واقعنا والعربية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 171 - عددالزوار : 59755 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 161 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 28249 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 790 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          السلفيون ومراعاة المصالح والمفاسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 683 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 98 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 16023 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 65 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-04-2019, 12:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي واقعنا والعربية

واقعنا والعربية
مختار علوي القشبري


الناظر في لغات العالم يجد أنها ذات تطور وتجديد في مفرداتها وتراكيبها على مرّ العصور.. يصل الحال بهذا التطور إلى مراحل قد لا يفهم اللاحقون مفردات من سبقهم من أبناء لغتهم إلا عن طريق المعاجم، وما ذاك إلا أن اللغات مراكب الحياة الإنسانية لدى كل شعوب العالم، وفي غضون هذا التطور للغة ما، قد تصل في بعض مراحلها إلى النضج فلا يكون بعد التمام إلا النقصان كما هي سنن الله في كونه.

غير أن لغتنا العربية في مفرداتها وقواعد إعرابها وأساليب تراكيبها مرّت بهذا التطور فكان عند الجاهلية غريب الألفاظ والمفردات التي لا يفهمها أبناء العروبة في عصرهم الحديث إذا طالعوها في تراث شعرهم ونثرهم، وكان عندهم شاذ التراكيب ونادر الإعراب التي حفظها علماؤهم كرموز لما كان عليه تاريخ اللغة؛ ولا ينبغي لأبناء الجيل أن يشغلوا أذهانهم بمحاولات القياس عليه والخروج عن المعروف والمشهور في قواعدهم.

استمرت حركة التطور للغتنا حتى جاء الله بالإسلام وقد وصلت العربية مرحلة من مراحل النضج حفظ الله تاريخها بالقرآن الكريم، فلا غريب في مفردات اللغة ولا شاذ في قوانين إعرابها وتراكيبها في قواعد القرآن الكريم؛ إذ كان اختيار النص القرآني لأحسن ما يكون في لغات العرب.

ومنذ ذلك الحين والمسلمون يتلمسون الاقتداء بالقرآن في لغته؛ فتلقانا نصوص الحديث والأثر وقصائد الشعر منذ بزوغ فجر الإسلام يفهمها جميع أبناء العربية ومن نطق بلغتهم كأنما يعيشون في مكان وزمان واحد؛ وما ذاك إلا أنهم حافظوا على ما وصلوا إليه من نضج في لغتهم بحفظ القرآن الكريم، وقد مرّ على أقدم هذه النصوص أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان وعاش أهلها في مناطق مختلفة من جغرافية الكرة الأرضية، بينما غير اللغة العربية ربما لا يفهم أبناؤها نصوصا لأدباء وشعراء لم يمض على وفاتهم أكثر من قرنين من الزمان، ومن خلال ما هو في هذه الورقات القادمة يعي القارئ ما ذكرناه.

أولا: مشاكل العربية


لكل لغة من اللغات أثناء تدريسها بحثا أو كتابة أو نطقا أو دلالة عقبات ومشاكل ربما تدرك الطلاب وربما تدرك المعلمين، وهذه المشاكل إما أن تكون وريثة تقاليد لم ينتبه لها الأقدمون وإما أن تعود إلى عجز لدى المتعلمين أو المعلمين بالمنهج والوسيلة في توصيل هذه المعرفة في لغة من اللغات، ومن مشاكل لغتنا العربية التي نصّ عليها بعض علمائنا المحدثين الآتي:

1- الخلط أثناء تدريس العربية، وفي معاجمها بين مستوى العربية الفصحى وغريب اللهجات العربية القديمة في اللفظ والدلالة، بلا إشارة إلى ذلك في كثير من الأحيان، مثل: السراط، والصراط، والزراط، بمعنى: الطريق مثلا، وكذكرها لكلمة: «العجوز» مثلا، أكثر من سبعين معنى، من بينها: الإبرة والجوع، والسمن، واليد اليمنى، فمن المحال أن تكون هذه المعاني جميعها، مستعملة في الفصحى وحدها (1).

2- فلسفة العلة في الدرس النحوي؛ لاسيما العلل الثواني والثوالث (2)؛ كتعليل بناء أبواب الأسماء المبنية (أسماء الاستفهام، والشرط، والإشارة، والموصول، والضمائر، وأسماء الأفعال)، فالنحاة يقولون: بُنيت لمشابهتها الحروف، فهذه العلة الأولى، ثم يذكرون وجه الشبه في كل باب (الشبه المعنوي، الشبه النيابي، الشبه الافتقاري، الشبه الوضعي) وهذه علة ثانية (3)، وكذلك ما يذكرونه من علل الممنوع من الصرف وتفاصيلها (4) علل تخرج الدرس اللغوي عن روح اللغة وبساطة فصاحتها.

