شرح المبتدأ والخبر
أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن
الكلام في باب المبتدأ والخبر يَنحصرُ في المباحث الثلاثة الآتية:
المبحث الأول: تعريف كل مِن المبتدأ والخبر.
المبحث الثاني: أقسام كل مِن المبتدأ والخبر.
المبحث الثالث: وجوب المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث، والإفراد والتثنية والجمع.
المبحث الأول: تعريف كلٍّ مِن المبتدأ والخبر:
أولًا: تعريف المبتدأ:
المبتدأ عرَّفه ابن آجروم رحمه الله بأنه:
الاسم، فلا يكون المبتدأ إلا اسمًا، وبذلك يخرج: الفعل والحرف.
فلا يكون أي منهما مبتدأً.
المرفوع[1]، وبذلك يخرج: المنصوب والمجرور[2]، فالمبتدأ لا يكون منصوبًا ولا مجرورًا.
العاري[3] عن العوامل اللفظية[4]، فيخرج بهذا الاسم المرفوع بعامل لفظي؛ كـ:
الفاعل؛ نحو (نوح) مِن قوله تعالى: ﴿ قَالَ نُوحٌ ﴾ [نوح: 21].
نائب الفاعل؛ نحو: (الإنسان) مِن قوله تعالى: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28][5].
اسم (كان وأخواتها)[6]؛ نحو لفظ الجلالة مِن قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 96][7].
خبر (إن وأخوتها)[8]؛ نحو كلمة: (شديد) من قوله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 98][9].
خبر المبتدأ؛ نحو كلمة (رسول) من قوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29][10].
أشرت قبلُ إلى أنني سأَذْكُرُ هنا تعريف العامل مع بيان أنواعه، فأقول مستعينًا بالله عز وجل:
العامل هو ما يجعل آخر الكلمة بحالةٍ مخصوصة: رفعًا، أو نصبًا، أو جرًّا، أو جزمًا[11]، وهو نوعان:
عامل لفظي، وهو: ما يتلفظ به؛ نحو:
1- نواصب الفعل المضارع؛ فإنها يتلفظ بها، وتعمل النصب في الفعل المضارع الذي يأتي بعدها، كما تقدم، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37][12].
2- وجوازم الفعل المضارع فإنها - كما تقدَّم - تعمل الجزم فيما تدخل عليه مِن أفعال مضارعة، وهي مُتلفَّظ بها كما هو معلوم، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 3، 4][13].
3- وحروف الجرِّ فإنها - كم تقدَّم - تعمل الجر فيما تدخل عليه مِن أسماء، وهي مُتلفَّظ بها، كما هو ظاهر، ومثال عملها الجرَّ فيما يأتي بعدها من أسماء: عملُ حرف الجر (في) الجر في كلمة (المساجد) في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187][14].
وعامل معنوي، وهو ما لا يُتلفَّظ به، وسيأتي ذِكْر نوعَيْه إنْ شاء الله تعالى.
ذَكَرْنا آنفًا أن العامل المعنويَّ هو ما لا يُتلفَّظ به، وقد ذكر النحاةُ للعامل المعنوي نوعينِ؛ هما:
1- النوع الأول: التجرُّد من الناصب والجازم، وهذا - كما مضى - يكون في الفعل المضارع المرفوع؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30]، فالأفعال (تجعل، يفسد، يسفك، نُسبِّح، نُقدِّس) أفعالٌ مضارعة مرفوعة، وسببُ وعاملُ الرفعِ فيها أنها لم تُسبَق بناصب ولا جازم، وهذا عامل معنوي؛ إذ إنه لم يُتلفَّظ به، كما يتلفظ بعامل الجزم أو النصب أو غيرهما مِن العوامل اللفظية، كما سبق.
2- والنوع الثاني: الابتداء في المبتدأ، ولذلك قلنا في تعريف المبتدأ: العاري عن العوامل اللفظية، فالمبتدأ مرفوعٌ بعامل معنوي، وهو الابتداء؛ أي: وجودُه في أول الجملة الاسمية، لا يسبقه لفظٌ آخر[15]، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29]، فـ(محمد) مبتدأ مرفوع، والذي أثَّر فيه الرفعَ عاملٌ معنوي، لم يتلفظ به، وهو وقوعُه مبتدأ - يعني في بداية الجملة الاسمية - وهذا هو الذي يسميه النحاة: الابتداء[16].
