سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن ) - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أنوية العلمانيين، وهم يواجهون أعداءهم من أهل القبلة، وحراس العقيدة... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          لفظ (الناس) في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 20-06-2009, 12:57 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (39)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي

ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة الأعراف ﴿
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ ﴿203[الأعراف: 203].

لقد كان المشركون لا يكفون عن طلب الخوارق من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاهلين حقيقة الرسالة وطبيعة الرسول، وأنه يتلقى من الله ما يعطيه، ولا يقدم بين يدي الله، ولا يقترح عليه، ولا يأتي بشيء من عند نفسه. ولكن أهل الشرك –في عمى وجهالة- يطلبون الآيات وما هم بمؤمنين بها ولو جاءتهم كل آية ﴿
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿96﴾ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ ﴿97[يونس: 96، 97]، ﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ ﴾ مما اقترحوا قالوا: هلا أنشأتها من قِبَل نفسك ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي ﴾ وليس لي أن آتي من عند نفسي بشيء.

إنهم لم يقترحوا الآيات ويطلبوها رغبة في الإيمان، وإنما طلبوها إمعاناً في الجحود والنكران. ولو كان الأمر أمر إيمان لكفاهم القرآن.
﴿
أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿51[العنكبوت: 51]، إن هؤلاء لن يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴿111[الأنعام: 111]، ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿7[الأنعام: 7]، وقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يجيبهم بقوله: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي ﴾ ليعرفوا حقيقة الرسالة والرسول وأنه مبلغ عن ربه، لا يملك إلا ما يوحيه إليه، ولا يأتي إلا بما أمره الله به.

كذلك أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم وهو يشير إلى القرآن الكريم ﴿
هَذَا بَصَائِرُ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ ﴾ فأي آيات الله يطلبون وأمامهم هذا الذي يغفلون عنه ﴿ أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾.
إن الخوارق المادية لا تصلح إلا لمن رآها أو عاش في عصرها.
والقرآن الكريم هو كتاب -من عند الله- للزمن كله وللأجيال كلها.
إنه كتاب الدعوة الإسلامية للناس جميعاً في كل زمان ومكان.

وأية خارقة مادية لا تبلغ من الإعجاز ما يبلغه القرآن في أي زمان وفي أي مكان، ولكن الجاحدين -في ظلمهم لأنفسهم- يأبون أن يخضعوا لما تستيقنه نفوسهم ظلماً وعلواً ﴿
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿15﴾ قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿16[يونس: 15، 16].

إن الذين طلبوا الآيات لم يطلبوها لخفاء الأدلة والحجج على صدق الداعي وما نزل من الحق، وإنما طلبوها إمعانا في المكابرة والجحود.
والنفوس إذا جحدت والبصائر إذا عميت لم تسمع ولم تبصر هدى الحق وبيانه ﴿
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ﴿33[الأنعام: 33]، والقرآن هو القرآن للمؤمنين هدى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى. ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴿44[فصلت: 44]، إنه القرآن، يقول عنه العليم الخبير ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿20﴾، إنه بصائر تكشف وتنير، فمن أبصر فلنفسه، ومن عمى فعليها.

فطوبى لمن اتبع هداه واستمسك به، وويل لمن تعمد مخالفته أو الإعراض عنه. اللهم ارحمنا بالقرآن واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة.

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 20-06-2009, 12:58 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (40)

ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة الأعراف ﴿
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الأعراف: 204].

وقد جاءت هذه الآية بعد قوله ﴿
هَذَا بَصَائِرُ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ ﴾ والمناسبة بينة واضحة، لما ذكر -سبحانه- أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة، أمر -سبحانه- بالإنصات عند تلاته؛ إعظاما له واحتراما، لا كما كان يتعمده المشركون من كفار مكة فيقولهم ﴿ لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ﴾.

ولكن يتأكد ذلك في الصلاة المكتوبة إذا جهر ال إمام بالقراءة، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (
إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتو)، وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: 9ل قرأ أحد منكم معي آنفا؟ قال رجل: نعم يا رسول الله قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن. قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما جهر فيه بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).

وقد اختلف العلماء في الحال التي أمر الله بالاستماع لقارئ القرآن والإنصات له، لأن قوله سبحانه: ﴿
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا ﴾ أمر. وظاهر الأمر الوجوب فمقتضاه أن يكون الاستماعُ والسكوت واجبين.

فمن العلماء من يرى أن فحوى هذه الآية على العموم، ففي اي وقت وفي أي موضع قرئ القرآن يجب على كل أحد الاستماعُ له والسكوت.

