من مشاهير علماء المسلمين .. - الصفحة 11 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 75 )           »          نذر الخواص.. ونذر العوام!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          من هو عمران؟ البيت الرسالي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الطريق طويل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أجلُّ النِّعَم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          هل سيشفع لك الصيام والقرآن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          غزة رمز للعزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 475 )           »          حقوق العباد لا تسقط بالتقادم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4376 - عددالزوار : 826499 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #101  
قديم 01-01-2023, 08:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,355
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مشاهير علماء المسلمين ..

"تدبير المشايخ" جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنين (ق3 - 10هـ/9 - 16م)
د. نجلاء سامي النبراوي



المؤتمر العالمي الأول لتاريخ العلوم الطبية والتطبيقية - جامعة الإمام محمد بن سعود، السجل العلمي 3 - 2017م، (ص 352 - 387).

الملخص:
يتناول البحث جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنِّين من القرن الثالث حتى القرن العاشر الهجريين/ التاسع إلى السادس عشر الميلاديين.

وتنقسم الدراسة إلى شقين رئيسين:
الشق الأول منها: نبذة عن طب المسنِّين أو طب الشيخوخة (Geriatrics) كما هو معروف في العصر الحالي، ثم مفهوم الشيخوخة كما عرَّفها علماء وأطباء العرب والمسلمين من حيث بدايتها ومظاهرها وأعراضها وسماتها، وتتبع جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنين سواء في مؤلفاتهم الطبيَّة الجامعة، أو في مؤلفاتهم المتخصِّصة، ويُلاحظ أن معظمها قد أخذ مصطلحًا واحدًا هو مصطلح "تدبير المشايخ"، ويلي ذلك تتبُّع كل عالِمٍ بالترتيب الزمني لوفاته بترجمة عامة له، ثم عرض مُؤلَّفه في هذا المجال، وبيان ما كتب فيه من تناول وتقسيمات.

ويأتي الشق الثاني من الدراسة في تتبُّع أوجه العناية بصحة المسنِّين من خلال المؤلفات العلمية، حيث تم تقسيمه إلى قسمين:
اختصَّ القسم الأول منها بأوجه الرعاية والاهتمام البدني من تعريف المؤلفين - سواء للقرَّاء أو المحيطين بالمسن - بالحالة العامة التي تتَّصف بها مرحلة الشيخوخة، ثم كيفية العناية بغذائه طعامًا وشرابًا، وبيان ما هو مسموح أو ممنوع منها، ثم الوسائل العلاجية التي تقدم للمُسنِّ من أدوية سواء نباتات أو أعشاب طبية أو غذائية، أو معالجته بالحَقْن أو معالجات أخرى، إلى جانب بعض الممارسات الصحية اليومية التي يجب أن تتوفر له، وكذلك ما كتبه هؤلاء عن أهمية التدليك وممارسة الرياضة البدنية الملائمة للمسنِّين للحفاظ على لياقتهم قدر الإمكان.

واختص القسم الثاني بأوجه الرعاية والاهتمام بالحالة النفسية للمُسنِّين، التي أكَّد الأطباء على شدة أهميتها؛ مثل الاهتمام البدني، خاصة أنها المرحلة الأخيرة من عمره.

وتأتي خاتمة البحث بتقييمٍ لجهود علماء العرب المسلمين - من خلال أعمالهم الواردة بالدراسة - في مجال طب المسنِّين في العصور الوسطى، مع ذكر التوصيات التي خلص إليها البحث.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #102  
قديم 01-01-2023, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,355
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مشاهير علماء المسلمين ..

تاريخ الطب العربي
عبدالسلام تنبكجي


إن علم التاريخ من أجل العلوم نفعًا، وأرفعها شأنًا، فهو المرآة لحوادث الزمان، والمشكاة لاستنارة الأذهان، والمنهاج لاهتداء الخلف بهدي السلف. وأما علم الطب فيقول عنه حاجي باشا: به تحصل حياة النفوس والأرواح، وصحة الأبدان والأشباح، وبه يكون الخلاص من الأمراض والأسقام، والمناص من الأعراض والآلام، ومحصوله لا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمان، ويقول الدكتور محمود صدقي: وكان العرب قبل الإسلام يضعون مرضاهم في الأزقة، ومعابر الطرق حتى إذا مرَّ بهم أحد ممن أُصيب بنفس الداء، وشُفي منه، فيُعلمهم بالدواء الذي استعمله ضد هذا المرض، ويقول أبو القاسم صاعد الأندلسي: وكان العرب في صدر الإسلام لا يهتمون بشيء من العلم إلا بلغتهم، ومعرفة أحكام شريعتهم، عدا علم الطب، فإنه كان موجودًا عند أفراد منهم، غير منكر عند جماهيرهم، لحاجة الناس جميعًا إليه، ولما كان عندهم من الأثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث عليها؛ حيث يقول: (تداوَوْا عبادَ اللهِ، فإنَّ اللهَ تعالى لم يضعْ داءً إلا وضع له دواءً؛ غيرَ داءٍ واحدٍ، الهَرَمُ)، ويقول الدكتور أبو زيد شلبي: ولما انتشر الإسلام، واطمأن المسلمون إلى مدائن الأرض التي فتحوها، اتجهوا إلى العلوم والمعارف، فعُنوا بالطب عنايةً فائقة، واستوحوا كُتب مَن سبقهم من اليونان وغيرهم، ثم عدَّلوها وصحَّحوها، وأضافوا إليها أبوابًا جديدة لم يسبقهم إليها أحدٌ، فتقدم الطب على أيديهم تقدمًا ظاهرًا، وفرَّقوا بين الجدري والحصبة، وهما مرضان كان يُظن أنهما مرض واحد، ووصفوا الالتهاب السحائي؛ أي: البرسام الحاد، وميَّزوه عن سائر الأمراض المصحوبة بالهذيان، وجعلوا من الجراحة علمًا حقيقيًّا وفنًّا له أصول وقواعد، وعرَفوا طب الأسنان وخلْعها وحشوها، ونبغوا في علم التشريح، وهم أول من استعمل المرقد (البنج) في العمليات الجراحية، وأول من استخدم المرقاة لمنع النزيف الشرياني، وأول مَن ألَّف في الأقراباذين أو فن تحضير الأدوية، وأول من وصف الغرغرينا التي تصيب مرضى البول السكري، وأول من رأى بأن حدقة العين تكبر وتصغر تبعًا لنسبة دخول الضوء فيها، وعرَفوا الجهاز العصبي، وأدركوا منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أن للحواس الظاهرة كالسمع والبصر واللمس والذوق - مغارزَ في الدماغ.

ويخبرنا بعض الأطباء أنهم كانوا يعالجون الرشوحات المائية أو الاستسقاء بحفر حفرة في الأرض عمقها ثلاث أقدام، وطولها عشر، وعرضها قدمان، ويوقدون في تلك الحفرة نارًا من الصباح إلى المساء، وفي المساء يخرجون النار منها، ويجعلون فيها ترابًا، ثم يجردون المريض من ملابسه، ويرقدونه بتلك الحفرة ويغطون جسمه بالتراب إلا رأسه، ويبقى كذلك إلى الصباح، فيخرجونه وقد خرج الماء منه، وأصبح صحيحًا، والفحص الطبي عندهم لا يختلف كثيرًا عما هو عليه الآن.

