عمر بن الخطاب وإشراقة الكلمة الأولى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-10-2022, 04:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي عمر بن الخطاب وإشراقة الكلمة الأولى

عمر بن الخطاب وإشراقة الكلمة الأولى


فريد لطفي أحمد






إذا كان الأسلوبُ هو الرجلَ كما يقولون، فإن الاقترابَ من بلاغة عمر بن الخطاب هو بمعنًى من المعاني اقترابٌ من شخصيته الآسرة، وتفاعلٌ مع جوانب عبقريته التي صنعت الحضارة، وأسَّست الدولة الإسلامية الأولى.

وأحبُّ هنا أن أتوقف أمام نصٍّ واحد من البلاغة العمرية، وهو على إيجازه ممتلئ بالمعنى، مشبع بالدلالة، ولعلَّها الكلمة الأولى في اللقاء الأول بين النبي صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب بعد إسلامه.

قال عمر رضي الله عنه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلم: (يا رسول الله، لا أدَعُ مجلسًا جلستُه في الكفر إلا أعلنتُ فيه الإسلامَ).


بعد أن أشرقتْ شمسُ الإيمان في قلب عمر رضي الله عنه، نراه قويًّا صريحًا، ناطقًا بالحقِّ الذي يعتقده، متسقًا مع نفسه، مدافعًا عن قناعاته، تمامًا كما كان حاله في الجاهلية.

ولكِنْ ثَمَّة شيءٌ جديد قد حدث؛ وهو أنه عرَف الحق؛ فصار أحرَصَ على نصرته، كما كان في الجاهلية حريصًا على نصرة آلهة قومِه وعقيدتهم، بل أشد!

وفي النص الذي أمامنا تتجلَّى آيات ذلك الحرص:
ها نحن نرى عمر بمجرد إسلامه يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يأنسُ برؤيته وحديثه، لا يحُولُ بينهما شيء من تقاليد الملوكِ والقياصرة الذين لا يحظى بالدخول عليهم أقربُ المقرَّبين، ممن يحْنون الرِّقاب، ويطيلون الجلوس على الأعتاب.

ليس لكل هذا مكان في دين الإسلام؛ فساحةُ محمد النبيِّ صلى الله عليه وسلم تَقبلُ الجميع، وتُرحِّب بالزائرين.

نراه يوجِّه خطابه للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله) سبحان مغيِّر الأحوال! ها هو عمرُ قد تغيَّر؛ كان بالأمس يتحدَّث عن محمد بن عبدالله الصابئ، الذي خرج على دين آبائه وأجداده، وأتى بدينٍ جديد، وهو اليوم يسعدُ بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم، ويُوجِّه إليه الحديث، ولا بدَّ أن يلحظ القارئ الأسلوبَ الذي اختاره عمر لنداء حبيبه صلى الله عليه وسلم؛ فهو يناديه بأداة النداء (يا) التي تُشعرُ بالتفخيم والتعظيم، ويؤكد على ذلك بأنه لم ينادِه باسمه (يا محمدُ)؛ وإنما (يا رسولَ الله)؛ ناداه بوظيفته التي آمَن بها عمرُ أخيرًا، لقد تغيَّرت نظرة عمر لنبيِّ الله، إنه نداءٌ مُفعم بالتوقير والإجلال والإكبار.

وهكذا دائمًا عمر، رجلٌ ينظر للحياة والأحياء من خلال عقيدته، ويتغيَّر حكمه وتقديره لكل من حوله بحسب تلك العقيدة.

(لا أدَعُ مجلسًا جلستُه في الكفر): هنا يتجلَّى لنا عمر بروحه الوثَّابة الأبيَّة، فذكرى الماضي الأليمِ تلحُّ عليه، وتقضُّ مضجعَه، وقد كان يكفيه أن يعلم أن الإسلامَ يجبُّ ما قبلَه حتى ينامَ وهو قرير العين، مرتاح البال، هادئ النفس، ولكن لا! إنه عمر، لا بدَّ أن يكون له موقف آخرُ؛ لذا فهو يعاهدُ قدوتَه وإمامه (لا أدَعُ مجلسًا جلستُه في الكفر)، و"مجلس" اسمُ مكان، فهو يستعيد ذكرى تلك الأماكن التي جلَس فيها أثناء كفره، ولعل بعض تلك المجالسِ أن تكون شَهِدت حربَه على الإسلام، وعلى نبيِّه، واستخدامه لأسلوب النفي يُشعر بشدة الحرص على محوِ آثار ذلك الماضي، وعلى أن يكون بدلًا منها الطاعة والإيمان التي تُحقق لعمر رضاه عن نفسه، ولم يكن يرضى بالقليل!

(... إلا أعلنتُ فيه الإسلام): وهنا يكتمِلُ طرَفَا أسلوب القصرِ: النفي، والاستثناء، وبين الطرفين مقابلةٌ دقيقة يَلْمحُها القارئ، فهو في طرف ماضيه الأول يقول: (جلسته في الكفر)، وليس في هذا التعبير سوى الإشارةِ إلى مطلق الجلوسِ في زمان الكفرِ، فلم يُصرِّح بعداء الإسلامِ ولا الحرب عليه، وفي الطرف المقابل يقول: (أعلنتُ فيه الإسلام)، وتراه يستخدم كلمة (أعلنْتُ) بما فيها من صراحة ومجاهرةٍ، وبما تستلزمه من نشر للدعوة، وتبشير بالدين الجديد.

ومما يُحمَدُ لعمر رضي الله عنه أنه قال: (أعلنت فيه الإسلام)، ولم يقل: (أعلنتُ إسلامي)؛ فليس الغرضُ أن يعرف الناس أن عمرَ بن الخطاب قد أسلم (وهو في نفسه حدَثٌ عظيم زَلزل أرجاء مكة، وزاد به دينُ الله عزَّة ومَنَعة)؛ وإنما غايتُه أن يَصدَع بكلمة الحقِّ، فيعرف الناس دينَ الله، وتنشرح به صدورهم، ويقبلون عليه؛ حتى تتغيَّر حياتهم كما تغيَّرت حياة عمر بن الخطاب.

وهكذا يمضي عمر...

يأخذُه التطواف في الأماكن التي شَهِدت المعصية؛ لعله يُشهِدُها اليوم الطاعة بمذاقها الطيِّب، وشذاها الفوَّاح، الذي لا تطيبُ الحياة إلا به.

وفي النصِّ رسالة من عمر، يوجِّهها لكل من أثقلَتْه الذنوب، وأراد أن يطرقَ باب التوبة منها، يعرِّفُ المذنبَ كيف السبيل إلى محو آثار ذنوب الماضي؛ ليبدأ الإنسان مع التوبة عهدًا جديدًا، وحياة جديدة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 49.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.41 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.49%)]