سورة العصر : أسرار بيانية و دلالات تربوية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 208898 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59557 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 756 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 30 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 58 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15866 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-03-2019, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي سورة العصر : أسرار بيانية و دلالات تربوية

سورة العصر


أسرار بيانية ودلالات تربوية




د. أحمد فريد صالح أبو هزيم([*])


ملخص البحث:


يهدف هذا البحث إلى بيان أن سورة (العصر) - مع أنها من أقصر سور القرآن الكريم -، فإنها بليغة من نوعها، فهي تتضمن منهجا ربانيا كاملاً جامعا لمقومات المجتمع، بما احتواه من دلائل تربوية واضحة في كلمات قصيرة، تحمل معاني عظيمة من الفضائل المثلى، ودلالات واسعة شاملة مشدودة بخيوط متينة، ومرتبطة بعضها مع بعض.

أولى هذه المقومات: الإيمان بالله تعالى الذي يقر في القلوب تصديقا ويقينا، فهو يشكل الإطار المرجعي الأول للقيم الفضلى التي بها تحيا القلوب، وتسمو الأرواح، وهو السبيل إلى الحياة الكريمة الطيبة.

ثانيها: العمل الصالح المقترن بالإيمان، الذي يفيض على الجوارح سلوكا وعملاً، ويوظف الطاقات، ليكون صورة عملية واقعية يتجلى فيها، ليثبت وجوده.

ثالثها: التواصي بالحق وهو الخير كله،

ورابعها: التواصي بالصبر.

إن التزام الإنسان بهذا المنهج السديد: هو الفوز بالسعادة، والنجاة من الخسران.


مقدمة:


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن سار على دربه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد أنزل الله تعالى على الرسول صلى الله عليه وسلم مأدبة من السماء حافلة بالطيبات من الرزق محملة بالكريم الغدق من النعم، ذلكم هو القرآن الكريم الذي وصفه الله تعالى بقوله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء: 9)، وقوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) (الإسراء: 82).
روي الترمذي في سننه من حديث على بين أبي طالب رضي الله تعالى عنه مرفوعا: (ألا إنها ستكون فتنة! فقلت ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: (كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) (الجن: 1، 2)، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم)([1]).

فالقرآن مأدبة الله تحمل الشفاء والرحمة، يتغذى منها الروح والعقل فتتخلق منها ملكات علوية، ووجدانات ربانية، بها يسمو الإنسان ويعلو، ولهذا يقول عبد الله بن مسعود عن تلك المأدبة (إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم)([2])، ذلك لأن القرآن الكريم المأدبة: علم، وحكمة، وتربية، وخلق، وليس مأدبة مادية.
والواقع: أن الأمة الإسلامية قد أدركت هذه الدلالات العميقة المتأصلة في القرآن الكريم، فانتقلت بتأثيره، وقوته الفاعلة المؤثرة من الظلمات إلى النور، فرفع قدرها، وأعلى شأنها، وهداها في كل شأن من شؤون حياتها، وأقامت على أساسه دولتها وعزها ومجدها، وفتحت به العالم، فكانت لها حضارة ومجد وكرامة.
أما من تولوا وأعرضوا عن كتاب الله تعالى منهم، ولم يتلقوا ما فيه من خير وهدى، ويطمعون مما ترمي به الحياة إليهم من زبدها وغثها، وتشغلهم ملذاتهم، ومتع الحياة الدنيا الفانية، فقد هاموا على وجوههم فهانوا وذلوا، وتخلفوا عن ركب الحياة، فخسروا وخسر العالم بانحطاطهم. يقول الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) (سورة طه: 124 - 127).

واليوم تتطلع الأمة الإسلامية إلى النهوض من جديد لممارسة رسالتها التاريخية التي خصها الله تعالى بها، ليس من أجلها فقط، ولكن من أجل الناس جميعا، إسهاما في إنقاذ نفسها، وإنقاذ الحضارة العالمية مما ألم بها من ضلال واختلال.
وإذا كان القرآن الكريم سببا في نهضة هذه الأمة في بدايتها، فلا بد أن تعول عليه في نهضتها الحالية: تسترشد به، وتستلهمه في تلبية حاجاتها الجديدة، وحل مشكلاتها الكثيرة.
والحق الذي لا مراء فيه: أن أهم القضايا التي تحتاج إلى إعادة النظر، ومعالجة دقيقة حين تتعرض الأمم إلى النكبات، أو حين تكثر في طريقها العقبات والآفات: هي القيم الإيمانية، التي لا بد من وجودها في كل مجتمع يريد لتنظيماته الاجتماعية الاستمرار والاطمئنان والسؤدد. ولن يكون ذلك إلا من خلال الرسالة التي يحملها المسلمون للعالم، وهي رسالة ربانية للإنسانية، تتميز بخصائص لا تتوافر في غيرها. منها: تهيئة الإنسان ليقوم بعمارة الأرض، وخلافة الله، وعبادته تعالى، بالإيمان الصادق، والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. فهي من أهم الموضوعات التي تعني الأمم، لما لها من أثر فعال في تربية الأفراد والمجتمعات الصالحة، وتنمية المفاهيم الإنسانية الخيرة في بني البشر.
إن هناك دعوات لكثير من الباحثين والمفكرين تدعو إلى ضرورة إنقاذ المجتمعات من الآفات الجسيمة التي تنخر في جسمها، ورغم توافر الأسباب والدواعي في سبيل معالجة تلك المشكلات، إلا أنها لم تكلل بالنجاح، ترى ما سبب هذا الإخفاق؟ إنه المنهج القاصر الذي خلا من القيم التربوية الأصيلة التي تبني الإنسان الرسالي على الأسس الصحيحة، وتجنبه الانحراف عن جادة الصواب، على خلاف المنهاج التربوي المتكامل الذي تضمنه القرآن الكريم المواتي لفطرة الإنسان، بما احتواه من الدلائل التربوية البينة التي ترفع شأن الإنسان، وتلائم كرامته، وتحمله على سلوك طريق الخير، طمعا في ثواب الله تعالى، وخوفا من عقابه.

أقول: إذا أراد هؤلاء المفكرون الدعاة سعادة البشرية، وإذا أراد العالم الإسلامي والعربي أن ينهض من جديد ليتبوأ المكانة التي تليق به، وأن يضطلع بمسؤولياته الرسالية التي كرمه الله تعالى بها، عليهم جميعا أن يعتصموا بمبادئ القرآن الرشيدة التي تتمثل في سورة العصر، من أجل هذا كان هذا البحث الذي (سميته سورة العصر: أسرار بيانية، ودلالات تربوية)، الذي لا يعدو أن يكون نظرات في هذه السورة المباركة: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 1-3).
ومع أنها وجيزة إلا أنها بليغة من نوعها، فقد بينت للبشرية المنهج السديد للفوز بالسعادة، وأسلوب النجاة من الخسران، شريطة أن يحسن الفهم لها فهما سليما يقيم في كيان الإنسان إيمانا راسخا، ووازعا قويا ملهما، وأن يعمل بها عملاً صادقا يبرز الهداية التي تضمنتها، وأن يقدم للناس أنموذجاً يرى، لا كلاما يقال.
وإني أعترف أن ما كتبت ما هو إلا محاولة متواضعة، اعتمدت في تسطير مطالبها على المصادر الأصيلة في التفسير ونحوه، ولم أهمل الاستفادة من البحوث الأخرى. محاولة أن أضمها إلى المحاولات الأخرى التي كتبها علماء أجلاء عسى أن يستفاد من كل هذه الكتابات من يطلع عليها، ويسترشد بما فيها من توجيهات مستقاة من القرآن الكريم.

