذا تهديد لهم: "فسوف يعلمون" . وقرأ نافع، وابن عامر: "تعلمون" بالتاء . ومن قرأ بالياء، فعلى الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يخاطبهم بهذا، قاله مقاتل; فنسخت آية السيف الإعراض والسلام .
[ ص: 336 ] سُورَةُ الدُّخَانِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ . رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ . لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ . بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ .

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ[الْمُؤْمِنُ، وَالزُّخْرُفُ]، وَجَوَابُ الْقَسَمِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ، وَالْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ الْكِتَابِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ وَفِيهَا قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ . وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، [ ص: 337 ] فَوُضِعَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أُنْزِلَ نُجُومًا . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا .

وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ أَيْ: مُخَوِّفِينَ عِقَابَنَا .

فِيهَا أَيْ: فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يُفْرَقُ كُلُّ أَيْ: يُفْصَلُ . وَقَرَأَ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ، وَأَبُو نُهَيْكٍ، وَمُعَاذٌ الْقَارِئُ: "يَفَرِقُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ . [ ص: 338 ] "كُلَّ" بِنَصْبِ اللَّامِ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَيْ: مُحْكَمٍ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْتَبُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَاهُوَ كَائِنٌ فِي السَّنَةِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ، حَتَّى الْحَاجُّ، وَإِنَّكَ لَتَرَى الرَّجُلُ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ وَقَدْ وَقَعَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى، وَعَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ مُضْطَرِبَةٌ قَدْ خُولِفَ الرَّاوِي لَهَا، فَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَعَلَى هَذَا الْمُفَسِّرُونَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا قَالَ الْأَخْفَشُ: "أَمْرًا" وَ "رَحْمَةً" مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ; الْمَعْنَى; إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ آمِرِينَ أَمْرًا وَرَاحِمِينَ رَحْمَةً . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِـ "يُفْرَقُ" بِمَنْزِلَةِ يُفْرَقُ فَرْقًا، لِأَنَّ "أَمْرًا" بِمَعْنَى "فَرْقًا" . قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيَجُوزُ أَنْ تُنْصَبَ الرَّحْمَةُ بِوُقُوعِ "مُرْسِلِينَ" عَلَيْهَا، فَتَكُونُ الرَّحْمَةُ هِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: "مُرْسِلِينَ" بِمَعْنَى مَنْزِلِينَ هَذَا الْقُرْآنَ، أَنْزَلْنَاهُ رَحْمَةً لِمَنْ آمَنَ بِهِ . وَقَالَ غَيْرُهُ: "أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا" أَيْ: إِنَّا نَأْمُرُ بِنَسْخِ مَا يُنْسَخُ مِنَ اللَّوْحِ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ الْأَنْبِيَاءَ، رَحْمَةً مِنَّا بِخَلْقِنَا رَبِّ السَّمَاوَاتِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَنَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ: "رَبُّ" بِالرَّفْعِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: "رَبِّ" بِكَسْرِ الْبَاءِ . وَمَا بَعْدَ هَذَا ظَاهِرٌ إِلَى قَوْلِهِ: بَلْ هُمْ يَعْنِي الْكُفَّارَ فِي شَكٍّ مِمَّا جِئْنَاهُمْ بِهِ يَلْعَبُونَ يَهْزَؤُونَ بِهِ .
[ ص: 339 ] فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم . ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون . أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون . إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون . يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون .

فارتقب أي: فانتظر يوم تأتي السماء بدخان مبين اختلفوا في هذا الدخان ووقته على ثلاثة أقوال .

أحدها: [أنه] دخان يجيء قبل قيام الساعة، فروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدخان يجيء فيأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام . وروى عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يطرق الدخان، وهذا المعنى مروي عن علي، وابن عمر، وأبي هريرة، والحسن .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #489  
قديم 19-03-2023, 01:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الدُّخَانِ
الحلقة (489)
صــ 341 إلى صــ 350






[ ص: 340 ] والثاني: أن قريشا أصابهم جوع، فكانوا يرون بينهم وبين السماء دخانا من الجوع; فروى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث مسروق، قال: كنا عند عبد الله، فدخل علينا رجل، فقال: جئتك من المسجد وتركت رجلا يقول في هذه [الآية] "يوم تأتي السماء بدخان مبين": يغشاهم يوم القيامة دخان يأخذ بأنفاسهم حتى يصيبهم منه كهيئة الزكام; فقال عبد الله: من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، إنما كان [هذا] لأن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد، حتى أكلوا العظام والميتة، وجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فقالوا: ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ، [ ص: 341 ] فقال الله تعالى: إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون ، فكشف عنهم، ثم عادوا إلى الكفر، فأخذوا يوم بدر، فذلك قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى ، وإلى نحو هذا ذهب مجاهد، وأبو العالية، والضحاك ، وابن السائب، ومقاتل .

والثالث: أنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء بالغبرة، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: هذا عذاب أي: يقولون: هذا عذاب .

ربنا اكشف عنا العذاب فيه قولان . أحدهما: الجوع . والثاني: الدخان إنا مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن .

أنى لهم الذكرى أي: من أين لهم التذكر والاتعاظ بعد نزول هذا البلاء، "و" حالهم أنه " قد جاءهم رسول مبين " أي: ظاهر الصدق؟!

ثم تولوا عنه أي: أعرضوا ولم يقبلوا قوله: وقالوا معلم مجنون أي: هو معلم يعلمه بشر مجنون بادعائه النبوة; قال الله تعالى: إنا كاشفو العذاب قليلا أي: زمانا يسيرا . وفي العذاب قولان .

أحدهما: الضر الذي نزل بهم كشف بالخصب، هذا على قول ابن مسعود . قال مقاتل: كشفه إلى يوم بدر .

والثاني: أنه الدخان، قاله قتادة .

قوله تعالى: إنكم عائدون فيه قولان . أحدهما: إلى الشرك، قاله ابن مسعود . والثاني: إلى عذاب الله، قاله قتادة .

[ ص: 342 ] قوله تعالى: يوم نبطش البطشة الكبرى وقرأ الحسن، وابن يعمر، وأبو عمران: "يوم تبطش" بتاء مرفوعة وفتح الطاء "البطشة" بالرفع . قال الزجاج : المعنى: واذكر يوم نبطش، ولا يجوز أن يكون منصوبا بقوله: "منتقمون"، لأن ما بعد "إنا" لا يجوز أن يعمل فيما قبلها .

وفي هذا اليوم قولان .

أحدهما: يوم بدر، قاله ابن مسعود، وأبي بن كعب، وأبو هريرة، وأبو العالية، ومجاهد، والضحاك .

والثاني: يوم القيامة، قاله ابن عباس، والحسن . والبطش: الأخذ بقوة .
ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم . أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين . وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين . وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون . وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون . فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون . فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون . واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم . ونعمة كانوا فيها فاكهين . كذلك وأورثناها قوما آخرين . فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين .

قوله تعالى: ولقد فتنا أي: ابتلينا قبلهم أي: قبل قومك قوم فرعون بإرسال موسى إليهم وجاءهم رسول كريم وهو موسى بن عمران .

وفي معنى "كريم" ثلاثة أقوال . أحدها: حسن الخلق، قاله مقاتل . [ ص: 343 ] والثاني: كريم على ربه، قاله الفراء . والثالث: شريف وسيط النسب، قاله أبو سليمان .

قوله تعالى: أن أدوا أي: بأن أدوا إلي عباد الله وفيه قولان .

أحدهما: أدوا إلي ما أدعوكم إليه من الحق باتباعي، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس . فعلى هذا ينتصب "عباد الله" بالنداء . قال الزجاج : ويكون المعنى: أن أدوا إلي ما آمركم به يا عباد الله .

والثاني: أرسلوا معي بني إسرائيل، قاله مجاهد، وقتادة، والمعنى: أطلقوهم من تسخيركم، وسلموهم إلي .

وأن لا تعلوا على الله فيه ثلاثة أقوال . أحدها: لا تفتروا عليه، قاله ابن عباس . والثاني: لا تعتوا عليه، قاله قتادة . والثالث: لا تعظموا عليه، قاله ابن جريج إني آتيكم بسلطان مبين أي: بحجة تدل على صدقي .

