شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         قـامـوس البدع العقـديــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 106 )           »          الأمة الإسلامية بحاجة إلى مرفقين- مرفق الإفتاء ومرفق القضاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 82 - عددالزوار : 18723 )           »          أهــل الجمعــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          وثيقــــة الفســــاد!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          أهل السنة أرحم الناس بالخلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          إغاثة الملهوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أجهزة تجسس يهودية في البلاد العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          المسجد الأقصى والعدوان المستمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          احذر من مدمرات الموهبة لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #28  
قديم 01-04-2024, 05:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(41)

من الظن السيئ بالله تعالى

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
سورة (حم السجدة)
باب في قوله تعالى: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ}
2162. عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ وَقَالَ الْآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا! وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَهُوَ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ}.
الشرح: الحديث في سورة حم السجدة، وميز أهل التفسير هذه السورة بقولهم {حم} حتى لا تلتبس بسورة السجدة التي تبدأ بـ «ألم» فقيل: حم السجدة، ليبين أن المقصود هو سورة فصلت، وهذا الحديث في قول الله تبارك وتعالى من هذه السورة: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ...} الآية (فصلت: 22).
وقد أخرجه الإمام مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
- يقول ابن مسعود ]: «اجتمع عند البيت ثلاثة نفر» ويظهر أن هذا كان في الجاهلية، ويمكن أن يكون في أوائل البعثة.
- قوله: «قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي» أي: الشك منه، فهو لا يذكر هذا تماما، فهم ثلاثة: إما أن يكونا قرشيين - من قريش - والآخر ثقفي، أي من قبيلة ثقيف التي كانت تسكن الطائف، أو ثقفيين وقرشيا.
- قوله: «قليلٌ فقه قلوبهم، كثيرٌ شحم بطونهم» أي: ليس لهم عقول راجحة، ولا فقه ولا فهم، ولا توحيد ولا إيمان؛ لأنهم من المترفين، ومن الذين اتبعوا الشهوات، بدليل كثرة شحوم بطونهم، وقد قيل: البطنة تذهب بالفطنة.
- قوله: «فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟!» وهذا سؤالٌ يدل؛ على الجهل البالغ بالله تعالى، والغباء التام، إذ كيف يكون الإله العظيم، الذي يدير الأمر كله، لا يسمع كلام الناس؟! ولا يعلم بأحوالهم، ولا يدري ما يقولون أو ما يفعلون؟! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
- قوله: «وقال الآخر: يسمع إنْ جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا!» وهذا أضل وأغبى من الأول! إذ كيف يسمع الجهر ولا يسمع الخفاء؟! وهذا الاعتقاد كان موجوداً عند بعض المشركين، فيقولون: إن أردتم أن تتكلموا بما لا يرضى الرب فتهامسوا! حتى لا يسمعكم الله أو يسمعكم الرب؟!
- قوله: «وقال الآخر: إنْ كان يَسمع إذا جهرنا، فهو يسمع إذا أخفينا» وهذا كلام عاقل، فإن كان الله سبحانه وتعالى يسمع الجهر فهو يسمع السر؛ لأن الله تبارك وتعالى إله العالمين، العظيم في صفاته، وليس كغيره من البشر الذين يسمعون القريب ولا يسمعون البعيد، ويسمعون الجهر ولا يسمعون السر؛ ولذلك قال: إذا كان يسمع ما يجهر به فهو يسمع ما نسرّ به.
- فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} (فصلت: 22)، أي: ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم السمع والبصر، بمعنى لو لم يشهد عليكم السمع والبصر، أكان في ذلك استتار عن الله سبحانه وتعالى وسمعه وبصره؛ لأن الله تبارك وتعالى يسمع ويرى كل خلقه، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وسمعه تام كامل ليس فيه نقص، وبصره كذلك تام لا نقص فيه ولا عيب.
- وأيضا من معنى الآية: لو أن الإنسان لا يفعل الأشياء المحرمة أمام الناس، لكان أول الشاهدين عليه جوارحه، فأنت إذا أسررت بالمعصية ولم يكن عليك شهود، فأين السمع وأين البصر وأين الجلود والجوارح والأعضاء؟! وهؤلاء شهود معك أينما كنت، وكلها مما تشهد على العبد أيضا يوم القيامة، وهذا فيه سبب نزول هذه الآية: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ}(فصلت: 22).
- وقوله تعالى:{وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ} (فصلت: 22)، هذا ظن المشركين الباطل بالله تعالى وصفاته، وهو من الظن السيئ بالله، وبما لا يليق بأسمائه وصفاته العلا {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ}(فصلت: 23)، أي بسبب هذا الظن الباطل بالله سبحانه وتعالى، واعتقاد ما لا يليق بالله من الأسماء والصفات، بل المستقر في عقول الناس كلهم، على اختلاف مللهم ونحلهم، خصوصا من له بقية إيمان منهم مأثور عن المرسلين، أن الله عز وجل له صفات الكمال والجلال والجمال، وأن له من كل صفةٍ أتمها وأكملها وأجملها، فهو سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وعندما تقول: يسمع إن أخفينا ولا يسمع إن أعلنا، فهذا وصف يتنزه الله عنه، وهو ظن بالله سيئ، ولذلك قال عنه: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} أَرْدَاكُمْ، أي: أهلككم، إذْ جرأكم على المعاصي والفواحش.
- وقوله: {فأصبحتم من الخاسرين} لأنكم خسرتم أنفسكم، وخسرتم أعماركم، وخسرتم أعمالكم، وخسرتم أهليكم يوم القيامة لأنكم دخلتم النار، ودخول النار هو الخسارة الكبرى التي لا تعدلها أي خسارة.
- ثم قال سبحانه وتعالى: {فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} (فصلت: 24)، إن يصبروا على النار وأنى لهم أن يصبروا عليها، فمن هذا الذي له قدرةٌ وطاقة على أن يصبر على حرّ النار، ولهيبها وأغلالها ومقامعها؟! وكيف إذا كانت هذه النار أشد من نار الدنيا بتسعةٍ وتسعين مرة، من الذي له طاقة على أن يصبر على هذه النار؟! عافانا الله وإياكم.
- {وَإِن يَسْتَعْتِبُوا} يعني: وإن يطلبوا رفع العتب والمؤاخذة، ولو قالوا: يا ربنا ائذن لنا أن نتوب، وأن نعتذر وأن نرجع ونرفع عنا الغضب، وأن نرفع عن أنفسنا المؤاخذة والذنب {فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} ليس لهم مرد إلى الدنيا وليس لهم مرجع آخر يرجعون فيه فيعملون صالحا، هذا لا يعطاه أبدا أهل النار.
- وجاء في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وغيرهما حديث متعلق بهذه الآية: من حديث معاوية بن أبي حيدة ] قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
: « تحشرون هاهنا - وأومأ بيده إلى الشام - مشاة وركباناً وعلى وجوهكم، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام وأول ما يعرف عن أحدكم فخذه وكفه وتلا رسول الله [ قوله تعالى: {وما كنتم تستترون....} « الآية.