ويقول الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: والعلم الحديث مدين لهم باستعمال عقاقير وأدوية كثيرة؛ كالرواند، والكافور، والصندل، والكحول، والقرنفل، وجوز الطيب، والمر، والعنبر، وغيرها من الأشربة والمراهم.

وفاقوا غيرهم في إقامة المشافي وترتيبها، والإنفاق والإشراف عليها، وكانت متاحة للجميع، ويعامل فيها الجميع أحسن معاملة.
وكانت مقسمة إلى أقسام كثيرة: قسم للطب، وقسم للأمراض العفنة، وقسم للجراحة، وقسم للعيون.

وكان بدمشق في ذلك العهد خمسة مشافٍ؛ منها:
المشفى الذي أنشأه سيف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس بن موسك سنة 643 للهجرة، وكان مشهورًا بجمال موقعه، وحسن إدارته.

ويخبرنا بعض المؤرخين قائلًا: إن الأمير المذكور طلب من طبيبه الخاص أن يختار أجمل بقعة وأجودها مناخًا ليقيم عليها المشفى، فاحتال الطبيب لها حيلة يُحبذها، ولا شك كل طبيب صحي في هذا الزمن، فقد عمَد إلى غلمانه وأمرهم أن يعلقوا في كل حي من أحياء دمشق قطعًا من اللحم، وقال: خير بقعة هي ما لبث اللحم فيها أكثر من غيرها دون فساد، وعمل في المشفى من الأطباء إبراهيم بن إسماعيل بن أبي القاسم، وابن مقداد القيسي.

والمشفى الذي شيَّده نور الدين محمود أبو الثنا بن زنكي آق سنقر، ويقول الدكتور بشارة زلزل: إن نور الدين أسر بعض ملوك الإفرنج، وقصد قتله، ففدى نفسه بتسليم خمس قلاع وخمسمائة ألف دينار أنفقها نور الدين كلها على عمار مارستانه في دمشق، وقد امتدحه ابن بطوطة وابن جبير اللذان اعتبروه أحد مفاخر الإسلام، ولا تزال أبنيته قائمة إلى يومنا هذا.

ويقول الدكتور سامي حداد: وعقد إدارته إلى أبي المجد بن أبي الحكم عبيدالله بن المظفر بن عبدالله الباهلي، وأطلق له جامكية وجراية.

وكان أبو المجد يدور على المرضى ويتفقد أحوالهم، ويكتب لكل مريض ما يلزمه من الدواء والتدبير، فينفذ كل ذلك بلا تأخير، وكان يفرض عليهم منذ زمن المأمون والمعتصم اجتياز امتحان خاص يحدد كفاءاتهم.

نعم لقد عُني المسلمون والعرب بالطب عناية فائقة، ونبغ منهم علماء كبار، وجهابذة أفذاذ أنسوا من كان قبلهم، ومهَّدوا السبيل لمن جاء بعدهم، وعلى أساس نظرياتهم وابتكاراتهم ومنجزاتهم، كانت النهضة الكبرى في القرن العشرين؛ أي الرابع عشر الهجري، فهم وحدَهم آباء هذا العلم، كما كانوا آباء غيره من العلوم في العصر الحديث، ونذكر منهم على سبيل المثال:
ثياذوق الذي اصطفاه الحجاج بن يوسف لصحبته، وكان يثق بمداواته، وكان كريم الخلق، لطيف العشرة، سريع الخاطر والجواب، ويبدو أنه كان متأثرًا بالطب النبوي، ويُذكر أن الحجاج سأل جلساءه يومًا وكان من ضمن الحاضرين ثياذوق: أي الأشياء تُذهب الإعياء؟ فقال بعضهم: أكل التمر، وقال آخرون: التمريخ أو التدليك بالمصطلح الحديث، وقال: ثياذوق قضاء الحاجة، فقال الحجاج: صدقتَ.

وسأله الحجاج: أي شيء دواء آكل الطين وقد اعتاد به؟ فقال: عزيمة مثلك أيها الأمير، فرمى الحجاج الطين ولم يعد إليه أبدًا، وله كتاب إبدال الأدوية؛ أي مزجُها. ويروي الرواة أنه نظم في علم الصحة قصيدة ظل الناس يتناقلونها، ومنها:
توق إذا أُطعمت إدخال مطعم
على مطعم من قبل فعل الهواضم
وكل طعام يُعجز السن مضغه
فلا تطعمنه فهو شر المطاعم
ووفر على الجسم الدماء فإنها
لأس بناء الجسم أقوى الدعائم
ولا تتعرض للدواء وشربه
مدى الدهر إلا عند إحدى العظائم
وأقبل على الحمام في اليوم مرة
وحافظ على هذا العلاج وداوم



وأبو الحسن ثابت بن قرة بن مروان بن ثابت بن كرايا بن إبراهيم الحراني، ولم يكن في زمنه من يماثله في الطب، وكان جيد النقل إلى العربي، حسن العبارة.

وأبو بكر محمد بن زكريا الرازي دبر مشفى الري، ثم مشفى بغداد زمانًا، وكان يوصف بالبيمارستاني، ومن كلامه:
الأطباء الأحداث الذين لا تجربة لهم قتالون، مهما قدرت أن تعالج بالأغذية، فلا تعالج بالأدوية، ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب.

ينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة، ويرجيه بها وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس.

يجب على المريض أن يقتصر على طبيب يثق به، فخطؤه في جنب صوابه يسير؛ لأن من استعمل أطباء كثيرين وقع في خطأ الجميع.

ويعتبر كتابه الحاوي في الطب من أوائل الكتب التي عُنيت بالملاحظات الإكلينيكية أكثر من عنايتها بالباثولوجيا والفيزيولوجيا.

وذكر فيه المصادر التي نقل عنها بكل دقة وأمانة، ويقول الدكتور سامي حداد: الحاوي وهو أكبر مؤلفاته، قال أبو الفداء: إنه يقع في ثلاثين مجلدًا، لم يذكر ابن النديم منها سوى اثنى عشر فقط، وله أيضًا رسالة في الجدري والحصبة هي الأولى من نوعها.

وأبو مروان عبدالملك بن أبي العلاء بن زهر ولد في إشبيلية، وعاش في عهد المرابطين ثم الموحدين مشتغلًا بالطب، ومن مؤلفاته كتاب الأغذية وهو أهمها.

وأبو الحجاج يوسف بن حيدرة بن الحسن نزيل دمشق من أهل الرحبة، لازَم صلاح الدين أيام ملكه، ثم أخيه من بعده، ثم الملك المعظم، وقرأ عليه خلقٌ كثير اشتَهروا بالطب، وتميَّزوا به وكان كبير النفس، عالي الهمة، كثير التحقيق، محبًّا للخير.