فلما قال هذا تواعدوه بالقتل فقال: وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون وفيه قولان .

أحدهما: أنه رجم القول، قاله ابن عباس; فيكون المعنى: أن يقولوا: شاعر أو مجنون .

والثاني: القتل، قاله السدي .

وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون أي: فاتركوني لا معي ولا علي، فكفروا ولم يؤمنوا، فدعا ربه أن هؤلاء قال الزجاج : من فتح "أن"، فالمعنى: بأن هؤلاء; ومن كسر، فالمعنى: قال: إن هؤلاء، و "إن" بعد القول مكسورة . وقال المفسرون: المجرمون هاهنا: المشركون .

[ ص: 344 ] فأجاب الله دعاءه، وقال: فأسر بعبادي ليلا يعني بالمؤمنين إنكم متبعون يتبعكم فرعون وقومه; فأعلمهم أنهم يتبعونهم، وأنه سيكون سببا لغرقهم .

واترك البحر رهوا أي: ساكنا على حاله بعد أن انفرق لك، ولا تأمره أن يرجع كما كان حتى يدخله فرعون وجنوده . والرهو: مشي في سكون .

قال قتادة: لما قطع موسى عليه السلام البحر، عطف يضرب البحر بعصاه ليلتئم، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده، فقيل [له]: "واترك البحر رهوا"، أي: كما هو- طريقا يابسا .

قوله تعالى: إنهم جند مغرقون أخبره الله عز وجل بغرقهم ليطمئن قلبه في ترك البحر على حاله .

كم تركوا أي: بعد غرقهم من جنات وقد فسرنا الآية في [الشعراء: 57] . فأما "النعمة" فهو العيش اللين الرغد . وما بعد هذا قد سبق بيانه [يس: 55] إلى قوله: وأورثناها قوما آخرين يعني بني إسرائيل .

فما بكت عليهم السماء أي: على آل فرعون، وفي معناه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه على الحقيقة; روى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مسلم إلا وله في السماء بابان، باب يصعد فيه عمله، وباب ينزل منه [ ص: 345 ] رزقه، فإذا مات بكيا عليه" وتلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية . وقال علي رضي الله عنه: إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء، وإن آل فرعون لم يكن لهم في الأرض مصلى ولا في السماء مصعد عمل، فقال الله تعالى: "فما بكت عليهم السماء والأرض"، وإلى نحو هذا ذهب ابن عباس، والضحاك ، ومقاتل . وقال ابن عباس: الحمرة التي في السماء: بكاؤها . وقال مجاهد: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا، فقيل له: أو تبكي؟ قال: وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل؟! .

والثاني: أن المراد: أهل السماء وأهل الأرض، قاله الحسن، ونظير هذا قوله تعالى: حتى تضع الحرب أوزارها [محمد: 4]، أي: أهل الحرب .

والثالث: أن العرب تقول إذا أرادت تعظيم مهلك عظيم: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده، وبكته الريح والبرق والسماء والأرض، يريدون المبالغة في وصف المصيبة، وليس ذلك بكذب منهم، لأنهم جميعا [ ص: 346 ] متواطئون عليه، والسامع له يعرف مذهب القائل فيه; ونيتهم في قولهم: أظلمت الشمس: كادت تظلم، وكسف القمر: كاد يكسف، ومعنى "كاد": هم أن يفعل ولم يفعل; قال ابن مفرغ يرثي رجلا:



الريح تبكي شجوه والبرق يلمع في غمامه


وقال الآخر



الشمس طالعة ليست بكاسفة- تبكي عليك- نجوم الليل والقمرا



أراد: الشمس طالعة تبكي عليه، وليست مع طلوعها كاسفة النجوم والقمر، لأنها مظلمة، وإنما تكسف بضوئها، فنجوم الليل بادية بالنهار، فيكون معنى الكلام: إن الله لما أهلك قوم فرعون لم يبك عليهم باك: ولم يجزع جازع، ولم يوجد لهم فقد، هذا كله كلام ابن قتيبة .
ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين . من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين . ولقد اخترناهم على علم على العالمين . وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين . إن هؤلاء ليقولون . إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين . فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين . أهم خير أم قوم تبع والذين [ ص: 347 ] من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين . وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين . ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون . إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين . يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون . إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم .

قوله تعالى: من العذاب المهين يعني قتل الأبناء واستخدام النساء والتعب في أعمال فرعون، إنه كان عاليا أي: جبارا .

ولقد اخترناهم يعني بني إسرائيل على علم علمه الله فيهم على عالمي زمانهم، وآتيناهم من الآيات كانفراق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، إلى غير ذلك ما فيه بلاء مبين أي: نعمة ظاهرة .

ثم رجع إلى ذكر كفار مكة، فقال: إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى يعنون التي تكون في الدنيا وما نحن بمنشرين أي: بمبعوثين، فأتوا بآبائنا أي: ابعثوهم لنا إن كنتم صادقين في البعث . وهذا جهل منهم من وجهين .

أحدهما: أنهم قد رأوا من الآيات ما يكفي في الدلالة; فليس لهم أن يتنطعوا .

والثاني: أن الإعادة للجزاء; وذلك في الآخرة، لا في الدنيا .

ثم خوفهم عذاب الأمم قبلهم، فقال: أهم خير أي: أشد وأقوى أم قوم تبع ؟! أي: ليسوا خيرا منهم . روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أدري تبعا، نبي، أو غير نبي . وقالت [ ص: 348 ] عائشة: لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا، ألا ترى أن الله تعالى ذم قومه ولم يذمه . وقال وهب: أسلم تبع ولم يسلم قومه، فلذلك ذكر قومه ولم يذكر . وذكر بعض المفسرين أنه كان يعبد النار، فأسلم ودعا قومه -وهم حمير- إلى الإسلام، فكذبوه .

فأما تسميته بـ "تبع" فقال أبو عبيدة: كل ملك من ملوك اليمن كان يسمى: تبعا، لأنه يتبع صاحبه، فموضع "تبع" في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام . وقال مقاتل: إنما سمي تبعا لكثرة أتباعه، واسمه ملكيكرب . وإنما ذكر قوم تبع، لأنهم كانوا أقرب في الهلاك إلى كفار مكة من غيرهم . وما بعد هذا قد تقدم [الأنبياء: 16، الحجر: 85] إلى قوله تعالى: إن يوم الفصل وهو يوم يفصل الله عز وجل بين العباد ميقاتهم أي: ميعادهم أجمعين يأتيه الأولون والآخرون .

يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا فيه قولان .

أحدهما: لا ينفع قريب قريبا، قاله مقاتل . وقال ابن قتيبة : لا يغني ولي عن وليه بالقرابة أو غيرها .

[ ص: 349 ] والثاني: لا ينفع ابن عم ابن عمه، قاله أبو عبيدة .

ولا هم ينصرون أي: لا يمنعون من عذاب الله، إلا من رحم الله وهم المؤمنون، فإنه يشفع بعضهم في بعض .
إن شجرت الزقوم طعام الأثيم . كالمهل يغلي في البطون . كغلي الحميم . خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم . ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم . ذق إنك أنت العزيز الكريم . إن هذا ما كنتم به تمترون . إن المتقين في مقام أمين . في جنات وعيون . يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين . كذلك وزوجناهم بحور عين . يدعون فيها بكل فاكهة آمنين . لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم . فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم . فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون . فارتقب إنهم مرتقبون .

إن شجرت الزقوم قد ذكرناها في [الصافات: 62] . و "الأثيم": الفاجر; وقال مقاتل: هو أبو جهل . وقد ذكرنا معنى "المهل" في [الكهف: 29] .

قوله تعالى: يغلي في البطون قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "يغلي" بالياء; والباقون: بالتاء . فمن قرأ ["تغلي"] بالتاء، فلتأنيث الشجرة; ومن قرأ بالياء، حمله على الطعام قال أبو علي الفارسي: ولا يجوز أن يحمل الغلي على المهل . لأن المهل ذكر للتشبيه في الذوب، وإنما يغلي ما شبه به كغلي الحميم وهو الماء الحار إذا اشتد غليانه .