منهجية البحث:


التزمت في هذا البحث المنهج التالي:

(1) التركيز على كل ما من شأنه خدمة الموضوع.
(2) إبراز بعض الجوانب التي تشكل أصلاً فيه.
(3) قمت بتحليل لفاظ آيات السورة الكريمة ومعانيها.
(4) إبراز بلاغة التعبير القرآني في السورة الكريمة بأسلوب سهل ومرتب، من غير إطناب ممل، ولا اختصار مخل.
(5) استنباط أهم مظاهر وأسباب كل من الفوز والخسران كما وضحتها السورة الكريمة.
(6) الاستعانة في كل ما سبق بما تيسر لي الرجوع إليه من كتب التفسير المهمة القديمة والحديثة، لا سيما التي كان لها عناية بالجانب البياني، وكذلك كتب إعجاز القران الكريم، وبعض الكتب التربوية المعاصرة التي لها علاقة بالموضوع، وأيضا كتب معاجم اللغة وغيرها من المراجع المتعلقة بالبحث.
(7) الحرص على توثيق جميع النقول، وذكر بعض التعليقات إذا اقتضى الأمر.

(8) عزو آيات القران الكريم الواردة في البحث إلى سورها بذكر اسم السورة ورقم الآيات فيها.
(8) تخريج الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في البحث تخريجا علميا وفق قواعد أصول الحديث.

وقد جاء هذا البحث في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة.
أما المقدمة: فقد بينت فيها أهمية الموضوع، وخطة البحث، ومنهجه.
المبحث الأول: مقدمة عامة عن سورة العصر.

المبحث الثاني: القسم بالعصر (وَالْعَصْرِ).
المبحث الثالث: الإنسان الرسالي، وحقيقة خسرانه: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ).
المبحث الرابع: مقومات بناء الإنسان: (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). ويتضمن ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الإيمان بالله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا).
المطلب الثاني: العمل الصالح (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).
المطلب الثالث: التواصي بالحق والصبر (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
الخاتمة: فقد بينت فيها أهم نتائج البحث.
وبعد: فهذه خطتي لهذا البحث ومنهجي فيه، وأسال الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.

(وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) (هود الآية: 88)
المبحث الأول


مقدمة عامة عن سورة العصر


* مكيتها وعدد آياتها:

اتفق العلماء على أن عدد آياتها ثلاث، وهي من السور المكية.
قال البيهقي في دلائل النبوة([3]): عن عكرمة والحسين بن أبي الحسن قالا: أنزل الله من القرآن بمكة: اقرأ باسم ربك، و [ن]، والمدثر، وتبت يدا أبي لهب، واذا الشمس كورت، وسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، والفجر، والضحى، وألم نشرح، والعصر .....
وقال ابن الضريس([4]) في فضائل القرآن([5]): عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه ابن عباس قال: كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة، ثم يزيد الله فيها ما شاء. وكان أول ما أنزل من القرآن: اقرأ باسم ربك، ثم [ن]، ثم يا أيها المزمل، ثم يا أيها المدثر، ثم تبت يدا أبي لهب، ثم إذا الشمس كورت، ثم سبح اسم ربك الأعلى، ثم والليل إذا يغشى، ثم والفجر، ثم والضحى، ثم لم نشرح، ثم والعصر .. إلى القول فهذا ما أنزل الله تعالى بمكة([6]). وفي قول: إنها مدنية، وهو رأي مجاهد وقتادة ومقاتل([7]).

والذي يطمأن إليه أن السورة مكية، كما جاء ذلك صريحا في الإتقان في معرفة المكي والمدني، (وكان أول ما أنزل من القرآن) كما تقدم بيانه.
* فضلها:
عن أبي مدينة الدارمي - وكانت له صحبة - قال: كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لن يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)). رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. وعن عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ثم قال: على مكانكم اثبتوا، ثم أتى الرجال فقال: (إن الله عز وجل أمرني أن آمركم أن تتقوا الله، وأن تقولوا قولاً سديداً) ثم تخلل إلى النساء فقال لهن: (إن الله يأمرني أن آمركن أن تتقوا الله وأن تقولوا قولاً سديداً) -قلت فذكر الحديث - رواه أحمد والبزار إلا أنه قال: للنساء أن تتقين الله، وأن تقلن قولاً سديداً، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح([8]).
والسورة على قصرها جمعت من العلوم ما جمعت، فقد روى عن الشافعي عليه الرحمة أنه قال: لو لم ينزل غير هذه السورة لكفت الناس لأنها شملت جميع علوم القرآن([9]).

