ونحن له مسلمون - ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الاسلامي

111

الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 

اخر عشرة مواضيع :         السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1153 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16817 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 10 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لماذا يكذب الأطفال؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-03-2019, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,991
الدولة : Egypt
افتراضي ونحن له مسلمون

ونحن له مسلمون
عبد الله بن محمد البصري


الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ:
فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عز وجل-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
يَا مَن رَضِيتُم بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا رَسُولاً، أَتَدرُونَ أَيُّ شَيءٍ هُوَ الإِسلامُ، إِنَّهُ الاستِسلامُ للهِ -تعالى- وَطَاعَتُهُ فِيمَا أَوجَبَهُ وَأَمَرَ بِهِ، وَالرِّضَا بما جَاءَ مِن عِندِهِ وَعَدَمُ مُخَالَفَتِهِ وَلا وُقُوعِ شَيءٍ في النَّفسِ مِنهُ، قَالَ -سبحانه-: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا)، بهَذَا يَكُونُ المَرءُ قَد أَصَابَ حَقِيقَةَ الإِسلامِ، وَأَمَّا أَخذُ بَعضِ الإِسلامِ وَتَركُ بَعضِهِ، أَو تَقدِيمُ العَقلِ عَلَى النَّقلِ أَحيَانًا، أَو وُقُوعُ شَيءٍ في النَّفسِ مِمَّا جَاءَ بِهِ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنهَجٌ لليَهُودِ؛ قَالَ اللهُ -تعالى- فِيهِ: (أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرُونَ بِبَعضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إِلاَّ خِزيٌ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشتَرَوُا الحَيَاةَ الدُّنيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذَابُ وَلا هُم يُنصَرُونَ). فَهل سَمِعتُم مِثلَ هَذَا الوَعِيدِ وَالتَّهدِيدِ وَالذَّمِّ الَّذِي يُزَلزِلُ الأَرضَ وَتَخِرُّ لَهُ الجِبَالُ وَتَكفَهِرُّ لَهُ السَّمَاءُ؟! أَمَّا الذَّمُّ فَمَنشَؤُهُ التَّرَدُّدُ في قَبُولِ مَا جَاءَ مِن عِندِ اللهِ، وَجَعلُهُ تَحتَ هَوَى الأَنفُسِ، تَأخُذُ مِنهُ مَا تَشتَهِي وَتَرُدُّ مِنهُ مَا لا يَرُوقُ لَهَا، وَأَمَّا الوَعِيدُ فَهُوَ شَامِلٌ لِلدُّنيَا وَالآخِرَةِ مَعًا، خِزيٌ في الأُولى وَعَذَابٌ شَدِيدٌ في الأُخرَى، وَأَمَّا سَبَبُ ذَاكَ التَّرَدُّدِ في قَبُولِ مَا جَاءَ في الكِتَابِ فَهُوَ الرِّضَا بِالدُّنيَا وَالرُّكُونُ إِلَيهَا وَاستِبدَالُهَا بِالآخِرَةِ، وَهَل يُغني هَذَا شَيئًا عَمَّنِ ابتَغَاهُ وَطَلَبَهُ؟! لا وَاللهِ، بَل هُوَ المُخزَى في الدُّنيَا المُعَذَّبُ في الآخِرَةِ، غَيرُ المَنصُورِ وَلا المُعَانِ وَلا المُسَدَّدِ، أَلا فَمَاذَا يُرِيدُ أَقوَامٌ مِن بَني جِلدَتِنَا ظَهَرُوا لَنَا في سِنِيِّنَا المُتَأَخِّرَةِ، وَخَرَجُوا عَلَى أُمَّةٍ مَنهَجُهَا إِسلامُ الوُجُوهِ للهِ وَالتَّسلِيمُ لأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، فَجَعَلُوا يُشَكِّكُونَهَا في أُمُورٍ مِن دِينِهَا مَضَت عَلَيهَا مُنذُ مَبعَثِ نَبِيِّهَا، وَدَرَجَ عَلَيهَا أَسلافُهَا مُنذُ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ، وَمَا زَالَت في جَمِيعِ بِلادِهَا عَامِلَةً بها غَيرَ مُستَنكِرَةٍ لها؟! إِنَّهُ استِبدَالُ الأَدنى بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ، إِنَّهُ نِسيَانُ لِقَاءِ اللهِ وَالرِّضَا بِالحَيَاةِ الدُّنيَا وَالاطمِئنَانُ إِلى زَخَارِفِهَا، إِنَّهَا الغَفلَةُ عَن آيَاتِ اللهِ الكَونِيَّةِ بِعَدَمِ التَّفَكُّرِ فِيهَا وَعَن آيَاتِهِ الشَّرعِيَّةِ بِعَدَمِ الائتِمَارِ بها، إِنَّهَا مُجَانَبَةُ سَبِيلِ أَفضَلِ خَلقِ اللهِ مِن أَنبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ أَعدَاءِ اللهِ مِنَ الكَفَرَةِ وَالمُلحِدِينَ وَالمُنَافِقِينَ، مِمَّن يَعلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُم عَنِ الآخِرَةِ هُم غَافِلُونَ.