ومنهم من يرى أنها نزلت في تحريم الكلام في الصلاة، فقد روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم فأمروا بالسكوت والاستماع لقراءة القرآن.

والأخذ بعموم اللفظ في قوله: ﴿
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا ﴾ أولى من قصره على حال دون حال. وإن تأكد ووجب في الصلاة فإن ذلك أرجى في طلب الرحمة. روى الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة. ومن تلاها كانت له نورًا يوم القيامة).

إن تدبر القرآن يستلزم حسن الإصغاء له والعمل به، وقد أنزل الله القرآن وحفظه ليتدبر وليعمل به.

فمن الواجب أن تسلم مجالس القرآن من الصخب أو الاشتغال بغيره ، وأن ينقاد الناس لأوامر القرآن ونواهيه، وأن يتلقوه كما تلقاه الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- وأن يحققوا ما دلت عليه الآيات من الإيمان والعلم والعمل، وأن يتخلقوا بأخلاقه وآدابه، فإنه خطاب من الله موجه إلى الناس، وهم مطالبون بتدبره ومعرفة معانيه والعمل بما جاء فيه.

فليستمعوا له ولينصتوا عند قراءته؛ رجاء أن ينالوا رضوان الله ورحمته، إنه الحق ، وبيان الحق للناس رحمة بهم؛ حتى لا تقودهم الأهواء بعيداً عن ساحته، وبالقرآن وبيان يعرف ما ينتسب للحق وما يخالفه، إنه هدى للناس في دنياهم، ونور في أخراهم، وهو حجة لهم أو عليهم، حجة لهم إن هم أقبلوا عليه وعملوا به، وحجة عليهم إن هم أعرضوا عنه ولم يتبعوه، وبه يرفع الله أقواما ويضع آخرين.

رد مع اقتباس
  #43  
قديم 20-06-2009, 12:59 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (41)

ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمه قوله تعالى في سورة الأنفال: ﴿
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿2[الأنفال: 2].
ففي الآية بيان لتأثير القرآن في قلوب الناس وسلوكهم.
فإن قلوب المؤمنين تستقبل القرآن، كما تستقبل الأرض الطيبة ما ينزل عليها من الغيث، فتهتز وتربو وتنبت وتثمر.
إن للقرآن تأثيره في النفوس وهو يوجهها ويهديها إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وترى أثر ذلك في حسن الاستجابة لله وللرسول، وفي الرضا عن الله في جميع الأحوال، وفي حسن التوكل على الله والاستعانة به سبحانه، وفي الأخذ بالأسباب دون ركون إليها.
إن القرآن الكريم يتعهد قلوب المؤمنين ويبصرها بما يجب أن يكون، فتنشط النفس لعمل ال بر وفعل الخير، وتسعى في الأرض واثقة مطمئنة بذكر الله، معتدلة في السراء والضراء، لا تأسى على ما فات، ولا تفرح بما أوتيت، بل تصبر في الضراء، وتشكر في السراء، وتعلم أن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فلا يطغى المؤمن بعطاء ولا يقنط بمصاب أو بلاء.
وترى زيادة الإيمان مع تلاوة القرآن في طيب النفس وسرورها بعمل الخير، وانشراحها بتوفيقها للتعاون على البر، والكف عن الشر (
وإذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن).
إن القرآن الكريم قد حول نفوسا من حال إلى حال، ووجه طاقات المؤمنين إلى التسابق على البر، والتنافس على الخير، وقد فازوا وأفلحوا حين اعتصموا به ولم يتفرقوا، واستمعوا إليه وعاشوه قولًا وعملا، فأناروا به قلوبهم، وأحيوا به ليلهم، وواجوا به عدوهم مستمسكين به متخلقين.
كانوا كما وصفهم سعد بن أبي وقاص لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وهو يقود المجاهدين في أشد المعارك وأقساها، يقول وهو يصف حالهم: «كانوا يدوون بالقرآن إذا جنَّ الليل كدوي النحل لا يفضل من ذهب منهم من بقي إلا بفضل الشهادة».
هكذا كأن القرآن في حياتهم يقيمون حدوده، ويتبعون هدايته وينشدون غايته في إعلاء كلمة الله وابتغاء مرضاته، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، بل صبروا وصابروا، فأفلحوا في دنياهم، وسعدوا بلقاء الله في أخراهم ﴿
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿3﴾ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿4[الأنفال: 2-4].
تلك صفات المؤمنين حقًا وهذا جزاؤهم ﴿
لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ يزيدهم ما يتلى عليهم من آيات الله إيمانا مع إيمانهم.
﴿
وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿124﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿125[التوبة: 124، 125].
والقرآن هو القرآن، تستقبله نفوس آمنت بربها وأخلصت له، كما تستقبل الأرض الطيبة ما يصيبها من غيث فتثمر خيرًا وبرًا، وتأبأه نفوس فيزيدها رجسًا إلى رجسها ﴿
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا ﴿82[الإسراء: 82].
إنَّ الإيمان الصادق يتجاوب مع آيات الله، ويفيد بما فيها من تبصرة وذكرى.
أمَّا أهل الكفر والنفاق -وهم لا يستعملون حواسهم إلا لجلب منفعة أو طلب متاع -فإنهم يولون مستكبرين إذا تليت عليهم آيات الله ﴿
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿7[لقمان: 7].
ولا يرون في آيات الله في الآفاق -والقرآن يخاطبهم بها- لا يرون فيها ما خلقت له وما دلت عليه من دعوة إلى الحق وإيمان به وإفادة بالتبصرة والذكرى، ولا تتجه حواسهم إلا إلى ما تتجه إلى حواس الأنعام من شهوة ومتاع.
وأولئك إن سمعوا القرآن لا يسمعونه سماع تدبر وخشية. وهم إن قالوا سمعنا فهم لا يسمعون، وقد نهى الله المؤمنين أن يكونوا مثلهم ﴿
وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ﴿21[الأنفال: 21].
﴿
لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴿179[الأعراف: 179].
إن الآيات المنزلة تتسق مع آيات الله في الآفاق وفي الأنفس في مخاطبة الإنسان وتبصرته، ولكن من الناس ناسا يغفلون عما جعلت الآيات له، وأنزلت من أجله، ولا يرون إلا أن يكونوا شركاء للأنعام في متاع ﴿
وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴿12[محمد: 12].
رد مع اقتباس
  #44  
قديم 28-06-2009, 12:18 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (42)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي

ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله –تعالى- في سورة يونس ﴿
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿1[يونس: 1]، والإشارة بقوله: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾ إلى الآيات المذكورة في سورة يونس، فهي آيات من الكتاب الحكيم وهو القرآن.

والحكيم: المنظوم نظمًا متقنًا لا يعتريه خلل من أي وجه من الوجوه، والمحكم معناه الممتنع من الفساد فيكون المعنى لا تغيره الدهور والمراد براءته من الكذب والتناقض.
وهو حاكم على شئون الخلق. فهو حكيم في ذاته حاكم على غيره، ومن تدبر علم وأيقن.

وفي السورة حديث عن آيات الله في الآفاق وفي الأنفس، في السماء وفي الأرض وفي الشمس والقمر والليل والنهار، وفي قصص الرسل ومصارع المكذبين بدعوتهم. آيات من وحي الله تدل بنورها على آياته في الآفاق وفي الأنفس وتنسق معها في مخاطبة الإنسان وتبصرته. وأي حكمة أجل وأعظم من ذلك في مخاطبة البشر بما يناسب طبائعهم ويتصل بهم؟ ﴿
إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴿3﴾ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴿4﴾ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿5﴾ إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴿6[يونس: 3- 6]، إن الله سبحانه قد جعل الشمس ضياء والقمر نورًا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، ما خلق الله ذلك إلا لحكمة ولفائدة عظيمة ﴿ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ فلم يخلق ذلك عبثا ولا باطلًا. وإنما خلقه متلبسا بالحق والحكمة.

ولا يكون ذلك إلا بتقرير البعث والجزاء. ﴿
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴿4[يونس: 4].

وإذا كنا نرى الشمس -وقد جعلها الله ضياءً- نعم الخلق جميعًا، وتسخر لهم جميعًا، ولهم فيها من المنافع ما فيها -فإن دلالتها في إحكام شروقها وغروبها أبعد مدى من أن تكون لمنفعة عاجلة.
إنها تشرق عليهم مذكرة ومبصرة وغيب عنهم فلا تغيب عبرتها وعظتها، بل نراها فيجميع أحوالها، تنطق بالحق وتدعو إليه وتبصر به، وهي آية من آيات الله تدل على قدرته وحكمته وفضله ورحمته.

وكذلك القمر جعله الله نورًا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، وفيه من الفوائد والمنافع ما لا تخفى دلالته ولا تغيب حكمته. ﴿
مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ فلم يخلقه عبثًا، وإنما خلقه لحكمة ومصلحة، وهو آية من آيات الله، تدل على قدرته وحكمته وفضله ورحمته. آيات مسخرة تقدم النفع للناس وتدعوهم إلى عبادة من خلقها وسخرها ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴿37[فصلت: 37].

