الهوة الهاوية: الشرك بالله - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-08-2020, 05:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي الهوة الهاوية: الشرك بالله

الهوة الهاوية: الشرك بالله


أحمد الجوهري عبد الجواد





إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
عليك سلام الله ما هبت الصبا = وما لاح وَهْنًا في دجى الليل كوكبُ

أما بعد:
فيا أيها الإخوة، تحدثنا في اللقاءات السابقة عن وجوب التوحيد وفضله، وأن من حقَّقه دخَلَ الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، وإذا كان الضدُّ يُظهِرُ حسنَه الضدُّ، فلا يُعرَفُ الحلو إلا بالمرِّ، ولا يعرف الجميل إلا بالقبيح، ولا يَعرِفُ قيمةَ الصحة التي تتوج رؤوس الأصحَّاء إلا الذين يعانون المرض، فبضدها تتبيَّنُ الأشياء، فتعالوا بنا أيها الإخوة لنتعرَّف إلى ضدِّ التوحيد ألا وهو الشرك، فأعيروني القلوب والأسماع، واللهَ أسأل أن يجعلنا من الموحدين، وأن يجنبنا الشرك والمشركين، وسننظم سلك هذا الموضوع الخطير في العناصر التالية:
أولاً: ما هو الشرك؟
ثانيًا: خطورة الشرك.
ثالثًا: رحلة الشرك في الأرض.
رابعًا وأخيرًا: كيف ننجو من الشرك؟

فأعيروني القلوب والأسماع أيها الإخوة، واللهَ أسأل أن يجعلَنا ممن يستمعون القول، فيتَّبعون أحسنَه.
أولاً: ما هو الشرك؟
أيها الإخوة، التوحيد هو إفراد الله تعالى بكل ما هو من خصائص ربوبيته، فلا خالق إلا هو، ولا مالك إلا هو، ولا رازق إلا هو، ولا محيي إلا هو، ولا مميتَ إلا هو، ولا مدبِّرَ ولا متصرف في شؤون الخلق إلا هو، ولا سيِّدَ للكون ولا آمر إلا هو.

والتوحيد هو إفراد الله تعالى بكلِّ ما هو من خصائص الألوهية، فلا نعبد إلا الله، ولا نطيعُ إلا الله، ولا نتقرَّبُ بشيء من العبادة إلا لله، فلا نصلي، ونصوم، ونزكي، ونسبِّح إلا لله، ولا نذبحُ ولا ننذرُ ولا نتصدق إلا لله، ولا نستجير ولا نستغيث إلا بالله.

والتوحيد أن نُنزِّه الله جل جلاله عن مشابهة المخلوقين في أسمائهم وصفاتهم؛ فليس كمثله شيء وهو السميع البصير، نؤمن بما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تعطيل، ولا تحريف، ولا تشبيه، ولا تأويل، فكلُّ ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك، جل ربنا عن الشبيه والنظير وعن المثيل، لا ندَّ له، ولا كفءَ له، ولا شبيه له، ولا مثيل له، ولا صاحبة له، ولا والد له، ولا ولد له ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، وقال جل جلاله: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5] نعم استوى كما أخبر، وما معنى استوى؟ قال الإمام الطبري في تفسيره: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ يقول تعالى ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا[1].

وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: والمسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف، إمرارُ ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة، من غير تكييف، ولا تحريف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تمثيل [2].

نعم ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ استوى كما أخبر، وعلى الوجه الذي أراد، وبالمعنى الذي قال، استواءً منزَّهًا عن الحلول والانتقال، فلا العرشُ يحمله، ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحملته والكرسي وعظمته الكلُّ محمول بلطف قدرته، مقهور بجلال قبضته سبحانه وتعالى، فالاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

قال جل جلاله: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، وقال جل جلاله: ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ﴾ [النحل: 74].

هذا هو توحيد الله أيها الإخوة، وإذا كان هذا هو التوحيد فإن ضدَّ ذلك كله هو الشرك، فالشرك هو: تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله جل في علاه، سواء في ربوبيته، أم في ألوهيته، أم في أسمائه وصفاته.