ففي الحديث أن الشام أرض المحشر والمنشر، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج عن أهلها ويكبت عدوها، وفيها من الفضائل الواردة في السنة شيءٌ كثير، وجاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: « طوبى للشام؛ لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها» رواه أحمد والترمذي، وقال أيضا
صلى الله عليه وسلم
: « الشام أرض المحشر والمنشر « رواه أحمد وابن ماجة. وقال الله سبحانه وتعالى {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 71)، وهي أرض الشام باتفاق أهل التفسير، وما يحصل اليوم في أرض الشام لعله إرهاصات بعودة الإسلام وحكمه إليها، وتربية ربانية لأهلها، يهيئ فيها الناس إلى أمر يريده الله سبحانه وتعالى منهم، وأن يتربوا على شيء يخالف ما كانوا عليه سابقا، فنسأل الله عز وجل أن يأجرهم وأن يرفع البلاء عنهم وأن يحقن دماءهم.

- ثم قال: «تحشرون إلى الشام مشاة وركبانا وعلى وجوهكم» فالناس يوم القيامة يحشرون ثلاثة أصناف: صنفٌ مشاة يمشون على الأرض، وصنف ركبان يركب الواحد على البعير، والاثنان على البعير، والثلاثة على البعير، والعشرة على البعير، بحسب درجة الإنسان، فإذا كان الإنسان من أهل الصلاح والإيمان فله مركوب خاص به، وهذا من تكريم الله عز وجل له.
والثالث من الناس - والعياذ بالله - من يحشر على وجهه، كما ذكر ربنا عز وجل في كتابه.
- وقوله: «وتعرضون على الله، وعلى أفواهكم الفدام» الفدام هو الخيط الذي يربط به فم القربة، أي إنسان فمه مربوط.
- وقوله «وأول ما يعرف عن أحدكم فخذه وكفه» أي: فينطق أعضاؤه، ويشهد عليه فخذه بما اكتسب في الدنيا، وكفه كذلك، قال: وتلا رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قوله تعالى: {وما كنتم تستترون....مما تعملون}.