أُمَّةَ الإِسلامِ:
لَقَد كَانَ مَنهَجُ المُصطَفَينَ مِن أَنبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ وَأَتبَاعِهِم، هُوَ إِسلامُ الوَجهِ للهِ بِفِعلِ مَا أَمَرَ بِهِ وَتَركِ مَا نَهَى عَنهُ، وَالرِّضَا بما جَاءَ مِن عِندِهِ في كُلِّ شَأنٍ مِن شُؤُونِهِم، قَالَ -تعالى- عَن أَوَّلِ الرُّسُلِ نُوحٍ -عليه السلام-: (فَإِنْ تَوَلَّيتُم فَمَا سَأَلتُكُم مِن أَجرٍ إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسلِمِينَ). وَبِالإِسلامِ وَصَفَ اللهُ إِبرَاهِيمَ -عليه السلام- وَمَدَحَهُ، وَبَيَّنَ أَنَّ مَنهَجَهُ هُوَ المَنهَجُ الَّذِي لا يَحِيدُ عَنهُ إِلاَّ سَفِيهٌ، قَالَ -سبحانه-: (وَمَن يَرغَبُ عَن مِلَّةِ إِبرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفسَهُ وَلَقَدِ اصطَفَينَاهُ في الدُّنيَا وَإِنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسلِمْ قَالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ)، وَقَالَ -تعالى-: (مَا كَانَ إِبرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ)، وَقَالَ -جل وعلا- عَنهُ وَعَنِ ابنِهِ إِسمَاعِيلَ -عليهما السلام-: (وَإِذْ يَرفَعُ إِبرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيتِ وَإِسمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجعَلْنَا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ)، وَلِنُصحِ الخَلِيلِ -عليه السلام- لِبَنِيهِ، وَمَعَ دُعَائِهِ أَن يَجعَلَ اللهُ مِنهُم أُمَّةً مُسلِمَةً، فَقَد أَوصَاهُم بهذَا كَمَا ذَكَرَ اللهُ عَنهُ وَعَن حَفِيدِهِ يَعقُوبَ -عليهما السلام- قَالَ -جل وعلا-: (وَوَصَّى بها إِبرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعقُوبُ يَا بَنيَّ إِنَّ اللهَ اصطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ). وَقَدِ امتَثَلَت تِلكَ الصَّفوَةُ مِنَ الأَنبِيَاءِ مِن وَلَدِ يَعقُوبَ -عليه السلام- تِلكَ الوَصِيَّةَ الشَّرِيفَةَ المُنِيفَةَ وَالتَزَمُوا بها، قَالَ -تعالى-: (أَم كُنتُم شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعقُوبَ المَوتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعبُدُونَ مِن بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ). وَأَمَّا الصِّدِّيقُ يُوسُفُ -عليه السلام- الَّذِي هُوَ مِن أَعرَفِ النَّاسِ بِأَولى النِّعَمِ بِالذِّكرِ وَأَحَقِّهَا بِالشُّكرِ، فَقَدِ اتَّجَهَ بَعدَ عُمُرٍ طَوِيلٍ في العِبَادَةِ إِلى رَبِّهِ -تعالى- فَسَأَلَهُ الوَفَاةَ عَلَى الإِسلامِ فَقَالَ: (رَبِّ قَد آتَيتَني مِنَ المُلكِ وَعَلَّمتَني مِن تَأوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ أَنتَ وَلِيِّي في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّني مُسلِمًا وَأَلحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). وَقَالَ مُوسَى -عليه السلام- لِقَومِهِ: (يَا قَومِ إِنْ كُنتُم آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُم مُسلِمِينَ)، وَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى –عليه السلام- مِن قَومِهِ الكُفرَ سَأَلَهُم قَائِلاً: (مَن أَنصَارِي إِلى اللهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشهَدْ بِأَنَّا مُسلِمُونَ)، وَقَد قَالَ -تعالى- عَن أُولَئِكَ الصَّفوَةِ: (وَإِذْ أَوحَيتُ إِلى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بي وَبِرَسُولي قَالُوا آمَنَّا وَاشهَدْ بِأَنَّنَا مُسلِمُونَ)، وَقَالَ -سبحانه-: (إِنَّا أَنزَلنَا التَّورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحكُمُ بها النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسلَمُوا)، فَكَانَ هَذَا هُوَ الدِّينَ الَّذِي وَصَفَ اللهُ بِهِ أَنبِيَاءَهُ، وَهُوَ مَا يُرِيدُهُ مِن جَمِيعِ خَلقِهِ، إِنَّهُ الإِسلامُ، الَّذِي هُوَ الاستِسلامُ للهِ بِالتَّوحِيدِ وَالانقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالخُلُوصُ لَهُ مِنَ الشِّركِ، قَالَ -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ)، وَقَالَ -سبحانه-: (وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ)، وَقَالَ -جل وعلا-: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِليَّ أَنَّمَا إِلَهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَل أَنتُم مُسلِمُونَ)، وَمِن ثَمَّ فَلا نَعبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَلا نُشرِكُ بِهِ -تعالى- شَيئًا، وَلا يَتَّخِذُ بَعضُنَا بَعضًا أَربَابًا مِن دُونِهِ، وَإِنَّمَا نُسلِمُ الوُجُوهَ لَهُ مُحسِنِينَ، وَنُوَحِّدُهُ في رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؛ (أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ)، ذَلِكَ هُوَ أَحسَنُ الدِّينِ وَأَفضَلُهُ وَأَكمَلُهُ، قَالَ -تعالى-: (وَمَن أَحسَنُ دِينًا مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً)، أَلا فَمَاذَا يُرِيدُ مَن يُوَلُّونَ وُجُوهَهُم عَنِ الإِسلامِ يَمنَةً وَيَسرَةً؟! إِلامَ يَهدِفُ مَن يَأبى إِسلامَ وَجهِهِ لِرَبِّهِ وَخَالِقِهِ؟! (أَفَغَيرَ دِينِ اللهِ يَبغُونَ وَلَهُ أَسلَمَ مَن في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ طَوعًا وَكَرهًا وَإِلَيهِ يُرجَعُونَ)، أَيُرِيدُونَ نِظَامًا غَيرَ مَا وَضَعَهُ اللهُ وَرَضِيَهُ لِعِبَادِهِ؟! أَتُرَاهُم يَزعُمُونَ أَنْ سَيَأتُونَ بِأَكمَلَ مِنهُ أَو أَحسَنَ أَو أَفضَلَ أَو أَنفَعَ؟! كَيفَ وَأَصدَقُ القَائِلِينَ - سبحانه- يَقُولُ: (وَمَن أَحسَنُ دِينًا مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ).
نَعَم أُمَّةَ الإِسلامِ، لا أَحسَنَ دِينًا وَلا أَكمَلَ عَقلاً وَلا أَقوَمَ خُلُقًا وَلا أَضبَطَ سُلُوكًا مِمَّن خَضَعَ لأَمرِ اللهِ وَائتمَرَ بِأَمرِهِ وَانتَهَى عَن نَهيِهِ، ولا أَعلَمَ وَلا أَسَلَمَ وَلا أَحكَمَ مِمَّن أَذعَنَ لِمَن بِيَدِهِ الحُكمُ فَخَضَعَ لَهُ وَعَبَدَهُ -سبحانه- كَمَا يُرِيدُهُ وِفقَ شَرعِهِ؛ (إِنِ الحُكمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ)، أَمَّا وَقَد جَعَلَ -تعالى- الإِحسَانَ شَرطًا مَعَ إِسلامِ الوَجهِ لَهُ -سبحانه- في قَولِهِ: (وَمَن أَحسَنُ دِينًا مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ..)، فَإِنَّهُ لا يَكمُلُ إسلامُ العَبدِ حَتَّى يُحسِنَ، فَمَتَى يَعلَمُ بِذَلِكَ قَومٌ غَرَّتهُم عُلُومٌ دُنيَوِيَّةٌ بَرَّزُوا فِيهَا، فَحَسِبُوا أَنَّهُم بها أَفضَلُ النَّاسِ وَأَعلَمُهُم، حَتَّى تَطَاوَلُوا عَلَى الشَّرِيعَةِ وَلم يُقَدِّرُوا عُلَمَاءَهَا، غَافِلِينَ عَن أَنَّهُ لَمَّا اغتَرَّ أَهلُ الكِتَابِ بما لَدَيهِم وَحَسِبُوا أَنَّهُم أَفضَلُ النَّاسِ وَأَولاهُم بِدُخُولِ الجَنَّةِ، كَذَّبَهُمُ اللهِ -جل وعلا- في أَمَانِيِّهِمُ البَاطِلَةِ، وَقَرَّرَ أَنَّ الجَنَّةَ لِمَن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ، أَفَلَم يَقرَأِ المُغتَرُّونَ بِعُلُومِهِمُ الدُّنيَوِيَّةِ مَا جَاءَ في كِتَابِ اللهِ عَن أَهلِ الكِتَابِ؟! إِنْ لم يَكُونُوا قَد قَرَؤُوا فَلْيَقرَؤُوا: (وَقَالُوا لَن يَدخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَو نَصَارَى)، فَمَاذَا قَالَ -سبحانه-؟ لَقَد قَالَ مُكَذِّبًا لَهُم وَمُتَحَدِّيًا: (تِلكَ أَمَانِيُّهُم قُلْ هَاتُوا بُرهَانَكُم إِنْ كُنتُم صَادِقِينَ * بَلَى مَن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَلَهُ أَجرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ). لَقَد قَرَّرَ -تعالى- إِنَّ إِسلامَ الوَجهِ لَهُ مَعَ الإِحسَانِ في العَمَلِ هُوَ سَبِيلُ نَيلِ الأَجرِ وَالسَّلامَةِ مِن كُلِّ خَوفٍ وَحَزَنٍ، وَهَذَا هُوَ سَبِيلُ مُحَمَّدٍ -عليه الصلاة والسلام- الَّذِي أَمَرَهُ رَبُّهُ أَن يُحَاجَّ بِهِ مَن خَالَفَهُ، وَقَرَّرَ -تعالى- أَنَّهُ هُوَ الهُدَى، قَالَ -سبحانه-: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسلَمتُ وَجهِيَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسلَمتُم فَإِنْ أَسلَمُوا فَقَدِ اهتَدَوا وَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيكَ البَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ)، وَقَالَ -سبحانه-: (قُلْ أَنَدعُو مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعقَابِنَا بَعدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ كَالَّذِي استَهوَتهُ الشَّيَاطِينُ في الأَرضِ حَيرَانَ لَهُ أَصحَابٌ يَدعُوَنَهُ إِلى الهُدَى ائتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَأُمِرنَا لِنُسلِمَ لِرَبِّ العَالمِينَ).
