ابتسامة وشقاوة (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-06-2021, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي ابتسامة وشقاوة (قصة قصيرة)

ابتسامة وشقاوة (قصة قصيرة)
د. مصطفى عطية جمعة



أعلم أنه يكذب، ويمعن في كذبه كلما حلف، إنه صديقي الولد " سعد " الذي ملأ أذنيّ وهو يحكي عن الفدادين الكثيرة التي يمتلكها أبوه في قريتهم، وعن بيتهم الكبير هناك، وعن أجولة الغلّة التي تحملها العربات من ريع أرضهم، لتستقر في مخزن أبيه في " سوق التبن "، وتفاخره بأنهم أول بيت اشترى التلفزيون الملّون في الحارة، في زمن كانت أجهزة الأبيض والأسود عزيزة لدى الناس.

ذات مرة، اصطحبني إلى دكان أبيه ذي السقف المسقوف بعروق خشبية، والقابع أسفل بيت كبير مهجور، مزدانة واجهته بزخارف قديمة، تعود لأيام العثمانلي، كما علمت من جدّي.

نظر لي أبوه شزراً، ولم يطل النظر، فقد وضع أسفل شاربه الكثّ مبسم "الجوزة " فتتابعت سحب دخانها الملتف لتملأ فضاء الدكان. على الحائط صور عديدة لأبي سعد، بعضها وسط السوق، وأخرى في أعراس، يرتدي نفس ملابسه التي أراه بها الآن، جبة وقفطان، وإن تعددت ألوانها، واختلفت ملامحه بين شباب وشيبة. انشغل سعد بأمر من أبيه بحمل أجولة إلى خارج المحل، وتسمرت أنا في ركن قصي، لا تنتبه عينٌ لهيئتي المحدودة الحجم.

جذبني بدير - أخو سعد الأصغر كثير الثأثأة في كلامه - لنشاهد مخزن دكانهم في الحارة المسدودة المجاورة، بابه خشبي ضخم، بمطرقة حديدية صدئة، تسللنا من فرجة الباب؛ أجولة متراصة وإن قلّت، أين الغلّة التي تحملها السيارات؟ ثمة رائحة عفنة ممزوجة بذرات الحبوب المتطايرة.
الكذاب لا أرجل له... ولا أيدي كما يقول جدي.
♦ ♦ ♦


أعجبتني في سعد خفة حركته، وابتكاره لألعاب كثيرة، والتفاف عيال الحارة حوله، يشاركني في قروشي اليومية، كي أضمن وجودي في أية تقسيمة للعب الكرة أو في أي لعبة ليلية، أما بدير فما أسرع وأعلى قفزه.

ثلاثتنا كنا نجتمع: سعد وبدير وأنا، بعد أن يشتري كل منا قرطاس كشري، نفرغ القراطيس الثلاثة في كيس بلاستيكي مبسوط، ونقلب طعامنا. يضحك سعد وهو يزدرد الأرز والمكرونة، ويقول: ما رأيكم في هذا الغداء؟
تأوهت بسبب الشطة الحارة التي ألهبت حلقي، ولكنني أسرعت ألتقف المزيد قبل أن يأتي الأخوانِ على ما تبقى.

فعلت هذا، بعدما عدت شبه جائع مرات وأنا أشاركهما في الطعام، مرةً عندما أصرّ سعد أن نشتري طعمية، بدلا من السندويشات، وكم كان بارعا وهو يكوّر اللقمة ويحشوها بقرص طعمية، ومعها بعض السلاطة، ويدفعها لحنكه، ومرة أخرى اشترينا فيها محشي الكرنب، ساعتها كانت بطني خاوية، وأشحت فيها بصري عن المرأة الريفية التي افترشت ناصية السوق، وقد كشفت الغطاء عن حلّتها الممتلئة بالمحشي، فيما حام الذباب عن قرب منها، المنظر مقزز، رائحة الحلّة تختلط برائحة الخضار المعطن. عاد سعد حاملاً أصابع الكرنب على ورقة، ومعها رغيفان، وكان نصيبي في نهاية الأمر، شطر رغيف به إصبعا محشي، وضحكت على سعد الحائر بين الخبز والكرنب، بأيهما يبدأ.
♦ ♦ ♦


