19-06-2019, 09:16 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة :
|
|
لا تكوني الشمعة
لا تكوني الشمعة
عبير النحاس
كثيرا ما كان يحلو لي رؤية جارتنا الستينية و هي تخرج في موعدها اليومي عند الرابعة عصراً من أجل ممارسة رياضة المشي في الهواء الطلق , و قد كنت مغرمة في ضبط موعد ذهابها و إيابها من التمرين اليومي بعد ساعة كاملة , ثم خروجها مجددا بعد أن تقوم باستبدال ملابسها لأداء واجب اجتماعي ما و هي في كامل أناقتها التي عرفت عنها منذ أن كانت مدرسة في مدرستنا الثانوية , بل و أكثر المدرسات اجتهادا في ذلك الزمان , كانت أناقة جارتنا و رشاقة قوامها رغم تقدمها الكبير في السن تثير إعجابنا جميعا , و كانت نظافة و جمال منزلها مضرب المثل في الحي بأكمله , و كانت نباتات شرفتها و زهورها الجميلة تشي بسعادتها و تصالحها مع نفسها و الكون .
و كان سرها عندي واضحا جليا فأستاذتي السابقة و جارة المنزل تستيقظ قبل الفجر, و تبدأ أعمالها المنزلية في وقت مبكر جدا , وقد كنت تستطيع أن تراها و هي تنظف الشرفة و تسقي النباتات مع طلوع الشمس , ثم تشرب قهوتها الصباحية مع زوجها و بيدها كتاب أو مجلة , و هذا وحده كفيل بإعطائها أجمل الفرص لاستخدام وقتها بالشكل الذي يروق لها , و كفيل أيضا بجعلها تكتسب كل الفوائد التي يجنيها أصحاب الفجر و الشروق و البكور في الحفاظ على قوة أبدانهم و عقولهم و يمتلكون كامل أوقاتهم .
و كنت ترى ولدها يعلق الغسيل على الحبال في كثير من الأحيان , و قد يفعل هذا زوجها أحيانا أخرى , و لست أدعو الرجال للمساعدة في أعمال المنزل في مقالي هذا , و إن كان من أخلاق و أفعال النبي صلى الله عليه و سلم في منزله و مع أهله , و لكنني أقصد التعاون و عدم تحمل الأم للمسؤولية كاملة , و توزيع المهام بين أفراد الأسرة جميعا , و من ثم حسن استخدام الوقت و التبكير الجميل في الاستيقاظ , ثم الاهتمام بنفسها و صحتها و لياقتها البدنية , و أضع تحت هذه الكلمات عدة خطوط حمراء , فاهتمام جارتنا ببيتها و شرفتها و دراسة أولادها لم يمنعها لأعوام طويلة من ممارسة الرياضة اليومية , وعلى النقيض منها سنجد الكثيرات تشغلهن مهامهن العائلية عن أنفسهن ,فتجد الواحدة منا تنسى جمالها و أناقتها و رشاقتها و الأهم من هذا كله تنسى أن تحافظ على صحتها و قوة بدنها التي ستكون لها ذخرا طوال العمر و يسعدها أن يقال أنها تحترق كشمعة لتنير مستقبل عائلتها , مع أنه كان بإمكانها أن تنير لهم الطريق دون أن تحترق فيكون نورها أكمل و أجمل و أطول عمرا .
لست ممن يمارسن الرياضة في النوادي و لست ممن يخصصن وقتا للمشي فما زلت لا أجد الوقت الكافي , و إن كنت أفعل على الطريقة الفرنسية , فمنزلي يبعد عن المدرسة مسافة أقطعها سيرا على الأقدام بمدة تزيد على نصف ساعة, و أجدني مستمتعة بهذا الوقت الجميل , و أضيف إليه صعودا على الدرج , و أعمال المنزل التي أقوم بها بنفسي, و دون مساعدة إلا من أفراد عائلتي , و ما زلت أتأمل أن أقتطع من يومي ساعة للرياضة و للمشي كجارتي الستينية , و لكنه جهد المقل إلى أن يأذن الله .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|