إنَّ هذه الحكمة البالغة في تسخير الشمس والقمر وخضوعهما لأمر الله في غير تخلف أو سبق لها من الدلالة ما لا يخفى على ذي علم وإيمان، ﴿
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿38﴾ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ ﴿39﴾ لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿40[يس: 38- 40].
كل ذلك بالحق ومن أجل الحق خلقا ودلاة وحكمة وغاية.
ومن رأي ذلك عبثا وباطلا أو رآه مصادفة بلا تدبير ولا تقدير لقي من الجزاء الحق ما يدين به للحق ﴿
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴿25[النور: 25]،

أخي المسلم: أرأيت كيف تنسق آيات الله المنزلة مع آيات الله في الآفاق وفي الأنفس في مخاطبة الإنسان بلا تناقض أو اختلاف ﴿
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾.
رد مع اقتباس
  #45  
قديم 28-06-2009, 12:19 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (43)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة يونس: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿15﴾ قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿16﴾ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴿17[يونس: 15- 17]، إنَّ القرآن الكريم وحي من الله رب العالمين.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- مُتَّبَعٌ مُبَلِّغٌ. قد أُمر أن يبلِّغ ما أُنزل إليه من ربه دون حرج من صدِّ المكذبين أو كيدهم.
﴿
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67]، ﴿ كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿2[الأعراف: 2].

إنَّه الحقُّ، والحق لا يتَّبع أهواء الناس. والذين لا يرجون لقاء الله يتبعون أهواءهم. واتباع الهوى -بغير هدى من الله- مُضِلٌ مُفسد يقود صاحبه إلى سوء المصير ويبعده عن العدل في القول واتباع الصراط المستقيم.
﴿
فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿50[القصص: 50]. إنَّ من ينشد الحق ويتدبر القرآن لا يخطر له أن يطلب سواه.

أمَّا الذين تأسرهم أهواؤهم فيتبعون الباطل ولا يرجون لقاء ربهم. فإن قلوبهم تشمئز من ذكر الله -وهذا شأن كل كفور جحود وأفاك أثيم.
﴿
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾.

سبحان الله، أي شيء يريدون؟! وبأي شيء يؤمنون؟!
﴿
تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴿6﴾ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴿7﴾ يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿8[الجاثية: 6- 8].

لقد قال الكفار لمن يتلو عليهم القرآن وهو الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ائت بقرآن غير هذا أو بدله» قالوا ذلك لما سمعوا ما غاظهم فيما تلاه عليهم من القرآن من ذمِّ عبادة الأوثان والوعد الشديد لمن عبدها. وقد أُمِرَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يقول في جوابهم: ﴿
قُلْ مَا يَكُونُ لِي ﴾ أي: ما ينبغي لي ولا يحل ﴿ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ﴾. ثم أمره أن يؤكد ما أجاب به عليهم بقوله: ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى ﴾ من عند الله -سبحانه- من غير تبديل ولا تحويل ولا تحريف. ثم أمره سبحانه أن يقول لهم تكميلاً للجواب عليهم: ﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿15﴾ قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿16﴾ إنَّ كفار مكة قد شاهدوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قبل مبعثه، وعلموا أحواله وأنه كان أُميا لم يطالع كتاباً ولا تعلم من أحد مدة عمره قبل الوحي ﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ﴾ أي زماناً طويلاً من قبل إنزال القرآن، وهم يعرفونه بالأمانة والصدق.

فكل من له عقل سليم وفهم ثاقب يعلم أن هذا القرآن من عند الله، أوحاه الله إلى نبيه ولم يأت به من عنده نفسه ﴿
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾؟
﴿
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴿17﴾. أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً أو ممن كذب بآياته بعد بيانها.
فإن ذلك أعظم جرمًا على الله وأكثر استشرافًا إلى عذابه ﴿
إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ أي: لا يظفرون ببغيتهم ولا يفلحون.
وفي الآية ما فيها من ردع وزجر لأولئك المكذبين الذين يكذبون بآيات الله ويتبعون أهواءهم حيث كانوا.
والإخبار بما يصير إليه هؤلاء فائدته في الدعوة إلى التمسك بالحق بمعرفة ويقين، والتحذير من اتباع سبل هؤلاء في اتباع الظن والقول بغير علم وقد جاءهم من ربهم الهدى.

