التمويه في خطاب التوحيدي في الليلة السادسة من ليالي الإمتاع والمؤانسة، أو حجاجية التس - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-10-2022, 09:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي التمويه في خطاب التوحيدي في الليلة السادسة من ليالي الإمتاع والمؤانسة، أو حجاجية التس

التمويه في خطاب التوحيدي في الليلة السادسة من ليالي الإمتاع والمؤانسة، أو حجاجية التستر والاختفاء


ياسين الشعري



يعد التمويه من أهم الاستراتيجيات المخادعة التي تستخدم في الخطابات التواصلية، خاصة النفعية منها، التي تقيس الحقيقة بالنجاح. فالمتكلم يلجأ إليه بهدف إخفاء بعض الحقائق عن المتلقي، أي أن هذا الإخفاء يكون مقصوداً. والتمويه مع ما يتميز به من مخادعة - ذو وظيفة حجاجية تداولية، تتمثل أساساً في كونه يجعل المتلقي يعمل فكره ليكتشفه داخل الخطاب، ثم إن المتكلم من خلاله يتقي شر المتلقي، ويمرر له بعض القناعات والآراء دون أن يعي بذلك.


تتعدد طرائق التمويه في الخطاب تعدداً كبيراً، إلا أن أهم هذه الأنواع: الكلمات الموحية والإخفاء المتعمد للحقائق ما وراء السطور وغالبًا ما يتمُّ هذا الأخير "في سياق خاص، ويستعمل وسائل مبتكرة يحددها السياق"[1]. وبالنظر إلى المفاضلة التي عقدها التوحيدي في الليلة السادسة من ليالي الإمتاع والمؤانسة، بين العرب والعجم، يتبين أنها لم تخل من هذه الآلية التمويهية، فقد حاول أن يخدع بها الوزير، وأن يجعله يعتقد أنه من الصعب المفاضلة بين الأمم، إذ لكل أمة مميزات تنفرد بها عن باقي الأمم الأخرى، فـ"للفرس السياسة والآداب والرسوم والحدود، وللروم الحكمة، وللهند الفكر والروية والخفة والسحر والأناة، وللترك الشجاعة والإقدام، وللزنج الصبر والكد والفرح، وللعرب النجدة والقرى والوفاء والبلاء والجود والذمام والخطابة والبيان"[2]، هذا القول أعقبه في البداية اعتراف ضمني بأن العرب هم أعقل الأمم، فقد اكتفى بما رُوي عن ابن المقفع، إلا أنه مع احتجاج الوزير سيضطر التوحيدي إلى أن يسايره فيما يقول قصد إرضائه، ولكنه كان يُخفي في خطابه أنه يميل إلى تفضيل العرب على باقي الأمم، فالصفات التي قدمها للعرب على طول الليلة، فاقت تلك التي قدمها للعجم، مما يثبت لنا أن التوحيدي ينتصر لأمته، ويوحي بهذا الانتصار أيضاـ في قوله: "[..] [إن] كُلَّ أمة لها زمان على ضدها، وهذا بين مكشوف إذا أرسلت وهمك في دولة يونان والإسكندر، لما غلب وساس وملك ورأس وفتق ورتق ورسم ودبر وأمر، وحث وزجر، ومحا وسطر، وفعل وأخبر؛ وكذلك إذا عطفت إلى حديث كسرى أنوشروان وجدت هذه الأحوال بأعيانها"[3]، فكأني به هنا يريد أن يقول إن الزمن الذي كان فيه العجم أفضل من العرب قد ولى، أما هذا الزمن فهو زمن العرب. وهذا يجعلنا نقر بأن العرب عنده هم أفضل الأمم، وإن حاول إخفاء ذلك ما بين السطور. وبالإضافة إلى ذلك نجده يتوارى خلف مجموعة من الشخصيات لكي يفاضل لصالح العرب، كرده على الجيهاني على لسان إسحاق والقاضي أبي حامد المَرْوَرُّوذِي وأبي الحسن الأنصاري، وقد تضمن رد هؤلاء التشنيع بفارس وذمهم والقدح في أنسابهم، وهذا يدل على غرض التوحيدي الدفين، إذ ليس الذي فعله إلا لأجل غرض حجاجي، لأن التواري خلف خطاب الآخر يكون لأجل إثبات ما يدعيه المرء، فالتوحيدي هنا كان في غاية الذكاء، إذ ترك لشخصيات ذات سلطة أن تعبر عن موقفه الشخصي، بدءا بابن المقفع والموصلي الفارسيين الأصل، مرورا بأستاذه المرْوَرُّوذِي، وانتهاء بأبي الحسن الأنصاري... وهذا كله يلخص إيديولوجية التوحيدي تجاه هذه المسألة.


إن التوحيدي في هذه الليلة لجأ إلى استخدام أسلوب غير مباشر، واتبع طريقة مخادعة في عملية المفاضلة بين الأمم، حيث يظل موقفه من هذه المسألة موقفاً غامضاً، وهذا الغموض في تفضيله لأمة على أمة ليس أمرا عفويا، وإنما هو أمر مقصود؛ إذ يتمتع بوظيفة تداولية إبلاغية، حيث يعمل على تحقيق الإقناع، الذي تساهم فيه المعاني الضمنية والإيحائية، تلك المعاني التي تحتاج من المتلقي إعمال الفكر، ومحاولة فك شفراتها، وإجهاد النفس على الوصول إليها، مما يجعل من المعنى أو الفكرة أشد ثباتاً وترسخاً في الذهن.


إن التوحيدي يشحن خطابه بمجموعة من الرموز والمدلولات، تختبئ وراءها بعض الحقائق التي لم يكن يريد أن يبوح بها، لأن المقام لم يكن يسمح له بذلك، فمجالسته لرجل السياسة جعلته أشد حذراً واحتياطاً في أقواله، ويُؤْثر اللجوء إلى الإضمار عوض التصريح، والغموض بدل الوضوح، حتى لا يكون في تصريحه بالأمة التي ينتصر لها تماديا على الوزير ابن سعدان وتطفلا عليه.


إن خطاب التوحيدي هو خطاب يحمل مضامينه بين سطوره، مما يجعل منه خطابا متواريا، يمارس، عن طريق التوظيف الموحي للغة، التغييب والتستر، إذ يقدم الأفكار والمعاني بأغلفة من البلاغة. وهذا التستر الذي يقوم به التوحيدي عن الحقائق يجعل من خطابه يقترب في بعض الأحايين من الخطاب السياسي، لأنه - وإن كان خطاباً تفاضلياً - موجه إلى متلقٍّ مخصوص، هو رجل السياسة، لذلك فهو يستعين فيه ببعض الآليات التي هي في الأصل من مقومات الخطاب السياسي، حيث حاول في هذه الليلة أن يسكت عن الحقيقة - التي اعترف بها قبله ابن المقفع - لأنه يرى الاعتراف بها ضد مصالحه، فحاول بالتالي أن يمررها عبر مجموعة من آليات التمويه يبقى على رأسها: الكلمات الموحية، والإخفاء المتعمد للحقائق ما بين السطور، إذ استطاع من خلالها أن يوهم الوزير بأنه لا يفاضل بين الأمم، ولكن الوقائع تثبت خلاف ذلك، وباطن الخطاب يعلن عما لم يعلن عنه ظاهره.


[1] جمعان عبد الكريم، استراتيجيات التمويه في الخطاب، مقالة على الإنترنت.

[2] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، مراجعة هيثم خليفة الطعيمي، المكتبة العصرية، بيروت، 2011، ج 1 ، ص 72.

[3] نفسه، ص 72.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 50.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.36 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.42%)]