النوازل الأصولية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 16-04-2019, 09:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي النوازل الأصولية

النوازل الأصولية

أ.د.أحمد بن عبد الله الضويحي*

المقدمـة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:
فإن من سنن الله القائمة في هذا الكون تبدل الأحوال وتغير الظروف، فلكل عصر أدواته ووسائله، ولكل أهل زمان عاداتهم وأعرافهم الخاصة، وقد تميز هذا العصر عن العصور السابقة بالتطور المادي الكبير الذي شمل كافـة نواحي الحياة، وبخاصة في مجال العلـوم والتكنولوجيا، حيث نشهد هذه الأيام ثورة عارمة وتقدماً مذهلاً في وسائط الإعلام والاتصال وتقنية المعلومات، إلى درجة أن المرء بات عاجزاً عن ملاحقة ما يستجد في هذا المجال.
وكان لانتشار هذه الوسائل دور هام في تيسير أمور الناس وقضاء احتياجاتهم، فصاروا يعتمدون عليها في أغلب شئون حياتهم، ولم يعد بإمكان أحد الاستغناء عنها في هذا الزمن، وقد أفرز هذا التطور جملة من النوازل والمسائل الجديدة التي تتطلب من علماء الشريعة بذل الجهد واستفراغ الوسع في استنباط أحكامها، وإذا كانت النوازل الفقهية قد حظيت باهتمام علماء العصر فانبروا للتنظير لها، وبيان المنهج الشرعي في استنباط أحكامها ، وبذل الوسع في بيان حكم ما وقع منها، فإن هنالك نوازل أخرى تتعلق بمسائل أصولية لم تحظ بما تستحقه من البحث والدراسة، مع كونها لا تقل أهمية عنها.
لهذا السبب وغيره فقد وقع اختياري على هذا الضرب من النوازل ليكون موضوع هذا البحث المختصر، وسميته : "النوازل الأصولية"، عله أن يكون النواة الأولى لأبحاث ودراسات مستفيضة في هذه المسألة المهمة.
أهمية الموضوع:
تبرز أهمية هذا الموضوع من خلال ما يأتي :
1 – أنه يظهر كمال الشريعة الإسلامية، وقدرتها على استيعاب كافة المستجدات والحـوادث، فإنهـا امتازت عن الشرائع السماوية والقوانين الأرضية بكونها صالحة لكل زمان ومكان.
2 – أنه يتعلق بعلم أصول الفقه، هذا العلم العظيم الذي جعلت المعرفة به شرطاً من شروط الاجتهاد والفتوى.
3 – أنه يسلط الضـوء على أهم المسائل الأصولية التي يمكن أن يتغير الاجتهاد فيها بناءً على تغير الأحوال وتبدل الظروف، والضوابط الشرعية اللازمة لذلك، ومن هنا يتبين الفرق الشاسع بين فكرة النوازل الأصولية ودعاوى التجديد الجانحة التي يروج لها بعض المسلمين في هذا العصر، وهي مسألة حظيت بدراسات وبحوث مستفيضة كشفت زيف هذه الدعاوى وبطلانها[1].
4 – حاجة الناس الماسة إلى بيان أحكام هذه النوازل، خصوصاً بعد انتشارها ، واعتماد أغلب المسلمين عليها، وكونها واقعاً لا مفر منه.
الدراسات السابقة:
سبق القـول بأن هذا الموضوع لم يحظ بما يستحقه من البحث والدراسة، فلا يوجد – حسب علمي- دراسة مستقلة تناولت هذه القضية المهمة، غير أنه لابد من الإشارة هنا إلى وجود بعض الدراسات والبحوث المتصلة بهذا الموضوع، ولعل من أبرزها ما يأتي:
1 – كتاب منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، تأليف/ الدكتور: مسفر بن علي بن محمد القحطاني[2].
وهو عبارة عن دراسة نظرية تطبيقية افتتحها الباحث بفصل تمهيدي أشار فيه إلى ثبات أحكام الشريعة الإسلامية وشمولها، والتعريف بفقه النوازل، وبيان نشأته، وأهميته، وحكم النظر فيه، ثم عقد فصلاً ثانياً في الأحكام المتعلقة بالناظر في النوازل ، وثالثاً في ضوابط النظر فيها، ورابعاً في طرق التعرف على أحكامها، واختتم البحث بفصل خامس تضمن أهم التطبيقات الفقهية لاستخراج أحكام النوازل الفقهية.
وهذا البحث -في نظري – من أجود ما كتب في موضوع النوازل الفقهية في الجانبين النظري والتطبيقي، غير أن الباحث لم يتطرق فيه إلى شيء من النوازل الأصولية لأن اهتمامه كان منصباً على الجانب الفقهي.
2 – التقعيد الأصولي لدراسة النوازل الفقهية، وهو بحث مختصر من إعداد الدكتور/ سعد بن ناصر الشتري، وقد بين فيه أهم المسائل الأصولية التي ينبني عليها النظر في النوازل الفقهية، بعد أن مهد للموضوع ببيان حقيقة النوازل الفقهية وأنواعها، ومن أهم المسائل التي تناولها الباحث : أحكام الاختلاف الاجتهادي في النوازل، وآداب المفتي والمستفتي فيها، وحكم الاستفتاء فيما لم يقع، لكنه لم يتعرض إلى شيء من النوازل المتعلقة بالمسائل الأصولية.
3 – الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية، تأليف الدكتور/ عبدالرحمن بن عبدالله السند[3]، وقد افتتحه الباحث ببيان المقصود بتقنية المعلومات، وأهميتها، وخصوصيتها، ثم عقد باباً في ملكية تقنية المعلومات واستخدامها، وآخر في إبرام العقود عبر وسائل التقنية الحديثة، وثالثاً في الجرائم المتعلقة بتقنية المعلومات، والبحث كما يظهر من عنوانه يعنى ببيان الأحكام الشرعية للنوازل الفقهية المتعلقة باستخدام الحاسب والتقنيات الإلكترونية، ولم يشر فيه الباحث من قريب ولا من بعيد إلى أحكام النوازل الأصولية التي ظهرت تبعاً لانتشار هذه التقنية في عصرنا الحاضر.
4 – أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي وهي رسالة دكتوراه في قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من إعداد الباحث/ هشام بن عبدالملك بن عبدالله آل الشيخ، وقد مهد الباحث لموضوعه ببيان العلاقة بين التقنية الحديثة والخلاف الفقهي، وأسباب وجود المسائل الخلافية عند الفقهاء، وجهود الفقهاء عامة والمجامع الفقهية خاصة في حل القضايا النازلة، وموقف الشرع المطهر من التقنية الحديثة، والقواعد الفقهية المتعلقة بتغير الأحكام لتغير الأحوال، ثم قسم البحث على أبواب الفقه مبيناً الأحكام المتعلقة بالتقنية الحديثة في كل باب، ولم يتطرق الباحث إلى أثر التقنية الحديثة في المسائل الأصولية.
هذا وأسأل الله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقنا جميعاً السداد في الأقوال والأعمال، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
حقيقة النوازل الأصولية والمنهج الشرعي في استنباط أحكامها
ويتضمن ثلاثة مطالب :
المطلب الأول
حقيقة النوازل
أولاً : معناها في اللغة .
النوازل – في اللغة- جمع نازلة، وهي : المصيبة الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس[4]، وأصلها من الفعل "نزل" بمعنى : هبط ووقع.
قال ابن فارس ت395هـ :- "النون والزاء واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه، ونزل عن دابته، ونزل المطر من السماء نزولاً، والنازلة: الشديدة من شدائد الدهر تنزل"أ-هـ[5].
ثانياً : معناها في الاصطلاح .
تطلق النوازل في عرف حملة الشرع على ثلاثة أمور :
1 – المصائب والشدائد التي تنزل بالأمة فيشرع لها القنوت[6].
قال الإمام الشافعي ت204هـ : "ولا قنوت في شيء من الصلوات إلا الصبح إلا أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات كلهن إن شاء الإمام"أ-هـ[7].
2 – المسائل والوقائع التي تحتاج إلى النظر والاجتهاد لاستنباط حكمها، سواء كانت متكررة، أو نادرة الحدوث، وسواء كانت قديمة أو جديدة.
يقول الإمام الشافعي ت204هـ : - "كل حكم لله أو لرسوله وجدت عليه دلالة فيه أو في غيره من أحكام الله أو رسوله بأنه حكم به لمعنى من المعاني، فنزلت نازلة ليس فيها نص حكم: حكم فيها حكم النازلة المحكوم فيها إذا كانت في معناها"أ-هـ[8].
وعبارة الشافعي هذه تدل على أن هذا المصطلح يطلق على كل مسألة أو واقعة، وذلك لأنه عبر به مرة عن المسألة المحكوم فيها، ومرة أخرى عن المسألة الجديدة التي يراد استنباط حكمها.
ونظيره قول ابن حزم ت456هـ - في ثنايا كلامه عن إبطال القياس-: "لكن حسبنا أننا نقطع بأن الله تعالى بين لنا كل ما يقع من أحكام الدين إلى يوم القيامة فكيف ونحن نأتيكم بنص واحد فيه كل نازلة وقعت أو تقع إلى يوم القيامة..."أ-هـ[9].
3 – الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.
يقول الإمام مالك ت177هـ :-"أدركت هذا البلد وما عندهم إلا الكتاب والسنة فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه"أ-هـ[10].
ويقول الشافعي ت204هـ :- "وليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"أ-هـ[11].
ولابن حزم 456هـ عبارة قريبة من هذه[12].
ويقول – وهو يتحدث عن قياس الشبه- : "وذلك أن تنزل نازلة تحتمل أن تقاس فيوجد لها في الأصلين شبه" أ-هـ[13].
ويقول ابن عبدالبر ت463هـ – وهو يتحدث عن المنهج الواجب اتباعه في استنباط حكم النوازل - : "وفيه دليل على أن الإمام والحاكم إذا نزلت به نازلة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة كان عليه أن يجمع العلماء وذوي الرأي ويشاورهم"أهـ[14].
وقال ابن القيم ت751هـ - وهو يتحدث عن مشروعية تقليد العامي للعالم-: "وقد علم الله سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق، فهل فرض على كل منهم فرض عين أن يأخذ حكم نازلته من الأدلة الشرعية بشروطها ولوازمها؟..."أ-هـ[15].
وهذه المعاني وإن كانت جميعها متداولة على ألسنة علماء الشريعة، إلا أن المعنى الثالث هو الأكثر شيوعاً على ألسنة الأصوليين، وهو الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق هذا المصطلح[16]، وعليه تدور أغلب تعريفات الباحثين المعاصرين[17].
العلاقة بين المعاني الاصطلاحية والمعنى اللغوي :
سبق القول بأن النازلة في اللغة هي المصيبة الشديدة من مصائب الدهر تنزل بالناس، ومن تأمـل المعـنى الاصطلاحي أدرك وجه العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي، فإن وقع الحوادث والوقائع الجديدة على المجتهد كوقع الشدائد على عامة الناس من حيث كونها مفاجئة له، وتتطلب منه أن يبذل وسعه ويستفرغ طاقته لاستنباط حكمها، لكونها لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.
ثالثاً : الألفاظ ذات الصلة بهذا المصطلح .
إن المتأمل في كتب علماء الشريعة يجد أنهم قد يعبرون عن النوازل بأسماء ومصطلحات أخرى، ومن أشهرها ما يأتي :
1 – الحوادث، وهو مصطلح شائع وبخاصة على ألسنة الأصوليين والفقهاء[18].
يقول الأزهري ت370هـ :- "الحدث من أحداث الدهر شبه النازلة"أ-هـ[19].
قال الجصاص ت370هـ - وهو يبين أحكام قوله تعالى : {لعلمه الذين يستنبطونه منهم}[20]- : "وفي هذه الآية دلالة على وجوب القياس واجتهاد الرأي في أحكام الحوادث"أ-هـ[21].
وقال الشيرازي ت476هـ :- "وقد كان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم في الحوادث بالاجتهاد"أ-هـ[22].
وقال العدوي : "قوله : والحوادث : أي وفي أحكام الحوادث أي النوازل "أ-هـ[23].
قال السرخسي ت490هـ :- "وفي تسميته حادثة إشارة إلى أنه لا نص فيها، فإن ما فيه النص يكون أصلاً معهوداً"أ-هـ[24].
2 – الوقائع، وهو كذلك مصطلح دارج على ألسنة حملة الشرع[25]، ومفرده واقعه.
قال ابن منظور ت711هـ : - "الواقعة الداهية، والواقعة النازلة من صروف الدهر"أ-هـ[26].
وقال الرازي ت606هـ – وهو يبين حكم تعلم أصول الفقه - : "تحصيل هذا العلم فرض والدليل عليه أن معرفة حكم الله تعالى في الوقائع النازلة بالمكلفين واجبة، ولا طريق إلى تحصيلها إلا بهذا العلم"أ-هـ[27].
وقال ابن كثير ت774هـ – وهو يتحدث عن نزول القرآن - : "إنما نزل منجماً في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث وما يحتاج إليه من الأحكام"أ-هـ[28].
3 – المسائل أو القضايا المستجدة .
قال الصنعاني ت1182هـ : - " قد قام الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم وأئمة الإسلام وفقهاء الأمة بالاجتهاد في المسائل المستجدة في عصورهم"أ-هـ[29].
وهذا المصطلح غالباً ما يعبر به الفقهاء المعاصرون[30].
المطلب الثاني
المنهج الشرعي في استنباط أحكام النوازل
من الأمور المقررة عند أكثر الأصوليين أن النصوص قليلة ومتناهية، والحوادث كثيرة، وغالبها لم يرد بشأنه نص[31].
يقول الجويني ت478هـ :- "نحن نعلم قطعاً أن الوقائع التي جرت فيها فتاوى علماء الصحابة وأقضيتهم تزيد على المنصوصات زيادة لا يحصرها عدد ولا يحويها حد... والأخبار المشتملة على الأحكام نصاً وظاهراً بالإضافة إلى الأقضية والفتاوى كغرفة من بحر لا ينزف"أ-هـ[32].
ويقول السرخسي ت490هـ: "ومعلوم أن كل حادثة لا يوجد فيها نص، فالنصوص معدودة متناهية ولا نهاية لما يقع من الحوادث إلى قيام الساعة"أ-هـ[33].
وقد عرف المسلمون النوازل منذ فجر الإسلام، فكانوا إذا نزلت بهم واقعة يهرعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيبين لهم حكمها بالوحي.
وقد يلجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاجتهاد في المسائل التي لم ينزل عليه فيها شيء باتفاق أكثر الأصوليين[34].
يقول ابن القيم ت751هـ :- "وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين"أ-هـ[35].
ويقول الشيرازي ت476هـ : "وقد كان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم في الحوادث بالاجتهاد"أ-هـ[36].
ويقول الشوكاني ت1250هـ – بعد ذكره لحديث "إنكم تختصمون إلي"[37]-: "وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء، وخالف في ذلك قوم، وهذا الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم"أ-هـ[38].
ولم يشرع الاجتهاد والنظر والقياس إلا من أجل الوفاء بأحكام الحوادث والنوازل.
وقد سار الصحابة على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانوا يجتهدون في النوازل بقدر وسعهم، وكان نظرهم فيها يقوم على التبصر والحكمة والمشورة، ولذا كان الاختلاف فيما بينهم قليلاً[39].
ويمكن القول بأن المنهج الشرعي الصحيح في استنباط حكم النوازل يقوم على الأسس الآتية :
1 – البحث عن حكمها في المصادر المتفق عليها.
فينظر المجتهـد في الكتاب أولاً، فإن لم يجد فينظر في السنة، فإن لم يجد فتش عن إجماع سابق[40].
فهذا هو المنهج المعتبر في البحث عن الأحكام، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ المشهور[41]، وبينه جمع من الصحابة الكرام، كأبي بكر، وعمر -في كتابه إلى أبي موسى الأشعري، وفي كتابه إلى شريح -، وابن عباس، وابن مسعود، وغيرهم[42].
والنظر في الأدلة على وفق هذا الترتيب لا يعني الاكتفاء بالدليل الواحد منها وغض النظر عن بقية الأدلة، بل لابد للمجتهد أن ينظر إلى الدليل نظراً شمولياً بحيث يدرك وجه العلاقة بينه وبين الأدلة الأخرى، فينظر إلى الآية مع السنة التي تبينها، أو تؤكدها، أو تنسخها، وهكذا.
2 – استنباط الحكم بطريق الاجتهاد .
إذا نظر المجتهد في الكتاب والسنة والإجماع ولم يظفر بحكم النازلة تعين عليه استنباط حكمها بطريق الاجتهاد بوسائله المختلفة، وأهمها في هذا الباب وسيلتان:
الأولى : قياس النازلة الجديدة[43]- سواء كانت أصولية أو فقهية - على نظيرتها الثابتة عند المتقدمين.
يقول ابن القيم ت751هـ – مبيناً منهج الصحابة في استنباط أحكام النوازل-: "وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض، ويعتبرون النظير بنظيره"أ-هـ[44].
الثانية : استنباط حكمها من طريق النظر المقاصدي والإلحاق بالقواعد والكليات العامة في الشريعة الإسلامية، وهو طريق معتبر في الاجتهاد.
يقول الجويني ت478هـ – وهو يتحدث عن منهج الإمام الشافعي – :"طريقة أخرى وهي تشتمل على نظر كلي إلى الفروع وهذا يتأتى بضبط ورد نظر إلى الكليات فالشريعة متضمنها مأمور ومنهي عنه ومباح"أ-هـ[45].
ويقول ابن بدران ت1346هـ- في ثنايا كلامه عن اعتبار الحكمة والمصلحة في الاجتهاد-: "وإني أرى غالب الأحكام في أيامنا التي نحن بها سالكة على ذلك الأصل ومتهيئة لقبوله سخطنا أم رضينا"[46].
والاجتهاد في النوازل يتطلب بالإضافة إلى الضوابط العامة التي قررها الأصوليون في باب الاجتهاد[47]، ضوابط خاصة هي :
أ – الفقه بواقع النازلة.
ب – مراعاة الظروف الزمانية، والمكانية، والعوائد، والأعراف، والأحوال.
وسيأتي تفصيل الكلام في هذين الضابطين في المطلب الثاني من المبحث الثاني عند الكلام عن ضوابط الاجتهاد في العصر الحاضر.
جـ - النظر الجماعي والمشورة.
وسيأتي تفصيل الكلام في هذا الضابط عند الحديث عن مؤسسات الاجتهاد الجماعي في المطلب الثالث من المبحث الثاني بعون الله تعالى.
وقد لخص الجويني ت478هـ المنهج الشرعي في استنباط أحكام النوازل في سياق بيانه لطريقة الصحابة في الاجتهاد والقياس، فقال :- "وعلى قطع نعلم أنهم ما كانوا يحكمون بكل ما يعن لهم من غير ضبط وربط وملاحظة قواعد متبعة عندهم، وقد تواتر من شيمهم أنهم كانوا يطلبون حكم الواقعة من كتاب الله تعالى، فإن لم يصادفوه فتشوا في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوها اشتوروا، ورجعوا إلى الرأي"أ-هـ[48].
المطلب الثالث
المراد بالنوازل الأصولية
تقدم – فيما مضى- أن النوازل في الاصطلاح هي : - "الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد".
والمراد بالوقائع عندهم : - الحوادث والمسائل الفرعية المستجدة، والتي تنشأ في الغالب بسبب الظروف الزمانية، أو المكانية، أو الأحوال، أو العادات، أو الأعراف، أو غير ذلك، فقد اقتضت سنة الله في خلقه أن تقع في كل عصر وقائع ومسائل جديدة لم تكن معروفة لدى السابقين.
يقول ابن القيم ت751هـ :- "وقد علم الله سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق"[49].
والمتتبع لما طرحه علماء الشريعة حول حقيقة النوازل ومنهج استنباط أحكامها يجد أن كلامهم فيها ينصب على النوازل الفقهية، أو نوازل الفروع، غير أن المتأمل فيما يجدّ من الوقائع والحوادث يدرك أن بعضها أقرب إلى المسائل الأصولية منه إلى مسائل الفروع، وهذه الوقائع يمكن أن تسمى اصطلاحاً بـ : "النوازل الأصولية"، أو : "نوازل الأصول".
ويمكن تعريف هذا الضرب من النوازل بأنها : "الوقائع الجديدة المتعلقة بمسائل أصولية"، أو : "الوقائع الأصولية المستجدة".
وقد ظهرت أغلب هذه الوقائع في عصرنا الحاضر نتيجة للتطور العلمي والتقني الذي لم يسبق له مثيل، حيث أسهم التقدم المذهل في وسائل الاتصالات والمعلومات في إفراز أحوال جديدة يمكن أن تكون مؤثرة في بعض المسائل الأصولية، وبخاصة تلك المسائل التي بنى الأصوليون الأوائل أحكامهم فيها على وفق واقع عصرهم والوسائل المتاحة لهم في ذلك الزمان.
فهذا الضرب من النوازل هو المقصود الأصلي بهذا البحث.

السياق التاريخي للنوازل الأصولية
لا يمكن دراسة موضوع النوازل الأصولية من دون إلقاء الضوء على السياق التاريخي لتطور مادة علم الأصول، وذلك لأن تقبل فكرة النوازل الأصولية لا يكون إلا من خلال تصور كيفية نشوء هذا العلم وتطور مادته وموضوعاته.
وفي هذا الإطار يمكن القول بأن من الحقائق التاريخية الثابتة أن علم أصول الفقه لم يعرف كفن مستقل في العهد النبوي، ولا في عهد الصحابة، ولا حتى في عهد التابعين، وإنما بدأت مادته تتشكل تبعاً لعوامل متعددة في القرنين الأول والثاني[50]، ولم تظهر المصنفات المستقلة فيه إلا في أواخر القرن الثاني تقريباً.
ففي العهد النبوي كانت مصادر التشريع محصورة في الوحي المتلو، وهو الكتاب، والوحي غير المتلو، وهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية، والفعلية، والتقريرية[51]، وكانت وظيفة السنة النبوية بيان القرآن الكريم، وتخصيص عمومه، وتقييد مطلقه، وتفسير مشكله، بل ونسخه في بعض الأحيان، وقد تستقل بأحكام جديدة لم ترد فيه، كاستقلالها ببيان ميراث الجدة، وزكاة الفطر، وصلاة الوتر، وغيرها[52].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في بعض النوازل التي لم ينزل عليه بشأنها شيء[53] وربما استعمل بعض الأساليب القياسية في بيانه للأحكام[54] في إشارة منه إلى صحة الاستدلال بهذا الطريق، ومن ذلك : قياسه دين الله على ديون الآدميين، وقبلة الصائم على المضمضة، وبيع الرطب بالتمر على بيع التمر بالتمر، وغير ذلك[55].
وإضافة إلى استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للاجتهاد والقياس فإنه – وفي سبيل ترسيخ هذا الأصل- سوغ لكثير من الصحابة الاجتهاد في عصره وأثناء حياته، بل وفي حضوره، كتحكيمه سعد بن معاذ في بني قريضة[56]، واستشارته لأصحابه في أسرى بدر[57] ، ونحو ذلك.
ففي هذا العهد كان النبي صلى الله عليه وسلم المرجع الأول والمفتي الوحيد الذي تجسدت فيه متطلبات هذا العلم وغاياته.
وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم شهد عصر الصحابة ظهور أدلة جديدة أضيفت إلى المصدرين الأساسيين للتشريع، وأهم هذه الأدلة ما يلي :-
1 – الإجماع .
وكانت بداية ظهور هذا الأصل كمصدر من مصادر التشريع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، حيث كان منهج الصحابة رضوان الله عليهم قائماً على التشاور وتبادل الرأي في النوازل والحوادث المستجدة بهدف الوصول إلى حكم تتفق عليه آراؤهم[58].
ومن أبرز أمثلة الإجماع في عصرهم ما يلي:
أ – إجماعهم على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه[59].
ب – إجماعهم على جمع المصحف[60].
جـ – إجماعهم على قتال مانعي الزكاة[61].
د – إجماعهم على جعل حد الشرب ثمانين جلدة[62].
2 – القياس .
فقد ظهر هذا الدليل بشكل أكثر وضوحاً في عصر الصحابة ، حيث كان منهجهم في النوازل قائماً على البحث عن أشباهها ونظائرها في الكتاب والسنة، ومن ثم قياس النظير على نظيره[63].
3 - قول الصحابي .
فقد ظهرت بوادر الاحتجاج به في عصر الصحابة، وفي عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على وجه التحديد، حيث روي عنه أنه كان إذا أعياه أن يجد الحكم في الكتاب والسنة سأل : هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبي بكر قضاء قضى به[64].
وهذا المنهج يدل على أن عمر كان يرى صحة الاحتجاج بهذا الدليل.
وإضافة إلى ذلك فقد اشتهر عن عدد من الصحابة أنهم كانوا يبحثون عن أقضية أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر فيأخذون بها[65].
4 – المصلحة المرسلة .
وهي من الأدلة التي ظهرت في عصر الصحابة، حيث أثر عنهم أنهم كانوا يستندون إليها في بعض الأحكام ، ولعل من أشهر الأحكام التي أثبتها الصحابة بناءً على هذا الدليل : جمع المصحف، واستخلاف أبي بكر لعمر قبل وفاته، وتدوين عمر للدواوين، واتخاذ السجون، وسك النقود، وغيرها[66].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 135.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 133.59 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]