الترف.. مظاهره.. أسبابه.. علاجه محمد حسين يعقوب - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          16طريقة تجلب بها البركة لبيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ألا تشعرين بالحر ؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          المرأة عند الإغريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          القاضي الفارس الفرج بن كنانة وأسد بن الفرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مجموع الأثبات الحديثية لآل الكزبري الدمشقيين وسيرهم وإجازاتهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من مواعظ الإمام سفيان الثوري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أولادنا... هل نستوعبهم؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الشَّبَابُ وَرَمَضَان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          هل في الشر خير؟ دروس من قصة الإفك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-10-2019, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي الترف.. مظاهره.. أسبابه.. علاجه محمد حسين يعقوب

الترف.. مظاهره.. أسبابه.. علاجه
محمد حسين يعقوب



الحمد لله الذي يمحو الزلل ويصفح، ويغفر الخطل ويمسح، كل من لاذ به أنجح، وكل من عامله يربح، تشبيهه بخلقه قبيح وجحده أقبح، رفع السماء بغير عمد فتأمل والمح، وأنزل القطر فإذا الزرع في الماء يُسبح، وأقام الوُرق على الوَرق تشكر وتمدح، أغنى وأفقر والفقر في الأغلب أصلح، كم من غنيِّ طرحه البطر والأشر أقبح مطرح، هذا قارون ملك الكثير وبالقليل لم يسمح، ولِيمَ فلم ينفع لومه: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ)[القصص: 76].
أحمده ما أمسى المساء وما أصبح، وأصلي على رسوله محمد الذي أُنزل عليه: (أَلَمْ نَشْرَحْ)[الشرح: 1] وعلى أبي بكر صاحبه في الدار والغار لم يبرح، وعلى عمر الذي لم يزل في إعزاز الدين يكدح، وعلى عثمان وعليّ وسائر الصحب، وكلٌ رُضي عنهم فأفلح.
أما بعد:
إخوتاه: قال الله - تعالى -: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[هود: 15-16]. وقال الله - تعالى -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)[الإسراء: 18].
قال سعيد بن جبير - رضي الله عنه -: يؤتون ثواب ما عملوا في الدنيا، وليس لهم في الآخرة من شيء.
وقال قتادة - رضي الله عنه -: من كانت الدنيا همه وسدمه، وطلبته ونيته وحاجته، جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة ليس له فيها حسنة، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة.
قال ابن جريج: يعجل لهم فيها كل طيبة، فلم يظلمهم؛ لأنهم لم يعلموا إلا الدنيا.
وههنا خطورة قضية "النعم" فإنَّ المرء قد يعطيه الله -تبارك وتعالى- ويسبغ عليه من الفضل والنعم ما يكون سبب هلاكه، فهي عوض عن أعماله الصالحة في الدنيا حتى يأتي الله ولا حسنة له، فأي مصيبة تعدل ذلك!.
ويرى الناس ذاك المترف فيتمنون ما عنده ليتمتعوا بهذه النعم، كما يتمتع ويتنعم هو بها، ولا يدرون حقيقتها، فإذا تبين لهم قالوا كما قال قوم قارون: (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)[القصص: 28].
ومن هنا تكمن خطورة النظر إلى الأمور بسطحية، وعدم التدبر في الحقائق، ومن هنا دعونا نتأمل هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعاتنا الإسلامية، والتي أودت بكثير من شبابنا، ألا وهي "الترف" وفق منظور إسلامي سلفي صحيح؛ لنبصر خطورة جعل "الرخاء والرفاهية" مقصدًا للشعوب كما يدندن من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وكيف ضاع كثير من شباب الأمة ورجالها تحت بريق هذا الهدف المنشود، ودعونا نفهم عن الله قضية "الفقر والغنى"، ونتعلم كيف نعيش كما يريد الله لا كما نريد نحن، أو يُراد لنا، ونتعلم كيف نستثمر أموالنا وكيف ننفقها.
إخوتاه..
ما المقصود بالترف؟ وما حده؟
أصحاب اللغة يقولون: إنَّ الترَفُ: هو التَّنَعُّمُ، و المُتْرَفٌ: من كان مُنَعَّمَ البدنِ مُدَلَّلاً، وهو: الذي قد أَبْطَرَتْه النعمةُ وسَعة العيْشِ. وأَتْرَفَتْه النَّعْمةُ أَي أَطْغَتْه، وهو: المُتَنَعِّمُ المُتَوَسِّعُ في مَلاذِّ الدنيا وشَهواتِها.
يقول الراغب الأصفهاني: الترف: التوسع في النعمة.
