سلسلة مكارم الأخلاق ***متجددة إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191126 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 660 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 941 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1093 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 837 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 922 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92819 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-11-2020, 11:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي سلسلة مكارم الأخلاق ***متجددة إن شاء الله

سلسلة مكارم الأخلاق


د. محمد ويلالي


الحلقة رقم (1)







عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحبُّ الناسِ إلى الله - تعالى - أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله - عز وجل - سرورٌ تدخِله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا، ومن كفَّ غضبه، ستر الله عورته، ومَن كظم غيظًا، ولو شاء أن يمضيَه أمضاه، ملأ الله قلبه رضًا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله قدمه يوم تزِلُّ الأقدام، وإن سوء الخلق لَيفسدُ العمل كما يفسد الخلُّ العسلَ))؛ رواه ابن أبي الدنيا، وهو حديث حسن.

ظهر هذا الحديث الشريف محورًا أساسًا، يدور عليه نجاح الأمة الإسلامية، وينبني عليه شرفها، ومجدها، وعزتها، وهو تَمثُّل حُسن الخلق في التعامل مع الآخر، واستحضارُ وصايا مبلِّغ شريعة الإسلام - صلى الله عليه وسلم - في ضبط العلاقة بين الأفراد والجماعات، الذي ما بعثه الله - تعالى - إلا ليتمِّم حسنَ الأخلاق؛ فقد سقطت أكثر من 20 حضارة بسبب فساد أخلاق أهلها، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].














وَإِذَا أُصِيبَ القَوْمُ فِي أَخْلاقِهِمْ فَأَقِمْ عَلَيْهِمْ مَأْتَمًا وَعَوِيلا






ولا شكَّ أنَّ المسلم الذي يخالط الناس، يجد نفسه بين فئتين منهم تتجاذبانِه: فئةِ الأخيار، تدعوه إلى الخير والصلاح، وفئةِ الأشرار، تجذبه إلى الشر والفساد وسوء الأخلاق، قال - عليه الصلاة والسلام - من حديث أبي سعيد الخدري: ((ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانةٌ تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصمه الله))؛ البخاري.

ولهذا كان التزام الفئة الخيرة ضروريًّا لاستقامة الحياة وسعادتها؛ فقد أوصى الله - تعالى - رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].


وفي "صحيح مسلم" عن سعد بن أبي وقَّاص قال: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستَّة نفر، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرد هؤلاء، لا يجترئون عليْنا، قال: وكنت أنا (أي: سعد بن أبي وقاص) وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجُلان لست أسمِّيهما، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نفسه، فأنزل الله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]"، هكذا تتغير نظرة الناس إلى الآخر، مركزة على معايير غير حقيقية، يقول الإمام الشافعي - رحمه الله -:





عَلَيَّ ثِيَابٌ لَوْ يُبَاعُ جَمِيعُهَا بِفَلْسٍ لَكَانَ الفَلْسُ مِنْهُنَّ أَكْثَرَا
وَفِيهِنَّ نَفْسٌ لَوْ يُقَاسُ بِبَعْضِهَا نُفُوسُ الوَرَى كَانَتْ أَجَلَّ وَأَكْبَرَا


قال الفضيل بن عياض: "اتبعْ طرق الهدى، ولا يضرك قلَّة السالكين، وإياك وطرقَ الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين"، وصدق والله.

كَمْ مِنْ أَخٍ لَكَ لَمْ يَلِدْهُ أَبُوكَا وَأَخٍ أَبُوهُ أَبُوكَ قَدْ يَجْفُوكَا
صَافِ الكِرَامَ إِذَا أَرَدْتَ إِخَاءَهُمْ وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَخَا الحِفَاظِ أَخُوكَا
كَمْ إِخْوَةٍ لَكَ لَمْ يَلِدْكَ أَبُوهُمُ وَكَأَنَّمَا آبَاؤُهُمْ وَلَدُوكَا


ولذلك سمعت في الحديث السابق: ((ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام)).


فمن كمال الخُلق: أن تنبسط في وجه أخيك، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تبسُّمك في وجه أخيك صدقة)) "ص. الترغيب"، وقال أبو جعفر المنصور: "إن أحببتَ أن يكثر الثناءُ الجميل عليك من الناس بغير نائل، فالْقَهُمْ بِبِشْر حسن"، وتأمل في هذه القصة البديعة الرقراقة، التي يرويها عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقبِل بوجهه وحديثه على أشرِّ القوم، يتألَّفهم بذلك، فكان يقبل بوجهه وحديثه عليَّ، حتى ظننتُ أني خير القوم، فقلت: يا رسولَ الله، أنا خير أم أبو بكر؟ قال: ((أبو بكر))، فقلت: يا رسولَ الله، أنا خير أم عمر؟ قال: ((عمر))، فقلت: يا رسول الله، أنا خير أم عثمان؟ قال: ((عثمان))، فلمَّا سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَنِي، فلودِدتُ أني لم أسأله"؛ رواه الطبراني، وحسَّنه في "مختصر الشمائل".