وأبو محمد عبدالله بن أحمد بن البيطار المالقي، رحل إلى المغرب وسوريا واليونان؛ ليرى النبات في موضعه، ويتحقق صفاته بالعيان، منكبًّا عن خطة التحدي والتقليد.

ومن طالع كتابه الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، تبيَّن ما كان عليه من ذكاء النفس وكثرة الحفظ، وصحة النقد وسعة المعرفة، وقد وصف فيه 1400 دواء؛ منها 300 عقار جديد، لم يكن للإغريق أي معرفة بها.

وأبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم بن النفيس، وكان في الطب إمامًا لا يُضاهى ولا يُدانى استحضارًا واستنباطًا، اكتشف الدورة الدموية التي لم يوفق جالينوس إلى إثباتها، وقال: إن الدم يصل من تجويف القلب الأيمن إلى الرئة؛ حيث يمتزج بالهواء، ومن الرئة يصل إلى تجويف القلب الأيسر.

وأبو محمد مهذب الدين عبدالرحيم بن علي الدخوار، خدم الملك العادل أبا بكر بن أيوب، فولَّاه رياسة الطب في مصر والشام، وفوَّض إليه النظر في أمر الكحالين، واعتبارهم، وامتحانهم، وكان يكتب لكل كحال منهم خطًّا بما يُحسنه من صناعة الكحل، فلا يجوز له أن يتجاوزه إلى عمل آخر، وكان له مجلس عام لتدريس الطب يجتمع إليه خلقٌ كُثُر من أعيان الأطباء يقرؤون عليه.

وموفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة بن أبي أصيبعة، صاحب كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء الذي لولاه لما بقِي من تاريخ الطب والأطباء أثر يذكر.

لم يقتصر النبوغ في الطب على الرجال فقط، فقد نبغ من النساء عددٌ غير قليل؛ كأخت الحفيد بن زهر الأندلسي، وابنتيها اللتين نبغتا في الطب، وبخاصة في أمراض النساء.

وينبغي للطبيب الذي يستحق التقديم أن يكون معتدلًا في مزاجه، طاهرًا في نفسه، متمسكًا بدينه، ملازمًا لشرعته، وافر العقل قوي الذكاء حسن التصور، معروفًا بصدق اللهجة وأداء الأمانة، مهتمًّا بما يعنيه، محبًّا لاصطناع المعروف، يساوي ظاهره باطنه في أفعال الجميل، حسن الخلق غير شَرِهٍ في كسب الحطام، ليس عنده حقد ولا حسد، صحيح الخط والعبارة، مواظبًا على درسه ومطالعته، ناظرًا في كتب المتقدمين، شفوقًا بالضعفاء والفقراء والمساكين، سابقًا إلى معالجتهم قبل معالجته الأغنياء، معروف الأستاذين والشيوخ، أخذ العلم عمَّن دونه ومَن فوقه، ويكون عفيف الفرج والبطن والنظر، كتومًا للأسرار، حُلو اللسان قليل المزح والكلام؛ أي: لا يتكلم إلا بحسب الحاجة؛ خوفًا من سقوط الحرمة، وأن يلبس ثيابًا نظافًا، وأجملها البياض، وليخاطب كلُّ إنسان بما يليق بمقامه من غير إلحاح، أما المريض فمن واجباته أن يكرم الطبيب ويتلقاه بالبشاشة وحسن القبول؛ ليجتهد في علاجه بالرغبة وإخلاص النية.

وأن يكون حريصًا على استعمال كل ما أمره به، واجتناب كل ما نهاه عنه، فقد قال بعضهم: إذا كان الطبيب حاذقًا والصيدلاني صادقًا، والمريض موافقًا، فما أقل لبث العلة، وقيل: إن الفاضل جالينوس قال يومًا لمريض كان يعالجه: اعلم أنني أنا وأنت والمرض ثلاثة، فإن طاوعتني كنت أنا وأنت اثنين والمرض واحدًا فنغلبه، وإن خالفتني كنت أنت والمرض اثنين وأنا واحدًا فتغلباني.

وألا يعاف شرب الدواء الكريه الطعم، بل يُقدم عليه ويتناوله غير نافرٍ منه؛ لأن ما تنفر منه الطبيعة لا ينجع فيها، وأن يعتقد فيه المنفعة، فترتاح نفسه إليه، وتنتعش طبيعته بواسطته، وألا تشره نفسه إلى ما يضره من الأطعمة اللذيذة، فإنها تكون مضرة بعد ذلك، وألا يكتم عن الطبيب شيئًا من أمره، فربما كان ما لا يُعتبر عنده معتبرًا عند الطبيب، وأن يُحسن ظنه بالسلامة، ويشدد قلبه مطمئنًّا، فإن ذلك يكون من أنفع العلاجات له؛ لأنه يقوي الطبيعة أمام المرض، فلا يدعه يقهرها ويستولي عليها، بخلاف الخوف فإنه يحل الطبيعة، فيتغلب المرض عليها ويغلب الطبيب والدواء، وعلى ذلك تكون الطمأنينة دواءً والخوف مرضًا ثانيًا.

ويجب على أهل المريض أن يبذلوا الجهد في ملاحظة كل ما يؤول إلى راحته، ويهتموا في قضاء حوائجه العلاجية وغيرها، ويجتنبوا إزعاجه جسمًا وفكرًا، ولا يفتروا عن تسليته وتطمينه، ولا يظهروا له خوفًا ولا جزعًا، ولا يحدثوا بعضهم سرًّا بحضرته، ولا يشير بعضهم إلى بعض، وإذا رأوه في ضنك وانتهاك يكلفون أنفسهم البشاشة، ويسهلوا الأمر عليه، ولا يمكنوا من الدخول عليه إلا من يستأنس به وترتاح نفسه إلى معاشرته، فإن ذلك مما يفيده؛ لأن خلوة المريض بنفسه دائمًا تجلب عليه الضجر، فيضيق صدره وتتردد في قلبه الهواجس والأفكار المزعجة.

ويجب على الذين يزورونه ألا يدخلوا عليه إلا بإذنه، ومتى جلسوا عنده، عليهم ألا يكثروا عليه المسائل، ولا يتحدثوا إلا بما تطيب نفسُه بسماعه، ولا يسر بعضهم إلى بعض كلامًا خفيًّا، ولا يطيلوا الجلوس عنده؛ لأن ذلك يمسكه عن قضاء بعض حوائجه، ويشغل أهل بيته عن تدبير ما يحتاج إليه.

