خطبة عن القناعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وأشهد أن .. ينادي على عباده ويقول:يا بن آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، إذا كنت معافى في بدنك آمناً في سربك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاءوأشهد أن سيدنا .. هو صاحب الحوض ورافع لواء الحمد وأول من يدخل الجنة من الأمم أمة الإسلام، وأول من يدخلها من الأنبياء والمرسلين سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد...فما هي القناعة ؟القناعة هي الرضا بما قسم الله للعبد ،وعدم الحزن على ما فات من الدنيا .وإن من المفاهيم الخاطئة التي يجب تصحيحها توهم تعارض بين الغنى والقناعة ، وهذا خطأ ؛ فالعقل يتصور وجود غني قنوع ، وفقير جزوع . إنّ ديننا -أيها المؤمنون لا يحارب المال ، ولا جمع الثروة قال النبي نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصالح وقال لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَاوقد ثبت عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أنه قال جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فوضعها فِي حِجْرِ النبي ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليوم مرتينوهذا سعد بن أبي وقاص يقول كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي ، فَقُلْتُ إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ ، وَأَنَا ذُو مَالٍ ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ ، فأتصدق بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ لا فقلت بِالشَّطْرِ ؟ فَقَالَ لَا ثُمَّ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امرأتكفالإسلام لا يمنع من أن تملك المال ،ولكنّه يمنع من أن يملكك المال أن يكون المال في قلبك لا في يدك أما من ملك المال وأرضى به ربه ، فهذا ممن مدح الله في كتابه ، ورسوله في سنته .القناعة لها فوائد كثيرة ، فمن ذلك الحياة الطيبةمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فقد فسّر علي والحسن رححمهما الله الحياة الطيبةبالقناعةومن فوائدها أنّ القناعة تجعل صاحبها من الشاكرين قال النبي كن قَنِعًا تكن أشكر الناس.وما ذلك إلا لأن القنوع يفرح بما عنده من رزق ولا ينظر إلى ما في يد غيره فيكون بذلك شاكراً لله بذلك.وبين نبينا أن القنوع من المفلحين فعن عبد اللّه بن عمرو أن رسول الله قال قدأفلح من أسلم ،ورزق كفافًا، وقنَّعه اللّه بما آتاه..ومن فوائد القناعة تحصيل غنى القلب فقد ثبت عن أبي ذر قال قال رسول الله يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قال قلت نعم يا رسول الله فقال فترى قلة المال هو الفقر فقال نعم يا رسول الله فقال إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلبوالقناعة تجعل صاحبها عفيفاً عما في أيدي الناس فكيف السبيل إلى القناعة ؟ كيف يمكن لأحدنا أن يحظى بهذا الخُلُق ؟ الأول أن تتعرف على حقيقة الدنيا وحسبي هنا أن أذكر بحديث خرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟! قَالَ أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟ قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ ،َكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ ؟ فَقَالَ فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ . مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافىً فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها الثانيدعاء الله ادع الله أن يجعلك من القنوعين في الاستخارة علمنا نبينا أن يقول المستخير فيما يستخير ثم رضني بهوهذا دعاء بالقناعة بأحد الأمرين الذين استخرت فيهما .أن تعلم أنّ الله قد قدر أرزاق العباد فما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك وإن من السبل التي تُحقق القناعة في نفوسنا أن ننظر إلى من هو أسفل منّا كما أرشد رسولنا قال انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
|