والشرك ينقسم إلى قسمين: أكبر، وأصغر.
فالشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو أن يتَّخذ العبد من دون الله ندًّا يحبُّه كما يحبُّ الله، ويخافُه كما يخافُ الله، وهذا هو شرك التسوية الذي قال الله تعالى فيه حكاية عن المشركين لآلهتهم في النار: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 97].

نعم كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة، كما أنهم اتخذوهم أربابًا، يُشرِّعون لهم من دون الله عز وجل؛ فعظَّموا تشريعهم وآراءهم أعظمَ من شرائع رب العالمين؛ فلنتنبَّهْ أيها الإخوة من صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله في الأفعال: كالركوع أو السجود، أو في الأقوال: كالدعاء والرجاء، أو في الاعتقاد: فمَن ظنَّ أن غير الله يملك رزقه، أو أجله، أو أن يعطيَه ولدًا، أو يجعل امرأته تحمل، أو يُطلِق أسيرًا، أو ينقذ غريقًا، من زعم شيئًا من هذا كله لغير الله - فقد أشرك، وصدق ربي إذ يقول: ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 154] هذا عن الشرك الأكبر.

وهناك القسم الثاني وهو الشرك الأصغر: وقد عرَّفه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه أحمد وغيره، وصححه العلامة الألباني، من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخوفَ ما أخافُ عليكم الشرك الأصغر)) قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: ((الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟))[3]، فالشرك الأصغر هو الرياء.

والسؤال: ما هو الرياء؟
والجواب: الرياء هو أن يقوم العبدُ بالأعمال لا يريد بها وجه الله عز وجل، فحدُّ الرياء هو: إرادة العباد بطاعة الله عز وجل غيره، وانتبهوا أيها الإخوة؛ فإن الشرك كلَّه كبيرَه وصغيرَه خطيرٌ، وصاحبه على خطر عظيم، وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء.


خطورة الشرك:
أيها الإخوة، إن الشرك هو أظلم الظلم، وأقبح القبح، وأعظم الجهل، وأكبر الكبائر؛ ففي الصحيحين من حديث أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) - قالها ثلاثًا - قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله))[4].

وفي الصحيحين - أيضًا - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: يا رسول الله، وما هُنَّ؟ قال: ((الشرك بالله...))[5] ثم عدَّهنَّ، قال أهل العلم: اجتنبوا السبع الموبقات؛ أي: المُهْلِكات، وسميت بذلك لأنها سببٌ لإهلاك مرتكبِها - والعياذ بالله - وقالوا: الموبقات؛ أي: الكبائر، ولاحظ أهمية العلم بأن الشرك يجب أن يحذر ويُجتَنَبَ؛ لذا فقد بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم الحديثَ؛ فالشرك خطره عظيم، وضرره كبير.

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].

وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، بل وقال الله جل وعلا عن صفوة خلقه - وهم الرسل والأنبياء -: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88].

بل وخاطَبَ حبيبَه وخليلَه وسيِّدَ أنبيائه، وإمامَ أصفيائه، وقائدَ الموحِّدين، وقدوة المحققين محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 65، 66].

ومن ثَمَّ ورَدَ في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار)) قال ابن مسعود: "ومَن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"[6].

وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما المُوجِبتان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومَن مات يشركُ بالله شيئًا دخل النار))[7].

وعن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ قال: ((هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟)) قالوا: لا، قال: ((فهل تضارُّون في رؤية القمر ليلةَ البدر ليس في سحابة؟)) قالوا: لا.

قال: ((فوالذي نفسي بيده لا تضارُّون في رؤية ربكم، إلا كما تضارُّون في رؤية أحدهما)) قال: ((فيَلقى العبد، فيقول: أي فُلْ، ألم أكرِمْك، وأسوِّدْك، وأزوِّجْك، وأسخِّرْ لك الخيل والإبل، وأذرْك ترأس وتربع، فيقول: بلى، قال فيقول: أفظننتَ أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني!

