تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد) - الصفحة 6 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         النهايات اللائقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          6 وسائل للتعامل مع أزمات أمتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأسرة وحدة نهوض للمجتمع والحضارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4422 - عددالزوار : 859989 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3954 - عددالزوار : 394323 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216356 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7847 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 70 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 99 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 27-03-2019, 11:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (51)



السنة في عصر التابعين



أولاً : أسباب عناية التابعين بالسنة :

التابعون تلامذة الصحابة تسلموا منهم راية حمل السنة وروايتها وحفظها وتوثيقها وكانت هناك الدوافع نفسها التي دفعت الصحابة إلى العناية بالسنة وتوثيقها من ترغيب القرآن والسنة في حمل العلم وتبليغه وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم على تلقي ما صدر عنه من تشريع حتى يحظوا بما وعد به من أجر ومثوبة حين قال : " نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "(1) بالإضافة إلى :

1- أنهم يعلمون أن الأمر دين، أمر الله بتحقيقه والتوثق منه والتثبت فيه، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ... )(2).

يقول محمد بن الحسن : ( إن الفاسق إذا أخبر بحل أو حرمة فالسامع عليه أن يحكم رأيه فيه لأن ذلك أمر خاص لا يستقيم طلبه وتلقيه من جهة العدول دائما، فوجب التحري في خبره، فأما هنا في رواية الحديث فلا ضرورة في المصير إلى روايته، وفي العدول كثرة وبهم غنية، إذ يمكن الوقوف على معرفة الحديث بالسماع منهم فلا حاجة إلى الاعتماد على خبر الفاسق )(3) .

2- حث الصحابة للتابعين على مذاكرة السنة والعناية بها وتبلغيها للناس عملاً بقول صلى الله عليه وسلم ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب )(4) .

ومما يروي في هذا أن ابن عباس، رضي الله عنهما ، كان يحض طلابه على مذاكرة الحديث فيقول : ( تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم ، فإنه ليس بمنزلة القرآن، القرآن مجموع محفوظ، وإنكم إن لم تذاكروا هذا الحديث تفلت منكم، ولا يقل أحدكم حدثت أمس، لا أحدث اليوم، بل حدث أمس، وحدث اليوم ، وحدث غدا ) (5).

كما كان يقول رضي الله عنه ( إذا سمعتم منا شيئا فتذاكروه بينكم ) (6).

ووقف عمرو بن العاص على حلقة من قريش فقال : " ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا وأوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم "(7).

وكان أبو أمامة الباهلي يقول لطلابه: ( إن هذا المجلس من بلاغ الله إياكم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أرسل به، وأنتم فبلغوا عنا أحسن ما تسمعون ) .

وفي رواية : كان يحدثهم حديثا كثيرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا سكت قال : اعقلوا، بلغوا عنا كم بلغتم (8).

3- أنه قد جدت أمور في عهد التابعين دفعتهم إلى أن يزيدوا من هذه العناية وهذا التوثيق وهي ظهور الحركات المضادة لمسيرة الإسلام منذ عهد عثمان وعلي رضي الله عنهم كحركات الشيعة والخوارج وما صاحب كل فرقة من اتجاه محموم للانقضاض على الإسلام وأهله .

ولقد أدى ظهور هذه الحركات إلى إحداث الفرقة في صفوف المسلمين كما أدى إلى وضع الأحاديث التي تدعم رأى كل فريق وتقوي حزبه وتؤازر فكره ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى أمرين :

الأول : تدوين المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدوينا رسميا عاما بحيث يكون الرجوع إليه والصدور عنه، وهذا ما أسس لعلم الحديث رواية وهو الخاص بنقل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقيه أو خلقية ....إلخ .

الثاني : نقد الرواية وتحقيق صحة السنة وتمييز المقبول من غير المقبول، وذلك ما أسس لعلم الحديث دراية، وهو الخاص، بالقواعد والقوانين التي يعرف بها أحوال السند والمتن لتمييز المقبول من غيره (9).

4- دخول أهل البلاد المختلفة وأسئلتهم عن أمور تتعلق بالسنة أدى إلى اهتمام التابعين وتحريهم حتى تنقل السنة إلى هذه البلاد نقية .






(1) - الحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب فضل نشر العلم 2/31، وأخرجه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع 5/33-34، وقال : أبو عيسى : حديث حسن، وأخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب من بلغ علما 1/84-86، وأخرجه أحمد في مسنده 1/437.

(2) - سورة الحجرات /86.

(3) - أصول البزدوي 3/740-741.

(4) - الحديث تقدم تخريجه .

(5) - شرف أصحاب الحديث ص 95، المحدث الفاصل ص 547.

(6) - شرف أصحاب الحديث ص 95.

(7) - شرف أصحاب الحديث ص89- المحدث الفاصل ص 194.

(8) - شرف أصحاب الحديث ص 96.

(9) - انظر : شذرات من علوم السنة 1/192-193 السنة قبل التدوين ص 187-189، محاضرات في علوم الحديث ص 199.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #52  
قديم 27-03-2019, 11:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (52)


وسائل التابعين في حفظ السنة




1- التوسع في الرحلة :
إذا كان الصحابة قد أسسوا للرحلة في طلب الحديث فإن التابعين قد توسعوا فيها حتى صارت قاعدة، فقلما نجد تابعيا لم يرحل، وحتى صار علم الرجل يقاس بكثرة رحلاته .
يقول بسر بن عبدالله : " إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه "(1).
ويقول أبو العالية : " كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواهم " (2).
وقال سعيد بن المسيب : " إن كنت لأسير في طلب الحديث الواحد مسيرة الليالي والأيام "(3) .
ورحل الإمام الشعبي في طلب ثلاثة أحاديث ذكرت له وقال : ( لعلي ألقي رجلا لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ") (4).
وحدث الشعبي بحديث ثم قال لمن حدثه : ( خذها بغير شيء وقد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة ) (5).
وروى ابن أبي خيثمة بسنده عن مكحول قال : ( كنت لعمرو بن سعيد العاص أو لسعيد بن العاص فوهبني لرجل من هذيل بمصر، فأنعم علي بها، فما خرجت من مصر حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم قدمت المدينة فما خرجت منها حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم لقيت الشعبي فلم أر مثله رحمه الله )(6).
وكان مسروق كثير الرحلة في طلب الحديث ومذاكرته، وشهد له الشعبي بذلك فقال : ( ما علمت أن أحدا من الناس كان أطلب لعلم في أفق من الآفاق من مسروق)(7) .

2- مذاكرة الحديث :

ولم يقتصر أمر التابعين على الرحلة من أجل السماع فحسب، بل كانوا يتذاكرون الحديث فيما بينهم حتى يحفظوه ويثبت في أذهانهم فلا ينفلت منهم .
فعن عطاء قال: ( كنا نأتي جابر بن عبدالله فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا وكان أبو الزبير أحفظنا لحديثه ) (8).
وعن الليث بن سعد قال : ( تذاكر ابن شهاب ليلة بعد العشاء حديثا وهو جالس متوضأ، قال فما زال ذلك مجلسه حتى أصبح ) (9).
وعن الأعمش قال : ( كان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب يحدثهم يتحفظ بذاك ) (10).
بل كانوا يحثون تلامذتهم على ذلك، فعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : ( إحياء الحديث مذاكرته، فقال له عبدالله بن شداد: يرحمك الله، كم من حديث أحييته في صدري كان قد مات ) (11).
وعن علقمة قال : ( تذاكروا الحديث فإن حياته ذكره )(12).

