|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
كيف تحكم على الأشخاص؟ كلمات في الفراسة
كيف تحكم على الأشخاص؟ كلمات في الفراسة د. رضا أمين أحيانًا نتمنَّى لو نستطيع أن يكون مَن نتعامل معه مثل كتاب مفتوح، حتى نعرف ما يدور في رأسه، وما يُفكِّر فيه، وأحيانًا نتمنَّى لو نكشف عن خريطة التفكير العقليِّ للآخَرين، خاصة في بعض المواقف، التي تَنطوي على منافسة أو طلب، أو تعبير عن المشاعر الإنسانية المتبادَلة، أو غير ذلك من المواقف الحياتيَّة المختلفة. لكن المفاجأة أن هناك من يستطيع قراءة ما بداخلك! وهذا ما يُسمى بـ(الفِراسة). هناك من يستطيعون تحليل شخصيتك من أول نظرة، مِن تعبيرات وجهك وجسدك، من طريقة مشيتِك، وهيئة جلوسك، حتى قصاصاتك التي تدوِّن فيها بخطِّك أي حروف، ومن توقيعك على وثائقك الرسمية! ليس فقط تحليل الشخصية، إنما يمكن للبعض أن يذهب إلى أبعد من ذلك، فيعرفون بعض المعلومات عن طبائعك، وعن طريقة تفكيرك، بل حتى مهنتك. والفراسة ليس مجرد تخمين أو توقع، بل هو علم له أصوله وأسسه، وهو علم يعرف به أخلاق وطباع الناس الباطنة من النظر في أحوالهم الظاهرة. ويسمى في الغرب علم الفيزيوجنومي physiognomy، والبعض يرجع أصوله إلى اليونانيين، وهو علم الاستدلال على قوى الإنسان وأخلاقه بالنظر إلى ظواهر هيئته وجسمه. وقد عُرف العرب بهذا الفنِّ من التعامل مع الناس، وكانوا يَصدُقون إلى حدٍّ كبير فيَعرفون الكثير من المعلومات عن الأشخاص بمجرَّد النظر إلى ملامحهم وهيئتهم. ذات يوم جلس محمد بن الحسن والشافعي بفناء الكعبة، فمرَّ رجل فقال أحدهما لصاحبه: تعالَ نتفرَّس على هذا الآتي؛ أي حرفة معَه؟ فقال أحدهما: خياط، وقال الآخر: نجار، فبعَثا إليه فسألاه؛ فقال: كنت خياطًا وأنا اليوم نجار! والفِراسة يتَّسم بها البعض ممن امتنَّ الله عليهم بهذه المهارة، وتتأتَّى بالمزيد من الدربة والخبرة في الحياة، وكذلك بالعلم، بل وبالصلاح والاستقامة؛ فالإنسان إذا صَلُحت سريرته، وكان نقيَّ القلب، لا يحمل ضغينة ولا حقدًا لأحد، فإنَّ الله يهبه فراسة في الحكم على الأشخاص والأمور بشكل صائب دقيق، وقد جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسُّم))؛ رواه الطبراني في "الأوسط" (3 / 207) وحسّنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1693)؛ أي: بالنظر إلى سَمتِهم وهيئتهم. وقال ابن القيم: الفِراسة الإيمانيَّة... سببها نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، والصَّادق والكاذب، وهذه الفِراسة على حسب قوَّة الإيمان. وقد امتدَحَ الله تعالى هؤلاء الذين تقطر قرائحهم فطنةً وذكاءً، ووسمهم بأنهم يدركون دلالات الهيئات والأحداث؛ حيث جاء في سورة الحجر تعقيبًا على قصة هلاك قوم لوط عليه السلام: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [الحجر: 75]والمتوسِّمون هم المتفرِّسون الذين يدركون الدلالات الخفية من العلامات الظاهرة. وهناك عدد من المعاني المُرتبطة بالفراسة كالفطنة والذكاء والدهاء والكياسة، وحسن تقدير الأمور، والحكمة، ولا شكَّ أن كل مجتمع إنساني لا يَخلو من هؤلاء الذين يتَّسمون بالذكاء والفراسة حين يتعامَلون مع الآخرين، ليتجنَّبوا إشكالات كثيرة. ولتكن هذه السطور دعوةً لامتلاك قدر من الفراسة، والأخذ بأسبابها، والاستفادة من امتلاك ناصيتها، حتى نتجنَّب الوقوع في شراك قد ينصبها البعض لنا. أخيرًا: ليس لأحد أن يدّعي الفراسة، ولكن يتقي الفراسة من الغير، فلا يُضمر إلا خيرًا، ولا يدبِّر إلا خيرًا، وقد قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما أ ضمر أحد شيئًا إلا ظهرت في فلتات لسانه".
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |