هل من سميع؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-10-2022, 03:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي هل من سميع؟

هل من سميع؟


محمد صادق عرنوس







إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكل رداء يرتديه جميل



وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها

فليس إلى حسن الثناء سبيل





هذان البيتان من قصيدة نابهة الذكر للسموءل بن حيان الذي يضرب به المثل في الوفاء، وسبب شهرته بالوفاء أن امرأ القيس الشاعر المشهور أودع عنده ماله ودرعه حين ذهب يستنجد بملك الروم، فأغار عليه ملك من أعداء امرئ القيس، فتحصن منه السموءل، وقد علم أن الملك قد أسر ابنًا له كان خارج الحصن، وطلب منه أن يسلم إليه الدروع وإلا ذبح ابنه أمامه، فاستشار السموءل أهل بيته، فكل أشار عليه أن يدفع الدروع ويستنقذ ابنه، فأبى وأشرف على الملك من الحصن، وقال له: أما الدروع فما إليها سبيل، فاصنع ما أنت صانع، فذبح الملك ابنه وهو ينظر إليه، ووافى بالدروع الموسم، فدفعها إلى ورثة امرئ القيس، فضرب بوفائه المثل.




ذكرني خالفًا في القول والعمل وبُعد ما بينهما من صلة بحال السموءل الشاعر الجاهلي الذي ترجع وفاته إلى سنة اثنتين وستين قبل الهجرة، حيث الجهلة الجهلاء والظلمات الفاشية، والنفوس التي لا ضابط لها من شريعة أو قانون؛ فأردت أن أعقد مقارنة بسيطة بينه على ظلمة عهده وفساد جيله، وبين شباب جيلنا الحاضر، الذي يدعي أنه ليس وراء ما عنده من علم وثقافة وتهذيب من مزيد، فإن حدثته عن الأوائل حديثًا ثنى عطفه كبرًا، وجحد كل فضيلة تنسب إليهم، وحقر عاداتهم وآدابهم، فبماذا نخرج من هذه المقارنة؟ استمع إليه في البيت الأول نجده يقول:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ♦♦♦ فكل رداء يرتديه جميل



فتشعر أنه بهذا الوصف حدد الرجولة تحديدًا لأزمة التوفيق فيه، إذ إن تعريف الإنسان على وجهه الصحيح إن هو إلا أخلاقه الفاضلة، فمتى طهر عرضه مما يدنسه من الأعمال الشائنة، فلا يهمه بعد ذلك كل لباس يرتديه؛ لأنه إذا سما وسطه الذي فيه، وزنه بميزان أعماله لا بميزان لباسه ورياشه؛ ولكن الأمر قد انعكس عند شباب هذا الجيل، فصارت الأخلاق في مؤخرة موازين الاعتبار والتقدير، والمعول كله أن يظهر المرء في بزة فارهة، فإذا به المحترم المشار إليه ولو كان سجل رذائل، ومقبرة فضائل، وسرت عدوى هذه الفكرة الخاطئة في أوساط أهل العلم الذين كان يجب عليهم أن يجعلوه مقياس الاحترام والنجلة فيما بينهم، وأن يفقهوا عن ربهم ما يقوله في معرض الامتنان على عبده ورسوله يوسف صلى الله عليه وسلم بنعمة العلم ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76]، ولكنهم بخسوا هذه النعمة حقها، وأصبحت عندهم أداة لتحصيل العيش والتكثر من زينة الحياة الدنيا، فنافسوا أهل الجهالة في تجميل الأزياء والاحتفال بفخامة المظهر، حتى صاروا يبذلون في هذا السبيل جل ما يكسبون: يبتدئ الأمر من الأحذية الغالية، والجوارب الثمينة، والقميص الحريري الشفاف، ورباط الرقابة الهفاف، والسترة المختارة من أجود الأنواع، والمفصلة عند أمهر الخياطين، على شريطة أن تتناسب في كل أولئك الألوان؛ وربما اتخذت من الذهب الخالص أزرار الأردان، وناهيك بالخاتم الذي يكاد سنا (فضه) يذهب بالأبصار، وبالساعة الذهبية وما يمسكها في اليد من سوار.