3- الاحتياط في التحمل والأداء :
وإذا كان التابعون قد جدوا في سماع الحديث وتحمله ومذاكرته فإنهم بنفس الدرجة قد جدوا في الأداء فلم يجز الواحد منهم لنفسه أن يلقي الحديث قبل أن يتثبت فيه وقبل أن يتأكد من أنه لن يحرفه عن وجهه الصحيح .
يقول الإمام الشعبي مصورا عبء الرواية : ( يا ليتني أنفلت من علمي كفافا، لا علي ولا لي ) (13).
ويقول أيضا ما يدل على محاسبته لنفسه في رواية الحديث ( كره الصالحون الأولون الإكثار من الحديث، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما حدثت إلا بما أجمع عليه أهل الحديث )(14).
ومن أجل هذه حفظوه في صدروهم، وكان قتادة مثلا – كما يروى الرامهرمزي- إذا سمع الحديث يأخذه العويل والزويل (15) حتى يحفظه (16) .
وقد تركت رواية الكثيرين لأنهم غير متثبتين في روايتهم وإن كانوا عدولا، فعن أبي الزناد قال : ( أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال : ليس من أهله ) (17).


(1) - سنن الدارمي 1/140.
(2) - المصدر السابق .
(3) - الرحلة للخطيب ص 127.
(4) - الرحلة للخطيب ص 196.
(5) - جامع بيان العلم وفضله 1/92-93-94.
(6) - العلم لابن أبي خيثمة ص 118.
(7) - جامع بيان العلم 1/94- العلم ص 117.
(8) - سنن الدارمي 1/149 العلم ص 127.
(9) - سنن الدارمي 1/149.
(10) - سنن الدارمي 1/148.
(11) - سنن الدارمي 1/148- العلم ص 126.
(12) - العلم ص 126.
(13) - تذكرة الحفاظ 1/88.

(14) - تذكرة الحفاظ 1/83.
(15) - عال يعول ويعيل أمره : اشتد وتفاقم والاسم العويل. القاموس ، مادة : عول . وزاوله زوالا ومزاولة : عالجة وحاول طلبه.القاموس. مادة : زول. والمعنى هنا نشط ولم يهدأ حتى يحفظه .
(16) - المحدث الفاصل ص 408.
(17) - مقدمة مسلم 1/15- المحدث الفاصل ص 407.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #53  
قديم 27-03-2019, 11:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (53)


من وسائل التابعين في حفظ السنة


4- الاهتمام بالإسناد :
ذكرنا فيما سبق أن بذور الإسناد قد نشأت في عهد الصحابة، لكن هذا الأمر نما تطور في عهد التابعين، وأصبح التابعون يشددون في طلب الإسناد من الرواة والتزموه في الحديث، لأن السند للخبر كالنسب للمرء، وجعلوا هذا الأمر دينا، يقول ابن سيرين ، ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )(1) .
وقال حماد بن زيد : دخلنا على أنس بن سيرين في مرضه فقال : ( اتقو الله يا معشر الشباب، وانظروا ممن تأخذون هذه الأحاديث فإنها دينكم )(2) .
لذلك وجدناهم يسألون عن رجال الحديث حتى يلتقوا بهم أو يسألون غيرهم عنهم فيقفوا على حالهم .
روى الإمام أحمد بسنده عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بعدي من أمتي أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية... ) .
قال عبدالله بن الصامت ، فلقيت رافع بن عمرو الغفاري أخا الحكم الغفاري، قلت : ما حديث سمعته من أبي ذر، كذا وكذا ،،،،، فذكرت له هذا الحديث، قال : وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
ويروى ابن عبدالبر عن الشعبي عن الربيع بن خثيم قال : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كن له عتق رقاب أو رقبة. قال الشعبي فقلت للربيع بن خثيم : من حدثك بهذا الحديث؟ فقال : عمرو بن ميمون الأودي، فلقيت عمرو بن ميمون، فقلت : من حدثك بهذا الحديث؟ فقال : عبدالرحمن بن أبي ليلى، فلقيت ابن أبي ليلى فقلت : من حدثك؟ قال : أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) (4).
قال يحيى بن سعيد : ( وهذا أول ما فتش عن الإسناد )(5).
وقال أبو العالية : ( وكنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رضينا حتى رحلنا إليهم، فسمعناها من أفواههم ) (6).
وكان التابعون واتباعهم يتواصون بطلب الإسناد، قال هشام بن عروة : ( إذا حدثك رجل بحديث فقل عمن هذا ؟ ) (7).
وكان الزهري إذا حدث أتى بالإسناد ويقول : ( لا يصلح أن يرقى السطح إلا بدرجة ) (8).
وقد أتقن التابعون الإسناد وبرزوا فيه كما برزوا في غيره من علوم الحديث وفي هذا يقول أبو داود الطيالسي : وجدنا الحديث عند أربعة : الزهري وقتادة وأبي إسحاق والأعمش فكان قتادة أعلمهم بالاختلاف، والزهري أعلمهم بالإسناد، وأبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وابن مسعود، وكان عند الأعمش من كل هذا (9).
وبين الإمام ابن سيرين السر وراء الاهتمام بالإسناد فيقول : ( لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم )(10).
ولا يطعن فيما قررناه من التزام التابعين للإسناد المتصل بما روى عن بعض التابعين من المراسيل لأن المرسل في قول أهل العلم بالحديث ضعيف (11)ومن ناحية أخرى كانت رواية الحديث عندهم في الأصل متصلة وليست مرسلة، لأن هناك روايات تؤكد أن التابعي كان يذكر من حدثه عندما يسأل عن الإسناد، ومن هذا ما يرويه ابن عبدالبر بإسناده المتصل عن مالك ابن أنس قال : ( كنا نجلس إلى الزهري وإلى محمد بن المنكدر فيقول الزهري قال ابن عمر كذا وكذا، فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلنا له : الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به ؟ قال : ابنه سالم (12).
يقول الدكتور محمد عجاج الخطيب : ( وهكذا نرى أن الإسناد المتصل كان قد أخذ نصيبه من العناية والاهتمام في عهد التابعين حتى أصبح من واجب المحدث أن يبين نسب ما يروى وقد شبه بعضهم الحديث من غير إسناد بالبيت بلا سقف ولا دعائم ونظموه في قولهم:
والعلم إن فاته إسناد مسنده ** كالبيت ليس له سقف ولا طنب
وكان المحدث بإسناده الحديث يرفع العهدة عن نفسه ويطمئن إلى صحة ما ينقل عندما ينتهي سنده المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)(13) .

5- نقد الرجال :
إن التابعين لهم فضل وضع قواعد علم الرجال وضوابط الجرح والتعديل كقواعد اصطلاحية، فالثقة، كمصطلح حديثي عرف عندهم.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله : " كان ابن سيرين وإبراهيم النخعي وغير واحد من التابعين يذهبون إلى ألا يقبلوا الحديث إلا عن ثقة، يعرف ما يروى وما يحفظ، وما رأيت أحدا من أهل الحديث يخالف هذا المذهب "(14).
وكذلك الشذوذ عرف في عهدهم، يقول أيوب السخيتاني وهو من صغار التابعين ( 131هـ ) : ( إذا أردت أن تعرف خطأ معلمك فجالس غيره )(15).
وهذا معناه أن المرء يستطيع بمقارنة الروايات بعضها ببعض أن يدرك الشذوذ ويميز الصواب من الخطأ وهذا ما أسس لمصطلح الشاذ فيما بعد.
هذا بالإضافة إلى أنهم قد أحصوا أخطاء الرواة ليعرفوا حقيقة ما يروون، يقول الإمام الشعبي ( ولله لو أصبت تسعا وتسعين مرة وأخطأت مرة لعدوا على تلك الواحدة ) (16).
هكذا بين جهابذة هذا العلم أحوال الرواة المقبول منهم والمتروك حتى تكامل هذا العلم فيما بعد واستوى على سوقه وألفت فيه المؤلفات الجمة والتي تحوى شهادة هؤلاء الأعلام على الرواة ونقدهم لهم .

