جراحة الأنف والأذن والحنجرة عند المسلمين إبان العصر الوسيط - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أنوية العلمانيين، وهم يواجهون أعداءهم من أهل القبلة، وحراس العقيدة... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          لفظ (الناس) في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم الطبي و آخر الإكتشافات العلمية و الطبية > الملتقى الطبي

الملتقى الطبي كل ما يتعلق بالطب المسند والتداوي بالأعشاب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-03-2019, 11:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي جراحة الأنف والأذن والحنجرة عند المسلمين إبان العصر الوسيط

جراحة الأنف والأذن والحنجرة














عند المسلمين إبان العصر الوسيط




حسني عبدالحافظ



في نهاية القرن الثامن عشر، وبالتحديد في السابع من نوفمبر 1799م، أصيب جورج واشنطن الرئيس الأمريكي الأول، بتضخم في غُدد الحلق حتى اختنق ومات.





إن مثل هذا التضخم الغددي كان يحتاج إلى تدخل جراحي عاجل، وهذا ما كان أطباء الغرب يخافون منه[1]، فحتى ذلك الحين كانت (الجراحة) من أحقر المهن وأدناها مرتبة، وكانت تمارس في حدود ضيقة من قبل "الحلاقين"؛ ولذا كان يطلق على الجراح في الغرب اسم Surber – Surgeon (حلاق جراح)[2].





هذا، بينما كان الطبيب العربي المسلم، منذ مئات السنين، يواجه مثل هذه الأمراض، وما (اكتشفته) يدعو إلى الفخر والاعتزاز بأجدادنا العلماء، الذين كانوا (أول) من كتب في الجراحة العامة، وفق أسس علمية يعترف بها الطب الحديث، وكان عندهم (شهادة جراح) معترف بها، ولا يحملها إلا من تخطَّى العديد من الاختبارات القاسية، علمية وعملية، وتقول د. زيغريد هونكة: "وكان الجراح يُمتحن في مادتي التشريح وعلم الجراحة، للتأكد من أنه قد درس كتب علي بن العباس، والوقوف على مدى معرفته بأمور معالجة الكسور، وإصلاح الخلل الصحي، وتفتيت الحصى، وإزالة اللوزتين الملتهبتين، وشتَّى الدمامل، ويضع الأعضاء المهترئة"[3].





عرف المسلمون إذًا التخصص الطبي؛ فكان منهم (طبيب العيون)[4]، و(طبيب المسالك البولية والكلى)، و(طبيب الأسنان)، و(طبيب الأمراض الباطنية) ... وكان منهم أطباء نبغوا وتفوقوا في (جراحة الأنف والأذن والحنجرة)، التي هي موضوع دراستنا هذه.





"التخدير" فن عربي أصيل:


وقد كان أجدادنا الجراحون على دراية كبيرة بأن العمليات الجراحية لا مناصَ أمامها من اتخاذ مزيد من الإجراءات والاحتياطات، قبل القيام بها، من أهمها:


اختيار فريق طبي متكامل للمساعدة، وأغلبهم من الأطباء الذين ما زالوا في بداية مشوارهم مع الجراحة.


فريق من الممرضين والممرضات، ويشهد التاريخ أن أول جراح في العالم يكوِّن مثل هذا الفريق هو: أبو القاسم خلف بن عباس القرطبي.





استدعاء مختص التخدير:


وهو رجل متخصص باستحضار المخدر الموضعي المناسب للعملية الجراحية، ولنا وقفة مع التخدير عند المسلمين.





لقد كان المسلمون أول من اخترع ما يسمَّى بالإسفنجة المخدرة، وقد اعترف بأسبقيتهم طائفة من المؤرخين والأطباء المنصفين في الغرب، فهذه المؤرخة الألمانية د. زيغريد هونكة تقول: "في حين أن الحقيقة تقول والتاريخ يشهد أن فن استعمال الإسفنجة المخدرة فن عربي بَحْتٌ، ولم يعرف من قبلهم، وكانت توضع هذه الإسفنجة في عصير بعض النباتات مثل (الزوآن) و(ست الحسن) وغيرهما، ثم تجف في الشمس، ولدى الاستعمال ترطب ثانية، وتوضع على أنف المريض، فتمتص الأنسجة المخاطية ما بها، ويركن المريض إلى نوم عميق يحرره من أوجاع العملية الجراحية"[5].





أما عن أول مخترع لهذه الإسفنجة، فيذكر المامي: "أن ابن زهر كان أول من عرفها"، ولكن مما يؤسف أن (البعض) من ضعاف النفوس في أوربا، ينسبون اختراعها لأحد مواطنيهم، وهو "هيكمان"، ونسوا أو بالأحرى تناسوا فضل ابن زهر.





وكانت الدوائر والمؤسسات المعنية بالتخدير في أوربا، قد أقامت احتفالاً بمناسبة مرور خمسين عامًا على اختراع التخدير الموضعي، وذكرت بإسهاب أسماء مثل: هيكمان ولونج وملز[6]، وتجاهل المحتفلون ذكر طبيبنا المسلم ابن زهر!





وعن التخدير وماهيته يقول الشيخ الرئيس ابن سينا في قانونه: "والتخدير يزيل الوجع؛ لأنه يذهب بحس ذلك العضو، وإنما يذهب بحسه لأحد سببين؛ إما بفرط التبريد، وإما بسمية فيه مضادة لقوة ذلك العضو.





والتخدير من أقواه ما كان من الشوكران وعنب الثلعب، وبزر الخس، والبنج، ومن جملته أيضًا: الثلج والماء البارد"[7].





آلات جراحية:


وقد ابتكر المسلمون الكثير من الآلات الجراحية المهمة، والتي ما يزال بعضها يستعمل على نطاق واسع في المستشفيات الحديثة، مثل: المحقن الطبي (كان العرب يسمونه: الزرافة)، والحقنة الشرجية، وأنابيب التغذية الصناعية، والقسطرة، والمقص (الطبي)، كما ابتكروا أنواعًا عديدة من المشارط، والمساير، والمجارد، والسنانير... وكذا منظار المهبل، والجفت ... وغيرها كثير.





وقد جاء في الموسوعة الطبية الموسومة بـ (التصريف لمن عجز عن التأليف) التي ألفها أبو علم الجراحة الحديثة (الزهراوي)، أكثر من مائة وتسعين اسمًا ورسمًا لآلات جراحية، كان المؤلف يستخدمها أثناء إجراء العمليات الجراحية.





وحيث إننا نتحدث عن جراحة الأنف والأذن والحنجرة عند المسلمين، فمن الجدير بالذكر التعريف ببعض الآلات التي كانت تستعمل في ذلك:


منظار الأذن.


جفت الأذن.


المدسات.


مقصلة اللوز.


ملعقة الكشف عن الحلق.





أنبوبة القصبة الهوائية، وكان المسلمون يصنعونها من الذهب، وأحيانًا من الفضة، وهي مهمة جدًّا في إنقاذ المرضى من حالات الاختناق، كالتي حدثت لرئيس أمريكا جورج واشنطن، وما زال الطب الحديث يستعين بهذه الأنبوبة - العربية الأصل - في إنقاذ مرضى الاختناق، وكذا في توصيل الغازات المخدرة والأكسجين إلى صدر المريض أثناء إجراء العملية الجراحية، وإن كانت تصنع الآن من البلاستيك أو المطاط[8]، وعن هذه الأنبوبة وفضل المسلمين وأسبقيتهم إلى اختراعها يقول الطبيب الأوربي (سيرير): "والغريب أن يغالط أطباء الغرب في تاريخ الطب، وينسبوا فَضْلَ هذا الاختراع إلى أنفسهم؛ إذ يدعي كل من (مالك أيوين) و(إيزسنجر) أنهما اخترعا هذه الأنبوبة سنة 1847 م".





لقد كان المسلمون على دراية كبيرة بأن الهواء الجوي يحتوي على أنواع متباينة من الميكروبات الضارة؛ لذا فقد كان أجدادنا الأطباء يقومون بتعقيم آلاتهم الجراحية قبل استعمالها تعقيمًا جيدًا، وذلك باستعمال مادة (الصفراء) التي أثبت الطب الحديث فائدتها وأهميتها في قتل عشرات الأنواع من الميكروبات الضارة.





عملية اللحمة Nasal Polgp:


ومن العلل والأمراض التي برع أجدادنا الأطباء في علاجها: أنواع مختلفة من إصابات الأنف، التي كانت تعالج بإحدى طريقتين:


الأدوية والعقاقير.


التدخل الجراحي.





فهذا أبو القاسم الزهراوي، الذي شُهد له بالنبوغ والعبقرية بوصفه أول من وضع علم الجراحة على أسس ومبادئ مستقلة، مستمدة من التشريع، قد برع في علاج عفونة وقروح الأنف، وكذا حكة وجفاف الأنف، والجيوب الأنفية، وكان له طرق دقيقة في جراحة الأنف المشوه.





ومن العمليات الشهيرة التي نجح عدد كبير من أجدادنا الأطباء في علاجها: عملية استئصال اللحم النابت في الأنف (اللحمية Nasal polgp)، وكان من بين أشهر الأطباء الذين أجروا هذه العملية: محمد بن زكريا الرازي، الذي ذكر تفاصيلها في مؤلفاته الطبية، وكذلك الشيخ الرئيس ابن سينا، والزهراوي.





وإليك ما قاله الزهراوي بلفظه عن خطوات إجراء العملية:


"وقد تنبت في الأنف لحوم مختلفة زائدة، منها شيء يشبه العقربان الكثير الأرجل، ومنها ما يكون لحمًا سرطانيًّا متحجرًا كمد اللون، ومنها ما يكون لحمًا لينًا كمد اللون، فما كان من هذه اللحوم لينة وليست بخبيثة ولا سرطانية، فينبغي أن تجلس العليل بين يديك مستقبلاً الشمس، وتفتح منخره، وتلقي السنارة في تلك اللحوم، ثم تجذبها إلى خارج، ثم تقطع ما أدركت منها بمبضع لطيف حادٍّ من جهة واحدة، حتى تعلم أن اللحم كله قد ذهب، فإن بقي منها شيء لم تسطع قطعه، فاجرده بأحد الآلات اللطاف برفق؛ حتى لا يبقى منه شيء، فإن غلبك الدم أو عرض ورم حاد قابله بما ينبغي، أو كان من الأورام الخبيثة، فبادر وَاكْوِهِ؛ حتى ينقطع الدم، وتذهب جميع اللحوم، ثم تلقي في الأنف خلاًّ، فان انفتح الأنف، وسلكت منه الرطوبة إلى الحلق، فاعلم أنه قد برئ، فإن لم تنفذ الرطوبة على ما ينبغي، فاعلم أن داخله لحمًا نابتًا في أعلى العظام المتغلغلة لم تصل الآلة بالقطع إليها، فحينئذٍ ينبغي أن تأخذ خيطًا من كتان له بعض الغلظ، وتعقد فيه عقدًا كثيرًا، وتجعل بين كل عقدة قَدْر إصبع أو أقل، ويتحيل العليل بدس طرف الخيط الواحد في أنفه بمرود أو بما أمكنه بعد أن يصنعه مثل الزر، ويجذب ريحه حتى يصل إلى الخيشوم، ويخرج إلى حلقه، وهو أمر سهل على من أراده، ثم تجمع طرفي الخيط، الطرف الخارج من الفم، والآخر الذي بقي في الأنف، ثم تستعمل نشر اللحم بالعقد التي في الخيط، تفعل ذلك حتى تعلم أن اللحوم قد تقطعت بعقد الخيط، ثم تخرج الخيط ويصير في الأنف - بعد مسح الدم - فتيلة قد شربتها في المرهم المصري، تفعل ذلك ثلاثة أيام أو أكثر حتى يأكل المرهم جميع ما بقي من اللحوم، ثم تصير آخر شيء في الأنف أنبوبة أيامًا حتى يبرأ، فإن احتاج إلى علاج يجفف استعملت ذلك"[9].





وقد كان ابن سينا يسمي اللحم النابت في الأنف باسم (بواسير الأنف)، وهو يصنفها إلى نوعين: نوع يمكن علاجه بسهولة، ونوع آخر يحتاج إلى تدخل جراحي دقيق وفوري، وعن ذلك يحدثنا فيقول بلفظه:


"أما البواسير، فهي لحوم زائدة تنبت، فربما كانت لحومًا رخوة بيضاء، ولا وجع معها، وهذه أسهل علاجًا، وربما كانت حمراء، وكمدة شديدة الوجع، وهذه أصعب علاجًا، لا سيما إذا كان يسيل منها صديد منتن"[10].





أمراض الأذن:


وقد نجح الأطباء المسلمون في علاج الكثير من علل الأذن؛ فقد عالجوا بنجاح حكة الأذن، عن طريق (قطرة) استحضروها من (ماء الأفشنين) الممزوج بالقليل من الدهن، كما عالجوا نزيف الأذن، وتحايلوا في استخراج الماء الداخل إلى الأذن أثناء الاستحمام، واستعملوا في ذلك آلات اخترعوها خصيصى لهذا الغرض.





وكتبوا مباحث ودراسات قيمة حول أثر الضوضاء على السمع، والجهاز السمعي، وتحدثوا عن الأورام التي قد تصيب الأذن الوسطى، ومما قالوه عن هذه الأورام: "هذه الأورام من جنس الأورام الحادثة في اللحوم الرخوة، وخاصة اللحوم الغددية ويُسَمَّى (بنات الأذن)، وربما بلغ أحيانًا من شدة ما يؤلم أن يقتل"[11].





ونجح أجدادنا الأطباء في علاج انسداد الأذن، نتيجة دخول أجسام غريبة أو أوساخ إليها... واستعملوا لهذا نوعًا من (القطرة) كانت تستحضر من دهن اللوز وبعض الأعشاب الطبية، وفي أحيان كثيرة كانوا يتحايلون في استخراج هذه المواد والأوساخ بآلات خاصة لذلك، منها: جفت الأذن؛ وهو عبارة عن ذراعين، تنتهيان بقاعدة، ويتوسطهما أنبوبة أسطوانية دقيقة بإمكانها (شفط) - أي جذب - وسحب أي جسم غريب إلى خارج الأذن.





وقد تمكنوا أيضًا من إزالة (الصفاق) - الجلد الباطن تحت الجلد الظاهر، وغشاء ما بين الجلد والأمعاء - بالتدخل الجراحي ... ونجحوا في استئصال اللحم الزائد الذي قد يوجد في مجرى القناة السمعية فيتسبب في انسدادها.





ويحدثنا ابن سينا عن كيفية تخليص الأذن من هذه الأجسام الغريبة الزائدة، فيقول:


"وقد تكون هذه السدة في الحلقة لغشاء مخلوق على الثقب، وقد تكون لوسخ، وقد تكون لدم جامد، وقد تكون للحم زائد أو ثؤلول، وقد تكون لحصاة أو نواة تقع فيها، أو حيوان يدخلها فيموت.





أما ما كان من صفائق، أو لحم يسد المجرى في الأصل الخلقي، فالغائر منه أصعب علاجًا، والظاهر أسهل، وأما الباطن فيحتال له بآلة دقيقة تقطعه ثم تمنع الأدمال على ما نقوله عن قريب، وإن كان ظاهرًا فينبغي أن يشق بالسكين الشوكي، الذي يقور به بواسير الأنف، ثم يقطر بما يمنع نبات اللحم، وأما إن كانت السدة من شيء نشب فيه فيجب أن يقطر الدهن في الأذن، مثل دهن الورد أو السوسن أو الخيري، وإن كان ذلك الناشب مثل حيوان مات فيها فيصب فيها من الأدهان ما يفسخه، ثم يخرج بمنقبة الأذن برفق"[12].





استئصال اللوزتين:


وقد برع الكثير من أجدادنا الأطباء في علاج اللوزتين الملتهبتين، واستئصالهما، ووضعوا حول هذا الأمر دراسات ومباحث مهمة، ظلت مرجعًا وعمدة في كليات الطب الأوربية لعدة قرون.





وهذا هو الطبيب والجرَّاح المسلم علي بن عباس يحدثنا عن (أعراض) التهاب اللوزتين، فيقول:


"التهاب اللوزتين إذا عظم وطالت مدته وعسر على صاحبه البلع، ولم تنجح فيه الأدوية والغرغرة، وما يجري هذا المجرى، فيجب أن يستعمل فيها القطع"[13].