ثم يَلقى الثاني، فيقول: أَيْ فُلْ، ألم أكرِمْك، وأسوِّدْك، وأزوِّجْك، وأسخِّرْ لك الخيل والإبل، وأذَرْك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب.
فيقول: أفظننتَ أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول فإني أنساك كما نسيتَني!
ثم يلقى الثالث، فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب، آمنت بك، وبكتابك، وبرسلك، وصليت، وصمت، وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول ها هنا إذا - قال - ثم يقال له: الآن نبعث شاهدَنا عليك، ويتفكر في نفسه مَن ذا الذى يشهد علي، فيُختَمُ على فِيه، ويقال لفَخِذه ولحمه وعظامه: انطقي، فتنطق فَخِذه، ولحمه، وعظامه بعمله؛ وذلك ليُعذَرَ من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذى يَسخَطُ الله عليه))[8].

موقف تصوُّرُه يُفتِّتُ الأكباد، إنه لا يفلح في ساحة القيامة ولا ينجو من عذاب الله إلا الموحدون المخلصون، والآيات والأحاديث في خطورة الشرك كثيرة جدًّا، ولا يتَّسِعُ الوقت للوقوف عليها، فحسبنا ما ذكرنا، لكن ينبغي أن ننتبَه إلى أن هذه الآيات والأحاديث عامة في الشرك كله الأكبر والأصغر، وهذا ما يجعل الأكبادَ تَتَفتَّتُ، والأعصابَ تتمزَّقُ؛ فإن هذا الوعيد العظيم، وهذا الخطر الجسيم يتنزَّل بعضُه على مَن راءى بعمله، وقصد به غيرَ وجه الله تعالى، أو عمل عملاً مما ورد تسميته شركًا، وهذا ليس فهمي ولا هو من كيسي، بل هو فهم السلف خير القرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى ابن أبي حاتم عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه أنه رأى رجلاً في يده خيطٌ علَّقه من الحُمَى، فقطعه، وتلا قوله تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106][9].

أيها الإخوة، فإذا كان الشرك ينافي التوحيد، ويُوجِبُ دخولَ النار والخلود فيها، وحرمانَ الجنة - إذا كان شركًا أكبر - ويُحبِطُ العملَ، ويُضيعُ ثوابه - إذا كان شركًا أصغر - ولا تتحقق السعادة إلا بالسلامة منهما جميعًا - كان حقًّا على العبد أن يخاف من الشرك كلِّه أعظمَ الخوف، وأن يسعى في الفرار منه ومن طرقه ووسائله وأسبابه جميعها، كما فعل ذلك الأنبياء الأصفياء وخيار الخلق الأنقياء الأتقياء، نسأل الله تعالى العافية منه وعلى العبد أن يجتهد في تنمية الإخلاص في قلبه وتقويته وذلك بكمال التعلق بالله تألُّهًا، وإنابة، وخوفًا، ورجاء، وطمعًا، وقصدًا لمرضاته وثوابه سبحانه في كل ما يفعله العبد وما يتركه من الأمور الظاهرة والباطنة، فإن الإخلاص بطبيعته يدفع الشرك الأكبر والأصغر، ولنعلم أن كل مَن وقع منه نوع من الشرك فقد ضعف إخلاصه.

فاللهم يا منقذ الغرقى، ويا منجي الهلكى، ويا واسع المعروف، ويا عظيم الإحسان، يا منان، يا سامع كلِّ نجوى مُنَّ علينا بالتوحيد والإخلاص، والاتباع لسيد الناس صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة، كان سادات الموحدين يخافون الشرك، ويتجنبونه، ويدعون الله أن يجنبهم إياه، كما قال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35].

