النشر الرقمي في المجال الأدبي؛ خاصياته.. تداعياته وآثاره - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855345 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 390158 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-06-2019, 08:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,934
الدولة : Egypt
افتراضي النشر الرقمي في المجال الأدبي؛ خاصياته.. تداعياته وآثاره

النشر الرقمي في المجال الأدبي؛ خاصياته.. تداعياته وآثاره
صالحة رحوتي



انتهى عصرُ النشر الأحادي أي ذلك الورقي فحسب، وانتشى مسارٌ آخر لإيصال الكتابات الأدبية والإبداعات إلى الناس، فلقد أتاحت الشبكةُ العنكبوتية لكل منتجي أنساق الكلمات ولكل مبدعي الأجناس الأدبية منابرَ شتى يستطيعون من خلالها التواصلَ مع من يرومون إيصال جمالية ومضامين ما يبدعونه إليهم...
لكن هذه المنابر الإلكترونية، ولئن قدمت خدمات وكسرت ذلك الاحتكار الذي كان للمنابر الورقية، فإنها في المقابل قد ساعدت في تبدي ظواهر معينة لم تكن موجودة حين غيابها...
ولهذا يبدو من المستساغ، بل ومن المطلوب أن نتطرق بالدراسة لمثل هذه التداعيات.
وذلك حتى يُصوَّب المسار وتُسدَّد الخطى، ثم تُغلق الأبواب أمام كل الانحرافات التي يمكن أن تصيب هذا المستجد، الذي ما هو إلا نتاج العبقرية الإنسانية والتراكم المعرفي البشري، ذلك أنْ سيكونُ من الغبن لتلك الإنسانية أن يضيع حقُّها في الاستفادة منه على الوجه الأكمل والأفضل.
فبتواتر استعمال هذه التقنية، وباستدامتها، يمكن الاطلاع على كل الحيثيات والتداعيات التي ترتبت على هذا المسلك للنشر ولإشاعة الأدب والثقافة، ذلك الذي فرض نفسه على الساحة الفكرية العربية آخرًا، وحدا بها إلى الانفتاح على واقع جديد قد تمر مدة طويلة قبل أن يُتوصل إلى حسن استيعاب أبعاده فيها، ومن ثم إلى إتقان التعامل مع خصائصه ومقوماته من طرف المتفاعلين داخلها.
وفي إطار محاولة للغوص في دقائق هذا الموضوع من أجل استجلاء غوامضه، وبهدف تقصي الحقائق المرتبطة به، يبدو من الإيجابي استقصاء أغلب التداعيات السلبية التي نتجت عن هذا التوجه الرقمي للنشر، وذلك من بعد استقراء معظم خاصياته ومقوماته وكذا إيجابياته.
1- الخاصيات:
كان النشر الورقي -ولمدة طويلة- يُخضِع الكاتب لضوابط محددة سلفًا ولمعايير منتقاة بعناية من طرف صاحب الجريدة أو الدورية... وما كان للكاتب إلا أن ينحني أمام تلك الإكراهات لكي يحظى بوصول كلماته إلى الناس... أو أن يتحمل التبعات المادية ويتجه إلى دور النشر إن قبلت هي أيضًا أن تجازف بتبني ما انثال من أعماق ذهنه وفكره...
لكن بعد ابتكار هذا المسار الرقمي تُخُطيت الحواجز وأصبح النشر يتميز:
- باللحظية -في بعض المواقع- إذ يكفي أن يقرر الكاتب موعد إرسال ما يكتب حتى يكون ماثلاً أمام القراء.
- وبالمباشرة؛ إذ لا يُحتاج إلى موافقة مسبقة من صاحب الموقع في بعض الأحيان أيضًا، ويُكتفى بأن يكون الكاتب عضوًا مسجلاً في سجل الموقع ولو حتى باسم مستعار...
- وأيضًا بكونه متاحًا للجميع، وذلك دون اعتبار لشهرة أو لرسوخ في عالم الكتابة والإبداع، إذ يمكن حتى للمبتدئ أن يوصل ما خط من أسطر -أو بالأحرى ما رقن من أحرف على الحاسوب- إلى الناس.
2- الإيجابيات:
ثم لا شك من أن انبثاق هذه الكيفية للنشر من رحم التقنية جعلها متميزة بخاصية النفع وبالإيجابية، فما من داع يكون الدافع للإنسان إلى اختراع شيء ما إلا الاحتياج إليه، و إلا الافتقار إلى تميز ورقي وجودة خدماته..
ولذا يمكن الجزم بأن هنالك إيجابيات كثيرة كامنة وبينة، وتتأتى حتمًا من وراء نهج هذا السبيل المبتدع المبتكر، ومنها أنه:
- يُمَكِّن من الانتشار السريع عن طريق كثرة القراء والمطلعين.
- يساعد الأديب على تجاوز مشكلة ضعف القدرة الشرائية، تلك القدرة الممكنة من التعامل الحر مع المنشورات الورقية؛ كالجرائد والمجلات والكتب، ومن الاطلاع غير المحدود عليها.
- يفتح باب التكوين الثقافي المستمر، وذلك عن طريق فعل القراءة الموازي لعملية النشر لكثير من الكتابات، تلك التي تغني الرصيد المعرفي، وتُفعِّل التراكم الثقافي الواعي لدى الكاتب.
- يعطي فرصة ولوج الكثير من الفضاءات، تلك التي قد تكون بعيدة المنال بسبب البعد الجغرافي، أو بسبب الاختلاف الأيديولوجي، أو حتى بسبب حداثة السن وقلة التجربة الإبداعية.
3- التداعيات والآثار السلبية:
ويبقى أنه كما لهذه الوسيلة محاسن شتى، وتقدم خدمات متميزة تقرب الثقافة الأدبية والنتاجات الإبداعية لجمهور القراء، فهي في الوقت نفسه يؤدي سوءُ استعمالها إلى ظهور ندوب مُشوِّهة، وتسم بعمق وجه المجال الأدبي العربي، ومن ذلك:
أ- فسح المجال لنشر الرديء والمتدني من الأعمال.
ب- عدم مواكبة النقد الجاد لتلك الكتابات الأدبية.
ج- ترهل الساحة الأدبية العربية.
د- حرمان القراء من النصوص الأدبية المتألقة الراقية.
هـ- ظهور تيارات أدبية متنافرة.
أ- فسح المجال لنشر الرديء والمتدني من الأعمال:
وذلك لغةً وأسلوبًا، وحتى تحقيقًا للمعايير المطلوبة عند إنجاز أي نوع من الأنواع الأدبية، وكذا أي نوع من أنساق الكلمات، ولربما يرجع ذلك إلى:
- كثرة المواقع التي ترى نفسها أدبية، فضلاً عن تناسلها أعدادًا.
- تكالب أصحاب المواقع على نشر كل الكتابات مهما كانت متدنية في درجاتها الإبداعية، وذلك من أجل سد الحاجة إلى ما تُملأ به الصفحات.
- محاولة اكتساب الشهرة وإثارة الانتباه من طرف بعض المواقع الأدبية، وذلك عن طريق قبول نشر الكتابات المثيرة للجدل الفكري السياسي أو الأيديولوجي، أو تلك المتضمنة للجرعات الزائدة من الجرأة على الدين أو على الأخلاق، وذلك مهما كانت منحطة أو غير متوافقة مع معايير الإبداع الأدبي تلك الكتابات.
- محاباة المعارف والأصدقاء الذين يمارسون الكتابة من طرف القائمين على بعض المواقع، وكذا نشر كل ما يخطر لهم على بال ويكتبونه، وذلك دون تقدير لجودة ما يكتبون.
ب- عدم مواكبة النقد الجاد لتلك الكتابات الأدبية:
فلقد دأب النقد -منذ ظهور الإبداع الأدبي- على السير بجانبه من أجل تصويب مساره وتسديد خطاه، إذ لولاه لما أمكن فرز الزائف من الصحيح، ولما تُوُصِّلَ إلى تحديد مواصفات معينة يجب توفر الحد الأدنى منها حتى يُتحدث عن وجود بذار الإبداع.
ولما كان النشر الورقي محدود الكمية موازنة مع النشر الرقمي، فإن مسيرة نقدية مسايرة له كانت دائمًا موجودة، هذا زيادة على أن ذلك الصنف من النشر كان أصلاً يُخضع النتاجات الأدبية لغربال الناشرين، الذين ما كانوا يسمحون لدورياتهم وصحفهم بأن تستقبل ما يُمكن أن يشين سمعتهم ومكانتهم الأدبية والمعرفية.
وقد انتفى هذا الغربال الفارز في إطار النشر الرقمي، فإن الحبل قد أُلقي على الغارب، وأصبح كل ما يخرج من العقول قابلاً للنشر وقابلاً للتصنيف في إطار الإبداع الأدبي.
ولعل للتجريب أثرًا في تكريس هذا الوضع، إذ يختبئ وراءه كل منتج للكتابة من أجل تمرير ما يكتب كإبداع منه خاص به، ثم تراه يردد أنه لا يحتاج بالضرورة إلى موافقة الناس وحتى النقاد...
وقد ساعدت في تغييب النقد الأدبي المُوجِّه المُصَوِّب عوامل عدة منها:
- كثرة المواد المنشورة على الشبكة العنكبوتية: وذلك لكثرة المواقع المستقبلة للنتاجات الأدبية.
- عدم اقتناع الكثير من نقاد الأدب المرموقين الجادين بالنشر الرقمي أصلاً: إذ يرون ما نشر وينشر عن طريقه من سقط الكتابة، ومن ثم فلا يستحق أن يُحتفى به وتتابع مسيرته...
- عدم قدرة بعض النقاد على النفاذ إلى العالم الرقمي: وذلك لضعف أو لغياب المعرفة بكيفية استعمال الحواسيب، ثم إن الجهل باللغات الأجنبية من طرف الكثير من النقاد العرب هو السبب الغالب لتلك الأمية المعلوماتية، وخاصة لدى الجيل المتقدم من أولئك النقاد.
- انحسار الرغبة الحقيقية في ممارسة النقد الرصين: ذلك المبني على الأسس العلمية الأكاديمية، إذ بعد الاطلاع على الآداب الأجنبية -سواءً مباشرة في لغاتها الأصلية أو عن طريق الترجمات- ظهرت قوالب أخرى شتتت ذهن النقاد غير الراسخين، فما عادوا قادرين على الدفاع عن أطروحاتهم النقدية التي هوجمت وانتقدت هي أيضًا، فنودي بالذوق من القارئ وحده معيارًا يُتكأ عليه من أجل تقدير العمل الأدبي.
- تقليص المسافة بين الناقد والأديب المنتج: وكذا وجودهما معا في فضاء افتراضي واحد، مع ما أحدث ذلك من إمكانية للتفاعل المباشر بينهما كتبادل الآراء والردود والتعليقات، وكل هذا قلل الحياد والنزاهة في النقد المفترض أن يكون، وفتح الباب أمام كثرة المجاملات وتبادل كيل الشكر والمدائح.
- وجود عدد من الكتاب في الحيز الواحد: مع التمكن من اطلاع كل واحد منهما على نتاج الآخر، ثم بروز الرغبة الجامحة في نيل الإعجاب الصادر من ذلك الآخر، فيبدأ بمغازلته وبالرفع من قيمة ما كتبه طمعًا في الحصول على المقابل إشادة بما أنتجه هو ونَسَّق كلماتِه... كل هذا حتى دون اطلاع كل منهما على مضمون وعمق ذالك المنتج من طرف كليهما في بعض الأحيان!
لكنها -المجاملات الثقيلة- إلى حد الغثيان في الكثير من المواقع حتى الجادة منها، وتراه يسعى وراءها اعتقادًا بأن تلك الانطباعات من طرف المعلقين مما يكسب شهرة أو مرتبة أو ترقية في سلم عوالم الأدب، مع أن المعلقين في الكثير من الأحيان ليسوا إلا من الهواة ولا شأن لهم بالمعرفة الواعية في مجال الأدب، ثم ليس لهم رصيد علمي يمكنهم من الحكم على الإبداعات التي نشرت، أو قاموا هم بنشرها على صفحات المواقع الإلكترونية.
ولعل من أبرز مظاهر ذلك التكالب على تبادل المجاملات وانحشارها في نسيج فكر -جُل إن لم نقل كل- الأدباء الممارسين للنشر الرقمي:
- انتشار تلكم "الحوارات" المبثوثة هنا وهنالك في المواقع الأدبية:
التي يقوم بها الأدباء الواحد تلو الآخر مع بعضهم، وذلك بهدف الحديث عن أنفسهم وكذا عن "إنجازاتهم الأدبية العظيمة" التي ما حكم بعظمتها وبتفردها في الكثير من الأحيان أحد سواهم.
- تعدد تلكم "القراءات" المسماة "نقدية":
تلك الموشاة بالمدائح والمطرزة بتفخيم المحاسن، المغيب منها تمامًا ذكرُ المثالب والنقائص للإبداعات المنشورة، ويقوم بها:
- من تخصصوا في هذا الباب، من المأجورين في بعض الأحيان!
- أصحاب تبادل الإبداعات مع بعضهم، مع الحرص على إلصاق وتكرار الألقاب الرنانة للكاتب وللمكتوب دون حدود ولا نهايات.
- التعامل المنحاز غير المحايد مع الإنتاجات المُبدَعَة من طرف الجنس الآخر المغاير:
وهذه الظاهرة كانت مؤثرة نسبيًّا في ميدان النقد الأدبي زمن النشر الورقي، لكنها الآن الأكثر تأثيرًا والأعمق وسمًا بفعل التعارف والاحتكاك المباشرين بين الجنسين في العوالم الرقمية.
ثم يبدو هذا الأمر أكثر وضوحًا حين يتعلق بتعامل الرجال مع نصوص أدبية للنساء! إذ تظهر التعليقات والتفاعلات وكأنها موجهة لشخص الأديبة لا إلى نصوصها...
ولعل للأديبات أثرًا في تكريس هذا التوجه في مجال النشر الأدبي الرقمي، إذ الصور منهن تنضح بالنظرات الحالمة المستكينة، وتتضوع بالعري، وتُبدي كل ما يُمكِّن من استجلاب اهتمام القراء الذكور بهن، ومن ثم بنصوصهن التي تصبح في الصف الأخير من المهتم به بعد أجسادهن.
إذ الاعتقاد راسخ لديهن بأن ذلك القارئ المعلق أو الناقد الأدبي سيتساهل حتمًا حين إبداء رأيه بخصوص نص أنثوي، ومن ثم سيضفي هالات من إعجابه المضمخ بالإطراء "رفقًا بالقوارير"...
وهذا ما ينتج تعاليق وردودًا تنثال منها عبارات الغزل المكني وحتى الصريح، وهذا مما يؤدي بالتأكيد إلى الإساءة إلى صورة المرأة الأديبة التي تفقد مصداقيتَها وتتردى مكانتُها في عالم الأدب، تلك المكانة التي ما كان عليها أن ترومها إلا أن تكون لها القدم الراسخة فيه كالرجل دون إقحام كونها أنثى في الموضوع.
إذ إن النقد الأدبي عمل أخلاقي بالدرجة الأولى، ويجب أن يهدف أولاً وأخيرًا إلى السلوك بالمبدع إلى درجات أعلى من الإبداع، وذلك دون الغوص في تفاصيل ماهيته وهويته وجنسه.
وهكذا.. فإن التنقيب عن جوانب وحيثيات في شخصية المبدع قبل التصدي للبحث عن خصائص ومقومات نصه المقصود بالنقد وبالتمحيص أو حتى بالتعليق انزلاق مقيت، ومن ثَمَّ فهو يخدش مصداقية الناقد، وحتى ينتقص من درجات علميته وثقافته، إذ يؤدي به إلى ولوج وهدة التمييع، ويدخله في متاهة المجاملات الرخيصة غير البريئة في غالب الأحيان.
فالناقد الأدبي الجاد المؤمن برفعة رسالته لا يبتغي إلا تحليل النص من أجل إبراز خَبْئه الجيد وكذلك إبراز ما جانب الصواب فيه، سواءً تعلق الأمر بالقالب الأدبي أم بالمضمون، وسواءً أكان من مبدع أم من مبدعة.
إذ ليس مِن فرقٍ -في كيفية مقاربة النصوص- بين كاتبٍ وكاتبة، فما من موضوع مباحٍ للأديب تناولُه دون الأديبة، وإلا فهو التكريس لتداعيات الموروث التقليدي المقيت، فما لا يجب طرحُه لأن الأخلاق قد تمجه وترفضه، يستوي فيه الذكر والأنثى، وما هو رديء إنتاجُه ومستهجن إبداعُه فهو كذلك بالنسبة إليهما معًا.
ويبدو أن احتكار الرجال لفضاءات الإبداع الأدبي لمدة طويلة مع إقصاء المرأة جعلهم غالب القضاة والمحتكم إليهم عند تقدير الكتابات في العالم الرقمي، وهم في الغالب لم يصلوا إلى الآن إلى التجرد من الأفكار المسبقة عن المرأة والسائدة في المجتمعات التقليدية، فهي تبقى بالنسبة إليهم تلك الأنثى... والغواني يغرهن الثناء...
فذلك التمييز ما زال موجودًا، ومتعلقًا بتغلغل النظرة الغريزية للرجل إلى المرأة مع معايشته لولوجها شتى الميادين وخاصة الفكرية والأدبية منها، ومع أن موجات "الحداثة" قد تغلغلت في نفوس الجل منهم كما يدعون.
وهذا ما لا يمكن أن يستساغ أدبياً ولا حتى أخلاقياً؛ لأنه يُشعر بعدم الإيمان بالندّيّة للمرأة مع الرجل في عالم الأدب، وبعدم القدرة منها على الإبداع الرصين المستحق لذلك لنقد الرصين، المؤدي بها في نهاية الأمر إلى مراجعة النفس باستمرار من أجل تحسين وتجويد الإنتاج...
وبناء على هذا يجب على الأديبة الواعية أن تنشد -حينما تنشر نصًّا إبداعياً في أحد المواقع الأدبية الرصينة- الحصول على انطباعات وانتقادات محايدة من الأدباء والمثقفين، وذلك من أجل الاستفادة من توجيهاتهم وآرائهم لتسير قدمًا إلى الأمام، لا لتستجدي عبارات الإطراء والمجاملة مع رداءة النص وتردي طبقته...
فالتوسع في إنفاق المدائح على المرأة في مجال النقد أمرٌ يجب على المرأة المثقفة أن تحاربه وتستهجنه؛ لأن وجوده وتكريسه يعني أنها غير قادرة على الثبات مثل الرجل أمام النقد البناء الجاد الموصل إلى اكتشاف الهنات، ومن ثم العمل على التصدي لها بتجاوزها وإصلاحها.
فكم من "المبدعات" أُحطن بهالات من الإعجاب وأغدقت عليهن المدائح في واقع الحال... فكان أن استسلمن لوهم التميز، وتهن في بحور تلكم العلاقات!!! وانصرم ربيع حياتهن بين أيدي المعجبين والزملاء... واكتشفن في آخر الأمر -وبعد ضياع فرص الاستقرار الاجتماعي- أن الإعجاب لم يكن إلا بالجسد وبالشباب لا غير... فما من رصيد إبداعي يعتد به، وما من إبداع ثَمَّ أصلاً، وإنما هو كلام معسول أتقن "النقاد" تنسيقه من أجل حيازة الاستمتاع بـ"القرب" وبـ"المقاربة"... !!!
فالمطلوب من الأديبة الواعية إذًا أن لا تطالب وأن لا تقبل إلا ما تستحق، وبدلاً من أن تستمرئ ما ينثال عليها من هبات القول وتبرعات الاستحسان، عليها أن تسعى إلى نبذ ذلك السلوك وإلى الرد عيه بتطوير نفسها، وبناء كيانها الفكري من أجل حيازة ما لها عن جدارة واستحقاق.
فحين الاطلاع على بعض المواقع التي تقدم نفسها بصفة "الأدبية" -حتى الجادة من هذه المواقع- نجد فيها أقلامًا نسائية تؤسس فضاءات تلك المواقع، ولا تعمل إلا على الترويح عن العنصر الرجالي، الذي يستغل وجودها للتفاعل معها حول التافه من المحاور والموضوعات وحتى البذيء الشائن منها في بعض الأحيان، وذلك من أجل الهرب من واقع مأزومٍ متشنجٍ عمِلَ هو على خلقه، ثم هو يكرسه داخل أسرته عن طريق العنف وعدم المبالاة والإهمال.
جـ- ترهل الساحة الأدبية العربية:
وذلك عن طريق إغراق المجال الأدبي بالنصوص المتراكمة، مع إغفال معايير الجودة... فقط هو التصاعد لوتيرة الإبداع الذي فُتح بابه أمام الكل، حتى أمام من لا يتقن اللغة العربية التقريرية العادية، بَلْهَ تلك التي تمكن من النسج على النول الأدبي الرفيع.
فتلكم المجاملات المبالغ فيها وغير المحسوبة النتائج هي من وراء اعتقاد البعض أنهم أصبحوا أدباء حقيقة، ومن ثم تجدهم لا يفتئون يُغرقون المواقع بكل ما تتفتق عنه قرائحُهم من نصوص لا تنفع إلا في الدلالة على سذاجة منتجيها وضحالة تفكيرهم.
د- حرمان القراء من النصوص الأدبية المتألقة الراقية:
تلك التي كان يمكن إبرازها إعطاؤها ما تستحقه من الاهتمام والدراسة لولا أنها مغمورة في بحر الغثاء الرقمي، ذلك الذي لم يعد النقاد يرون أنفسهم معنيين بولوج خضمه من أجل العمل على تعيين الفاسد ونبذ المتهالك الموجود فيه.
هـ- ظهور تيارات أدبية متنافرة:
وقد ساعد على ذلك تعددُ المواقع، وحتى ظهور تلك لا تحتضن ولا تنشر إلا لتوجهٍ أيديولوجي معين... وذلك لعدم الرغبة في قبول الرأي الآخر، ولعدم استيعاب بُعدِ الحق في الاختلاف، ذلك البعد الذي يُمكِّن من الوجود في فضاء افتراضي واحد، ثم يكون عونًا على إقامة حوار حضاري جاد وبناء يُفَعِّل أواصر الأخوة في الإنسانية حتى إن انتفت وشائج أخرى.
وأخـيرًا...
هذه -من باب التمثيل لا الحصر- بعض الخاصيات والمقومات الإيجابية والتداعيات السلبية الناتجة عن استعمال النشر الرقمي في المجال الأدبي، تلك الطريقة التي لا يمكن الاستغناء عنها؛ لارتباطها بالتقدم الإنساني، ولإتاحتها الحصول على العديد من المكاسب...وتلك التي يجب إعادة النظر في سبل استعمالها حتى يثمر ذلك ازدهارًا وينعا في عالم الأدب، الأدب المحتفي بجمالية الرؤى المصورة بجميل الأنساق والكلمات
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.09 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]