فمن الناس من اهتدى بهدى الله ﴿
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ [محمد: 17]، ومنهم من جاءهم هدى الله فاستحبوا العمى على الهدى فأخذوا بما كانوا يكسبون. وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
رد مع اقتباس
  #46  
قديم 28-06-2009, 12:20 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (44)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في سورة يونس من قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُّفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿37﴾ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿38[يونس: 37، 38].
زعم أهل الكفر والجحود أنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أتى بهذا القرآن من عند نفسه على سبيل الافتعال والاختلاق، فأخبر الله –تعالى- أنَّ هذا القرآن وحي أنزله الله عليه وأنه مبرأ عن الافتراء والكذب، وأنه لا يقدر عليه أحد إلا الله -عز وجل- ثم ذكر ما يؤكد ذلك بقوله: ﴿
وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
وفي قوله: ﴿
تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ من الكتب المنزلة على الأنبياء برهان على نفي جواز الافتراء.

فما كان من شأنه أصلًا أن يفتري والنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي نسبوا إليه أنَّه جاء به من عند نفسه لم يطلع على الكتب المنزلة من قبل ولم يتعلم ما جاء فيها ولا سأل عنه، ولا اتصل بمن كان له علم به ﴿
وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿48﴾ ، فتصديق القرآن للكتب المنزلة قبله وهيمنته عليها معجزة مستقلة تحدد مصدره وأنه لا ريب فيه من رب العالمين.
﴿
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾ أي: إن كان الأمر كما تزعمون من أن محمدًا افتراه فأتوا أنتم على جهة الافتراء بسورة مثله وأنتم على معرفة بلغة العرب وفصاحة الألسن وبلاغة الكلام، وادعوا من استطعتم دعاءه والاستعانة به، ادعو من سوى الله من خلقه من شئتم إن كنتم صادقين في دعواكم أن هذا القرآن مفترى من دون الله.

فإنَّهم لمَّا نسبوا الافتراء إلى واحد منهم في البشرية والعربية قال لهم: هذا الذي نسبتموه إليّ وأنا واحد منكم ليس عليكم إلا أن تأتوا وأنتم الجمع بسورة مماثلة لسورة من سورة، واستعينوا بمن شئتم من أهل العربية على كثرتهم أو من غيرهم من الإنس أو من الجنِّ ﴿
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ وآمنوا بما نزل من الحق.
إنَّ هذا القرآن منزل من عند الله هداية للناس ونذيرًا للعالمين.

ومن تدبر أيقن يقينًا لا شك فيه أنَّ الجن والإنس لو اجتمعت على أن تأتي بمثله ما استطاعت أن تأتي بمثله في نظمه أو فيما اشتمل عليه من أخبار الغيب وما سيحدث من الأمور المستقبلية قبل وقوعها فإن ذلك لا يكون إلا من العليم الخبير الذي أحاط بكل شيء علمًا ﴿
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴿82[النساء: 82].

إنَّ المسارعة إلى تكذيب القرآن -وهو الحق من ربهم- قبل تدبره والعلم بما جاء به سفه يودي بصاحبه إلى سوء العاقبة والمصير. ﴿
بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴿39[يونس: 39].

ومع كثرة العاملين على محاربته وإبادة أهله تراه يفرض سلطانه بالحجة والبينة ويتلى على العالمين في عزة وثقة دون أن يقترب من ساحته باطل، أو يأتي على حرف من حروفه حاقد غادر، ولن تستطيع قوة مهمًا بلغت أن تقترب من حصنه، أو تنال من عزته؛ ذلك لأن الله قد حفظه؛ ومن حفظه الله لا يضيعه الناس.

وسيظل بإعجازه يصدع بالحق وينطق بالصدق، ينذر ويبشر ويهدي للتي هي أقوم، سيظل يوجه نداءه للقلوب لتخشع وإلى من شُغِل عنه ليعود إلى حماه ويتبع صراطه المستقيم ﴿
صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ ﴿53[الشورى: 53]
رد مع اقتباس
  #47  
قديم 28-06-2009, 12:21 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (45)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمه قوله تعالى في سورة يونس: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿57﴾ قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[يونس:57-58].
﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ نداء عام للناس جميعاً وخطاب لهم.

﴿
قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ والموعظة: القرآن الكريم، وتلك صفته وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعد ويوعد.
وقوله ﴿
مِّن رَّبِّكُمْ﴾ له دلالته في حث النسا على حسن الاستجابة والقبول.
﴿
مِّن رَّبِّكُمْ﴾ لم يأت بها محمد -صلى الله عليه وسلم- من عند نفسه بل هي موعظة من ربكم الذي خلقكم ورباكم بنعمه ووسعكم رحمته.
﴿
وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾ شفاء من الجهل والغفلة والعتو عن النظر في آيات الله مما يباعد الإنسان عن الإيمان واليقين.