[ ص: 350 ] قوله تعالى: خذوه أي: يقال للزبانية: خذوه فاعتلوه وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، ويعقوب: بضم التاء; وكسرها الباقون; قال ابن قتيبة : ومعناه: قودوه بالعنف، يقال: جيء بفلان يعتل إلى السلطان، و "سواء الجحيم": وسط النار . قال مقاتل: الآيات في أبي جهل يضربه الملك من خزان جهنم على رأسه بمقمعة من حديد فتنقب عن دماغه، فيجري دماغه على جسده، ثم يصب الملك في النقب ماء حميما قد انتهى حره، فيقع في بطنه، ثم يقول [له] الملك: ذق العذاب إنك أنت العزيز الكريم هذا توبيخ له بذلك; وكان أبو جهل يقول: أنا أعز قريش وأكرمها . وقرأ الكسائي: "ذق أنك" بفتح الهمزة; والباقون: بكسرها . قال أبو علي: من كسرها، فالمعنى: أنت العزيز في زعمك، ومن فتح، فالمعنى: بأنك .

فإن قيل: كيف سمي بالعزيز وليس به؟!

فالجواب من ثلاثة أوجه .

أحدها: أنه قيل ذلك استهزاء به، قاله سعيد بن جبير، ومقاتل .

والثاني: أنت العزيز [الكريم] عند نفسك، قاله قتادة .

والثالث: أنت العزيز في قومك، الكريم على أهلك، حكاه الماوردي .

ويقول الخزان لأهل النار: إن هذا ما كنتم به تمترون أي: تشكون في كونه .

ثم ذكر مستقر المتقين فقال: إن المتقين في مقام أمين قرأ نافع، وابن عامر: "في مقام" بضم الميم; والباقون: بفتحها . قال الفراء: المقام، بفتح الميم: المكان، وبضمها: الإقامة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #490  
قديم 19-03-2023, 01:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الْجَاثِيَةِ
الحلقة (490)
صــ 351 إلى صــ 360




قوله تعالى: أمين أي: أمنوا فيه الغير والحوادث . وقد ذكرنا [ ص: 351 ] "الجنات" في [البقرة: 25] و[ذكرنا] معنى "العيون" ومعنى "متقابلين" في [الحجر: 45، 47] وذكرنا "السندس والإستبرق" في [الكهف: 31] .

قوله تعالى: كذلك أي: الأمر كما وصفنا وزوجناهم بحور عين قال المفسرون: المعنى: قرناهم بهن، وليس من عقد التزويج . قال أبو عبيدة: المعنى: جعلنا ذكور أهل الجنة أزواجا بحور عين من النساء، تقول للرجل: زوج هذه النعل الفرد بالنعل الفرد، أي: اجعلهما زوجا، والمعنى: جعلناهم اثنين اثنين . وقال يونس: العرب لا تقول: تزوج بها، إنما يقولون: تزوجها . ومعنى "وزوجناهم بحور عين": قرناهم . وقال ابن قتيبة : يقال: زوجته امرأة، وزوجته بامرأة . وقال أبو علي الفارسي: والتنزيل على ما قال يونس، وهو قوله تعالى: زوجناكها [الأحزاب: 37]، وما قال: زوجناك بها .

فأما الحور، فقال مجاهد: الحور: النساء النقيات البياض . وقال الفراء: الحوراء: البيضاء من الإبل; قال: وفي "الحور العين" لغتان: حور عين، وحير عين، وأنشد:



أزمان عيناء سرور المسير وحوراء عيناء من العين الحير


وقال أبو عبيدة: الحوراء: الشديدة بياض بياض العين، الشديدة سواد سوادها . وقد بينا معنى "العين" في [الصافات: 48] .

قوله تعالى: يدعون فيها بكل فاكهة آمنين فيه قولان . أحدهما: آمنين من انقطاعها في بعض الأزمنة . والثاني: آمنين من التخم والأسقام والآفات .

قوله تعالى: إلا الموتة الأولى فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها بمعنى "سوى"، فتقدير الكلام: لا يذوقون في الجنة الموت [ ص: 352 ] سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا; ومثله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف [النساء: 22]، وقوله: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك [هود: 107] أي: سوى ما شاء لهم ربك من الزيادة على مقدار الدنيا، هذا قول الفراء، والزجاج .

والثاني: أن السعداء حين يموتون يصيرون إلى الروح والريحان وأسباب من الجنة يرون منازلهم منها، وإذا ماتوا في الدنيا، فكأنهم ماتوا في الجنة، لاتصالهم بأسبابها، ومشاهدتهم إياها، قاله ابن قتيبة .

والثالث: أن "إلا" بمعنى "بعد"، كما ذكرنا في أحد الوجوه في قوله: إلا ما قد سلف [النساء: 22]، وهذا قول ابن جرير .

قوله تعالى: فضلا من ربك أي: فعل الله ذلك بهم فضلا منه .

فإنما يسرناه أي: سهلناه، والكناية عن القرآن بلسانك أي: بلغة العرب لعلهم يتذكرون أي: لكي يتعظوا فيؤمنوا، فارتقب [ ص: 353 ] أي: انتظر بهم العذاب إنهم مرتقبون هلاكك; وهذه عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، وليس بصحيح .
[ ص: 354 ] سُورَةُ الْجَاثِيَةِ

وَتُسَمَّى سُورَةَ الشَّرِيعَةِ

رَوَى الْعَوْفِيُّ وَابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، [وَعِكْرِمَةَ]، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَالْجُمْهُورِ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا . وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَةً، وَهِيَ قَوْلُهُ: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا [الْجَاثِيَةِ: 14] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ . وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ . وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ . وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا [ ص: 355 ] فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ . مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ . اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ قَدْ شَرَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ [الْمُؤْمِنِ] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي خَلْقِكُمْ أَيْ: مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ إِلَى أَنْ يَتَكَامَلَ خَلْقُ الْإِنْسَانِ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ أَيْ: وَمَا يُفَرِّقُ فِي الْأَرْضِ مِنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ عَلَى اخْتِلَافِ ذَلِكَ فِي الْخَلْقِ وَالصُّوَرِ آيَاتُ تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ . قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَنَافِعٌ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ: "آيَاتٌ" رَفْعًا "وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ" رَفْعًا أَيْضًا . وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: بِالْكَسْرِ فِيهِمَا . وَالرِّزْقُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْمَطَرِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ أَيْ: هَذِهِ حُجَجُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ أَيْ: بَعْدَ حَدِيثِهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ؟!

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهَا فِي [الشُّعَرَاءِ: 222]، وَالْآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا مُفَسَّرَةٌ فِي [لُقْمَانَ: 7] .

[ ص: 356 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا قَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ: إِذَا سَمِعَ . وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "وَإِذَا عُلِّمَ" بِرَفْعِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِهَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى: اتَّخَذَهَا هُزُوًا أَيْ: سَخِرَ مِنْهَا، وَذَلِكَ كَفِعْلِ أَبِي جَهْلٍ حِينَ نَزَلَتْ: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ [الدُّخَانِ: 43، 44] فَدَعَا بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ، وَقَالَ: تَزَقَّمُوا فَمَا يَعِدُكُمْ مُحَمَّدٌ إِلَّا هَذَا . وَإِنَّمَا قَالَ: " أُولَئِكَ " لِأَنَّهُ رَدَّ الْكَلَامَ إِلَى مَعْنَى "كُلٍّ" .

مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي [إِبْرَاهِيمَ: 16] وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَلَا مَا عَبَدُوا مِنَ الْآلِهَةِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: هَذَا هُدًى يَعْنِي الْقُرْآنَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ، لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: "أَلِيمٌ" بِالرَّفْعِ عَلَى نَعْتِ الْعَذَابِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِالْكَسْرِ عَلَى نَعْتِ الرِّجْزِ . وَالرِّجْزُ بِمَعْنَى الْعَذَابِ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ فِي [الْأَعْرَافِ: 134] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: جَمِيعًا مِنْهُ أَيْ: ذَلِكَ التَّسْخِيرُ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ مِنْ فَضْلِهِ . وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَابْنُ السَّمَيْفَعِ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَالْجَحْدَرِيُّ : "جَمِيعًا مِنَّةً" بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِهَا وَتَاءٍ مَنْصُوبَةٍ مُنَوَّنَةٍ . وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "مَنُّهُ" بِفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ النُّونِ وَالْهَاءِ مُشَدَّدَةَ النُّونِ .
قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون . من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون . ولقد آتينا [ ص: 357 ] بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين . وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون . ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون . إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين . هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون . أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون . وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون .

قوله تعالى: قل للذين آمنوا يغفروا . . . [الآية] في سبب نزولها أربعة أقوال .

أحدها: أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها: "المريسيع"، فأرسل عبد الله بن أبي غلامة ليستقي الماء، فأبطأ عليه، فلما أتاه قال له: ما حبسك؟ قال: غلام عمر، ما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه وسلم وقرب أبي بكر، وملأ لمولاه، فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك، فبلغ قوله عمر، فاشتمل سيفه يريد التوجه إليه، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس .

[ ص: 358 ] والثاني: [أنها] لما نزلت: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا [البقرة: 245] قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص: احتاج رب محمد، فلما سمع بذلك عمر، اشتمل [على] سيفه وخرج في طلبه، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلب عمر، فلما جاء، قال: "يا عمر، ضع سيفك" وتلا عليه الآية، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس .

والثالث: أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله القرظي، والسدي .

والرابع: أن رجلا من كفار قريش شتم عمر بن الخطاب، فهم عمر أن يبطش به، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل .

ومعنى الآية: قل للذين آمنوا: اغفروا، ولكن شبه بالشرط والجزاء، كقوله: قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة [إبراهيم: 31] وقد مضى بيان هذا .

وقوله: للذين لا يرجون أي: لا يخافون وقائع الله في الأمم الخالية، لأنهم لا يؤمنون به، فلا يخافون عقابه . وقيل: لا يدرون أنعم الله عليهم، أم لا . وقد سبق بيان معنى "أيام الله" في سورة [إبراهيم: 5] .

[ ص: 359 ] فصل

وجمهور المفسرين على أن هذه الآية منسوخة، لأنها تضمنت الأمر بالإعراض عن المشركين . واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال .

أحدها: [أنه] قوله: فاقتلوا المشركين [التوبة: 5]، رواه معمر عن قتادة .

والثاني: أنه قوله في [الأنفال: 57]: فإما تثقفنهم في الحرب ، وقوله في [براءة: 36]: وقاتلوا المشركين كافة ، رواه سعيد عن قتادة .

والثالث: [أنه] قوله: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا [الحج: 39]، قاله أبو صالح .

قوله تعالى: ليجزي قوما وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: "لنجزي" بالنون "قوما" يعني الكفار، فكأنه قال: لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن .

وما بعد هذا قد سبق [الإسراء: 7] إلى قوله: ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب يعني التوراة والحكم وهو الفهم في الكتاب، ورزقناهم من الطيبات يعني المن والسلوى وفضلناهم على العالمين أي: عالمي زمانهم .

وآتيناهم بينات من الأمر فيه قولان .

أحدهما: بيان الحلال والحرام، قاله السدي .

والثاني: العلم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وشواهد نبوته، ذكره الماوردي .

وما بعد هذا قد تقدم بيانه [آل عمران: 19] إلى قوله:

[ ص: 360 ] ثم جعلناك على شريعة من الأمر سبب نزولها أن رؤساء قريش دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

فأما قوله: على شريعة فقال ابن قتيبة : [أي] على ملة ومذهب، ومنه يقال: شرع فلان في كذا: إذا أخذ فيه، ومنه "مشارع الماء" وهي الفرض التي شرع فيها الوارد .

قال المفسرون: ثم جعلناك بعد موسى على طريقة من الأمر، أي: من الدين فاتبعها و الذين لا يعلمون كفار قريش .

إنهم لن يغنوا عنك أي: لن يدفعوا عنك عذاب الله إن اتبعتهم، وإن الظالمين يعني المشركين . والله ولي المتقين الشرك . والآية التي بعدها [مفسرة] في آخر [الأعراف: 203] .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 419.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 413.19 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]