قال العلماء: ومعنى "واجنبني"؛ أي: أبعدني، واجعلني في جانب بعيد، فمع المنزلة العظيمة التي نالها إبراهيم عليه السلام عند ربه، ومع أنه قاوم الشرك، وكسر الأصنام بيده، وتعرَّض لأشدِّ الأذى في سبيل ذلك حتى أُلقِيَ في النار، مع ذلك خاف على نفسه من الوقوع في الشرك؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، والحي لا تُؤمَنُ عليه الفتنة، هكذا طلب إبراهيم من ربه، فهل نحن بمنجاة ومأمن من الوقوع فيما خافه إبراهيم عليه السلام؟ ولهذا قال بعض السلف لما قرأ هذه الآية ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ قال: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم!" فإبراهيم خاف على نفسه الوقوع في الشرك لما رأى كثرة مَن وقع فيه من الناس[10]، وقال عن الأصنام كما حكى ربنا: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ﴾ [إبراهيم: 36].


وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على سادات المهاجرين والأنصار، على أفضل هذه الأمة كما سمعنا في الحديث الذي مرَّ قريبًا:
((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، فإذا كان هذا حال الأنبياء والصحابة فكيف بمن دونهم؟ كيف بنا أيها الإخوة؟ فحاذروا أن يقع أحد منكم في الشرك كبيره أو صغيره؛ فإن الأمر خطير، ألم تلاحظوا قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن مات وهو يشرك بالله شيئًا دخل النار))؟ لاحظوا كلمة "شيئًا" فإنها - لغةً - نكرةٌ تَعمُّ الشركَ كلَّه صغيره وكبيره، وما أشرك مع الله من نبيٍ أو وليٍّ أو ملك؛ لأن الشرك لا يغفره الله أبدًا، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48]، ومَن منا يدري متى يموت؟ ومن يدري على ماذا يموت؟ فالإنسان يخاف على نفسه من سوء الخاتمة، وأن يموت وهو يشرك بالله تعالى؛ فيكون من أهل النار!
فلذلك؛ يجب على الإنسان أن يحذر من الشرك طول حياته؛ لأنه لا يدري في أي لحظة يموت، فيكون من أهل النار إذا ختم له بالشرك - حتى ولو كان من أهل التوحيد قبل ذلك وعارفًا به، ومستقيمًا عليه، لكن يجب أن يخاف من الانتكاس على عقبه - أسأل الله لي ولكم السلامة والعافية.

إنه الشرك الذي كان سببًا في كل مصيبة - ولا يزال - فما سلط علينا العدو في الأرض والعرض إلا من جرَّاء الشرك.
ويح العروبة كان الكون مسرحها
فأصبحت تتوارى في زواياه

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد
تجده كالطير مقصوصًا جناحاه

كم صرفتنا يد كنا نصرفها
وبات يحكمنا شعب ملكناه



ووالله ما سلطوا علينا إلا يوم تخلَّيْنا عن التوحيد، يومها دبَّ فينا الخور، وتركنا القوة والشجاعة، وجبنَّا عن مقاومة حفْنة من حُثالة الأرض، ممن كتب الله عليهم الذلة، تمكنوا منا يوم تمسكوا بعقيدتهم وتخلَّيْنا نحن عن عقيدتنا، يوم استمسكوا بحرفية النصوص - نصوص التوراة وهي المحرفة - ونادى بعض المسلمين بترك القرآن ورميه وراء الظهور، حتى قال ذلك جهرة على مسامع المسلمين ودون حياء من يسمونه بشاعر الأرض المحتلة قال: "عندما احتمينا بالنصوص جاء اللصوص": لنسأل متى استطاع المقصُّ الصهيوني والصليبي أن يقضم أطرافًا من الجسد الإسلامي؟
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-08-2020, 05:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الهوة الهاوية: الشرك بالله

إن المخلب الصهيوني توغل في أرضنا الإسلامية أيها الإخوة عندما تخلينا عن النصوص قرآنًا وسنة، وتبلَّد فهم الرأي العام لصريح الأمر والنهي فيهما، وتُهْنَا بينَ عقائد الشرق والغرب، يَفهَمُ ذلك كلُّ عاقل عنده مسكة من فهم أو فقه.

