تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله - الصفحة 46 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4376 - عددالزوار : 826415 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3907 - عددالزوار : 374283 )           »          سحور 9 رمضان.. حواوشي البيض بالخضار لكسر الروتين والتجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 280 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 357 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 475 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 377 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 373 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 377 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11482 - عددالزوار : 180157 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #451  
قديم 23-12-2022, 06:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (436)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ التين
مكية

الاية 1 إلى الاية 6


( فإذا فرغت فانصب ( 7 ) )

( فإذا فرغت فانصب ) أي فاتعب ، والنصب : التعب ، قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، والكلبي : فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك .

[ وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال : إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة ] .

وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل .

وقال الشعبي : إذا فرغت من التشهد فادع ، لدنياك وآخرتك .

وقال الحسن وزيد بن أسلم : إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك .

وقال منصور عن مجاهد : إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصل .

وقال حيان عن الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب ، أي : استغفر لذنبك وللمؤمنين .
[ ص: 467 ] ( ( وإلى ربك فارغب ( 8 ) )

( وإلى ربك فارغب ) قال عطاء : تضرع إليه راهبا من النار راغبا في الجنة . وقيل : فارغب إليه في جميع أحوالك . قال الزجاج : أي اجعل رغبتك إلى الله وحده .
سُورَةُ التِّينِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ( 1 ) وَطُورِ سِينِينَ ( 2 ) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ( 3 ) .

( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، وَمُقَاتِلٌ ، وَالْكَلْبِيُّ : هُوَ تِينُكُمْ [ هَذَا ] الَّذِي تَأْكُلُونَهُ ، وَزَيْتُونُكُمْ هَذَا الَّذِي تَعْصِرُونَ مِنْهُ الزَّيْتَ .

قِيلَ : خَصَّ التِّينَ بِالْقَسَمِ لِأَنَّهَا فَاكِهَةٌ مُخَلَّصَةٌ لَا عَجَمَ لَهَا ، شَبِيهَةٌ بِفَوَاكِهِ الْجَنَّةِ . وَخَصَّ الزَّيْتُونَ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ ، وَلِأَنَّهُ شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ جَاءَ بِهَا الْحَدِيثُ ، وَهُوَ ثَمَرٌ وَدُهْنٌ يَصْلُحُ لِلِاصْطِبَاغِ وَالِاصْطِبَاحِ .

وَقَالَ عِكْرِمَةُ : هُمَا جَبَلَانِ . قَالَ قَتَادَةُ : " التِّينُ " : الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ دِمَشْقُ ، وَ " الزَّيْتُونُ " : الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، لِأَنَّهُمَا يُنْبِتَانِ التِّينَ وَالزَّيْتُونَ .

وَقَالَ الضَّحَّاكُ : هُمَا مَسْجِدَانِ بِالشَّامِ . قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : " التِّينُ " : مَسْجِدُ دِمَشْقَ ، وَ " الزَّيْتُونُ " : مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : " التِّينُ " مَسْجِدُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَ " الزَّيْتُونُ " : مَسْجِدُ إِيلِيَا . ( وَطُورِ سِينِينَ ) يَعْنِي الْجَبَلَ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَذَكَرْنَا مَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ : " وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ " ( الْمُؤْمِنُونَ - 20 ) . ( وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) أَيِ الْآمَنِ ، يَعْنِي : مَكَّةَ ، يَأْمَنُ فِيهِ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، هَذِهِ كُلُّهَا أَقْسَامٌ ، وَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
[ ص: 472 ] ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ( 4 ) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ( 5 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( 6 ) )

( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) أَيْ : أَعْدَلِ قَامَةٍ وَأَحْسَنِ صُورَةٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ حَيَوَانٍ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا الْإِنْسَانَ خَلَقَهُ مَدِيدَ الْقَامَةِ ، يَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهُ بِيَدِهِ ، مُزَيَّنًا بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ . ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) يُرِيدُ إِلَى الْهَرَمِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ ، فَيَنْقُصُ عَقْلُهُ وَيَضْعُفُ بَدَنُهُ ، وَالسَّافِلُونَ : هُمُ الضُّعَفَاءُ وَالزَّمْنَى وَالْأَطْفَالُ ، فَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ [ أَسْفَلُ ] مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا ، [ " وَأَسْفَلَ سَافِلِينَ " نَكِرَةٌ تَعُمُّ الْجِنْسَ ، كَمَا تَقُولُ : فَلَانٌ أَكْرَمُ قَائِمٍ فَإِذَا عَرَّفْتَ قُلْتَ : أَكْرَمُ الْقَائِمِينَ . وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ " أَسْفَلَ السَّافِلِينَ "
وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَقَتَادَةُ ، وَمُجَاهِدٌ : يَعْنِي ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى النَّارِ ، يَعْنِي إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ ، لِأَنَّ جَهَنَّمَ بَعْضُهَا أَسْفَلَ مِنْ بَعْضٍ .

قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ : يَعْنِي إِلَى النَّارِ فِي شَرِّ صُورَةٍ ، فِي صُورَةِ خِنْزِيرٍ . ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ : ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) [ فَإِنَّهُمْ لَا يُرَدُّونَ إِلَى النَّارِ . وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ : رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ، فَزَالَتْ عُقُولُهُمْ وَانْقَطَعَتْ أَعْمَالُهُمْ ، فَلَا يُكْتَبُ لَهُمْ حَسَنَةٌ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ] . ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُمْ بَعْدَ الْهَرَمِ ، وَالْخَرَفِ ، مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي حَالِ الشَّبَابِ وَالصِّحَّةِ .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُمْ نَفَرٌ رُدُّوا إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرَهُمْ . وَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَهُمُ الَّذِي عَمِلُوا قَبْلَ أَنْ تَذْهَبَ عُقُولُهُمْ .

قَالَ عِكْرِمَةُ : لَمْ يَضُرَّ هَذَا الشَّيْخَ [ كَبِرُهُ ] إِذْ خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِأَحْسَنِ مَا كَانَ يَعْمَلُ .

وَرَوَى عَاصِمُ الْأَحْوَلُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " [ ص: 473 ] قَالَ : " إِلَّا الَّذِينَ [ آمَنُوا ] " قَرَءُوا الْقُرْآنَ ، وَقَالَ : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) غَيْرُ مَقْطُوعٍ ، لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ . قَالَ الضَّحَّاكُ : أَجْرٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ ، ثُمَّ قَالَ : إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ :
( فما يكذبك بعد ، بالدين ( 7 ) أليس الله بأحكم الحاكمين ( 8 ) )

( فما يكذبك ) [ أي : أمن يكذبك . وقيل : أي شيء يكذبك ؟ أي يحملك على الكذب ، وقيل على التكذيب ] أيها الإنسان ، ( بعد ) أي بعد هذه الحجة والبرهان ، ( بالدين ) بالحساب والجزاء ، والمعنى : ألا تتفكر في صورتك وشبابك وهرمك فتعتبر ، وتقول : إن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني ، فما الذي يكذبك بالمجازاة بعد هذه الحجج ؟ ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) بأقضى القاضين ، قال مقاتل : [ أليس الله ] يحكم بينك وبين أهل التكذيب [ بك ] يا محمد .

وروينا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قرأ والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها : " أليس الله بأحكم الحاكمين " فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت الأنصاري قال : سمعت البراء بن عازب قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون .
سُورَةُ الْعَلَقِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( 1 ) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ( 2 ) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ( 3 ) )

( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ : " مَا لَمْ يَعْلَمْ " .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ ، وَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءَ ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ : اقْرَأْ فَقَالَ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : اقْرَأْ فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، [ قَالَ : فَأَخَذَنِي ] فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : اقْرَأْ ، فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فغطَّني الثَّالِثَةَ [ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ] ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ، فَقَالَ : زمِّلُونِي زمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ : مَا لِي ؟ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ ، وَقَالَ : لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ : كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لِتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتُقِرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ [ ص: 478 ] فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى - ابْنِ عَمِّ خَدِيجَةَ - وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ ، فَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : يَا ابْنَ عَمِّ ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ مَا يَقُولُ ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى ؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرَ مَا رَأَى ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى ، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَوَمُخْرِجِيَّ [ هُمْ ] ؟ قَالَ : نَعَمْ لَمْ يَأْتِ [ أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا ] جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرَا ، ثُمَّ لَمْ يَمْكُثْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ ، وَفَتَرَ الْوَحْيُ .

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، قَالَ : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " حَتَّى بَلَغَ " مَا لَمْ يَعْلَمْ " وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ : وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا حَتَّى يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ مِنْهُ ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ ، وَتَقَرُّ نَفْسُهُ ، فَيَرْجِعُ ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ " .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْوَرَّاقُ أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " .

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : مَجَازُهُ : اقْرَأِ اسْمَ رَبِّكَ ، يَعْنِي أَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ ، وَالْمَعْنَى : اذْكُرِ اسْمَهُ ، أُمِرَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقِرَاءَةَ بِاسْمِ اللَّهِ [ تَأْدِيبًا ] . [ ص: 479 ]

( الَّذِي خَلَقَ ) قَالَ الْكَلْبِيُّ : يَعْنِي الْخَلَائِقَ ، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ : ( خَلَقَ الْإِنْسَانَ ) يَعْنِي [ خَلَقَ ] ابْنَ آدَمَ ، ( مِنْ عَلَقٍ ) جَمْعُ عَلَقَةٍ . ( اقْرَأْ ) كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ : ( وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) فَقَالَ الْكَلْبِيُّ : الْحَلِيمُ عَنْ جَهْلِ الْعِبَادِ لَا يَعْجَلُ عَلَيْهِمْ بِالْعُقُوبَةِ .
( الذي علم بالقلم ( 4 ) علم الإنسان ما لم يعلم ( 5 ) كلا إن الإنسان ليطغى ( 6 ) أن رآه استغنى ( 7 ) إن إلى ربك الرجعى ( 8 ) أرأيت الذي ينهى ( 9 ) عبدا إذا صلى ( 10 ) )

( الذي علم بالقلم ) يعني الخط والكتابة . ( علم الإنسان ما لم يعلم ) من أنواع الهدى والبيان . وقيل : علم آدم الأسماء كلها . وقيل : الإنسان هاهنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بيانه : " وعلمك ما لم تكن تعلم " ( النساء - 113 ) . ( كلا ) حقا ( إن الإنسان ليطغى ) ليتجاوز حده ويستكبر على ربه . ( أن ) لأن ( رآه استغنى ) أن رأى نفسه غنيا . قال الكلبي : يرتفع عن منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام وغيرهما .

وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل ، كان إذا أصاب مالا زاد في ثيابه ومركبه وطعامه ، فذلك طغيانه . ( إن إلى ربك الرجعى ) أي المرجع في الآخرة ، [ " الرجعى " : مصدر على وزن فعلى ] . ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) نزلت في أبي جهل ، نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عبد الله بن معاذ ومحمد بن عبد الأعلى القيسي ، قالا حدثنا المعتمر عن أبيه ، حدثني نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ، فقال : [ واللات ] [ ص: 480 ] والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ، ولأعفرن وجهه في التراب ، قال : فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ، [ عزم ] ليطأ على رقبته ، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص ، على عقبيه ، ويتقي بيديه ، قال فقيل له : ما لك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه لخندقا من نار ، وهولا وأجنحة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ، قال : فأنزل الله - لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه - : كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى الآيات .

ومعنى " أرأيت " هاهنا تعجيب للمخاطب . وكرر هذه اللفظة للتأكيد :

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 07:53 PM.
رد مع اقتباس
  #452  
قديم 23-12-2022, 06:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (437)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ القدر
مكية

الاية 1 إلى الاية 5


( أرأيت إن كان على الهدى ( 11 ) أو أمر بالتقوى ( 12 ) أرأيت إن كذب وتولى ( 13 ) ألم يعلم بأن الله يرى ( 14 ) كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ( 15 ) ناصية كاذبة خاطئة ( 16 ) )

أرأيت إن كان إلى الهدى يعني العبد المنهي وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - . ( أو أمر بالتقوى ) يعني بالإخلاص والتوحيد . ( أرأيت إن كذب ) يعني أبا جهل ، ( وتولى ) عن الإيمان .

وتقدير نظم الآية : أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى [ والمنهي ] على الهدى ، آمر بالتقوى ، والناهي مكذب متول عن الإيمان ، فما أعجب من هذا ! ( ألم يعلم ) يعني أبا جهل ، ( بأن الله يرى ) ذلك فيجازيه به . ( كلا ) لا يعلم ذلك ، ( لئن لم ينته ) عن إيذاء [ نبيه ] - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبه ، ( لنسفعن بالناصية ) لنأخذن بناصيته فلنجرنه إلى النار ، كما قال " فيؤخذ بالنواصي والأقدام " ( الرحمن - 41 ) يقال : سفعت بالشيء ، إذا أخذته وجذبته جذبا شديدا ، و " الناصية " : شعر مقدم الرأس . ثم قال على البدل : ( ناصية كاذبة خاطئة ) أي صاحبها كاذب خاطئ ، قال ابن عباس : لما نهى أبو جهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة انتهره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال أبو جهل أتنهرني [ يا محمد لقد علمت ما بها أكثر ناديا مني ؟ ثم قال ] : فوالله لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلا جردا ورجالا مردا .
[ ص: 481 ] ( ( فليدع ناديه ( 17 ) سندع الزبانية ( 18 ) كلا لا تطعه واسجد واقترب ( 19 ) )

قال الله - عز وجل - : ( فليدع ناديه ) أي قومه وعشيرته ، أي فليستنصر بهم . ( سندع الزبانية ) جمع زبني مأخوذ من الزبن وهو الدفع ، قال ابن عباس : يريد زبانية جهنم سموا بها لأنهم يدفعون أهل النار إليها ، قال الزجاج : هم الملائكة الغلاظ الشداد ، قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله ثم قال : ( كلا ) ليس الأمر على ما عليه أبو جهل ، ( لا تطعه ) في ترك الصلاة ، ( واسجد ) صل لله ( واقترب ) من الله .

أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلئي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السراج ومحمد بن سلمة قالوا : أخبرنا وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء [ فيها ] " .
سُورَةُ الْقَدْرِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ( 1 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ( 2 ) )

( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) يَعْنِي الْقُرْآنَ ، كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ ، أَنْزَلَهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ ، ثُمَّ كَانَ يَنْزِلُ بِهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُجُومًا فِي عِشْرِينَ سَنَةً . ثُمَّ عَجَّبَ نَبِيَّهُ فَقَالَ : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهَا لَيْلَةُ تَقْدِيرِ الْأُمُورِ وَالْأَحْكَامُ ، يُقَدِّرُ اللَّهُ فِيهَا أَمْرَ السَّنَةِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ إِلَى السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " ( الدُّخَانِ - 4 ) وَهُوَ مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ : قَدَرَ اللَّهُ الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ ، قَدْرًا وَقَدَرًا ، كَالنَّهَرِ وَالنَّهْرِ وَالشَّعْرِ وَالشَّعَرِ ، وَقَدَّرَهُ - بِالتَّشْدِيدِ - تَقْدِيرًا [ وَقَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ قَدْرًا ] بِمَعْنًى وَاحِدٍ .

قِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ : أَلَيْسَ قَدْ قَدَرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ؟ قَالَ : [ بَلَى ] ، قِيلَ : فَمَا مَعْنَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ ؟ قَالَ : سَوْقُ الْمَقَادِيرِ إِلَى الْمَوَاقِيتِ ، وَتَنْفِيذُ الْقَضَاءِ الْمُقَدَّرِ . وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ : " لَيْلَةُ الْقَدْرِ " : أَيْ لَيْلَةُ الْعَظَمَةِ وَالشَّرَفِ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ : لِفُلَانٍ عِنْدَ الْأَمِيرِ قَدْرٌ ، أَيْ جَاهٌ وَمَنْزِلَةٌ ، وَيُقَالُ : قَدَرْتُ ، فُلَانًا أَيْ عَظَّمْتُهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ " ( الْأَنْعَامِ - 91 ) ( الزُّمَرِ - 67 ) أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ .

وَقِيلَ : لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَكُونُ فِيهَا ذَا قَدْرٍ عِنْدَ اللَّهِ لِكَوْنِهِ مَقْبُولًا . [ ص: 486 ] وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهَا; فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهَا كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رُفِعَتْ ، وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُكَانِسٍ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : زَعَمُوا أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَدْ رُفِعَتْ ؟ قَالَ : كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ، قُلْتُ : هِيَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَسْتَقْبِلُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .

وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ لَيْلَةٌ مِنْ لَيَالِي السَّنَةِ حَتَّى لَوْ عَلَّقَ رَجُلٌ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ وَعِتْقَ عَبْدِهِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، لَا يَقَعُ مَا لَمْ تَمْضِ سَنَةٌ مِنْ حِينِ حَلَفَ . يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْهَا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ : يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ .

وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ .

وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ; قَالَ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ : هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ . وَقَالَ الْحَسَنُ : لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي كَانَتْ صَبِيحَتُهَا وَقْعَةُ بَدْرٍ .

وَالصَّحِيحُ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ : أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ .

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، وَيَقُولُ : " تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ [ مَا ] لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا . [ ص: 487 ]

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ [ الْأَوَاخِرُ ] مِنْ رَمَضَانَ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ .

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا فِي أَيِّ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَشْرِ ؟

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوَتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْوَازِنُ ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ [ هَاشِمِ ] بْنِ حَيَّانَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا عُيَيْنَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : ذَكَرْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ أَبِي بَكْرَةَ ، فَقَالَ : مَا أَنَا بِطَالِبِهَا بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : " الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ تِسْعٍ بَقَيْنَ أَوْ سَبْعٍ بَقَيْنَ أَوْ خَمْسٍ بَقَيْنَ أَوْ ثَلَاثٍ بَقَيْنَ أَوْ آخِرَ لَيْلَةٍ " ، فَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ يُصَلِّي كَمَا يُصَلِّي فِي سَائِرِ السَّنَةِ ، فَإِذَا دَخَلَ الْعُشْرُ [ الْأَخِيرُ ] اجْتَهَدَ .

وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ : " خَرَجْتُ ، [ ص: 488 ] لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [ أُرُوا ] لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنِّي أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ " . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّهَا لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْوُسْطَى مِنْ رَمَضَانَ ، وَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ صُبْحَهَا مِنَ اعْتِكَافِهِ ، قَالَ : مَنْ [ كَانَ سَيَعْتَكِفُ ] مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ ، وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وَتْرٍ .

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ : فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ .

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرَ ، الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صَبِيحَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ .


وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ . [ ص: 489 ]

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنِّي أَكُونُ بِبَادِيَةٍ يُقَالُ لَهَا الْوَطْأَةُ وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ أُصَلِّي بِهِمْ ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ أَنْزِلُهَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَأُصَلِّيهَا فِيهِ ، فَقَالَ : " انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلِّهَا فِيهِ ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَسْتَتِمَّ آخِرَ الشَّهْرِ فَافْعَلْ ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ فَكُفَّ " . قَالَ : فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ ، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ كَانَتْ دَابَّتُهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ .

وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : كَمْ مَضَى مِنَ الشَّهْرِ ؟ فَقُلْنَا : ثِنْتَانِ [ وَعِشْرُونَ ] وَبَقِيَ سَبْعٌ ، [ فَقَالَ : " مَضَى اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ وَبَقِيَ سَبْعٌ ] اُطْلُبُوهَا اللَّيْلَةَ ، الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " .

وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَأُبَيٍّ وَعَائِشَةَ :

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ يَقُولُ : مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْهَا ، فَقَالَ : [ ص: 490 ] رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ فَتَتَّكِلُوا هِيَ - وَالَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ ، سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، فَقُلْنَا : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَنَّى عَلِمْتَ هَذَا ؟ قَالَ : بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَفِظْنَا [ وَوَعَيْنَا ] ، هِيَ وَاللَّهِ [ لَا تُنْسَى ] ، قَالَ قُلْنَا لِزِرٍّ : وَمَا الْآيَةُ ؟ قَالَ : تَطْلُعُ الشَّمْسُ كَأَنَّهَا طَاسٌ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ .

وَمِنْ عَلَامَاتِهَا : مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ رَفَعَهُ : أَنَّهَا لَيْلَةٌ [ بَلْجَةٌ ] سَمْحَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ ، تَطَلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا لَا شُعَاعَ لَهَا .

وَفِي الْجُمْلَةِ : أَبْهَمَ اللَّهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي الْعِبَادَةِ لَيَالِيَ رَمَضَانَ طَمَعًا فِي إِدْرَاكِهَا ، كَمَا أَخْفَى سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةَ ، وَأَخْفَى الصَّلَاةَ الْوُسْطَى فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، وَاسْمَهُ الْأَعْظَمَ فِي الْأَسْمَاءِ ، وَرِضَاهُ فِي الطَّاعَاتِ لِيَرْغَبُوا فِي جَمِيعِهَا ، وَسُخْطَهُ فِي الْمَعَاصِي لِيَنْتَهُوا عَنْ جَمِيعِهَا ، وَأَخْفَى قِيَامَ السَّاعَةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي الطَّاعَاتِ حَذَرًا مِنْ قِيَامِهَا .
( ليلة القدر خير من ألف شهر ( 3 ) )

قوله - عز وجل - : ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) قال عطاء عن ابن عباس : ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر ، فعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك وتمنى ذلك لأمته ، فقال : يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا وأقلها أعمالا ؟ فأعطاه الله ليلة القدر ، فقال : ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله ، لك ولأمتك إلى يوم القيامة . [ ص: 491 ]

قال المفسرون : " ليلة القدر خير من ألف شهر " معناه : عمل صالح في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .

حدثنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، إملاء ، حدثنا أبو نعيم الإسفراييني ، أخبرنا أبو عوانة ، حدثنا أبو إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا الزهري ، أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " .

قال سعيد بن المسيب : من شهد المغرب والعشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر .

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو بكر بن عبدوس المزكي ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا الحسن بن مكرم ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا كهمس عن عبد الله بن بريدة أن عائشة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن وافيت ليلة القدر فما أقول ؟ قال : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " .
( ( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ( 4 ) سلام هي حتى مطلع الفجر ( 5 ) )

قوله - عز وجل - : ( تنزل الملائكة والروح ) يعني جبريل - عليه السلام - معهم ، ( فيها ) أي في ليلة القدر ، ( بإذن ربهم من كل أمر ) أي بكل أمر من الخير والبركة ، كقوله : " يحفظونه من أمر الله " ( الرعد - 11 ) أي بأمر الله . ( سلام ) قال عطاء : يريد : سلام على أولياء الله وأهل طاعته . وقال الشعبي : هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حيث تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر .

وقال الكلبي : الملائكة ينزلون فيه كلما لقوا مؤمنا أو مؤمنة سلموا عليه من ربه حتى يطلع الفجر . [ ص: 492 ]

وقيل : تم الكلام عند قوله : " بإذن ربهم من كل أمر " ثم ابتدأ فقال : " سلام هي " ، أي : ليلة القدر سلام وخير كلها ، ليس فيها شر .

قال الضحاك : لا يقدر الله في تلك الليلة ولا يقضي إلا السلامة .

وقال مجاهد : يعني أن ليلة القدر [ سالمة ] لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أن يحدث فيها أذى .

( حتى مطلع الفجر ) أي : إلى مطلع الفجر ، قرأ الكسائي " مطلع " بكسر اللام ، والآخرون بفتحها ، وهو الاختيار ، بمعنى الطلوع ، على المصدر ، يقال : طلع الفجر طلوعا ومطلعا ، والكسر موضع الطلوع .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 07:54 PM.
رد مع اقتباس
  #453  
قديم 23-12-2022, 06:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (438)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ البينة
مكية

الاية 1 إلى الاية 8


سُورَةُ الْبَيِّنَةِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ( 1 ) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ( 2 ) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ( 3 ) )

( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) وَهْمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، ( وَالْمُشْرِكِينَ ) وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ ، ( مُنْفَكِّينَ ) [ مُنْتَهِينَ عَنْ كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ ، وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ ] : زَائِلِينَ مُنْفَصِلِينَ ، يُقَالُ : فَكَكْتُ الشَّيْءَ فَانْفَكَّ ، أَيِ : انْفَصَلَ ، ( حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) لَفْظُهُ مُسْتَقْبَلٌ وَمَعْنَاهُ الْمَاضِي ، أَيْ : حَتَّى أَتَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ، الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ ، يَعْنِي : مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَتَاهُمْ بِالْقُرْآنِ فَبَيَّنَ لَهُمْ [ ضَلَالَاتِهِمْ ] وَجَهَالَتَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ . فَهَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ آمَنَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ ، أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنِ الْكُفْرِ حَتَّى أَتَاهُمُ الرَّسُولُ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ فَآمَنُوا فَأَنْقَذَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالَةِ . ثُمَّ فَسَّرَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ : ( رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو ) يَقْرَأُ ( صُحُفًا ) كُتُبًا ، يُرِيدُ مَا يَتَضَمَّنُهُ الصُّحُفُ مِنَ الْمَكْتُوبِ فِيهَا ، وَهُوَ الْقُرْآنُ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَتْلُو عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ لَا عَنِ [ الْكِتَابِ ] ، قَوْلُهُ : ( مُطَهَّرَةً ) مِنَ الْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ وَالزُّورِ . ( فِيهَا ) أَيْ فِي الصُّحُفِ ، ( كُتُبٌ ) يَعْنِي الْآيَاتِ وَالْأَحْكَامِ الْمَكْتُوبَةِ فِيهَا ، ( قَيِّمَةٌ ) عَادِلَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ غَيْرُ ذَاتِ عِوَجٍ .
( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( 4 ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( 5 ) )

ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب فقال : [ ص: 496 ] ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ( إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) أي البيان في كتبهم أنه نبي مرسل .

قال المفسرون : لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى بعثه الله ، فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا ، فآمن به بعضهم ، وكفر آخرون .

وقال بعض أئمة اللغة : معنى قوله " منفكين " : هالكين ، من قولهم : انفك [ صلا ] المرأة عند الولادة ، وهو أن ينفصل فلا يلتئم فتهلك .

ومعنى الآية : لم يكونوا هالكين معذبين إلا من بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ، والأول أصح . ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم فقال : ( وما أمروا ) يعني هؤلاء الكفار ، ( إلا ليعبدوا الله ) يعني إلا أن يعبدوا الله ، ( مخلصين له الدين ) قال ابن عباس : ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا [ بالإخلاص في ] العبادة لله موحدين ، ( حنفاء ) مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، ( ويقيموا الصلاة ) المكتوبة في أوقاتها ، ( ويؤتوا الزكاة ) عند محلها ، ( وذلك ) الذي أمروا به ، ( دين القيمة ) أي الملة والشريعة المستقيمة . أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته ، لاختلاف اللفظين ، وأنث " القيمة " ردا بها إلى الملة .

وقيل : الهاء فيه للمبالغة ، وقيل : " القيمة " هي الكتب التي جرى ذكرها ، أي وذلك دين الكتب القيمة فيما تدعو إليه وتأمر به ، كما قال : وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ( البقرة 213 ) .

قال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن قوله : " وذلك دين القيمة " ؟ فقال : " القيمة " : [ ص: 497 ] جمع القيم ، والقيم والقائم واحد ، ومجاز الآية : وذلك دين القائمين لله بالتوحيد .
( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ( 6 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ( 7 ) جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ( 8 ) )

ثم ذكر ما للفريقين فقال : ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ) قرأ نافع وابن عامر " البريئة " بالهمزة في الحرفين لأنه من قولهم : برأ الله الخلق وقرأ الآخرون مشددا بغير همز كالذرية ترك همزها في الاستعمال .

( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) وتناهى عن المعاصي .

وقيل : الرضا ينقسم إلى قسمين : رضا به ورضا عنه ، فالرضا به : ربا ومدبرا ، والرضا عنه : فيما يقضي ويقدر .

قال السدي رحمه الله : إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك ؟

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي : " إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك : " لم يكن الذين كفروا " قال : وسماني ؟ قال : " نعم " فبكى .

وقال همام عن قتادة : " أمرني أن أقرأ عليك القرآن " .
] سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ( 1 ) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ( 2 ) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ( 3 ) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ( 4 ) )

( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ ) حُرِّكَتِ [ الْأَرْضُ ] حَرَكَةً شَدِيدَةً لِقِيَامِ السَّاعَةِ ، ( زِلْزَالَهَا ) تَحْرِيكَهَا . ( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) مَوْتَاهَا وَكُنُوزَهَا فَتُلْقِيهَا عَلَى ظَهْرِهَا .

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ [ الْأُسْطُوَانِ ] مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ : فِي هَذَا قَتَلْتُ ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ : فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي ، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ : فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا " . ( وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ) ؟ قِيلَ : فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ : ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) فَيَقُولُ الْإِنْسَانُ : " مَا لَهَا " ، أَيْ تُخْبَرُ الْأَرْضُ بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا . [ ص: 502 ]

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيْوبَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) قَالَ : " أَتُدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا " ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : " فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا ، أَنْ تَقُولَ : عَمِلَ عَلَيَّ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا قَالَ : فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا " .
( بأن ربك أوحى لها ( 5 ) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ( 6 ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ( 7 ) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( 8 ) )

( بأن ربك أوحى لها ) أي : أمرها بالكلام وأذن لها بأن تخبر بما عمل عليها . قال ابن عباس والقرظي : أوحى إليها .

ومجاز الآية : يوحي الله إليها ، يقال : أوحى لها ، وأوحى إليها ووحى لها ، ووحى إليها ، واحد . قوله تعالى : ( يومئذ يصدر الناس ) يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض ، ( أشتاتا ) متفرقين فآخذ ذات اليمين إلى الجنة وآخذ ذات الشمال إلى النار ، كقوله : يومئذ يتفرقون ( الروم - 14 ) ، يومئذ يصدعون ( الروم - 43 ) . ( ليروا أعمالهم ) قال ابن عباس : ليروا جزاء أعمالهم ، والمعنى : أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار . ( فمن يعمل مثقال ذرة ) وزن نملة صغيرة أصغر ما يكون من النمل . ( خيرا يره ) ( ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا في الدنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة ، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله سيئاته [ ص: 503 ] ويثيبه بحسناته ، وأما الكافر فترد حسناته ويعذبه بسيئاته .

قال محمد بن كعب في هذه الآية " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره " : من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ، " ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر .

قال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين ، وذلك أنه لما نزل ويطعمون الطعام على حبه كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ونحوها ، يقول : ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة وأشباه ذلك ، ويقول : إنما وعد الله النار على الكبائر ، وليس في هذا إثم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، ويحذرهم اليسير من الذنب ، فإنه يوشك أن يكثر ، فالإثم الصغير في عين صاحبه أعظم من الجبال يوم القيامة ، وجميع محاسنه [ في عينه ] أقل من كل شيء .

قال ابن مسعود : أحكم آية في القرآن " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " .

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسميها الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمر فقال : " ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " .

وتصدق عمر بن الخطاب ، وعائشة بحبة عنب ، وقالا فيها مثاقيل كثيرة .

وقال الربيع بن خثيم : مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال : حسبي قد انتهت الموعظة . [ ص: 504 ]

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا محمد بن القاسم ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله ، حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا اليمان بن المغيرة ، حدثنا عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا زلزلت الأرض " تعدل نصف القرآن ، " قل هو الله أحد " ، تعدل ثلث القرآن ، " قل يا أيها الكافرون " تعدل ربع القرآن " .
سُورَةُ الْعَادِيَاتِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ( 1 ) )

( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالْحَسَنُ ، وَالْكَلْبِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَالْمُقَاتِلَانِ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُمْ : هِيَ الْخَيْلُ الْعَادِيَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - تَضْبَحُ ، وَالضَّبْحُ : صَوْتُ أَجْوَافِهَا إِذَا عَدَتْ .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ تَضْبَحُ غَيْرُ الْفَرَسِ وَالْكَلْبِ وَالثَّعْلَبِ ، وَإِنَّمَا تَضْبَحُ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ إِذَا تَغَيَّرَ حَالُهَا مِنْ تَعَبٍ أَوْ فَزَعٍ ، وَهُوَ مِنْ [ قَوْلِهِمْ ] ضَبَحَتْهُ النَّارُ ، إِذَا غَيَّرَتْ لَوْنَهُ .

[ وَقَوْلُهُ : " ضَبْحًا " نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ ، مَجَازُهُ : وَالْعَادِيَّاتُ تَضْبَحُ ضَبْحًا ] .

وَقَالَ عَلِيٌّ : هِيَ الْإِبِلُ فِي الْحَجِّ ، تَعْدُو مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ ، وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى ، وَقَالَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ ، [ كَانَتْ أَوَّلُ غَزْوَةٍ فِي الْإِسْلَامِ بَدْرًا ] وَمَا كَانَ مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ ، فَرَسٌ لِلزُّبَيْرِ وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْخَيْلُ الْعَادِيَاتُ ؟ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ ، وَالسُّدَّيُّ .

وَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ : هِيَ الْإِبِلُ : قَوْلُهُ " ضَبْحًا " يَعْنِي ضِبَاحًا تَمُدُّ أَعْنَاقَهَا فِي السَّيْرِ .
[ ص: 508 ] ( فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ( 2 ) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ( 3 ) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ( 4 ) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ( 5 ) )

( فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ) قَالَ عِكْرِمَةُ ، وَعَطَاءٌ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَمُقَاتِلٌ ، وَالْكَلْبِيُّ ، : هِيَ الْخَيْلُ تُورِي النَّارَ بِحَوَافِرِهَا إِذَا سَارَتْ فِي الْحِجَارَةِ . يَعْنِي : وَالْقَادِحَاتِ قَدْحًا يَقْدَحْنَ بِحَوَافِرِهِنَّ .

وَقَالَ قَتَادَةُ : هِيَ الْخَيْلُ تُهَيِّجُ الْحَرْبَ وَنَارَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ فُرْسَانِهَا .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : هِيَ الْخَيْلُ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تَأْوِي بِاللَّيْلِ [ إِلَى مَأْوَاهَا ] فَيُوَرُّونَ نَارَهُمْ ، وَيَصْنَعُونَ طَعَامَهُمْ .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : هِيَ مَكْرُ الرِّجَالِ ، يَعْنِي رِجَالَ الْحَرْبِ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْكُرَ بِصَاحِبِهِ : أَمَا وَاللَّهِ لِأَقْدَحَنَّ لَكَ ثُمَّ لْأُوَرِّيَنَّ لَكَ .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : هِيَ النِّيرَانُ تَجْتَمِعُ . ( فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ) هِيَ الْخَيْلُ تُغِيرُ بِفُرْسَانِهَا ، عَلَى الْعَدُوِّ عِنْدَ الصَّبَاحِ ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ الْقُرَظِيُّ : هِيَ الْإِبِلُ تَدْفَعُ بِرُكْبَانِهَا يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى ، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا تَدْفَعُ [ بَرُكْبَانِهَا يَوْمَ النَّحْرِ ] حَتَّى تُصْبِحَ وَالْإِغَارَةُ سُرْعَةُ السَّيْرِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : أَشْرَقَ ثَبِيرٌ كَيْمَا نُغِيرُ . ( فَأَثَرْنَ بِهِ ) أَيْ هَيَّجْنَ بِمَكَانِ [ سَيْرِهِنَّ ] كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ ، ( نَقْعًا ) غُبَارًا ، وَالنَّقْعُ : الْغُبَارُ . ( فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ) أَيْ دَخَلْنَ بِهِ وَسَطَ جَمْعِ الْعَدُوِّ ، وَهُمُ الْكَتِيبَةُ يُقَالُ : وَسَطْتُ ، الْقَوْمَ بِالتَّخْفِيفِ ، وَوَسَّطْتُهُمْ ، بِالتَّشْدِيدِ ، وَتَوَسَّطُّهُمْ بِالتَّشْدِيدِ ، كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ . قَالَ الْقُرَظِيُّ : [ هِيَ الْإِبِلُ تَوَسَّطُ بِالْقَوْمِ ] يَعْنِي جَمْعَ مِنًى ، [ هَذَا مَوْضِعُ الْقَسَمِ ] ، أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 07:55 PM.
رد مع اقتباس
  #454  
قديم 23-12-2022, 06:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (439)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ القارعة
مكية

الاية 1 إلى الاية 7


[ ص: 509 ] ( إن الإنسان لربه لكنود ( 6 ) وإنه على ذلك لشهيد ( 7 ) وإنه لحب الخير لشديد ( 8 ) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ( 9 ) وحصل ما في الصدور ( 10 ) )

( إن الإنسان لربه لكنود ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : " لكنود " : لكفور جحود لنعم الله تعالى . قال الكلبي : هو بلسان مضر وربيعة الكفور ، وبلسان كندة وحضرموت العاصي .

وقال الحسن : هو الذي يعد المصائب وينسى النعم . وقال عطاء : هو الذي لا يعطي في النائبة مع قومه .

وقال أبو عبيدة : هو قليل الخير ، والأرض الكنود : التي لا تنبت شيئا .

وقال الفضيل بن عياض : " الكنود " الذي أنسته الخصلة ، الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان ، و " الشكور " : الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة . ( وإنه على ذلك لشهيد ) قال [ أكثر المفسرين ] : وإن الله على كونه كنودا لشاهد . وقال ابن كيسان : الهاء راجعة إلى الإنسان أي : إنه شاهد على نفسه بما يصنع . ( وإنه ) يعني الإنسان ، ( لحب الخير ) أي لحب المال ، ( لشديد ) أي : لبخيل ، أي إنه من أجل حب المال لبخيل . يقال للبخيل : شديد ومتشدد .

وقيل : معناه وإنه لحب الخير لقوي ، أي شديد الحب للخير أي المال . ( أفلا يعلم ) أي : أفلا يعلم هذا الإنسان ، ( إذا بعثر ) أي : أثير وأخرج ، ( ما في القبور ) [ من الموتى ] . ( وحصل ما في الصدور ) أي : ميز وأبرز ما فيها من خير أو شر .
[ ص: 510 ] ( إن ربهم بهم يومئذ لخبير ( 11 ) )

( إن ربهم بهم ) ، [ جمع ] الكناية لأن الإنسان اسم لجنس ، ( يومئذ لخبير ) عالم ، قال الزجاج : إن الله خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره ، ولكن المعنى أنه يجازيهم على كفرهم في ذلك [ اليوم ] .
سُورَةُ الْقَارِعَةِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( الْقَارِعَةُ ( 1 ) مَا الْقَارِعَةُ ( 2 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ( 3 ) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ( 4 ) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ( 5 ) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ( 6 ) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ( 7 ) )

( الْقَارِعَةُ ) [ اسْمٌ ] مِنْ أَسْمَاءِ الْقِيَامَةِ ، لِأَنَّهَا تَقْرَعُ الْقُلُوبَ بِالْفَزَعِ . ( مَا الْقَارِعَةُ ) تَهْوِيلٌ وَتَعْظِيمٌ . ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ) هَذَا الْفَرَاشُ : الطَّيْرُ [ الصِّغَارُ الْبَقُّ ، وَاحِدُهَا فَرَاشَةٌ ، أَيْ : كَالطَّيْرِ ] الَّتِي تَرَاهَا تَتَهَافَتُ فِي النَّارِ ، وَالْمَبْثُوثُ : الْمُتَفَرِّقُ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ : كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ ، شَبَّهَ النَّاسَ عِنْدَ الْبَعْثِ بِهَا [ لِأَنَّ الْخَلْقَ ] يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الْهَوْلِ كَمَا قَالَ : " كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ " ( الْقَمَرِ - 7 ) . ( وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) كَالصُّوفِ الْمَنْدُوفِ . ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ [ عَلَى سَيِّئَاتِهِ ] . ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) مَرْضِيَّةٍ فِي الْجَنَّةِ . قَالَ الزَّجَّاجُ ذَاتِ رِضًا يَرْضَاهَا صَاحِبُهَا .
[ ص: 514 ] ( وأما من خفت موازينه ( 8 ) فأمه هاوية ( 9 ) وما أدراك ما هيه ( 10 ) نار حامية ( 11 ) )

( وأما من خفت موازينه ) رجحت سيئاته على حسناته . ( فأمه هاوية ) مسكنه النار ، سمي المسكن أما لأن الأصل في السكون إلى الأمهات ، والهاوية اسم من أسماء جهنم ، وهو المهواة لا يدرك قعرها ، وقال قتادة : وهي كلمة عربية تقولها العرب للرجل إذا وقع في أمر شديد ، يقال : هوت أمه . وقيل : [ " فأمه هاوية "
أراد أم رأسه [ " منحدرة منكوسة " يعني أنهم يهوون في النار على رءوسهم ، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح . ( وما أدراك ما هيه ) يعني الهاوية ، وأصلها : ما هي ، أدخل الهاء فيها للوقف والاستراحة ثم فسرها فقال : ( نار حامية ) أي حارة قد انتهى حرها .
سُورَةُ التَّكَاثُرِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ( 1 ) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ( 2 ) )

( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) شَغَلَتْكُمُ الْمُبَاهَاةُ وَالْمُفَاخَرَةُ وَالْمُكَاثَرَةُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْعَدَدِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ وَمَا يُنْجِيكُمْ مِنْ سُخْطِهِ . ( حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) حَتَّى [ مُتُّمْ ] وَدُفِنْتُمْ فِي الْمَقَابِرِ .

قَالَ قَتَادَةُ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ ، قَالُوا : نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ ، وَبَنُو فُلَانٍ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ ، شَغَلَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتُوا ضُلَّالًا .

وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ : نَزَلَتْ فِي حَيَّيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ ; بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ ، وَبَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو ، كَانَ بَيْنَهُمْ تَفَاخُرٌ ، [ فَتَعَادَّ ] السَّادَةُ وَالْأَشْرَافُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا ؟ فَقَالَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ : نَحْنُ أَكْثَرُ سَيِّدًا وَأَعَزُّ عَزِيزًا وَأَعْظَمُ نَفَرًا وَأَكْثَرُ عَدَدًا ، وَقَالَ بَنُو سَهْمٍ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَكَثَرَهُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ ، ثُمَّ قَالُوا : نَعُدُّ مَوْتَانَا ، حَتَّى زَارُوا الْقُبُورَ فَعَدُّوهُمْ ، فَقَالُوا : هَذَا قَبْرُ فُلَانٍ وَهَذَا قَبْرُ فُلَانٍ فَكَثَرَهُمْ بَنُو سَهْمٍ بِثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَكْثَرَ عَدَدًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ . [ ص: 518 ]

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّخِيرِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ : " أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ " ، قَالَ : " يَقُولُ ابْنُ آدَمَ : مَالِي مَالِي ، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ ، إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ " .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " يَتْبَعُ ، الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ " .

ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ :
( كلا سوف تعلمون ( 3 ) ثم كلا سوف تعلمون ( 4 ) كلا لو تعلمون علم اليقين ( 5 ) لترون الجحيم ( 6 ) )

( كلا ) ليس الأمر بالتكاثر ، ( سوف تعلمون ) وعيد لهم ، ثم كرره تأكيدا فقال : ( ثم كلا سوف تعلمون ) قال الحسن ، ومقاتل : هو وعيد بعد وعيد ، والمعنى : سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت .

وقال الضحاك : " كلا سوف تعلمون " ، يعني الكفار ، " ثم كلا سوف تعلمون " يعني المؤمنين ، وكان يقرأ الأولى بالياء والثانية بالتاء . ( كلا لو تعلمون علم اليقين ) أي : علما يقينا ، فأضاف العلم إلى اليقين كقوله : " لهو حق اليقين " ، وجواب " لو " محذوف ، أي : لو تعلمون علما يقينا لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر .

قال قتادة : كنا نتحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت . ( لترون الجحيم ) قرأ ابن عامر والكسائي : " لترون " بضم التاء من أريته الشيء ، وقرأ الآخرون بفتح التاء ، أي : ترونها بأبصاركم من بعيد .
[ ص: 519 ] ( ثم لترونها عين اليقين ( 7 ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( 8 ) )

( ثم لترونها ) مشاهدة ، ( عين اليقين ) ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال مقاتل : يعني كفار مكة ، كانوا في الدنيا في الخير والنعمة ، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ، ولم يشكروا رب النعيم حيث عبدوا غيره ، ثم يعذبون على ترك الشكر ، هذا قول الحسن .

وعن ابن مسعود رفعه قال : " لتسألن يومئذ عن النعيم " قال : " الأمن والصحة " .

وقال قتادة : إن الله يسأل كل ذي نعمة عما أنعم عليه

أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ، حدثنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد ، بن حميد ، حدثنا شبابة عن عبد الله بن العلاء عن الضحاك بن عزرم الأشعري قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أول ما يسأل العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح جسمك ؟ ونروك من الماء البارد " .

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ، أخبرنا أبو عيسى الترمذي ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شيبان أبو معاوية ، حدثنا عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد ، فأتاه أبو بكر فقال : ما جاء بك يا أبا بكر ؟ فقال : خرجت لألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنظر إلى وجهه وللتسليم عليه ، فلم يلبث أن جاء عمر ، فقال : ما جاء بك يا عمر ؟ قال : الجوع [ ص: 520 ] يا رسول الله ، قال [ النبي - صلى الله عليه وسلم - ] : " وأنا قد وجدت ، بعض ذلك " ، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري ، وكان رجلا كثير النخل والشاء ، ولم يكن له خدم ، فلم يجدوه ، فقالوا لامرأته : أين صاحبك ؟ فقالت : انطلق ليستعذب لنا الماء ، فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها ماء فوضعها ، ثم جاء يلتزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويفديه بأبيه وأمه ، ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا ، ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفلا تنقيت لنا من رطبه وبسره " ، فقال : يا رسول الله إني أردت أن تخيروا [ أو قال : أن تختاروا ] من رطبه وبسره ، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد " ، فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تذبحن ذات در " ، فذبح لهم عناقا أو جديا فأتاهم بها ، فأكلوا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل لك خادم ؟ قال : لا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فإذا أتانا سبي فأتنا " ، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برأسين ليس معهما ثالث ، فأتاه أبو الهيثم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اختر منهما " ، فقال : يا نبي الله اختر لي ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، " إن المستشار مؤتمن ، خذ هذا ، فإني رأيته يصلي ، واستوص به معروفا " فانطلق به أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت امرأته : ما أنت ببالغ فيه ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن تعتقه ، قال : فهو عتيق ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، " إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان ، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه خبالا ومن يوق بطانة السوء فقد وقي " .

وروي عن ابن عباس قال : النعيم : صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله العبيد فيم استعملوها ؟ وهو أعلم بذلك منهم ، وذلك قوله : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ( الإسراء - 36 ) .

وقال عكرمة : عن الصحة والفراغ .

وقال سعيد بن جبير : عن الصحة والفراغ والمال . [ ص: 521 ]

أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، حدثنا الحسين بن الحسن بمكة ، حدثنا عبد الله بن المبارك والفضل بن موسى ، قالا حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " .

قال محمد بن كعب : يعني عما أنعم عليكم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .

وقال أبو العالية : عن الإسلام والسنن . وقال الحسين بن الفضل : تخفيف الشرائع وتيسير القرآن .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 07:56 PM.
رد مع اقتباس
  #455  
قديم 23-12-2022, 06:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (440)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ العصر
مكية

الاية 1 إلى الاية 3


سُورَةُ الْعَصْرِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( وَالْعَصْرِ ( 1 ) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ( 2 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ( 3 ) )

( وَالْعَصْرِ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَالدَّهْرِ . قِيلَ : أَقْسَمَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ عِبْرَةً لِلنَّاظِرِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَرَبِّ الْعَصْرِ ، وَكَذَلِكَ فِي أَمْثَالِهِ . وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ : أَرَادَ بِالْعَصْرِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، يُقَالُ لَهُمَا الْعَصْرَانِ . وَقَالَ الْحَسَنُ : مِنْ بَعْدِ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا . وَقَالَ قَتَادَةُ : آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ : أَقْسَمَ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ وَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى . ( إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) أَيْ خُسْرَانٍ وَنُقْصَانٍ ، قِيلَ : أَرَادَ بِهِ [ الْكَافِرَ ] بِدَلِيلِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَ " الْخُسْرَانُ " : ذَهَابُ رَأْسِ مَالِ الْإِنْسَانِ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ وَعُمُرِهِ [ بِالْمَعَاصِي ] ، وَهُمَا أَكْبَرُ رَأْسِ مَالِهِ . ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا فِي خُسْرٍ ، ( وَتَوَاصَوْا ) أَوْصَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، ( بِالْحَقِّ ) بِالْقُرْآنِ ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ : بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ . ( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَإِقَامَةِ أَمْرِ اللَّهِ . وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَرَادَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا عُمِّرَ فِي [ ص: 526 ] الدُّنْيَا وَهَرِمَ ، لَفِي نَقْصٍ وَتَرَاجُعٍ إِلَّا الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهُمْ يُكْتَبُ لَهُمْ أُجُورُهُمْ وَمَحَاسِنُ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي شَبَابِهِمْ وَصِحَّتِهِمْ ، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
سُورَةُ الْهُمَزَةِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ( 1 )

( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُمُ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَيَّابُ .

وَقَالَ مُقَاتِلٌ : " الْهُمَزَةُ " : الَّذِي يَعِيبُكَ فِي الْغَيْبِ ، وَ " اللُّمَزَةُ " : الَّذِي يَعِيبُكَ فِي الْوَجْهِ . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ بِضِدِّهِ .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَقَتَادَةُ : " الْهَمْزَةُ " الَّذِي يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ وَيَغْتَابُهُمْ ، وَ " اللُّمَزَةُ " : الطَّعَّانُ عَلَيْهِمْ .

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ : " الْهُمَزَةُ " الَّذِي يَهْمِزُ النَّاسَ بِيَدِهِ وَيَضْرِبُهُمْ ، وَ " اللُّمَزَةُ " : الَّذِي يَلْمِزُهُمْ بِلِسَانِهِ وَيَعِيبُهُمْ .

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : وَيَهْمِزُ بِلِسَانِهِ وَيَلْمِزُ بِعَيْنِهِ . وَمِثْلُهُ قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ : " الْهُمَزَةُ " الَّذِي يُؤْذِي جَلِيسَهُ بِسُوءِ اللَّفْظِ وَ " اللُّمَزَةُ " الَّذِي يُومِضُ بِعَيْنِهِ وَيُشِيرُ بِرَأْسِهِ ، وَيَرْمُزُ بِحَاجِبِهِ وَهُمَا نَعْتَانِ لِلْفَاعِلِ ، نَحْوُ سُخَرَةٍ وَضُحَكَةٍ : لِلَّذِي يَسْخَرُ وَيَضْحَكُ مِنَ النَّاسِ [ وَالْهُمْزَةُ وَاللُّمْزَةُ ، سَاكِنَةُ الْمِيمِ ، الَّذِي يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ ] . [ ص: 530 ]

وَأَصْلُ الْهَمْزِ : الْكَسْرُ وَالْعَضُّ عَلَى الشَّيْءِ بِالْعُنْفِ .

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ؟ قَالَ الْكَلْبِيُّ : نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقِ بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ كَانَ يَقَعُ فِي النَّاسِ وَيَغْتَابُهُمْ .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنَّ سُورَةَ الْهُمَزَةِ [ نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ ] .

وَقَالَ مُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، كَانَ يَغْتَابُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَرَائِهِ وَيَطْعَنُ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ : هِيَ عَامَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ .
( الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ ( 2 ) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ( 3 ) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ( 4 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ( 5 ) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ( 6 ) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ( 7 ) )

ثُمَّ وَصَفَهُ فَقَالَ : ( الَّذِي جَمَعَ مَالًا ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ ، وَابْنُ عَامِرٍ ، وَحَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ : " جَمَّعَ " بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ عَلَى التَّكْثِيرِ ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ . ( وَعَدَّدَهُ ) أَحْصَاهُ ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ : اسْتَعَدَّهُ وَادَّخَرَهُ وَجَعَلَهُ عَتَادًا لَهُ ، يُقَالُ : أَعْدَدْتُ [ الشَّيْءَ ] وَعَدَّدْتُهُ إِذَا أَمْسَكْتُهُ . ( يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ) فِي الدُّنْيَا ، يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ مَعَ يَسَارِهِ . ( كَلَّا ) رَدًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُخَلِّدَهُ مَالُهُ ، ( لَيُنْبَذَنَّ ) لَيُطْرَحَنَّ ، ( فِي الْحُطَمَةِ ) فِي جَهَنَّمَ ، وَالْحَطْمَةُ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ ، مِثْلُ : سَقَرَ ، وَلَظَى سُمِّيَتْ " حُطَمَةَ " لِأَنَّهَا تَحْطِمُ الْعِظَامَ وَتَكْسِرُهَا . ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) أَيِ الَّتِي يَبْلُغُ أَلَمُهَا وَوَجَعُهَا إِلَى الْقُلُوبِ ، وَالِاطِّلَاعُ وَالْبُلُوغُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، يُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ : مَتَى طَلَعْتَ أَرْضَنَا ؟ أَيْ بَلَغْتَ .

وَمَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّهَا تَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى فُؤَادِهِ قَالَهُ الْقُرَظِيُّ وَالْكَلْبِيُّ .
[ ص: 531 ] ( إنها عليهم مؤصدة ( 8 ) في عمد ممددة ( 9 ) )

( إنها عليهم مؤصدة ) مطبقة مغلقة . ( في عمد ممددة ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر : ( في عمد ) بضم العين والميم ، وقرأ الآخرون بفتحهما ، كقوله تعالى : رفع السماوات بغير عمد ترونها ( الرعد - 2 ) وهما جميعا جمع عمود ، مثل : أديم وأدم [ وأدم ] ، قاله الفراء .

وقال أبو عبيدة : جمع عماد ، مثل : إهاب وأهب وأهب .

قال ابن عباس : أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد .

[ وقيل : " في عمد ممددة ] : في أعناقهم الأغلال السلاسل .

[ وقيل : " هي عمد ممددة " : على باب جهنم ] ، سدت عليهم بها الأبواب [ لا يمكنهم الخروج ] .

وقال قتادة : بلغنا أنها عمد يعذبون بها في النار .

وقيل : هي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار ، أي أنها مطبقة عليهم بأوتاد ممددة ، وهي في قراءة عبد الله " بعمد " بالباء .

قال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يفتح عليهم باب ولا يدخل عليهم روح ، والممددة من صفة العمد ، أي مطولة فتكون أرسخ من القصيرة .
سُورَةُ الْفِيلِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ( 1 ) )

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) ؟ وَكَانَتْ قِصَّةُ أَصْحَابِ الْفِيلِ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ - :

أَنَّ النَّجَاشِيَّ مَلِكَ الْحَبَشَةِ كَانَ قَدْ بَعَثَ " أَرْيَاطَ " إِلَى أَرْضِ الْيَمَنِ فَغَلَبَ عَلَيْهَا ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ ، يُقَالُ لَهُ : " أَبْرَهَةُ بْنُ الصَّبَاحِ " [ أَبُو يَكْسُومَ ] ، ، فَسَاخَطَ " أَرْيَاطَ " فِي أَمْرِ الْحَبَشَةِ ، حَتَّى انْصَدَعُوا صَدْعَيْنِ ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ أَرْيَاطَ ، وَطَائِفَةٌ مَعَ أَبْرَهَةَ ، فَتَزَاحَفَا فَقَتَلَ أَبْرَهَةُ ، أَرْيَاطَ ، وَاجْتَمَعَتِ الْحَبَشَةُ لِأَبْرَهَةَ ، وَغَلَبَ عَلَى الْيَمَنِ وَأَقَرَّهُ النَّجَاشِيُّ ، عَلَى عَمَلِهِ .

ثُمَّ إِنَّ أَبْرَهَةَ رَأَى النَّاسَ يَتَجَهَّزُونَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ إِلَى مَكَّةَ لِحَجِّ بَيْتِ اللَّهِ ، فَبَنَى كَنِيسَةً بِصَنْعَاءَ وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ : إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ بِصَنْعَاءَ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ لِمَلِكٍ مَثَلُهَا ، وَلَسْتُ مُنْتَهِيًا حَتَّى أَصْرِفَ إِلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ ، فَسَمِعَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ [ فَخَرَجَ إِلَيْهَا مُسْتَخْفِيًا ] فَدَخَلَهَا لَيْلًا فَقَعَدَ فِيهَا وَتَغَوَّطَ بِهَا ، وَلَطَّخَ بِالْعُذْرَةِ قِبْلَتَهَا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبْرَهَةَ فَقَالَ : مَنِ اجْتَرَأَ عَلَيَّ وَلَطَّخَ كَنِيسَتِي بِالْعُذْرَةِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : صَنَعَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ سَمِعَ بِالَّذِي قُلْتَ ، فَحَلَفَ أَبْرَهَةُ عِنْدَ ذَلِكَ : لِيَسِيرَنَّ إِلَى الْكَعْبَةِ حَتَّى يَهْدِمَهَا ، فَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِفِيلِهِ ، وَكَانَ لَهُ فِيلٌ يُقَالُ لَهُ مَحْمُودٌ ، وَكَانَ فِيلًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ عِظَمًا وَجِسْمًا وَقُوَّةً ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ ، فَخَرَجَ [ ص: 536 ] أَبْرَهَةُ مِنَ الْحَبَشَةِ سَائِرًا إِلَى مَكَّةَ ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْفِيلُ ، فَسَمِعَتِ الْعَرَبُ بِذَلِكَ فَأَعْظَمُوهُ وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقًا عَلَيْهِمْ ، فَخَرَجَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ ، يُقَالُ لَهُ : ذُو نَفَرٍ ، بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ قَوْمِهِ ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ وَأَخَذَ ذَا نَفَرٍ ، فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ لَا تَقْتُلَنِي فَإِنَّ اسْتِبْقَائِيَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ قَتْلِي ، فَاسْتَحْيَاهُ وَأَوْثَقَهُ . وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا .

ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ بِلَادِ خَثْعَمَ ، خَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ فِي خَثْعَمَ وَمَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ ، فَقَاتَلُوهُ فَهَزَمَهُمْ وَأَخَذَ نُفَيْلًا فَقَالَ نُفَيْلٌ : أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي دَلِيلٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، وَهَاتَانِ يَدَايَ عَلَى قَوْمِي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، فَاسْتَبْقَاهُ ، وَخَرَجَ مَعَهُ يَدُلُّهُ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِالطَّائِفِ خَرَجَ إِلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ ثَقِيفٍ فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ نَحْنُ عَبِيدُكَ ، لَيْسَ لَكَ عِنْدَنَا خِلَافٌ ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الَّذِي بِمَكَّةَ ، نَحْنُ نَبْعَثُ مَعَكَ مَنْ يَدُلُّكَ عَلَيْهِ ، فَبَعَثُوا مَعَهُ أَبَا رِغَالٍ ، مَوْلًى لَهُمْ ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ [ بِالْمُغَمَّسِ ] مَاتَ أَبُو رِغَالٍ وَهُوَ الَّذِي يُرْجَمُ قَبْرُهُ ، وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ مِنَ الْمُغَمَّسِ رَجُلًا مِنَ الْحَبَشَةِ ، يُقَالُ لَهُ : الْأَسْوَدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، عَلَى مُقَدِّمَةِ خَيْلِهِ ، وَأَمْرَهُ بِالْغَارَةِ عَلَى نَعَمِ النَّاسِ ، فَجَمَعَ الْأَسْوَدُ إِلَيْهِ أَمْوَالَ الْحَرَمِ ، وَأَصَابَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِائَتَيْ بَعِيرٍ .

ثُمَّ إِنَّ أَبْرَهَةَ بَعَثَ حَبَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ ، وَقَالَ : سَلْ عَنْ شَرِيفِهَا ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَا أُرْسِلُكَ بِهِ إِلَيْهِ ، أَخْبِرْهُ أَنِّي لَمْ آتِ لِقِتَالٍ ، إِنَّمَا جِئْتُ لِأَهْدِمَ هَذَا الْبَيْتَ . فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ فِلَقِيَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمَلِكَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لِأُخْبِرَكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ إِلَّا أَنْ تُقَاتِلُوهُ ، إِنَّمَا جَاءَ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ ثُمَّ الِانْصِرَافِ عَنْكُمْ .

فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : مَا لَهُ عِنْدَنَا قِتَالٌ وَلَا لَنَا بِهِ يَدٌ إِلَّا أَنْ نُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ ، فَإِنَّ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، فَإِنْ يَمْنَعْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ ، وَإِنْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ مَا لَنَا بِهِ قُوَّةٌ .

قَالَ : فَانْطَلِقْ مَعِي إِلَى الْمَلِكِ ، فَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ أَرْدَفَهُ عَلَى بَغْلَةٍ كَانَ عَلَيْهَا وَرَكِبَ مَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ حَتَّى قَدِمَ الْمُعَسْكَرَ ، وَكَانَ ذُو نَفَرٍ صَدِيقًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَتَاهُ فَقَالَ : يَا ذَا نَفَرٍ ، هَلْ عِنْدَكَ مِنْ [ غَنَاءٍ ] فِيمَا نَزَلَ بِنَا ؟ فَقَالَ : مَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُقْتَلَ بُكْرَةً أَوْ عَشِيًّا ، وَلَكِنْ سَأَبْعَثُ إِلَى أُنَيْسٍ ، سَائِسِ الْفِيلِ ، فَإِنَّهُ لِي صَدِيقٌ فَأَسْأَلُهُ أَنْ يَصْنَعَ لَكَ عِنْدَ الْمَلِكِ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ خَيْرٍ وَيُعَظِّمُ خَطَرَكَ وَمَنْزِلَتَكَ عِنْدَهُ ، قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَى أُنَيْسٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ صَاحِبُ [ ص: 537 ] عِيرِ مَكَّةَ الَّذِي يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْفَعَهُ عِنْدَهُ فَانْفَعْهُ فَإِنَّهُ صَدِيقٌ لِي ، أُحِبُّ ، مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ ، فَدَخَلَ أُنَيْسٌ عَلَى أَبْرَهَةَ فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ وَصَاحِبُ عِيرِ مَكَّةَ الَّذِي يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، يَسْتَأْذِنُ إِلَيْكَ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فَيُكَلِّمَكَ ، وَقَدْ جَاءَ غَيْرَ نَاصِبٍ لَكَ وَلَا مُخَالِفٍ عَلَيْكَ ، فَأَذِنَ لَهُ ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَجُلًا جَسِيمًا وَسِيمًا ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ ، وَكَرِهَ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ وَأَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ ، فَهَبَطَ إِلَى الْبِسَاطِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ : مَا حَاجَتُكَ إِلَى الْمَلِكِ ؟ فَقَالَ لَهُ التُّرْجُمَانُ ذَلِكَ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : حَاجَتِي إِلَى الْمَلِكِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي ، فَقَالَ أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ : لَقَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ ، وَقَدْ زَهِدْتُ فِيكَ ، قَالَ [ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ] : لِمَ ؟ قَالَ : جِئْتُ إِلَى بَيْتٍ هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ وَهُوَ شَرَفُكُمْ وَعِصْمَتُكُمْ لِأَهْدِمَهُ لَمْ تُكَلِّمْنِي فِيهِ وَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا ؟ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : أَنَا رَبُّ هَذِهِ الْإِبِلِ وَإِنَّ لِهَذَا الْبَيْتِ رِبًّا سَيَمْنَعُهُ ، قَالَ مَا كَانَ لِيَمْنَعَهُ مِنِّي ، قَالَ فَأَنْتَ وَذَاكَ ، فَأَمَرَ بِإِبِلِهِ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ .

فَلَمَّا رُدَّتِ الْإِبِلُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَرَجَ فَأَخْبَرَ قُرَيْشًا الْخَبَرَ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَيَتَحَرَّزُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ ، فَفَعَلُوا ، وَأَتَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْكَعْبَةَ ، وَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ وَجَعَلَ يَقُولُ :
يَا رَبِّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا
امْنَعْهُمْ أَنْ يُخَرِّبُوا قُرَاكَا

وَقَالَ أَيْضًا :
لَا هُمَّ إِنَّ العَبْدَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكَ
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا مِحَالُكْ
جَرُّوا جُمُوعَ بِلَادِهِمْ وَالْفِيلَ كَيْ يَسْبُوا عِيَالَكْ
عَمَدُوا حِمَاكَ بِكَيْدِهِمْ جَهْلًا وَمَا رَقَبُوا جَلَالَكَ
[ ص: 538 ] إِنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَكَعْبَتَنَا فَأْمُرْ مَا بَدَا لَكَ
فَلَمْ أَسْمَعْ بِأَرْجَسَ مِنْ رِجَالٍ أَرَادُوا الْغَزْوَ يَنْتَهِكُوا حَرَامَكَ


ثُمَّ تَرَكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْحَلْقَةَ وَتَوَجَّهَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْوُجُوهِ مَعَ قَوْمِهِ ، وَأَصْبَحَ أَبْرَهَةُ بِالْمُغَمَّسِ قَدْ تَهَيَّأَ لِلدُّخُولِ وَعَبَّأَ جَيْشَهُ وَهَيَّأَ فِيلَهُ ، وَكَانَ فِيلًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فِي الْعِظَمِ وَالْقُوَّةِ وَيُقَالُ كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ فِيلًا .

فَأَقْبَلَ نُفَيْلٌ إِلَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ فَقَالَ : اُبْرُكْ مَحْمُودُ وَارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ [ فَإِنَّكَ ] فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ ، فَبَرَكَ الْفِيلُ فَبَعَثُوهُ فَأَبَى ، فَضَرَبُوهُ بِالْمِعْوَلِ فِي رَأْسِهِ فَأَبَى ، فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَهُمْ تَحْتَ مِرَاقِهِ وَمَرَافِقِهِ فَنَزَعُوهُ لِيَقُومَ فَأَبَى ، فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَامَ يُهَرْوِلُ ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى الشَّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَصَرَفُوهُ إِلَى الْحَرَمِ فَبَرَكَ وَأَبَى أَنْ يَقُومَ .

وَخَرَجَ نُفَيْلٌ يَشْتَدُّ حَتَّى [ صَعِدَ ] فِي الْجَبَلِ ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا مِنَ الْبَحْرِ أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ مَعَ كُلِّ [ طَائِرٍ ] مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ : حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ ، وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ ، أَمْثَالُ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ ، فَلَمَّا غَشَيْنَ الْقَوْمَ أَرْسَلْنَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُصِبْ تِلْكَ الْحِجَارَةُ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ ، وَلَيْسَ كُلُّ الْقَوْمِ أَصَابَتْ وَخَرَجُوا هَارِبِينَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ ، يَتَسَاءَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ لِيَدُلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى الْيَمَنِ ، وَنُفَيْلٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْجِبَالِ ، فَصَرَخَ الْقَوْمُ وَمَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَيَهْلِكُونَ عَلَى كُلِّ [ مَهْلِكٍ ] .

وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى أَبْرَهَةَ دَاءً فِي جَسَدِهِ فَجَعَلَ يَتَسَاقَطُ أَنَامِلُهُ كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ اتَّبَعَتْهَا [ مِدَّةٌ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ ] ، فَانْتَهَى إِلَى صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّيْرِ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ ثُمَّ هَلَكَ .

قَالَ الْوَاقِدِيُّ : وَأَمَّا مَحْمُودٌ ، فِيلُ النَّجَاشِيِّ ، فَرَبَضَ وَلَمْ [ يَسِرْ ] عَلَى الْحَرَمِ فَنَجَا ، وَالْفِيلُ [ ص: 539 ] الْآخَرُ شَجَّعَ فَحُصِبَ .

وَزَعَمَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي جَرَّأَ أَصْحَابَ الْفِيلِ : أَنَّ فِتْيَةً مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجُوا تُجَّارًا إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ فَدَنَوْا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ وَثَمَّ بَيْعَةٌ لِلنَّصَارَى تُسَمِّيهَا قُرَيْشٌ " الْهَيْكَلَ " ، فَنَزَلُوا فَأَجَّجُوا نَارًا وَاشْتَوُوا فَلَمَّا ارْتَحَلُوا تَرَكُوا النَّارَ كَمَا هِيَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَعَجَّتِ الرِّيحُ فَاضْطَرَمَ الْهَيْكَلُ نَارًا فَانْطَلَقَ الصَّرِيخُ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَأَسِفَ غَضَبًا لِلْبَيْعَةِ ، فَبَعَثَ أَبْرَهَةَ لِهَدْمِ الْكَعْبَةِ .

وَقَالَ فِيهِ : إِنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَبُو مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ وَكَانَ مَكْفُوفَ الْبَصَرِ يُصَيِّفُ بِالطَّائِفِ وَيَشْتُو بِمَكَّةَ ; وَكَانَ رَجُلًا نَبِيهًا نَبِيلًا تَسْتَقِيمُ الْأُمُورُ بِرَأْيهِ ، وَكَانَ خَلِيلًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : مَاذَا عِنْدَكَ هَذَا يَوْمٌ لَا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ رَأْيِكَ ؟ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ : اصْعَدْ بِنَا إِلَى حِرَاءَ فَصَعِدَ الْجَبَلَ ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ : اعْمَدْ إِلَى مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ فَاجْعَلْهَا لِلَّهِ وَقَلِّدْهَا نَعْلًا ثُمَّ أَرْسِلْهَا فِي الْحَرَمِ لَعَلَّ بَعْضَ هَذِهِ السُّودَانِ يَعْقِرُ مِنْهَا شَيْئًا ، فَيَغْضَبَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ فَيَأْخُذَهُمْ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَعَمَدَ الْقَوْمُ إِلَى تِلْكَ الْإِبِلِ فَحَمَلُوا عَلَيْهَا وَعَقَرُوا بَعْضَهَا وَجَعَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ : إِنْ لِهَذَا الْبَيْتِ رَبًّا يَمْنَعُهُ ، فَقَدْ نَزَلَ تُبَّعُ ، مَلِكُ الْيَمَنِ صَحْنَ هَذَا الْبَيْتِ وَأَرَادَ هَدْمَهُ فَمَنَعَهُ اللَّهُ وَابْتَلَاهُ ، وَأَظْلَمَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَلَمَّا رَأَى تُبَّعُ ذَلِكَ كَسَاهُ الْقَبَاطِيَّ الْبِيضَ ، وَعَظَّمَهُ وَنَحَرَ لَهُ جَزُورًا .

[ ثُمَّ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ ] فَانْظُرْ نَحْوَ الْبَحْرِ ، فَنَظَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ : أَرَى طَيْرًا بَيْضَاءَ نَشَأَتْ مِنْ شَاطِئِ الْبَحْرِ ، فَقَالَ : اُرْمُقْهَا بِبَصَرِكَ أَيْنَ قَرَارُهَا ؟ قَالَ أَرَاهَا قَدْ دَارَتْ عَلَى رُءُوسِنَا ، قَالَ : فَهَلْ تَعْرِفُهَا ؟ قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا أَعْرِفُهَا مَا هِيَ بِنَجْدِيَّةٍ وَلَا تِهَامِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ وَلَا شَامِيَّةٍ ، قَالَ : مَا قَدُّهَا ؟ قَالَ : أَشْبَاهُ [ الْيَعَاسِيبِ ] ، فِي مِنْقَارِهَا حَصًى كَأَنَّهَا حَصَى الْحَذْفِ ، قَدْ أَقْبَلَتْ كَاللَّيْلِ يَكْسَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، أَمَامَ كُلِّ رُفْقَةٍ طَيْرٌ يَقُودُهَا أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ أَسْوَدُ الرَّأْسِ طَوِيلُ الْعُنُقِ ، فَجَاءَتْ حَتَّى إِذَا حَاذَتْ بِعَسْكَرِ الْقَوْمِ [ وَكَدَتْ ] فَوْقَ رُءُوسِهِمْ ، فَلَمَّا تَوَافَتِ الرِّجَالُ كُلُّهَا أَهَالَتِ الطَّيْرُ مَا فِي مَنَاقِيرِهِا عَلَى مَنْ تَحْتَهَا ، مَكْتُوبٌ فِي كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ صَاحِبِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا انْصَاعَتْ رَاجِعَةً مِنْ حَيْثُ جَاءَتْ ، فَلَمَّا أَصْبَحَا انْحَطَّا مِنْ ذُرْوَةِ الْجَبَلِ فَمَشَيَا رَبْوَةً فَلَمْ يُؤْنِسَا أَحَدًا ثُمَّ دَنَوْا رَبْوَةً فَلَمْ يَسْمَعَا حِسًّا فَقَالَا بَاتَ الْقَوْمُ [ سَاهِرِينَ ] ، فَأَصْبَحُوا نِيَامًا ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ عَسْكَرِ الْقَوْمِ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ، وَكَانَ يَقَعُ [ ص: 540 ] الْحَجَرُ عَلَى بَيْضَةِ أَحَدِهِمْ فَيَخْرِقَهَا حَتَّى يَقَعَ فِي دِمَاغِهِ وَيَخْرِقَ الْفِيلَ وَالدَّابَّةَ وَيَغِيبَ الْحَجَرُ فِي الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ وَقْعِهِ ، فَعَمَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَأَخَذَ فَأْسًا مِنْ فُؤُوسِهِمْ فَحَفَرَ حَتَّى أَعْمَقَ فِي الْأَرْضِ فَمَلَأَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَالْجَوْهَرِ ، وَحَفَرَ لِصَاحِبِهِ حُفْرَةً فَمَلَأَهَا كَذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي مَسْعُودٍ : هَاتِ فَاخْتَرْ إِنْ شِئْتَ حُفْرَتِي وَإِنْ شِئْتَ حُفْرَتَكَ ، وَإِنْ شِئْتَ فَهُمَا لَكَ مَعًا ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ : اخْتَرْ لِي عَلَى نَفْسِكَ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِنِّي لَمْ آلُ أَنْ أَجْعَلَ أَجْوَدَ الْمَتَاعِ فِي حُفْرَتِي فَهُوَ لَكَ ، وَجَلَسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حُفْرَتِهِ ، وَنَادَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي النَّاسِ ، فَتَرَاجَعُوا وَأَصَابُوا مِنْ فَضْلِهِمَا حَتَّى ضَاقُوا بِهِ ذَرْعًا ، وَسَادَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِذَلِكَ قُرَيْشًا وَأَعْطَتْهُ الْمُقَادَةَ ، فَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَبُو مَسْعُودٍ فِي أَهْلِيهِمَا فِي غِنًى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ، وَدَفَعَ اللَّهُ عَنْ كَعْبَتِهِ وَبَيْتِهِ .

وَاخْتَلَفُوا فِي تَارِيخِ عَامِ الْفِيلِ ; فَقَالَ مُقَاتِلٌ : كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَرْبَعِينَ سَنَةً .

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً .

وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْعَامِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) ؟ قَالَ مُقَاتِلٌ : كَانَ مَعَهُمْ فِيلٌ وَاحِدٌ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ : كَانَتِ الْفِيَلَةُ ثَمَانِيَةٌ . وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ ، سِوَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ ، وَإِنَّمَا وُحِّدَ لِأَنَّهُ نَسَبَهُمْ إِلَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ . وَقِيلَ : لِوِفَاقِ رُءُوسِ الْآيِ .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 07:57 PM.
رد مع اقتباس
  #456  
قديم 23-12-2022, 06:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (441)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ قريش
مكية

الاية 1 إلى الاية 4


( أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ( 2 ) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ( 3 ) )

( أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ) " كَيْدَهُمْ " يَعْنِي مَكْرَهُمْ وَسَعْيَهُمْ فِي تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ . وَقَوْلُهُ : " فِي تَضْلِيلٍ " عَمَّا أَرَادُوا ، وَأَضَلَّ كَيْدَهُمْ حَتَّى لَمْ يَصِلُوا إِلَى الْكَعْبَةِ ، وَإِلَى مَا أَرَادُوهُ بِكَيْدِهِمْ . قَالَ مُقَاتِلٌ : فِي خَسَارَةٍ ، وَقِيلَ : فِي بُطْلَانٍ . ( وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ) كَثِيرَةً مُتَفَرِّقَةً يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا . وَقِيلَ : أَقَاطِيعَ كَالْإِبِلِ الْمُؤَبَّلَةِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ . أَبَابِيلُ جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ ، يُقَالُ : جَاءَتِ الْخَيْلُ أَبَابِيلُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا .

قَالَ الْفَرَّاءُ : لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا . وَقِيلَ : وَاحِدُهَا إِبَالَةٌ . وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ [ ص: 541 ] النَّحْوِيِّينَ يَقُولُونَ : وَاحِدُهَا أَبُولُ ، مِثْلُ عَجُولٌ وَعَجَاجِيلُ .

وَقِيلَ : وَاحِدُهَا مِنْ [ لَفْظِهَا ] إِبِّيلٌ .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَتْ طَيْرًا لَهَا خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الطَّيْرِ ، وَأَكُفٌّ كَأَكُفِّ الْكِلَابِ .

وَقَالَ عِكْرِمَةُ : لَهَا رُؤُوسٌ كَرُؤُوسِ السِّبَاعِ . قَالَ الرَّبِيعُ : لَهَا أَنْيَابٌ كَأَنْيَابِ السِّبَاعِ .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : خُضْرٌ لَهَا مَنَاقِيرُ صُفْرٌ . وَقَالَ قَتَادَةُ : طَيْرٌ سُودٌ جَاءَتْ مِنْ قَبْلِ الْبَحْرِ فَوْجًا فَوْجًا مَعَ كُلِّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ ; حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ ، وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ ، لَا تُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا هَشَمَتْهُ .
( ترميهم بحجارة من سجيل ( 4 ) فجعلهم كعصف مأكول ( 5 ) )

( ترميهم بحجارة من سجيل ) قال [ ابن عباس ] وابن مسعود : صاحت الطير ورمتهم بالحجارة ، فبعث الله ريحا فضربت الحجارة فزادتها شدة فما وقع منها حجر على رجل إلا خرج من الجانب الآخر ، وإن وقع على رأسه خرج من دبره . ( فجعلهم كعصف مأكول ) كزرع وتبن أكلته الدواب فراثته فيبس وتفرقت أجزاؤه . شبه تقطع ، أوصالهم بتفرق أجزاء الروث . قال مجاهد : " العصف " ورق الحنطة . وقال قتادة : هو التبن . وقال عكرمة : كالحب إذا أكل فصار أجوف . وقال ابن عباس : هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف له .
سُورَةُ قُرَيْشٍ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ( 1 ) )

( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ : " لِيلَافِ " بِغَيْرِ هَمْزٍ " إِلَافِهِمْ " طَلَبًا لِلْخِفَّةِ ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ " لِئِلَافِ " بِهَمْزَةٍ مُخْتَلَسَةٍ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ بَعْدَهَا [ عَلَى وَزْنِ لِغِلَافِ ] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِهَمْزَةٍ مُشْبَعَةٍ وَيَاءٍ بَعْدَهَا ، وَاتَّفَقُوا - غَيْرَ أَبِي جَعْفَرٍ - فِي " إِيلَافِهِمْ " أَنَّهَا بِيَاءٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ ، إِلَّا عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ فُلَيْحٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ قَرَأَ : " إِلْفِهِمْ " سَاكِنَةَ اللَّامِ بِغَيْرِ يَاءٍ .

وَعَدَّ بَعْضُهُمْ سُورَةَ الْفِيلِ وَهَذِهِ السُّورَةَ وَاحِدَةً ; مِنْهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا فِي مُصْحَفِهِ ، وَقَالُوا : اللَّامُ فِي " لِإِيلَافِ " تَتَعَلَّقُ بِالسُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَّرَ أَهْلَ مَكَّةَ عَظِيمَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا صَنَعَ بِالْحَبَشَةِ ، وَقَالَ : ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ) .

وَقَالَ الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى : جَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ، أَيْ [ يُرِيدُ إِهْلَاكَ أَهْلِ ] الْفِيلِ لِتَبْقَى قُرَيْشٌ [ وَمَا أَلِفُوا مِنْ ] رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ : أَلِفُوا ذَلِكَ فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ .

وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُمَا سُورَتَانِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ الْجَالِبَةِ لِلَّامِ فِي قَوْلِهِ " لِإِيلَافِ " ، قَالَ الْكِسَائِيُّ [ ص: 546 ] وَالْأَخْفَشُ : هِيَ لَامُ التَّعَجُّبِ ، يَقُولُ : اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، وَتَرَكِهِمْ عِبَادَةَ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ لِزَيْدٍ وَإِكْرَامِنَا إِيَّاهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ : اعْجَبُوا لِذَلِكَ : وَالْعَرَبُ إِذَا جَاءَتْ بِهَذِهِ اللَّامِ اكْتَفَوْا بِهَا دَلِيلًا عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ إِظْهَارِ الْفِعْلِ مِنْهُ .

وَقَالَ الزَّجَّاجُ : هِيَ مَرْدُودَةٌ إِلَى مَا بَعْدَهَا تَقْدِيرُهُ : فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لِإِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ .

وَقَالَ [ ابْنُ عُيَيْنَةَ ] : لِنِعْمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ .

وَقُرَيْشٌ هُمْ وَلَدُ النَّضِرِ بْنِ كِنَانَةَ ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَهُ النَّضْرُ فَهُوَ قُرَشِيٌّ ، وَمَنْ لَمْ يَلِدْهُ النَّضْرُ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجَوْرَبَذِيُّ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ " .

وَسُمُوا قُرَيْشًا مِنَ الْقَرْشِ ، وَالتَّقَرُّشِ وَهُوَ التَّكَسُّبُ وَالْجَمْعُ ، يُقَالُ : فَلَانٌ يَقْرِشُ لِعِيَالِهِ وَيَقْتَرِشُ أَيْ يَكْتَسِبُ ، وَهُمْ كَانُوا تُجَّارًا حُرَّاصًا عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَالْإِفْضَالِ .

وَقَالَ أَبُو رَيْحَانَةَ : سَأَلَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ : لِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا ؟ قَالَ : لِدَابَّةٍ تَكُونُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَعْظَمِ دَوَابِّهِ يُقَالُ لَهَا الْقِرْشُ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ إِلَّا أَكَلَتْهُ ، وَهِيَ تَأْكُلُ وَلَا تُؤْكَلُ ، وَتَعْلُو وَلَا تُعْلَى ، قَالَ : وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَنْشَدَهُ شِعْرَ الْجُمَحِيِّ :
وقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا سُلِّطَتْ بالعُلُوِّ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ عَلَى سَائِرِ الْبُحُورِ جُيُوشَا تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا تَتْرُكْ
فِيهِ لِذِي الْجَنَاحَيْنِ رِيشَا [ ص: 547 ] هَكَذَا فِي الْكِتَابِ حَيُّ قُرَيْشٍ يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا [ كَمِيشَا ] وَلَهُمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَبِيٌّ
يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا
( إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ( 2 ) فليعبدوا رب هذا البيت ( 3 ) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ( 4 ) )

قوله تعالى : ( إيلافهم ) بدل من الإيلاف الأول ( رحلة الشتاء والصيف ) " رحلة " نصب على المصدر ، أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف .

روى عكرمة ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف ، فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ويعبدوا رب هذا البيت .

وقال الآخرون : كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة ، إحداهما في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ والأخرى في الصيف إلى الشام .

وكان الحرم واديا جدبا لا زرع فيه ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء ، كانوا يقولون : قريش سكان حرم الله وولاة بيته فلولا الرحلتان لم يكن لهم بمكة مقام ، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ، وشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة ، أهل الساحل من البحر على السفن وأهل البر على الإبل والحمير فألقى أهل الساحل بجدة ، وأهل البر بالمحصب ، وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة فألقوا بالأبطح ، فامتاروا من قريب وكفاهم الله مؤنة الرحلتين ، وأمرهم بعبادة رب البيت فقال : ( فليعبدوا رب هذا البيت ) أي الكعبة . ( الذي أطعمهم من جوع ) أي من بعد جوع بحمل الميرة إلى مكة ( وآمنهم من خوف ) بالحرم وكونهم من أهل [ مكة ] حتى لم يتعرض لهم [ في رحلتهم ] [ ص: 548 ]

وقال عطاء عن ابن عباس : إنهم كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين ، وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغني حتى كان فقيرهم كغنيهم .

قال الكلبي : وكان أول من حمل [ السمراء ] من الشام ورحل إليها الإبل : هاشم بن عبد مناف وفيه يقول الشاعر .
قل للذي طلب السماحة والندى هلا مررت بآل عبد مناف هلا مررت بهم تريد قراهم
منعوك من ضر ومن إكفاف الرائشين وليس يوجد رائش
والقائلين هلم للأضياف والخالطين فقيرهم بغنيهم
حتى يكون فقيرهم كالكافي والقائمين بكل وعد صادق
والراحلين برحلة الإيلاف عمرو [ العلا ] هشم الثريد لقومه
ورجال مكة [ مسنتون ] عجاف سفرين سنهما له ولقومه
سفر الشتاء ورحلة الأصياف

وقال الضحاك والربيع وسفيان : " وآمنهم من خوف " من خوف الجذام ، فلا يصيبهم ببلدهم الجذام .
سُورَةُ الْمَاعُونِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ( 1 ) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ( 2 ) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ( 3 ) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ( 4 ) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ( 5 ) )

( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ) قَالَ مُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَابْنُ كَيْسَانَ : فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . قَالَ الضَّحَّاكُ : فِي [ عَمْرِو ] بْنِ عَائِذٍ الْمَخْزُومِيِّ . وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ .

وَمَعْنَى " يُكَذِّبُ بِالدِّينِ " أَيْ بِالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ . ( فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) يَقْهَرُهُ وَيَدْفَعُهُ عَنْ حَقِّهِ وَالدَّعُّ : الدَّفْعُ بِالْعُنْفِ وَالْجَفْوَةِ . ( وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) لَا يَطْعَمُهُ وَلَا يَأْمُرُ بِإِطْعَامِهِ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُ بِالْجَزَاءِ . ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) [ أَيْ : عَنْ مَوَاقِيتِهَا غَافِلُونَ ] .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [ ص: 552 ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ تَمَّامٍ الضَّبِّيُّ ، حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ [ القَسْمَلِيُّ ] حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا [ عَبْدُ الْمَلِكِ ] بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ [ سَعْدٍ ] عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ " الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ " ، قَالَ : " إِضَاعَةُ الْوَقْتِ " .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُمُ الْمُنَافِقُونَ يَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ إِذَا غَابُوا عَنِ النَّاسِ ، وَيُصَلُّونَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ إِذَا حَضَرُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ )( الذين هم يراءون ( 6 ) ويمنعون الماعون ( 7 ) )

( الذين هم يراءون ) وقال في وصف المنافقين : " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس " ( النساء - 142 ) .

وقال قتادة : ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصل .

وقيل : لا يرجون لها ثوابا إن صلوا ولا يخافون عقابا إن تركوا .

وقال مجاهد : غافلون عنها يتهاونون بها .

وقال الحسن : هو الذي إن صلاها صلاها رياء ، وإن فاتته لم يندم .

وقال أبو العالية : لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها . ( ويمنعون الماعون ) روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : هي الزكاة ، وهو قول ابن عمر والحسن وقتادة والضحاك .

وقال عبد الله بن مسعود : " الماعون " : الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهي رواية [ ص: 553 ] سعيد بن جبير عن ابن عباس .

قال مجاهد : " الماعون " [ العارية . وقال عكرمة ] أعلاها الزكاة المعروفة [ وأدناها عارية المتاع .

وقال محمد بن كعب والكلبي : " الماعون " : المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم .

قال قطرب : أصل الماعون من القلة ، تقول العرب : ما له : سعة ولا منعة ، أي شيء قليل فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعونا لأنه قليل من كثير .

وقيل : " الماعون " : ما لا يحل منعه مثل : الماء والملح والنار ] . سُورَةُ الْكَوْثَرِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ( 1 ) )

( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الْمُخْتَارِ - يَعْنِي ابْنَ فُلْفُلٍ - عَنْ أَنَسٍ قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُبْتَسِمًا فَقُلْنَا : مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ ، فَقَرَأَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : " إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ " ، ثُمَّ قَالَ : " أَتُدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ " ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " فَإِنَّهُ نَهَرَ وَعَدَنِيهِ رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ : رَبِّ إِنَّهُ مِنِّي ، فَيَقُولُ : مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ " .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " الْكَوْثَرُ " : الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . قَالَ أَبُو بِشْرٍ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : إِنَّ أُنَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ : النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . [ ص: 558 ]

قَالَ الْحَسَنُ : هُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ .

قَالَ عِكْرِمَةُ : النُّبُوَّةُ وَالْكِتَابُ .

وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْكَوْثَرُ : فَوْعَلٌ [ مِنَ الْكَثْرَةِ ، كَنَوْفَلٍ : فَوْعَلٌ ] مِنَ النَّفْلِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ [ كَثِيرٍ فِي الْعَدَدِ أَوْ ] كَثِيرٍ فِي الْقَدْرِ وَالْخَطَرِ : كَوْثَرًا . وَالْمَعْرُوفُ : أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ أَعْطَاهُ اللَّهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ [ عَلِيٍّ ] الْكُشْمِيهَنِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرَ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ يَجْرِي بَيَاضُهُ [ بَيَاضُ ] اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَحَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ فَضَرَبْتُ بِيَدِي فَإِذَا الثَّرَى مِسْكٌ أَذْفَرُ فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الصَّلْتُ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ ، حَافَّتَاهُ الذَّهَبُ مَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ " . . [ ص: 559 ]

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا نَافِعُ [ بْنُ عُمَرَ ، عَنِ ] ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، مَنْ يَشْرَبْ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا " .

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ مُعَدَّانِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " [ أَنَا عِنْدَ عُقْرِ حَوْضِي ] أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ " إِنِّي لَأَضْرِبُهُمْ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضُّوا عَنْهُ " وَإِنَّهُ [ لَيَغُتُّ ] فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ ، أَحَدُهُمَا مِنْ وَرِقٍ وَالْآخَرُ مِنْ ذَهَبَ طُولُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَصَنْعَاءَ ، أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَمَكَّةَ أَوْ مِنْ مَقَامِي هَذَا إِلَى عُمَانَ " .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 07:58 PM.
رد مع اقتباس
  #457  
قديم 23-12-2022, 06:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (442)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ الكافرون
مكية

الاية 1 إلى الاية 6


( فصل لربك وانحر ( 2 ) )

قوله - عز وجل - : ( فصل لربك وانحر ) قال محمد بن كعب : إن أناسا كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي وينحر لله - عز وجل - .

وقال عكرمة وعطاء وقتادة : فصل لربك صلاة العيد يوم النحر وانحر نسكك .

وقال سعيد بن جبير ومجاهد : فصل الصلوات المفروضة بجمع وانحر البدن بمنى .

وروي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : " فصل لربك وانحر " قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر .
[ ص: 560 ] ( إن شانئك هو الأبتر ( 3 ) )

قوله تعالى : ( إن شانئك ) عدوك ومبغضك ( هو الأبتر ) هو الأقل الأذل المنقطع دابره .

نزلت في العاص بن وائل السهمي ; وذلك أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج من [ باب ] المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المساجد فلما دخل العاص قالوا له : من الذي كنت تتحدث معه ؟ قال : ذلك الأبتر يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان قد توفي ابن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خديجة رضي الله عنها .

وذكر محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله تعالى هذه السورة .

وقال عكرمة عن ابن عباس : نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من قريش ، وذلك أنه لما قدم كعب مكة قالت له قريش : نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل المدينة ، فنحن خير أم هذا [ الصنبور ] المنبتر من قومه ؟ فقال : بل أنتم خير منه ، فنزلت : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت " ( النساء - 51 ) . الآية ، ونزل في الذين قالوا إنه أبتر : " إن شانئك هو الأبتر " أي المنقطع من كل خير .
سُورَةُ الْكَافِرُونَ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ( 1 ) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ( 2 ) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ( 3 ) )

( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) إِلَى آخَرِ السُّورَةِ .

نَزَلَتْ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمُ : الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، [ وَالْأَسْوَدُ ] بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمَطْلَبِ بْنِ أَسَدٍ ، وَأُمِّيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ، قَالُوا : يَا مُحَمَّدُ [ هَلُمَّ فَاتَّبِعْ ] دِينَنَا وَنَتَّبِعُ دِينَكَ وَنُشْرِكُكَ فِي أَمْرِنَا كُلِّهِ ، تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ خَيْرًا كُنَّا قَدْ شَرَكْنَاكَ فِيهِ وَأَخَذْنَا حَظَّنَا مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا كُنْتَ قَدْ شَرَكْتَنَا فِي أَمْرِنَا وَأَخَذْتَ بِحَظِّكَ مِنْهُ ، فَقَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أُشْرِكَ بِهِ غَيْرَهُ ، قَالُوا : فَاسْتَلِمْ بَعْضَ آلِهَتِنَا نُصَدِّقُكَ وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ ، فَقَالَ : حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَأْتِي مِنْ عِنْدِ رَبِّي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " إِلَى آخَرِ السُّورَةِ ، فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِيهِ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَامَ عَلَى رُءُوسِهِمْ ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى فَرَغَ مِنَ السُّورَةِ ، فَأَيِسُوا مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ وَآذَوْهُ وَأَصْحَابَهُ . وَمَعْنَى الْآيَةِ : ( لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) فِي الْحَالِ ( وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) فِي الْحَالِ .
[ ص: 564 ] ( ولا أنا عابد ما عبدتم ( 4 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( 5 ) لكم دينكم ولي دين ( 6 ) )

( ولا أنا عابد ما عبدتم ) في الاستقبال ، ( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في الاستقبال .

وهذا خطاب لمن سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون .

وقوله : [ ما ] أعبد " أي : من أعبد ، لكنه ذكره لمقابلة : " ما تعبدون " .

ووجه التكرار : قال أكثر أهل المعاني : هو أن القرآن نزل بلسان العرب ، وعلى مجاز خطابهم ، ومن مذاهبهم التكرار ، إرادة التوكيد والإفهام كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز .

وقال القتيبي : تكرار الكلام لتكرار الوقت ، وذلك أنهم قالوا : إن سرك أن ندخل في دينك عاما فادخل في ديننا عاما ، فنزلت هذه السورة . ( لكم دينكم ) الشرك ( ولي دين ) الإسلام ، قرأ ابن كثير ، ونافع ، وحفص : " ولي " بفتح الياء ، قرأ الآخرون بإسكانها . [ وهذه الآية منسوخة بآية السيف ] .
سُورَةُ النَّصْرِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ( 1 ) )

( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) أَرَادَ فَتْحَ مَكَّةَ .

وَكَانَتْ قِصَّتُهُ - عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَصْحَابُ الْأَخْبَارِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَاصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَ النَّاسِ عَشْرَ سِنِينَ ، يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، وَأَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ ، فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ ، وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَرٌّ قَدِيمٌ .

ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَكْرٍ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ ، يُقَالُ لَهُ " الوَتِيرُ " ، فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدُّؤَلِيُّ فِي بَنِي الدُّئَلِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ حَتَّى بَيَّتَ خُزَاعَةَ ، وَلَيْسَ كُلُّ بَكْرٍ تَابَعَهُ ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا وَتَحَارَبُوا وَاقْتَتَلُوا ، وَرَفَدَتْ قُرَيْشٌ بَنِي بَكْرٍ بِالسِّلَاحِ ، وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قَاتَلَ مُسْتَخْفِيًا بِاللَّيْلِ ، حَتَّى حَازُوا خُزَاعَةَ إِلَى الْحَرَمِ ، وَكَانَ مِمَّنْ أَعَانَ بَنِي بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى خُزَاعَةَ لَيْلَتَئِذٍ بِأَنْفُسِهِمْ مُتَنَكِّرِينَ : صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، مَعَ عَبِيدِهِمْ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْحَرَمِ قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ : يَا نَوْفَلُ إِنَّا دَخَلْنَا الْحَرَمَ ، إِلَهَكَ إِلَهَكَ ، فَقَالَ كَلِمَةً عَظِيمَةً : إِنَّهُ لَا إِلَهَ لِيَ الْيَوْمَ ، [ يَا بَنِي بَكْرٍ ] أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ فِيهِ . [ ص: 568 ]

فَلَمَّا تَظَاهَرَتْ قُرَيْشٌ عَلَى خُزَاعَةَ وَأَصَابُوا مِنْهُمْ وَنَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْعَهْدِ بِمَا اسْتَحَلُّوا مِنْ خُزَاعَةَ - وَكَانُوا فِي عَقْدِهِ - خَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا هَاجَ فَتْحَ مَكَّةَ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ ، فَقَالَ :
لَا هُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا

الْأَبْيَاتُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " قَدْ نُصِرْتَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ " ، ثُمَّ عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنَانٌ مِنَ السَّمَاءِ ، فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةُ لَتَسْتَهِلُّ ، بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ " ، وَهُمْ رَهْطُ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ .

ثُمَّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ [ وَبِمُظَاهَرَةِ ] قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إِلَى مَكَّةَ ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلنَّاسِ : كَأَنَّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَ لِيَشُدَّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدَّةِ .

وَمَضَى بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فَلَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بِعَسَفَانَ ، قَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَشُدَّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدَّةِ ، وَقَدْ رَهِبُوا الَّذِي صَنَعُوا ، فَلَمَّا لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بُدَيْلًا قَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا بُدَيْلُ ؟ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ : سِرْتُ فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السَّاحِلِ وَفِي بَطْنِ هَذَا الْوَادِي ، قَالَ : أَوَمَا أَتَيْتَ مُحَمَّدًا ؟ قَالَ : لَا فَلَمَّا رَاحَ بُدَيْلٌ إِلَى مَكَّةَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : لَئِنْ كَانَ جَاءَ الْمَدِينَةَ لَقَدْ عَلَفَ نَاقَتَهُ بِهَا النَّوَى ، فَعَمَدَ إِلَى مَبْرَكِ نَاقَتِهِ فَأَخَذَ مِنْ بَعْرِهَا فَفَتَّهُ فَرَأَى فِيهِ النَّوَى ، فَقَالَ : أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ بُدَيْلٌ مُحَمَّدًا .

ثُمَّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ ، فِلْمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَوَتْهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّةُ أَرَغِبْتِ بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ أَرَغِبْتِ بِهِ عَنِّي ؟ قَالَتْ : بَلَى هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجِسٌ ، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَكِ يَا بُنَيَّةُ بَعْدِي [ شَيْءٌ ] [ ص: 569 ] ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَهُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا [ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : نَقَضَ أَهْلُ مَكَّةَ الْعَهْدَ ] .

ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَلَّمَهُ أَنْ يُكَلِّمَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ، ثُمَّ أَتَى عُمْرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ : أَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ ! فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا الذَّرَّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، غُلَامٌ يَدِبُّ ، بَيْنَ يَدَيْهَا ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ إِنَّكَ أَمَسُّ الْقَوْمَ بِي رَحِمًا وَأَقْرَبُهُمْ مِنِّي قَرَابَةً ، وَقَدْ جِئْتُ فِي حَاجَةٍ فَلَا أَرْجِعَنَّ كَمَا جِئْتُ خَائِبًا ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ : وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلِّمَهُ فِيهِ ، فَالْتَفَتَ إِلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ : يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ ، هَلْ لَكِ أَنْ تَأْمُرِي بُنَيَّكِ هَذَا فَيُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ فَيَكُونَ سَيِّدَ الْعَرَبِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ؟ قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا بَلَغَ بُنَيَّ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَا يُجِيرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الْحَسَنِ - إِنِّي أَرَى الْأُمُورَ قَدِ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ فَانْصَحْنِي ، قَالَ : وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُغْنِي عَنْكَ ، وَلَكِنَّكَ سَيِّدُ بَنِي كِنَانَةَ ، فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النَّاسِ ، ثُمَّ الْحَقْ بِأَرْضِكَ ، قَالَ أَوَتُرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِّي شَيْئًا ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، مَا أَظُنُّ ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ لَكَ غَيْرَ ذَلِكَ .

فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ ، ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرَهُ فَانْطَلَقَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا : مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ : جِئْتُ مُحَمَّدًا فَكَلَّمْتُهُ وَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا ثُمَّ جِئْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ ، فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُ خَيْرًا ، فَجِئْتُ ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَجَدْتُهُ أَعْدَى الْقَوْمِ ، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَجَدْتُهُ أَلْيَنَ الْقَوْمِ ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي هَلْ [ يُغْنِينِي ] شَيْئًا أَمْ لَا ؟ قَالُوا : وَمَاذَا أَمَرَكَ ؟ قَالَ : أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ فَفَعَلْتُ ، قَالُوا : فَهَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ : لَا قَالُوا : وَاللَّهِ إِنْ زَادَ عَلِيٌّ عَلَى أَنْ لَعِبَ بِكَ ، فَلَا يُغْنِي عَنَّا مَا قُلْتَ ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ غَيْرَ ذَلِكَ .

قَالَ : وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ بِالْجَهَازِ ، وَأَمْرَ أَهْلَهُ أَنْ يُجَهِّزُوهُ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ تُصْلِحُ بَعْضَ جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّةُ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ تُجَهِّزُوهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ فَتَجَهَّزْ ، قَالَ : فَأَيْنَ تَرَيْنَهُ يُرِيدُ ؟ قَالَتْ : مَا أَدْرِي . ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ النَّاسَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى مَكَّةَ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالتَّهَيُّؤِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ خُذِ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ حَتَّى [ نَبْغَتَهَا ] فِي بِلَادِهَا ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ . [ ص: 570 ]

وَكَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إِلَى قُرَيْشٍ [ - وَفِيهِ قِصَّةٌ ] ذَكَرْنَاهَا فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ - .

ثُمَّ اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا رِهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنِ بْنِ خَلَفٍ الْغِفَارِيُّ ، وَخَرَجَ عَامِدًا إِلَى مَكَّةَ لِعَشَرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ ، فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْكَدِيدِ - مَاءٌ بَيْنَ عَسَفَانَ وَأَمَجَّ - أَفْطَرَ .

