منهج القرآن في مجادلة الحيارى المرتدين ومكرة المشركين - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855356 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-09-2020, 02:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,937
الدولة : Egypt
افتراضي منهج القرآن في مجادلة الحيارى المرتدين ومكرة المشركين

منهج القرآن في مجادلة الحيارى المرتدين ومكرة المشركين
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي




من سورة الأنعام

منهج القرآن في مجادلة الحَيَارى المرتدين ومَكَرَة المشركين




بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين.


قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ * قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام 66، 73].



عندما يُطبِق الجهل والعناد والهوى والعزة بالإثم على قلب المرء، لا تكاد تجد لعلته دواء شافيا، ولا لضلاله وظلامية عقله نورا هاديا، فهو سادر في غيه إلى حد العدوان على الناصحين، ومحاولة استئصالهم من الدنيا كراهية رؤيتهم يسعون فيها.


هذا شأن مشركي قريش في مواجهتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وما أتاهم به من القرآن الكريم وعقيدة التوحيد، كانوا ينكرون الحق جهارا، ويمكرون برسوله ليلاً ونهاراً، فإن عجزوا عن إبطاله لجؤوا إلى محاولة توهينه بالمجادلة فيه والاستهزاء به، وهو أسلوب دأب عليه الكفرة منذ كانت رسالة التوحيد ورسلها عليهم السلام كما قال تعالى: ﴿ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [فصلت: 43].


لقد كانت مشاعرهم وعقولهم مرجلا تغلي فيه نيران الحقد والكراهية للحق، وجحيم البغضاء لكل من جاء به أو دافع عنه أو بشر به، وكان عجزهم عن مدافعته ودحض آياته وحججه يحملهم على التترس بالجدل العقيم والاستهزاء السخيف يخففون به ألم حسرتهم وإحباطهم وأوجاع أغلال الهوى وقيود الشرك على أفئدتهم.


إنهم في حقيقة أمرهم لا يُكذِّبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خَبَروا صدقَه وأمانته قبل بعثته، ولكنهم يكذِّبون بالحق الذي جاءهم من ربهم، قال تعالى:﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام 33]، وقال: ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [فاطر: 25].


لذلك كان الوحي الكريم يتدخل للتخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل حين، ويبين له سبل المبطلين وما ينبغي معاملتهم به، كما في سورة الأنعام هذه، إذ أمره تعالى بمفاصلة عبيد الأهواء من المشركين والمنافقين، ثم بين له أن التكذيب الذي وُوجِهَ به إنما كان للقرآن الكريم بقوله عز وجل:
﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ ﴾ [الأنعام: 66]، أي كذب قومك بما أُرسِلتَ به من القرآن الكريم: ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الفرقان: 5]، وكذبوا بالأدلة والآيات والمعجزات التي عززته وبينت أنه حق من رب العالمين ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [ص: 4]، وكذبوا بالوعيد الذي خاطبهم به تعالى إذ قال لهم: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 65]، بل تحدوا هذا الوعيد من ربهم وقالوا:[1] ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال: 32].


كذب قومك يا محمد بذلك كله ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾ [الأنعام: 66] مع أنه حق من الله تعالى، قوله سبحانه حق وآياته في الكون حق، ووعده ووعيده في الدنيا والآخرة حق، وتكذيب ذلك أعظم الكفر وأقبح الجحود.


أما وصف المكذبين بأنهم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿ قَوْمُكَ ﴾ [الأنعام: 66] فهو تعريض بقريش وزراية بها واستخفاف بقدرها واستهزاء بما تدعيه من قيم للتراحم والتناصر والتماسك الأسري والقبلي، يتغنى بها شعراؤها ويفخر بها كبراؤها، لأنهم تخلوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو منهم، وتحزبوا ضده بمجرد ما جاءهم بالحق، وصاروا يدا واحدة عليه وهو منهم، لم يراعوا فيه صراحة نسب وشرف، وسديد حكمة وخلق عظيم، وهو في الذؤابة منهم مكانة ورفعة، ولم يرقبوا فيه وشيجةَ رحم أو قرابةَ عشيرة، أو روابطَ صهر وتقارب ديار أو حرمة جوار، ولم يستنوا في أمره بسنتهم في التناصر العرقي والقبلي إذ يقولون: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً[2]، أو يتغنون شعرا بقولهم: (وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد).


هذا ما يفعله الشرك بأهله في كل زمان ومكان كلما جوبهوا بالحق، منذ تنكر لإبراهيم عليه السلام أبوه وكاد يرجمه وقال له: ﴿ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾ [مريم 46]. ومنذ قال حكيم قريش وقسها ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بعث بالنبوة:"يا ليتني فيها جذَع، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومُك"، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (أوَمُخرجِيَّ هم؟)، قال: "نعم، لم يأتِ رجل قطُّ بمثل ما جئتَ به إلا عودي، وإن يدركني يومُك أنصرْك نصرًا مؤَزَّرًا"، ثم بعد حين حاولت قريش قتله. وإلى ما نعيشه في عصرنا هذا من تحزب ضد دعاة الحق ومطاردة لهم ورميهم بكل كبيرة، وتصفيتهم ومحاولة استئصالهم من أوطانهم وأهليهم وعشيرتهم، مما أخبر به الوحي الكريم مبكرا بقوله تعالى: ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة 8].


لذلك أمر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يتركهم لما اختاروه من الشرك ويَكِلَهم لما قد يحل بهم من عقوبة في الدنيا والآخرة فقال له تعالى:
﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 66] والوكيل لغة هو من تعتمد عليه في القيام بأمر لا تطيقه أو في تدبير قضية لا تحسن تدبيرها، وهو أيضا المدافع والناصر والحفيظ، كما في قوله تعالى: ﴿ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران 173]، أصل الفعل من "الواو والكاف واللام" يدل على اعتماد غيرك في أمورك، ومنه التوكل أي: إظهار العجز والاعتماد على الغير.


وقوله صلى الله عليه وسلم للمشركين: ﴿ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 66] يعني أنه صلى الله عليه وسلم أخرج نفسه من دائرة المسؤولية عن اختيارهم الكفر بدل الإيمان، وأنه ليس بقيِّم عليهم يمنعهم من التكذيب، كما ليس بيده أمر عذابهم فيحميهم منه، وهو منهم كما قال عز وجل: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾ [الشورى 48]، مسؤوليته تنحصر في أمر واحد هو تبليغهم رسالة ربهم قرآنا وسنة وعملا بهما وقدوة حسنة فيهما، وكل امرئ بعد البلاغ مسؤول عن نفسه وشاهد عليها: ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة 14- 15]، إن اهتدى له أجره وحده وإن ضل تحمل وزره وحده كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [يونس 108]. لذلك عقب الوحي الكريم بقوله تعالى:
﴿ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 67]، تهديدا للمشركين ووعيدا لهم بسوء العاقبة كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾ [ص 88]، وردا على تكذيبهم بالنبوة وبما أنذروا به في قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام 65].


ولفظ "النبأ" لغة من فعل "نبأ ينبأ فهو نابئ"، أي أتى من بلد إلى بلد، ومن هذا القياس يقال:"نبأ" للخبر ينتقل بين الناس أو من مكان إلى مكان. كما فرقت العرب بين الخبر وهو الذي يحتمل الصدق والكذب وقد يعلمه المُخبَر به أو لا يعلمه، وبين "النبأ" وهو الخبر يكون ذا شأن يُهتَم به، ولا يعلمه المُخبَر به، ولا يحتمل الكذب، ومنه قوله تعالى: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾ [النبأ: 1، 2]، وقوله عز وجل: ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام 5].


ومنه لفظ "النبي"، وكان نافع في جميع القرآن الكريم يقرؤه بالهمز:"النبيء"، أخذا به من النبأ، والاختيار ترك الهمز فيه، لأنه لغة قريش وأهل الحجاز التي هي لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبيء الله، فقال: (لست بِنبيء الله، ولكني نبيُّ اللهِ) فأنكر الهمز، لأنه لم يكن من لغته.


وقد ورد في القرآن الكريم التعبير بلفظ "النبأ" وما يشتق منه عن كل خبر صادق لا يحتمل الكذب، مثل قوله عز وجل: ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ﴾ [النجم 36]، وقوله:﴿ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [القيامة 13]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه من أنباء الغيب ما يبديه في مناسبته أو وقت الحاجة إليه كما في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [التحريم 3]، في أحاديث كثيرة ثبت صدقها في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وقال عنه الحكيم العليم سبحانه وتعالى مزكيا صدق ما ينبئ به: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾ [النجم: 11، 12]


أما قوله تعالى: ﴿ مُسْتَقَرٌّ ﴾ [الأنعام: 67] فاسم مصدر ميمي من فعل "استقر"، والاستقرار يكون أحيانا مكانيا وأحيانا زمانيا، لأن ما زاد من الأفعال على ثلاثة أحرف كان المصدر منه على زنةِ اسم المفعول، كما في قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء 80].


ولفظ ﴿ مُسْتَقَرٌّ ﴾ [الأنعام: 67] في هذه الآية الكريمة مبتدأ مؤخر، خبره تقدم في قوله تعالى: ﴿ لِكُلِّ نَبَإٍ ﴾ [الأنعام: 67]. والمعنى أن لكل ما كذبتم به من وعد أو وعيد أو خبر في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، زمانا ومكانا وحالا يقع فيه ومستقرا يراه الناس عليه ويعلمون به، فتظهر حقيقته ويتميز به الحق من الباطل، لذلك عقب الحق سبحانه بقوله: ﴿ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 67] أي سوف تعلمون علما يقينيا أو رؤية حسية وقوعَ ما أُخْبِرْتُم به واستقرارَه فيكم أو بينكم أو أمامكم، من غير خُلْفٍ ولا تأخير.


والآية تهديد للمشركين شديد ووعيد لهم بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، سواء كان ذلك هزيمةً لهم على يد المسلمين كما في قوله تعالى إخبارا بما يقع قبل وقوعه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال 36]، وقوله عز وجل عن فتح مكة: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح 27]، أو كان عذابا شديدا في الآخرة كقوله عز وجل: ﴿ قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [الزمر: 39، 40]، أو قوله تعالى عن الوليد بن المغيرة: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ﴾ [المدثر: 26 - 28]


ولئن كان التكذيب لدين الله أمرا معتادا من المشركين في كل عصر، فإن الجدال المصحوب بالسخرية والاستهزاء كان أشد ما يلجؤون إليه لمحاولة إرهاق الأنبياء والرسل، وتشكيك الناس في رسالة الله إليهم وثنيهم عن الإيمان بها، لذلك أنزل الله تعالى عقب هذا التهديد أمْرَه للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أن يتركوا مجالستهم كلما أخذوا في الجدال بالباطل والاستهزاء بآيات الله قرآنا أو سنة أو معجزات عزز بها الحق تعالى دينه وأيد بها رسوله صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل:
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام 68].


وأصل "الخوض" لغة في قوله تعالى: ﴿ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ﴾ [الأنعام 68] من: "خاض الماء يخوضه خوضا"، أي مشى فيه فحرك ما ترسب فيه من الأوساخ والأتربة، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مجازا للَّبْس فِي الأَمر، وللكلام فيه كذب وباطل، وللأحمق والمهذار إذا سابَ في الكلام لا يميز صحيحه من سقيمه، ولمن يتصرف في المال لا يميز حلاله من حرامه، كما في الحديثإنَّ هذا المالَ خضِرةٌ حُلوةٌ، من أصابه بحقِّه بورك له فيه، ورُبَّ مُتخوِّضٍ فيما شاءت به نفسُه من مالِ اللهِ ورسولِه، ليس له يومَ القيامةِ إلا النارُ)[3]، وقد عبر الوحي الكريم عن مجادلة المشركين والمنافقين في آيات الله قرآنا ومعجزاتٍ وأنباءً من الغيب بالخوض فيها بغير علم، لأن آراءهم وأحكامهم فيها متأثرة بعقدهم النفسية وأمراض قلوبهم حسدا وحقدا وجهلا. كما صنف هؤلاء الخائضين أربعة أصناف، أولهم المشركون والكفار ثم المنافقون والجهلة، ثم علماء السوء في اليهودية والنصرانية والإسلام، وقال عن المشركين والكفار:
﴿ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾ [المدثر: 39 - 47].
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 129.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 127.15 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]