وهذا الشاعر الفيلسوف محمد إقبال - رحمه الله وعفا عنه- نجده في تحليله لواقع المسلمين يحصر عللَ التخلف في أربعة عناصر ذاتية، فيجعل أولها:
فساد العقيدة، وتحول التوحيد الإسلامي إلى وثنية متسترة ... مع انجذاب للأوهام [11].

ورحم الله من قال:
فلسطين ضاعت يوم ضاعت عقيدة
وبات فساد الحال أقبح مقتنى

أيجحد دينٌ أورَد العرب سؤددًا
وينقض ما شاد النبي وما بنى؟

ليرضى علينا الغرب حينًا ويحتفي
بنا الشرق أحيانًا... ونفقد ذاتنا

وما زادنا هذا التذبذب عزة
ولكن حصدنا دونه الشوك والعنا[12]


بينما - وهذا يشهد به التاريخ - يوم كنا على ميراث الدعوة، محتمين بالنصوص، ومقتفين آثار الصالحين، ومتخذين القرآن دستورًا، واللهَ غايةً ومحمدًا صلى الله عليه وسلم أسوة وقائدًا - يومها حُزْنَا المجدَ كله والنصر كله ...
حين كنا...
نتغذَّى من عقول الفضلاء
وتُربِّينا شريفات النساء
آلت الأرض إلينا...
والسماء
أشرق النور فينا...
وتباهينا...
بجيل العظماء
♦♦♦♦
وسقطنا...
إذ رضعنا كلمات الآخرين
وطعمنا من فتات الغالبين
أوهمونا
أننا نطفو
بإغراق السفين
أننا نحيا
بدفن السابقين
فتسابقنا
لسب العلماء
وتندرنا بقول الأنبياء... [13]
نعم أما اليهود
أما اليهود فليس في أرضي مكان لليهود
وليعطهم بلفور من إنجلترا بدل الوعود
وبذكر بلفور أقول لكل ذي كرم وجود:
أنا ما رأيت كمثل بلفور صفيقًا في الوجود
يعطي اللصوص على هواه من الوعود بلا حدود
وبرغم ذلك فما البليَّة عند بلفور الحقود
بل عند من يتجاهلون بأنها أرض الجدود... [14].

إن الحرب بيننا وبين اليهود ليست حربَ أرض وحدود، ولكنها حرب عقيدة ووجود؛ فالقوم ينطلقون من عقيدة ولن ينهزموا ممن يصاولهم إلا يوم ينطلق هو الآخر من عقيدة.

فلنعد أيها الإخوة إلى ديننا تَعُدْ إلينا عزتُنا، ولنقم دولة الإسلام في قلوبنا تقم لنا على أرضنا، وذلك بالعودة إلى القرآن والسنة بإقامة التوحيد، ونبذ الشرك الذي تبينا خطره.

والسؤال الذي يرد على الأذهان الآن، ويكاد يقفز خارجها هو: كيف وصل الشرك إلى الأرض؟ وكيف رحل عبر طريق التوحيد الذي بدأ مع فطرة الإنسان قبل بداية الحياة، فكل مولود يولد على الفطرة - أي: يولد موحدًا -؟
فكيف دنس الشرك فطرة التوحيد؟
وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء: رحلة الشرك.

أيها الإخوة، خلق الله آدم في السماء وشرَّفه وأسكنه الجنة وزوَّجه، ثم حدث ما حدث من إغواء الشيطان لهما، فأُهبِطا إلى الأرض ومعهما المنهج الذي وضعه الله لآدم عليه السلام بقوله: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 38، 39]، ولم يعرف أن آدم وبنيه انحرفوا عن ملة التوحيد وشريعة الحق والهدى لمدة حتى توفِّي آدم، وعقبه الله بأنبياء من بنيه وذريتهم، حتى مضتْ على ذلك مدة طويلة ثم جاء الشرك، روى الطبري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلُّها على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين".