والقرآن الكريم قد جعله الله موعظة للناس جميعاً، وهو كذلك في ذاته وفيما يدعو إليه، وجعله هدى ورحمة للمؤمنين؛ لأنهم المتبعون له، والمنتفعون بهدايته. ﴿
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا﴾ [الإسراء:82]، فهو حجة ورحمة لنم اتبعه وآمن به.
وهو حجة وخسارة على من كذب به وأعرض عنه.

﴿
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115].
إنَّ الناس في دنياهم قد يخطئون ويسيئون فيما يختارونه لأنفسهم، ويرونه خيراً، قد يؤخذون بزينة الحياة الدنيا وحطامها وينسون ما هم مقبلون عليه وصائرون إليه.

والقرآن الكريم هو الموعظة من ربكم يحدد للناس قيم الأشياء ويدعوهم إلى ما هو خير وأبقى: ﴿
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿16﴾ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ[آل عمران:14-17]، هكذا يعظ القرآن الناس ويبين لهم ما هو خير وأبقى، هو لا يحرمهم من دنياهم، ,لا يحرم عليهم زينتها.

وإنَّما عرَّفهم حقيقتها ويبصرهم بعاقبتها ليتحقق الاعتدال والتوازن في سلوك الإنسان فلا يؤخذ بالزينة وينسى القيمة ولا يركن إلى العاجلة ويذر الآخرة، بل يبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا.

وهذا الاعتدال والتوازن هوالسبيل لأمن الدنيا وسلامتها وتحقيق المودة والتعاونفيها على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

ومن فقد التوازن في نفسه أساء وأفسد وضل وأضل.
ومن آثر الحياة الدنيا طغى وابتغى التكاثر دون حدود أو ضوابط.
ومن خاف مقام ربه كف شره عن غيره وقدم خيره.

وجاءت العاقبة تكريما لمن أحسن وجزاء وفاقا لمن أساء.
﴿
فَأَمَّا مَن طَغَى ﴿37﴾ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿38﴾ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴿39﴾ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿40﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[النازعات: 37- 41].

ومن تدبر ما أمر بتدبره أيقن أنَّ الخير في العاقبة فعمل لها واستمسك بأسبابها.

﴿
قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 85].
أي بهذا القرآن الذي جاءهم بالهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به ﴿
هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة.

لمَّا قدم خراج العراق إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج عمر ومولى له، فجعل عمر يعد الإبل فإذا هي أكثر من ذلك.
فجعل عمر يقول: الحمد لله.

ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته.
فقال عمر له: كذبت. ليس هذا.
هو الذي يقول الله تعالى: ﴿
قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ .... الآية ﴾ وهذا ممَّا يجمعون.

يبين له عمر دلالة الآية وأنها تعني ما جاء من الهدى ودين الحق لا ما يكون في أيدي الناس من متاع فذلك مما يجمعون.

ذاك فقه الصحابة في النظر إلى الأشياء وتحديد قيمتها، لقد أنار القرآن حياتهم وجعلهم يؤثرون ما يبقى على ما يفنى، فاختاروا ما رضيه الله لهم رضي الله عنهم ورضوا عنه.

رد مع اقتباس
  #48  
قديم 28-06-2009, 12:21 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (46)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة يونس: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ[يونس:61].

﴿
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ﴾ من جميع الشئون، والشأن: الأمر بمعنى القصد، والمراد وصف إحاطة علم الله تعالى بكل شيء.

﴿
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ وفي الآية مؤانسة لأهل الحق الذين آمَنُوا وعملوا الصالحات، وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم، وفيها تحذير لأهل الباطل أن لا شيء من أمرهم صغر أو كبر يخفى على الله، فهم مأخوذون بذنوبهم ومؤاخذون على أعمالهم ﴿وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ وتفيضون: تنهضون بجد، يقال أفاض الرجل في سيره وفي حديثه: إذا اندفع في ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ يعزب: معناه: يغيب حتى يخفى.

حتى قَالُوا للبعيد: عازب. وقيل للغائب عن أهله: عازب.
حتى قالوه لمن لا زوجة له.
لا يغيب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذَلِكَ ولا أكبر في كتاب مبين.

وللآية دلالتها وفائدتها في استقامة النفس وصدق إخلاصها لله وخشيتها منه، ولها أثرها في تريبة الإنسان، وهو يخشى الله ويرجو اليوم الآخر، ويوقن أن الله قد أحاط بكل شيء علماً، فما غاب عن أعين الناس لا يخفى على علم الله.