ومن كمال الأخلاق: الصبرُ على أذى الجاهلين، ونكايةِ الغافلين، قال – تعالى -: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، ومن عجائب أخلاق الأحنف بن قيس - وكان سيِّدًا في قومه، إذا غضب غضب له مائةُ ألف، لا يسألونه فيم غضب - أنَّه كان يسير يومًا إلى منزله، ووراءَه رجل يتبعه منذ مسافة، يسبُّه ويشتمه، فلمَّا قرب الأحنفُ من بيته (أي من حارتِه) وقف، وقال لهذا الرجل: "يا أخي، أعْطِني ما بقي عندك، أكمل السب والشتم"، فاستغرب الرجل وقال: لماذا؟! قال: "أخشى أن يراك سفهاءُ قومِنا فيؤذوك، وأنا لا أريد أن يؤذوك"، فأطرَقَ الرجل حياءً وانصرف.

يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع إذا كُنَّ فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدقُ الحديث، وحفظُ الأمانة، وحسنُ الخلق، وعفَّةُ مطعم))؛ "ص. الجامع".






إِنِّي لَتُطْرِبُنِي الخِلالُ كَرِيمَةً طَرَبَ الغَرِيبِ بِأَوْبَةٍ وَتَلاقِ
وَيَهُزُّنِي ذِكْرُ المَحَامِدِ وَالنَّدَى بَيْنَ الشَّمَائِلِ هِزَّةَ المُشْتَاقِ
فَإِذَا رُزِقْتَ خَلِيقَةً مَحْمُودَةً فَقَدِ اصْطَفَاكَ مُقَسِّمُ الأَرْزَاقِ
وَالنَّاسُ هَذَا حَظُّهُ عِلْمٌ وَذَا مَالٌ وَذَاكَ مَكَارِمُ الأَخْلاقِ
وَالمَالُ إِنْ لَمْ تَدَّخِرْهُ مُحَصَّنًا بِالعِلْمِ كَانَ نِهَايَةَ الإِمْلاقِ





الخطبة الثانية



لما غاب كثيرٌ من هذه الأخلاق الرفيعة عن المسلمين، وكَلهم اللهُ إلى أنفسهم، فضَنكت معيشتُهم، وقلَّت حيلتهم، فتفشَّت فيهم الأميَّة، وانتشرت بينهم الأمراض، وعظمت بينهم الصراعات، فضعفت هِمَمهم، وذهبت ريحهم، وسلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فاستباحوا أراضيَهم، وأخذوا بعض ما في أيديهم، وأمامنا نكبة فلسطين، حيث الحرمات مستباحة، والدماء مسفوحة، والمساجد تهدم، والمستشفيات تقصف، متوسط الجرائم أكثر من 60 قتيلاً و230 جريحًا يوميًّا، طيلة ثلاثة وعشرين يومًا، بلا شفقة ولا رحمة، قال – تعالى -: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 8]، ولكن بالأخلاق الفاضلة ينتصِر المسلمون، بالتصرُّفات السديدة يَسُود المسلمون، بتحكيم أوامر كتاب الله وسنَّة رسوله يعزُّ المسلمون، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8].


وقد أُثر عن عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - أنَّه قال: "نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام، فمَن ابتغى العزة في غيره، أذلَّه الله"، وفي وصيته - رضي الله عنه - لسعد بن أبي وقاص ومن معه من الجنود، قال: "وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوِّهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوَّة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عُدَّتنا كعُدَّتهم، فإنِ استوينا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوَّة، وإلاَّ نُنصَر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوَّتنا".

فلنتَّقِ الله في أنفسنا - عباد الله - ولنتخلق بأخلاق الإسلام، ولنقلع عن المعاصي والآثام، قال عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: "إنَّ للسيئة اسودادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق"، فاللهم زينَّا بزينة الإسلام، ومتِّعنا بنعمة الإيمان.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-11-2020, 11:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة مكارم الأخلاق ***متجددة إن شاء الله

سلسلة مكارم الأخلاق


د. محمد ويلالي


الحلقة رقم (2)





إنَّ الله - تعالى - إذا أراد بعبْدٍ خيرًا، هداهُ إلى صالِح الأخلاق، وجميل الأفعال؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه -: ((اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتْبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِق الناسَ بِخُلق حسن))؛ رواه الترمذي، وهو حديثٌ حسن، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أكمل المؤمنين إيمانًا، أحسنهم خلقًا))؛ رواه أبو داود، وهو حسن صحيح.

فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان خلقه القرآن، لا يصدر إلاَّ عنه، ولا يَتَكَلَّم إلاَّ به، ولا يحاكم الناس إلا إليه، قال - تعالى -: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، فحُسن الخلق ميدانٌ للتنافُس بين المؤمنين، ومِضْمار للسِّباق نحو الفوز برضا ربِّ العالمين، فقد سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: ((تقوى الله، وحُسن الخلق))؛ ص. الترمذي، وعن أبي أُمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا زعيمٌ ببيت في ربَض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لِمَن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لِمن حسُن خلقُه))؛ ص. ابن ماجه.


وأنت أيها المؤمن، قد تأتي بجبال منَ المعاصي، وأكوام منَ الذنوب، فيأتي حُسن معاملتك للناس في الدنيا، وسلامة أخلاقك معهم، فيكون ذلك شافعًا لكَ لدخول الجنة؛ فعن أبي الدَّرْداء - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حُسن الخلق))؛ ص. الترمذي.

وليس حسن الخلق كلمة تُقال، ولا درسًا يُلْقَى، ولا فلسفة نظرية مُجَرَّدة وحسْب؛ بل هو سلوكٌ عملي، يظهر أثره في التصرُّفات والمعاملات؛ فقد وصفه عبدالله بن المبارك - رحمه الله - بأنه: "بسْط الوَجْه، وبذْل المعروف، وكف الأذى))، بسط الوجه؛ أي: طلاقته، وإشراقه عند مُقابَلة الناس، من غير عبوس ولا تقطيب، وذلك حقيقة البر:


بُنِيَّ إِنَّ البِرَّ شَيْءٌ هَيِّنُ وَجْهٌ طَلِيقٌ وَلِسَانٌ لَيِّنُ
لقد تَكَبْكَبَتِ الأحزان على نُفُوس كثير منَ الناس، وجثمتِ المآسي على صُدُورهم، واستسلموا لها حتى غابتْ عنهم الابتسامة أو كادتْ؛ أزيد من مليار شخص في العالَم مُصابُون باضطرابات نفسيَّة - حسب منظمة الصِّحَّة العالمية - وفي بلدنا (المغرب) - وحسب إحصاء لوزيرة الصحة -:


26% منَ المَغَارِبة يُعانون مِن مرض الاكتئاب، و

6.6 % يعانون منَ الوسواس القَهْري، و

5.6 % يعانون منَ الأمراض الذهانية، و

6.3% يعانون من الرهاب الاجتماعي، و

9 % يعانون منَ الخوف الداخلي العام، هؤلاءِ يحتاجون منَّا إلى اللمسة الحانية، والمبادرة المفرحة، والمعاملة الرفيقة اللطيفة.


أُحِبُّ الفَتَى يَنْفِي الفَوَاحِشَ سَمْعُهُ كَأَنَّ بِهِ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ وَقْرَا
سَلِيمُ دَوَاعِي الصَّدْرِ لا طَالِبًا أَذًى وَلا مَانِعًا خَيْرًا وَلا قَائِلاً هُجْرَا
وتأمَّل في هذا الخلق العجيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بَعَثَهُ الله رحمةً للنَّاس، قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "كنتُ أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أثرتْ بها حاشية البرد، من شدة جَبْذَته - وعند مسلم: فجاذبه حتى انشقَّ البرد، وحتَّى بقيتْ حاشيته في عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك، فالْتَفَتَ رسول - صلى الله عليه وسلم - ثم ضحِك، ثم أمر له بعطاء"؛ متفق عليه.



بَنَيْتَ لَهُمْ مِنَ الأَخْلاَقِ رُكْنًا فَخَانُوا الرُّكْنَ فَانْهَدَمَ اضْطِرَابَا
وَكَانَ جَنَابُهُمْ فِيهَا مَهِيبَا وَلَلأَخْلاَقُ أَجْدَرُ أَنْ تُهَابَا
فأين نحن - عباد الله - من هذه الشِّيَم النبيلة، والأخلاق الرفيعة؟!