ومن هنا بدأ الشرك أيها الإخوة رحلتَه العَفِنة القذرة في أرض التوحيد الأولى، نعم كان الناس على شريعة من الحق والهدى حتى زيَّن الشيطان - عليه لعنة الله - لقوم نوح عليه السلام عبادةَ الأصنام، فكانوا أول من أحدث الشرك كما روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:
"صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعده، أما "ود" فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما "سواع" فكانت لهذيل، وأما "يغوث" فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما "يعوق" فكانت لهمْدان، وأما "نسر" فكانت لحِمْيرٍ لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تُعبَدْ حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عُبدتْ"[15].

أي إنهم عبدوا تلك الصور لما ضاع العلم بشأنها لم كانت؟ وما هي؟!
وقال الحافظ ابن حجر: أخرج الفاكهي من طريق عبيد بن عمير قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح عليه السلام، وكانت الأبناء تَبَرُّ الآباء، فمات رجل منهم فحزن ابنه عليه، فجعل لا يصبر عنه فاتخذ مثالاً على صورته، فكلما اشتاق إليه نظره، ثم مات ففعل به كما فعل حتى تتابعوا على ذلك فلما مات الآباء قال الأبناء: "ما اتخذ آباؤنا هذه الآلهة إلا أنها كانت آلهتهم فعبدوها"، فلما أراد الله أن يرحمهم وأن يخرجهم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد أرسل الله إليهم نوحًا عليه السلام، فلبث فيهم ألفَ سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك تلك الأصنام، فكان من شأنه وشأنهم ما قصَّ علينا ربنا في كتابه أنهم أصروا وعاندوا واستكبروا: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، ثم جاء بعدهم قوم إبراهيم الخليل، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، ... وغيرهم كلُّ هؤلاء أشركوا بالله، وأمدوا الشرك بغذاء أطال عمره، ومدَّ أجله في الحياة لما أصروا على عناد رسلهم وأنبيائهم، وكان الله عز وجل يُرسِلُ في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى التوحيد وترك الشرك، وظل الشرك أيها الإخوة في الأمم بعد هؤلاء، فقد كان في أمة موسى لما عبدوا العجل الحيوان، وكان فيهم لما عبدوا عُزيرًا الإنسان، وكان الشرك في أمة عيسى لما عبدوا نبيَّ الله عيسى نفسَه، ثم انتقل الشرك إلى العرب، ثم إلى الجزيرة التي سيبعث فيها بعد انتقال الشرك إليها بقليل إمامَ الموحدين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

فعلى يد مَن انتقل الشرك إلى جزيرة العرب؟
والجواب من المصطفي صلى الله عليه وسلم مباشرة: روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجرُّ قصبه في النار، وكان أولَ مَن سيَّب السوائب))، وفي لفظ لأحمد: ((وغيَّر دين إبراهيم))[16].

ثم بدأت الأصنام تكثر وتنتشر في جزيرة العرب - بل وحول الكعبة - إلى الحد الذي صارت تحيط فيه بالكعبة من كلِّ مكان، وقد ظلت هكذا إلى أن منَّ الله على الإسلام بالنصرة، وعلى أهله بالعزة؛ فكسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم وحطَّمها يومَ دخل مكة فاتحًا، وهو يتلو قول الله تعالى: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾[الإسراء: 81]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [سبأ: 49]"[17].

وكانت نهاية الشرك في أرض الجزيرة وما حولَها على يد الطائفة المؤمنة الأولى بقيادة الرائد الحكيم والرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، ونشرت هذه الطائفة المؤمنة ونبيها التوحيدَ في كل ربوع الدنيا مما وصلت إليه أياديهم، وظلوا على الوفاء لراية التوحيد، يسعون بها حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وظلَّت الأمة المسلمة ترفُلُ في ثوب التوحيد الذي كساها إياه إمامُ الموحدين وقدوة الناس أجمعين صلى الله عليه وسلم حتى أطلَّتِ الفتن برأسها الظَّلُوم، ووجهها الكالح الغشوم، وابتعدت الأمة رويدًا رويدًا عن حقيقة التوحيد.