مقاصد سورة العصر وما تضمنته من أهداف: تتجلى أهمية هذه السورة الكريمة وتبرز قيمتها في كونها تبني المجتمع على أساس من وحدة العقيدة، وتعمل على تكوين أفراد لهم خصائص ذاتية تؤهلهم في تكوين مجتمع سليم متقدم، وكل هذا على أساس من الإيمان بالله تعالى، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.

فأنت تري أن هذه السورة - على وجازتها - لها شأن عظيم، فقد وضعت منهجا أصيلاً وضعه رب العالمين، متكاملاً، ومضبوطا بقواعد سليمة، وأسس قوية، للوصول إلى تحقيق هدف محدد، ومقصد سديد. حتى قيل عنها ما قيل من الإشادة والأهمية([10]).
المناسبة بين سورة العصر والسورة السابقة والسورة اللاحقة لها:

إن إدراك المناسبة بين هذه السورة وسابقتها أمر مهم لمن أراد أن يلقي الضوء على محور السورة ومقاصدها، كما أن الوقوف على المناسبة بين سور القران الكريم، يوصلنا إلى سر من أسرار بلاغته من حيث قوة الترابط والاتصال، والتآخي بين ألفاظه ومعانيه. وتظهر لنا هذه المناسبة من جوانب متعددة منها:
1- لما بين الله تعالى في سورة التكاثر، تعلق الناس بالأموال والأولاد والتباري في كثرتها والتباهي بها، والاشتغال عما يعني ويهم (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) (التكاثر: 1)، منفقين أعمارهم في طلب الدنيا، والتهالك عليها، إلى أن يأتيهم الموت (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) (التكاثر: 2)، لا هم له غيرها عما هو أولى به من السعي لعاقبته، والعمل لآخرته. وهذا بلا شك في غاية التقبيح والذم والخسران، سببه الجهل، وعدم التفكر في العاقبة، لأنهم لو كانوا يعلمون علم اليقين التهديد والوعيد الذي يلحق المتعلقين بالدنيا والراكنين إليها، لما ألهاهم ذلك حتى باغتهم الموت: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (التكاثر: 3-5).

نقول: لما بين الله تعالى ذلك، شرع في سورة العصر في بيان سبب هذا الخسران الذي يقع فيه الإنسان، وأنه هو الجهل الذي يجر إلى الكفر والتمادي في الباطل. وبين لنا ما يتعين على الإنسان فعله، والالتزام به وهو الإيمان الصادق والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر([11]) (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 3)، لنحقق الفوز العظيم في الدنيا والآخرة.
2- ومن وجوه المناسبة - أيضا -: ما أشار إليه جلال الدين السيوطي في كتابه تناسق الدرر - فيما يخص السياق العام لهذه السورة الكريمة - قال: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) واقعة موقع العلة لخاتمة ما قبلها، كأنه لما قال هناك: [فأمه هاوية]، قيل: لم ذلك؟ فقال: لأنكم آلهاكم التكاثر، فاشتغلتم بدنياكم، وملأتم موازينكم بالآثام، ولهذا عقبها بسورة العصر المشتملة على أن الإنسان لفي خسر، بيانا لخسارة الدنيا، ونماء تجارة الآخرة ولهذا عقبها بسورة الهمزة المتوعد فيها من جمع مالاً [وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَه ُ]، فأنظر إلى تلاحم هذه السور الأربع، وحسن اتساقها([12]).
المبحث الثاني