للتوسع في هذا الموضوع انظر الآتي:
أبو زيد شلبي تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، مكتبة وهبة القاهرة 1964.
أحمد عيسى المأثور من كلام الأطباء، مطبعة جامعة فؤاد الأول القاهرة 1951.
أحمد عيسى تاريخ البيمارستانات في الإسلام، المطبعة الهاشمية دمشق 1939.
أسعد داغر حضارة العرب، مطبعة المقتطف القاهرة 1919.
أمين خير الله الطب العربي تعريب مصطفى أبو عز الدين، المطبعة الأميركانية بيروت 1946.
برهان العابد مختارات من تاريخ الطب، منشورات جامعة دمشق ط 4 1999.
جون بادو عبقرية الحضارة العربية؛ ترجمة عبدالكريم محفوظ، دار الكتب الوطنية بنغازي ط 1 1990.
حسن إبراهيم حسن؛ تاريخ الإسلام، دار الجيل بيروت ومكتبة النهضة المصرية القاهرة ط 14 1996.
حسن الشرقاوي؛ المسلمون علماء وحكماء، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع القاهرة ط 1 1987.
حنيفة الخطيب الطب عند العرب، دار الأهلية بيروت 1988.
رمضان الصباغ العلم عند العرب وأثره على الحضارة الأوربية، دار الوفاء الإسكندرية ط 1 1998.
سامي حداد مآثر العرب في العلوم الطبية، مطبعة الريحاني بيروت 1926.
سامي حداد المارستانات العربية، مجلة المقتطف يناير سنة 1937.
سعيد عبدالفتاح عاشور المدنية الإسلامية وأثرها في الحضارة الأوروبية، دار النهضة العربية القاهرة ط 1 1963.
سيجريد هونكه شمس الله تشرق على الغرب؛ ترجمة فؤاد حسنين علي، دار العالم العربي القاهرة ط 1 2008.
عباس محمود العقاد حضارة الإسلام دار الكتاب اللبناني بيروت ط 1 1978.
عبدالحليم منتصر في تاريخ الطب عند العرب، مجلة رسالة العلم ديسمبر سنة 1970.
عبدالرزاق نوفل المسلمون والعلم الحديث، دار الشروق القاهرة ط 3 1988.
عبدالسلام تنبكجي الطب في الشعر العربي (مخطوط).
علي حسني الخربوطلي الحضارة العربية الإسلامية، مكتبة الخانجي القاهرة ط 2 1994.
عمر فروخ عبقرية العرب في العلم والفلسفة منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها بيروت ط 2 1952.
عمر فروخ تاريخ العلوم عند العرب، دار العلم للملايين بيروت 1970.
فيصل السامر العرب والحضارة الأوروبية، منشورات وزارة الإعلام العراقية بغداد 1977.
فيليب حتي أعلام الطب العربي، مجلة المقتطف فبراير سنة 1935.
كامل حمود تاريخ العلوم عند العرب، دار الفكر اللبناني بيروت 1993.
كرنيليوس فانديك أطباء الشرق، مجلة المقتطف مايو سنة 1936.
محمد أمين أبو جوهر الطب عند العرب، مجلة المعرفة ديسمبر سنة 2001.
محمد رجائي صفحات من تاريخ الطب، الزهراء للإعلام العربي القاهرة ط 1 1988.
محمد رشدي مدنية العرب في الجاهلية والإسلام، مطبعة السعادة القاهرة 1911.
ناجي معروف أصالة الحضارة العربية، مطبعة التضامن بغداد ط 2 1969.
يوسف حريز تاريخ الطب عند العرب، مجلة المقتطف مايو سنة 1929.
تم بعونه تعالى

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #103  
قديم 06-01-2023, 09:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,355
الدولة : Egypt
افتراضي الجذام في المغرب والأندلس (ق 4-9هـ /10-15م)

الجذام في المغرب والأندلس (ق 4-9هـ /10-15م)
د. نجلاء سامي النبراوي
الجذام في المغرب والأندلس[1]

(ق 4 - 9هـ/ 10 - 15م)




مأخوذ من بحث:
د. نجلاء سامي النبراوي: كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة بالمغرب والأندلس (ق 6 - 9هـ/ 12 - 15م)، مجلة التاريخ والمستقبل، كلية الآداب، جامعة المنيا، عدد يوليو 2015م، (ص: 538 - ص: 578).

رصدت كتابات الجغرافيين والرحالة وكتب التراجم كثيرًا من الأماكن التي اشتهرت بتواجد المجذومين، والأماكن المخصصة لهم فيها، والتي انتشرت في شمال إفريقية وجنوب إسبانيا في العصر الإسلامي، ولم تعرف قبلها[2].

ففي مدينة القيروان حاضرة دولة الأغالبة (184 - 296هـ/ 800 - 908م) عُرفت (دمنة القيروان) أو (دار الجذماء)، التي تسجل اهتمامهم بالمجذومين ورعايتهم ووعيهم الصحي، وكانت هذه الدمنة بمثابة بيمارستان ويقع بأحد أطراف المدينة، غير أن "دمنة" هي الأشهر لهذا المكان، وقد تم الاستدلال على التخطيط المعماري للدمنة؛ فقد كانت على شكل مربع لها باب واحد كبير، يفتح على سقيفة، وعلى جانبي السقيفة غرفتان صغيرتان يسكنها حراس الدمنة، وبطول السقيفة يمينًا ويسارًا مصطبتان ملتصقتان بالجدار الأصلي مخصصتان لجلوس من يزور المرضى، وفي آخر السقيفة بابٌ ثانٍ أصغر من سابقه، يؤدي إلى صحن متسع مكشوف، ويحيط بجوانب الصحن الثلاثة أروقة معقودة الأسقف، ومن ورائها عدة حجرات صغيرة لإيواء المرضى.

ومن جهة أحد الأروقة يوجد باب مستقل يؤدي إلى دار واسعة تحتوي على حجرات، تسمى هذه الدار بدار الجذماء، بها حمام مخصص لهم[3].

وعلى بعد ميل ونصف من مدينة الحامة تنبع عين ماء ساخن جدًّا، يتجمع ماء هذه العين عند شمال المدينة مكونًا بحيرة أُطلق عليها بحيرة المجذومين؛ حيث يقيم عدد كبير منهم في أكواخ حول البحيرة.

ومن خصائص هذا الماء أنه يعالج داء الجذام وذكر (الوزان) سبب ذلك أنها تحوي نسبة عالية جدًّا من عنصر الكبريت[4]، وسجل البكري أنه بخارج مدينة تونس يقع (ربض المرضى)، وهو مخصص للجذماء[5].

كذلك كان هناك ربض بخارج مدينة (فاس) يسكنه المجذومون، وانتشرت حارات الجذمى خاصة في عصر الموحدين، وكانت خارج أسوار المدن؛ ففي مدينة فاس كانت حارتهم تقع خارج باب الخوخة المؤدي إلى مدينة تلمسان بالمغرب الأوسط، وقد بنى هذا الباب الخليفةُ الموحدي الناصر (595 - 610هـ/ 1199 - 1213م)؛ حيث جدد سور المدينة في عام 601هـ/ 1204م، ثم انتقل المجذومون في زمن المجاعة التي استمرت من عام 619هــ/ 1212م إلى عام 637هـ/ 1230م إلى الكهوف التي خارج باب الشريعة - أحد أبواب المدينة - إلى أن نقلهم عامل الأمير المريني يعقوب بن عبدالحق (656 - 685هـ/ 1258 - 1286م) إلى كهوف برج الكوكب بخارج باب الحبيسة من أبواب عدوة القرويين، بعدما اشتكى الناس أن المجذومين يستخدمون معهم مياه نهر قريب من (فاس)؛ مما يضر بهم[6].

وفي مدينة (مراكش) وجدت حارة الجذماء بخارج سورها بالقرب من باب أغمات، وقد ظهرت هذه الحارة في القرن 6هـ/ 12م حسبما أشارت إليها المصادر والتراجم، وتكونت لهذه الحارة رابطة أُطلق عليها رابطة الغار، كان يسكنها أناس أُصيبوا بداء الجذام.

وقد اهتمت السلطة آنذاك بإنشاء بيمارستان لهم؛ حيث أنشأ الخليفة الموحدي أبو يعقوب المنصور (580 - 595هـ/ 1184 - 1199م) بيمارستانًا بمدينة مراكش خاصًّا بالمرضى العقليين والعميان والمجذومين[7]، واهتم الولاة بأن تكون سكنى المجذومين دومًا بخارج أسوار المدن، وباتجاه الرياح الخارجة من المدينة وليس العكس؛ حتى لا ترتد الرياح لأهل المدينة الموجودين داخلها فيتضرروا، ويكون استخدام المجذومين للمياه بعد أن يخرج من المدينة[8].

وعرف أهل بلاد الجريد علاجًا لمرض الجذام؛ فيقول صاحب الاستبصار ما نصه: "ولا يجذم أحد ببلاد الجريد، وإن دخلها مجذوم توقفت عنه علته... ويقول أهل بلاد الجريد أن المرء إذا أكل أخضر، وهو الذي يسمى البهر يفعل ذلك، وأنه من بدت به علة الجذام، فأكثر من أكل البهر وطبخه وشرب ماءه، برأ بإذن الله"[9].

تؤكد الدراسات أن المجذومين كانوا مسؤولين بشكل أو بآخر عن تعقب أي شخص يُصاب بالمرض، ومسؤولين أيضًا عن إقامته بمجتمعهم، وخاصة في مدينة فاس.

ويرى الدارسون والمتخصصون أن مرض الجذام قد انتقل من الشرق إلى أوربا في أثناء الحروب الصليبية، وكذلك ظهر في شمال إفريقية.

وعرفت حارة الجذماء بمدينة قرطبة؛ حيث تواجدت على الضفة اليسرى للنهر الكبير الذي يقابل المدينة، وفي عهد الخليفة عبدالرحمن الناصر الأموي (300 - 350هـ/ 912 - 961م) تم نقلهم إلى منية عجب قبل عام (329هـ/ 939م)، وقد اختفت المعلومات عنها بعد ذلك، لكن بعض المؤرخين المحدثين يرجح أنها استمرت حتى سقوط مدينة قرطبة في أيدي نصارى إسبانيا عام (636هـ/ 1239م)[10]، وعجب هي إحدى زوجات الأمير الحكم الأول الأموي (180 - 206هـ/ 796 - 822م)، وقد كانت المنية عبارة عن بستان كبير في الضاحية الغربية لقرطبة، وعُرفت كمؤسسة خيرية لها وقف تذهب إيراداته لمساندة المجذومين الموجودين في الأماكــن المنعزلة بالمدن الأندلسية، والتي تأكد وجود عدد منها في القرن (3، 4هـ/ 9، 10م)[11].

وقد أشارت كتب النوازل الفقهية إلى مكان هذا التجمع الموجود بعدوة نهر قرطبة، وأشارت أيضًا إلى أن العامة كانوا يساهمون في مساندة المجذومين ودعمهم ماديًّا من خلال وصياتهم، أو بتحبيس محصول بساتينهم للإنفاق عليهم.

فقد أوصى أحدهم بأن يوزع من ماله وممتلكاته بعد الوفاة على (الجذمى والقطع بحضرة قرطبة)، وقام آخر بتحبيس غلة أرضه على الجذماء تحديدًا.

وحدث أن أوصى أحدهم بحبس على ولده، فلم يكن له عقب وتوفي، وأوصى الفقهاء برجوع الحبس للمرضى والمجذومين والعميان بغرناطة، والنازلة بذلك تؤكد تواجد تجمع لهم في مدينة غرناطة[12].

ذكر القاضي عياض أنه عُرفت حارة للجذماء بمدينة طليطلة موجودة خارج أسوارها؛ ففي إحدى الترجمات مرَّ صاحبها وصديقه، وهما خارجان من المدينة على "ربض الجذماء"، وقد توفي صاحب الترجمة في عام 456هـ/ 1063م، مما يعني وجودها في القرن 5هـ/ 11م[13] على أن أشهر أماكن الجذام في الأندلس في ق3، 4هـ/ 9، 10م كانت في مدينتي بلنسية ومرسية[14].

وتجدر الإشارة إلى أن المستشفيات المتخصصة التي تأوي المجذومين لم تُعرف إلا بعد سقوط المدن الأندلسية في أيدي نصارى إسبانيا، وكثر عددها منذ عام 652هـ/ 1254م؛ فتأسست في إشبيلية عام 698هـ/ 1298م، ومالقة عام 897هـ/ 1491م، وميورقة، وبلنسية، وكانت المستشفيات هذه بمثابة أماكن احتجاز يطلق عليها Lazaratos، وعلى الجانب النصراني في مدن أوروبا الأخرى كان المجذومون يُجبرون على ارتداء ملابس معينة؛ حتى يحذر الناس منهم ويكونوا معروفين بينهم؛ كملابس لها أكمام طويلة مقفولة عند المعصم، وقفازات طويلة، وكمامات على الوجه، أو قلنسوات وأردية سوداء مرسوم عليها حرف L (أول حرف من كلمة مجذوم). وتكون باللون الأصفر على صدره، كما أجبروا على ارتداء أحزمة بأجراس تصدر أصواتًا تدل عليهم أثناء تحركهم[15].

كان المجذومون في أوروبا يعاملون معاملة قاسية في كثير من الأحيان، ويتعرضون للموت بقرارات من ملوكهم بطريقة وحشية؛ فقد قام الملك فيليب الخامس ملك فرنسا (716 - 722هـ/ 1316 - 1322م) يجمعهم وحرقهم أحياء، وأمر بتكرار ذلك إن وُجدوا، وكذلك فعل الملك تشارلز الخامس[16].

وقد اختلط أحيانًا عند العامة وفي كتب الفقه والحسبة بين الجذام والبرص، واعتبره كل منهما مرضًا منفرًا يمنع صاحبه من الاختلاط بالناس والتعامل معهم؛ فقد أكد الفقهاء أنه ينبغي على المجذوم إن كان له مالٌ أن يشتريَ لنفسه من يعينه على تلبيته احتياجاته، وأن يلزم بيته ولا يخرج منه، وإن لم يكن له مال أخرج من بيته - إن لم يكن فيه حق - خوفًا على باقي سكانه، ويُنفَق عليه من بيت المال[17].

وعليه؛ فإن أوجه الإنفاق على المجذومين كانت متعددة؛ منها ما يخصص من بيت المال، ومنها ما كان يقوم به العامة من إسهامات.