ثانيًا: تعريف الخبر:
عرَّف ابن آجروم رحمه الله الخبر بأنه: الاسم المرفوع المسنَد إلى المبتدأ.
ولم يقل رحمه الله في تعريف الخبر: العاري عن العوامل اللفظية؛ لأن الخبر مرفوع بعامل لفظي هو المبتدأ، فالذي جعَل الخبر مرفوعًا هو المبتدأ، وهو مُتلفَّظ به كما ترى.
قوله رحمه الله في تعريف الخبر: هو الاسم، لبيان أن الأصل في الخبر أن يكون اسمًا، وإلا فإنَّ الخبر قد يكون: جملة فعلية، أو جملة اسمية، أو ظرفًا، أو جارًّا ومجرورًا[17].
وقوله رحمه الله: المرفوع، خرج به: الاسم المنصوب، والاسم المجرور، فلا يكون أي منهما خبرًا.
وقوله رحمه الله: المسند إلى المبتدأ؛ يعني: المخبَر به عن المبتدأ، فالخبر هو الذي يَتمُّ به مع المبتدأ الكلامُ، وتحصُلُ به معه الفائدة، وتستقيم به الجملة الاسمية، ولا يتمُّ المعنى الأساسي للجملة إلا بالخبر:
قال ابن مالك رحمه الله في ألفيته في تعريف الخبر:
والخبرُ الجزءُ المتمُّ الفائدةْ ♦♦♦ كاللهُ برٌّ والأيادي شاهدةْ
ومثالُ رفع كلٍّ مِن المبتدأ والخبر في كتاب الله عز وجل قولُه تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29]، فـ(محمد) صلى الله عليه وسلم مبتدأ؛ لأنه اسم مرفوع بدأتْ به الجملة، وهو عارٍ عن العوامل اللفظية، فلم يسبقه فعلٌ ولا حرفٌ ولا شيء.
و(رسول) خبر هذا المبتدأ؛ لأنه اسم مرفوع، قد تَمَّ به مع المبتدأ الكلامُ، وحصلت الفائدة.
ومثال ذلك أيضًا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ما رواه مسلمٌ رحمه الله في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ البلاد إلى الله مساجدُها، وأبغضُ البلاد إلى الله أسواقُها))، ففي هذا الحديث جملتان اسميتان؛ هما:
الجملة الأولى: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ البلاد إلى الله مساجدُها))، وقد تكوَّنتْ هذه الجملة من:
مبتدأ، وهو كلمة (أحب)؛ لأنها اسم مرفوع عارٍ عن العوامل اللفظية، وقد بدأتْ به الجملة.
وخبر، وهو كلمة (مساجدها)؛ لأنها اسم مرفوع، تم به الكلام، وحصلتْ به الفائدة.
والجملة الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وأبغضُ البلاد إلى الله أسواقُها))، فهذه الجملة أيضًا جملة اسمية[18]؛ وهي قد تكونت من:
مبتدأ، وهو كلمة (أبغض)؛ لأنها هي التي بدأتْ بها الجملة، وهي اسم مرفوع عارٍ عن العوامل اللفظية.
وخبر، وهو كلمة (أسواقها)؛ لأنها اسم مرفوع، تَمَّ به الكلام، وحصلتْ به الفائدة.
ومِن ذلك أيضًا: ما رواه مسلم رحمه الله، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، وفيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذكر الرجلَ يُطيل السفر، أشعثَ، أغبرَ، يمدُّ يدَيْه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمُه حرامٌ، ومَشربه حرامٌ، وملبَسُه حرامٌ، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟!))، فهذا الحديثُ عند تأمُّله نجد فيه ثلاث جمل اسمية، هي على الترتيب:
الجملة الأولى: قوله صلى الله عليه وسلم: ((مطعمه حرام)).
والجملة الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: ((مشربه حرام)).
والجملة الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((ملبسه حرام)).
وكل جملة مِن هذه الجمل الثلاث مكوَّنةٌ مِن مبتدأ وخبر، والمبتدأ فيها على الترتيب هو الكلمات: (مطعمه - مشربه - ملبسه)؛ لأنها أسماء مرفوعة، عارية عن العوامل اللفظية، وقد بدأت بها الجملة الاسمية.
والخبر في هذه الجمل الثلاث كلها هو كلمة (حرام)؛ لأنه هو الذي تَمَّ به الكلام، وحصلتْ به الفائدة.
يتبع