إنَّ العبد إذا استحضر ذَلِكَ في نفسه اتقى ربه حيث كان، وآثر رضاه ورغب فيما عنده وأحسن عمله ابتغاء وجهه وقدم خيره وكف شره عن غيره. ﴿
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ﴿57﴾ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴿58﴾ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ ﴿59﴾ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴿60﴾ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ[المؤمنون:57--61].

أخي المسلم: تدبر هذه الآية واستحضر مقاصدها ودلالتها واجعل جميع أمرك طاعة ل ربك ﴿
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ الآية. لقد عمت هذه الآية وخصت. خصت القرآن الكريم بالذكر مع أنه داخل فيما عمت؛ للتنبيه على عظم شأنه، وأنه السبيل لصلاح كل أمر وهو يهدي للتي هي أقوم. وأن الملائكة تحف أولئك المجتمعين على تلاوته ومدارسته، والله سبحان يذكرهم فيمن عنده. (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).

هكذا شأن القرآن الذي خصته الآية بالذكر تنزل السكينة له، وتحضره الملائكة ويذكر أهله في الملأ الأعلى، ويأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. (
يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهم).

فاعمل به أخي السملم في كل شأن من شئونك، واجعله ميزانه قصدك وعملك لتقوم بالقسط كما أمر ربك، إن الله قد أنزل القرآن وحفظه ليتدبر وليُعمل به، فمن اتبعه قاده إلى الجنة، ومن أعرض عنه شقي في دنياه وخسر في أخراه، إنه فضل الله ورحمته فلا تشغل عنه بما تجمع من حطام دنياك وزينة حياتك، فإنه معك في دنياك وآخرتك. لا يتخلى عنك في ساعة موتك وانفرادك بعملك، إنه وفي لا يتخلى عمن صاحبه فيدنياه وعمل به. كل حرف فيه تقرؤه أو تستمع إليه تلقاه هناك حسنات مضاعفات في كل حرف عشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء والله ذو الفضل العظيم.

رد مع اقتباس
  #49  
قديم 28-06-2009, 12:21 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (47)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي


ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة يونس: ﴿
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴿108﴾ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [يونس: 108- 109].

﴿
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ﴾ نداء وخطاب للناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والحق المراد هنا هو القرآن الذي نزَّله الله على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ﴿فَمَنِ اهْتَدَى﴾ أي: اتبع الحق واستمسك به فإنما يهتدي لنفسه؛ لأنه يطلب لها رحمة الله التي وعد الله بها من اتبع هداه ويدفع عنها عذابه ﴿وَمَن ضَلَّ﴾ أي: حاد عن الطريق المستقيم وأعرض عن هذا الذكر فإنما يضل على نفسه. وقد أُمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به من عند الله هو الحق الذي لا مرية فيه، فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود نفع ذلك الاتباع على نفسه.
ومن ضل عنه فإنما يرجع وبال ذلك عليه ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ أي: وما أنا موكل عليكم حتى تكونوا مؤمنين وإنما أنا نذير مبين، أبلغكم ما أرسلت به وأمرت بتبليغه.

ثم أمر سبحانه أن يتبع ما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي التي يشرعها له ولأمته. وأمره بالصبر على أذى لاكفار، وما يلاقيه من مشاق التبليغ وما يعانيه من الصَّد والكيد من أعداء الله. وجعل هذا الصبر ممتدًّا إلى غاية ﴿
وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ أي: يحكم الله بينه وبينهم في الدنيا بالنصر له عليهم وفي الآخرة بعذابهم. وهذا وعد من الله لنبيه.

وقد صبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المؤمنين حتى تحقق وعد الله بنصر الحق وإزهاق الباطل وحكم الله بما قدره وقضاه.

وفي مخاطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمره بذلك توجيه لدعاة الحق حيث كانوا أن يقتدوا وأن يحسنوا الاتباع وأن يصبروا على ما يلاقونه صادقين محتسبين حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.

فإنَّ حكمته قد اقتضت أن يُبتلى أهل الحق حتى تتبين معادنهم وتُعرف حقيقتهم وتتميز صفوفهم والله عالم بهم.

ولابد لمن رغب في الفوز والنجاة أن يعتصم بالصبر وحسن الاتباع ﴿
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ ﴾ .

فتلك سنة الله ﴿
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ[محمد: 31 ]، ﴿الم ﴿1﴾ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[العنكبوت: 1- 3 ].

﴿
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 142].

﴿
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ[آل عمران:214].