اختلف الفقهاء فيما بينهم في إخراج المجذومين من الحاضرة لناحية منها أو لا، ولكن الواضح من العرض السابق أن الأمر قد حُسم من المسؤولين برغبة الناس بوضعهم خارج المدن؛ مراعاة لعدم انتشار العدوى بين الأصحاء، وتبعًا لذلك مُنعوا من الاختلاط بالناس والاستسقاء من مورد ماء واحد، وأن تُجعل لهم أوانٍ خاصة بهم لنقل الماء من مورد الماء إلى أوانيهم، ويخصص لهم رجالًا يقومون بتلك المهمة[18].

وعلى مستوى التعامل التجاري مُنع المجذوم من مخالطة الناس بالأسواق والبيع لهم، فمُنع من بيع الزيت والخل وأي أطعمة، ومُنع من بيع لبن غنمه وجبنها وبيض دجاج يقوم بتربيته، كما مُنع من بيع ملابسه المستعملة، في حين لم يمنع المصاب بالبرص من ذلك، ولا من عمل الأشربة والمعاجين بنفسه وبيعها[19].

وقد شاعت أمثال شعبية عند العامة عن المجذومين منها: "إذا رأيت المبتلى اطلب من ربك العافية"، و"قيل للمجذوم اغسل يدك قال: ما بعد الجذام علة"[20].

ولإخفاء علة البرص عن رجل أو امرأة، أو عند بيع عبد أو جارية مصابة به - كان النخاسون يعمدون إلى بعض الحيل لإخفاء البرص؛ حيث يغرزون في مواضع البرص بالإبرة ويخضبون عليه القلقديس والعفص والزنجار من كل واحد جزءًا معجونًا بماء ولبن التين أربعة أيام في الشمس، فيبقى مصبوغًا أربعين يومًا، ويغسلون ذلك الخضاب بخل وأشنان مغلي أو بماء القلي[21].

نوهت كذلك كتب الحسبة على أن كثيرين كانوا يدعون الإصابة بإعاقات مختلفة، ويمشون في الأسواق والطرقات بغية التسول؛ فيذكر ابن عبدالرؤوف: "وكذلك يتفقد الذين يتخبطون في الأسواق، ويوهمون الناس أنه صرع، وتستخبر ذلك منهم، وكذلك أصحاب الأورام والقروح البشعة، ومن يتعلق مصرانه من جنبه، والذي يصبح بوجع الحصا، والذي يظهر أنه مقعد، والذين يقرحون أيديهم، ويوهمون الناس أن ذلك كله بلاء نزل بهم وهم يكذبون، وذلك كله منهم حيلة؛ لأخذ أموال الناس بالباطل، فيجب على صاحب الحسبة أن يقف ذلك كله على الصحة، ويعاقب من تحيل منهم بتلك الحيلة"[22].

[1] الجذام: مرض معدي مزمن، تسببه جرثومة تسمى المتفطرة الجذامية التي تتكاثر ببطء شديد، مسببة تلفًا تدريجيًّا ودائمًا بجلد المصاب به وأعصابه وأطرافه وعينيه، وهو مرض ينتقل عبر رذاذ الأنف والفم؛ [منظمة الصحة العالمية، مركز وسائل الإعلام (الجذام)، سبتمبر 2012م]، وقد عرفت أول مؤسسة للجذام في العصر الإسلامي هي مجذمة الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (86 - 96هـ/ 705 - 714م)، والتي بناها في دمشق عام 88هـ، ثم تعددت بعد ذلك، وكذلك كانت بداية تأسيس بيمارستانات الأمراض العقلية في عهد الأمويين.

[2] Micheal W. Dols: The leper in medieval (on) Islamic Society, Speculum. Vol. 58, No. 4, published by Midieval .Academy of America, .1983, p. 907

[3] Micheal W. Dols: The leper in medieval (on) Islamic Society, Speculum. Vol. 58, No. 4, published by Midieval Academy of America, 1983, p. 907 ...
.Ibid, p 907 ...

[4] الحامَّة: من بلاد قسطيلية التابعة لبلاد الجريد، أهلها من بقايا الروم الذين أسلموا عند الفتح، وهي مدينة لها أرباض واسعة يسكنها الناس، ومياه هذه المدينة كلها حامَّة حارة تشتهر في بلاد الجريد كلها بالعنب الجيد؛ [الاستبصار في عجائب الأمصار، ص: 157 – 158، الوزان: وصف إفريقية، 2/ 92، وذكر الوزان أن عدد دور المجذومين في عهده بذلك الربض وصل إلى مائتي مجذوم].

[5] البكري: المغرب في ذكر بلاد المغرب، جزء من كتاب المسالك والممالك، مكتبة المثنى، بغداد، د.ت، ص: 40.

[6] ابن أبي زرع: الأنيس المطرب روض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، دار الطباعة المدرسية، أو بسالة، 1843م، ص: 30، 31، الوزان: وصف إفريقية، 1/ 287.

[7] المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، نسخة غير موافقة للمطبوع.

[8] ابن أبي زرع: الأنيس المطرب، ص: 31.
Micheal. W. Dols: The Leper in medieval Islamic Society, p. 907.

[9] بلاد الجريد: سميت بذلك لكثرة النخيل بها، وهي مدن كثيرة وأقطار واسعة وعمائر متصلة، كثيرة الخصب والتمر والزيتون والفواكه وجميع الخيرات، وهي آخر بلاد إفريقية على طرف الصحراء، أولها من جهة الساحل مدينة قابس وآخرها مدينة درجين؛ [م.م: الاستبصار في عجائب الأمصار، ص: 150، 159، 160].

[10] المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط: 3، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1991، ص: 242.

[11] القاضي عياض: ترتيب المدارك، 6/ 87، 90.

[12] Historia de la epra, p. 486.l

[13] البرزلي: جامع مسائل الأحكام، 5/ 354، الونشريسي: المعيار، 6/ 506، 7/ 186، 9/ 404، 405.

[14] ابن الخطيب: معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، تحقيق ودراسة: محمد كمال شبانة، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2002، ص: 91.

[15] .Historia de la lepra, p. 486

[16] .Ibid, p. 487
وكلمة Lazarette: كلمة ذات أصل لاتيني تعني الأبرص أو المجذوم؛ حيث كانت الدولة الرومانية تبالغ في الحجر على المجذومين فيخضعونهم للحجر مدى الحياة، ويعتقد أنها تحولت إلى اسم المكان المحتجز به هؤلاء المجذومون.
.Merbert C. Covey: People with leprosy, p. 320

[17] .Ibid, p. 486

[18] البرزلي: جامع مسائل الأحكام، 3/ 221، 222 (ماجل المجذومين بالقيروان)، الونشريسي: المعيار المعرب، 6/ 422.

[19] البرزلي: جامع مسائل الأحكام، 3/ 221.

[20] الزجالي: أمثال العوام في الأندلس، 2/ 10.