وبدأ الشرك يطل برأسه من جديد، وكثرت صوره ومظاهره، ووقع فيه كثير ممن يتَّسمون بالمسلمين - إلا من رحمه الله - وتعدَّدت صور الشرك، ولم تقف عند الصورة الساذجة التي كان يزاولها المشركون قديمًا، في صورة حجر يصنعونه بأيديهم ثم يعبدونه من دون الله، بل صار وتحول للناس في صور وألوان في كل مجال: من اعتقاد، أو نسك، أو تشريع، ولك أن تتجول جولةً علمية إحصائية لعدد المشاهد والقبور والأضرحة والمزارات، التي تُصرَفُ لها ألوان من العبادة؛ ليرتَّد إليك البصر خاسئًا وهو حسير؛ على أمة انتكست إلى هذه الوهدة، وتركت مجال دعوتها إلى التوحيد بين أهل الأرض حتى انتشر الشرك هناك في صور لا يقبلها العقل؛ بسبب انشغال المسلمين هنا بالشركيَّات، فماذا نظنُّ حال أولئك؟

نعم يكفي أن تعلم أن في الهند وحدَها أكثر من مائتي مليون بقرة تُعبَدُ من دون الله، بل هناك من يعبد الفئران، بل من يعبد فَرْجَ المرأة أو ذَكَر الرجل، إلى غير ذلك من سَفَهِ العقل وسفاسف الفكر وزبالاته.

فوا أسفاه على أمة التوحيد! وهذا كله يجعل المسؤولية الملقاة على كواهلنا عظيمة أيها الموحدون؛ فإن الله سائلنا عن ذلك كله.

أيها الإخوة، هذه هي رحلة الشرك والبعد عن طريق النور والتوحيد، قد انتشر الشرك انتشارًا رهيبًا كما سمعنا، فكيف ننجو من الشرك؟ هذا هو عنصرنا الرابع والأخير من عناصر اللقاء، نُؤخِّرُه لما بعد جلسة الاستراحة، نسأل الله أن يغفر لنا الشرك كلَّه دِقَّه وجِلَّه، وأن يتوفَّانا على التوحيد.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضلَّ وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد:
لك الحمد والنعماء والملك ربنا
فلا شيء أعلى منك جَدًّا وأمجد

مليك على عرش السماء مهيمن
لعزته تعنو الوجوه وتسجد

عليه حجاب النور والنور حوله
وأنهار نور حوله تتوقد

فلا بشر يسمو إليه بطرفه
ودون حجاب النور خلق مؤيد


أحبتي في الله، كيف ننجو من الشرك؟ والجواب في نقاط محددة:
أولاً: بالاستعانة بالله أولاً، فإن المرء مهما اجتهد في دفع الضر، وجلب الخير لا يحصلُه إلا بعون الله وتوفيقه.
كما قال سبحانه: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].

قال بعض السلف: الفاتحة سرُّ القرآن وسرُّها هذه الكلمة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]؛ فالأول تبرؤٌ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، وتفويض إلى الله عز وجل، وهذا المعنى ورد في غير آية من القرآن كما قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123] ﴿ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ [الملك: 29] ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾ [المزمل: 9].

أقول: ولا يستطيع العبد الإتيان بالأول وهو العبادة إلا بالثاني وهو الاستعانة ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾.
نعم
إذا لم يكن عون من الله للفتى= فأول ما يقضي عليه اجتهاده

فليكن اللجوء والدعاء والتضرع والرجاء إلى رب الأرض والسماء ديدننا أن يجنبنا الشرك كله ولنا في الخليل أسوة: "واجنبني وبني أن نعبدالأصنام ".