وهذا حديث أيضا في تفسير هذه الآية.
سورة الدخان
باب في قوله تعالى: {فارتقبْ يومَ تأتي السّماء بدخانٍ مبين}
2163. عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ يَقُصُّ، وَيَزْعُمُ أَنَّ آيَةَ الدُّخَانِ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ: يَأَيَّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ، مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ [ {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ} إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ لَمَّا رَأَى مِنْ النَّاسِ إِدْبَارًا، فَقَالَ: « اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ» قَالَ: فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنْ الْجُوعِ، وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} قَالَ: أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الْآخِرَةِ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ.
2164. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ الدُّخَانُ وَاللِّزَامُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَالْقَمَرُ».
الشرح: سورة الدخان فيها حديث واحد في قوله تعالى: {فارتقبْ يومَ تأتي السماءُ بدخان مبين} (الدخان:10). وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب صفة القيامة والجنة والنار. عن مسروق وهو ابن الأجدع الهمداني، أبو عائشة، ثقة فقيه عابد مخضرم، أحد أصحاب ابن مسعود.
- قال: « كنا عند عبدالله جلوس وهو مضطجع بيننا فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن «وهي كنية عبدالله بن مسعود» إن قاصا عند أبواب كندة» وأبواب كندة من أبواب الكوفة «يقص ويزعم» لم يذكر اسم هذا القاص، والقصاص جماعةٌ من الوعاظ يستميلون العوام إليهم بالأحاديث المنكرة، بل لأكاذيب والأعاجيب من القصص، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة في ذلك باسم: أحاديث القصاص، ولابن الجوزي كتاب باسم: القصاص والمذكرين، وللسيوطي رسالة أيضا باسم: تحذير الخواص وغيرهم.
- قوله: «يزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، فقام أبو عبدالله وجلس وهو غضبان» أي إن عبدالله بن مسعود لما سمع هذا القول وغضب منه، جلس فقال: يأيها الناس اتقوا الله، من علم منكم شيء فليقل بما يعلم ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم» وهذه موعظة من عبدالله بن مسعود ] لجلسائه ألا يتكلم الإنسان بشيء إلا في حدود ما يعلم؛ فإن القول على الله تعالى بغير علم من كبائر الذنوب ومن المحرمات العظيمة، وهي سبب لوقوع الشرك في الأرض، والشرك في الأرض إنما وقع بسبب القول على الله بغير علم، والواجب على الإنسان أن يقول فيما يعلم من كتاب أو سنة أو أقوال أهل العلم، أما إذا سئل عن شيء لا يعلمه، فالأدب الذي أدب الله به المؤمنين أن يقول: الله أعلم.
- قال: فإن الله عز وجل قال لنبيه
صلى الله عليه وسلم
: {قُل لا أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين} ما أسألكم عليه من أجر يعني لا أسألكم على البلاغ أجرا، فلا أسألكم على بلاغ الدين أجرا والرسالة، ولا على التعليم ولا على الإرشاد والنصح، لا أسألكم عليه مالا ولا أجرة {وما أنا من المتكلفين} فمن قال على الله بغير علم فهو متكلف، ومن تكلم فيما لا يعلم فهو متكلف، والنبي
صلى الله عليه وسلم
لم يكن من المتكلفين، وإنما كان عليه الصلاة والسلام إذا سُئل عن شيء لا يعلمه سكت وانتظر الوحي حتى ينزل، فلا تتقدم بكلام إلا بعلم، وهذا من باب أولى أن يكون متوجها لعلماء الأمة والدعاة والوعاظ والمعلمين والمرشدين ألا يقولوا شيئا إلا بعلم.

- ثم قال عبدالله بن مسعود: «أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لما رأى من الناس إدبارا، فقال: اللهم سبع كسبع يوسف» أي إن النبي
صلى الله عليه وسلم
لما رأى إعراض المشركين في مكة عنه، لما أعرضوا عن دعوته وعن رسالته، وكفروا بما جاء به؛ لأن الإعراض نوع من أنواع الكفر، وهو أن يعرض الإنسان عن الدين بالكلية، لا يتعلمه ولا يعمل به ولا يتبعه، فهذا كفر إعراض، يقول الله عز وجل: {والذين كفرُوا عمّا أُنذروا مُعرضون} يعني أنهم كانوا يولون الأوامر الإلهية دبرهم، أي ظهورهم.

فلما رأى الرسول
صلى الله عليه وسلم
منهم إعراضا وإدبارا، قال: «اللهم أعني عليهم» - وفي هذه الرواية - «اللهم سبع كسبع يوسف»، وفي رواية أخرى: «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف»، المقصود بسبع يوسف عليه الصلاة والسلام هي التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف، أنهم جاءتهم سبع سنين مجدبة، قحط وشح في الأمطار وحاجة، بحيث إن هذه السبع أكلت ما عند الناس من مؤونة مدخرة، فكل ما كانوا يدخرونه من حبوب وطعام فني ولم يبق منه شيءٌ بسبب قلة الأمطار، وذهاب الخيرات.

قوله: «أصابتهم َسنةٌ» والسَّنة هي الجدب والقحط، «حصّت كل شيء» يعني لم تبق عندهم حبوباً ولا طعاما يأكلونه.
- قوله: «حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع» حتى صار أحدهم يأكل جلد الشاة الذي يجلس عليه، يأخذه ويأكله، وأكلوا الميتة أيضا من شدة الجوع؛ لدعاء النبي
صلى الله عليه وسلم
عليهم واستجابة الله له، وهذا كما قال الله تبارك وتعالى عن قوم فرعون: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأعراف: 130)، بالسنين يعني بالقحط الشديد، ونقص الثمرات عندهم، لما كذبوا موسى عليه السلام عقوبة لهم من الله، وهذا يبين لنا أن ما يحدث على الأرض له علاقة بذنوب بني آدم وطاعاتهم، خلافاً لما يقوله الملاحدة واللادينيون الذين يزعمون: أنه لا علاقة بما يحدث على الأرض بمعاصي الإنسان؟! فإذا قال لهم أهل الدين والعلم: احذروا غضب الله وانتقامه، احذروا الزلازل، احذروا الأعاصير والفيضانات، احذروا الأوبئة والأمراض؛ لأن الله عز وجل يعاقب خلقه بما يشاء، قالوا لهم: هذه أمور طبيعية تحدث للمؤمنين والكفار وكما تحدث في ديار المسلمين تحدث في ديار الكفار لا فرق؟؟! وهذا من الجهل البالغ بالله تعالى وسننه الكونية التي قررها الله في كتابه، وهذه الأمور لو حصلت في بلاد المسلمين فهي ابتلاء وتكفير للسيئات، أما إذا حدثت في بلاد الكفار فهي عقوبة ونكال، وهناك فرق بين العقوبة والابتلاء، العقوبة عذاب، أما الابتلاء ففيه الرحمة والمغفرة ورفعة الدرجات، والتنبيه للرجوع لله والتوبة، وما أشبه ذلك من الفوائد التي تحصل للمؤمنين بالابتلاءات.

- قوله: «وينظر أحدهم إلى السماء فيرى كهيئة الدخان» يعني من شدة الجوع والجهد، صار الناس إذا رفعوا أبصارهم إلى السماء، رأوا كهيئة الدخان مما بينهم وبين السماء، وذلك أن الإنسان بسبب شدة الجوع يضعف النظر عنده، حتى إنه يكون على عينيه غشاوة كالدخان، هذا تفسير ابن مسعود، وأن الآيات التي من سورة الدخان {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}(الدخان: 10 - 11) فيقول: إن الدخان الذي ذكره الله عز وجل في هذه السورة، هو الذي حصل لقريش لما أعرضوا عن الإسلام، صار أحدهم إذا رفع بصره إلى السماء يرى كأن هناك دخانا بينه وبين السماء، بسبب الجهد والجوع.
- قوله: «فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد، إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم يذكره، يقول أنت جئت بطاعة الله وجئت بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا بسبب دعائك، فادعوا الله لهم» يذكره بما كان يدعو إليه من صلة الأرحام، والتراحم بين الخلق، أن يخفف عنهم بدعائه، وأن يصرف عنهم الجوع والجهد فالنبي عليه الصلاة والسلام دعا لهم بأن يرفع الله تعالى عنهم البلاء؛ أملا في إيمانهم وإسلامهم وتوبتهم، ولكن أصروا على كفرهم إلا القليل منهم؛ لهذا قال الله عز وجل: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}(الدخان: 15)، أي سنكشف عنكم هذا الجوع وهذا العذاب به، فسمى الجوع الشديد عذابا، فالجوع الشديد عذاب، والناس اليوم إذا ذكرتهم بنعمة الطعام ونعمة الأمن، يسخرون من هذه النعم الجليلة، ويقولون: نعم نأكل ونشرب حتى الدواب تأكل وتشرب؟! هكذا يقولون، مع أن الله سبحانه وتعالى امتن على عبادة بالطعام والشراب في كتابه فقال: {فليعبُدوا ربَّ هذا البيتِ الذي أَطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف} وربما استهزأ بعضهم بالطعام القليل، أو بالطعام الذي لا يعجبه والنبي
صلى الله عليه وسلم
ما عاب طعاماً قط، إنْ اشتهاه أكله، وإنْ كرهه تركه.