3- عدم المنهجية في ترتيب مفردات المادة الواحدة، فيتحتم على المرء في كثير من الأحيان، أن يقرأ المادة كلها، للعثور على بغيته؛ إذ يلزم أن تقرأ عشر صفحات، في مادة عرف، إذا كنت تبحث مثلا عن معنى كلمة: «معرفة الفرس» وما شابه ذلك (5).

فهذه عيوب في معاجمنا اللغوية؛ «وفي مقدورنا بالطبع التغلب على هذه العيوب، إذا أعدنا النظر مرة أخرى في معاجمنا اللغوية، فصفيناها من الحشو والتكرار، وفصلنا بين مستوى الفصحى واللهجات القديمة، في ألفاظها ومدلولاتها، ورتبنا كلمات المادة الواحدة ترتيبا منهجيا صارما، وأعدنا استقراء النصوص القديمة من جديد، لنخلص هذه المعاجم مما فيها من تحريف أو تصحيف، أو مواد هي من صنع اللغويين، ولم تجر بها ألسنة العرب القدماء» (6).

4- مشكلة التوجيه نحو دراسة اللغة العربية بقواعدها النحوية والصرفية دراسة تخصصية كدراسة اللغات الأجنبية انطلاقا من دافع الحفاظ على الهوية، والوقوف أمام طوفان عاديات تيارات التغريب؛ إذ يلاحظ أن هذا التوجيه يتجاذبه ضعف وقصور في جوانب تتمثل بالعشوائية في مناهج التعليم، وضعف الكادر في وسيلة توصيل الدرس، وقلة المعرفة بالمادة العلمية مما أدى إلى تعالي بعض الدعوات بإلغاء بعض أبواب من أساسيات تراثنا النحوي والصرفي بآلية عملية تقترب حينا من المنهجية كما تقترب أحيانا أخرى من اللامنهجية ومن العشوائية.

5- ارتياب أبناء العربية في قدرة لغتهم على مواكبة متطلبات العصر الحضارية والمدنية، يصل هذا الشك ببعض أبناء العربية إلى أن الاقتناع بأن العربية لا تتسع للتعبير عن كآفة متطلبات العصر الحديث، ولا تفي بإنتاج المصطلحات المناسبة التي تواكب حركة التطوير الصناعي والتطبيقي والفلسفي المتسارعة، يصل الحال ببعضهم إلى عجزه عن استحضار المفردة العربية البديلة عن المفردة التي استخدمها من لغة أخرى غير العربية في أمثلة كثيرة مشاهدة في الحياة اليومية.


ثانيا: تحدياتها


«منيت العربية الفصحى في العصر الحديث، بخصوم حاقدين وأعداء ألداء، وليست تلك الهجمة الضارية الشرسة على الفصحى، إلا جزءا من الهجوم على الدين الإسلامي الحنيف، فقد فطن أعداء هذا الدين، إلى الارتباط الوثيق بينه وبين اللغة العربية الفصحى، وفي يقينهم أنهم إن أزالوها عن مكانتها الراسخة في القلوب منذ أربعة عشر قرنا فقد أزالوا الحصن الأكبر من حصون هذا الدين الحنيف، فرموها بكل ما يملكون من أسهم ونبال، واتهموها، ومازالوا يتهمون بالصعوبة والتعقيد، وأخذوا يشككون أهلها في قدرة لغتهم على مجاراة العصر، والاتساع للتعبير عن مستحدثات الحضارة، وبذلوا جهدهم في إحلال العامية محلها، بدعوى جمود الفصحى، وانتمائها إلى عصور بادت وانقرضت، وعدم صلاحيتها للحياة وسط هذا الخضم الهائل، من النظريات الفلسفية والاجتماعية والسياسية، التي يموج بها القرن العشرون» (7). وهذه التحديات تتلخص في بعض الاتهامات الموجهة للعربية من قبل بعض المستشرقين والمتأثرين بدعوات التغريب من أبناء العربية، ولعلي ألخصها في النقاط الآتية:

1- أن العربية لغة معقدة في قواعدها كثيرة الشذوذ عن القواعد في قضاياها في باب الإعراب والتركيب؛ إذ تجعل المستخدم لها في حديثه وكتابته يتحمل أعباء ثقيلة ويتقيد بتعقيدات ربما يكون الخروج عنها أدعى في تحقيق لغة الإفهام عند المتلقي قارئا أو مستمعا، على أنّ «هناك لغات كثيرة، لاتزال تحيا بيننا، وفيها من ظواهر الإعراب المعقّد ما يفوق إعراب العربية بكثير، فهذه هي اللغة الألمانية مثلا تقسّم أسماءها اعتباطا إلى مذكر ومؤنث، وجنس ثالث لا تعرفه العربية، وهو: «المحايد»، وتضع لكل واحد من هذه الأجناس الثلاثة، أربع حالات إعرابية، هي حالات: الفاعلية والمفعولية والإضافة والقابلية، والحالة الأخيرة حالة لا تعرفها العربية، وهي إعراب المفعول الثاني، فهي من حالات المفعولية في العربية، وليست حالة خاصة فيها: تلك هي حالات الإعراب للاسم المفرد المعرف في الألمانية، والمفرد المنكر له أربع حالات أخرى، وكذلك الجمع المعرف والجمع المنكر» (8). «ومن شاء فليرجع إلى أي كتاب ابتدائي في الألمانية ليرى إلى كم مجموعة يقسمون الأسماء وليرى ما يطرأ على كل مجموعة من تغير وإضافة في حالات الإعراب المختلفة التي تبلغ ثماني حالات إفرادا وجمعا يختلف في كل مجموعة عنه في المجموعة الأخرى...» (9). «ومثل (الفعل) في الفرنسية فهو يحتاج في ضبطه إلى قواعد تفوق قواعد النحو العربي في أقسامها وفروعها» (10).

2- تشجيع دراسة اللهجات العامية على حساب تهميش الدراسات التي تعتني بالفصحى بحجة تشجيع دراسة الأدب الشعبي «الذي يتمثل في قصص (ألف ليلة وليلة) وأمثالها موضوعا للدراسة، ومن المعروف أن أكثر هذه القصص لم يكتب باللهجات العامية المحلية، ولكن جماعة من قليليّ الحظ من الثقافة حاولوا أن يكتبوه باللغة الفصحى بقدر ما سمحت به إمكاناتهم وملكاتهم فجاء على هذه الصورة الركيكة؛ ولذلك تجاوزه مؤرخو الأدب واعتبروا أنه دون المستوى الذي يسمح بدخوله في تاريخ الأدب العربي، وتركوه في موضعه لعامة الناس والغوغاء» (11).

3- دعوات مُريبة لتطوير اللغة وقواعدها ورسمها باسم التهذيب والتيسير والإصلاح والتجديد والخوف من موت الفصحى إذا لم تخضع للتطوير؛ علما أن هذه الدعوة فصل للعرب عن تراثهم وفصل بعضهم عن بعض، ويتناسى أصحاب هذه الدعوة أن التزام أصول العربية وقواعدها وأساليبها لا يؤدي إلى التحجر والجمود بل هو تقديس للقرآن الكريم ودعوة إلى تعايش العامية مع الفصحى بإيجاد لغة عامة للتعامل اليومي إلى جانب لغة خاصة للعلم والأدب، وهي ظاهرة طبيعية تشمل كل اللغات قديمها وحديثها وطريق سليم للتقريب بين الفصحى والعامية (12).

4- دعوى أن العربية غير قادرة على استيعاب علوم العصر، وقد امتحنت العربية الفصحى في التاريخ مرتين في ناحية القدرة على استيعاب الأفكار الجديدة، واجتازت هذا الامتحان بنجاح كبير، فهذه هي الأفكار الدينية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء، قد استوعبتها العربية الفصحى، وعبّرت عنها أدق تعبير وأبلغه. كما أن حركة الترجمة من اللغات الأجنبية في العصر العباسي الأول، لم تقصر العربية الفصحى عن تحمل تبعاتها، ولم يشك واحد من المترجمين آنذاك، من قصور الفصحى عن استيعاب الأفكار الفلسفية والعلمية، التي كانت لمفكري الإغريق والرومان والسريان وغيرهم.

وما نجاح تدريس الطب بالعربية الفصحى في سوريا الشقيقة، في عصرنا الحاضر، إلا برهان آخر على قدرة لغتنا الجميلة، على استيعاب علوم العصر، والتعبير عن مظاهر مستحدثات الحضارة» (13).

ثالثا: مستقبلها


ليست العربية بدعا بين اللغات في صعوبة القواعد، غير أن شيئا من هذه الصعوبة يعود بالتأكيد إلى طريقة عرض النحويين لقواعدها، فقد خلطوا في هذه القواعد بين الواقع اللغوي والمنطق العقلي، وبعدوا عن وصف الواقع إلى المماحكات اللفظية، وامتلأت كتبهم بالجدل والخلافات العقيمة، وضلّ المتعلم ما أراده في دراسة العربية وسط هذا الركام الهائل من الآراء المتناقضة في خلافات طويلة لا فائدة من كثير الجدل فيها بل هو نوع من الفلسفة، والحقيقة أن القواعد الأساسية لنحو اللغة العربية، يمكن أن تستخلص في صفحات قليلة (14) مصفاة من هذا الحشو الذي لا طائل وراءه.