ثانيًا: التوبة الشاملة العامة من الشرك كلِّه دقِّه وجلِّه، والاستغفار والانكسار إلى الله تعالى، والعوذ به واللوذ من أن يكون عَلِق بنا شيء من الشرك في الماضي نعلمه أو لا نعلمه.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صباحه ومسائه كلَّ يوم:
((اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئًا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه))[18] فيا لله! الحبيب يستعيذ بالله أن يشرك أو يكون أشرك وهو لا يعلم، ويستغفر من ذلك كله! فما بالنا أيها الإخوة في سكرتنا وغفلتنا نضلُّ! إنه الشرك الذي يجب أن يُخافَ ويُستعاذَ بالله منه كلَّ صباح ومساء.
يا من ألوذ به فيما أؤمله
ومن أعوذ به مما أحاذره

لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره،
ولا يهيضون عظمًا أنت جابره


ثالثًا: يجب علينا أن نتعلم التوحيد، أن نبذل جزءًا من وقتنا لنحصن أنفسنا بتعلم مسائل التوحيد، وأن نتعرف إلى الشرك ومداخله بكل أنواعه وألوانه، فخصِّصْ أخي الحبيب من وقتك جزءًا لتتعلم فيه التوحيد، لا تقل: لا أجد وقتًا، فكم من وقت نضيعه في اللهو واللعب! ولا تقل: لا أعرف، ولا أعلم فإن العلم بالتعلم.

رابعًا: أن نطالع السيرة النبوية، وكذلك حياة الصحابة؛ لنرى كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم قبلُ على الشرك، وكم كانوا في جهالة عمياء وضلالة جهلاء، ومدى السذاجة التي كانوا يتردَّوْن فيها،ثم إن الله منَّ عليهم فنقلهم إلى الهدى ونور الحق؛ ولنعرف قبح الشرك وسوءه، ونطَّلع على وجهه وذكره السيء بله الأسوأ؛ فنعرف قيمة ما نحن عليه من توحيد ربنا.

وصدق الفاروق عمر إذ يقول: "إنما تُنقَضُ عُرى الإسلام عروة عروة؛ إذا نشأ في الإسلام من لا يَعرِفُ الجاهلية".

عرفت الشرَّ لا للشرْ
رِ ولكن لتوقيه

ومن لا يعرفِ الشرَّ
من الخير يقعْ فيه


ومن هذا الباب قول حذيفة رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافةَ أن يدركني..." [19].

فهذا أمر عظيم جدًّا الاهتمام بأمر العقيدة والتوحيد والخوف من الشرك، فمن خاف شيئًا فإنه يهرب منه، ولا يمكن أن يهرب منه إلا إذا عرف من أين يأتيه عدوه ومن أين يدركه!

أسأل الله تعالى أن يجنبنا وإياكم الزلل والخطأ، وأن ينجينا من شرك الشيطان وشركه اللهم آمين.


[1] تفسير الطبري (18 / 270).

[2] تفسير ابن كثير (5 / 273).

[3] أخرجه أحمد (5 / 428 و429)، وأبو محمد الضراب في "ذم الرياء" (277 / 2 /299 / 2)، والبغوي في "شرح السنة" (4 / 201 / 1)، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، وانظر: "السلسلة الصحيحة" 2 / 671.

[4] أخرجه البخاري (5976)، ومسلم (87).

[5] أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89).

[6] أخرجه البخاري 1238، ومسلم 278.

[7] أخرجه مسلم 279.

[8] أخرجه مسلم (2968).

[9] أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (7/2208) وإسناده حسن.

[10] إعانة المستفيد (ص: 96)، مرجع سابق.

[11] محمد إقبال مفكرا إسلاميًّا، للأستاذ محمد الكتاني ص: 35.

[12] شعراء الدعوة (1/ 57) محي الدين عطية

[13]- شعراء الدعوة- ج6 ص: 26 و27.

[14] شعراء الدعوة (2 / 79) قصيدة - وعد بلفور- محمد صيام.

[15] أخرجه البخاري (4920).

[16] أخرجه البخاري (4623)، ومسلم (2856).


[17] أخرجه البخاري (2478، 4287)، ومسلم (1781)

[18] أخرجه أحمد (19606) وابن أبي شيبة 10 / 337 – 338، وهو في صحيح الجامع 3 / 233.

[19] أخرجه البخاري 3606، ومسلم 4890.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 101.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 99.40 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]