|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
حين ترثي اللغة أبناءها!
حين ترثي اللغة أبناءها! علي صالح طمبل قال لي أحدهم مُتفلسِفًا ومتحذلقًا: ♦ اريدك أن تعمل لي تصحيح لَغوي (بفتح اللام). فأجبته مبتسمًا: ♦ يا أخي كلمة لَغوي ذاتها محتاجة لتصحيح؛ لأن الصحيح: "لُغوي (بضم اللام) وليس (لَغوي). ولكن كبريائي في ذلك اليوم اهتزَّ حين التقيت بأحد المختصِّين في اللغة العربية (دكتوراه في اللغة العربية) فأخطأتُ في كلمة، فكان أن قال لي في استنكار - وقد كان يعرف اهتماماتي اللغوية -: ♦ يا زول! فقلت له معتذرًا: ♦عذرًا (زِلة) لسان (بكسر الزاي). فقال لي باستنكار أشدَّ: ♦ زِلة لسان أم (زَلة) لسان؟! فكان أن بُهِتُّ ولم أُحِرْ جوابًا! والحق يقال: إن كثرة الأخطاء اللُّغوية التي تواجهنا في حياتنا اليوميَّة تجعل أعتى جهابِذة اللغة العربية يزهدُ في التصحيح للآخرين؛ من كثرة ما يجد من أخطاء في وسائل الإعلام المختلفة، وعلى لافتات المؤسسات والمحلات التجارية، وعلى ظهر المركبات العامة والخاصة؛ مما يُومِئُ بما لا يدع مجالاً للشك بأن لغتنا تعيشُ غربةً حقيقية بين أبنائها؛ لذا لم يكن مستغرَبًا أن ترثي أبناءها الذين وأدُوها حيَّة - كما قال حافظ إبراهيم في قصيدته المشهورة التي تصوِّر حالةَ العزلة التي تعيشها لغتنا بين ظهرانينا! أخطاء في مخارج الحروف، وأخطاء إملائيَّة، وأخطاء في القواعد يَشيبُ لها الولدان، ولو رأى أساطينُ اللغة العربية من أمثال: سيبويه، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وابن منظور ما وصلت إليه لغتُنا لأُصيبوا بالغثيان، وقدموا استقالتَهم من الاشتغال بفنون اللغة والبيان! صار من الطبيعي أن ترى صاحبَ حافلة يُعلِّق على ظهرها ملصقًا كُتب عليه: (تحزير: وقوف متكرر) بالزاي وليس الذال، وأن تقرأ لافتة لصاحب محل كتب عليها: (رزاز) بالزاي وليس بالذال! ولم نَعد نستغربُ أن نسمع مذيعًا أو مذيعة تعيث في اللغة فسادًا، فتنصب الفاعلَ وتكسر (عنق) المفعول به، وتفتح (النار) على المجرور! إلى غير ذلك من جَمْعِ (التفطيس) و(التهريس)! ومما يثير الامتعاضَ والألم حقًّا أن أحدَ الذين كتبوا عن الأخطاء اللغوية في الصحف طُبع مقاله حافلاً بالأخطاء اللغوية، فكان دليلاً دامغًا على حجم المأساة التي تعيشها لغتنا! كلُّ الأمم التي بلغت من الحضارة شأوًا بعيدًا كان للغة نصيبٌ وافر من اهتماماتها، فتجدُها قد سَعَتْ لإنشاء مراكز البحوث والترجمة والمجامع اللُّغويَّة والكليات والمعاهد التي تعمل على المحافظة على كيان اللغة وتطويرها؛ لتواكب المستجدات العلمية والثقافية؛ أما نحن: فاللغةُ في بلادنا تعاني الأمَرَّين حين رماها أبناؤها المستلبون ثقافيًّا بالعجز عن مواكبة التطوُّر واستيعاب الجديد! الأمة التي لا تعتني بلغتها أمةٌ فاقدة لهُويَّتها، مُسِخت ثقافيًّا، وفقَدَتْ بوصلة الانتماء حين أدارتْ ظهرَها لموروثاتها، والدرر الثمينة التي تَكْتنِزُها لغتُها التي يكفيها شرفًا وتيهًا أن الله اصطفاها من بين سائر اللغات لتكون وعاءً لكلامِه وقرآنه الكريم؛ فهي أمة لم تتقن لغتَها، ولا هي أجادَتْ لغة الآخرين! والله المستعان.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |