الأحكام الفقهية من القصص القرآنية - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28440 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60061 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 842 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #71  
قديم 15-11-2022, 10:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (71)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة داود وسليمان -عليهما السلام
- حكم صلاة الضحى


قال -تعالى-: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ. إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} (سورة ص: 17-18)، قال الشيخ ابن سعدي: «لما أمر اللّه رسوله بالصبر على قومه، أمره أن يستعين على الصبر بالعبادة للّه وحده، ويتذكر حال العابدين، ومن أعظم العابدين، نبي اللّه داود عليه الصلاة والسلام {ذَا الْأَيْدِ} أي: القوة العظيمة على عبادة اللّه -تعالى-، في بدنه وقلبه {إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: رجَّاع إلى اللّه في جميع الأمور بالإنابة إليه. ومن شدة إنابته لربه وعبادته، أن سخر اللّه الجبال معه، تسبح معه بحمد ربها {بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} أول النهار وآخره»، فمن المسائل المستفادة من الآية الكريمة (حكم صلاة الضحى)
قال ابن العربي في قوله -تعالى-: (العشيّ والإشراق): «والأصح ها هنا أنها صلاة الضحى والعصر».
تعريف صلاة الضحى
الضحى يطلق على الوقت ما بين ارتفاع الشمس إلى زوالها، وصلاة الضحى: الصلاة التي تؤدى في هذا الوقت تطوعا. فعن عبد الله بن الحارث: «أن ابن عباس كان لا يصلي الضحى. قال: فأدخلته على أم هانئ، فقلت: أخبري هذا بما أخبرتني به فقالت أم هانئ: دخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح في بيتي، فأمر بماء، فصب في قصعة، ثم أمر بثوب، فأخذ بيني وبينه، فاغتسل، ثم رش ناحية البيت، فصلى ثمان ركعات، وذلك من الضحى، قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء، قريب بعضهن من بعض. فخرج ابن عباس وهو يقول: لقد قرأت ما بين اللوحين، ما عرفت صلاة الضحى إلا الآن: {يسبحن بالعشي والإشراق}، وكنت أقول: أين صلاة الإشراق؟ ثم قال بعد: هن صلاة الإشراق «. أخرجه الطبري في تفسيره. والإشراق: طلوع الشمس، وقد ذهب عامة العلماء إلى أن الإشراق والضحى صلاة واحدة، خلافا للغزالي الذي ذهب في الإحياء إلى إنَّ صلاة الإشراق غير الضحى فهي صلاة ركعتين عند ارتفاعِ الشمس. ويؤيد الأول حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى صلاة الصبح في جماعة، ثم ثبت فيه حتى يسبح لله سبحة الضحى؛ كان له كأجر حاج ومعتمر تاماً حجه وعمرته «. أخرجه الطبراني وحسنه الألباني. ويوضحه رواية: «ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين» الحديث أخرجه الطبراني. وصححه الألباني، فظاهر الحديثين أن صلاة الإشراق هي صلاة الضحى.
حكم صلاة الضحى
جاء بعض الآثار عن بعض الصحابة ظاهرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل الضحى، مما قد يفهم منه أنها غير مشروعة، فقد أخرج الشيخان عَنْ مُوَرِّقٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَر: أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ: لاَ إِخَالُهُ. (أَيْ لَا أَظُنهُ). وأخرج البخاري عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ الضُّحَى فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صلَاتهم فَقَالَ: بِدعَة. وعن عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا». متفق عليه، وأخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعَائِشَةَ: هل كان النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى؟ قالت: «لا، إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ»، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ رَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ الضُّحَى فَقَالَ: مَا صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا عَامَّةُ أَصْحَابِهِ.
قول ابن حجر
أجاب ابن حجر عن هذا فقال: «وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ فِي أَحَادِيث ابن عُمَرَ هَذِهِ مَا يَدْفَعُ مَشْرُوعِيَّةَ صَلَاةِ الضُّحَى؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِ لَا عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي نَفْسِ الْأَمْر،ِ أَوِ الَّذِي نَفَاهُ صِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ. قَالَ عِيَاضٌ وَغَيره: إِنَّمَا أنكر ابن عُمَرَ مُلَازَمَتَهَا وَإِظْهَارَهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَصَلَاتَهَا جَمَاعَةً، لَا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابن أبي شيبَة عَن ابن مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَهَا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَفِي بُيُوتِكُمْ».
أثر عائشة -رضي الله عنها
وأما الأثر عن عائشة فأجاب عنه النووي بقوله: «إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّيهَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ لِفَضْلِهَا وَيَتْرُكُهَا فِي بَعْضِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ كَمَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ، وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا: «مَا كَانَ يُصَلِّيهَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ» عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا رَأَيْتُهُ، كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى» وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَا كَانَ يَكُونُ عِنْدَ عَائِشَةَ فِي وَقْتِ الضُّحَى إِلَّا فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُسَافِرًا وَقَدْ يَكُونُ حَاضِرًا وَلَكِنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِذَا كَانَ عِنْدَ نِسَائِهِ فَإِنَّمَا كَانَ لَهَا يَوْمٌ مِنْ تِسْعَةٍ، فَيَصِحُّ قَوْلُهَا: «مَا رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهَا» وَتَكُونُ قَدْ عَلِمَتْ بِخَبَرِهِ أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا، أَوْ يُقَالُ: قَوْلُهَا: «مَا كَانَ يُصَلِّيهَا» أَيْ: مَا يُدَاوِمُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ نَفْيًا لِلْمُدَاوَمَةِ لَا لِأَصْلِهَا».
صلاة الضحى سنة مؤكدة
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن صلاة الضحى سنة مؤكدة لما جاء فيها من أحاديث كثيرة تحث على فعلها والمحافظة عليها، منها: عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى». أخرجه مسلم قال النووي: «وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ فَضْلِ الضُّحَى وَكَبِيرِ مَوْقِعِهَا وَأَنَّهَا تَصِحُّ رَكْعَتَيْن». وأخرج الشيخان عن أبي هريرة أنه قال: «أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت؛ صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر». قال ابن حجر: «وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى، وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ، وَعَدَمُ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى فِعْلِهَا لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَهَا؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ بِدَلَالَةِ الْقَوْلِ». وأفضل وقت لصلاة الضحى ما ذكره زيد بن أرقم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» أخرجه مسلم قال النووي: «أَيْ: حِينَ يَحْتَرِقُ أَخْفَافُ الْفِصَالِ وَهِيَ الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ الْإِبِلِ جَمْعُ فَصِيلٍ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الرَّمْلِ، وَالْأَوَّابُ: الْمُطِيعُ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ هَذَا الْوَقْتَ قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ أَفْضَلُ وَقْتِ صَلَاةِ الضُّحَى، وَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ».
عدد ركعات صلاة الضحى
لا خلاف أن أقلها ركعتان لقوله: «ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى». ويجوز أن تصلى أربع ركعات؛ للحديث القدسي قال -تعالى-: «يا ابن آدم! لا تعجزني من أربع ركعات من أول النهار؛ أكفك آخره». أخرجه الترمذي وصححه الألباني
ويمكن أن تصلى ست ركعات لحديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الضحى ست ركعات «. أخرجه الترمذي في «الشمائل وصححه الألبانيويدل حديث أم هانئ المتقدم على جواز صلاة ثمان ركعات. ويدل حديث أبي الدرداء على أنها اثنتا عشرة ركعة فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى الضحى ركعتين؛ لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعاً؛ كتب من العابدين، ومن صلى ستاً؛ كفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانياً كتبه الله من القانتين، ومن صلى ثنتي عشرة ركعة، بنى الله له بيتاً في الجنة، وما من يوم ولا ليلة إلا لله من يمن به على عباده صدقة، وما من الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره». أخرجه الطبراني.وحسنه الألباني. وذهب الطبري وابن العربي وابن عثيمين إلى أنه لا حد لأكثرها لحديث عائشة عند مسلم: «كان يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء الله»، قال ابن حجر: «وهذا الإطلاق قد يحمل على التقييد فيؤكد أن أكثرها اثنتا عشرة ركعة».

د.وليد خالد الربيع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #72  
قديم 15-11-2022, 10:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (72)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة داود وسليمان -عليهما السلام
- جواز



قال -تعالى-:{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص:21-24)
تناول الشيخ ابن سعدي بالبيان مناسبة هذه الآيات لما تقدم من فضائل داود -عليه السلام- فقال: «لما ذكر -تعالى- أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس، وكان معروفا بذلك مقصودا، ذكر -تعالى- نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما اللّه فتنة لداود، وموعظة لخلل ارتكبه، فتاب اللّه عليه، وغفر له، وقيض له هذه القضية».
وقد أطال بعض المفسرين في ذكر هذه الخصومة وما فيها من اختلاف المفسرين، والأظهر في هذا عدم الخوض في التفاصيل؛ حيث لا دليل نقلي صحيح عليها، قال ابن كثير: «قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد - وإن كان من الصالحين - لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة؛ فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يرد علمها إلى الله -عز وجل-؛ فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضا».
وقال الشنقيطي: «اعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة مما لا يليق بمنصب داود عليه وعلى نبيينا الصلاة والسلام، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معوّل عليه، وما جاء منه مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصح منه شيء».
والآيات الكريمة فيها جملة من الفوائد الفقهية منها:
- جواز إطلاق لفظ (الأخ) على غير الأخ النسبي:

قال ابن مسعود في قوله -تعالى-: {إن هذا أخي} أي: على ديني، وعلل الشيخ ابن سعدي استعمال هذا اللفظ فقال: «نص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره».
ومعلوم أن الله -تعالى- قطع الأخوة الإيمانية بين المسلم وغير المسلم وقصرها على المسلمين فقال -سبحانه-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)
قال القرطبي: «{إخوة} أي: في الدين والحرمة لا في النسب؛ ولهذا قيل: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب؛ فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم».
وقد جاءت آيات تدل في ظاهرها على جواز إطلاق لفظ (الأخ) على غير المسلم إذا كان من جهة النسب أو الانتماء إلى ذات القبيلة كما قال -تعالى-: {وإلى عاد أخاهم هودا} وقال: {وإلى ثمود أخاهم صالحا} وقال: {وإلى مدين أخاهم شعيبا}.
قال القرطبي مبينا وجه جواز الإطلاق بأنه مقيد بسبب غير الدين: «قال ابن عباس: أي: ابن أبيهم. وقيل: أخاهم من القبيلة. وقيل: أي: بشرا من بني أبيهم آدم».
وقال أيضا في تفسير قوله -تعالى-: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ} (الشعراء: 106): «أي: ابن أبيهم، وهي أخوة نسب لا أخوة دين وقيل: هي أخوة المجانسة».
وقال ابن حجر عند قول البخاري باب قول الله -تعالى-: وإلى عاد أخاهم هودا): «وسماه أخا لكونه من قبيلتهم لا من جهة أخوة الدين».
- جوجواز الشركة أخذا من قوله -تعالى-: {وإن كثيرا من الخلطاء}:

الشركة في اللغة: الاختلاط.
وفي الاصطلاح: هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف
فالاستحقاق: بمعنى أن يكون شيء بين شخصين فأكثر اشتركا فيه باستحقاق، وهذه تسمى شركة الأملاك. كاشتراك الورثة في تملك التركة كما قال -سبحانه-: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (النساء:12)، ومثله اشتراك الموصى لهم في تملك الموصى به، بغير كسب منهم ولا عقد.
وأما الاجتماع في تصرف: فهو شركة العقد، وهي أن يتعاقد شخصان في شيء يشتركان فيه.
قال ابن حجر معرفا الشركة بأنها: «ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدا من الاختلاط لتحصيل الربح، وقد تحصل بغير قصد كالإرث».
والشركة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:

فمن الكتاب قوله -تعالى-: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} قال طاووس وعطاء: «لا يكون الخلطاء إلا الشركاء»، وقال الطبري: «يقول: وإن كثيرا من الشركاء ليتعدَّى بعضهم على بعض».
قال الشيخ ابن عثيمين مبينا دليلا آخر على مشروعية الشركة: «قال الله -تعالى-: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} (الكهف:19) فأضاف الوَرِق إليهم جميعاً، وهذا لا شك أنه اشتراك في تصرف؛ لأن الظاهر أنهم ليسوا ورثة ورثوا هذه الدراهم».
وقال -تعالى-: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} (الروم:28) قال القرطبي: «قال بعض العلماء: هذه الآية أصل في الشركة بين المخلوقين لافتقار بعضهم إلى بعض».
ومن السنة المطهرة حديث أبي هريرة قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله -تعالى-: أنا ثالث الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما» رواه أبو داود.
جواز أنواع الشركات كلها

قال الشيخ ابن سعدي: «يدل هذا الحديث بعمومه على جواز أنواع الشركات كلها: شركة العنان، والأبدان، والوجوه، والمضاربة، والمفاوضة وغيرها من أنواع الشركات التي يتفق عليها المتشاركان، ومن منع شيئاً منها فعليه الدليل الدال على المنع، وإلا فالأصل الجواز، لهذا الحديث، وشموله، ولأن الأصل الجواز في كل المعاملات».
وأخرج أحمد عن أبى المنهال: «أن زيد بن أرقم والبراء بن عازب كانا شريكين، فاشتريا فضة بنقد ونسيئة، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرهما أن ما كان بنقد فأجيزوه وما كان بنسيئة فردوه «ورواه البخاري بلفظ قريب منه.
قال ابن قدامة: «وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة».


د.وليد خالد الربيع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #73  
قديم 15-11-2022, 10:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية


الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (73)
- الفوائد الفقهية المستفادة من قوله -تعالى-: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأ




لا نزال مع الفوائد الفقهية المستفادة من قوله -تعالى-:{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} (سورة ص:21) والآيات التي بعدها، وهي: جواز الشكوى من الخصم عند المفتي أو القاضي، والمساواة بين الخصوم في مجلس القضاء.
1- جواز الشكوى من الخصم عند المفتي أو القاضي
الأصل حفظ اللسان عن قول السوء إلا في أضيق الحدود وللحاجة؛ لقوله -سبحانه-: {لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ} (سورة النساء:148)، قال ابن عباس: «يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: (إلا من ظلم) وإن صبر فهو خير له».
قال الشيخ ابن سعدي: «يخبر -تعالى- أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك؛ فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله.
قوله -تعالى-: {إِلَّا مَن ظُلِمَ}
وقوله -تعالى-: {إِلَّا مَن ظُلِمَ} أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعـدم مقابلته أولى، كما قـال -تعالى-: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (سورةالشورى:40). فالآية تدل على جواز الشكوى من الخصم والتصريح بالمظلمة، قال الشيخ ابن سعدي -في بيان فوائد الآية-: «ومنها جواز قول المظلوم لمن ظلمه: «أنت ظلمتني» أو «يا ظالم» أو «باغ علي» ونحو ذلك لقولهما: {خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ}».
وفي الحديث عن الشريد بن سويد قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليُّ الواجدِ يحلُّ عرضَهُ وعقوبتَهُ» قالَ ابنُ المبارَكِ: «يحلُّ عرضَهُ: يغلَّظُ لَهُ، وعقوبتَهُ: يحبسُ لَهُ». أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.
وذكر البخاري عن سفيان أنه شرح الحديث فقال: «عرضه: يقول: مطلتني، وعقوبته: الحبس». وقد بيـّن النووي مواضع تجوز فيها الغيبة، وذكر أدلة جواز ذلك فقال: «اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب، الأول منها: التظلم: فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول: ظلمني فلان بكذا».
2- المساواة بين الخصوم في مجلس القضاء
من أصول القضاء في الفقه الإسلامي التسوية بين الخصمين، ووجوب العدل بينهما في كل ما يمكن التسوية فيه، كالنظر ولين الكلام والبشاشة والاهتمام ومزيد الإصغاء، ولا يكلم أحدهما بلغة لا يفهمها الآخر، وغير ذلك من أوجه المساواة.
والتسوية ضرورية لحسن التقاضي؛ لأنها تبعث على الطمأنينة، وأن يقدم كل من الخصمين ما عنده دون خوف؛ مما يساعد على إظهار الحق، ولهذا وصى عمر أبا موسى -رضي الله عنهما- بقوله: «آس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك».
وقال ابن القيم: «نهى عن رفع أحد الخصمين عن الآخر، وعن الإقبال عليه، وعن مشاورته، والقيام له دون خصمه، لئلا يكون ذريعة إلى انكسار قلب الآخر، وضعفه عن القيام بحجته، وثقل لسانه بها».
من أوجه العدل بين الخصوم
ومن أوجه العدل بين الخصوم منح كل طرف فرصة ليدلي بحجته، والرد على حجة خصمه، ولو طلب وقتا لإعداد ذلك فيجاب طلبه، مع مراعاة المدة المناسبة والتنبه لحيل الخصوم للتهرب من القضاء؛ لقول عمر - رضي الله عنه -: «ومن ادعى حقا غائبا فاضرب له أمدا ينتهي إليه، فإن بينه أعطيته بحقه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك أبلغ في العذر وأجلى للعمى».
وفي الآية الكريمة يظهر أن داود -عليه السلام- حكم للمدعي قبل أن يسمع من الطرف الآخر، قال القرطبي: «قوله -تعالى-: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} قال النحاس: فيقال إن هذه كانت خطيئة داود -عليه السلام-؛ لأنه قال: «لقد ظلمك» من غير تثبت ببينة، ولا إقرار من الخصم، هل كان هذا كذا أو لم يكن».
محاولة توجيه الآية بما يتفق مع قواعد العدل
وقد حاول بعض العلماء توجيه الآية بما يتفق مع قواعد العدل، فقالوا: «وإنما تقدير الكلام: أن أحد الخصمين ادعى والآخر سلم في الدعوى، فوقعت بعد ذلك الفتوى. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر»، وقيل: إن داود لم يقض للآخر حتى اعترف صاحبه بذلك. وقيل: تقديره: لقد ظلمك إن كان كذلك.
تأويلات لا دليل عليها
لكن هذه التأويلات لا دليل عليها، ونقل القرطبي عن الحليمي أنه حمل الآية على ظاهرها فقال: «أخبر الله -عز وجل- عن داود -عليه السلام- أنه سمع قول المتظلم من الخصمين، ولم يخبر عنه أنه سأل الآخر، إنما حكى أنه ظلمه، فكان ظاهر ذلك أنه رأى في المتكلم مخائل الضعف والهضيمة، فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول، ودعاه ذلك إلى ألا يسأل الخصم، فقال له مستعجلا: لقد ظلمك مع إمكان أنه لو سأله لكان يقول: كانت لي مائة نعجة ولا شيء لهذا، فسرق مني هذه النعجة، فلما وجدتها عنده قلت له ارددها، وما قلت له أكفلنيها، وعلم أني مرافعه إليك، فجرني قبل أن أجره، وجاءك متظلما من قبل أن أحضره، لتظن أنه هو المحق وأني أنا الظالم. ولما تكلم داود بما حملته العجلة عليه، علم أن الله -عز وجل- خلاه ونفسه في ذلك الوقت، وهو الفتنة التي ذكرناها، وأن ذلك لم يكن إلا عن تقصير منه، فاستغفر ربه وخر راكعا لله -تعالى- شكرا على أن عصمه، بأن اقتصر على تظليم المشكو، ولم يزده على ذلك شيئا من انتهار أو ضرب أو غيرهما، مما يليق بمن تصور في القلب أنه ظالم، فغفر الله له ثم أقبل عليه يعاتبه».
من فوائد القصة
قال الشيخ ابن عثيمين: «من الفوائد في القصة: أن داود -عليه السلام- حكم بينهم دون أن يسمع دفاع الخصم الآخر، ولعل داود -عليه السلام- أراد السرعة في إنهاء القضية ليتفرغ لما احتجب له عن الناس من عبادة الله».
قال -رحمه الله-: «ومن فوائدها أن الحاكم لا يحكم حتى يستوعب حجج الخصمين لقوله:{وظن داود أنما فتناه}».
ومما يجب على القاضي، ألا يحكم بين خصمين حتى يسمع كلامهما جميعاً، فعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا تقاضى إليك رجلان، فلا تقض للأول، حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي»، قال علي: فما زلت قاضياً بعد». أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.