القسم بالعصر


القسم هو: طريق من طرق توكيد الكلام المشهورة لدى العرب، فقد كان من عادتهم إذا أرادوا توكيد أمر - لا سيما في الأمور العظيمة منها – جاءوا بالقسم، فهو أقوى طرق التوثيق لديهم، وأكثرها تحقيقا، لأنه يفيد الجزم بصحته، وقد بلغ من شأن القسم عندهم، أنهم كانوا يحترزون كل الاحتراز من الأيمان الكاذبة، ويعتقدون أنها شؤم على صاحبها تجلب الخراب. وكتاب الله تعالى - كما هو معلوم - نزل بلغتهم، وعلى أسلوب كلامهم، ومناحي خطابهم، ولما وقف الناس منه مواقف متباينة، من حيث القبول والرضا به، والإعراض عنه، جاء القسم في القرآن الكريم - على اختلاف أنواعه - لدفع الشبهات، وتقرير الحجة، وتوكيد الأخبار، لتطمئن نفس المخاطب إلى الخبر، وتمكن الشيء في نفسه وتقويه. يقول ابن يعيش: (الغرض من القسم توكيد ما يقسم عليه من نفي أو إثبات)([13])، وهذا ما أقره ابن القيم([14]) ولما كان هذا البحث ليس من أغراضه الخوض في تلك الأقسام، لذا سأقتصر على ما له علاقة به.

استهل الله تعالى هذه السورة الكريمة بالقسم (وَالْعَصْرِ)، وله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته سبحانه، لأنها تدل على عظمة بارئها، وهو الله تعالى، أو للإشارة إلى فضيلتها وشرفها ومنفعتها، ليعتبر بها. (ولذا لو قيل: (وصلاة العصر) فعلنا، فكيف يجوز أن يقال: لقسم الله تعالى به؟ والجواب: أنه ليس قسماً من حيث إنها فعلنا، بل من حيث إنها أمر شريف تعبدنا الله تعالى به)([15]). عن الحسن: (إن الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله)([16])، لأن حلف العباد بغير الله تعالى ضرب من الشرك. روي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)([17]). وفي لفظ: (من حلف بغير الله قد أشرك)([18])، ففي ذلك تعظيم لذاته وصفاته.

أقسم الله تعالى بالعصر الذي هو اسم للزمن كله، أو جزء منه([19])، ولذا اختلف في المراد منه - عند أهل التفسير - على أقوال، حيث لم يبين ما المراد بهذا الكلام:
أولاً: قيل العصر هو الدهر كله، أقسم الله به لما فيه من العجائب، أمة تذهب، وأمة تأتي، وقدر ينفذ، وآية تظهر، وهو هو لا يتغير، ليل يعقبه نهار ونهار يطرده ليل، فهو في نفسه عجب. واستدل لهذا القول بما جاء موقوفا عن علي رضي الله تعالى عنه، ومرفوعاً من قراءة شاذة: والعصر، ونوائب الدهر. وحمل على التفسير إذ لم يصح قرآنا، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس. وغيره، فالعصر مثل الدهر ومنه قول الشاعر:
سبيل الهوى وعر وبحر الهوى غمر ويوم الهوى شهر وشهر الهوى دهر([20])

ثانياً: وقيل: العصر: الليل والنهار. ويقال لهما: العصران([21])، قال حميد بن ثور:

ولن يلبث العصران: يوم وليلة
إذا طلبا أن يدركا ما تيمما([22]).
وهذا في الواقع من أجل النعم وأعظم الدلائل على قدرة الله تعالى وعظمته، كما أن في تعاقبهما من الدروس والعبر ما لا يخفي على كل ذي بصيرة. يقول ابن القيم: (أقسم الله تعالى بالعصر لمكان العبرة والآية فيه، فان مرور الليل والنهار دليل على تقدير قدرة العزيز العليم، منتظم لمصالح العالم على أكمل ترتيب ونظام، وتعاقبهما واعتدالهما تارة، وأخذ أحدهما من صاحبه تارة، واختلافهما في الضوء والظلام، والحر والبرد، وانتشار الحيوان وسكونه، وانقسام العصر إلى القرون والسنين والأشهر والأيام والساعات، وما دونها آية من آيات الرب تعالى، وبرهان من براهين قدرته وحكمته)([23]). وإليه الإشارة بقوله: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان: 62).