وهذا الكلام يقرره الجرَّاح الشهير ابن القف، كما أنه يضيف إليه قوله:


"أما ورم اللوزتين، فإذا حصل فيهما ورم، وطالت مدته، وعسر على صاحبه البلع، وضاق النفس، ولم يَزُل ذلك بما يعالج به الطبائعي، فاسْتَعْمِلِ العلاجَ بالحديد (يقصد الكي)، غير أنه يجب أن تقيم العليل قبالة الشمس، فإن رأيت لون الدم كمدًا أو أسود وقوامه صلبًا، وهو قليل الحس أو عديمة، فهو سرطان؛ فلا تتعرض له بالحديد، كذلك إن كان لونه أحمر، وألمه قويًّا، وأصله غليظًا، فإنه أيضًا في مثل هذه الصورة لا تتعرض له بالحديد، بل يترك إلى حين يكمل نضجه، ويبط، ويخرج جميع ما فيه من المادة، وأما إن كان لونه أبيض وقد حصل فيه استدارة، ودق أصلها، والحرارة هادئة، ففي مثل هذه الحالة استعمل العلاج بالحديد"[14].





ويحدثنا الزهراوي عن طريقته في استئصال اللوزتين، فيقول: "قد تَعرِض في الحَلق غدد تشبه الغدد التي تعرض في خارج، تسمَّى: لوزتين، إذا عالجتهما بما ذكرت في التقسيم فلم تبرأ، فانظر فإن كان الورم أبيض اللون مستديرًا، وكان أصله رقيقًا، فهذا الذي ينبغي أن يقطع، والعمل فيه: انتظر قبل العمل، إذا كان قد سكن ورمه الحار سكونًا تامًّا، أو نقص بعض النقصان، فحينئذٍ أَجلسِ العليل بحذاء الشمس، ورأسه في حجرك، وتفتح فمه، وتأخذ خادمًا بين يديك فيكبس لسانه إلى أسفل، بآلة تصنع من فضة أو نحاس، تكون رقيقة كالسكين، فإذا كبست بها اللسان وتبين لك الورم، ووقع عليه بصرك، فخذ صنارة واغرزها في اللوزة، وتجذبها إلى خارج ما أمكن من غير أن تجذب معها شيء من الصفاقات، ثم تقطعها بآلة تصنع من الحديد الهندي، أو الفولاذي الدمشقي، فإن لم تحضر هذه الآلة فاقطعها بمبضع حاد من جهة واحدة، وغير حاد من الجهة الأخرى، وبعد أن تقطع اللوزة الواحدة تقطع الأخرى على هذا النحو من القطع بعينه، ثم بعد القطع فتغرغر العليل بماء بارد، أو بخل وماء، فإن عرض له نزيف دم تغرغر بماء قد أُغلِي فيه قشور الرمان، أو ورق الآس، أو نحو ذلك من القوابض حتى ينقطع النزيف، ثم تعالجه حتى يبرأ"[15].





جراحة الحنجرة:


خصص الطبري مقالة كاملة في كتابه المعنون: "فردوس الحكمة" شرح فيها بإسهاب أمراض الحلق، والحنجرة، والصدر ...، وذكر كل مرض على حدة، وتحدث عن كيفية تشخيصه سريريًّا (أكلينيكيًّا)، وطرق علاجه، والوقاية منه ... وإن أكثر الموضوعات أهمية ما يتعلق بتشخيص الاختناق، والوقت المناسب للتدخل الجراحي.





كما ذكر ابن زهر، في كتابه: "التيسير في المداواة والتدبير"، الخطوات العملية التي يجب اتباعها عند البدء في علاج الاختناق، ومما ذكره هذا الطبيب الجرَّاح المسلم الحاذق، أنه لم يكن يجري أي عملية جراحية جديدة على الإنسان إلا بعد أن يجربها على أحد الحيوانات، ويحدثنا هو عن ذلك فيقول: "شققت قصبة عنزة، بعد أن قطعت الجلد والغشاء الذي تحته، وقطعت منه جوهر القصبة قطعًا صغيرًا، ثم التزمت غسيل الجرح بالماء والعسل حتى التأم، وأفاق إفاقة كلية، وعاش بعدها مدة طويلة"[16].