نَعَم إِخوَةَ الإِيمَانِ، إِنَّ الهُدَى أَن يُسلِمَ العَبدُ لِرَبِّهِ، لا أَن يُدْبِرَ مُوَلِّيًا وَيَرتَدَّ بَعدَ إِسلامٍ، أَو يَضِلَّ وَيَحتَارَ بَعدَ سَيرٍ عَلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ، أَو يَسُنَّ لِنَفسِهِ طَرِيقَةً غَيرَ مَا أَرَادَهُ رَبُّهُ -تبارك وتعالى- أَو يُطِيعَ مَخلُوقًا جَاهِلاً أَو صَاحِبَ هَوًى، كَيفَ وَقَد قَالَ -تعالى-: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَن أَعبُدَ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنيَ البَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرتُ أَن أُسلِمَ لِرَبِّ العَالمِينَ). إِنَّهَا لَن تَقَرَّ لِلإِنسَانِ عَينٌ وَلَن يَهدَأَ لَهُ بَالٌ وَلَن يَصلُحَ لَهُ أَمرٌ إِلاَّ بِإِسلامِ وَجهِهِ لِرَبِّهِ، وَأَمَّا الاغتِرَارُ بِبَعضِ مَا سَخَّرَهُ اللهُ لَهُ مِن مَخلُوقَاتٍ وَعُلُومٍ وَنِعَمٍ، وَجَعلُهَا طَرِيقًا لِمُجَانَبَةِ أَمرِهِ وَارتِكَابِ نَهيِهِ، فَخَطَأٌ فَادِحٌ وَغَفلَةٌ شَنِيعَةٌ عَمَّا أَرَادَهُ رَبُّهُ، حَيثُ جَعَلَ تِلكَ الأُمُورَ مَدعَاةً لَهُ لإِسلامِ وَجهِهِ لَهُ، قَالَ -تعالى-: (وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُم مِنَ الجِبَالِ أَكنَانًا وَجَعَلَ لَكُم سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأسَكُم كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تُسلِمُونَ)، فَأَينَ تَذهَبُ عُقُولُ قَومٍ كُلَّمَا أَتَمَّ اللهُ عَلَيهِمُ النِّعمَةَ في دُنيَاهُم وَزَادَهُم قَدرًا مِن عُلُومِهِا، جَعَلُوا عُلُومَهُم مَركَبًا لِتَشكِيكِ النَّاسِ في عِبَادَاتِهِم، وَسَبِيلاً لإِخرَاجِهِم مِن جَنَّةِ الإِسلامِ وَالاستِسلامِ وَبَرْدِ اليَقِينِ، وَالزَّجِّ بهِم في جَحِيمِ الشُّكُوكِ وَالظُّنُونِ الَّتي لا تُغني مِنَ الحَقِّ شَيئًا؟!
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ؛ (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُم وَأَسلِمُوا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ)، لَقَد أَكمَلَ اللهُ لَكُمُ الدِّينَ وَأَتَمَّ بِهِ عَلَيكُمُ النِّعمَةَ وَرَضِيَ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا، فَقَالَ -تعالى-: (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا)، فَإِلى مَتى أُمَّةَ الإِسلامِ الانطِلاقُ مَعَ الجَهَلَةِ المُتَعَالِمِينَ؟ وَإِلى مَتى تَصدِيقُ المُفتَرِينَ الكَذِبَ عَلَى رَبِّهِم؟ أَلم نَقرَأْ قَولَ اللهِ -عز وجل-: (وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُوَ يُدعَى إِلى الإِسلامِ)؟ أَلا فَلْنَقرَأْهَا وَلْنُكَرِّرْ قِرَاءَتَهَا، وَلْنَصِلْهَا بما بَعدَهَا مِن آيَاتٍ لِنَفهَمَ وَنُسْلِمَ وَنَسْلَمَ، قَالَ -تعالى-: (وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُوَ يُدعَى إِلى الإِسلامِ وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ).
اللَّهُمَّ لَكَ أَسلَمنَا، وَبِكَ آمَنَّا، وَعَلَيكَ تَوَكَّلنَا، وَإِلَيكَ أَنَبنَا، وَبِكَ خَاصَمنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ أَن تُضِلَّنَا، أَنتَ الحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَالجِنُّ وَالإِنسُ يَمُوتُونَ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ.