ثالثاً: وقيل: هو صلاة العصر، لكونها الوسطى. وهو قول مقاتل، وكان كذلك، لأن الله تعالى نوه بفضلها وقيمتها، قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة: 238). روي البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى البردين دخل الجنة)([24]) والبردان هما: صلاة الصبح والعصر. روي البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم - وهو أعلم بهم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)([25]).

ثم إن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار، واشتغالهم بمعايشهم. أضف إلى ذلك: أن صلاة العصر بها يحصل ختم طاعات النهار، فهي كالتوبة، بها يختم الأعمال، فكما تجب الوصية بالتوبة كذا بصلاة العصر، لأن الأمور بخواتيمها، فأقسم بهذه الصلاة تفخيما لشأنها، وزيادة توصية المكلف على أدائها، وإشارة منه أنك إن أديتها على وجهها عاد خسرانك ربحا، كما قال: (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا)([26]).
رابعا: ومن معاني العصر: قيل: عصر النبي صلى الله عليه وسلم، أو زمن أمته،([27]) واحتج على ذلك بما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى. ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاءً! قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء)([28]) ويعقب الرازي على هذا الأثر بالقول: (فهذا الخبر دل على أن العصر هو الزمان المختص به وبأمته، فلا جرم أقسم الله به، فقوله: (وَالْعَصْرِ) أي والعصر الذي أنت فيه فهو تعالى أقسم بزمانه في هذه الآية وبمكانه في قوله: (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) (البلد: 2)، وبعمره في قوله : (لَعَمْرُكَ) (الحجر: 72)، فكأنه قال: وعصرك وبلدك وعمرك، وذلك كله كالظرف له، فاذا وجب تعظيم حال الظرف فقس حال المظروف، ثم وجه القسم، كأنه تعالى يقول: أنت يا محمد حضرتهم ودعوتهم، وهم أعرضوا عنك، وما التفتوا إليك، فما أعظم خسرانهم وما أجل خذلانهم([29]).. وهناك أقوال أخرى قيلت في معنى العصر كتفي بما ذكرت مخافة الإطالة.

والذي يظهر - والله تعالى أعلم -: أن أقرب هذه الأقوال كلها – مع وجاهتها وأهميتها - قولان:

الأول: إما العموم بمعنى الدهر، وتسمية الدهر عصراً أمر معروف في لغتهم قال:

ولن يلبث العصران يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
وكان هو الراجح للقراءة الشاذة، (والعصر ونوائب الدهر) إذ أقل درجاتها التفسير، كما أن الدهر مشتمل على الأعاجيب، لأنه يحصل فيه السراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، بل فيه ما هو أعجب من كل عجب([30]) ولأنه يشمل بعمومه بقية الأقوال ([31]).
الثاني: وإما عصر الإنسان، أي عمره ومدة حياته الذي هو محل الكسب والخسران، لإشعار السياق، ولأنه يخص العبد في نفسه موعظة وانتفاعا. ويرجح هذا المعنى ما يكتنف هذا السورة من سورة التكاثر قبلها، والهمزة بعدها، إذ الأولى: تذم هذا التلهي والتكاثر بالمال والولد حتى زيارة القبور بالموت، ومحل ذلك هو حياة الإنسان، وسورة الهمزة في المعنى نفسه، في الذي جمع مالا وعدده، [يحسب أن ماله أخلده]، فجمع المال وتعداده في حياة الإنسان وحياته محدودة، وليس مخلداً في الدنيا، كما أن الإيمان وعمل الصالحات مرتبط بحياة الإنسان، وعليه، فإما أن يكون المراد بالعصر في هذه السورة العموم، لشموله الجميع، وللقراءة الشاذة، وهذا أقواها، وإما حياة الإنسان، لأنه ألزم له في عمله، وتكون كل الإطلاقات الأخرى من إطلاق الكل وإرادة البعض([32]). والله تعالى أعلم.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 224.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 222.38 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (0.86%)]