ولقد كثر البحث عن السر في إخفاقنا حتى الآن في تعليم العربية، وبذلت محاولات في تسهيل قواعد العربية ضمن مناهج تعليمية ذات برامج أصيلة بعبارة واضحة المصطلح بعيدة عن تعقيد المنطق وفلسفة التعليل باختصار المطولات المؤلفة في حدود القواعد والأقسام التي التزمها القدماء، كما فعلت لجنة «حفني ناصف ودياب وطموم ومحمود عمر وسلطان عمر» في كتاب «قواعد اللغة العربية» لتلاميذ المدارس الثانوية فقد نجحت هذه اللجنة في حصر قواعد النحو والصرف في كتيّب صغير لا يتجاوز مائة وأربعين صفحة، خال من التعقيد يفي بحاجة التلاميذ والمتعلمين، وقد كان صنيع الجارم بعد ذلك حسَنا حين يسّر هذه القواعد ومهّد لها بالأمثلة الكثيرة، وأعان على إقرارها بالتمرينات المتعددة، وكان ذلك كله في حدود القواعد التي أثبتت ألف سنة صلاحيتها، والتي استطاع العرب بفضلها وحدها ولا شيء سواها أن يخرجوا في القرن الأخير هذا الجيش الضخم من الشعراء والأدباء والنقاد الذين بلغ بعضهم مستوى أندادهم الأقدمين في أزهى عصور الشعر والأدب العربي؛ وذلك من بعد أن أدرك الضعف العربية حتى كاد يدنيها من القبر، كيف وجد البارودي وشوقي؟ وكيف نشأ محمد عبده وطبقته من الكتّاب؟ وكيف وجد الرافعي والمنفلوطي؟ بل كيف وجد المنادون بهذه البدع أنفسُهم أمثال طه حسين وإبراهيم مصطفى؟ كيف استقامت ألسنتهم وصحت أساليبهم؟ هل أتقن هؤلاء العربية من طريق آخر غير قواعد النحو والصرف والبلاغة التي يزعمون أنها معقدة؟ فهل نصدِّق واقعا ماثلا راسخا أثبتته ألف سنة، وأعادت إثباته وتأكيده تجربة القرن الأخير؟ أم نصدِّق مزاعم لم نر من آثارها إلا التدهور والانحطاط في مستوى تدريس العربية؟ إن انحطاط مستوى الجيل الحاضر في العربية أمر واقع ليس سببه صعوبة قواعد العربية القديمة بل إن سببه هو زعم الزاعمين أنها معقدة؛ والدليل على ذلك أن الجيل السابق لهذا الجيل في مطلع القرن العشرين الميلادي أحسن إتقانا للعربية رغم أنه قد نشأ في ظل استعباد المستعمر الغربي وبرامجه، أو في ظل سياسة التتريك التي جنّ بها دعاة الطورانية، وحقيقة هذه الدعوة عند مقارنتها بغيرها من دعوات التغريب والتطوير والتجديد سمِّها ما شئت قطْعُ كافة العلاقات والوشائج التي تربطنا بإسلامنا وعروبتنا وشرقيتنا (15)، ورحم الله ابن تيمية إذ يقول: «وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية - التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن - حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلاريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم؛ ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عوّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار: مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديما؛ ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولاريب أن هذا مكروه، وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة، ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب.

واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل، والخلق، والدين تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق، وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية، وهذا معنى ما رواه أبوبكر بن أبي شيبة: حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن زيد قال: كتب عمر "رضي الله عنه" إلى أبي موسى الأشعري "رضي الله عنه" : «أما بعد: فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن، فإنه عربي»، وفي حديث آخر عن عمر "رضي الله عنه" أنه قال: «تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم» وهذا الذي أمر به عمر "رضي الله عنه" من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله (16).

الهوامش


1- ينظر: بحوث ومقالات في اللغة ص148.

2- ينظر: الرد على النحاة ص130.

3- ينظر: أوضح المسالك (1/ 29-34).

4- ينظر: شرح شذور الذهب ص824 ص847.

5- بحوث ومقالات في اللغة ص150.

6- المصدر نفسه.

7- بحوث ومقالات في اللغة ص165.

8- بحوث ومقالات في اللغة ص166-167.

9- حصوننا مهددة من داخلها ص173 ص174.

10- المصدر نفسه.

11- حصوننا مهددة من داخلها ص206.

12- ينظر: حصوننا مهددة من داخلها ص146 ص153.

13- بحوث ومقالات في اللغة ص171 ص172.

14- ينظر: بحوث ومقالات في اللغة ص167.

15- ينظر: حصوننا مهددة من داخلها ص155 ص156 ص157.

16- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 526-528).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.16 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]