قال الله - تعالى -: (وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[المؤمنون: 33]. وقال - تعالى -: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ)[هود: 116]. وقال - تعالى -: (وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) [الأنبياء: 13]. وقال - تعالى -: (أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَاب) [المؤمنون: 64].
وهم الموصوفون بقوله - سبحانه -: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)[الفجر: 15-16].
فالمترف: من توسع في التنعم بشهوات الدنيا وملذاتها، ومن شأن ذلك أن يؤثر في شخصيته، فتراه مدللاً، يفارق الرجال في القوة والاحتمال، مخنث العزم، مائع الإرادة، فالدنيا عنده كأس وغانية، نهم في طلب شهوات الدنيا، يعيش لنفسه، منطقه: "اليوم خمر، وغدًا أمر"، شعاره: "عش الحياة اليوم فتمتع بكل ما فيها ووقت الله يدبرها الله ".
وهذا الوصف تراه يغلب على شباب الأمة اليوم، الذين ضاعوا أمام تيارات التغريب والغزو الثقافي، الذين نشأوا وسط عالم مادي بحت، فالدين مغيَّب، والدين أفيون الشعوب، والدين مجموعة من الشعائر يؤديها المرء -إن شاء- في بيت العبادة، فلا علاقة للدين بالحياة، والإنسان مخلوق حر، والحرية مكفولة لكل أحد، فلا غضاضة ولا حرج إنْ سارت النساء كاسيات عاريات، ولا شيء في أن يتشبه الرجال بالنساء، ولا مانع من الاختلاط، والزنا بالتراضي لا يدخل في حكم القاضي، ومقصود الإنسان في هذه الحياة هو " الرخاء والرفاهية " ومن أجلها توضع الخطط الحكومية، فهي ضمان السعادة، والمال هو السلاح الأقوى، وقيمة المرء بما في جيبه لا ما يتقنه.
ولعلك تسمع كل يوم هذه الشعارات، ويدندون حولها في جميع وسائل الإعلام، حتى صدقها الناس وصارت كالحقائق التي لا تقبل النقاش، وكل من يخرج عن هذا الإطار فهو متخلف رجعي أصولي متطرف إرهابي، يريد لنا أن نعيش بالطريقة التي لم نخترها، يريد لنا أن نعيش في الكهوف، ونعود للعصور الوسطى، … إلى آخر هذه الطنطنات، التي يرددها من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، من صارت الحياة همَّه وشغله، ونسي أنَّ الحياة دار ابتلاء لا دار إخلاد، فهؤلاء هم الذين أخلدوا إلى الأرض واتبعوا أهواءهم ولم يفكروا فيما بعد الحياة، لم يؤمنوا بالآخرة فلم يعملوا لها، ولسان حالهم: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) [البقرة: 200]، يريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة، وصفهم الله لنا فقال: (ولَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ*ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ*أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ* لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ) [النحل: 106-109].
فلا تتبع: (مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28].
من مظاهر الترف في عصرنا الحالي
إخوتاه.. إلى هؤلاء اللاهين اللاعبين المترفين أقول: قال الله - تعالى -: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 32].
فالترف مفسد أي مفسد! إذ يتعلق قلب صاحبه بالدنيا، وللأسف الشديد إنَّ أكثر الأمة اليوم يعيش ترفًا غريبًا عجيبًا دخيلاً علينا.
فالفقراء يحاولون أن يفتعلوا الترف، ولو في بعض الأشياء، تجده لا يجد إلا قوته الضروري، ولكنه يقتطع منه من أجل أن يقتني المحمول، ويشتري أفخر الأثاث، ويشتري أحدث الأجهزة؛ ليشتري الدش فيدخل الفساد على أهله، ويقره في بيته دياثة، وهذا يقتطع من قوت أطفاله؛ لكي يصيّف هنا أو هناك، والقائمة طويلة تعرفونها جيدًا، وإلى الله المشتكى.
ترف وللأسف الشديد أمر يخجل، فلأجل الله يشح ويبخل، ويقدم لك الاعتذارات لضيق الوقت وضيق ذات اليد و … و… الخ، لكن للدنيا وللشهوات يحارب ويدبر ويفكر.
إنه التنافس على الدنيا، وكأنه لو لم يحصل هذه الأمور سيعيش في الضنك، وسيبلغ به الحرج المدى، ولا والله فما الزيادة في الدنيا إلا زيادة في الخسران.
فالغني يصاب بالبطر والكبر، ويصبح ماله نقمة عليه في الآخرة فيصرخ يوم القيامة: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ*هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الخاطئون) [الحاقة: 28-37].
والفقير يحلق دينه بالحقد والحسد، ناهيك عمَّن يتكبر وهو معوز؛ فيدخل في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم وآله وسلم-: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر))[1].
فرجل كبير السن يزني، وملك يكذب على رعيته ولا يحتاج لذلك، فإذا كذب غش، فهنا -كما يقول العلماء- ضعف الداعي، وتم الفعل، فعظم الوزر، وهذا عائل -أي: فقير- وهو مع هذا مستكبر، فأن يطغى الغني بالمال هذا أمر معروف، قال - تعالى -: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6-7].
لكن فقير يتكبر فلماذا يا عبد الله؟! وكذلك فقير مترف هذا شيء يبغضه الله - تعالى -.
الترف وإفساد الأبناء
إخوتاه.. لا شك أنَّ الترف أفسد أبناءنا، فوجدنا فينا من يتفاخر يقول: أنا لا أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبدًا؛ فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته.
ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده، وأنا أعرف أنَّ العاطفة لها دخل كبير في هذا، بل من لا يستطيع أن يفعل ذلك يظل مهمومًا بهذه الرغبات من الأولاد، والتي لا يستطيع أن يلبيها لهم.
والحقيقة: أنَّ هذا ليس من التربية في شيء، فأنت بذلك تفسد الولد، إننا نفتقد الحكمة في التربية، نفتقد التربية الإيمانية الصحيحة لأولادنا.
لماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بالله، فإذا طلب شيئًا مفيدًا ولم تستطع أن تجيبه فقل له: هيا يا بني! نصلي ركعتين وندعو الله فيهما، فإنَّ الله هو الرزاق، وهو ربنا المدبر لأمورنا، فإذا لم يمنحنا المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد، فاعلم أنَّ هذا ليس مفيدًا لنا الآن؛ لأنَّ الله صرفه عنَّا.
فتعلمه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله))[2]، وليس من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولادك فينشأ الواحد منهم عبد شهواته، كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه فإنَّه إن لم يجده سيسرق ويزنى ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي.
إن لابنك حقًا أعظم من الدنيا، وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار، اللهم نجنا وأولادنا من النار!
قال الله - تعالى -: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون) [التحريم: 6].
إخوتاه.. الجيل المنشود نحتاج فيه إلى صفات " الرجولة "، والرجل الحق لا يعرف الترف.
أخرج الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في سننه وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2668) عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين)).
وهذا محمول على المبالغة في التنعم، والمداومة على قصده، وذلك لأنَّ التنعم بالمباح -وإن كان جائزاً- لكنه يوجب الأنس به، ويُخشى من غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك، والتنعم بالمباح خطر عظيم؛ لأنه يورث المرء ارتياحًا إلى الدنيا وركونًا إليها، ويبعد عن الخوف الذي هو جناح المؤمن.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2879) عن أبي أمامة الحارثي أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البذاذة من الإيمان)).
و(البذاذة): رثاثة الهيئة، وترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس؛ إيثاراً للخمول بين الناس.
وقد جعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعاً وزهداً وكفاً للنفس عن الفخر والتكبر، لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال، وإلا فليس من الإيمان من عرَّض النعمة للكفران، وأعرض عن شكر المنعم المنان، فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها إنما الأعمال بالنيات.
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "اخشوشنوا، وتمعددوا، وانزوا على الخيل نزواً، واقطعوا الركب وامشوا حفاة".
معنى (تمعددوا) أي: اقتدوا بمعد بن عدنان، وتشبهوا به في عيشه بالتقشف، والزموا خشونة اللباس، ودعوا التنعم وزي العجم، ويقال: تمعدد الغلام: إذا شب وغلظ، ويشهد له ما في الحديث الآخر: "عليكم باللبسة المعدّيَّةِ، وامشوا حفاة. فهو حثٌ على التواضع ونهيٌ عن الإفراط في الترفه والتنعم".
وإنَّما كان يأمرهم بالتخشن في عيشهم؛ لئلا يتنعموا فيركنوا إلى خفض العيش، ويميلوا إلى الدعة؛ فيجبنوا ويحتموا عن أعدائهم.
ولعل هذا هو حال الأمة، وهي تواجه أعداءها المتربصين بها، فكثير يؤثر الذل باسم "السلام"؛ لأنَّه ألف حياة الترف والرفاهية، وعاد من اليسير على أمثال هؤلاء التفريط في كل شيء؛ من أجل ضمان أن يعيش كما هو. فالله المستعان على ما يعملون.