ثُمَّ مَضَى حَتَّى نَزَلَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَنْهُ أَحَدٌ ، فَلَمَّا نَزَلَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ، وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ قُرَيْشٍ ، فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ ، فَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ : أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ ، يَتَحَسَّسُونَ الْأَخْبَارَ هَلْ يَجِدُونَ خَبَرًا ؟ وَقَدْ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَيْلَتَئِذٍ : وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ ، وَاللَّهِ لَئِنْ [ بَغَتَهَا ] رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِلَادِهَا فَدَخَلَ مَكَّةَ عَنْوَةً إِنَّهَا لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ .

فَخَرَجَ الْعَبَّاسُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَ : أَخْرُجُ إِلَى الْأَرَاكِ لَعَلِّي أَرَى حَطَّابًا أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ دَاخِلًا يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَأْتُونَهُ فَيَسْتَأْمِنُونَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً .

قَالَ الْعَبَّاسُ فَخَرَجْتُ وَإِنِّي - وَاللَّهِ - لَأُطَوِّفُ فِي الْأَرَاكِ أَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَبَدِيلِ بْنِ وَرْقَاءَ ، وَقَدْ خَرَجُوا يَتَحَسَّسُونَ الْخَبَرَ ، فَسَمِعْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَقُولُ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ قَطُّ نِيرَانًا ، وَقَالَ بَدِيلٌ : هَذِهِ وَاللَّهِ نِيرَانُ خُزَاعَةَ [ حَمَشَتْهَا ] الْحَرْبُ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : خُزَاعَةُ أَلْأَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَذَلُّ فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ فَقُلْتُ : يَا أَبَا حَنْظَلَةَ ، فَعَرَفَ صَوْتِي فَقَالَ : يَا أَبَا الْفَضْلِ ، فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : مَالَكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ؟ قُلْتُ : وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ هَذَا ، وَاللَّهِ ، رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَاءَ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ ، بِعَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : وَمَا الْحِيلَةُ ؟ قُلْتُ : وَاللَّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ لِيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ ، فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتَّى آتِيَ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْتَأْمِنُهُ فَرَدَفَنِي ، وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ فَخَرَجْتُ أَرْكُضُ بِهِ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، كُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ فَنَظَرُوا إِلَيَّ قَالُوا : هَذَا عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ وَقَامَ إِلَيَّ فَلَمَّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الدَّابَّةِ ، قَالَ : أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللَّهِ! [ ص: 571 ] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ ، ثُمَّ اشْتَدَّ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَكَضْتُ الْبَغْلَةَ وَسَبَقْتُهُ بِمَا تَسْبِقُ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ ، فَاقْتَحَمْتُ عَنِ الْبَغْلَةِ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمْرُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللَّهِ قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ ، فَدَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ ، ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ وَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا يُنَاجِيهِ اللَّيْلَةَ أَحَدٌ دُونِي ، فَلَمَّا أَكْثَرَ فِيهِ عُمْرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قُلْتُ : مَهْلًا يَا عُمَرُ ، فَوَاللَّهِ مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا . قَالَ : مَهْلًا يَا عَبَّاسُ ، فَوَاللَّهِ لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ ، [ وَذَلِكَ لِأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ ] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " اذْهَبْ بِهِ يَا عَبَّاسُ إِلَى رَحْلِكَ ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَأْتِنِي بِهِ " ، قَالَ : فَذَهَبْتُ إِلَى رَحْلِي فَبَاتَ عِنْدِي ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَوْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : " وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ [ أَلَمْ يَأْنِ ] لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ " قَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ ! وَاللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ غَيْرُهُ فَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا بَعْدُ ، قَالَ : وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَمَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ! أَمَّا هَذِهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا [ حَتَّى الْآنَ ] شَيْئًا ، قَالَ الْعَبَّاسُ : قُلْتُ لَهُ : وَيَحَكَ ! أَسْلِمْ وَاشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُكَ ، قَالَ : فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَأَسْلَمَ ، قَالَ الْعَبَّاسُ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا ، قَالَ : نَعَمْ ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَا عَبَّاسُ احْبِسْهُ ، بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا ، قَالَ : فَخَرَجْتُ بِهِ حَتَّى حَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 07:59 PM.
رد مع اقتباس
  #458  
قديم 23-12-2022, 06:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (443)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ المسد
مكية

الاية 1 إلى الاية 5



قَالَ : وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا ، كُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ ؟ قَالَ : أَقُولُ : سُلَيْمٌ ، قَالَ يَقُولُ : مَالِي وَلِسُلَيْمٍ ، ثُمَّ تَمُرُّ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَأَقُولُ : مُزَيْنَةُ ، فَيَقُولُ : مَالِي وَلِمُزَيَّنَةَ ، حَتَّى نَفِذَتِ الْقَبَائِلُ لَا تَمُرُّ قَبِيلَةٌ إِلَّا سَأَلَنِي عَنْهَا ، فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ يَقُولُ : مَالِي وَلِبَنِي فُلَانٍ حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَضْرَاءِ ، كَتِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ، فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، لَا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ مِنَ الْحَدِيدِ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ ؟ قُلْتُ : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، [ ص: 572 ] فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ مِنْ قِبَلٍ وَلَا طَاقَةٍ ، وَاللَّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا ، فَقَالَ : وَيْحَكَ! إِنَّهَا النُّبُوَّةُ ، قَالَ : نَعَمْ إِذًا .

فَقُلْتُ : الْحَقِ الْآنَ بِقَوْمِكَ فَحَذِّرْهُمْ ، فَخَرَجَ سَرِيعًا حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَصَرَخَ فِي الْمَسْجِدِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ ، قَالُوا : فَمَهْ ؟ قَالَ : مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، قَالُوا : وَيْحَكَ وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ ؟ قَالَ : وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ .

قَالَ : وَجَاءَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَأَسْلَمَا وَبَايَعَاهُ ، فَلَمَّا بَايَعَاهُ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى قُرَيْشٍ يَدْعُوَانِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ .

وَلَمَّا خَرَجَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبَدِيلُ بْنُ وَرْقَاءَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامِدِينَ إِلَى مَكَّةَ بَعَثَ فِي إِثْرِهِمَا الزُّبَيْرَ وَأَعْطَاهُ رَايَتَهُ وَأَمَّرَهُ عَلَى خَيْلِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكِزَ رَايَتَهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ بِالْحُجُونِ ، وَقَالَ : لَا تَبْرَحْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ أَنْ تَرْكِزَ رَايَتِي حَتَّى آتِيَكَ ، وَمِنْ ثَمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَضُرِبَتْ هُنَاكَ قُبَّتُهُ ، وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُضَاعَةَ وَبَنِي سُلَيْمٍ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَبِهَا بَنُو بَكْرٍ قَدِ اسْتَنْفَرَتْهُمْ قُرَيْشٌ وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَمَنْ كَانَ مِنَ الْأَحَابِيشِ ، أَمَرَتْهُمْ قُرَيْشٌ أَنْ يَكُونُوا بِأَسْفَلَ مَكَّةَ ، وَإِنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ، وَكَانُوا قَدْ جَمَعُوا أُنَاسًا بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَالِدٍ وَالزُّبَيْرِ حِينَ بَعَثَهُمَا : لَا تُقَاتِلَا إِلَّا مَنْ قَاتَلَكُمْ ، وَأَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كُدًي ، فَقَالَ سَعْدٌ حِينَ تَوَجَّهَ دَاخِلًا الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ ، فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اسْمَعْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَمَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : أَدْرِكْهُ فَخُذِ الرَّايَةَ مِنْهُ ، فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تَدْخُلُ بِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَعْلَى مَكَّةَ مِنْ قِبَلِ الزُّبَيْرِ قِتَالٌ ، وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ وَبَنِي بَكْرٍ وَالْأَحَابِيشِ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ ، فَقَاتَلَهُمْ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ ، وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ قِتَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ .

وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَرِيبٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ : سَلَمَةُ بْنُ الْمَيْلَاءِ ، مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، وَرَجُلَانِ يُقَالُ لَهُمَا : كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ [ وَخُنَيْسُ ] بْنُ خَالِدٍ ، كَانَا فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، فَشَذَّا عَنْهُ وَسَلَكَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِ ، فَقُتِلَا جَمِيعًا . [ ص: 573 ]

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَهِدَ إِلَى أُمَرَائِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ ، إِلَّا [ أَنَّهُ قَدْ عَهِدَ ] فِي نَفَرٍ سَمَّاهُمْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ ، وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ . مِنْهُمْ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَارْتَدَّ مُشْرِكًا ، فَفَرَّ إِلَى عُثْمَانَ ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ، فَغَيَّبَهُ حَتَّى أَتَى بِهِ [ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنِ اطْمَأَنَّ أَهْلُ مَكَّةَ ، فَاسْتَأْمَنَ لَهُ .

وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ ، كَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمِ بْنِ غَالِبٍ ] ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَدِّقًا ، وَكَانَ لَهُ مَوْلًى يَخْدِمُهُ وَكَانَ مُسْلِمًا ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا وَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ لَهُ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا وَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا ، وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ .

وَالْحُوَيْرثُ ، بْنُ [ نُقَيْذِ ] بْنِ وَهْبٍ ، كَانَ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ .

ومِقْيَسُ بْنُ صَبَابَةَ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ ، لِقَتْلِهِ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ خَطَئًا وَرُجُوعِهِ إِلَى قُرَيْشٍ مُرْتَدًّا .

وَسَارَّةُ ; مَوْلَاةٌ كَانَتْ لِبَعْضِ بَنِي الْمُطَّلِبِ كَانَتْ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ .

وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، فَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَهَرَبَ إِلَى الْيَمَنِ ، وَأَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّنَهُ ، فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ .

وَأُمًّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ ، فَقَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ ، اشْتَرَكَا فِي دَمِهِ ، وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صَبَابَةَ ، فَقَتَلَهُ تُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، وَأَمَّا قَيْنَتَا ابْنِ خَطَلٍ ; فَقُتِلَتْ إِحْدَاهُمَا وَهَرَبَتِ الْأُخْرَى حَتَّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَأَمَّنَهَا ، وَأَمَّا سَارَّةُ فَتَغَيَّبَتْ حَتَّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا فَأَمَّنَهَا ، فَعَاشَتْ حَتَّى أَوَطَأَهَا رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ فَرَسًا لَهُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْأَبْطَحِ فَقَتَلَهَا ، وَأَمَّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ ، فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ .

فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَقَفَ قَائِمًا عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ ، صَدَقَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثَرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [ ص: 574 ] يُدْعَى فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، إِلَّا سَدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظُّمَهَا بِالْآبَاءِ ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ تَلَا " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى " ( الْحُجُرَاتِ - 13 ) الْآيَةَ ، يَا أَهْلَ مَكَّةَ ، مَاذَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرًا ، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ ، قَالَ : اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَمْكَنَهُ مِنْ رِقَابِهِمْ عَنْوَةً ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَهْلُ مَكَّةَ الطُّلَقَاءَ .

ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِلْبَيْعَةِ ; فَجَلَسَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّفَا ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَسْفَلَ مِنْهُ يَأْخُذُ عَلَى النَّاسِ ، فَبَايَعُوهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِيمَا اسْتَطَاعُوا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيْعَةِ الرِّجَالِ بَايَعَ النِّسَاءَ .

قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : خَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُرِيدُ جَدَّةَ لِيَرْكَبَ مِنْهَا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ سَيِّدُ قَوْمِي ، وَقَدْ خَرَجَ هَارِبًا مِنْكَ لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ ، فَأَمِّنْهُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : هُوَ آمِنٌ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي شَيْئًا يُعْرَفُ بِهِ أَمَانُكَ ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِمَامَتَهُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مَكَّةَ ، فَخَرَجَ بِهَا عُمَيْرٌ حَتَّى أَدْرَكَهُ بِجَدَّةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ الْبَحْرَ فَقَالَ : يَا صَفْوَانُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي أُذَكِّرُكَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ أَنْ تُهْلِكَهَا ، فَهَذَا أَمَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جِئْتُكَ بِهِ ، فَقَالَ : وَيْلَكَ اُغْرُبْ عَنِّي فَلَا تُكَلِّمْنِي ، قَالَ : أَيْ صَفْوَانُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ، أَفْضَلُ النَّاسِ وَأَبَرُّ النَّاسِ ، وَأَحْلَمُ النَّاسِ ، وَخَيْرُ النَّاسِ ، ابْنُ عَمِّكَ عِزُّهُ عِزُّكَ وَشَرَفُهُ شَرَفُكَ وَمُلْكُهُ مُلْكُكَ . قَالَ : إِنِّي أَخَافُهُ عَلَى نَفْسِي ، قَالَ : هُوَ أَحْلَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْرَمُ ، فَرَجَعَ بِهِ مَعَهُ حَتَّى وَقَفَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ صَفْوَانُ : إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّكَ أَمَّنْتَنِي ؟ قَالَ : صَدَقَ ، قَالَ فَاجْعَلْنِي فِي أَمْرِي بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ ، قَالَ : أَنْتَ فِيهِ بِالْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ ، وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً [ يَقْصُرُ ] الصَّلَاةَ .

ثُمَّ خَرَجَ إِلَى هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ ، قَدْ نَزَلُوا حُنَيْنًا .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، [ ص: 575 ] أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا . . . " وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ : حَدَّثَنَا حَرْبٌ عَنْ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ " حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ . أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبَلِي ، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ، أَلَا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ ، حَرَامٌ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرِ إِمَّا يُؤَدَّى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ فَقَالَ : اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِلَّا الْإِذْخِرَ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي النَّضِرِ - مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبِيدِ اللَّهِ - أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ : ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ ، قَالَتْ : فَسَلَّمْتُ ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ فَقُلْتُ : أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ، وَذَلِكَ ضُحًى .

قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ) إِذَا جَاءَكَ نَصْرُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَنْ عَادَاكَ وَهُمْ قُرَيْشٌ ، ( وَالْفَتْحُ ) فَتْحُ مَكَّةَ .
( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( 2 ) )

( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ) زمرا وأرسالا القبيلة بأسرها ، والقوم بأجمعهم من غير قتال . [ ص: 576 ]

قال الحسن : لما فتح الله - عز وجل - مكة على رسوله قالت العرب بعضها لبعض : إذا ظفر محمد بأهل الحرم - وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل - فليس لكم به يدان ، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا بعد أن كانوا يدخلون واحدا واحدا ، واثنين اثنين .

وقال عكرمة ومقاتل : أراد بالناس أهل اليمن :

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري حدثنا أحمد بن الكشميهني حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن جعفر حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الإيمان والحكمة يمانية " .
( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( 3 ) )

( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) فإنك حينئذ لاحق به .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو النعمان ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر قال بعضهم : لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال : إنه ممن قد علمتم ، قال : فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم ، قال : وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني ، فقال : ما تقولون في قوله : " إذا جاء نصر الله والفتح " حتى ختم السورة ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا جاء نصرنا وفتح علينا ، وقال بعضهم : لا ندري ، ولم يقل بعضهم شيئا ، فقال لي : يا ابن عباس أكذلك تقول ؟ قلت : لا قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه به ، " إذا جاء نصر الله والفتح " فتح مكة ، فذلك علامة أجلك " فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن . [ ص: 577 ]

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني عبد الأعلى ، حدثنا داود عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ; قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قول : " سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه " ، [ قالت : فقلت : يا رسول الله ، أراك تكثر من قول : " سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ؟ فقال : أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي ، فإذا رأيتها أكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ، فقد رأيتها : " إذا جاء نصر الله والفتح " . فالفتح : فتح مكة ، " ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " . " ]

قال ابن عباس : لما نزلت هذه السورة علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نعيت إليه نفسه .

قال الحسن : أعلم أنه قد اقترب أجله فأمر بالتسبيح والتوبة ، ليختم له بالزيادة في العمل الصالح .

قال قتادة ومقاتل : عاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه السورة سنتين .
سُورَةُ الْمَسَدِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ( 1 ) )

( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الصَّفَا فَقَالَ : يَا صَبَاحَاهُ ، قَالَ : فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ ، فَقَالُوا لَهُ : مَالَكَ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ مُصَبِّحَكُمْ أَوْ مُمَسِّيَكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ : تَبًّا لَكَ ، أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا جَمِيعًا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ " إِلَى آخِرِهَا .

قَوْلُهُ : ( تَبَّتْ ) أَيْ : خَابَتْ وَخَسِرَتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ، [ أَيْ هُوَ ] ، أَخْبَرَ عَنْ يَدَيْهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْسُهُ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي التَّعْبِيرِ بِبَعْضِ الشَّيْءِ عَنْ كُلِّهِ .

وَقِيلَ : " الْيَدُ " صِلَةٌ ، كَمَا يُقَالُ : يَدُ الدَّهْرِ وَيَدُ الرَّزَايَا وَالْبَلَايَا .

وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهَا مَالُهُ وَمُلْكُهُ ، يُقَالُ : فَلَانٌ قَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ ، يَعْنُونَ بِهِ الْمَالَ ، وَ " التَّبَابُ " : الْخَسَارُ وَالْهَلَاكُ .

وَأَبُو لَهَبٍ : هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى . قَالَ مُقَاتِلٌ : كُنِّيَ بِأَبِي لَهَبٍ لِحُسْنِهِ وَإِشْرَاقِ وَجْهِهِ . [ ص: 582 ]

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ " أَبِي لَهْبٍ " سَاكِنَةَ الْهَاءِ ، وَهِيَ مِثْلُ : نَهْرٍ وَنَهَرٍ . وَاتَّفَقُوا فِي " ذَاتَ لَهَبٍ " أَنَّهَا مَفْتُوحَةُ الْهَاءِ لِوِفَاقِ الْفَوَاصِلِ .

( وَتَبَّ ) أَبُو لَهَبٍ ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ : وَقَدْ تَبَّ . قَالَ الْفَرَّاءُ : الْأَوَّلُ دُعَاءٌ ، وَالثَّانِي خَبَرٌ ، كَمَا يُقَالُ : أَهْلَكَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ فَعَلَ .
( ما أغنى عنه ماله وما كسب ( 2 ) سيصلى نارا ذات لهب ( 3 ) وامرأته حمالة الحطب ( 4 ) )

( ما أغنى عنه ماله وما كسب ) قال ابن مسعود : لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرباءه إلى الله - عز وجل - قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي نفسي ومالي وولدي ، فأنزل الله تعالى :

( ما أغنى عنه ماله ) أي ما يغني ، وقيل : أي شيء يغني عنه ماله ، أي : ما يدفع عنه عذاب الله ما جمع من المال ، وكان صاحب مواش ( وما كسب ) قيل : يعني ولده ، لأن ولد الإنسان من كسبه كما جاء في الحديث : " أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه ، وإن ولده من كسبه " . ثم أوعده بالنار فقال : ( سيصلى نارا ذات لهب ) أي نارا تلتهب عليه . ( وامرأته ) أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ( حمالة الحطب ) قال ابن زيد والضحاك : كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه لتعقرهم ، وهي رواية عطية عن ابن عباس .

وقال قتادة ، ومجاهد ، والسدي : كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث فتلقي العداوة بين الناس ، [ ص: 583 ] وتوقد نارها كما توقد النار [ بالحطب ] . يقال : فلان يحطب على فلان ، إذا كان يغري به .

وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا ، دليله : قوله : " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم " ( الأنعام - 31 ) .

قرأ عاصم " حمالة " بالنصب على الذم ، كقوله : " ملعونين " .

وقرأ . الآخرون بالرفع ، وله وجهان : أحدهما سيصلى نارا هو وامرأته حمالة الحطب . والثاني : وامرأته حمالة الحطب في النار أيضا .
( في جيدها حبل من مسد ( 5 ) )

( في جيدها ) في عنقها ، وجمعه أجياد ، ( حبل من مسد ) واختلفوا فيه ، قال ابن عباس ، وعروة بن الزبير : سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا ، تدخل في فيها وتخرج من دبرها ، ويكون سائرها في عنقها ، وأصله من " المسد " وهو الفتل ، و " المسد " ما فتل وأحكم من أي شيء كان ، يعني : السلسلة التي في عنقها ففتلت من الحديد فتلا محكما .

وروى الأعمش عن مجاهد : " من مسد " أي من حديد ، والمسد : الحديدة التي تكون في البكرة ، يقال لها المحور .

وقال الشعبي ومقاتل : من ليف . قال الضحاك وغيره : في الدنيا من ليف ، وفي الآخرة من نار . وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به ، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها .

قال ابن زيد : حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد .

قال قتادة : قلادة من ودع وقال الحسن : كانت خرزات في عنقها [ فاخرة ] وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة ، فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 08:01 PM.
رد مع اقتباس
  #459  
قديم 23-12-2022, 06:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (444)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ الْإِخْلَاصِ
مَكِّيَّةٌ

الاية 1 إلى الاية 4


سُورَةُ الْإِخْلَاصِ

مَكِّيَّةٌ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( 1 ) اللَّهُ الصَّمَدُ ( 2 ) )

( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) رَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ .

وَرَوَى أَبُو ظَبْيَانِ ، وَأَبُو صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنَ رَبِيعَةَ أَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عَامِرٌ : إِلَامَ تَدْعُونَا يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : إِلَى اللَّهِ ، قَالَ : صِفْهُ لَنَا أَمِنْ ذَهَبٍ هُوَ ؟ أَمْ مِنْ فِضَّةٍ ؟ أَمْ مِنْ حَدِيدٍ ؟ أَمْ مِنْ خَشَبٍ ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَأَهْلَكَ اللَّهُ أَرْبَدَ بِالصَّاعِقَةِ وَعَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بِالطَّاعُونِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ .

وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ : جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا : صِفْ لَنَا رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَعَلَّنَا نُؤْمِنُ بِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ ، فَأَخْبِرْنَا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ ؟ وَهَلْ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ ؟ وَمَنْ يَرِثُ مِنْهُ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ . [ ص: 588 ]

( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) أَيْ وَاحِدٌ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدِ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ : قُلْ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ . ( اللَّهُ الصَّمَدُ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : " الصَّمَدُ " الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ .

قَالَ الشَّعْبِيُّ : الَّذِي لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ .

وَقِيلَ : تَفْسِيرُهُ مَا بَعْدَهُ ، رَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : " الصَّمَدُ " الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ; لِأَنَّ مَنْ يُولَدُ سَيَمُوتُ ، وَمَنْ يَرِثُ يُورَثُ مِنْهُ .

قَالَ أَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ : هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ ، وَهُوَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ السُّؤْدُدِ . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا : هُوَ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ . وَقِيلَ : هُوَ السَّيِّدُ الْمَقْصُودُ فِي [ الْحَوَائِجِ . وَقَالَ السُّدِّيُّ ] هُوَ الْمَقْصُودُ إِلَيْهِ فِي الرَّغَائِبِ الْمُسْتَغَاثُ بِهِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ . تَقُولُ الْعَرَبُ : صَمَدْتُ فُلَانًا أَصْمُدُهُ صَمْدًا - بِسُكُونِ الْمِيمِ - إِذَا قَصَدْتُهُ [ وَالْمَقْصُودُ ] : صَمَدٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ .

وَقَالَ قَتَادَةُ : " الصَّمَدُ " الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ : " الصَّمَدُ " الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ . وَقَالَ الرَّبِيعُ : الَّذِي لَا تَعْتَرِيهِ الْآفَاتُ . قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : الَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ .
( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ( 3 ) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ( 4 ) )

( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) قَرَأَ حَمْزَةُ وَإِسْمَاعِيلُ : " كُفْؤًا " سَاكِنَةُ الْفَاءِ مَهْمُوزًا ، وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّ الْفَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْفَاءِ مَهْمُوزًا ، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ ، [ وَمَعْنَاهُ ] الْمِثْلُ ، أَيْ : هُوَ أَحَدٌ .

وَقِيلَ : هُوَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ ، مَجَازُهُ : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ كُفُوًا أَيْ مِثْلًا . [ ص: 589 ]

قَالَ مُقَاتِلٌ : قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ : الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ : عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ، وَقَالَتِ النَّصَارَى : الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ وَنَفَى عَنْ ذَاتِهِ الْوِلَادَةَ وَالْمِثْلَ .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلهُ : لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي ، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ . وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ : " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَيُرَدِّدُهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَصْفَهَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ : سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ يُحَدِّثُ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ " ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : اقْرَأُوا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " .

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " وَجَبَتْ " فَسَأَلْتُهُ : مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ [ ص: 590 ] فَقَالَ : " الْجَنَّةُ " . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى الرَّجُلِ فَأُبَشِّرُهُ ، ثُمَّ فَرَقْتُ أَنْ يَفُوتَنِي الْغَدَاءُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآثَرْتُ الْغَدَاءَ ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ فَوَجَدْتُهُ قَدْ ذَهَبَ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ : " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " : قَالَ : " حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ " .
سُورَةُ الْفَلَقِ

مَدَنِيَّةٌ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ( 1 ) )

( قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِ الْفَلَقِ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : كَانَ غُلَامٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [ فَدَبَّتْ ] إِلَيْهِ الْيَهُودُ ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِنْ مُشْطِهِ ، فَأَعْطَاهَا الْيَهُودَ فَسَحَرُوهُ فِيهَا ، وَتَوَلَّى ذَلِكَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ ، رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ ، فَنَزَلَتِ السُّورَتَانِ فِيهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [ عَبْدِ الْحَكَمِ ] أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ [ هِشَامٍ ] عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : طُبَّ حَتَّى أَنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ صَنَعَ شَيْئًا وَمَا صَنَعَهُ ، وَأَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ . فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟ قَالَ الْآخَرُ : هُوَ مَطْبُوبٌ . قَالَ : مَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ قَالَ : فِي مَاذَا ؟ قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ . قَالَ : فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فِي ذَرْوَانَ - وَذَرْوَانُ بِئْرٌ فِي بَنِي زُرَيْقٍ - قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا [ ص: 594 ] نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ ، وَلَكَأَنَّ نَخْلُهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ . قَالَتْ : فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَّا أَخْرَجْتَهُ ؟ قَالَ : " أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ بِهِ شَرًّا " .

وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فِي الْبِئْرِ ، فَرَفَعُوا الصَّخْرَةَ وَأَخْرَجُوا جُفَّ الطَّلْعَةِ ، فَإِذَا فِيهِ مُشَاطَةُ رَأْسِهِ ، وَأَسْنَانُ مُشْطِهِ

أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : سَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ ، قَالَ : فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا . قَالَ : فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ سَحَرَكَ وَعَقَدَ لَكَ عُقَدًا ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا فَاسْتَخْرَجَهَا فَجَاءَ بِهَا ، فَجَعَلَ كُلَّمَا حَلَّ عُقْدَةً وَجَدَ لِذَلِكَ خِفَّةً ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ ، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِ وَلَا رَأَوْهُ فِي وَجْهِهِ قَطُّ .

قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ : كَانَ فِي وَتَرٍ عُقِدَ عَلَيْهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً . وَقِيلَ : كَانَتِ الْعُقَدُ مَغْرُوزَةٌ بِالْإِبْرَةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ وَهُمَا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً . سُورَةُ الْفَلَقِ خَمْسُ آيَاتٍ ، وَسُورَةُ النَّاسِ سِتُّ آيَاتٍ ، كُلَّمَا قُرِئَتْ آيَةٌ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، حَتَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ كُلُّهَا ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ .

وَرُوِيَ : أَنَّهُ لَبِثَ فِيهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، فَنَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ .

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ ، حَدَّثَنَا [ عَبْدُ الْوَارِثِ ] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : " بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ ، بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ وَاللَّهُ يَشْفِيكَ " . [ ص: 595 ]

قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ( قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) أَرَادَ بِالْفَلَقِ : الصُّبْحُ ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَالِقُ الْإِصْبَاحِ " .

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّهُ سِجْنٌ فِي جَهَنَّمَ . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : وَادٍ فِي جَهَنَّمَ .

وَقَالَ الضَّحَّاكُ : يَعْنِي الْخَلْقَ ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ .
( مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2 ) وَمِنْ شَرِ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3 ) )

( مِنْ شَرِ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُغَلِّسُ ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ [ خَالِهِ ] الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ فَقَالَ : " يَا عَائِشَةُ ، اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ . هَذَا غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ " .

فَعَلَى هَذَا : الْمُرَادُ بِهِ : الْقَمَرُ إِذَا خَسَفَ وَاسْوَدَّ " وَقَبَ " ، أَيْ : دَخَلَ فِي الْخُسُوفِ وَأَخَذَ فِي الْغَيْبُوبَةِ [ وَأَظْلَمَ ] .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " الْغَاسِقُ " : اللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ بِظُلْمَتِهِ مِنَ الْمَشْرِقِ وَدَخَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَظْلَمَ ، وَ " الْغَسَقُ " : الظُّلْمَةُ ، يُقَالُ غَسَقَ اللَّيْلُ [ وَأَغْسَقَ ] إِذَا أَظْلَمَ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ . يَعْنِي اللَّيْلَ إِذَا أَقْبَلَ وَدَخَلَ وَ " الْوُقُوبُ " : الدُّخُولُ ، وَهُوَ دُخُولُ اللَّيْلِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ .

قَالَ مُقَاتِلٌ : يَعْنِي ظُلْمَةَ اللَّيْلِ إِذَا دَخَلَ سَوَادُهُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ .

وَقِيلَ : سُمِّيَ اللَّيْلُ غَاسِقًا ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَدُ مِنَ النَّهَارِ ، وَالْغَسَقُ : الْبَرْدُ . [ ص: 596 ]

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ : [ يَعْنِي ] الثُّرَيَّا إِذَا سَقَطَتْ . وَيُقَالُ : إِنَّ الْأَسْقَامَ تَكْثُرُ عِنْدَ وُقُوعِهَا وَتَرْتَفِعُ عِنْدَ طُلُوعِهَا .
( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ( 4 ) وَمِنْ شَرٍ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5 ) )

( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ) يَعْنِي السَّوَاحِرَ اللَّاتِي يَنْفُثْنَ فِي عُقَدِ الْخَيْطِ حِينَ يَرْقَيْنَ عَلَيْهَا . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : هُنَّ بَنَاتُ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ سَحَرْنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . ( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) يَعْنِي [ الْيَهُودَ ] فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَحْسُدُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 08:03 PM.
رد مع اقتباس
  #460  
قديم 23-12-2022, 07:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (445)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ النَّاسِ
مَدَنِيَّةٌ

الاية 1 إلى الاية6



سُورَةُ النَّاسِ

مَدَنِيَّةٌ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ النَّاسِ ( 1 ) مَلِكِ النَّاسِ ( 2 ) إِلَهِ النَّاسِ ( 3 ) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ( 4 ) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ( 5 ) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ( 6 ) )

( قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) يَعْنِي الشَّيْطَانَ ، يَكُونُ مَصْدَرًا وَاسْمًا .

قَالَ الزَّجَّاجُ : يَعْنِي : الشَّيْطَانَ ذَا الْوَسْوَاسِ " الْخَنَّاسِ " الرَّجَّاعِ ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ الْإِنْسَانِ ، فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ خَنَسَ وَإِذَا غُفِلَ وَسْوَسَ .

وَقَالَ قَتَادَةُ : الْخَنَّاسُ لَهُ خُرْطُومٌ كَخُرْطُومِ الْكَلْبِ فِي صَدْرِ الْإِنْسَانِ فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ . وَيُقَالُ : رَأْسُهُ كَرَأْسِ الْحَيَّةِ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى ثَمَرَةِ الْقَلْبِ يُمَنِّيهِ وَيُحَدِّثُهُ ، فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ خَنَسَ وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ رَجَعَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ ، فَذَلِكَ : ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) بِالْكَلَامِ الْخَفِيِّ الَّذِي يَصِلُ مَفْهُومُهُ إِلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ . ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) يَعْنِي يَدْخُلُ فِي الْجِنِّيِّ كَمَا يَدْخُلُ فِي الْإِنْسِيِّ ، وَيُوَسْوِسُ لِلْجِنِّيِّ كَمَا يُوَسْوِسُ لِلْإِنْسِيِّ ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ . [ ص: 600 ]

وَقَوْلُهُ : " فِي صُدُورِ النَّاسِ " أَرَادَ بِالنَّاسِ : مَا ذَكَرَ مِنْ بَعْدُ . وَهُوَ الْجِنَّةُ وَالنَّاسُ ، فَسَمَّى الْجِنَّ نَاسًا ، كَمَا سَمَّاهُمْ رِجَالًا فَقَالَ : " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ " ( الْجِنِّ - 6 ) .

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ جَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ فَوَقَعُوا ، فَقِيلَ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : أُنَاسٌ مِنَ الْجِنِّ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ .

قَالَ بَعْضُهُمْ : أَثْبَتَ أَنَّ الْوَسْوَاسَ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْإِنْسَانِ كَالْوَسْوَسَةِ لِلشَّيْطَانِ ، فَجَعَلَ " الْوَسْوَاسَ " مِنْ فِعْلِ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ جَمِيعًا ، كَمَا قَالَ : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ " ( الْأَنْعَامِ - 112 ) كَأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ جَمِيعًا .

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ [ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ ] بْنُ مُحَمَّدٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَدْلُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَرْثَدٍ ، أَخْبَرَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ : " أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ " ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ فَنَفَثَ فِيهِمَا ، فَقَرَأَ فِيهِمَا : " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ . يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . [ ص: 601 ]

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهِمَا .

أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ " .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِي - ابْنَ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : " مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ " . تَمَّ .
تم بفضل الله الانتهاء من النقل فى يوم الجمعة
29/جمادى الاولى /1444 هــــــ
23/ديسمبر/2022 مــــ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 08:04 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 407.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 400.88 كيلو بايت... تم توفير 6.38 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]