وكان الزهراوي يجري عملية شق القصبة الهوائية (تراكيو تومي) بنجاح كبير، ويذكر في موسوعته (التصريف لمن عجز عن التأليف) الطريقة التي كان يتبعها عند إجراء هذه العملية، فيقول:


"وأما الذين بهم ورم حار في الفم أو الحلق أو اللوزتين، فإذا لم تكن علة في القصبة توجب استعمال شق الحنجرة للهرب من التعطب الذي يكون من الاختناق، فينبغي إذا أردنا ذلك أن نشق الحنجرة تحت ثلاث دوائر من القصبة أو أربع، شقًّا صغيرًا بالعرض، فيما بين دائرتين، بقدر ما يكون الشق في الصفاق، لا في الغضروف، وهذا الموضوع موافق الشق؛ لأنه عديم اللحم، وأوعية الدم منه بعيدة، فإن كان المعالج جبانًا؛ فينبغي أن يمد جلدة الحلق بصنارة، ثم يشق الجلد، حتى إذا صار إلى القصبة جنب أوعية الدم - إن رأى منها شيئًا - ثم يشق الصفاق الذي وصفناه، ويستدل على شق القصبة من البلغم الذي يخرج منها، ويترك الجرح مفتوحًا زمانًا، فإذا زال الوقت الذي كان يتخوف فيه الاختناق، جمعت شقتي الجرح من الجلد وخِطتَه وحده من غير الغضروف، ثم تستعمل الأدوية التي تنبت اللحم إلى أن تبرأ"[17].





ويرجع للأطباء المسلمين الفضلُ في كونهم أولَ من وصف مرض تصلب الرقبة[18]، كما أنهم نجحوا في استئصال أكياس الغدة الدرقية[19]، ودوَّنوا رسائل مهمة خصوا بها أعصاب الحنجرة وعضلاتها[20]، وقد أثبتوا - لأول مرة في تاريخ الطب - أن غضاريف القصبة الهوائية يمكن أن تلتئم تمامًا بعد إجراء عملية جراحية فيها.






[1] كانت الكنيسة آنذاك تحرم ممارسة الجراحة.




[2] د. توفيق الطويل: في تراثنا العربي الإسلامي - ص: 35.




[3] د. زيغريد هونكة: أثر الحضارة العربية في أوربا - ص: 238.




[4] حسني عبدالحافظ (الكاتب): المسلمون وطب العيون.

(مجلة منار الإسلام - س 10 - ع 7 - ص:60 - رجب 1405 هــ).




[5] د. زيغريد هونكة: سابق - ص: 279 - 280.




[6] م. دنكام: تطور التخدير بالاستنشاق - مطبعة أكسفورد - لندن 1947 (نقلاً عن مجلة الفيصل الطبية - عدد 11 - ربيع الثاني 1405 هــ).




[7] الشيخ الرئيس ابن سينا: القانون في الطب (الكتاب الأول - في الأمور الكلية في علم الطب - الفن الرابع - الفصل الحادي والثلاثون - في تسكين الأوجاع).




[8] مجلة الفيصل الطبية - سابق - ص: 42.




[9] أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي: التصريف لمن عجز عن التأليف (كتاب الجراحة - الفصل الرابع والعشرون - في علاج اللحم النابت في الأنف).




[10] الشيخ الرئيس: سابق - (الكتاب الثالث - في الأمراض الجزئية الواقعة بأعضاء الإنسان عضوًا عضوًا من الفرق إلى القدم ظاهرها وباطنها - الفن الخامس - المقالة الثانية - فصل في بواسير الأربيان في الأنف)




[11] نفسه: الكتاب الثالث - الفن الرابع - فصل في الأورام التي تحدث في أصل الأذن.




[12] نفسه: الكتاب الثالث - الفن الرابع - فصل في السدة المعارضة في الأذن.




[13] علي بن عباس: كامل الصناعة الطبية - ج: 2 - ص: 462.




[14] ابن القف: العمدة في الجراحة - ج 2 - ص: 198.




[15] الزهراوي: السابق - الفصل السادس والثلاثون - في علاج اللوزتين.




[16] ابن زهر: التيسير في المداواة والتدبير - ص: 148.




[17] الزهراوي: السابق - الفصل الثالث والأربعون - شق الحنجرة عن ورم يحدث داخل الحلق.




[18] هونكة: السابق - ص:271.





[19] بول غليونجي: ابن النفيس - ص: 64.




[20] د. الطويل: السابق - ص: 225.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.02 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]