لماذا يكثر بيننا الغش والخداع؟ لماذا المحاكم مَلأَى بقضايا الظُّلم والاعتداء؟ لماذا الجريمة مُتَفَشِّيَة بيننا بمختلف صنوفِها وألوانها؟ ونتساءل - بعد ذلك -: لماذا لا يستجيبُ الله دعاءنا في ردِّ أعدائِنا عنَّا؟ يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم))؛ مسلم.

لمَّا كان المسلمون الفاتحون للأندلُس صادقين، قال فيهم أحد قادة لذْريق: "لقد نزل بأرضنا قوم، لا ندري أهبطوا من السماء، أم نبعوا من الأرض"، لكن ما لبثوا أن أضاعوا هذا الحصْن، حينما فسدتْ أخلاقُهم، وانشغلوا بالمَلَذَّات والتفاهات، قال أحد كتَّاب النصارى: "العرب هوَوْا حينما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب، يَميل إلى الخفَّة والمرح، والاسترسال بالشهوات"، {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأعراف: 100].


قيل لإبراهيم بن نصر الكرماني: "إنَّ الظالم فلانًا دخل مكَّة، فقتل وصنع، وكثر الدعاء عليه فلم يستجب للداعين؟ فقال: لأنَّ فيهم عشر خصال، فكيف يستجاب لهم؟ قالوا: وما هنَّ؟ قال:

الأول: أقرُّوا بالله، وتركوا أمره،

والثاني: قالوا: نحب الرسول، ولم يتبعوا سنته،

والثالث: قرؤوا القرآن، ولم يعملوا به، والرابع: زعموا حب الجنة، وتركوا طريقها،

والخامس: قالوا: نكره النار، وزاحموا طريقها،

والسادس: قالوا: إن إبليس عدونا، فوافقوه،

والسابع: دفنوا موتاهم، فلم يعتبروا،

والثامن: اشتغلوا بعيوب إخوانهم، ونسوا عيوبهم،

والتاسع: جمعوا المال، ونسوا يوم الحساب،

والعاشر: نفضوا القبور، وبنوا القصور".



أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالأَيَّامِ إِذْ حَسُنَتْ وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأْتِي بِهِ القَدَرُ
وَسَالَمَتْكَ اللَّيَالِي فَاغْتَرَرْتَ بِهَا وَعِنْدَ صَفْوِ اللَّيَالِي يَحْدُثُ الكَدَرُ

الخطبة الثانية
وإذا كان بسْط الوجه مِن صميم حُسن الخلق، فإنَّ بذْل المعروف، وكفَّ الأذى مِن أعْظم ركائِزِه، وبِغِيَابِهما كثُرتِ الخُصُومات، وتفاقمتِ المشادَّات.

فَمِن بذل المعروف: العفو والصفح، يقول - صلى الله عليه وسلم - مِن حديث عُقبة بن عامر - رضي الله عنه -: ((يا عقبة بن عامر، صِلْ مَن قطعك، وأعط مَن حرمك، واعفُ عمَّن ظلمك))؛ روه أحمد، وهو في الصحيحة، وقلَّة الصبر على العفو قد تُوقع في المهالك، وهاك مثالين لِمَنْ يتجاوز ويصفح، ولمن يغضب ويجنح:


الأوَّل: عن أم سلمة أنَّها أتتْ بطعام في صحفة لها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - وكانت النوبة عند عائشة - فجاءتْ عائشة متزرة بكساء، ومعها فهر (حجر)، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين فلقتي الصحفة، وقال: ((كلوا، غارت أمكم)) مرتين، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحفة عائشة، فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة"؛ البخاري.

الثاني: عن وائل قال: "إنِّي لقاعد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة (حبل مضفور من جلد)، فقال: يا رسول الله، هذا قتل أخي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أقتلتَه؟))، قال: نعم قتلته، قال: كيف قتلته؟ قال: كنت أنا وهو نحتطب من شجرة، فسبَّني، فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه، فقتلته"؛ مسلم.


فانظر إلى ذهاب المعروف بين الناس ماذا يفعل، وانظر إلى قلة العفو، وتقصُّد الأذى كيف تكون عاقبتهما؟ فاللَّهُمَّ أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، اللهُمَّ إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا، والأهل والمال، اللهم استر عوراتنا، وآمِنْ روعاتنا، اللهم احْفَظْنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الشِّرْك والمشركين، وانصُر عبادك المجاهدين، في فِلَسطين وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ بلدنا آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، اللهم مَن أراد بلاد المسلمين بِكَيْد، فاجْعل كيده في نحره، واجعل الدائرة عليه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 72.59 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (3.12%)]