6- نقد متن الحديث :
اقتدى التابعون بأساتذتهم الصحابة في الاهتمام بالمتن وتوثيقه، فنقدوه إذا وجدوا معارضة بينه وبين القرآن أو بينه وبين مبادئ الإسلام العامة، وهدفهم في ذلك تمييز الصحيح من الضعيف .
ومن الأمثلة على ذلك : ( أن الإمام الشعبي سمع رجلا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى خلق صورين، له في كل صور نفختان، نفخة الصعق، ونفخة القيامة ) .
فرده لأنه يتعارض مع القرآن الكريم ، وقال لراويه: ( يا شيخ اتق الله ولا تحدثنا بالخطأ إن الله تعالى لم يخلق إلا صورا واحدا، وإنما هي نفختان : نفخة الصعق ونفخة القيامة )(17) وقد فهم هذا من قوله تعالى : ( ونفخ في الصور، فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون )(18).

(1) - مقدمة مسلم 1/14- المجروحين لابن حبان 1/ص 21.
(2) - المجروحين 1/22.
(3) - المسند 5/31.
(4) - التمهيد لابن عبدالبر 1/55.
(5) - المحدث الفاصل ص 208 السنة قبل التدوين ص 223.
(6) - مقدمة التمهيد 1/56.
(7) - الجرح والتعديل 1/34.
(8) - الجرح والتعديل 1/16.
(9) - تذكرة الحفاظ 1/108.
(10) - مقدمة مسلم 1/15.
(11) - التقريب للنووي ص 9- قواعد التحديث للقاسمي ص 133.
(12) - مقدمة التمهيد 1/37.

(13) - السنة قبل التدوين 225-226.
(14) - المحدث الفاصل ص 405.
(15) - المحدث الفاصل ص 405.
(16) - تذكرة الحفاظ 1/82- السنة قبل التدوين ص 234.
(17) - تحذير الخواص للسيوطي ص 203-204.
(18) - سورة الزمر /68.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #54  
قديم 29-03-2019, 05:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (54)


من وسائل التابعين في حفظ السنة

7- كتابة السنة :
لقد تلقى التابعون علومهم على يدي الصحابة وخالطوهم، وعرفوا كل شيء عنهم وحملوا الكثير الطيب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريقهم، وعرفوا متى كره هؤلاء كتابة الحديث ومتى أباحوه فتأسوا بهم، فمن الطبيعي أن تتفق آراء التابعين وآراء الصحابة حول حكم التدوين، فإن الأسباب التي حملت الخلفاء الراشدين والصحابة على الكراهة هي نفسها التي حملت التابعين عليها، فذا هم يكرهون الكتابة ما دامت أسباب الكراهة قائمة، ويجمعون على الكتابة وجوازها عند زوال تلك الأسباب ، ولن نستغرب أن نرى خبرين عن تابعيين أحدهما يمنع الكتابة والآخر يبيحها ما دمنا نوجه كل مجموعة من هذه الأخبار وجهة تلائم الأسباب التي أدت بها .
وعليه فإن كراهية بعض كبار التابعين للكتابة، كعبيدة بن عمرو السلماني المرادي ( 72هـ) والذي لم يرض أن يكتب عنده أحد ولا يقرأ عليه أحد (1).
وكإبراهيم النخعي ( 96هـ ) والذي كره أن تكتب الأحاديث في الكراريس وتشبه بالمصاحف (2)وكان يقول : ( ما كتبت شيئا قط ) (3)حتى أنه منع حماد بن سليمان من كتابة أطراف الأحاديث (4)ثم تساهل في كتابتها .
قال ابن عون : ( رأيت حمادا يكتب عن إبراهيم فقال له إبراهيم : ألم أنهك؟ قال : إنما هي أطراف ) (5).
وكقتادة الذي كان يكره الكتابة فإذا سمع وقع الكتاب أنكره والتمسه بيده (6)
ونسمع عامرا الشعبي ( 103هـ ) يردد عبارته المشهورة ( ما كتبت سوداء في بيضاء ولا سمعت من رجل حديثا فأردت أن يعيده علي ) (7).
وإنما دفعهم إلى ذلك خوفهم من اختلاط السنة بآرائهم الشخصية وفي هذا يقول أستاذنا الدكتور يوسف العش : ( وأما من ورد عنهم الامتناع عن الإكتاب من هذا الجيل فيؤول امتناعهم بما لا يخالف ما انتهينا إليه، فهم جميعا فقهاء، وليس بينهم محدث ليس بفقيه، والفقيه يجمع بين الحديث والرأي، فيخاف تقييد رأيه واجتهاده إلى جانب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم )(8) .
ويوضح هذا بأمثله تثبت ما ذهب إليه فيقول : ( إننا نجد في الواقع أخبارا تروى كراهتهم لكتابة الرأي كاعتذار زيد بن ثابت عن أن يكتب عنه كتاب مروان .. وجاء رجل إلى سعيد بن المسيب – وهو من الفقهاء والذين روى امتناعهم عن الإكتاب – فسأله عن شيء فأملاه عليه ثم سأله عن رأيه فأجابه فكتبه الرجل ، فقال رجل من جلساء سعيد أيكتب يا أبا محمد رأيك، فقال سعيد للرجل: ناولينها، فناوله الصحيفة فخرقها(9)، وقيل لجابر بن زيد إنهم يكتبون رأيك، قال : تكتبون ما عسى أرجع عنه غدا )(10) .
وكل هذه الأقوال رويت من علماء، حدث المؤرخون عنهم أنهم كرهوا إكتاب الناس وهي تدل دلالة صريحة على أن الكراهة ليست في كتابة الحديث بل في كتابة الرأي، وأن الأخبار التي وردت في النهي دون تخصيص إنما قصد بها الرأي خاصة، ويشابه هذا الأمر ما حدث في أمر كراهية الرسول والصحابة الأولين من التباس الحديث بالقرآن أو الانكباب عليه دونه، فما كانوا يخشونه من الحديث أصبح خشية التابعين الأولين من الرأي والتباسه بالحديث(11).
ويقوى هذا الرأي ما ورد عن هؤلاء التابعين من كتابتهم للحديث عن الصحابة، من أخبار يحثون فيها على الكتابة، ويسمحون لطلابهم أن يكتبوا عنهم، خاصة بعد أن فرق الطلاب بين النهي عن كتابة الرأي، والنهي عن كتابة الرأي مع الحديث، فهذا سعيد بن جبير ( 95هـ ) يكون مع ابن عباس فيستمع منه الحديث فيكتبه في واسطة الرحل فإذا نزل نسخة )(12).
وعنه قال : ( كنت أسير بين ابن عمر وابن عباس فكنت أسمع الحديث منهما، فأكتبه على واسطة الرحل حتى أنزل فاكتبه ) (13).
وهذا عامر الشعبي بعد أن كان يقول : ( ما كتبت سوداء في بيضاء ) يردد قوله : ( الكتاب قيد العلم )(14) وكان يحض على الكتابة ويقول : ( إذا سمعتم مني شيئا فاكتبوه ولو في حائط ) (15)، وكان عطاء بن أبي رباح ( 114هـ ) يكتب لنفسه، وكان طلابه يكتبون بين يديه )(16).
وقد بالغ في حض طلابه على التعلم والكتابة ، فعن أبي حكيم الهمداني، قال : ( كنت عند عطاء بن أبي رباح، ونحن غلمان، فقال : يا غلمان، تعالوا اكتبوا، فمن كان منكم لا يحسن كتبنا له، ومن لم يكن معه قرطاس أعطيناه من عندنا ) (17).
وكان نافع مولى ابن عمر يملى علمه وطلابه يكتبون بين يديه(18) .
وكان عمر بن عبدالعزيز ( 101هـ ) يكتب الحديث، روى عن أبي قلابه قال : خرج علينا عمر بن عبدالعزيز لصلاة الظهر ومعه قرطاس، ثم خرج علينا لصلاة العصر وهو معه، فقلت له : يا أمير المؤمنين، ما هذا الكتاب؟ قال : حديث حدثني به عون بن عبدالله فأعجبني فكتبته (19)، وانتشرت الكتب حتى قال الحسن البصري ( 110هـ ) : ( إن لنا كتبا كنا نتعاهدها )(20).
ونشطت الحركة العلمية وازدادت معها الكتابة ويصور لنا قتادة بن دعامة السدوسي ( 118هـ ) بإجابته لمن يسأله عن كتابة الحديث – موقف هذا الجبل من التابعين من الكتابة إذ يقول : وما يمنعك أن تكتب ، وأخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب ( قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى )(21).
وهذا يدل على أن الكتابة قد شاعت بين مختلف الطبقات ولم يعد أحد ينكرها في أواخر القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني، وقد كثرت الصحف والكتب في ذلك الوقت حتى لنرى مجاهد بن جبر ( 103هـ ) يسمح لبعض أصحابه أن يصعدوا إلى غرفته فيخرج إليهم كتبه فينسخون منها(22) ،وكان أن ظهرت المصنفات المستقلة في العلوم المختلفة ومنها السنة، ومن أبرز المؤلفات الحديثية في هذا العصر :
1- المغازي والسير، وكان أول من ألف فيها- فيما أعلم – هو عروة بن الزبير الذي صنف كتابه المغازي والسير (23).
2- كتب الأطراف – وكان أول من ألف فيها – فيما أعلم – محمد بن سيرين الذي كتب أطراف حديث عبيدة السلماني(24) .
3- السنن، وكان أول من ألف فيها – فيما أعلم – هو مكحول الشامي الذي صنف كتاب " السنن في الحديث " (25).
ويلاحظ أن كتابة السنة قد أخذت طورا أعمق في عهد التابعين منه في عهد الصحابة وأنها بدأت تأخذ طابعا خاصا ومساراً جديداً لكل مجموعة من الأحاديث، وأن التأليف المنهجي أخذ يبرز إلى ساحات العلم ولعل أول بادرة له كانت بكتاب السنن لمكحول الدمشقي، كما لا يخفى أن هذه المؤلفات هي مؤلفات لأنواع جديدة لم تكن في سلفهم من الصحابة كما أن تلك الأنواع التي كانت في عهد الصحابة قد ألف فيها التابعون (26)، ومن أشهر تلك المؤلفات ( صحيفة همام بن منبه ) والتي كتبها عن أبي هريرة، ونقلها المصنفون بعد ذلك في القرن الثاني وما بعده(27)وقد نقلها الإمام أحمد بن حنبل في مسنده في موضع واحد بسند واحد في أول الأحاديث (28).


(1) - جامع البيان العلم ص 84 – تقييد العلم ص 45-46 – العلم ص 144.
(2) - سنن الدارمي 1/121، جامع بيان العلم ص 84- تقييد العلم ص 48.
(3) - تقييد العلم ص 60.
(4) - العلم لزهير بن حرب ص 141.
(5) - سنن الدارمي 1/120- جامع بيان العلم ص 92- العلم ص 141-146.
(6) - سنن الدارمي 1/120.
(7) - جامع بيان العلم ص 85.
(8) - تقييد العلم، مقدمة المحقق ص 20.
(9) - جامع بيان العلم 2/144.
(10) - جامع بيان العلم وفضله 2/31.
(11) - مجلة الثقافة المصرية الصفحة 8-9 من العدد 352 في السنة السابعة، نقلا عن السنة قبل التدوين ص 323-325.
(12) - جامع بيان العلم ص 92.
(13) - تقييد العلم ص 98.
(14) - تقييد العلم ص 99- المحدث الفاصل ص 375.
(15) - العلم لزهير ص 144- طبقات ابن سعد 6/257.
(16) - سنن الدارمي 1/129.
(17) - السنة قبل التدوين ص 327.
(18) - سنن الدارمي 1/129.
(19) - سنن الدارمي 1/130.
(20) -جامع بيان العلم ص 95.

(21) - تقييد العلم 103، والآية 52 من سورة طه. المحدث الفاصل 372، شرح السنة 1/296.
(22) - سنن الدارمي 1/128، تقييد العلم ص 105.
(23) - كشف الظنون 2/1747.
(24) - جامع بيان العلم 2/9.
(25) - هدية العارفين 2/470- الفهرست لابن النديم 318.
(26) - كشف اللثام 1/132، وانظر أمثلة أخرى بكتاب دراسات في الحديث النبوي للدكتور محمد الأعظمي ( 1/143-167) فقد عرض لنماذج كثيرة من كتابة التابعين، والكتابة عنهم .
(27) - طبعت هذه الصحيفة بتحقيق الدكتور رفعت فوزي ونشرتها مكتبة الخانجي 1406هـ- 1985م .
(28) - المسند 2/314-319.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #55  
قديم 29-03-2019, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (55)


يتبع من وسائل التابعين في حفظ السنة





ضوابط التدوين:

وهكذا هيأ هؤلاء التابعون بتدوينهم علم الصحابة، المادة المدونة لمن تصدوا لتصنيف المؤلفات الجامعة في الحديث في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وقد وضع التابعون مع هذا التدوين ضوابطه وأسسه التي تجعل الأحاديث تتنقل به انتقالا صحيحا فلا يعتريها تحريف أو تبديل ومن هذه الضوابط :



1- المعارضة والمقابلة : ومعنى ذلك أن التلميذ يعرض على شيخه ما أخذه عنه ليتلافى الأخطاء التي تحدث أثناء النقل، فعن بشربن نهيك قال : " أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبت عنه فقرأته عليه، قلت : هذا سمعته منك؟ قال : نعم " (1).

ويقول هشام بن عروة : قال لي أبي : أكتبت؟ قلت : نعم ، قال :عارضت؟ قلت : لا ، قال : لم تكتب(2).

ويقول يحيى بن أبي كثير ( 129هـ ) من كتب ولم يعارض كان كمن خرج من المخرج ولم يستنج(3) .

بل إن الشيوخ يستحثون التلاميذ على المعارضة، قيل لنافع مولي ابن عمر: إنهم قد كتبوا حديثك، قال : فليأتوني حتى أقيمه لهم (4).

وقال الوليد بن أبي السائب : رأيت مكحولا ونافعا وعطاء تقرأ عليهم الأحاديث، وعن عبيدالله بن أبي رافع قال ، رأيت من يقرأ على الأعرج – عبدالرحمن بن هرمز ( 117هـ) حديثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : " هذا حديثك يا أبا داود ؟ قال : نعم (5).

وعن عاصم الأحول قال عرضت على الشعبي أحاديث فأجازها لي (6).

وعن معمر قال رأيت رجلا من بني أمية يقال له إبراهيم بن الوليد جاء إلى الزهري بكتاب فعرض عليه ثم قال : أحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال إي لعمري فمن يحدثكموه غيري ؟ (7).

2- الحفظ : ونعني به حفظ الكتب، فبعضهم كان يحفظها في ذاكرته، وبعضهم يحفظها في مكان أمين ، وكان قتادة يحفظ صحيفة الصحابي الجليل جابر بن عبدالله حفظا جيدا (8)، وكان الحسن بن علي يحفظ قول أبيه المكتوب في ربعة لا يخرجه منها إلا عند الحاجة إليها (9)، وكان خالد بن معدان، الذي لقي سبعين صحابيا يتخذ لكتابه عرى وأزراراً حفظا له (10).

وكانت هذه الكتب تراجع بالسماع أو بالقراءة على الشيخ حتى لا تقرأ محرفة، قيل لابن سيرين : ما تقول في رجل يجد الكتاب يقرؤه أو ينظر فيه؟ قال : لا . حتى يسمعه من ثقة (11)، واستفتى أيوب الناس فيما آل إليه من كتب أبي قلابة وصية، هل يحدث بما فيه مع أن بعضه انتقل إليه وجادة، ولهذا توقف ابن سيرين وقال له : لا آمرك ولا أنهاك(12).

واعتنى الأئمة بهذه الناحية عناية شديدة فتناولوا هذه الكتب ونبهوا على ما انتقل منها سماعا أو عرضا وما لم ينقل كذلك فلا يعتمد عليه كثيرا وخاصة إذا كان بطريق الوجادة إلى آخر ما جاء في هذا الصدد .

وإذا كان ما قدمناه من التدوين يتعلق بالتدوين الفردي، فقد ارتقى هذا الأمر إلى مرتبة التدوين الرسمي العام الذي تشرف عليه الدولة وتندب له الأفراد وإليك بيان هذا .







(1) - تهذيب التهذيب 1/470- الكفاية ص 411 ط دار الكتب الحديثة .

(2) - جامع بيان العلم ص 100 - أدب الإملاء ص 79.

(3) - جامع بيان العلم ص 100- أدب الإملاء ص 78.

(4) - أدب الإملاء والاستملاء ص 78.

(5) - طبقات ابن سعد 5/209.

(6) - الكفاية ص 264.

(7) - الكفاية ص 266.

(8) - طبقات ابن سعد 7/2.

(9) - العلل ومعرفة الرجال 1/104.

(10) - تذكرة الحفاظ 1/78.

(11) - الكفاية ص 52 توثيق السنة ص 62.
(12) - المحدث الفاصل ص 459- توثيق السنة ص 62.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #56  
قديم 31-03-2019, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (56)

التدوين الرسمي للسنة





من المعلوم أن السنة لم تدون تدوينا رسميا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دون القرآن، عدا ما دونه بعض الصحابة في صحف خاصة بهم – كما تقدم بيانه وفي عصر الخلفاء الراشدين كانت هناك محاولات لجمعها وتدوينها فقد عزم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على كتابة السنة وتدوينها ثم تراجع عن ذلك خشية أن تلتبس بكتاب الله عز وجل .

يقول عروة بن الزبير : ( إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار عليه عامتهم بذلك ، فلبث عمر شهرا يستخير الله في ذلك شاكا فيه، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال : إني كنت قد ذكرت لكم من كتاب السنن ما قد علمتم، ثم تذكرت، فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم، قد كتبوا مع كتاب الله كتبا، فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا، فترك كتاب السنن )(1) .

وهكذا ظلت السنة في عصر الصحابة محفوظة في صدورهم، ثم نقلوها إلى التابعين مشافهة وتلقينا كما تحملوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأول من فكر في جمع السنة وتدوينها رسميا من التابعين الخليفة العادل الورع التقي أمير المؤمنين : عمر بن عبدالعزيز ( 101هـ ) والذي قوى عزمه لجمع السنة عدة أسباب نوجزها فيما يلي (2):

1- أنه قد مر على القرآن الكريم زمن طويل، وحفظه من المسلمين خلق كثير ودون في مصاحف استقرت في الأمصار، وبهذا استقر القرآن في الصدور والمصاحف، وأصبح في مأمن من اللبس والشك، فلا حرج إذا في كتابة السنة وتدوينها.

2- موت الكثير من حفظة الحديث بمرور الزمن، وقلة الضبط وضعف ملكة الحفظ كلما تقدم الزمن بالناس .

3- كثرة المذاهب الدينية والسياسية التي عبثت بالحديث وكادت تذهب بالثقة فيه، الأمر الذي جعل العلماء يقومون بالدفاع عنه، ويعملون على حفظه بوسائل مختلفة كان من أهمها جمعة وتدوينه .

يشهد لذلك قول ابن شهاب الزهري ( 124هـ ) : ( لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها ولا نعرفها ما كتبت حديثا ولا أذنني في كتابته )(3) .

من أجل هذه الأسباب قوى عزم عمر بن عبدالعزيز على جمع السنة، والمحافظة عليها من الفناء والدرس ونقلها من الصدور إلى السطور والخروج بها إلى دائرة التدوين والتصنيف والجمع والدرس ولتصبح مرجعاً محفوظاً يرجع إليه من يريد الارتشاف من نبعها الصافي ومعينها الوافي .

فأمر عمر بن عبدالعزيز من يثق به في دينه وحفظه بكتابتها وتدوينها، وبذلك حقق عمر بن عبدالعزيز رغبة جده عمر بن الخطاب التي جاشت في نفسه مدة ثم عدل عنها خوفا من أن تلتبس بالقرآن أو يصرف الناس إليها .

روى البخاري في صحيحه في باب كيف يقبض العلم ( وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم عامله على المدينة – انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه – فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم – ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً )(4).

وقد علق الحافظ ابن حجر على هذا الأثر بقوله : ( ويستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ، فلما خاف عمر بن عبد العزيز، وكان على رأس المائة الأولى، من ذهاب العلم بموت العلماء، رأى في تدوينه ضبطا له وإبقاء، وقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ : كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الآفاق : انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه ) (5).

وروى الإمام مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن : ( إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة أو حديث عمرة، أو نحو هذا فاكتبه لي فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ) (6).

وفي رواية أمره أن يكتب له العلم الذي عند عمرة بنت عبدالرحمن ( 98هـ ) والقاسم ابن محمد ( 107هـ ) فكتبه له (7).

كما أمر ابن شهاب الزهري ( 124هـ ) وغيره بجمع السنن (8)، وربما لم يكتف عمر بن عبدالعزيز بأمر من أمرهم بجمع الحديث، فأرسل كتبا إلى الآفاق يحث المسئولين فيها على تشجيع أهل العلم على دراسة السنة وإحيائها، ومن هذا ما يرويه عكرمة بن عمار قال : سمعت كتاب عمر بن عبدالعزيز يقول : ( أما بعد فأمروا أهل العلم أن ينتشروا في مساجدهم، فإن السنة كانت قد أميتت ) (9).

بل هناك أخبار تثبت أن عمر بن عبدالعزيز قد شارك العلماء في مناقشة بعض ما جمعوه ومن ذلك ما رواه أبو الزناد – عبدالله بن ذكوان القرشي ( 131هـ ) قال : ( رأيت عمر بن عبدالعزيز جمع الفقهاء فجمعوا له أشياء من السنن فإذا جاء الشيء الذي ليس العمل عليه، قال : هذه زيادة ليس العمل عليها ) (10).

من هنا يتبين لنا أن عمر بن عبدالعزيز قد بذل جهدا كبيرا في المحافظة على السنة مع قصر مدة خلافته، فقد طلب من أبي بكر بن حزم جمع الحديث، وأبو بكر هذا من أعلام عصره، قال فيه مالك بن أنس : ( ما رأيت مثل أبي بكر بن حزم أعظم مروءة ولا أتم حالا ... ولي المدينة والقضاء والموسم (11)وعنه قوله : " لم يكن عندنا أحد بالمدينة عنده من علم القضاء ما كان عند أبي بكر "(12)، وكان قد طلب منه أن يكتب إليه حديث عمرة بنت عبدالرحمن وهي خالته، نشأت في حجر عائشة، وكانت من أثبت التابعين في حديث عائشة رضي الله عنها )(13) .

وأما القاسم بن محمد بن أبي بكر ( 107هـ ) الذي ذكر في بعض الروايات فهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، عالم أهل زمانه، تلقى علمه عن عمته عائشة رضي الله عنها، وعائشة أم المؤمنين معروفة بعلمها وتعمقها في السنة وهي غنية عن التعريف .

وأما ابن شهاب أحد الذين شاركوا في الجمع والكتابة فهو أحد أعلام ذلك العصر كان قد كتب السنن وما جاء عن الصحابة أثناء طلبة العلم(14)، وكان ذا مكانة رفيعة، فقد روى عن أبي الزناد أنه قال : ( كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع ، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس ) (15).

وإذا كانت المنية قد اخترمت الخليفة الراشد الخامس قبل أن يرى الكتب التي جمعها أبو بكر – كما يذكر ذلك بعض العلماء (16)فإنه لم تفته أولى ثمار جهوده التي حققها ابن شهاب الزهري الذي يقول : ( أمرنا عمر بن عبدالعزيز بجمع السنن فكتبنا دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتر )(17).

وعلى هذا يحمل ما قاله المؤرخون والعلماء ( أول من دون العلم ابن شهاب )(18) وله أن يفخر بعمله هذا فيقول : ( لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني )(19) .

وقد اعتبر علماء الحديث تدوين عمر بن عبدالعزيز هذا أول تدوين للحديث ورددوا في كتبهم هذه العبارة : ( وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبدالعزيز ونحوها )(20) .

ويفهم من هذا أن التدوين الرسمي كان في عهد عمر بن عبدالعزيز ، أما تقييد الحديث وحفظه في الصحف والرقاع والعظام فقد مارسه الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقطع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ، بل بقى جنبا إلى جنب مع الحفظ حتى قيض الله للحديث من يودعه المدونات الكبرى .









(1) - تقييد العلم ص 50- جامع بيان العلم 1/64.

(2) - عناية المسلمين بالسنة للدكتور الذهبي ص 18- دراسات في مناهج المحدثين ص 78-79.

(3) - تقييد العلم ص 108.

(4) - صحيح البخاري، كتاب العلم باب كيف يقبض العلم ( 1/234 ) فتح .

(5) - فتح الباري 1/194.

(6) - موطأ مالك، المقدمة لعبدالحي اللكنوي 13، تقييد العلم ص 105،سنن الدارمي ، المقدمة، باب من رخص في كتاب العلم 1/137.

(7) - مقدمة الجرح والتعديل ص 21، والمراد أن يكتب له حديث عمرة لأنها توفيت قبل سنة ( 99هـ) السنة التي تولى فيها عمر بن عبدالعزيز الخلافة وواضح هذا في الخبر الذي قبله .

(8) - جامع بيان العلم 1/76.

(9) - المحدث الفاصل ص 153- السنة قبل التدوين ص 330.

(10) - قبول الأخبار ص 30 نقلا عن السنة قبل التدوين ص 330.

(11) - تهذيب التهذيب 12/39.

(12) - تهذيب التهذيب 12/39.

(13) - تهذيب التهذيب 12/438، وقال سفيان بن عيينة: أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبدالرحمن. انظر مقدمة الجرح والتعديل ص 45.

(14) - جامع بيان العلم 1/76.

(15) - جامع بيان العلم 1/73.

(16) - قواعد التحديث ص 47.

(17) - جامع بيان العلم 1/76.

(18) - جامع بيان العلم 1/76- حلية الأولياء 3/363.

(19) - الرسالة المستطرفة ص 4.
(20) - قواعد التحديث ص 71- توجيه النظر ص 7 وإرشاد الساري 1/14.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #57  
قديم 31-03-2019, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (57)

الحفاظ على المدارس الحديثية وتوسيعها
لما انتشرت الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعة بلاد الإسلام دخل كثير من أهل تلك البلاد في هذا الدين الجديد وقد احتاجوا إلى من يرشدهم ويعلمهم ويفقهم في الدين فما كان من الصحابة والتابعين إلا أن أقاموا في كل بلد دخلوها المساجد وأقاموا فيها حلقات للتعليم يعلمون الناس فيها القرآن والحديث، وهكذا أصبحت في الأقاليم والأمصار الإسلامية، مراكز علمية، ومدارس حديثية، تتواصل فيها الحلقات، ويتلقى فيها التلاميذ عن الشيوخ، ويجدر بنا أن نذكر لمحة موجزه عن هذه المدارس، فنقول وبالله التوفيق .
- مدرسة المدينة : كان فيها كثير من كبار الصحابة الذين أبوا أن يغادروها منهم عبدالله بن عمر وعائشة أم المؤمنين وجابر بن عبدالله وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم، وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم سعيد بن المسيب وابن شهاب الزهري، وسالم بن عبدالله بن عمر، وعروة بن الزبير بن العوام، وعبدالله بن ذكران المشهور بأبى الزناد، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبو بكر عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ونافع مولى عبدالله بن عمر، وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، وأبو جعفر محمد بن الحسين المعروف بالباقر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة بن أبي عبدالرحمن فروخ وسليمان بن يسار مولى السيدة ميمونة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرهم )(1) .

- مدرسة مكة : كان بها كثير من الصحابة منهم عبدالله بن عباس، وعثمان بن طلحة، وعتاب بن أسيد، وعبدالله بن السائب المخزومي، وعكرمة بن أبي جهل ،وعباس بن أبي ربيعة، وصفوان بن أمية، والحارث بن هشام، وغيرهم، وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم عطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر مولى بني مخزوم ،وعبدالملك بن عبدالعزيز بن جريح ،وعكرمة مولى بن عباس، وأبو الزبير محمد بن مسلم مولى حكيم بن حزم وغيرهم(2).

ولابد أن نذكر هنا علو منزلة مدرسة المدينة ومكة وأثرهما في تبادل الثقافة ونشر الحديث النبوي في مواسم الحج، حيث يلتقي فيها المسلمون ويجتمع أكثرهم بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتابعين ويحملون معهم الكثير الطيب من حديثة عليه الصلاة والسلام إلى بلادهم . ولا تزال لمكة والمدينة هذه المكانة إلى يومنا هذا، وستبقى ما بقى الإسلام إلى يوم الدين، وكان أشهر من تخرج في مدرسة الحجاز من أتباع التابعين الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب.

- مدرسة الكوفة :
كان بها كثير من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود، وخباب بن الأرت، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي وأبو موسى الأشعري، والبراء بن عازب، وعمار بن ياسر، والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب وغيرهم . وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم أبو محمد سليمان الأعمش، والأسود بن يزيد النخعي، وشريح بن الحارث الكندي، وأبو عمرو عامر بن شراحبيل الشعبي، وسعيد بن جبير، ومسروق بن الأجدع الهمذاني، وعلقمة بن قيس النخعي، وعبيدة بن عمر السلماني، وإبراهيم بن زيد النخعي وغيرهم . وكان أشهر من تخرج بمدرسة الكوفة من أتباع التابعين هو سفيان الثوري ووكيع بن الجرح(3).

- مدرسة البصرة : نزل بها كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار، وعبدالرحمن بن سمرة، وعتبه بن غزوان، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة،، وعبدالله بن مغفل المزني، وغيرهم. وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، ومحمد ابن سيرين مولى أنس بن مالك، وأبو الخطاب قتادة بن دعامة العروسي، وأبو بردة بن أبي موسى، ومطرف بن عبدالله بن الشخير، وأبو العالية ربيع بن مهران الرياحي، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، والحسن بن أبي الحسن يسار مولى زيد بن ثابت، وكان أشهر من تخرج منها من أتباع التابعين يحيى بن سعيد القطان وشعبه بن الحجاج وعبدالرحمن بن مهدي(4).

- مدرسة الشام :
نزل بها كثير من الصحابة، منهم معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء الأنصاري، والفضل بن العباس، وعبدالرحمن بن غنم ،وشرحبيل بن حسنة وغيرهم، وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم، أبو نصر رجاء بن حيوة الكندي الفلسطيني، وعائذ الله أبو إدريس الخولاني، ومكحول بن أبي مسلم مولى امرأة من هذيل، وقبيضة بن ذؤيب، وعبدالرحمن ابن غنم الأشعري، وعمر بن عبدالعزيز بن مروان، وغيرهم، وكان أشهر من تخرج فيها من أتباع التابعين عبدالرحمن الأوزاعي(5).