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاحذَرُوا مِمَّن يَنفُخُونَ نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم لِيُطفِئُوهُ، وَأَسلِمُوا الوُجُوهَ إِلى رَبِّكُم فَإِنَّكُم مُلاقُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ فِرعَونَ الَّذِي أَبى الإِسلامَ مُغتَرًّا بِقُوَّتِهِ وَحَضَارَتِهِ قَالَ حِينَمَا أَدرَكَهُ الغَرَقُ: (آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَت بِهِ بَنُو إِسرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسلِمِينَ)، فَلَم يَنفَعْهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَاءَهُ الرَّدُّ مِنَ اللهِ بِقَولِهِ: (آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدِينَ)، وَأَمَّا نَبيُّ اللهِ سُلَيمَانُ -عليه السلام- فَلَم تَكُنِ القُوَّةُ أَوِ الحَضَارَةُ، سَوَاءٌ تِلكَ الَّتي عِندَهُ أَو تِلكَ الَّتي جَاءَت مِن غَيرِهِ لِتَغُرَّهُ أَو تَصرِفَهُ عَمَّا يُرِيدُهُ اللهُ مِنهُ، قَالَ -تعالى- مُخبِرًا عَنهُ لَمَّا جَاءَتهُ مَلِكَةُ سَبَأٍ وَقَد جَاءَهُ الجِنُّ بِعَرشِهَا: (فَلَمَّا جَاءَت قِيلَ أَهَكَذَا عَرشُكِ قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا العِلمَ مِن قَبلِهَا وَكُنَّا مُسلِمِينَ)، فَهُوَ مَعَ مَا قَد آتَاهُ اللهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالمُلكِ وَالعِلمِ مُسلِمٌ لِرَبِّهِ خَاضِعٌ لَهُ، أَلا فَلحَا اللهُ في عَصرِنَا قَومًا حِينَ اطَّلَعُوا عَلَى قَلِيلٍ مِن عِلمِ الفَلَكِ، ظَنُّوا أَنَّهُم قَد بَلَغُوا الغَايَةَ في العِلمِ، فَجَعَلُوا يُشَكِّكُونَ النَّاسَ في أَمرِ صِيَامِهِم وَعِيدِهِم وَحَجِّهِم، وَدَرَجُوا لِسَنَوَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى التَّشكِيكِ في شُهُودِ الرُّؤيَةِ الَّذِينَ نَذَرُوا أَنفُسَهُم لِهَذَا الوَاجِبِ الكِفَائِيِّ، وَجَعَلُوا يَستَهزِئُونَ بِهِم زَاعِمِينَ أَنَّهُم قَد يَكُونُونَ رَأَوا زُحَلَ أَو كَوكَبًا آخَرَ وَلم يَرَوُا الهِلالَ حَقِيقَةً، غَافِلِينَ عَن أَنَّ مَا يَجزِمُ بِهِ بَعضُهُم أَحيَانًا مِن عَدَمِ إِمكَانِيَّةِ رُؤيَةِ الهِلالِ، وَأَنَّهُ لا يَصِحُّ مُتَابَعَةُ النَّاسِ لِشَهَادَةِ المُتَرَائِينَ إِذَا جَزَمَ الفَلَكِيُّونَ بِعَدَمِ رُؤيَتِهِ، أَنَّ هَذَا جُرأَةٌ عَلَى كِتَابِ اللهِِ القَائِلِ -سبحانه-: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْهُ)، وَنَبذٌ لما صَحَّت بِهِ السُّنَّةُ عَن رَسُولِ الله –صلى الله عليه وسلم-، حَيثُ قَالَ -عليه الصلاة والسلام- في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: ((صُومُوا لِرُؤيَتِهِ، وَأَفطِرُوا لِرُؤيَتِهِ)).