[21] السقطي: كتاب من آداب الحسبة، باريس، 1931، ص: 52.
القلقدس: هو المعروف بالزاج الأبيض، وهو مركب كبريتات الزنك، والعفص: هو ثمار شجر البلوط، ويستخدم لعلاج الأمراض الجلدية، أما الزنجار: فهو مادة خضراء نتاج تفاعل حامض الخليك مع النحاس، وله أنواع منها: المجرود، والمدود، ويستخدم كدواء للعين، كما يستخدم لمنع القروح الخبيثة من الانتشار بالجسم، والقلي: هو ما احترق من نبات الأشنان المستخدم كغسول؛ [شرح أسماء العقار، 2000، ص: 6، 24، 37، 140، 295، 345، ابن البيطار: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، 1/ 326 (ترقيم آلي)، نجلاء النبراوي: التقويم المصري في الأندلس في عصر الخلافة (دراسة في تقويم قرطبة)، مجلة كلية الآثار، جامعة جنوب الوادي، عدد 2009، ص: 22، 23 (صناعة الزنجار في الأندلس).

[22] رسالة ابن عبدالرؤوف في آداب الحسبة والمحتسب، ضمن ثلاث رسائل أندلسية، ص: 113.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #104  
قديم 15-01-2023, 07:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,355
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من مشاهير علماء المسلمين ..