إخوتاه.. والشدة هي التي تصنع الرجال، وترويض النفوس يحتاج إلى زجرها وترغيبها على حد سواء، أمَّا أن تعطيها كل شيء، أو تلبي لولدك جميع طلباته فقد وكلته لنفسه، فاللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شاننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
فإنَّه من المهم للغاية أن تتربى أجيالنا على تحمل المشاق، وبذل الوسع في طلب الآخرة، وقد قالت العرب قديماً: وعند الصباح يحمد القوم السُّرى. [3]
قال الشاعر:
ليسَ أمرُ المرءِ سهلاً كله *** إِنَّما الأمرُ سهولٌ وحزونْ
ربما قرَّتْ عيونٌ بشجى *** مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ
تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا *** خابَ من يطلبُ شيئاً لا يكونْ
أيها الأحبة في الله.. موقف لطيف جرى بين عالمين جليلين، فقد اجتمع يومًا ابن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري مع أبي الوليد الباجي الفقيه المالكي، وجرت بينهما مناظرة سنة 440 من الهجرة، فلما انقضت المناظرة قال أبو الوليد الباجي لابن حزم: تعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سرج الحراس.
فأبو الوليد الباجي كان فقيرًا لا يجد مالاً، لا يجد مصباحًا في بيته، فاعتذر لابن حزم؛ لأن قراءته ومذاكرته وطلبه للعلم كان على مصابيح الحراس، فالحراس كانوا يمشون في الليل بمشاعل لحماية البلاد من اللصوص، فكان هو يسير وراءهم يقرأ في الكتاب، ويذاكر على ضوء مصابيح الحراس.
سبحان الله العظيم!! وهذا بقي بن مخلد المحدث المشهور صاحب المسند، وهو أكبر من مسند الإمام أحمد بن حنبل، الشاهد قال لتلاميذه يومًا: أنتم تطلبون العلم!.
إنني كنت أطلب العلم فلا أجد ما أتقوت به؛ فأجمع من على المزابل أوراق الكرنب الخضراء لآكلها، وأتعشى بها، حتى أتي اليوم الذي بعت فيه سراويلي من أجل أن أشتري أوراقًا أكتب بها، وجلست بلا سراويل.
ومن ثمَّ كان السلف رضوان الله عليهم يؤثرون الفقر، ويرونه أفضل لحال المرء، ويبتعدون عن طرائق الترف والمترفين، وكانوا يرون الغنى مضيعة للعلم، وضياع العلم ضياع للدين.
قال ياقوت الحموى: فالغني أضيع لطلب العلم من الفقر.
قال بعض المحققين: كثرة المال وطيب العيش تسد مسالك العلم إلى النفوس، فلا تتجه النفوس إلى العلم مع الترف غالبًا، فإن الغني قد يسهل اللهو ويفتح بابه، وإذا انفتح باب اللهو سد باب النور والمعرفة، فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب، وتعمي البصيرة، وتذهب بنعمة الإدراك، أما الفقير وإن شغله طلب القوت، فقد سدت عنه أبواب اللهو، فأشرقت النفس، وانبثق نور الهداية. والله الموفق والمستعان.
بل كان من سلفنا الصالح من يعد الماء البارد من أعظم المنن التي إن لم يستوفَ شكرها فهي لا تصلح لأمثالهم؛ فيهجرون الشرب من الماء البارد، فنأمل ذلك! وعليها فقس، فبأي آلاء ربكم تكذبون يا معشر المسلمين اليوم؟
إخوتاه.. ومما تقدم نخلص إلى أنَّ ترك الترفه مأمور به شرعًا، وذلك لأنه أنفى للكبر، وأبعد من العجب والزهو والخيلاء والصلف، وهي أمور ذمها الشرع، ومن هنا كان ذلك من صفات الحاج، بل وصفة أهل القيامة فإنَّهم غبر شعث عراة حفاة، ومن ثمَّ جعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان وألحقها بشعبه، فإن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" ولا شك أن الزهو والعجب والكبر أذى في طريق سعادة المؤمن، ولا يماط هذا الأذى إلا بالبذاذة وترك الترفه؛ فلذلك جعلها من الإيمان.
قضية الغنى والفقر من منظور سلفي:
إخوتاه.. في هذا الصدد يحسن بنا أن نفقه عن الله -تعالى- قضية "الفقر والغنى" ونتساءل عن المطلوب من أهل الإيمان في عصرنا، فهل معنى ما ذكرنا أنَّ الغنى شر كله، وأن الفقر أصلح، وعليه فالمقصود أن يكون المؤمن فقيرًا؟!
بطبيعة الحال ليس الأمر كذلك، بل قد يكون الغني الشاكر أفضل عند الله من الفقير الصابر؛ وقد أعطى الله نبييه داود وسليمان الملك والغنى، وكان عبد الرحمن بن عوف من أغنى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو من المبشرين العشرة بالجنة، ناهيك عن ابن المبارك وغيره من سلفنا الصالح.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 121.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 119.67 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]