ارتقيت سلالم بيتهم الحجرية، والتي التفّت بي حتى أوصلتني إلى الطابق الثالث، باب الشقة مفتوح، الشقة موصولة بالسطح المكتظ بعشش الفراخ، أم سعد مفترشة الأرض، وأمامها " بميّة " في صينية، تشبك حباتها بخيط طويل كي تعلّقها لتتجفف، أمه ثخينة البطن والأرجل، تشبه أباه بشكل كبير، أخبرني سعد أنها ابنة عم أبيه، وأن عائلتهما موصوفة بالسمنة، دلالة على الغنى والعز، علق السؤال في أعماقي وأنا أتعجب من نحافة الأخوين سعد و بدير، وإن زال تعجبي بعدما تذكرت نهمهما للطعام، واسترجعت مقولة عيال الحارة إن لحمهما تحت عظامهما.

أجلسني في الصالة، والذباب يتطاير حولي، حملقت في التلفزيون، فيلم إسماعيل ياسين في الأسطول البحري، غرقت في الضحك عليه وعلى عبد المنعم إبراهيم الأزهري المعمم، وشاركني سعد وبدير وأمهما في الضحك، مرّت أخته الكبرى " مُنى "، بيضاء لينة القوام، صوتها رخيم، ضحكتْ قليلا، ثم حملتْ خيطان البمية إلى الشرفة، تعجبي: لا تشبه أمها ولا أباها، كلاهما حنطي بكرش كبير وأرجل غليظة..، كعادتي الصمت يعلو وجهي، وإن نطقت متسائلاً بسعادة بعدما انتهى الفيلم: أين تلفزيونكم الملون الذي أخبرتني عنه يا سعد؟
♦ ♦ ♦


عاد جارنا أبو خالد من ليبيا بعد سبع سنين، شاهدناه يعيد بناء البيت، فازدحمت طرقات الحارة بالإسمنت والحديد، وارتفعت أعمدة الخرسانة لثلاثة أدوار، وبدأ تشطيب البيت. جرّني سعد لالتقاط بقايا الإسمنت والجير والبويات، سألته عن السبب، وأنا أقلده فيما يفعل، أخذني إلى بيت القاضي بسوره الحجري القديم، وخطط خطوطا طويلة على السور، وشرح للعيال المتجمعين، كل واحد يأخذ مساحة من السور، ويصبغها، وتكون شقة له، هكذا تخيّل، وجعلنا نحلّق معه، رسم سعد على قطعته: غرفة النوم والصالة..، فعلنا مثله، واشتد حلمنا، وأسرعنا لجلب المزيد من الأصباغ..
في نهاية النهار، لاحقنا أبو خالد وعياله، وسبونا: يا حرامية.
♦ ♦ ♦


تجمهر الناس أمام بيت سعد، كانت أمه تفترش العتبة، وتصرخ مولولة، ابنها " صلاح " الكبير خرج من ثلاثة أيام، نفت أن يكون أبوه قد شتمه أو ضربه، ارتكن بعض الرجال، تهامسوا؛ أن يكون ركض وراء بنت أو امرأة، وتذكروا هروبه من المدرسة الصناعية، ومعاكسته لبنات الحارة من فوق السطح. استمرت الأم في العويل، وبرزت ابنتها "منى" البيضاء؛ تُربِت عليها، وتمسح دموعها القليلة، وإن خبا نشيجها، تجاورت الأم بصراخها الجاف، مع الابنة بصوتها الهامس، ساعة وانفض الجمع، بعدما قدم الزوج أبو صلاح، ونهر زوجته، فصمتت سريعا، وصعدت إلى بيتها.

بعد يومين، أعلنوا في الحارة، أنهم وجدوا الابن صلاح في الجيزة، عند الأهرامات، ونامت الحارة على شتائم الأب لابنه والأم التي أنجبته، وإن تهامسوا بأنه سرق مئة جنيه من محفظة أبيه، وأنفقها في شارع الهرم.
♦ ♦ ♦


طالعني أخوه الأكبر " محمود " وأنا واقف على باب شقتهم، تلجلجت وأنا أستفسر عن سعد أو بدير، لم يرد، بل نظر باستهانة لهيئتي الصغيرة ثم غاب داخل الشقة تاركا الباب مواربا.. وقفت في حيرة، جاءت " منى "، اهتززت، نادتني باسمي وكأنها تعرفني، تكبرني بسنوات، وإن بدت كاملة الأنوثة، تلعثمي.. ابتسامتها..، أعلم أن أباها أجبرها على ترك المدرسة الإعدادية، استعدادا لزواجها من أحد أقاربها، سألتني عما أريد، اشتد اضطرابي، غمغمت باسم أخويها سعد وبدير، قالت إنهما في الدكان، وسيعودان بعد قليل، دعتني لانتظارهما في السطح..، شكرتها، وتعثرت في نزولي على درجات السلم.