- مدرسة مصر : نزل بها كثير من الصحابة منهم عبدالله بن عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر الجهني، وخارجة بن حذافة، وعبدالله بن سعد بن أبي السرح، وأبو بصرة الغفاري، وغيرهم، وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب المصري مولى الأزد، وأبو الخير مرشد بن عبدالله اليزني، وعمر بن الحارث، وخير ابن نعيم الحضرمي، وعبدالله بن سليمان الطويل، وعبدالرحمن بن شريح الغافقي، وحيوة ابن شريح التجيبي ، وغيرهم. وقد كان ليزيد بن أبي حبيب أثر بعيد في نشر الحديث في مصر، فقد تتلمذ عليه الليث بن سعد، وعبدالله بن لهيعة اللذان تتلمذ عليهما خلق كثير، وكانا في عصرهما محدثي الديار المصرية(6).

والخلاصة أن هذه المدارس التي عرضنا لها كان لها دور كبير وأثر بالغ في تواصل الحلقات العلمية وانتقال الأحاديث النبوية للأجيال المتتالية حتى دونت السنة في المصنفات، الأمر الذي جعلنا نرى في الأحاديث النبوية أحاديث أسانيدها مدنيون، وأخرى أسانيدها مكيون، وأخرى أسانيدها شاميون وأخرى أسانيدها بصريون وهكذا وهذا معناه أن هذه المدارس قد حافظت على تواصل حلقات الرواية جيلا إثر جيل . (1) - السنة قبل التدوين ص 164، محاضرات في علوم الحديث ص 186.
(2)
- السنة قبل التدوين ص 165- محاضرات في علوم الحديث ص 187.

(3)
- السنة قبل التدوين ص 167- محاضرات في علوم الحديث ص 187.

(4)
- السنة قبل التدوين ص 167- محاضرات في علوم الحديث ص 188.

(5)
- السنة قبل التدوين ص 168- محاضرات في علوم الحديث ص 188.

(6) - السنة قبل التدوين ص 170-171-محاضرات في علوم الحديث ص 189.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #58  
قديم 31-03-2019, 12:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (58)




الفرق بين منهج الصحابة ومنهج التابعين

في الصفحات الماضية وقفنا على منهج الصحابة والتابعين في حفظ السنة ولاحظنا شدة الارتباط الفكري بين الصحابة والتابعين في المنهج والمسلك حفاظا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أن بعض الظروف قد جدت في عصر التابعين جعلتهم يجتهدون في تثبيت القواعد التي تصون السنة، ويمكننا عرض ذلك في نقاط هي :
1- سلك التابعون منهج الصحابة في التثبت من الروايات لكنهم لم ينهجوا منهج الصحابة من التقليل في الرواية بل أكثروا من رواية الحديث ونشره .
2- شدة العناية بالإسناد فنجد أن الصحابة وإن نشأ في عصرهم بذور الإسناد فإنه قد نما وتطور في عصر التابعين، بل وتأصل في عصرهم التفتيش عن أحوال الرجال نتيجة للملابسات التي جدت في عصرهم ولم تكن موجودة في عصر أسلافهم الصحابة كوجود المذاهب الدينية والأحزاب السياسية والتي نتجت عن الفتنة التي حدثت في عصر عثمان رضي الله عنه .
يشهد لذلك ما جاء عن محمد بن سيرين : ( لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ عنهم ) (1).
وقال ابن سيرين أيضاً : ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ) (2).
وروى الدرامي بسنده عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : ( لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم ) (3).
3- التوسع في الكتابة فنجد أن كتابة السنة على مستوى الأفراد وحفظها في الصحف والرقاع والعظام قد مارسه الصحابة والتابعون، وإن كان التابعون قد أضافوا مؤلفات جديدة فوق مؤلفات الصحابة – وقد سبق بيان ذلك – غير أن الجديد في عصر التابعين هو التدوين الرسمي الذي تبنته الدولة وقامت على أمره صيانة للحديث وخوفا عليه من الضياع وذلك ما قام به خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه وأرضاه .
4- تميز السنة كعلم مستقل عن العلوم الأخرى، ومن هنا وجدنا في التابعين من اشتهر بالحديث كالزهري والشعبي، ومن اشتهر بالتفسير كقتادة ومجاهد وعكرمة، ومن اشتهر بالسيرة والمغازي كعروة بن الزبير وأبان بن عثمان .
5- وجود المصنفات المستقلة بالسنة كالسنن لمكحول، والأطراف لمحمد بن سيرين.
6- التوسع في الرحلة لدرجة قياس العالم بكثرة رحلاته .
7- وضع بواكير علم الرجال وقواعد المصطلح .
8- الحفاظ على المدارس الحديثية وتوسيعها الأمر الذي أدى إلى تواصل حلقات الرواية في الأجيال .


(1) مقدمة صحيح مسلم 1/14.
(2) مقدمة صحيح مسلم 1/14.
(3) سنن الدارمي، باب اجتناب أهل الأهواء والبدع والخصومة 1/110.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #59  
قديم 02-04-2019, 05:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (59)



أئمة الحديث من التابعين



كان للجهود التي بذلها التابعون في الحفاظ على السنة ونشرها ثماراً مباركة فقد خرجت أفذاذا من الجيل حازوا قصب السبق في هذا الميدان لاجتهادهم وإخلاصهم فيه فكان لهم من الخلف مزيد الثناء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

قال جعفر بن ربيعه : قلت لعراك بن مالك : من أفقه أهل المدينة ؟ قال : أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقهم فقها وأعلمهم علما بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثا فعروه بن الزبير، ولا تشاء أن تفجر من عبيدالله بن عبدالله بحرا إلا فجرته، وأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب، فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه .

وقال الزهري : العلماء أربعة : سعيد بن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن بالبصرة، ومكحول الشام .

وقال أبو الزناد : كان فقهاء أهل المدينة أربعة : سعيد بن المسيب، وقبيضة بن ذؤيب، وعروة بن الزبير، وعبدالملك بن مروان .

وقال الزهري : أربعة من قريش وجدتهم بحوراً : سعيد بن المسيب، وعروة ابن الزبير، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وعبيد الله بن عبدالله .

وقال ابن سيرين : قدمت الكوفة وبها أربعة آلاف يطلبون الحديث، وشيوخ الكوفة أربعة: عبيدة السلماني، والحارث الأعور، وعلقمة بن قيس، وشريح القاضي، وكان أحسنهم .

وقال الشعبي : كان الفقهاء بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكوفة من أصحاب ابن مسعود هؤلاء : علقمة وعبيدة، وشريح، ومسروق، وكان مسروق أعلم بالفتوى من شريح، وشريح أعلم بالقضاء، وكان عبيدة يوازيه .

وقال ابن عون وقيس بن سعد : لم ير في الدنيا مثل ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام، وطاووس باليمن .

وقال قتادة : أعلم التابعين أربعة : عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وسعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وعكرمة مولى ابن عباس أعلمهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والحسن أعلمهم بالحلال والحرام .

وقال سليمان بن موسى : إن جاءنا العلم من ناحية الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه، وإن جاءنا من البصرة عن الحسن البصري قبلناه، وإن جاءنا من الحجاز عن الزهري قبلناه، وإن جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه، وكان هؤلاء الأربعة علماء الناس في زمن هشام .

وقال أبو داود الطيالسي: وجدنا الحديث عند أربعة : الزهري وقتادة والأعمش وأبي إسحاق، قال : وكان الزهري أعلمهم بالإسناد، وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف، وكان أبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وعبدالله، وكان عند الأعمش من كل هذا (1).

من خلال هذا العرض لكلام العلماء في أئمة الحديث من التابعين نجد أن عددهم قد بلغ ستة وعشرين راويا هم :

1- سعيد بن المسيب .

2- عروة بن الزبير .

3- عبدالله بن عبيدالله .

4- ابن شهاب الزهري .

5- الشعبي .

6- الحسن البصري .

7- مكحول الدمشقي .

8- قبيضة بن ذؤيب .