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ.. فَإِنَّهُ قَد كَثُرَ الخَوضُ في الأَيَّامِ المَاضِيَةِ في أَمرِ رُؤيَةِ هِلالِ شَهرِ شَوَّالٍ، حَتَّى تَرَكَ بَعضُ النَّاسِ صِيَامَ اليَومِ الثَّاني مِن شَوَّالٍ لِهَذَا الأَمرِ، وَحَتَّى نَظَّمَت بَعضُ القَنَوَاتِ بَرَامِجَ وَلِقَاءَاتٍ لِمُنَاقَشَةِ هَذَا الأَمرِ، وَتَاللهِ مَا هَذَا الأَمرُ بِمَجهُولٍ لَدَى مَن رَزَقَهُ اللهُ البَصِيرَةَ في دِينِهِ، وَمَا هُوَ لَدَى المُسلِمِ الحَقِّ بِمُحتَاجٍ إِلى أَن يَتبَعَ فِيهِ غَيرَ مَا قَضَت بِهِ المَحكَمَةُ العُليَا في هَذِهِ البِلادِ، كَيفَ وَهِيَ الجِهَةُ الَّتي خَوَّلَهَا وَليُّ الأَمرِ لِبَيَانِ مَا يُهِمُّ المُسلِمِينَ في هَذَا الشَّأنِ؟ وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ المُسلِمَ يَصُومُ مَعَ المُسلِمِينَ مَتى صَامُوا، وَيُفطِرُ مَعَهُم إِذَا أَفطَرُوا، وَيَفرَحُ بِالعِيدِ لِفَرَحِهِم، وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ مَعَهُم، لا يَشِذُّ عَنهُم بِصَومٍ وَلا يَنفَرِدُ بِإِفطَارٍ، بَل يَلزَمُ الجَمَاعَةَ امتِثَالاً لِقَولِهِ -عليه الصلاة والسلام-: ((الصَّومُ يَومَ تَصُومُونَ، وَالفِطرُ يَومَ تُفطِرُونَ، وَالأَضحَى يَومَ تُضَحُّونَ)) رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَد أَجمَعَ السَّلَفُ بِلا خِلافٍ يُعتَدُّ بِهِ عَلَى عَدَمِ اعتِمَادِ الحِسَابِ حَتَّى وَلَو غُمَّ عَلَى النَّاسِ، وَالأَمرُ عِندَهُم عَلَى أَنَّهُ إِذَا لم يُرَ الهِلالُ لَيلَةَ الثَّلاثِينَ فَإِنَّ الشَّهرَ يُكمَلُ، عَمَلاً بِقَولِهِ -عليه الصلاة والسلام- في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: ((صُومُوا لِرُؤيَتِهِ، وَأَفطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإِن غُمَّ عَلَيكُم فَأَكمِلُوا عِدَّةَ شَعبَانَ ثَلاثِينَ))، وَقَولِهِ -صلى الله عليه وسلم- في المُتَّفَقِ عَلَيهِ أَيضًا: ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكتُبُ وَلا نَحسُبُ، الشَّهرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَعَقَدَ الإِبهَامَ في الثَّالِثَةِ))، وَالشَّهرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا -يَعني تَمَامَ الثَّلاثِينَ-. وَفي هَذَا أَوضَحُ بَيَانٍ أَنَّ بَدءَ الصِّيَامِ وَخَتَمَهُ وَشُهُودَ يَومِ العِيدِ وَالوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَغَيرَهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ الأَمَرُ فِيهِ بِدُخُولِ الشُّهُورِ وَخُرُوجِهَا وَعَدَدِ أَيَّامِهَا، أَنَّهُ لَيسَ مِن شَأنِ الأُمَّةِ أَن تَتبَعَ فِيهِ عِلمَ الفَلَكِ، بَل الشَّهرُ في الشَّرعِ يُدرَكُ إِمَّا بِرُؤيَةِ الهِلالِ، وَإِمَّا بِإِكمَالِ العِدَّةِ ثَلاثِينَ. وَقَولُهُ -عليه الصلاة والسلام-: ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكتُبُ وَلا نَحسُبُ)) لَيسَ المَقصُودُ مِنهُ أَنَّنَا أُمَّةٌ جَاهِلَةٌ لا تَقرَأُ وَلا تَكتُبُ أَو لا نَعرِفُ الحِسَابَ، وَإِنَّمَا مَقصُودُهُ أَنَّ الكِتَابَةَ وَالحِسَابَ في تَحدِيدِ الشُّهُورِ لَيسَا مِن مَنهَجِنَا وَلا نَعتَمِدُ عَلَيهِمَا، لِعَدَمِ عِلمِ الكَثِيرِينَ بهما، وَإِنَّمَا المُعتَمَدُ عَلَيهِ شَيءٌ سَهلٌ يَسِيرٌ يَتَمَكَّنُ مِنهُ عَامَّةُ الأُمَّةِ، فَصَلَّى عَلَيهِ اللهُ مِن نَبيٍّ مَا أرأفَهُ بِنَا وَأَرحَمَهُ! وَحَفِظَهُ لَنَا مِن دَينٍ مَا أَكمَلَهُ وَأَيسَرَهُ!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.77 كيلو بايت... تم توفير 1.87 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]