وأين أنت من دهان الشعر وصبغته ليظهر – حسب الطلب – على غير حقيقته، وعندهم النبوغ في هندسة الأظافر أعود بالفخر على صاحبه من النبوغ في هندسة الخزانات والقناطر، وقد يقف الواحد منهم أمام المرآة؛ ليضع الطربوش على رأسه، فيصرف في ذلك وقتًا غير يسير؛ ليكون وضعه على نظام يرضاه (الذوق) لا تقديم فيه ولا تأخير.



وإنك لترى بعضهم يحتفل بتزيين هيئته صارفًا زهرة يومه فيها، ولقد حدثني من أثق بحديثه أن أحد المرضى يحب الزينة بلغ به الجنون أن ينفق الساعات الطوال في هندسة شاربه، وحدث أن تخاصم يومًا خصامًا أدى إلى ضربه، فكان كل همه موجهًا إلى المحافظة على شاربه؛ لئلا يختل نظامه بضربة طائشة! وجعل المحافظة على بقية ما في وجهه من عيني وفم وأنف في الدرجة الثانية من العناية، فما أضيع أمة في رجالها مثل هذا الطراز.



أما النساء وقد صار لكل عضو من أعضاء إحداهن نوع من الزينة أو الدهان يحتاج لميزانية خاصة، فالمصيبة بهن خرجت عن الطرق، وأعمالهن مجَّها العرف والأدب والذوق، وحسبك في معرفة الهُوة التي انحدرنَ إليها، وجررنَ معهنَّ إليها بعولتهنَّ أو آباءَهن - أن علبة أو أنبوبة – نسيان مني أو خطأ من الراوي – من دهان الأظافر المعروف (بالمنيكير)، قد اشتريت بسبعين قرشًا عدًّا ونقدًا، فماذا تبتلع أنواع الزينة الأخرى - مما تعرف ومما لا تعرف - من حر الأمور يا أيها الرجال، أو يا أشباه الرجال، نبِّئوني بعلم إن كنتم صادقين؟




وأنا على يقين من أن جيلاً اعتنى أبناؤه بأجسامهم هذه العناية، وصرفوا في سبيلها من الوقت والمال ما صرفوا، لن تقوم له قائمة، ولن تحسب أمة هو قوامها في عداد الأمم الحية، بل سرعان ما تحقق عليه كلمة الفناء، ويذهب ضحية الترف الذي أباد الأمم التي فشا فيها قديمًا وحديثًا، وجعلها عبرة لأولي الأبصار.

••••

ثم استمع إلى السموءل تجده يقول في بيته الثاني:

وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ♦♦♦ فليس إلى حسن الثناء سبيل



فأي أدب هو ذلك الأدب الذي تفيض به هذه النفس الجاهلية المنزوية في ناحية من نواحي الصحراء بعيدة عن الحضارة ونظرياتها والفلسفة واصطلاحاتها، ولكن حيث الفطرة السليمة والملكة غير السقيمة، فلقد جمع هذا البيت أهم عناصر المروءة ومؤهلات السؤدد، وهي قوة الاحتمال والتغاضي عما يصدر من الناس من هنات، وتجاوز الإنسان عن بعض حقه ومقابلته السيئة بالإحسان، وهذه ولا شك من خلال أولي العزم التي جعل الشاعر جزاءها حسن الثناء، على أن جزاءها عند الله دار الكرامة والنعيم المقيم، ولن تجد داعيًا نجح في دعوته أو زعيمًا أثَّر في أمته، إلا إذا كانت حقوقه الشخصية آخر ما يفكر فيه، وإلا إذا أشرف على الغاية من التضحية والإيثار واحتمال الأذى، وبمقدار تلبسه بهذه الخلال بمقدار مكانته في قومه واستماعهم لقوله.

فانظر الآن وأخبرني بما ترى؟ ألست ترى كل إنسان مهما علا مركزه، همه الأول مصلحته الشخصية، واستغلاله هذا المركز بقدر ما يستطيع، وغايته احترام الناس إياه مهما ساء عمله فسلكه في عداد الظالمين؟!