فضل الحضارة الإسلامية على العلوم الطبية




عندما جاء الإسلام اهتم العرب منذ فجره بشتى ضروب المعرفة والعلوم، وصاحب الانتصارات الحربية الرائعة، تقدم الثقافة وازدهار الفكر على صعيد جميع العلوم والمعارف النظرية التطبيقية بالإضافة إلى مختلف الفنون والصناعات.
وكان الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة الإسلامية بالعلم والعلماء عاملاً هيأ الظروف الملائمة لانتشار التعليم، فما لبثت العلوم والطب أن اكتسيا ثوبًا جديدًا، بل نفخت فيهما الروح من جديد. فلقد شجع نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم نفسه دراسة الطب وقال: «تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهِرَم» (رواه أبو داود).
حافظ العلماء المسلمون على تراث المعرفة الإغريقية فاحترموه وقدروه ونهضوا به وطوروه، وكان ذلك إسهامًا عظيمًا في تقدم الطب، فقد ترجم المسلمون إلى العربية مؤلفات جالين وغيره، ووزعوها على المراكز العلمية في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية، فكان لهذا العمل العظيم والجليل فوائده العلمية الكبيرة والجمة.
وقد أسهم ولاة المسلمين كذلك في نهضة علم المعالجة بالعقاقير، بل يعتقد الكثيرون أن الكلمة الإنجليزية Drug المرادفة للعقار الطبي، مشتقة من أصل عربي، كما هو الحال في آلاف المصطلحات الأخرى.
كذلك أنشأ الولاة المسلمون المستشفيات التعليمية الكبيرة والمستوصفات العامة في سائر أنحاء الدولة الإسلامية.
ومن حسن حظ العلوم الطبية أنها حظيت بالنصيب الأوفى بفضل هذا التشجيع المعنوي والمادي من الخلفاء وأولي الأمر والثراء، لاسيما خلال الحقبة الواقعة بين الأعوام 800 – 1200م.
وهذا الازدهار شمل جميع الدول الإسلامية من الشرق في الشام إلى الغرب في الأندلس، وكان لمصر الإسلامية النصيب الأكبر في هذا التقدم الحضاري، فقد أعطت لدنيا العلوم الطبية الكثير، واعتبرت أحد ينابيع الفكر العربي.. فقد أعطت ما لم تعطه الولايات الإسلامية الأخرى حضارة وعلمًا وفنًّا وفكرًا وابتكارًا، فبعد أن من الله عليها بالفتح الإسلامي سنة 21هـ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، التقت حضارة العرب القادمين من شبه الجزيرة العربية بحضارة الفراعنة التي تسلمها أبناء النيل، وقد عكس المسلمون ضوء الشمس الغاربة للحضارات الفرعونية واليونانية، وكان لهم فضل الحفاظ على العلوم الطبية؛ لأن الرومان لم يحسنوا القيام على هذا التراث، بينما العرب المسلمون تسلموه وأتقنوه وأبدعوا فيه وأضافوا إليه.
كان هذا الالتقاء الحضاري نتيجة مباشرة في دفع عجلة التقدم في شتى ميادين العلوم والمعرفة والصناعات والنظم الإدارية، كما صاحب الفتوح الإسلامية إنشاء المدارس، ومن أروع مظاهر الحضارة الإسلامية مدارس الطب، فمنذ قيام الدولة الإسلامية كانت المساجد معاهد عامة لتعليم الشريعة فضلاً عن أنها دور للعبادة، وكان أول معهد هو الذي أنشأه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة، بعد هجرته في السنة الأولى.
وبمرور الزمن أصبحت المساجد كلها جامعات إسلامية، وصار اسم المسجد جامع، واليوم نحن نسمي مؤسستنا العلمية الكبيرة الشاملة بمؤنث جامع أي جامعة، وأصبح يدرس فيها مختلف علوم الدنيا والدين .
واشتهر عمر بن منصور البهابري، ومحمد بن عبد الله المصري، بتدريس الطب في الجامع الطولوني الذي أنشاه أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية في مصر في خلال القرن الثالث الهجري، كما اشتهر عبد اللطيف البغدادي الذي كان يدرس الطب في الجامع الأزهر (وقد أنشأ في زمن المعز لدين الله الفاطمي، مؤسس الدولة الفاطمية في مصر، خلال القرن الرابع الهجري).
كما أُنشئت بيوت الحكمة (أي خزائن الكتب) لجمع الكتب من مختلف العلوم لحفظها وترجمتها، وكانت أول دار حكمة هي دار الحكمة القياسية، التي أنشئت في زمن هارون الرشيد (القرن الثاني الهجري)، وجمع له البرامكة كتب الهند القيمة، وكتب فارس، واليونان، ونشطت حركة الترجمة، وفي عصر المأمون في أول القرن الثالث الهجري، فأصبحت دار الحكمة أكاديمية للبحث العلمي في مختلف العلوم، وخصوصًا العلوم الطبية، وأضاف العرب علومهم إلى ما ترجموه من علوم الأمم الأخرى.
ولما انتشرت العلوم وازدادت المؤلفات، وبلغ شغف الناس بالعلوم مبلغًا كبيرًا لم تعد دور الحكمة تفي بالغرض، فأنشئت دور العلوم لتلقى فيها المحاضرات، وأولها دار علم الموصلي (في القرن الثالث الهجري).
ثم ظهرت المدارس التي أنشئت عن طريق الأساتذة والأثرياء، وابتدأت بدار يجتمع فيها الأستاذ مع طلابه، وأقدم مدرسة هي مدرسة أبي بكر بن فورك الأصبهاني (القرن الخامس الهجري) في نيسابور، وكانت تدرس فيها مختلف العلوم، ثم أصبحت تلك المدارس حكومية، وأول مدرسة حكومية هي المدرسة النظامية التي أنشأها نظام الملك (في القرن الخامس في بغداد وخراسان).
وهنا تجدر الإشارة إلى أن العرب المسلمين هم أول من جعل التدريس من واجبات الدولة، وأول من عرفوا تأميم الطب والعلاج.
ويعد الرازي واحدًا من أشهر الأطباء المسلمين، فقد ألف في القرن العاشر الهجري أكثر من ثلاثمائة كتاب في الطب، كما وضع موسوعة طبية كاملة، واشتهر كذلك الطبيب المسلم ابن سينا، حتى أصبح كتابه القانون في الطب واحدًا من أهم المراجع الدراسية في المدارس الطبية خلال العصور الوسطى، واشتهر طبيب مسلم آخر في قرطبة وهو الزهراوي، الذي كتب في القرن العاشر كتابًا يستعرض فيه بالتفصيل كل المعارف الطبية في زمنه، كما ألف كتابًا مصورًا في الجراحة يعتبر الأول من نوعه في تاريخ الطب، وضمنه صورًا للأدوات التي تستخدم في علوم الجراحة.
ومن أمثلة دور العلم الطبية (دار ابن سينا)، فكان يجتمع فيها طلبة العلم، منهم من يقرأ في كتاب القانون، وآخر يقرأ في طرق الشفاء، وكان التدريس يتم ليلاً لعدم وجود فراغ خلال النهار بسبب خدمة السلطان والأمراء، ومن أهم المدارس الطبية أيضًا المدرسة الدخوارية بالشام، التي أنشأها أبو محمد بن علي بن حامد المعروف بالدخوار، وكان كحالاً (أي طبيبًا للعيون)، وتتلمذ على يديه كثير من أطباء دمشق، وكان أستاذًا ببيمارستان النوري الكبير، ثم بعد وفاته أوقفت داره وجعلت مدرسة للطب، وكذلك المدرسة الدينسرية التي أنشأها عماد الدين الدينسري، ولكن دور العلم والمدارس الطبية لم تف بالغرض المطلوب؛ لأن الطب من العلوم التجريبية التي لا تصلح لها هذه المعاهد، فكان لابد من الدراسة العملية، ولذلك ظلت البيمارستانات هي كليات الطب المفضلة لتدريس المقررات للطالب، حيث إنها مكان تتوافر فيه الحالات المرضية وطرق العلاج.
والبيمارستان هي كلمة فارسية تتكون من شقين بيمار بمعنى المرض، وستان بمعنى مكان، أي أن معناها مجتمعة مكان المرض ثم حورت في العصور الحديثة إلى كلمة مارستان، أصبحت لفترة طويلة تطلق على دور العلاج العقلي، حتى صارت التعبير العامي لهذا النوع من المستشفيات.
بذلك أنشئت المدارس الطبية العلمية، أو البيمارستانات التعليمية، وأهمها البيمارستان المقتدري في القرن الرابع الهجري في بغداد، وقد هدمه المغول، والبيمارستان النوري الكبير في دمشق (في القرن السادس الهجري) ، والبيمارستان العضدي في بغداد، والمنصوري بالقاهرة، الذي أنشأه المنصور سيف الدين قلاوون، (في القرن السابع الهجري)، وكان يشرف على البيمارستان ويدرس الطب فيه علماء شهد لهم التاريخ؛ ففي البيمارستان العضدي كان ابن بطلان، وابن التلميذ، وسنان بن قرة ، وفي المقتدري كان الواسطي. وفي النوري: ابن الدخوار، وابن النفيس، وابن أبي أصيبعة.
أما بيمارستان قلاوون في القاهرة فكان أعظم مستشفى، وكلية طبية في تاريخ مصر خلال العصور الوسطى، وكان يشرف على رئاسته كبير أطباء، وهو ما يقابل اليوم عندنا عميد كلية الطب، وكان يتم اختياره من كبار الأطباء، وأحسنهم سمعة وعلمًا، وكان الإشراف على البيمارستان يعتبر من وظائف الدولة المهمة ولرئيسه حق مقابلة السلطان في أي وقت، كما كان للبيمارستان قسمان: قسم للرجال، وآخر للنساء، وكل قسم من الأقسام الداخلية يشمل تخصصات عدة مثل: طب العيون – الجراحة – الإسهال والحمى – الأمراض العقلية والنفسية...إلخ.
كما كان قسم خارجي يتردد عليه حوالي 4000 مريض يوميًا يصرف لهم أصناف جيدة من العلاج، وكان كل قسم يشرف عليه رئيس، وكان لرئيس الأطباء ورؤساء الفروع فقط الإذن بمزاولة فنون الطب لمن يرونه صالحًا من الطلاب الدارسين بالبيمارستان، وكان يعاون المدرسين أو الأساتذة طوائف المعيدين، فنظام المعيدين هو أصلاً من ابتكار التعليم الإسلامي، وكان للمعبد واجبات منها ما ذكره القلقشندي (إذا ألقى المدرس الدرس وانصرف أعاد الطلبة ما ألقاه المدرس ليفهموه ويحسنوه).
كان الالتحاق بالمدرسة الطبية أو البيمارستان سهلاً، إذ يذهب الطالب إلى حيث يجلس الأستاذ، ويستمع إليه، والطالب حر في اختيار مقررات الدراسة، بل ودراسة ما يرغب فيه وحرية التنقل من أستاذ إلى آخر، حتى تكون الدراسة على هواه، ولا تفرض عليه في هيئة برامج أو مقررات إجبارية، ولم يكن الأمر فوضى كما قد يتبادر إلى الذهن، ولكن كانت هناك كتب أساسية يجب أن يدرسها الطالب، ولا يمكنه الحصول على إجازته إذا لم يتقن هذه الكتب.
ولعل الكثيرين يعلمون أن هذا النظام انتهى من عندنا نحن مبدعيه، وانتقل إلى الدول المتقدمة على رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، ومازال قائمًا ويطبق لديهم حتى اليوم، فالطالب الذي يدرس دراسات عليا أو عادية يختار أستاذه والمقررات أو البرامج التي سيدرسها بنفسه وبحرية كاملة، ولا تفرض عليه أو يفرض عليه أستاذه أو مشرفيه. ولكن من يعترف اليوم بهذا الإبداع العظيم للعرب، وفضل الحضارة الإسلامية على العلوم وطرق المناهج والتدريس؟

وتمر ستة قرون كاملة بعد هذا الإبداع الإسلامي، ونجد في عام 1537م طبيبًا بلجيكيًا، بل عالمًا من علماء جامعة لوفان، هو أندريه فيزالوس، يترجم الكتاب التاسع من كتب الرازي إلى اللغات الأوروبية، وما لبث فيزالوس أن عين أستاذًا للتشريح في جامعة بادوا، وفي عهده أدخلت كلية الطب في جامعة بادوا الأساليب الإسلامية الجديدة في ممارسة الطب، التي ما لبثت أن انتشرت في سائر أوروبا وأسهمت إسهامًا كبيرًا في تقدم الطب في أوروبا.
________________________________________________
اسم الكاتب: د . هناء إسماعيل




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 111.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 108.22 كيلو بايت... تم توفير 3.31 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]