تكررت زياراتي، أتسمّر عند الباب..، مرات أحادثها، ومرات تمرق أمامي، دائمة الابتسام، وثمة خصلات من شعرها تفرّ من طرحتها التي لا تحكم لفّها. أتهتم بي؟ لعلها..
♦ ♦ ♦


سنلعب اليوم في سوق الخضار.
كنت مع سعد، ولا يزال عيال الحارة حول طبليات الفطور والفول، لم أسأله عن السبب، واثقا كنت أن هناك لعبة جديدة سنلعبها. اشترينا بقروشي سندويشين طعمية، التهمناها سريعا، ثم نظرنا لبعضنا؛ لازلنا جوعى.

السوق مزدحم، عينا سعد تشع شررا، يغوص في الزحام، اقترب من بائعة الطماطم، مدّ يده منتقيا بعض الثمرات، متظاهرا بالشراء، وسرعان ما استقرت في جيب جلبابه ثمرتان، تسلل من بين الأرجل، ناولني واحدة، وهو يضحك ساخرا من البائعة، متفاخرا بخفته، ترددت في الأكل..، سخر مني أيضا..

لا زلنا في السوق، أخرج " موسى " من جيبه، واتجه نحو رجل ضخم الجسد في مقهى وسط السوق المزدحم، وقد تدلى بطنه أمامه، وتنقلت شفتاه بين الشاي ونفث الدخان، اقترب سعد منه، وراح يشق سيّالة جلبابه (الجيب الجانبي)، والرجل لاه، فاتساع جلبابه وتهدله، يجعله غير شاعر بالموسى الذي يتلوى بهدوء حتى رأيت النقود المعدنية تنحدر من السيالة ومنها إلى يد سعد ثم خبّأها في صدره، وسار مع السائرين في زحمة السوق.

عدّ غنيمته؛ حوالي خمسين قرشاً، موزعة ما بين خمسات وعشرات فضية، يا له من مبلغ يمكن أن نأكل به مكرونة باللحم في مطعم، ونجلس على الكراسي واضعين أرجلنا فوق بعضها، بل فوق الطاولة نفسها.

حين أمسكت بالشوكة، ملأت أنفي رائحة الخضار المعطّن، وأوشكت أن أتقيأ، فيما كان سعد وبدير نهمين، وهما يزدردان.
♦ ♦ ♦


مرات كثيرة تعاركت مع سعد وبدير، وكنا نتصالح بعدها بيوم أو أيام، نبدأ يومنا باللعب، ثم نختمه باختلاف وسباب وتضارب بالأيدي أو تبادل الطوب، وكنت أنتصر نظرا لكبر جسدي بالقياس لجسدي الأخوين الصغيرين، وفي المرة الأخيرة، اختلفنا في الفائز في لعبة العسكر والحرامية، من لمس حائط الأمان قبل الآخر... اغتظت، فالحق معي، وكانت الأسبق، اشتد عراكنا، ضربتهما بقسوة، فأصرا على ملاحقتي، استطعت الإفلات ولذت ببيت جدي حتى اشتد سواد الليل، وسكنت الأجساد، حيث تسللت إلى بيتنا، في اليوم التالي، تحصنت بعيال حارتنا، وشكّلنا عصابة جديدة، وقد تعاظمت كراهية الأخوين في أعماقي.
♦ ♦ ♦


سنوات مرّت.. كنت في سني الشباب الأولى.
لم أعرفها..، اشتدت سمنتها، مالت للسمرة، تحمل رضيعا، وتجرّ آخرينِ، وزوجها بجانبها، يرتدي جلبابا بلديا واسعا، ويلفّ "لاسة" حول رقبته، إنها منى، لاشك أنها تزوجت من أبناء عمومتها..، بدت في سيرها والأساور تتزاحم في رسغيها، أشبه بأمها، وبدا زوجها أشبه بأبيها...، تسمّرت، كان لابد أن تراني، ابتسمت بعد تقطيب، نفس ابتسامتها وهي تمرق بين الصالة والسطح.
ساعتها اشتقت لكذب سعد وشقاوته، وثأثأة بدير وقفزاته العالية.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.39 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]