د.وليد خالد الربيع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #74  
قديم 20-11-2022, 01:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (74)
- الفوائد الفقهية المستفادة من قوله -تعالى-: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَن




لا نزال مع قوله -تعالى-: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (سورة ص:24)، قال الشيخ ابن سعدي: «{وَظَنَّ دَاوُدُ} حين حكم بينهما {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} أي: اختبرناه ودبرنا عليه هذه القضية ليتنبه {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} لما صدر منه، {وَخَرَّ رَاكِعًا} أي: ساجدا {وَأَنَابَ} للّه -تعالى- بالتوبة النصوح والعبادة».
والمراد بالركوع المذكور في الآية (السجود)، قال القرطبي: «أي خر ساجدا، وقد يعبر عن السجود بالركوع.
قال الشاعر :
فخر على وجهه راكعا
وتاب إلى الله من كل ذنب
قال ابن العربي: «لا خلاف بين العلماء أن المراد بالركوع هاهنا السجود، فإن السجود هو الميل، والركوع هو الانحناء، وأحدهما يدخل على الآخر، ولكنه قد يختص كل واحد بهيئته، ثم جاء هذا على تسمية أحدهما بالآخر، فسمي السجود ركوعا».
سجود التلاوة
وسجود التلاوة: هو السجود الذي يؤدى عند قراءة آية من آيات السجدة.
واتفق الفقهاء على أن سجود التلاوة مشروع، وذهب الجمهور إلى أن سجود التلاوة سنة مؤكدة، ودليلهم:
1- عن زيد بن ثابت قال: قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - (والنجم) فلم يسجد فيها متفق عليه، فلم ينكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أمره بالسجود، فدل على عدم الوجوب.
2- روى البخاري عن عمر أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد، فسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: «يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه»، ولم يسجد عمر - رضي الله عنه - وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروا عليه.
مواضع السجود في القرآن الكريم
وأما مواضع السجود في القرآن الكريم، فقد اتفق الفقهاء على عشرة مواضع يشرع فيها سجود التلاوة، وهي في السور الآتية : (الأعراف الرعد النحل الإسراء مريم الحج في قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ} النمل الفرقان السجدة فصلت).
واختلفوا في مواضع:
الموضع الأول: سجدة سورة الحج الثانية
وهي قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} على مذهبين:
المذهب الأول: ليست من عزائم السجود، وهو قول أبي حنيفة والمالكية، ودليلهم:
أنه جمع فيها بين الركوع والسجود فلم تكن سجدة كقوله لمريم -عليها السلام-: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (سورة آل عمران:43)
المذهب الثاني: هي من عزائم السجود، وهو قول الجمهور، ودليلهم: عن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان. أخرجه أبو داود وابن ماجه.
وهو الأظهر لقوة دليله ولأنه قول جمع من الصحابة كعمر وعليّ وابن عمر قال ابن قدامة: «ولا نعرف لهم مخالفا في عصرهم»، وأما دليل المذهب الأول فيرد عليه أن ذكر الركوع مع السجود لا يقتضي ترك السجود كما ذكر البكاء مع السجود في قوله: {خروا سجدا وبكيا}.
الموضع الثاني: سجدة سورة
وقد اختلف الفقهاء في سجدة سورة هل هي من مواضع سجود التلاوة أم لا؟ على مذهبين:
المذهب الأول: هي ليست من عزائم السجود، وهو قول الشافعية والحنابلة، ودليلهم: أنها سجدة شكر، وليست تلاوة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «سجدها داود توبة ونسجدها شكرا» أخرجه النسائي وصححه الألباني.
المذهب الثاني: هي من عزائم السجود، وهو قول الحنفية والمالكية، ودليلهم: عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها. روَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قال الصنعاني: «أي: ليست مما ورد في السجود فيها أمر ولا تحريض ولا تخصيص ولا حث، وإنما ورد بصيغة الإخبار عن داود -عليه السلام- بأنه فعلها، وسجد نبينا - صلى الله عليه وسلم - فيها اقتداء به لقوله -تعالى-: {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ}(سورة الأنعام:90)».
ونقل البخاري عن مجاهد قال: سألت ابن عباس: من أين سجدت؟ فقال: أوما تقرأ: {ومن ذريته داود وسليمان}؟ ( الأنعام : 84 ) إلى قوله: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} ( الأنعام : 90) فكان داود -عليه السلام- ممن أمر نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي به فسجدها داود -عليه السلام- فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم ».
وأخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزَّن الناس للسجود، فقال: «إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم» فنزل وسجد وسجدوا. وصححه الألباني
وهو الأظهر لقوة دليله، ولأنه ثبت عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قرأ في الصلاة فسجد وسجد الناس معه وكان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد، ولو لم يكن مشروعا لما جاز إدخالها في الصلاة.
الموضع الثالث: سجدات المفصل
سجدات المفصل، وهي آخر سورة النجم، وسورة الانشقاق، وسورة العلق، وقد اختلف الفقهاء فيها على مذهبين:
المذهب الأول: هي من عزائم السجود، وهو قول الجمهور ودليلهم:
1- عن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان. أخرجه أبو داود وابن ماجه.
2- عن أبي هريرة قال: «سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في (إذا السماء انشقت) و(اقرأ باسم ربك)» رواه مسلم.
3-عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم فسجد بها، وما بقي أحد من القوم إلا سجد «متفق عليه
المذهب الثاني: لا سجود في شيء من المفصل، وهو قول المالكية في المشهور ودليلهم:
1- عن زيد قال: قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم فلم يسجد.
2- عن أبي الدرداء قال: سجدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء. رواه ابن ماجه.
والأول أظهر لقوة دليله أما حديث زيد فقد يكون تركه لعدم وجوبه لا لأنه ليس موضع سجود، قال أبو داود: “كان زيد الإمام فلم يسجد فيها». ومعلوم أن المستمع إنما يسجد إذا سجد من يقرأ القرآن. وقد تقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها، أما حديث أبي الدرداء فهو ضعيف.


د.وليد خالد الربيع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #75  
قديم 20-11-2022, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (75)
- الأحكام المستفادة من قصة داود وسليمان -عليهما السلام - الحكم بال






قال -تعالى-: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب} (سورة ص:26)، تقدم في الآيات السابقة أن الله -تعالى- اختبر داود -عليه السلام- في تلك القضية ليتنبه لما صدر منه، وأنه -عليه السلام- خَرَّ ساجدا وَأَنَابَ للّه -تعالى- بالتوبة النصوح والعبادة، ثم أرشده -سبحانه- والمكلفين من بعده إلى أساس العدل وهو الحكم بالحق واجتناب الهوى وحظوظ النفس.
قال ابن كثير:» هذه وصية من الله -عز وجل- لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده -تبارك وتعالى-، ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيله، وقد توعد الله -تعالى- من ضل عن سبيله، وتناسى يوم الحساب، بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد».
الأمور التي يتحقق بها العدل
وبيّن الشيخ ابن سعدي أن العدل يتحقق بأمور منها: العلم بالواجب، والعلم بالواقع، والقدرة على تنفيذ الحق.
وقد يطرأ على ذهن شخص شبهة وهي: هل يمكن أن يحكم نبي بالهوى؟ والجواب كما قال الشنقيطي: «ومعلوم أن نبي الله داود لا يحكم بغير الحق، ولا يتبع الهوى فيضله عن سبيل الله، ولكن الله -تعالى- يأمر أنبياءه -عليهم الصلاة والسلام- وينهاهم ليشرع لأممهم».
وقال -أيضا مؤكدًا هذه القاعدة-: «من أصرح الأدلة القرآنية الدالة على أن النبي يخاطب بخطاب والمراد بذلك الخطاب غيره يقينا قوله -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} الآية (سورة الإسراء:23) ومن المعلوم أن أباه - صلى الله عليه وسلم - توفي قبل ولادته، وأن أمه ماتت وهو صغير. فتبين أن أمره -تعالى- لنبيه ونهيه له إنما يراد به التشريع على لسانه لأمته».
شروط تولي القضاء
وأبرز من يحكم بين الناس هم القضاة؛ لذا يشترط في القاضي شروط تضمن جدارته لهذا المنصب الخطير؛ فيشترط: الإسلام، والبلوغ والعقل، والحرية، والعدالة، والذكورة، والعلم، وسلامة الحواس؛ وذلك ليحصل له معرفة الحق الحكم به مع القدرة على تنفيذه؛ ولهذا قال عمر: «فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له».
وقد أثار القرطبي مسألة فقهية أخذها من الآية الكريمة تتعلق بعلم القاضي فقال:» هذه الآية تمنع من حكم الحاكم بعلمه؛ لأن الحكام لو مكنوا أن يحكموا بعلمهم لم يشأ أحدهم إذا أراد أن يحفظ وليه ويهلك عدوه إلا ادعى علمه فيما حكم به».
نوعان من العلم
تقدم أنه يشترط في القاضي نوعان من العلم: العلم بالأحكام الشرعية، والعلم بحقيقة الواقعة، وهو المراد هنا، وهو نوعان:
الأول: القاضي يحكم بموجب علمه
إذا علم القاضي بحقيقة الواقعة في مجلس القضاء من خلال الحجج القضائية كالبينات التي يقيمها المدعي، أو إقرار المدعى عليه، أو حلفه اليمين مع إنكاره، ونحو ذلك فإن القاضي يحكم بموجب علمه؛ لأن هذا علم مستند إلى أدلة وحجج معتبرة ليست من عنده، ولا يتهم في حكمه إذا استند إليها.
الثاني: علم القاضي بغير حجج قضائية
إذا علم القاضي بحقيقة الواقعة بغير الحجج القضائية، كما لو سمع شخصًا يطلق امرأته ثلاثا خارج مجلس القضاء، أو رأى القاضي شخصًا أتلف مال شخص خارج القضاء ثم رفعت الدعوى إليه فهل يحكم بالطلاق إذا طلبت الزوجة ذلك؟ ويحكم بالضمان على المتلف؟ استنادا إلى علمه فقط دون الحجج القضائية، هنا اختلف الفقهاء:
المذهب الأول: يقضي القاضي بعلمه
وهو مذهب الظاهرية والصاحبين والشافعية في الأظهر ورواية عن أحمد، ومما استدلوا به:
1- قوله -تعالى-: {كونوا قوامين بالقسط}(سورة النساء:135)، وليس من القسط أن يترك الظالم على ظلمه لا يغيره وهو عالم بظلمه، وأن يعلم طلاق المرأة ويترك مطلقها يعاشرها.
2- قوله - صلى الله عليه وسلم - لهند زوجة أبي سفيان: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» متفق عليه، فقضى لها بناء على علمه بشح أبي سفيان دون أن يطلب بينة أو إقراره بذلك.
وأجيب عن هذا الاستدلال:
1- بأن الآية في حق الشهود، فهم مأمورون بالقسط في الشهادة، ولو قلنا بالعموم فهي مخصوصة في حق القاضي؛ لأن الأدلة تلزمه القضاء بالحجج.
2- أما قصة هند كانت إفتاء وليست قضاء؛ لأن أبا سفيان كان حاضرا في البلد ولم يستدعه النبي - صلى الله عليه وسلم - لسماع أقواله ومعلوم أنه لا يجوز الحكم على الغائب في البلد حتى يعلن.
المذهب الثاني: لا يقضي بعلمه
وهو مذهب المالكية والحنابلة والمتأخرين من الحنفية وقول للشافعية، ومما استدلوا به:
1- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ» الحديث أخرجه البخاري، فدل على أنه يقضي بما يسمع لا بما يعلم.
2- في قصة اختصام الأشعث بن قيس مع رجل في بئر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «شاهداك أو يمينه» متفق عليه، وفي رواية مسلم:» ليس لك إلا ذاك»، فحصر الحجة في البينة واليمين دون علم الحاكم.
3- استدلوا بآثار عن الصحابة منها قول أبي بكر: «لو رأيت رجلا على حد من حدود الله لم أحده حتى يكون معي غيري» أخرجه البيهقي. أي: لم أعاقبه بعقوبة الحد حتى تقوم البينة عندي.
وتداعى رجلان عند عمر فقال له أحدهما: أنت شاهدي. فقال عمر: «إن شئتما شهدت ولم أحكم، أو أحكم ولا أشهد»، وهو القول الأظهر سدا للذريعة أمام قضاة السوء من الحكم على البريء بغير حجة، ونقل الشوكاني عن الكرابيسي أنه قال: «لا يقضي القاضي بما علم لوجود التهمة؛ إذ لا يؤمن على التقي أن تتطرق إليه التهمة» وقال: «ويلزم من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه مطلقا أنه لو عمد إلى رجل مستور لم يعهد منه فجور قط أن يرجمه ويدعي أنه رآه يزني، أو يفرق بينه وبين زوجته ويزعم أنه سمعه يطلقها، فإن هذا الباب لو فتح لوجد كل قاض السبيل إلى قتل عدوه وتفسيقه والتفريق بينه وبين من يحب، ومن ثم قال الشافعي: لولا قضاة السوء لقلت إن للحاكم أن يحكم بعلمه».
قال ابن القيم: «ولقد كان سيد الحكام -صلوات الله وسلامه عليه- يعلم من المنافقين ما يبيح دماءهم وأموالهم، ويتحقق من ذلك، ولا يحكم فيهم بعلمه مع براءته عند الله وملائكته وعباده المؤمنين من كل تهمة».
وقال ابن عثيمين:» لو فتح الحكم للقاضي بعلمه لفسدت أحوال الناس؛ لأنه ليس كل إنسان ثقة، فسدّ الباب هو الأولى، فإذا تحاكم إليّ خصمان وأنا أعلم أن الحق مع المدعي علم اليقين فماذا أعمل؟ أحول القضية إلى قاض آخر وأكون شاهدا».


د.وليد خالد الربيع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #76  
قديم 20-11-2022, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (76)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة أيوب -عليه السلام - حكم تأديب الزوج


قال الله -تعالى-: {وَخُـذْ بِيَدِكَ ضِغْـثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(سورة ص:44)، قال ابن كثير: «يُذكِّر -تعالى- عبده ورسوله أيوب -عليه السلام-، وما كان ابتلاه -تعالى- به من الضر في جسده وماله وولده، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما سوى قلبه، ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه، غير أن زوجته حفظت وده لإيمانها بالله ورسوله، فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحوا من ثماني عشرة سنة».

قال ابن كثير مبينا سبب هذا التوجيه الإلهي لأيوب -عليه السلام-: «وَذَلِكَ أَنَّ أَيُّوب -عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام- كَانَ قَدْ غَضِبَ عَلَى زَوْجَته وَوَجَدَ عَلَيْهَا فِي أَمْر فَعَلَتْهُ، قِيلَ: بَاعَتْ ضَفِيرَتهَا بِخُبْزٍ فَأَطْعَمَتْهُ إِيَّاهُ فَلَامَهَا عَلَى ذَلِكَ وَحَلَفَ إِنْ شَفَاهُ اللَّه -تعالى- لَيَضْرِبَنهَا مِائَة جَلْدَة، وَقِيلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَاب، فَلَمَّا شَفَاهُ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- وَعَافَاهُ مَا كَانَ جَزَاؤُهَا مَعَ هَذِهِ الْخِدْمَة التَّامَّة وَالرَّحْمَة وَالشَّفَقَة وَالْإِحْسَان أَنْ تُقَابَلَ بِالضَّرْبِ، فَأَفْتَاهُ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَأْخُذَ ضِغْثًا وَهُوَ الشِّمْرَاخ فِيهِ مِائَة قَضِيب فَيَضْرِبهَا بِهِ ضَرْبَة وَاحِدَة وَقَدْ بَرَّتْ يَمِينه، وَخَرَجَ مِنْ حِنْثه وَوَفَّى بِنَذْرِهِ، وَهَذَا مِنْ الْفَرَج وَالْمَخْرَج لِمَنْ اِتَّقَى اللَّه -تعالى- وَأَنَابَ إِلَيْهِ».
حكم ضرب الزوج لزوجته
فمعنى قوله -تعالى-: {ضِغْـثًا}: قال اِبْن عَبَّاس: حُزْمَة. وعَنْه قَال: أُمِرَ أَنْ يَأْخُذ ضِغْثًا مِنْ رُطَبَة بِقَدْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَضْرِب بِهِ، وقَالَ عَطَاء: عِيدَانًا رُطَبَة، وقد تضمنت الآية الكريمة مسألة فقهية هي (حكم ضرب الزوج لزوجته): قال القرطبي: «تضمنت هذه الآية جواز ضرب الرجل امرأته تأديبا؛ وذلك لأن امرأة أيوب -عليه السلام- أخطأت فحلف ليضربنها مائة».
أساس العلاقة الزوجية
قال الجصاص: «في هذه الآية دلالة على أن للزوج أن يضرب امرأته تأديبا، لولا ذلك لم يكن لأيوب ليحلف عليها ويضربها، ولما أمره الله -تعالى- بضربها بعد حلفه»، ومعلوم أن العلاقة الزوجية تقوم على المودة والرحمة والمحبة والاحترام، وقيام كل طرف بواجباته قبل المطالبة بحقوقه كما قال -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21).
اتَّقوا اللهَ في النساءِ
وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع موصيا بالنساء خيرا: «اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله، وإنَّ لكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحًدا تكرهونَه، فإنْ فعَلْنَ ذلك فاضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولهنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ» أخرجه مسلم.
حقوق الزوجة المادية والمعنوية
وأرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى حقوق الزوجة المادية والمعنوية في النفقة الزوجية بالمعروف، وترك الإيذاء النفسي بالضرب والتقبيح، فلما سئل: يا رسولَ اللَّهِ نساؤنا ما نأتي منْهنَّ وما نذرُ؟ قالَ: «ائتِ حرثَكَ أنَّى شئتَ، وأطعِمْها إذا طعِمتَ، واكسُها إذا اكتسيتَ، ولا تقبِّحِ الوجْهَ ولا تضرِبْ». أخرجه أبو داود وصححه الألباني، وقال -تعالى- مبينا حق الزوج على زوجته بالقوامة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم} ثم أثنى -سبحانه- على الزوجات الصالحات بأنهن مطيعات لأزواجهن بالمعروف فقال -سبحانه-: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (النساء:34)، قال ابن عباس: (قانتات): مطيعات لأزواجهن، و(حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ) قال السدي وغيره: أي: تحفظ زوجها في غيبته في نفسها، وماله.
وعن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت» أخرجه ابن حبان وصححه الألباني. والأدلة كثيرة في بيان حقوق الزوجين وواجباتهما.
سبل علاج سوء خلق الزوجة
وبيّن القرآن الكريم أن بعض المؤمنات قد تتعالى على زوجها وتسوء أخلاقها معه فأرشد إلى سبل العلاج في قوله -تعالى-: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء:34)، قال ابن عباس: «تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره».
وقد اتفق الفقهاء على أن للزوج تأديب زوجته إذا نشزت، وهذا التأديب على الترتيب كما قال القرطبي: «أَمَرَ اللَّه أَنْ يَبْدَأ النِّسَاء بِالْمَوْعِظَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْهِجْرَانِ، فَإِنْ لَمْ يَنْجَعَا فَالضَّرْب، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُصْلِحُهَا لَهُ وَيَحْمِلهَا عَلَى تَوْفِيَة حَقّه».
قال ابن عباس مبينا الخطوة الأولى: «عظوهن بكتاب الله. قال: أمره الله إذا نشزت أن يعظها ويذكرها الله ويعظم حقه عليها».
وقال عن الخطوة الثانية إذا لم تنفع الأولى: «الهجران أن يكون الرجل وامرأته على فراش واحد لا يجامعها».
وقال عن الخطوة الثالثة: «تهجرها في المضجع فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح، ولا تكسر لها عظما».
تجنب الضرب أفضل
ومع أن الضرب وسيلة علاجية مشروعة إلا أن تجنبه أفضل قدر الإمكان، قال الشافعي: «الضرب مباح وتركه أفضل» قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاء اللَّه» فَجَاءَ عُمَر إِلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ذَئِرَتْ النِّسَاء عَلَى أَزْوَاجهنَّ فَرَخَّصَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي ضَرْبهنَّ فَأَطَافَ بِآلِ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نِسَاء كَثِير يَشْتَكِينَ أَزْوَاجهنَّ فَقَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ أَطَافَ بِآلِ مُحَمَّد نِسَاء كَثِير يَشْتَكِينَ مِنْ أَزْوَاجهنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ». أخرجه أَبُو دَاوُد وحسنه الألباني.
الضرب مقيد كما وكيفًا
وقد ذكر الفقهاء أن هذا الضرب مقيد من حيث الكيفية والكمية:
قال القرطبي: «فَالضَّرْب فِي هَذِهِ الْآيَة هُوَ ضَرْب الْأَدَب غَيْر الْمُبَرِّح، وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْسِر عَظْمًا، وَلَا يَشِين جَارِحَة كَاللَّكْزَةِ وَنَحْوهَا؛ فَإِنَّ الْمَقْصُود مِنْهُ الصَّلَاح لَا غَيْر، فَلَا جَرَمَ إِذَا أَدَّى إِلَى الْهَلَاك وَجَبَ الضَّمَان، كما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح»، قَالَ عَطَاء: قُلْت لِابْنِ عَبَّاس: مَا الضَّرْب غَيْر الْمُبَرِّح؟ قَالَ بِالسِّوَاكِ وَنَحْوه».
وقال الخلال: سألت أحمد قال: «غير الشديد».
وعلى الزوج أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تضرب الوجه ولا تقبح».
وأما الكمية فلا يزيد على عشر ضربات لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله». أخرجه مسلم.
التحذير من ظلم الزوجات
وقد حذرنا الله -تعالى- من الظلم للزوجات أو التعسف في استعمال هذا الحق فختم الآية بقوله: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء:34)، قال القرطبي مبينا مناسبة ختام الآية أن فيها «إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب، أي: إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله؛ فيده بالقدرة فوق كل يد. فلا يستعلي أحد على امرأته؛ فالله بالمرصاد».


د.وليد خالد الربيع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #77  
قديم 20-12-2022, 10:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (77)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة أيوب عليه السلام «حكم الحيل وأنواعها




لا نزال مع قوله -تعالى-: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (سورة ص:44)، من المسائل الفقهية المستفادة من الآية الكريمة مسألة (حكم الحيل وأنواعها)، قال الجصاص: «وفيها أي الآية دليل على جواز الحيلة في التوصل إلى ما يجوز فعله، ومنع المكروه بها عن نفسه وعن غيره؛ لأن الله -تعالى- أمره بضربها بالضغث ليخرجه من يمينه، ولا يصلإليها كثير ضرر».
من المقرر أن الدين الإسلامي يدعو إلى الصدق والأمانة والوفاء بالالتزامات، ويحرم الكذب والخديعة والغدر، والأدلة على ذلك كثيرة، و(الحيلة) كلمة في عرف الناس تدل على المكر والخديعة، فكيف يقول الجصاص إن هذه الآية تدل على جواز الحيلة؟
مفهوم الحيلة
والجواب: أن الحيلة في اللغة معنى يدل على الحذق في تدبير الأمور، والتوصل به إلى المطلوب في خفية؛ فهي تدل على الذكاء والحذق فقط، وأما في الاصطلاح الفقهي فالحيلة نوعان (مشروعة، وممنوعة)، قال ابن القيم: «ليس كل ما يسمى حيلة حراما».
الحيل نوعان
وقال: «الحيل نوعان:
النوع الأول: ما يتوصل به إلى فعل ما أمر الله -تعالى- به وترك ما نهى الله عنه
النوع الأول: وهو نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله -تعالى- به وترك ما نهى الله عنه، والتخلص من الحرام وتخليص الحق من الظالم المانع له، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي، فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه، وهو ما يعرف بالمخارج الشرعية، وهو مرادف للحيل المشروعة عند بعض الفقهاء كما قال ابن نجيم: «واختلف مشايخنا -رحمهم الله تعالى- في التعبير عن ذلك؛ فاختار كثير التعبير بكتاب الحيل، واختار كثير كتاب المخارج». وفرق بينهما بعضهم كما قال ابن القيم: «ونسميه وجوه المخارج من المضائق، ولا نسميه بالحيل التي ينفر الناس من اسمها»؛ لأن الأسماع تنفر من كلمة (حيل) لدلالتها العرفية الدالة على الخديعة عندهم.
النوع الثاني: يتضمن إسقاط الواجبات وتحليل المحرمات
وهو نوع يتضمن إسقاط الواجبات وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالما والظالم مظلوما، والحق باطلا والباطل حقا، فهذا النوع الذي اتفق السلف على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، وقال الإمام أحمد: «لا يجوز شيء من الحيل في إبطال حق مسلم».
الحيل المشروعة
فالحيل التي تؤدي إلى الحق وتعين عليه (مشروعة)، ويشهد لهذا أدلة منها:
1- قوله -تعالى-: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا} (النساء:98) أي: التحيل على التخلص من الكفار، وهذه حيلة محمودة يثاب عليها فاعلها.
2- قوله -تعالى-: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} (ص:44)، قال ابن القيم: «وهذا يدل على أن كفارة اليمين لم تكن مشروعة بتلك الشريعة، بل ليس في اليمين إلا البر والحنث»، فأذن الله لنبيه أن يتحلل من يمينه بالضرب بالضغث، وهو كان قد حلف أن يضربها ضربات معدودة، وهي في المتعارف الظاهر إنما تكون متفرقة، فأرشده الله إلى طريقة للخروج من يمينه.
3- قوله -تعالى-: {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} (يوسف:76)، قال ابن تيمية: «فيه ضروب من الحيل الحسنة».
4- وعن أَبُي أُمَامَةَ بْن سَهْل أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْأَنْصَار أَنَّهُ اِشْتَكَى رَجُل مِنْهُمْ حَتَّى أَضْنَى فَعَادَ جِلْدَة عَلَى عَظْم، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَة لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَال قَوْمه يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ: اِسْتَفْتُوا لِي رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنِّي قَدْ وَقَعْت عَلَى جَارِيَة دَخَلَتْ عَلَيَّ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنْ النَّاس مِنْ الضُّرّ مِثْل الَّذِي هُوَ بِهِ، لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْك لَتَفَسَّخَتْ عِظَامه، مَا هُوَ إِلَّا جِلْد عَلَى عَظْم، فَأَمَرَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَة شِمْرَاخ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَة وَاحِدَة. أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
الحيل الممنوعة
وأما إذا كانت الحيل تؤدي إلى الباطل وتعين عليه فهي ممنوعة، قال ابن القيم: «فهذه الحيل وأمثالها لا يستريب مسلم في أنها من كبائر الإثم وأقبح المحرمات، وهي من التلاعب بدين الله، واتخاذ آياته هزوا، وهي حرام من جهتها في نفسها؛ لكونها كذبا وزورا، وحرام من جهة المقصود بها، وهو إبطال حق وإثبات باطل».
ويدل على هذا أدلة منها:
1- قوله -تعالى-: {يخادعون الله وهو خادعهم} (النساء:142) قال ابن القيم: «فذم الله -تعالى- المنافقين؛ لأنهم يخادعون الله والمؤمنين، مما يدل على أن مخادعة الله -تعالى- محرمة، والحيل في حقيقتها مخادعة لله -تعالى- فهي حرام من هذه الجهة».
2- أخبر -تعالى- عن أهل الجنة في سورة القلم أنهم لما تحيلوا على إسقاط نصيب المساكين، دمر الله جنتهم، قال ابن القيم: «فكان في ذلك عبرة لكل محتال على إسقاط حق من حقوق الله أو حقوق عباده».
3- ما قصه الله -تعالى- عن أصحاب السبت لما احتالوا على ما حرم الله بنصب الشباك يوم الجمعة ورفعها يوم الأحد فمسخهم الله -تعالى- قردة وخنازير، قال بعض السلف: «ففي هذا زجر عظيم لمن يتعاطى الحيل على المناهي الشرعية ممن يتلبس بعلم الفقه وهو غير فقيه، إذا الفقيه من يخشى الله بحفظ حدوده وتعظيم حرماته، ليس المتحيل على إباحة محارمه وإسقاط فرائضه».
5- عن جابر أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: «لا، هو حرام» ثم قال: «قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه» متفق عليه.
قال الخطابي: «في هذا الحديث بطلان كل حيلة يحتال بها المتوصل إلى المحرم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه».
6- إن تجويز الحيل يناقض مبدأ (سد الذرائع) الذي جاءت به الشريعة، وذلك أن الشرع يسد الطرق المؤدية إلى المفاسد بكل ممكن، والمحتال يفتح الطريق إليها بحيله، فأين من يمنع الجائز خشية الوقوع في الحرام ممن يعمل الحيل للوصول إليه؟

د.وليد خالد الربيع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #78  
قديم 20-12-2022, 10:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (78)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة نبي الله صالح عليه السلام - مسألة ا



قال -تعالى-: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} (سورة القمر:28)، من القصص القرآنية التي تكررت في سور عديدة؛ -لما فيها من المواعظ والحكم- قصة نبي الله صالح -عليه السلام- مع قومه ثمود؛ حيث دعاهم إلى الله -تعالى-، فسألوه آية تدل على صدقه، قال ابن كثير: «واقترحوا عليه أن تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم، وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر، يقال لها: الكاتبة، فطلبوا منه أن يخرج لهم منها ناقة عشراء (حامل) تمخض، فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى سؤالهم وأجابهم إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه، فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، قام صالح -عليه السلام- إلى صلاته ودعا الله –عزوجل-، فتحركت تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء، يتحرك جنينها بين جنبيها، كما سألوا، فعند ذلك آمن رئيس القوم ومن كان معه على أمره، وأراد بقية أشراف ثمود أن يؤمنوا فصدهم صاحب أوثانهم.
فأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة، تشرب ماء بئرها يوما، وتدعه لهم يوما، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها فيملؤون ما شاؤوا من أوعيتهم وأوانيهم، كما قال في الآية: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} (القمر: 28) وقال -تعالى-: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} (الشعراء: 155) وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها؛ لأنها كانت تتضلع من الماء، وكانت - على ما ذكر - خلقا هائلا ومنظرا رائعا، إذا مرت بأنعامهم نفرت منها، فلما طال عليهم واشتد تكذيبهم لصالح النبي -عليه السلام- عزموا على قتلها، ليستأثروا بالماء كل يوم، فيقال: إنهم اتفقوا كلهم على قتلها.
توافقهم على قتل الناقة
قال قتادة: بلغني أن الذي قتل الناقة طاف عليهم كلهم، أنهم راضون بقتلها حتى على النساء في خدورهن، وعلى الصبيان أيضًا، وقال ابن كثير: وهذا هو الظاهر؛ لأن الله -تعالى- يقول: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا} (الشمس: 14) وقال: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} (الإسراء: 59) وقال: {فعقروا الناقة} فأسند ذلك على مجموع القبيلة، فدل على رضا جميعهم بذلك».
لا تسألوا الآيات
وأخرج الإمام أحمد عن جابر قال: لما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال: «لا تسألوا الآيات؛ فقد سألها قوم صالح فكانت -يعني الناقة- ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما، فعقروها، فأخذتهم صيحة، أهمد الله من تحت أديم السماء منهم، إلا رجلا واحدا كان في حرم الله». فقالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: «أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه». قال ابن كثير: «وهو على شرط مسلم».
مسألة المهايأة أو قسمة المنافع
فمن المسائل المستفادة من الآية الكريمة (مسألة المهايأة أو قسمة المنافع): من المعلوم أن الملكية قد تكون خاصة لفرد واحد، وقد تكون لأفراد عدة على جهة الشيوع؛ بحيث لا تتميز أنصبتهم، كأفراد اشتركوا في ملكية أرض على الشيوع، وتسمى شركة أملاك.
وهذه الملكية المشتركة قد ترد على عين معينة كعقار (أرض أو بناء) أو منقول كسيارة مثلا، وقد ترد على منفعة، كالاشتراك في سكنى دار، أو زراعة أرض، أو حق الشرب والسقي من مورد ماء مشترك، فإذا تعذر قسمة العين بينهم، وتراضى الشركاء على قسمة المنافع بينهم بطريقة معينة، واتفقوا عليها فيلزمهم العمل بحسب الاتفاق، وليس لأحد أن يغير شيئا مما اتفقوا عليه؛ لأن الحق لهم، وقد رضوا به، والله -تعالى- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة:1)
أما إذا لم يتفق الشركاء على طريقة معينة لقسمة المنافع، فإن كان لأحدهم بينة على حقه بالانتفاع مدة معينة فيعمل بالبينة.
أما إذا لم يكن هناك بينة فمن طرق قسمة المنافع ومنها حق الشِرب والسقي من مصادر المياه المملوكة قسمة المهايأة.
معنى المهايأة
والمهايأة: مفاعلة مشتقة من الهيئة، وهي الحالة الظاهرة وحالة الشيء وكيفيته، يقال: هيأت الأمر أعددته، وتهايأ القوم: جعلوا لكل واحد هيئة معلومة، والمراد: النوبة، وعرفها الفقهاء بقسمة المنافع على التعاقب والتناوب؛ وتكون في قسمة المياه المشتركة بأن ينفرد أحدهم بالماء مدة معلومة، قال ابن قدامة:» وإن قسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة جاز إذا تراضوا به وكان حق كل واحد منهم معلومًا، مثل أن يجعلوا لكل حصة يوما وليلة أو أكثر من ذلك أو أقل، وإن قسموا النهار فجعلوا لواحد من طلوع الشمس إلى وقت الزوال، وللآخر من الزوال إلى الغروب ونحو ذلك جاز». وهو قول الجمهور، ومما استدلوا به:
جواز المهايأة على الماء
1- قوله -تعالى-: {لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} (الشعراء:155)، وقوله -تعالى-: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} (سورة القمر:28)، قال الجصاص: «يدل على جواز المهايأة على الماء؛ لأنهم جعلوا شرب الماء يوما للناقة، ويوما لهم، ويدل أيضا على أن المهايأة قسمة منافع؛ لأن الله -تعالى- قد سمى ذلك قسمة، وإنما هي مهايأة على الماء لا قسمة الأصل».يعني ليست قسمة أعيان.
قال القرطبي:» قوله -تعالى-: {كل شرب محتضر} الشِرب - بالكسر-: الحظ من الماء؛ وفي المثل: (آخرها أقلها شربا) وأصله في سقي الإبل، لأن آخرها يرد وقد نزف الحوض. ومعنى محتضر أي: يحضره من هو له؛ فالناقة تحضر الماء يوم وردها، وتغيب عنهم يوم وردهم قاله مقاتل. وقال مجاهد: إن ثمود يحضرون الماء يوم غبها فيشربون، ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون»، قال ابن سعدي: {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} أي: يحضره من كان قسمته، ويحظر على من ليس بقسمة له.»
القاعدة العامة في قسمة الأملاك المشتركة
2- أن قسمة الماء في القناة المشتركة بين الشركاء إنما يتبع القاعدة العامة في قسمة الأملاك المشتركة في قسمة العين إن أمكن، وإلا تقسم منافعها عليهم، وهكذا في هذه الصورة، لأنه ربما يكون الماء قليلا لا يكفي الجميع دفعة واحدة، فلا يمكن الانتفاع به إلا بالمهايأة الزمانية.
وإن تنازعوا فيمن يبتدئ بالسقي أقرع بينهم حتى يستقر لهم ترتيب؛ الأول فمن يليه، ويختص كل منهم بنوبته لا يشاركه غيره فيها، ثم هم من بعدها على ما ترتبوا.
وإذا كانت نوبة أحدهم فله أن يختص بالتصرف بالماء بأن يسقي ما شاء من أرض أو بهائم أو يعطي الماء من يسقي به؛ لأن حق الشرب من قبيل ملك المنفعة، ومن ثبت له ملك المنفعة فله أن يتصرف فيها بالاستعمال والاستغلال وسائر التصرفات المشروعة، ولا يمنع إلا في حالة الإضرار بالآخرين.

د.وليد خالد الربيع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #79  
قديم 20-12-2022, 10:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (79)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة نوح عليه السلام
- مسألة فضل الاستغفار






قال -تعالى-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} (سورة نوح:10-12)، هذه الآيات الكريمة في سياق قصة نبي الله نوح -عليه السلام- وامتثاله أمر الله -تعالى- بإنذار قومه وما جرى له معهم من الحوار والمجادلة، وكان من جملة ما قاله لهم ما ذكره الله -سبحانه- في هذا السياق.

قال ابن كثير: «{فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا} أي: ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه، وتوبوا إليه من قريب، فإنه من تاب إليه تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك؛ ولهذا قال: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا} أي: متواصلة الأمطار؛ ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية، وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: أنه صعد المنبر ليستسقي، فلم يزد على الاستغفار، وقرأ الآيات في الاستغفار. ومنها هذه الآية (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا) ثم قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي ستنزل بها المطر»، فمن المسائل المستفادة من الآية الكريمة: (مسألة فضل الاستغفار).
قال القرطبي: «في هذه الآية التي في (هود)، يعني قوله -سبحانه-: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} (سورة هود:3) دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والمطر» وذكر كيفية الاستغفار باختصار، وهو أن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب وهو الأصل في الإجابة.
أولا: تعريف الاستغفار
الاستغفار في اللغة: مصدر الفعل استغفر، وأصل المادة اللغوي: (غ ف ر) يدل على الستر والتغطية.
وفي الاصطلاح: قال الراغب: «الغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب. والاستغفار: طلب ذلك بالمقال والفعال».
وقال ابن القيم: «الاستغفار إذا ذكر مفردا يراد به التّوبة مع طلب المغفرة من اللّه، وهو محو الذّنب وإزالة أثره ووقاية شرّه، والسّتر لازم لهذا المعنى، كما في قوله -تعالى-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّه كَانَ غَفَّارَاً}، فالاستغفار بهذا المعنى يتضمّن التّوبة.
أمّا عند اقتران إحدى اللّفظتين بالأخرى، فالاستغفار: طلب وقاية شرّ ما مضى، والتّوبة: الرّجوع وطلب وقاية شرّ ما يخافه في المستقبل من سيّئات أعماله، كما في قوله -تعالى-: {وَأَن اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثمَّ تُوبُوا إليه} (سورة هود:4).
ثانيا: فضل الاستغفار
أمر الله -تعالى- بالاستغفار في آيات كثيرة، وحث عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث عديدة، ومن ذلك عن أنسٍ قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «قال الله: يا ابن آدم، إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أُبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثمَّ اسْتغفرتني غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرةً». رواه الترمذي. وحسنه الألباني.
وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- قال: «قال إبليسُ: وعَزِّتك لا أبرح أُغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم؛ فقال: وعِزَّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما اسْتغفروني». رواه أحمد والحاكم وصححه، وعن عبد الله بن بسرٍ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: «طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفارٌ كثير» رواه ابن ماجه. وحسنه الألباني.
وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نَكَتَتْ في قلبه نُكْتَةٌ، فإن هو نَزَعَ واستغفرَ صقُلَتْ، فإن عاد زيد فيها حتى تعلوَ قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله -تعالى-: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} «. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
عن بلال بنِ يَسار بن زَيدٍ قال: حدَّثني أبي عن جدِّي، أنه سمعَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ قال: «أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيُّومُ وأتوبُ إليه»، غُفِرَ لَهُ وإنْ كان فَرَّ مِنَ الزَّحف». رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
مواضع الاستغفار
مطلوب من المسلم أن يديم الاستغفار في كل أحيانه، كما قال الحسن: «أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طُرقاتكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة»، وهناك مواضع عديدة يتأكد فيها الاستغفار منها:
- عقب الخروج من الخلاء فعنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَرَجَ مِن الخَلَاءِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ». أخرجه الترمذي وحسنه.
- وبعد الوضوء فعن أبي سعيد الخدري -موقوفا عليه- قال: «مَن توضَّأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أنْ لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كُتِب في رَقٍّ، ثم جُعِل في طابع، فلم يُكْسَر إلى يوم القيامة».
- وعند دخول المسجد والخروج منه فعن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالتْ: كان رسول الله إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلَّم، وقال: «رب اغفر لي ذنوبي، وافتَحْ لي أبواب رحمتك»، وإذا خرَج صلى على محمد وسلَّم، وقال: «رب اغفر لي، وافتَحْ لي أبواب فضْلك».
- وبين السجدتين فعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- َكَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي». رواه النسائي وصححه الألباني، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي» رواه الترمذي وصححه الألباني.
- وبعد التشهد قال عليّ في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ» أخرجه مسلم.
- وعقب الصلاة بعد السلام فعن ثوبان قال: كان رسول الله إذا انْصَرف من صلاته استغفَر ثلاثًا، وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركْتَ يا ذا الجلال والإكرام»، قال الوليد: فقلتُ للأوزاعي: كيف؟ قال: تقول: «أستغفر الله، أستغفر الله». أخرجه مسلم
- وعند النوم فعن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات، غَفَر الله له ذنوبَه، وإنْ كانتْ مثل زَبَد البحر» أخرَجه الترمذي وحسَّنه الألباني
- وفي ختْم المجالس فعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن جلَس مجلسًا كَثُر فيه لَغطُه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك ربَّنا وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كان كفَّارة لما كان في ذلك المجلس» أخرَجه أحمد وقال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرْط مسلم».

د.وليد خالد الربيع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #80  
قديم 06-01-2023, 11:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (80)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة أصحاب الجنة
- أثر القصد في صحة العمل




قال الله -تعالى-: {إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} (القلم:17-20)، ذكر الله -تعالى- قصة أصحاب الجنة - كما ذكر بعض السلف- الذين كان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة -وكانوا من أهل الكتاب-، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة؛ فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها، ويدخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل، فلما مات ورثه بنوه، وقالوا: لقد كان أبونا أحمق؛ إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا؛ فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية: رأس المال، والربح، والصدقة، فلم يبق لهم شيء.

قال ابن كثير: «هذا مثل ضربه الله -تعالى- لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وأعطاهم من النعم الجسيمة، وهو بعثه محمدا - صلى الله عليه وسلم - إليهم؛ فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة»، فمن المسائل الفقهية التي تستفاد من هذه الآية (أثر القصد في صحة العمل وجزائه).
هوم لقصد

والقصد في اصطلاح الفقهاء: هو العزم المتجه نحو إنشاء فعل، أو الدوافع التي تجعل المكلف يتوجه إلى الفعل، وقد قرر الفقهاء أن أحكام تصرفات الإنسان تختلف باختلاف قصده؛ فبالنية يكون الفعل عبادة أو عادة، وبالنية يكون التصرف طاعة أو مباحا أو معصية، وبالنية يكون العقد صحيحا أو فاسدا، ونحو ذلك.
ثير المقاصد في أحكام الأفعال


ومثال تأثير المقاصد في أحكام الأفعال، أن القتل يختلف حكمه باختلاف القصد؛ فيجب القصاص إن كان القتل عمدا، وفيه الدية المغلظة والكفارة إن كان قتلا شبه عمد، وفيه الدية المخففة والكفارة إن كان قتلا خطأ، ودفع المال للآخر يختلف حكمه باختلاف قصد الدافع؛ فإن كان بغير عوض كان هبة، وإن كان على أن يرجعه الآخذ كان قرضا، وإن كان على يدفع الآخذ عوضا له كان هبة الثواب وتأخذ أحكام البيع.
الأدلة على هذا الأصل
وقد دل على هذا الأصل أدلة كثيرة منها قوله -عليه السلام-: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه، ومعناه: أن التصرفات تابعة للنيات؛ فنتيجة تصرفات المكلف والأحكام المترتبة عليها تختلف باختلاف نية المكلف.
النية الصادقة عمل صالح
ودلت النصوص الصحيحة على أن النية الصادقة عمل صالح يؤجر عليه الإنسان ولو لم يعمل شيئا، كقوله -تعالى-: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء: 100)، قال ابن كثير: «أي: ومن يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق، فقد حصل له عند الله ثواب من هاجر، ثم ذكر حديث: «إنما الأعمال بالنيات».
وقال ابن سعدي: «{فقد وقع أجره على الله} أي: فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله -تعالى-؛ وذلك لأنه نوى وجزم، وحصل منه ابتداء وشروع في العمل، فمن رحمة الله به وبأمثاله أن أعطاهم أجرهم كاملاً ولو لم يكملوا العمل، وغفر لهم ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها».
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من همّ بحسنة فلم يعملها فعلم الله منه أنه قد أشعر قلبه وحرص عليها كتبت له حسنة «أخرجه أحمد وهو صحيح، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه» أخرجه النسائي وحسنه الألباني.
وقال شيخ الإسلام: «‏ من نوى الخير، وعمل منه مقدوره، وعجز عن إكماله، كان له أجر عامل‏،‏ كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم‏»‏‏.‏ قالوا‏:‏ وهم بالمدينة‏؟‏ قال‏: «‏وهم بالمدينة، حبسهم العذر».‏
المكلف قد يؤاخذ بقصده السيء
وقد صحح الترمذي حديث أبي كَبْشَة الأنماري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ أنه ذكر أربعة رجال‏:‏ «‏رجل أتاه اللّه مالًا وعلمًا، فهو يعمل فيه بطاعة اللّه‏.‏ ورجل أتاه اللّه علمًا ولم يؤته مالًا، فقال‏:‏ لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان‏.‏ قال‏:‏ فهما في الأجر سواء‏.‏ ورجل آتاه اللّه مالًا ولم يؤته علمًا، فهو يعمل فيه بمعصية اللّه‏.‏ ورجل لم يؤته اللّه مالًا ولا علمًا، فقال‏:‏ لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان‏.‏ قال‏:‏ فهما في الوزر سواء‏».‏
وفي هذا الحديث وحديث ابن عباس الآتي دليل على أن المكلف قد يؤاخذ بقصده السيء، قال القرطبي: «في هَذِهِ الْآيَةِ (من سورة القلم) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ مِمَّا يُؤَاخَذُ بِهِ الْإِنْسَانُ؛ لِأَنَّهُمْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يَفْعَلُوا؛ فَعُوقِبُوا قَبْلَ فِعْلِهِمْ».
فقوله -تعالى-: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القلم:25) يدل على عزمهم الأكيد على حرمان الفقراء من ثمار الحديقة، قال القرطبي: «الحرد: القصد»، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ -تعالى- عن المسجد الحرام: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} (الحج: 25).
مراتب الهمّ بالسيئة
وأخرج الشيخان عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل- أنه قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّـن ذلك؛ فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة».
يبين الشيخ ابن عثيمين مراتب الهمّ بالسيئة وأثر ذلك:
الأولى: العزم على فعل المعصية
أن يعزم على فعل المعصية ويقصدها جازما ثم يتركها لله -تعالى-، فهذا الذي يؤجر ويكتب الله له حسنة كاملة، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة» قال ابن رجب: «لأن تركه المعصية بهذا القصد عمل صالح».
الثانية: العزم على المعصية لكن يعجز عنها دون سعي لها
أن يعزم على فعل المعصية لكن يعجز عنها دون أن يسعى في أسبابها، كالرجل الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ليت لي مثل مال فلان فأعمل فيه بعمله، وكان فلان يسرف على نفسه في تصريف ماله، فهذا يكتب عليه سيئة، ولكن ليس كعامل السيئة، بل يكتب وزر نيته كما جاء في الحديث بلفظ: «فهو بنيته فهما في الوزر سواء».
الثالثة: العزم على المعصية لكن
يعجز عنها مع سعيه لها
أن يعزم على المعصية ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملا، دليل ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قال: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «لأنه كان حريصا على قتل صاحبه «فكتب عليه عقوبة القاتل»، ومثاله: لو أن إنسانا تهيأ وأتى ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق ولكن عجز، فهذا يكتب عليه وزر السارق؛ لأنه هم بالسيئة وسعى في أسبابها ولكن عجز».
الرابعة: الهم بالمعصية ثم يعزف
عنها لا لله ولا للعجز
أن يهم الإنسان بالمعصية ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز، قال الشيخ ابن عثيمين: «فهذا لا له ولا عليه، وهذا يقع كثيرا، يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها، فهذا لا يثاب؛ لأنه لم يتركها لله، ولا يعاقب؛ لأنه لم يفعل ما يوجب العقوبة».
الخامسة: الهم بالمعصية ثم تركها خوفًا من المخلوقين
قال ابن رجب: «إن همّ بمعصية ثم ترك عملها خوفا من المخلوقين أو مراءاة لهم فقد قيل: إنه يعاقب على تركها بهذه النية؛ لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم، وكذلك قصد الرياء للمخلوقين محرم، فإذا اقترن به ترك المعصية لأجله عوقب على ذلك الترك».


د.وليد خالد الربيع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 190.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 184.10 كيلو بايت... تم توفير 6.12 كيلو بايت...بمعدل (3.22%)]