9- عبدالملك بن مروان .

10-أبو سلمة بن عبدالرحمن .

11-عبيدة السلماني .

12-الحارث الأعور .

13-علقمة بن قيس .

14-شريح القاضي .

15-مسروق الأجدع .

16-محمد بن سيرين .

17-القاسم بن محمد .

18-رجاء بن حيوه .

19-طاووس .

20-عطاء بن أبي رباح .

21-سعيد بن جبير .

22-عكرمة .

23-ميمون بن مهران .

24-قتادة .

25-أبو إسحاق السبيعي .

26-الأعمش .

وهؤلاء الرواة عدا قليل منهم عليهم تقوم أصح الأسانيد والتي تعرف بسلاسل الذهب منها مثلا :

1- الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس عن عمر .

2- محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي .

3- علي بن الحسين بن علي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص.

4- الأعمش عن إبراهيم بن علقمة عن ابن مسعود .

5- الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة .

6- مالك عن الزهري عن أنس . (2)







(1) المنهج الحديث في علوم الحديث للدكتور – محمد السماحي ص 201-202، تدريب الراوي 2/399-401.

(2) انظر ألفية السيوطي بشرح الشيخ أحمد شاكر ص7-9.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #60  
قديم 02-04-2019, 05:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,077
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

ا.د.فالح بن محمد الصغير

الحلقة (60)


السنة في عصر أتباع التابعين



تقدم أن وضع الحديث بدأ في عصر التابعين نتيجة للفتنة التي أدت إلى انقسام الأمة إلى أحزاب سياسية اتخذت شكلاً دينياً، وحاول كل قسم أن يدعم موقفه بوضع أحاديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلنا إن الصحابة والتابعين قاوموا الوضع ووقفوا في وجه أهل الأهواء والبدع وبينوا الصحيح من السقيم .
أما في عصر أتباع التابعين فقد كثر الوضع وازداد، وتفشى التحلل والكذب في الأمة، حتى اشتهرت بعض البلاد بوضع الأحاديث مثل ( العراق )(1)، التي سميت ( بدار الضرب ) تضرب فيها الأحاديث كما تضرب الدراهم، مما دعا الإمام مالك أن يقول : ( نزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب : لا تصدقوهم ولا تكذبوهم ) (2).
وكان ابن شهاب الزهري يقول : ( يخرج الحديث من عندنا شبرا فيعود لنا من العراق ذراعاً ) (3).
من هنا كانت الحاجة ماسة إلى وقفة جادة من علماء أتباع التابعين في وجه الوضاعين الذين اشتهروا بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

منهج النقد في عصر أتباع التابعين :
اتسع النقد في عصر أتباع التابعين، وظهر كثير من أئمة الحديث وجهابذته الذين كتبوا ما تحملوه، وحرروا ما حفظوه، وتكون عندهم رصيد ضخم من السنة النبوية، كما تعددت عندهم أسانيدها، واختلفت طرق روايتها، وقد أكسبهم كل ذلك خبرة تامة في نقد المتون وبصيرة ناقدة في أحوال الرواة، وقد تأسوا في ذلك بمنهج التابعين .
يقول ابن حبان : ( ثم أخذ عن هؤلاء – أي التابعين – مسلك الحديث وانتقاد الرجال، وحفظ السنن، والقدح في الضعفاء جماعة من أئمة المسلمين والفقهاء في الدين منهم : سفيان بن سعيد الثوري، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وعبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي، وحماد بن سلمة، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة في جماعة معهم).
إلا أن من أشدهم انتقاء للسنن وأكثرهم مواظبة عليها، حتى جعلوا ذلك صناعة لهم لا يشوبها بشيء آخر ثلاثة أنفس : مالك، والثوري، وشعبة(4) .
كان أئمة الحديث في عصر أتباع التابعين على جانب عظيم من الوعي والإطلاع، فقد كانوا يتحرون في نقل الأحاديث ولا يقبلون منها إلا ما عرفوا طريقها ورواتها، واطمأنوا إلى ثقتهم وعدالتهم، يشهد لذلك ما رواه ابن حبان بسنده عن مطرف بن عبدالله قال : أشهد لسمعت مالكا يقول : ( أدركت بهذا البلد مشيخة من أهل الصلاح والعبادة محدثون ما سمعت من واحد منهم حديثا قط، قيل : ولم يا أبا عبدالله ؟ قال : لم يكونوا يعرفون ما يحدثون ) (15).
وحذر الإمام مالك من أربعة أصناف لا يؤخذ عنهم الحديث، قال : ( لا يؤخذ العلم عن أربعة : رجل معلن بالسفه وإن كان أروى الناس، ورجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا أتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، وشيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث به )(6).
كما أنهم تتبعوا الكذبة، وكشفوا عن نواياهم، وحذروا الناس منهم ومنعوهم من التحديث.
روى الإمام مسلم بسنده عن يحيى بن سعيد قال : ( سألت سفيان الثوري، وشعبة، ومالكا، وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتا في الحديث، فيأتيني الرجل فيسألني عنه، قالوا : أخبر عنه أنه ليس بثبت )(7).
وروى مسلم عن عبدالله بن المبارك قال : قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله(8)، وإذا حدث جاء بأمر عظيم : فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه ؟ قال سفيان : بلى . قال عبدالله : فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد، أثنيت عليه في دينه، وأقول : لا تأخذوا عنه(9) .
وقال عبدالله بن المبارك : انتهيت إلى شعبة فقال : هذا عباد بن كثير فاحذروه(10).
وكان العلماء يحذرون طلاب العلم من الكتابة عن الضعفاء والمتروكين، يقول معاذ العنبري: كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط ، فكتب إلي : لا تكتب عنه شيئا، ومزق كتابي (11).
وكان الإمام شعبة بن الحجاج شديدا على الكذابين ، لا يتوانى عن إظهار عيوبهم، وفي هذا يقول غندر (12): ( رأيت شعبة راكبا على حمار، فقيل له : أين تريد يا أبا بسطام؟ فقال : أذهب فأستعدى على هذا يعني جعفر بن الزبير وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حديث كذب ) (13).
وكان أئمة الحديث في هذا العصر يحفظون الصحيح والضعيف والموضوع حتى لا يختلط عليهم الحديث، وليميزوا الخبيث من الطيب، وفي هذا يقول الإمام سفيان الثوري : ( إني لأروى الحديث على ثلاثة أوجه : أسمع الحديث من الرجل أتخذه دينا، وأسمع من الرجل أقف حديثه، وأسمع من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته ) (14).
وكثيراً ما كانوا يتذاكرون الحديث ويتدارسونه فيما بينهم، فيأخذون ما عرفوا ويتركون ما أنكروا، وفي هذا يقول الإمام الأوزاعي: ( كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما يعرض الدرهم الزيف على الصيارفة، فما عرفوا منه أخذنا، وما تركوا تركناه )(15).

(1) لوقوع أكثر الفتن فيها بعد استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه .
(2) المنتقى من منهاج السنة : ص88.
(3) ضحى الإسلام : ج 2 ص 152.
(4) المجروحين لابن حبان : ج 1 ص40.
(5) المصدر السابق : ج 1 ص 42.
(6) انظر الجرح والتعديل : ج 1 ص 32، والكفاية : ص116.
(7) صحيح مسلم ، المقدمة، ج1ص 17.
(8) يعني أنت عارف بضعفه .
(9) صحيح مسلم، المقدمة ، ج 1ص 17.
(10) نفس المصدر والموضع .
(11) المصدر السابق : ج 1ص 23.
(12) هو : محمد بن جعفر المدني، البصري، المعروف بـ ( غندر ) بضم فسكون ففتح .
(13) تهذيب التهذيب : ج 2 ص 91.
(14) الكفاية للخطيب : ص 402.
(15) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم : ج 1ص 21.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 195.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 189.68 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (3.01%)]