وهو إنما ينتزع احترام الناس إياه برهبة سلطانه لا بما يشيمه بينهم من عدل في القضاء، يسوي الضعفاء بالأقوياء، ويأخذ للمظلوم حقه من الظالم، ومن أعمال الرفق بالناس والشفقة عليهم، والسعي في كل ما ينفعهم لا يدخر في ذلك وسعًا ولا يضن بمجهود، وذلك – في الأصل - واجب كل من قلده الله شيئًا من أمور الناس، أما نحن فمتى بلغ منا إنسان الموضع الذي يضر فيه وينفع، فأثقل شيء على نفسه النصيحة أو لفتة إلى مقطع الصواب في عمله، فمن يفعل ذلك عنده العدو المبين؛ لأن أذنيه أصبحتا لا تطيقان إلا استماع المدح حتى على المنكر يأتيه والباطل يلغ فيه!



ولقد أصبح أفراد هذا الجيل على نمط واحد من حب الذات ومقابلة الإساءة بأسوأ منها، وعدم التجاوز عن حق وإن كان تافهًا، مع التمسك أشد التمسك بسفساف الأمور مما يسمونه جرح إحساس، والمحاسبة في هذا الأمر على الكلمة الهينة التي ربما قيلت عن غير قصد، ولو جرح دين أحدهم أو عرضه، ما حرك ساكنًا، ولا يحدث له عن ضماد!



وأراد ربك أن يجعل هذا الشاعر ضمن من يقولون ويفعلون، بل جعله فعالاً أكثر منه قوالاً، فابتلاه بحادثة ابنه التي مر بك قصصها، إذ آثر أن يقتله الملك على مشهد منه – وفي ذلك من قوة العزم ما لم يُؤتِه كثيرًا من الناس – على أن يخون أمانة في عنقه أو ينقض ميثاقًا عقده، فكان مضرب المثل في الوفاء، وبقِي اسمه خالدًا ما خلدت هذه الفضيلة.



فقل لي بربك أيها القارئ الفطن: أتجد بين أفراد هذا الجيل من عنده أية نسبة مئوية (تبتدئ من الواحد الصحيح) لهذا الوفاء، وكلهم إلا من حفظه الله كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا يتخذون أيمانهم دخلاً بينهم؟!

فإذا برقت من الجانب الآخر فائدة أو خشيت قوة، سرعان ما يخيسون بالعهود ويجحدون العقود، ويبيعون دينهم بعرض من الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله!



ثم جاء الإسلام بعد عهد السموءل بقليل، فأقر الناس على مثل هذه المبادئ الرفيعة بعد أن قوَّم مُعوجَّها، وهذب منآدها، وهذا ما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق)، فإذا أردت أن تعرف قيمة خلق الوفاء بالذات، فتدبر قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم)، فكانت الكلمة يرتبط بها الجندي من سواد الجيش حكمًا واجب النفاذ على القائد العام، تؤدى تامة غير منقوصة لمن ربطتهم وإياه هذه الكلمة، وتلك هي روح القرآن التي خالطت نفوس العرب في الصدر الأول، وجرى فيها مجرى الدماء في عروقهم، فكانوا موضع حيرة الباحثين وعلماء الاجتماع إلى يومنا هذا.



فلما طال الأمر وفسدت مادة القلوب بحب لدنيا ومفاتنها، لم يؤثر فيها غيث القرآن، فكانت كالبلد الذي خبث لا يخرج نباته إلا نكدًا، ولله عاقبة الأمور.



ألا وإن الناس قد صيَّروا القرآن بجهلهم شيئًا آخر، فحرموا عناصره الثلاث، فهل من يدلهم على هداه، فقد أصبحوا ضالين، وعلى نوره فقد مسوا في الظلام صادرين، وعلى روحه فقد أوشكوا أن يكونوا من الهالكين؟!



مجلة الهدي النبوي: المجلد الخامس - العدد 18-19 - شوال سنة 1360


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.84 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.20%)]