فعندما دعا الرسول عليه الصلاة والسلام رفع الله عنهم، وقال الله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} قال ابن مسعود: أفيكشف عذاب الآخرة؟! هذا الاستفهام من ابن مسعود يدل على أن ابن مسعود كان يفسر الآية {يومَ تأتي السماءُ بدخانٍ مبين} بأن هذا الدخان هو ما حصل لقريش بدليل أن الله عز وجل قال{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً} فعذاب الآخرة لا يكشف؛ فاستدل بهذا على أن الدخان المقصود هو ما حصل لقريش من رؤية كهيئة الدخان بسبب الجوع بينهم وبين السماء.
لكن يشكل على هذا الفهم الذي فهمه ابن مسعود أمور:
- أولا: وجود أحاديث صحيحة تصرح بأن الدخان من علامات الساعة، فقد وردت أحاديث صحيحة من حديث حذيفة بن أسيد قال: طلع علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ونحن نتذاكر، قال: « ما تذكرون؟ « قالوا نذكر الساعة، قال: « إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان والدجال والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم، رواه الإمام مسلم.

- وأيضا: ورد في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أيضا قال النبي
صلى الله عليه وسلم
: « بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها والدخان ودابة الأرض والدجال، وخُويصة أحدكم وأمر العامة». خويصة أحدكم يعني الموت، وأمر العامة هو القيامة، وبادروا يعني: استعجلوا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات الكبرى، فذكر منها طلوع الشمس من مغربها؛ لأن الشمس إذا طلعت من مغربها أغلق باب التوبة، والدخان فجعل الدخان من علامات الساعة الكبرى.

وأيضا فان الآية صريحة في أن الدخان يأتي من السماء {فارتقبْ يوم تأتي السماء بدخانٍ مبين} فليس هو ما يراه الناس كهيئة الدخان، كما قال ابن مسعود، فلا يصح أن يحمل الدخان الذي بالآية الكريمة على أنه مجرد تهيؤ وتخيل، فلا يؤول إلا بقرينة واضحة، ولا توجد هاهنا قرينة.
- وأيضا: آية الدخان فيها خطاب عام للجميع, والأرجح - والله تعالى أعلم- أن الدخان يكون قبل قيام الساعة، وأنه من علامات الساعة، ولا مانع أن يكون أيضا أن أهل مكة رأوا ما يشبه الدخان بسبب الجوع الشديد الذي حصل لهم.
- وقوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ}(الدخان: 16) فالبطشة يوم بدر، وقد مضت آية الدخان والبطشة واللزام وآية الروم»، قال: البطشة كانت يوم بدر؛ لأن الله سبحانه وتعالى بطش بالمشركين في يوم بدر فقتل منهم سبعين، وأسر سبعين. واللزام في قوله سبحانه وتعالى: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} (الفرقان: 77) يعني سوف يكون عذابهم لزاما، وهو ما جرى لهم في يوم بدر أيضا من القتل، وهي البطشة الكبرى أيضا.
وأيضا الآية فيها عموم، فكل من كذب بدعوة الرسول
صلى الله عليه وسلم
فعذابه لازم، أي واقع لا محالة، أو ملازم له لا يفارقه وهو مستمر له ما لم يسلم، فإذا كان موحداًَ فإن عذابه لا يلازمه، يعني لا يدوم، أما المشرك فعذابه لازم مستمر لا ينقطع. قوله « وآية الروم» أي: التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في أول سورة الروم، وأنها من أشراط الساعة، وهكذا الحديث الذي بعده وهو في الباب نفسه.

قال عن عبدالله بن مسعود ] قال: «خمسٌ قد مضين: الدخان، واللزام، والروم، والبطشة، والقمر».
وهذا كما قلنا يدل على أن ابن مسعود ] كان يرى هذه خمسة آيات مضت، يعني: حصلت وانتهت، فالدخان حصل، واللزام الذي هو العذاب الذي لزمهم حصل لهم في غزوة بدر، وكذلك البطشة وآية الروم، والقمر يعني انشقاق القمر الذي حصل على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم
، فانشق القمر فرقتين، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
: «اشهدوا» أي على انشقاق القمر، الذي ذكره ربنا سبحانه وتعالى في سورة باسمه {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} (القمر 1- 2) وقولهم: هذا سحر، هو قول المشركين عند رؤيتهم انشقاق القمر، وهو من استكبارهم، وانشقاق القمر من علامات الساعة التي مضت.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 790.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 789.00 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.22%)]