وسبيل أهل الإيمان لطلب النصر والرجاء فيه أخذهم بالأسباب التي أجملتها هذه الآية ﴿
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ﴾.

وحسن الاتباع لما نزل من الحق يتطلب عملاً صادقًا خالصًا في مجالات شتى لإقامة الحق ودفع الفساد والظلم.

يقتضي أن تتضافر الجهود وتضع كافة الإمكانات لإعلاء كلمة الله في إخلاص وصدق وحب ﴿
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ[الحجرات: 15 ].

إنَّ العلم بالحق والعمل به لا تتحدد به العاقبة فحسب بل يتحدد به مسار الإنسان من بدئه إلى منتهاه.

ولم تكن عقبى الدار لمن اتبعوا الحق من ربهم إلا خاتمة مسار في طريق مستقيم متميز بمعالمه وصفات أهله.

وحيثما قرأت القرآن لا تخطئك هذه المعالم ولا تستبهم عليك هذه الصفات.

ولا ترى في هذا الصراط المستقيم ضيقاً ولا حرجًا. ولا ترى في أهله سوءًا ولا عوجًا. بل ترى فيه وفيمن اتبعه نورًا وهدى وصلاحًا وتراحمًا وتقى.

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[الأنعام: 153 ].
رد مع اقتباس
  #50  
قديم 28-06-2009, 12:22 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (48)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي

ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة هود: ﴿
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴿1﴾ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴿2﴾ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴿3﴾ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[هود: 1- 4 ].
﴿
كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾.

حديث عن القرآن الكريم -وقد وُصِف بإحكام آياته وتفصيلها الدَّالين على عُلُوِّ رتبته في ذاته. ثم وصف بقوله: ﴿
مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾. وهذه الصفة دالة على عُلُوِّ شأنه من حيث كونه من عند حكيم خبير وهو الله -عز وجل-.

والوصفان دالان على ما للكتاب من شأن في إحكامه وتفصيله. أحكمها حكيم وفصَّلها خبير، عالم بمواقع الأمور وهو يحكم الكتاب عن حكمة ويُفَصِّلُه عن خبرةٍ.

وماذا تضمنت آياتُ هذا الكتاب؟

تضمنت أصول العقيدة التي أُرسل بها الرسل جميعاً وأنزلت الكتب.

لقد أنزل هذا الكتاب ليخاطب العالمين برسالة الرسل جميعاً -ممثلة في أوصل العقيدة- بلا تفرقة.

يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له. والإيمان برسله. ويدعوهم إلى الاستغفار والتوبة ليصلحوا في الأرض -كما أمر الله- ولا يفسدوا.

ويقرر الجزاء المترتب على الأعمال خيرها وشرها في الدنيا والآخرة، وأنَّ المرجح إلى الله لا إلى غيره ﴿
إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
فما تدعون إليه وتؤمرون به أو تنهون عنه في هذا الكتاب ليس وعظا مجردًا من مؤاخذة وجزاء.

إنَّه الحق وللحق جزاؤه وحسابه ﴿
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ[النور: 25 ]، والقرآن الكريم يذكر الناس كثيراً بلقاء ربهم ويدعو إلى تدبر الأدلة التي تقود إلى صدق الإيمان به واليقين بلقائه.

ومن أجل ذَلِكَ أرسل الله الرسل وأنزل الكتاب وفصل الآيات ليجد المتدبر عونه على تثبيت يقينه ولا تبقى هناك حجة لمنكر أو مرتاب.

وما أسرع ما تمضي الأيام وتنقضي الآجال، ويأتي اللقاء، ويقع الجزاء ﴿
يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴿45﴾ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ[يونس: 45- 46 ].

الناس عائدون إلى الله لا محالة... راجعون إليه ومحاسبون بين يديه. وهذا ما تخبرنا به آياته.
﴿
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ[يونس: 4 ].

والوعد الحق هنا وعد برجوع الخلق إليه ووعد الله حق.

ومن قدر على البدء قادر على الإعادة ﴿
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[الروم: 27 ].

أخي المسلم: إنَّ تفصيل الآيات مع أحكامها لك ومن أجلك. لتحسن ولا تسيء، وتستقيم كما أمرك الله. وهي تذكرك بيوم الرجوع إلى الله من قبل أن يقع، لننظر كل نفس ما قدمت لغد، ولا تركن إلى زوال. فإن متاع الدنيا قليل والأجل فيها محدود وقصير، ومن طلب البقاء فيها فقد طلب المحال.

﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ[البقرة: 281 ].
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 148.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 141.94 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (4.09%)]